البحث

عبارات مقترحة:

الشهيد

كلمة (شهيد) في اللغة صفة على وزن فعيل، وهى بمعنى (فاعل) أي: شاهد،...

اللطيف

كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

التحذير من الخمر

العربية

المؤلف محمد بن صالح بن عثيمين
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة - الحكمة وتعليل أفعال الله
عناصر الخطبة
  1. تحريم الإسلام كل ما هو مضر بالدين أو الدنيا .
  2. المقصود بالخمر وتحريمه بالكتاب والسنة والإجماع .
  3. حكم من قال أن الخمر حلال والآثار المترتبة على ذلك .
  4. حكم من شرب الخمر معتقدا حله .
  5. عقوبات شارب الخمر في الدنيا والآخرة .
  6. الخمر أم الشرور .
  7. أضرار الخمر على الدين والعقل والنفس والمجتمع .

اقتباس

أيها المسلمون: إن الخمر نقص في الدين، وضرر في العقل والنفس والمجتمع. أما نقص الدين، فقد بان لكم من كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وخلفائه الراشدين، ما فيه كفاية. وأما ضررها في العقل، فإنها ...

الخطبة الأولى:

الحمد لله الذي أباح لنا جميع الطيبات، وحرم علينا الخبائث والمضرات، أباح لنا الطيبات، تفضلا منه وولاية، وحرم علينا الخبائث والمضرات عناية منه ووقاية.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان، وسلم تسليما.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله -تعالى-، وتمتعوا بما أحل لكم من الطيبات، واشكروه عليها بالقيام بطاعته، فإن الشكر سبب للمزيد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ)[البقرة: 172].

واجتنبوا ما حرم عليكم من المطاعم والمشارب لعلكم تفلحون.

فإن الله لم يحرمها عليكم إلا لضررها، ولو كانت خيرا ما حرمها عليكم، فإن الله ذو الفضل العظيم.

فلم يحرم عليكم إلا ما فيه ضرر في دينكم أو دنياكم أو فيهما جميعا، قال الله -تعالى- في وصف نبيكم -صلى الله عليه وسلم- (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)[الأعراف: 157].

أيها المسلمون، أيها المؤمنون بمحمد -صلى الله عليه وسلم-: إن من الخبائث التي حرم الله عليكم على لسان نبيكم -صلى الله عليه وسلم-، بالوحي الذي أوحي إليه؛ ذلكم الشراب الخبيث: "الخمر".

وهو كل شيء مسكر من مطعوم، أو مشروب، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل مسكر خمر"[البخاري ومسلم وغيرهما].

وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على منبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الخمر ما خامر العقل"[متفق عليهما].

ومعنى: "خامر العقل" غطاه بالسكر والذهول.

فالخمر ليس من نوع معين مخصوص، بل هو كل ما أسكر، وغطى العقل، واختل به التمييز سكرا وتلذذا.

أيها المسلمون: إن الخمر حرام بكتاب الله -تعالى- حرام بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرام بإجماع المسلمين إجماعا قطعيا معلوما بالضرورة من دين الإسلام، لا خلاف فيه ولا نزاع ولا إشكال ولا لبس، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ)[المائدة: 90 - 91].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "كل خمر".

وفي رواية: "كل مسكر حرام"[البخاري ومسلم وغيرهام].

وأجمع علماء المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وقديم الزمان وحديثه، على أن الخمر حرام إجماعا قطعيا لا ريب فيه؛ فمن قال: إنها حلال، فهو كافر يستتاب، فإن تاب وأقر بتحريمها ترك وإلا قتل كافرا مرتدا.

لا يغسل، ولا يكفن، ولا يصلى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين، وإنما يرمس بثيابه في حفرة بعيدة لئلا يتأذى المسلمون برائحته، وأقاربه بمشاهدته.

ولا يرث أقاربه من ماله، وإنما يصرف ماله في مصالح المسلمين.

ولا يدعى له بالرحمة، ولا النجاة من النار؛ لأنه كافر مخلد في نار جهنم: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا * يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولَا)[الأحزاب: 64 - 66].

أيها المسلمون: إن من اعتقد أن الخمر حلال، فهو مضاد لله، مكذب لرسوله، خارج عن إجماع المسلمين: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا)[النساء: 115].

أما من شرب الخمر، وهو يؤمن ويعتقد بأنها حرام، ولكن سولت له نفسه بها فشربها، فهو عاص لله، فاسق عن طاعته، مستحق للعقوبة.

عقوبته في الدنيا: أن يجلد بما يراه ولاة الأمور رادعا له ولغيره، بشرط أن لا ينقص عما جاء عن السلف الصالح.

كان شارب الخمر في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- يضرب نحو أربعين، ولم يسنه بقدر معين، بل كان الناس يقومون إليه فيضربونه بالأيدي والجريد والأردية والنعال، فلما عثا الناس فيها، وفسقوا جمع عمر الصحابة -رضي الله عنهم-، فاستشارهم في عقوبة تكون أردع للناس الفاسقين بشربها، فقال عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-: "أخف الحدود ثمانين، فجعله عمر ثمانين".

