الواسع
كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...
العربية
المؤلف | فؤاد بن يوسف أبو سعيد |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك |
إن المؤمن لا راحة له في الدنيا بما فيها من بلاء وشقاء، ومن سوء قضاء، ومن شماتة أعداء، الدنيا ممتلئة بمثل هذه الأمور، النبي -صلى الله عليه وسلم- تعوذ من هذه الأمور وأمرنا أن نقتدي به، فقد "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ" رواه البخاري. وقال: "تعَوّذوا بالله من جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ".
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، فمن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِّنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.
أيها الإخوة الكرام: نعيش في هذه الدنيا ونملؤها بالمعاصي والسيئات، ونملؤها نحن وغيرنا بالخيرات والمنافع والطيبات، فهذا يقوم على شؤون الدنيا، فيحسن عمارتها، وذاك يقوم بشؤون الآخرة فيحسن لقاء ربه -سبحانه وتعالى-، والمؤمن بين الاثنين يعمل في الدنيا، ويتحمل ما فيها، ويعمل للآخرة، فقد جمع المؤمن بين خيري الدارين بأمر الله -سبحانه وتعالى-.
إن المؤمن لا راحة له في الدنيا بما فيها من بلاء وشقاء، ومن سوء قضاء، ومن شماتة أعداء، الدنيا ممتلئة بمثل هذه الأمور، النبي -صلى الله عليه وسلم- تعوذ من هذه الأمور وأمرنا أن نقتدي به، فقد "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَتَعَوَّذُ مِنْ جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ" رواه البخاري. وقال: "تعوذوا بالله من جَهْدِ البَلاَءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ القَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ".
فنعوذ بالله -يا عباد الله- من جَهْدِ البَلاَءِ، وقد سبقنا غيرنا من الأمم، فوقعت في البلاء كما وقع بنو إسرائيل وذكرهم الله في أكثر من آية حتى يرجعوا إلى الله، أذاقهم من أنواع البلاء، قال -سبحانه-: (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ)، ما هو العذاب؟ ما هي أنواعه؟ منها في الدنيا أن أعداءكم (يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ)، وفي آية أخرى: (يقتِّلون أَبْنَاءَكُمْ)، (وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ) [البقرة: 49].
وعندما أمر الجليلُ -سبحانه- خليلَه إبراهيم -عليه السلام- بذبح ابنه إسماعيل -عليه السلام- قال -سبحانه-: (إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ) [الصافات:106]،
وفي الغزوات والجهاد وملاقاة أعداء الله، في هذا بلاء من الله -عز وجل- للمؤمنين، (وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَنًا) [الأنفال:17]، أي: إن الله تعالى قادر على أن يرفع عن المؤمنين البلاء، ويرفع عنهم الشقاء، لكنّ هذا من أنواع البلاء والابتلاء، فهو -سبحانه- قادر على انتصار المؤمنين من الكافرين، من دون مباشرة قتال، فهو قادر -سبحانه- أن يهزم أعداءنا دون أن نقاتل،ولكن الله أراد أن يمتحن المؤمنين، ويوصلهم بالجهاد إلى أعلى الدرجات، وأرفع المقامات، ويعطيهم أجرا حسنا وثوابا جزيلا. [تفسير السعدي].
فعلمنا رسولنا -صلى الله عليه وسلم- أن نقول إذا داهمنا البلاء: "اللهم إنا نعوذ بك من جَهْدِ الْبَلَاءِ"... ومنه قلَّة المال، وكثرةُ العيال، قلة المال وكثرة الديون، قلة المال وكثرة الحاجة إليه، نوع من جهد البلاء، وجهد البلاء الحال الشاقّة، يقع فيها الإنسان مشقة كثيرة...
وجهد البلاء: كلُّ ما أصاب المرء منْ شدةِ مشقة، ومالا طاقة له بحمله، ولا يقدر عَلَى دفعه، كمن وقع عليه بلاء، ولا يقوى على دفعه، هذا جهد بلاء...
