الغفار
كلمة (غفّار) في اللغة صيغة مبالغة من الفعل (غَفَرَ يغْفِرُ)،...
العربية
المؤلف | بلال بن إبراهيم الفارس |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
إن أساليب الأنبياء تختلف؛ فبين قول إبراهيم: (يا أبت) نجد قول هود: (فانتظروا)، وبين استغفار إبراهيم لأبيه نجد دعوة نوح على قومه، والله عز وجل أمر نبينا صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بالأنبياء جميعاً فقال جل شأنه عنهم: (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده)؛ فكان خير المقتدين صلى الله عليه وسلم، وهذه قطرة من بحر في علم النبي صلى الله عليه وسلم بأحوال المدعويين ومراحل الدعوة ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا, من يطع الله ورسوله فقد رشد, ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا,وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله وخيرته من خلقه؛ فعليه الله صلى, وعليه الله سلم, اللهم صل على أزواجه وآله وصحبه, وأتباعه وحزبه وسلم تسليماً كثيرا.
أما بعد: فإن خير الوصايا وأزكاها الوصية بتقوى الله تعالى؛ لأن فيها النجاة من النار والفوز بدار الأبرار (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر:61] , (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيّاً) [مريم:63] وحسبكم بالجنة مطلباً وعنالنار مهرباً.
عباد الله: لا تزال العاصفة في أوج مثارها والنار في شدة أوارها, والمثقفون يلوكون القضية في المجالس والحوارات والصحف والمنتديات؛ فهل يستحق رؤوس البدعة أن يوسموا بسيء الألفاظ؟ وهل هذا منهج نبوي؟ وما حال الناس في مثل هذه القضايا؟
لقد انحاز لمنهج (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) [التوبة: 73] فئامٌ من الناس، بينما غلب البعض التمسك بقاعدة (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ) [النحل: 125]، وبينهما خطبة اليوم بين ضجيج الأصوات والاستشهاد بكلام الأحياء والأموات بين تقاطع الأقلام وتبادل الاتهام، دعونا نتحدث من المنتصف جمعاً بين نصوص هؤلاء ونصوص أولئك كيف لا ومصدرها سماوي واحد كريم .. ولا يمكن أن يرد التعارض في ديننا القويم .. فما هو الهدي مع المخالف أهو الرفق واللين أم الشدة والإغلاظ؟!!
عباد الله: إن مردنا في التحاكم هو كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والله عز وجل يقول: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) [النساء: 59] قال ابن عبد البر: "أجمعوا أن الرد لله ورسوله هو الرد للكتاب والسنة"، وإنا إن شاء الله دائرون في فلكهما.
قال الله تعالى -في موضعين من كتابه الكريم في التوبة والتحريم-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) [التوبة: 73]، وهذه الآية أحد أربعة أسياف بعث بها النبي صلى الله عليه وسلم كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربعة أسياف: سيف للمشركين (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) [التوبة: 5]، وسيف لكفار أهل الكتاب (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة:29]، وسيف للمنافقين (جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ)، وسيف للبغاة (فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ) [الحجرات: 9]، وفي المقابل قال الحق تبارك وتعالى -موصياً نبيه صلى الله عليه وسلم-: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ) [النحل: 125].
والسؤال: كيف نجمع بين الوصية بالإغلاظ على المنافقين وبين الدعوة بالحكمة؟
أيها الفضلاء: إن الجمع بينهما وإعمال النصوص جميعاً يتحقق في التفريق بين أحوال المخاطبين.. إن أحوال المخاطبين بالدعوة تختلف، وبقدر حال المدعو ومرحلة الدعوة يكون الأسلوب, وإنه باستقراء أحوال الرسل مع أقوامهم يمكن القول بأن المخاطبين بالدعوة على ثلاثة أحوال:
الحالة الأولى: مخاطبة عموم الناس، وهذه تكون بالحكمة والموعظة الحسنة.
الحالة الثانية: مخاطبة المجاهر بالمعصية المظهر لها، وهذه تكون بالحكمة -أولاً-، فإن لم تنفع الحكمة معهم فلتكن بالإغلاظ والتغيير، وعلى هذا قال ابن جرير الطبري في آية: (وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ) قال: "إذا أظهروا النفاق" ونصره ابن كثير في تفسيره.
الحالة الثالثة: مخاطبة من حارب الدعوة وأظهر العداء لها بما يكتبه ويلفظه رغم سابق بيان الحق له ثم صده عنه, والتعامل مع هذا النوع هو من الجهاد بالبيان؛ لأن المجال هنا ليس مجالَ دعوة، بل هو مجال انتصار للثوابت وردع للمخالف، وعلى مثل هذا يفهم قول ابن مسعود رضي الله عنه في تفسير الآية حيث قال: "جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ" باليد فإن لم يستطع فباللسان فإن لم يستطع فبالقلب فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه"، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "أمر الله تعالى بجهاد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان وأذهب الرفق عنهم".
