الرفيق
كلمة (الرفيق) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) من الرفق، وهو...
العربية
المؤلف | سعود بن ابراهيم الشريم |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | المهلكات - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
الحسد والتحاسد مجمع الآفات، ومستنقع الشرور والرذائل؛ إذ ما دخل الحسد في شيء إلا شانه، ولا نزع من شيء إلا زانه، وإن انتشار مثل هذه الملوثة المذمومة، في أوساط الناس، لأمر مؤذن بعواقب وخيمة، وأضرار جسيمة، ولو لم يكن من ذلك إلا التباغض والتدابر، والإحن والتناحر بله الغيبة والنميمة والأشر والبطر. وإن من سهام الناس القاتلة التي تمزق من رمية الحسد هي الإصابة بالعين، وما أدراكم ما الإصابة بالعين؟! إنها نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر..
الخطبة الأولى:
الحمد لله...
أما بعد: فاتقوا الله أيها الناس، اتقوا ربكم وراقبوه في السر والعلن، فبتقوى الله - عز وجل - تصلح الأمور، وتتلاشى الشرور ويصلح للناس أمر الدنيا والآخرة.
أيها الناس: الحسد والتحاسد مجمع الآفات، ومستنقع الشرور والرذائل؛ إذ ما دخل الحسد في شيء إلا شانه، ولا نزع من شيء إلا زانه، وإن انتشار مثل هذه الملوثة المذمومة، في أوساط الناس، لأمر مؤذن بعواقب وخيمة، وأضرار جسيمة، ولو لم يكن من ذلك إلا التباغض والتدابر، والإحن والتناحر بله الغيبة والنميمة والأشر والبطر.
وإن من سهام الناس القاتلة التي تمزق من رمية الحسد هي الإصابة بالعين، وما أدراكم ما الإصابة بالعين؟! إنها نظر باستحسان مشوب بحسد من خبيث الطبع يحصل للمنظور منه ضرر، يقال: أصابت فلانا عين، إذا نظر إليه عدو أو حسود، فأثرت فيه فمرض بسببها.
بذلكم - عباد الله - بين أهل العلم حقيقة العين، وبها تعلمون أن العين، إنما هي جمرة مضرمة من حطب الحسد، ابتلي بها الكثيرون على حين غفلة من الأوراد الشرعية، التي هي حروز أمنية، وحصون مكينة، فتناثرت جثث وهام، وتردت نفوس، وتهالكت أجساد من جرائها، ولقد صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ يقول: "أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين" (رواه البخاري في تاريخه والبزار في مسنده، وهو حديث حسن).
عباد الله، العين حق لا مماراة فيها، ثابتة بالكتاب والسنة وبواقع الأمم المتكررة، يقول الله - جل وعلا - لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُواْ الذِكْرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) [القلم:51]، أي: يعينُونك بأبصارهم، قال ابن كثير - رحمه الله -: "وفي هذه الآية دليل على أن العين إصابتها وتأثيرها حق بأمر الله - عز وجل –".
ثم اعلموا عباد الله أن اللقع [أي: أصابه بها] بالعين، كان في بني إسرائيل، وقد كانت العرب إذا أراد أحدهم أن يعتان أحدًا، يجوع ثلاثة أيام ثم يعتانه. ولقد قال الحسن البصري -رحمه الله-: "دواء من أصابته العين أن يقرأ هذه الآية".
ومما يدل على أن العين حق - عباد الله - قول الخالق - جلا وعلا -: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ الْفَلَقِ مِن شَرّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَد)[سورة الفلق].
قال قتادة: أي من شر عينه ونفسه، وقال ابن القيم -رحمه الله-: كل عائن حاسد، ولما كان الحاسد أعم من العائن، كانت الاستعاذة منه، استعاذة من العائن، وقال ابن عطية: إن عين الحاسد في الغالب لاقفة. نعوذ بالله - عز وجل - من شرها.
ومن لطائف هذه الآية - عباد الله -، أن بعض العامة يقولون للحاسد إذا نظر إليهم: الخمس على عينيك، ويشيرون بالأصابع الخمسة، وهذا غلط بين؛ إذ المراد بالخمس هي آيات سورة الفلق إذ كلها خمس آيات.