وجهد البلاء هو ما يختار الموت عليه... فبعض الناس من قلة المال ينتحر، بعض الناس من الذين لا يؤمنون بالانتحار من المؤمنين يتمنى الموت، ولذلك نهينا عن تمني الموت لضر نزل بنا، لكن نسأل الله العافية، فهذا هو جهد البلاء يا عباد الله.
وإنما تعوذ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منْ ذلك ؛ تعليما لأمته، ومن المحتمل أن يكون استعاذ بربه منْ وقوع ذلك بأمته، ويؤيده رواية مسدد المذكورة بصيغة الأمر، "استعيذوا بالله..."...
قَالَ الكرمانيّ: هذه الكلمة جامعة؛ لأن المكروه إما أن يلاحظ منْ جهة المبدأ، وهو سوء القضاء -يعني: الله يقضي على العباد قضاء معينا، فيشعر الناس فيه بالعذاب أو الألم أو المشقة- أو منْ جهة المعاد -أي: بعد ذلك وهو شماتة الأعداء- وهو درك الشقاء، أو منْ جهة المعاش، وهو إما منْ جهة غيره، وهو شماتة الأعداء، أو منْ جهة نفسه، وهو جهد البلاء، نعوذ بالله -سبحانه وتعالى- منْ ذلك...
فاللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء؛ أي: من البلاء الذي يبلو الجهد، أي: يصل إلى الطاقة، أقصى طاقة في الإنسان فيزيد عليها.
والبلاء نوعان: بلاء جسمي كالأمراض، وبلاء ذكري معنوي؛ بأن يُبتلى الإنسان بمن يتسلَّط عليه بلسانه، فيقع في عرضه، فينشر معايبه، ويخفي محاسنه... فإذا ابتلي بعض الناس بذلك فهذه مصيبة، يمشي في الشارع والكل يشير إليه وما أشبه ذلك، هذا من البلاء الذي يشق على الإنسان، وربما يكون مشقةُ هذا البلاء على الإنسان بأن يقع الناس في عرضه أبلغَ من مشقة جهد البدن، فيتعوذ الإنسان بالله من جهد البلاء.
أما البلاء البدني فأمره ظاهر: أمراض في الأعضاء، أوجاع في البطن، في الصدر، في الرأس، في الرقبة، في أي مكان من أعضاء الإنسان، هذا من البلاء.
وربما يكون أيضا من البلاء قسم ثالث، وهو ما يبتلي الله به العبد من المصائب العظيمة الكبيرة، فمن الناس من يعبد الله على حرف، فهو يعبد الله، لكن إذا جاء أي أمر ربما يترك هذه العبادة، وينكث على عقبيه، نسأل الله السلامة! فإن أصابه خير اطمأن به وبقي في عبادته، وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة، وإذا أصابه خير وراحة وطمأنينة اطمأن، وإذا أصابه فتنة دينية أو دنيوية انقلب على وجهه، تجد إيمانه مثلا متزعزعا، أدنى شبهة ترد عليه تصرفه عن الحق، تجده لا يصبر، أدنى بلاء يصيبه يصرفه عن الحق، فيتسخط على قضاء الله وقدره، وربما يقع في قلبه أشياء لا تليق بالله -عز وجل-، من أجل هذا البلاء.
واللهم إنا نعوذ بك من جهد البلاء و "دَرَكِ الشَّقَاءِ"، والدرك -يا عباد الله- بالسكون والفتح، هو الإدراك، بأن يدرك الإنسان ويلحق به، فكأنك أنت فارٌّ هارب عن الشقاء فيدركك ويلحق بك، فنستعيذ بالله من إدراكه، نعوذ بالله من درك الشقاء، و"الشقاء" هو الهلاك ...، ودرك الشقاء يكون فِي أمور الدنيا، وفي أمور الآخرة.
وَقَالَ النوويّ -رحمه الله تعالى-: معناه: أعوذ بك أن يدركني شقاء، أي: هلاك في الدنيا والآخرة.
و"درك الشقاء"، الذي أمرنا أن نستعيذ بالله منه، أي: ومن أن يدركك الشقاء، والشقاء ضد السعادة، والسعادة سببها العمل الصالح، والشقاء سببه العمل السيئ، فإذا استعذت بالله من درك الشقاء، فهذا يتضمن الدعاء بألا تعمل عمل الأشقياء، فإذا أردت ألا يلحقك شقاء، فلا تعمل عمل الأشقياء من المعاصي والذنوب.