فإذا تكرر من الشارب الشرب، وهو يعاقب ولا يرتدع، فقال ابن حزم: "يقتل في الرابعة".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "يقتل في الرابعة عند الحاجة إليه، إذا لم ينته الناس بدون القتل، وهذا عين الفقه؛ لأن الصائل على الأموال إذا لم يندفع إلا بالقتل قتل، فما بالكم بالصائل على أخلاق المجتمع وصلاحه وفلاحه؛ لأن ضرر الخمر لا يقتصر على صاحبه، بل يتعداه إلى نسله ومجتمعه".

هذه عقوبة شارب الخمر في الدنيا.

أما عقوبته في الآخرة، فقـال أنس بن مـالك -رضي الله عنه-: "لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها، وشاربها وحاملها والمحمولة إليه، وساقيها وبائعها، وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له"[قال في الترغيب رواته ثقات، الترمذي (1295) ابن ماجة (3381)].

وقال صلى الله عليه وسلم: "من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة"[البخاري ومسلم وغيرهما].

وقال: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: مدمن الخمر، وقاطع الرحم، ومصدق بالسحر"[أحمد (4/399) وابن حبان في صحيحه والحاكم].

وقال صلى الله عليه وسلم: "مدمن الخمر إن مات لقي الله كعابد وثن"[رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح قاله في الترغيب، ابن ماجة (3375)].

فاتقوا الله -أيها المسلمون-، واجتنبوا الخمر لعلكم تفلحون.

فلقد وصفت الخمر بأقبح الصفات في كتاب الله، وفي سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وصفها الله بأنها رجس من عمل الشيطان، وقرنها بالميسر والأزلام، وعبادة الأوثان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)[المائدة: 90].

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اجتنبوا الخمر، فإنها مفتاح كل شر" [ابن ماجة (3371) رواه الحاكم، وقال صحيح الإسناد].

وصدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإن الخمر مفتاح كل شر، وجماع الإثم كله.

إن شاربها يفقد عقله، ويلتحق بالمجانين.

إنه ربما يقتل نفسه وهو لا يشعر.

وربما يزني وهو لا يشعر.

وربما يعتدي على غيره وهو لا يشعر.

روى البيهقي بإسناد صحيح عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أنه قال: "اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث"[النسائي (5666)].

كان رجل فيمن خلا قبلكم يتعبد، ويعتزل الناس، فأحبته امرأة غوية، فأرسلت إليه جارتها أن تدعوه لشهادة، فجاء البيت، ودخل معها، فكانت كلما دخل بابا أغلقته دونه، حتى وصل إلى امرأة وضيئة -أي حسناء جميلة- جالسة عندها غلام، وإناء خمر، فقالت له: إنها ما دعته لشهادة، وإنما دعته ليقع عليها، أو يقتل الغلام، أو يشرب الخمر، فلما رأى أنه لا بد من أحد هذه الأمور تهاون بالخمر فشربه، فسكر، ثم زنى بالمرأة، وقتل الغلام.

قال أمير المؤمنين عثمان: "فاجتنبوا الخمر، فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه".

ومصداق ما قاله أمير المؤمنين -رضي الله عنه- قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن"[البخاري ومسلموغيرهما].

وللنسائي: "فإذا فعل ذلك فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، فإن تاب تاب الله عليه".

وللحاكم: "من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه".

أيها المسلمون: إن الخمر نقص في الدين، وضرر في العقل والنفس والمجتمع.

أما نقص الدين، فقد بان لكم من كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، وخلفائه الراشدين، ما فيه كفاية.

وأما ضررها في العقل، فإنها تمحوه حين شربها إذا سكر، وتضعف العقل بعد الصحو، وربما أدى شربها إلى الجنون الدائم، كما هو معلوم من أقوال أهل الطب.

وأما ضرر الخمر في النفس، فإن شارب الخمر تجده دائما في ضيق وغم، وقلق نفس.

كل كلمة تثيره، وكل عمل يضجره؛ لأن قلبه معلق بالخمر، لا يسر إلا بتناولها، ولا يفرح إلا بالاجتماع عليها، فلا يتقن عملا، ولا يثمر نتيجة.

وأما ضرر الخمر في المجتمع، فهو إيقاع العداوة والبغضاء بين الناس، وقتل المعنويات العالية، والأخلاق الفاضلة، والإغراء بالزنا واللواط، وكبائر الإثم والفواحش، كما شهد بذلك الخبيرون بالجرائم وأسبابها.

فاتقوا الله -عباد الله-، واسألوه العصمة من كبائر الإثم والفواحش، والتوبة من جميع الإثم والمعاصي: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)[المائدة:2].

اللهم جنبنا منكرات الأخلاق والأعمال، والأهواء والأدواء، ووفقنا للتوبة النصوح، والإنابة إليك، واغفر لنا ولجميع المسلمين، إنك أنت الغفور الرحيم.