لقد جاءت السنة مؤكدة للقرآن ومفسرة له، ولقد قال المصطفى -صلى الله عليه وسلم- في ذلك: "العين حق، ولو كان شيء سابق القدر لسبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا" (رواه مسلم).
والمعنى: إن طلب من أحدكم أن يغتسل لمن أصابه بالعين فليجب. وقال -صلى الله عليه وسلم- : "استعيذوا بالله من العين؛ فإن العين حق" (رواه الحاكم وابن ماجه).
وقد صح عند أحمد في مسنده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "إن العين لتولع بالرجل بإذن الله حتى يصعد حالقًا فيتردى منه" (صحيح مسند أحمد (5/146)، ومعنى يصعد حالقا: أي يصعد مكانًا مرتفعًا.
وقال -صلى الله عليه وسلم- مرة لأسماء بنت عميس: "مالي أرى أجسام بني أخي ضارعة – أي نحيفة – تصيبهم الحادة؟؟" قالت: لا، ولكن العين تسرع إليهم. قال: "ارقيهم" قالت: فعرضت عليه فقال: "ارقيهم" (رواه مسلم).
ثم اعلموا عباد الله أن العين عينان: عين إنسية وعين جنية، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ من عين الجان ثم من أعين الإنس، فلما نزلت المعوذتان والإنسان قد يعين نفسه إذا رأى منه ما يعجبه، واستقى بعض أهل العلم ذلك من قوله - تعالى -: (وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ) [الكهف:39].
ولقد ذكر الفقهاء - رحمهم الله -، أن من عُرف بالعين، فإن الإمام يحبسه، ويجري له ما ينفق عليه إلى الموت، قال ابن القيم -رحمه الله-: "وهذا هو الصواب قطعًا".
وما ذاك - يا عباد الله -، إلا لعظم هذا الأمر، وخطورته في المجتمع وإهلاك الأنفس به وهدم الأسر والبيوتات، مما يدل بالتأكيد على أن العين حق؟ فكفى الله المسلمين شرها.
أيها الناس، في حضارتنا المعاصرة، كثر المثقفون، وشاعت المعارف الذكية، في حين إن البعض منها، مقطوع الصلة بالله وبشرعه، والإنسان مهما قوي فهو ضعيف، ومهما اتسع تعلمه فعلمه قاصر، وحاجته إلى شريعة ربه والوقوف بالتسليم لنصوصه، أشد من حاجته إلى الماء والهواء، فما أعظمَ نعمةَ الدين الصحيح والعقل الصريح! فلا دين بلا عقل؛ إذ لا تكليف حينئذ، ولا عقل بلا دين؛ إذ إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
ولقد برزت طائفة من المعنيين بالطب وفنونه ممن قل نصيبهم من نصوص الشارع الحكيم، فأبطلت أمر العين، وادعت كاذبة أنها لا تعدو كونها أوهامًا، وأطياف خيال لا حقيقة لها، ولا غرو أيها المسلمون أن يضل أمثال هؤلاء، وقد قال ربنا - جل وعلا -: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى) [طه:123]، (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)[العنكبوت:3].
أيها المسلمون، إن أمر العين غير خافٍ على كل ذي لب متجرد، وهذه حال غير مستنكرة ألبتة، وإنما المستنكر - عباد الله - أن يكون المتفاعل معها كالمستسمن غير سمن، وكالمستبعد غير غرب؛ إذ ظن بعض السذج أن ليس للعين سبيل إليهم بمجرد أن يعلق تميمة أو ودعة أو نابا، أو تعاويذ ورقى ملفقة، ينسجها لهم أدعياء الكهانة والشعوذة، يخدعون بها الرعاع أو يدعو أن لهم خصوصية في نفع رقاهم وتعاويذهم لأخذهم العهود على شيوخ، أو أصحاب طرق أو نحو ذلك مما لا أصل له في الدين؛ بل هو بدعة وضلال مبين، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك" (رواه أحمد وأبو داود).