واللهم إنا نعوذ بك من "سُوءِ القَضَاءِ"، قال -سبحانه-: (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ). [يونس:11]، بعض الناس يقع عليه العذاب، أو سوء من قضاء الله وقدره، وبالنسبة لله -سبحانه- لا سوء عنده، لكن بالنسبة للخلق فقد يكرهون ما يقع عليهم، وما يصيبهم من آلام أو أوجاع في أموال وما شابه ذلك.
"سوء القضاء" وهو بمعنى المقضيِّ؛ أي: الذي يكون نتيجة لهذا القضاء، إذْ حكْمُ الله -سبحانه وتعالى- من حيث هو حكمه كلُّه حسنٌ، لا سوء فيه.
وسوء القضاء يحتمل معنيين: أن أقضي قضاء سيئا، وأن الله يقضي على الإنسان قضاء يسوءه.
والقضاء يعني الحكم، فالإنسان ربما يحكم بالهوى، ويتعجل الأمور، ولا يتأنى ويضطرب، هذا سوء قضاء، قد يحكم على غيره عندما يأتيه خبر عنه فيحكم عليه بالظن أو التهمة أو ما شابه، فهذا من سوء القضاء، كذلك القضاء من الله -سبحانه وتعالى-؛ فقد يقضي الله -عز وجل- على الإنسان قضاء يسوءه ويحزنه، فتستعيذ بالله -عز وجل- من سوء القضاء.
قال -تعالى-: (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) [الأنعام:40-41]، فإذا قضى الله أمرا يكون لبعض الناس خيرا، وقد يكون لبعض الناس شرا، فالقضاء كله من عند الله خير، لكن على الناس قد يكون هذا، وقد يكون ذاك.
واللهم إنا نعوذ بك من "شَمَاتَةِ الأَعْدَاءِ"، فالإنسان إذا وقع عليه جهد البلاء، أو درك الشقاء، أو سوء القضاء، تشمت به الأعداء، شمتوا به، فنعوذ بالله من شماتة الأعداء! وهذه ذكرها الله -سبحانه وتعالى- في قصة موسى، قال -سبحانه-: (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأعراف:150].
فما معنى شماتة الأعداء؟ هي أن يفرح العدوّ ببليّةٍ تنزل بعدوّه، قَالَ ابن بطال: شماتة الأعداء: ما ينكأ القلب، ويبلغ منْ النفس أشد مبلغ؛ فشماتة عدوك صعبة جدا، فاستعذ بالله من شماتة الأعداء يا عبد الله.
والأعداء جمعُ عدوٍّ، وقد ذكر الفقهاء ضابطا للعدو، فقالوا: من سرَّه ما ساء في شخص، أو غمَّه فرَحُه، فهو عدوُّه. كلُّ إنسان يسره ما ساءك، أو يغمه ما يـفرحُك، فهو عدوٌّ لك.
وشماتة الأعداء: فرح الأعداء بما أصابك، والعدوُّ لا شكَّ أنَّه يفرح في كلِّ ما أصابَ عدوه الإنسان من بلاء، ويحزن في كل ما أصابه من خير، فأنت تستعيذ بالله -عز وجل- من شماتة الأعداء، فأمرنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- أن نتعوذ بالله من هذه الأمور الأربعة: جهد البلاء، ودرك الشقاء، وسوء القضاء، وشماتة الأعداء.
فينبغي للإنسان أن يمتثل أمر الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وأن يستعيذ بالله منها، لعل الله أن يستجيب له، والله الموفق.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه إلى يوم الدين.