ويدل على أن المخاطبين ليسوا على صورة واحدة في نوع الخطاب قول الله تعالى: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ ) [العنكبوت: 46]،فليسوا سواء.
أيها الفضلاء: تعالوا بنا نحلق في سماء الأنبياء لننهل من حكمتهم البالغة في أساليب الدعوة، وسترون بعين اليقين أن المخاطبين ليسوا على صورة واحدة، بل إن المخاطب يخاطب بأكثر من أسلوب على حسب حاله! وهذا أوان العرض لمواقف خير أهل الأرض.
يا أتباع الأنبياء: إنه بالنظر لأساليب الأنبياء عموماً نجد الفرق ظاهراً؛ فأسلوب نوح عليه السلام في أول دعوته بقوله: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً) [نوح: 10]، وقوله: (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً) [نوح:15] يختلف تماماً عن قوله عليه السلام:(رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً) [نوح: 26]، ، وعلل سبب دعائه بقوله: (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً) [نوح:27].
فتبين -رعاك الله- أسلوبه الأول لما كان قومه أهلاً للدعوة، ثم تأمل أسلوبه الأخير لما أمسى قومه أعداءً للدعوة ومجاهرين بضلالاتهم وداعين لها.
وهذا كليم الله موسى عليه السلام الذي قال الله له ولأخيه: (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) [طـه:44]. هو الذي قال في آخر دعوته: (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) [الاسراء: 102].
فهل يعد عاصياً لأمر الله؟! كلا وحاشاه؛ لكنه فقه المرحلة والدعوة، فلما عتى فرعون وأمسى ساخراً بالله تعالى ومطارداً لأوليائه ومدعياً للربوبية - كان الأسلوب الحسن بعيداً عنه فلم يبق له إلا الإغلاظ والثبور.
وتأمل قوة هود عليه السلام في خطاب قومه لما اتهموا دينه بأنه سبب لاعتراء آلهتهم له بسوء؛ فخطب فيهم خطبة تهتز لها الجبال الرواسي فقال: (إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ) [هود:54-55]. حتى قال بعض المفسرين: "لا يعلم لهود عليه السلام معجزة إلا قوته وتحديه لقومه وفي المقابل عجزهم عنه".
إن أساليب الأنبياء تختلف؛ فبين قول إبراهيم: (يا أبت) نجد قول هود: (فانتظروا)، وبين استغفار إبراهيم لأبيه نجد دعوة نوح على قومه، والله عز وجل أمر نبينا صلى الله عليه وسلم أن يقتدي بالأنبياء جميعاً فقال جل شأنه عنهم: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام: 90]؛ فكان خير المقتدين صلى الله عليه وسلم، وهذه قطرة من بحر في علم النبي صلى الله عليه وسلم بأحوال المدعويين ومراحل الدعوة.
يا أتباع أبي القاسم صلى الله عليه وسلم: إن نبيكم الذي وصفه الله بأنه رحمة للعالمين هو الذي قال لكفار قريش لما عتوا وسخروا بدعوته: (جئتكم بالذبح) إن حبيبكم صلى الله عليه وسلم الذي مات ودرعه مرهونة عند يهودي هو الذي أرسل سرية من أبطاله لقتل رأس اليهود كعب بن الأشرف؛ لأن اليهودي الأول يختلف عن اليهودي الثاني.
إن قدوتكم صلى الله عليه وسلم الذي زار جاره اليهودي في مرض ابنه هو الذي رد على اليهود لما قالوا له السام عليكم بقوله: "وعليكم" فاستجيبت دعوته فيهم، ومعلوم عند كل ذي عينين أن ثمة فروقاً بين الجار الذي أكرم لجواره وبين العدو الساخر بالألفاظ الشرعية والرموز المقدسة.
إن نبيكم عليه الصلاة والسلام الذي استقبل عكرمة بن أبي جهل بقوله: "مرحبا بالراكب المهاجر" ونهيه الصحابة عن سب أبيه هو الذي سمى لصحبه أقواماً جاهروا الرسالة والرسول بالهجاء والسب والسخرية، وأمر بقتلهم -ولو تمسكوا بأستار الكعبة-؛ لأن الخصم متفاوت.
إن ربكم سبحانه وتعالى الذي عاتب نبيه صلى الله عليه وسلم حين استبقى الأسرى بقوله: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ) [الأنفال: 67] هو الذي وصف الصالحين من عباده على وجه الثناء لهم بأنهم يطعمون الأسرى بقوله سبحانه: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) [الإنسان:8]؛ لأن الأحوال تختلف، وحال الأسير في أرض المعركة ليست كحال الأسير في بلد المسلمين؛ فهناك مرحلة قتال وإثخان، وهنا مرحلة تأليف ودعوة ورحمة.
أيها الفضلاء: ها قد تبين أن الرفق مطلوب مع قوم، والغلظة والشدة مطلوبة مع آخرين، وعلى هذا قامت النصوص والأحكام وتكاتفت مواقف الرسل الكرام.