والتمائم شيء يعلق على الأولاد من العين. وقال : "من تعلق شيئا وكل إليه" (رواه أحمد والترمذي).
والتعلق يكون تارة بالقلب كالاعتقاد في قراءة الشيخ الفلاني، أو التعلق بها من دون الله وأنها شافية أو نحو ذلك، ويكون تارة بالفعل، كمن يعلق تميمة أو خيطا أو نحوهما، لدفع العين أو الضر، ويكون تارة بهما جميعا؛ أي بالقلب والفعل.
فمن تعلق بالله وأنزل حوائجه به والتجأ إليه، وفوض أمره إلى ربه كفاه وهداه وقرب إليه كل بعيد، ويسر له كل عسير، ومن تعلق بغيره أو سكن إلى رأيه وعقله وتميمته ودوائه وكله الله إلى ضيعة، فما ظنكم - عباد الله - بمن تعلق بغير الله؟ بل ما ظنكم بمن وكله الله إلى نفسه أو إلى غيره من المخلوقين؟ أترونه ناجيا أم هالكا؟! (أَفَمَن يَمْشِى مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِى سَوِيّاً عَلَى صِراطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الملك:22].
والله - سبحانه - هو الذي تعلق عليه الآمال: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) [الطلاق:3]، (وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا) [إبراهيم:12].
إن العجب كل العجب، في أولئك المصابين بالعين، حين يستبدلون الرقى والعزائم الشركية بالرقى والعزائم الشرعية، جاهلين أو متجاهلين، خطورة هذا المسلك والهوة السحيقة التي تقذفهم إليها تبعاته. قال القرافي في فروقه عن ألفاظ الرقى: "وهذه الألفاظ منها ما هو مشروع كالفاتحة والمعوذتين، ومنها ما هو غير مشروع كرقى الجاهلية والهند وغيرهم، وربما كان كفرا؛ ولذلك نهى مالك وغيره عن الرقى العجمية لاحتمال أن يكون فيه محرم".
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه -رحمه الله-: "نهى علماء الإسلام عن الرقى التي لا يفقه معناها؛ لأنها مظنة الشرك، وإن لم يعرف الراقي أنها شرك"، فعن عوف بن مالك الأشجعي قال: كنا نرقي في الجاهلية فقلنا: يا رسول الله كيف ترى في ذلك؟ فقال: "اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك " (رواه مسلم).
كل اسم مجهول، لا يجوز لأحد أن يرقي به فضلاً عن أن يدعو به، وأما جعل الألفاظ الأعجمية أو الحروف المقطعة شعارا للرقى، فليس من دين الإسلام، كقول أرباب الدجل في رقاهم وتعاويذهم: "كركدن دهده، شراهيا جلجلوات" وأمثالها مما هو دجل فوق دجل وخرافة فوق خرافة، مما ليس من دين الإسلام في شيء.
بيد أن كثيرًا من الناس في هذا العصر، قد كبا كبوة مثيرة، وزل زلة خطيرة، فجمهورهم قد أصابهم لوثات هذه العلل، قد أسلموا عقولهم لأيادي الهدم، التي لبست قفاز التدين واستطاعت من وراء هذا القفاز، أن تصافح كثيراً من ضعاف النفوس بسبب تخلفهم، وإبان غفلة من علمائهم وأولي الأمر منهم فكانوا كالمستجير من الرمضاء بالنار، ولسان حالهم يقول: "وداوني بالتي كانت هي الداء". فزادوهم مرضا إلى مرضهم، واقتلعوا أطناب حياتهم الهانئة، فخر عليهم سقف السعادة من فوقهم وما خذل أمثال هؤلاء إلا حينما لجؤوا إلى ذئاب الظلام، وركنوا إلى هرائهم وأهازيجهم، ناسين شرعة الله وصبغته (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)[القصص:50].
فإذا عباد الله يستخلص من ذلك أن الرقى تكون مشروعة إذا تحقق فيها شروط ثلاثة: أولها: أن لا يكون فيها شرك ولا معصية؛ كدعاء غير الله أو الإقسام بغير الله.
