المتكبر
كلمة (المتكبر) في اللغة اسم فاعل من الفعل (تكبَّرَ يتكبَّرُ) وهو...
العربية
المؤلف | محمد بن إبراهيم الشعلان |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
إن تحصين الأولاد من الأمراض، ووقايتهم منها، من واجبات الرعاية المناطة بالآباء والأمهات، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وحماية الجسم من الأسقام والعلل، واجب كبير من الواجبات الملقاة على الناس جميعاً، فقد قال -تعالى- (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء:29]، وقال -سبحانه-: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة:195].
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء، وهو على كل شيء قدير، أحمده -سبحانه- وأشكره.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا ند له ولا مثيل ولا نظير، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه وعمل بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، فإن تقواه سبب للفلاح، قال الله -تعالى-: (وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [آل عمران:200].
عباد الله: عندما يسمع الناس نذيراً ينذر بمرض خطير يصيب الأطفال، وأنه يجب على أوليائهم تحصينهم من هذا المرض، تجد أنهم يتدافعون على تحصينهم ووقايتهم من هذا المرض، وينفرون إلى المستشفيات والمراكز الصحية، من أجل هذا التحصين وهذه الوقاية، حتى لا يصيب هذا المرض فلذات أكبادهم، وثمرة قلوبهم، وزينتهم في هذه الحياة.
فالأولاد قد حببوا إلى آبائهم وأمهاتهم، وزينوا لهم بالفطرة والجبلّة التي فطروا عليها وجبلوا عليها، كما قال -سبحانه وتعالى-: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ) [آل عمران:14]، وقال -جل وعلا-: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) [الكهف:46]، وقد قال القائل:
وإنـمـا أولادنـا بـيــنـنـا | أكبادنا تمشـــي على الأرض |
لو هبت الريح على بعضهم | لامتنعت عيني عن الغمض |
إن تحصين الأولاد من الأمراض، ووقايتهم منها، من واجبات الرعاية المناطة بالآباء والأمهات، كما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته"، وحماية الجسم من الأسقام والعلل، واجب كبير من الواجبات الملقاة على الناس جميعاً، فقد قال -تعالى- (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) [النساء:29]، وقال -سبحانه-: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة:195].
وترك المرض يعبث بالجسم ويهلكه، من باب قتل النفس وإلقاء باليد إلى التهلكة، وقد قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح: "ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء".
وروي الإمام أحمد في مسنده، والبخاري في أدبه، وأهل السنن، عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "تداووا -عباد الله- فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاءً، إلا داء واحداً: الهرم". وفي صحيح مسلم -رحمه الله- عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله -تعالى-".
وهو أيضاً من حقوق المجتمع المسلم على أفراده الذين يعيشون فيه؛ لأن سلامة الفرد من الأمراض -وخاصة المعدية منها- سلامة للأسرة، وسلامة الأسرة سلامة للمجتمع.
من أجل هذا نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يورد الممرض على المصح، فقال -عليه الصلاة والسلام-: "لا يورد ممرض على مصح"، وثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا عدوى ولا طيرة ولا هامة ولا صفر، وفرّ من المجذوم كما تفر من الأسد"، وهذا لفظ البخاري.
وهذا -عباد الله- من أجل سلامة الصحيح، وخوفاً من أن يعديه السقيم بسقمه فيكثر السقماء والمرضى، وهذا فيه ضعف للمجتمع، ووسيلة إلى عدم القيام بالواجبات الدينية والدنيوية.
والإسلام ينشد مجتمعاً سليماً من الأمراض والأسقام التي توهن الأجساد وتضعف القوى، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان". وهذه القوة تشمل القوة الدينية والقوة البدنية.
فينبغي للناس جميعاً المحافظة على أجسادهم من الأمراض والأسقام، والتداوي بالأدوية المباحة المشروعة، والحرص على وقاية أولادهم من الأمراض والعلل المضعفة للأجسام أو المهلكة لها.
وهنا أوجه رسالة إلى الأطباء بأن يخلصوا لله في مهنتهم، ويقوموا بها على خير وجه، وأن يحذروا التساهل في العلاج والتشخيص... لأن المريض تحت يد الطبيب أمانة عنده يجب أن يحفظ هذه الأمانة ويرعاها رعاية كاملة شاملة ويجتهد في حفظها، فالمريض قد ألقي بجسده بين يدي الطبيب، وسوف يقبل ما يصفه له الطبيب من دواء.
فليتق الله الأطباء، وليحسنوا إلى المرضى، ويحذروا التهاون بعملهم، فقد يهلك المريض وتكون نفسه ثمناً لتساهل الطبيب وعدم مبالاته بالتشخيص والعلاج، وليكن الطبيب على حذر من الإقدام على علاج داء لا خبرة له فيه ولا علم له به، فقد قال العلماء: "إن الطب كالشرع، لا يفتى فيه إلا بعلم ودراية".
وعلى الجهات المسؤولة تهيئة الجو المناسب للطبيب من حيث الأماكن والأدوات والعلاج، حتى يتمكن من القيام بعمله على أكمل وجه، وحتى لا ينتقل المريض من مكان إلى مكان لعدم وجود الإمكانات والطاقات لدى هذا المستشفى أو ذاك فيضطر إلى دفع مال باهظ لعلاج مرضه، أو العجز عن ذلك، فيقع فريسة للمرض يأكل فيه وهو عاجز عن دفعه ومقاومته.
فهذه -عباد الله- مسؤوليات متعددة كلها تصب في قناة واحدة، وهي سلامة الفرد والأسرة والمجتمع من الأمراض والأسقام، فالآباء عليهم مسؤوليتان: مسؤولية نحو أولادهم، ومسؤولية نحو أنفسهم، والأفراد عليهم مسؤولية نحو أنفسهم وتجاه أسرهم ومجتمعهم، والأطباء عليهم مسؤولية -أيضاً- نحو المرضى، والجهات المسؤولة عليها مسؤولية تجاه الكل، بقيامها بما أوكل إليها بكل إخلاص وصدق ونصح.
فليقم كل بمسؤوليته، وليعلم أنه مسؤول عنها أمام ربه -عز وجل- يوم يقف بين يديه.