فهنيئاً لكل داعية دعا بالحسنى من كان أهلاً للحسنى .. وسدد الله كلَّ غيور غلظ بقوله على من لم تُجدِ الحسنى معهم.
بارك الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
أما بعد: عباد الله: إذا كان هذا هو الأسلوب مع المخاطبين من المخالفين فإنه مع النفس أولى وأجدر؛ فللنفس إقبال وإدبار، وفيها شرّة وفترة، ومن ثم كان المنهج التربوي الإسلامي يتعامل مع هذه النفس بكل هذه الاعتبارات، ومن ذلك الجمع في الوصايا النبوية بين الترغيب والترهيب، والرجاء والخوف.
فتعامل مع نفسك بهذا؛ إن أحسنت رغبها، وإن أخفقت خوفها وأرهبها، والوصية ممتدة في تربيتك لمن تحب وقديماً قيل:
فقسا ليزدجروا ومن يك راحما
وهلم بنا نتفيأ ظلال الوصايا النبوية لننهل منها الترغيب العظيم والتخويف المهيب روى الشيخان عن أنس -رضي الله عنه- قال خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط: "قال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" قال: فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم خنين" رواه البخاري ومسلم.
وربما يحتاج المربي للإغلاظ فليقدره بقدره ولا يبالغ ولا يظلم. ومن صور ذلك في السنة المطهرة: فَصَلَ النبي صلى الله عليه وسلم في بعض القضايا بحزم، ومن ذلك ما جاء عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رجل: يا رسول الله، لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان، فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضباً من يومئذ فقال: "أيها الناس إنكم منفرون فمن صلى بالناس فليخفف فإن فيهم المريض والضعيف وذا الحاجة" رواه البخاري ومسلم.
وقد بوب البخاري رحمه الله في صحيحه على هذا الحديث: "باب الغضب في الموعظة والتعليم إذا رأى مايكره". وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه وقال: "يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده" فقيل للرجل بعد ما ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذ خاتمك انتفع به، قال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ رواه مسلم.
وعن سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه- أن رجلاً أكل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بشماله فقال: "كل بيمينك. قال لا أستطيع. قال: "لا استطعت" ما منعه إلا الكبر قال فما رفعها إلى فيه" رواه مسلم.
ومن صور ذلك: هجره لمن تخلف عنه في تبوك حتى تاب الله عليهم إلا أن الحزم والشدة لم يكونا هديه الراتب صلى الله عليه وسلم بل كان الرفق واللين هو الألصق بالنبي الكريم وغاية النبل والعزم حزم في لين ولين في حزم اللهم صل على محمد.
عباد الله: ومن أمثلة الترغيب في سنة النبي الحبيب -وهو الأصل والأكثر والأشهر والأظهر- ما حدث به أبو ذر -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب أبيض وهو نائم، ثم أتيته وقد استيقظ فقال: "ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة" قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال:"وإن زنى وإن سرق" قلت: وإن زنى وإن سرق؟ قال: "وإن زنى وإن سرق على رغم أنف أبي ذر"، وكان أبو ذر إذا حدث بهذا قال: وإن رغم أنف أبي ذر" رواه البخاري ومسلم.
والمتأمل في كثير من المربين يجد التغليظ عنده هو الأصل والترغيب هو الفرع ولقد كان الأولى به أن يوازن مغلباً جانب الرفق واللين تأسياً بالنبي القدوة (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران: 159]، (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128].
ومن صور لينه: مواقف سطرها التاريخ لنبي ذي خلق عظيم ومنها قصة الأعرابي الذي بال في المسجد والقصة مشهورة.
ومنها: قصة سلمة بن صخر الأنصاري -رضي الله عنه- قال: "الذي جامع أهله في رمضان قال فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري فقلت انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بأمري فقالوا: لا والله لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا قرآن أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالة يبقى علينا عارها، ولكن اذهب أنت فاصنع ما بدا لك، قال: فخرجت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته خبري فقال: " أنت بذاك؟ " قلت: أنا بذاك، قال:" أنت بذاك؟ " قلت: أنا بذاك، قال:" أنت بذاك؟ " قلت: أنا بذاك، وها أنا ذا فامض في حكم الله فإني صابر لذلك، قال: " أعتق رقبة" قال: فضربت صفحة عنقي بيدي فقلت: لا والذي بعثك بالحق لا أملك غيرها، قال: " صم شهرين" قلت: يا رسول الله، وهل أصابني ما أصابني إلا في الصيام؟ قال: " فأطعم ستين مسكينا" قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه وحشى ما لنا عشاء، قال: " اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدفعها إليك، فأطعم عنك منها وسقاً ستين مسكينا، ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك" قال فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم السعة والبركة، أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي، فدفعوها إليه رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه.
وبعد عباد الله: ها قد عرفتم فالزموا: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [لأحزاب:21].
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.