أما بعد: قال ابن القيم -رحمه الله تعالى- مبينا أسباب البلاء والشقاء، وشماتة الأعداء، وسوء القضاء، فهذه لها أسباب يا عباد الله! عازيا ذلك لسبب واحد ألا وهو الذنوب والخطايا، والمعصية والخطيئة والسيئة، فقال -رحمه الله-: الذَّنْبُ إِمَّا يُمِيتُ الْقَلْبَ، أَوْ يُمْرِضُهُ مَرَضًا مُخَوِّفًا، أَوْ يُضْعِفُ قُوَّتَهُ وَلَا بُدَّ، حَتَّى يَنْتَهِيَ ضَعْفُهُ إِلَى الْأَشْيَاءِ الثَّمَانِيَةِ الَّتِي اسْتَعَاذَ مِنْهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: الْهَمُّ وَالْحَزَنُ، وَالْعَجْزُ وَالْكَسَلُ، وَالْجُبْنُ وَالْبُخْلُ، وَضَلَعُ الدَّيْنِ وَغَلَبَةُ الرِّجَالِ وَكُلُّ اثْنَيْنِ مِنْهَا قَرِينَانِ.
فَالْهَمُّ وَالْحَزَنُ قَرِينَانِ: فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ الْوَارِدَ عَلَى الْقَلْبِ؛ إِنْ كَانَ مِنْ أَمْرٍ مُسْتَقْبَلٍ يَتَوَقَّعُهُ أَحْدَثَ الْهَمَّ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَمْرٍ مَاضٍ قَدْ وَقَعَ أَحْدَثَ الْحَزَنَ.
وَالْعَجْزُ وَالْكَسَلُ قَرِينَانِ: فَإِنْ تَخَلَّفَ الْعَبْدُ عَنْ أَسْبَابِ الْخَيْرِ وَالْفَلَاحِ؛ إِنْ كَانَ لِعَدَمِ قُدْرَتِهِ فَهُوَ الْعَجْزُ، وَإِنْ كَانَ لِعَدَمِ إِرَادَتِهِ فَهُوَ الْكَسَلُ.
وَالْجُبْنُ وَالْبُخْلُ قَرِينَانِ: فَإِنَّ عَدَمَ النَّفْعِ مِنْهُ إِنْ كَانَ بِبَدَنِهِ، فَهُوَ الْجُبْنُ، وَإِنْ كَانَ بِمَالِهِ فَهُوَ الْبُخْلُ.
وَضَلَعُ الدَّيْنِ وَقَهْرُ الرِّجَالِ قَرِينَانِ: فَإِنَّ اسْتِعْلَاءَ الْغَيْرِ عَلَيْهِ؛ إِنْ كَانَ بِحَقٍّ فَهُوَ مِنْ ضَلَعِ الدَّيْنِ، وَإِنْ كَانَ بِبَاطِلٍ فَهُوَ مِنْ قَهْرِ الرِّجَالِ. اهـ.
ويلخص ابن القيم -رحمه الله تعالى- هذا الأمر قائلا: وَالْمَقْصُودُ؛ أَنَّ الذُّنُوبَ مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِهَذِهِ الثَّمَانِيَةِ، كَمَا أَنَّهَا مِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِجَهْدِ الْبَلَاءِ، وَدَرَكِ الشَّقَاءِ، وَسُوءِ الْقَضَاءِ، وَشَمَاتَةِ الْأَعْدَاءِ، وَمِنْ أَقْوَى الْأَسْبَابِ الْجَالِبَةِ لِزَوَالِ نِعَمِ اللَّهِ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِهِ، وفجاءة نِقْمَتِهِ، وجَمِيعَ سُخْطِهِ. اهــ.
فالصلاة والسلام على من جاءنا بما ينفعنا فعلمنا إياه وحضنا عليه، وعرَّفنا ما يضرُّنا وحذَّرنا منه، فصلّى الله وسلم وبارك نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين كافة، فقد صلى عليه الله -سبحانه- وجميع ملائكته الكرام، قائلا -جلَّ جلاله-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللهُمَّ صلِّ على محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ، كما صليتَ على إبراهيمَ، وعلى آلِ إبراهيمَ إنَّك حميدٌ مجيدٌ. اللهُمَّ بارِك على محمدٍ، وعلى آلِ محمدٍ، كما بارَكْتَ على إبراهيمَ، وآلِ إبراهيمَ إنَّك حميدٌ مجيدٌ.
اللَّهُمَّ...