وثانيها: أن تكون بالعربية وما يعرف معناه. وثالثها: أن لا يعتقد كونها مؤثرة بنفسها.
قال ابن أبي العز الحنفي: "اتفقوا على أن كل رقية وتعزيم أو قسم فيه شرك بالله، فإنه لا يجوز التكلم به، وإن أطاعته الجن أو غيرهم".
وبعدُ - عباد الله -، فإن كون العين حق، أمر ثابت شرعا وواقعاً وعقلا، وحينما تظهر أمامنا هذه الحقيقة جلية، فإن من الأخطاء الشائعة، والبلايا المعقدة أن يصبح المرض بالعين شبحًا مروعًا أو هاجسًا متدليًا إلى الذهن عند كل وخزة ألم، أو نكسة نفس، حتى يصل الأمر بذلك إلى درجة الوهم لدى الناس، فإذا ما عطس امرؤ قالوا: هذه عين، وإذا أخذته سعلة قالوا: إنها العين، وإذا ما أصيب أو ابتلي قالوا: يا لها من عين! حتى لقد أخذ الوهم من البعض مأخذه، يمشي وأمامه العين، وينام كذلك ويصبح كذلك، وهذا هو الداء العُضَال؛ إذ لا يزيد الوهم إلا وهنا.
فاتقوا الله - عباد الله - وبادروا بالرقى والأذكار الشرعية إصابات العين، وليتق الله العائن وليذهب من قلبه الحسد إن وجد، وإلا فليطفئ نار إعجابه بالشيء بذكر الله - سبحانه -، وليدفع شر عينه بقوله: "اللهم بارك عليه" كما قال النبي لعامر بن ربيعة لما عان سهل بن حنيف: "ألا برَّكت" (أخرجه مالك في الموطأ (2/938) وإسناده صحيح)؛ أي قلت: اللهم بارك عليه.
أعاذنا الله وإياكم بكلماته التامة من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة، بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، وعلى آله وصحبه وإخوانه، ومن تبعهم إلى يوم الدين.
أما بعد: فاتقوا الله معاشر المسلمين واعلموا أنه لا بأس على المرء، في أن يتحرز من العين، بستر محاسن من يخاف عليه العين، بما يقيه منها، أو أن يعوذه منها بالتعويذ الشرعي، فلقد قال - سبحانه - عن يعقوب - عليه السلام -: (وَقَالَ يا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مّنَ اللَّهِ مِن شَيْء إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ للَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكّلُونَ) [يوسف:67].
قال ابن عباس وغيره: "إنه خشي عليهم العين"؛ وذلك أنهم كانوا ذوي جمال وهيئة حسنة، فإن العين حق، تستنزل الفارس عن فرسه، وهذا الاحتراز لا يرد قدر الله وقضاءه؛ فإن الله إذا أراد شيئًا لا يخالف ولا يمانع؛ ولذا قال يعقوب: (وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مّنَ اللَّهِ مِن شَيْء) [يوسف:67].
وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعوِّذ الحسن والحسين يقول: "أعيذكم بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة"، ويقول: "هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل - عليهما السلام -" (رواه البخاري وأصحاب السنن).
وبعد - عباد الله -، فإن العين داء عضال، ونار آكلة لم يهمل الشارع الحكيم جانبها، بل بيَّنها ووضحها، وأبدى للناس علاجها، وإن من أعظم ما يزيل العين والسحر بأمر الله: الرقية الشرعية من الكتاب والسنة، يقول أبو محمد بن حزم: "جربنا من كان يرقي الدمّل[الخُرَّاج] الحاد القوي الظهور في أول ظهوره، فيبدأ من يومه ذلك بالذبول ويتم يبسه في اليوم الثالث، جربنا من ذلك ما لا نحصيه، وكانت امرأة ترقي أحد دملين قد دفعا في إنسان واحد، ولا ترقي الثاني فيبس الذي رقت ويتم ظهور الذي لم ترق، وشاهدنا من كان يرقي الورم المعروف بالخنازير، فيندمل ما يفتح منها، ويذبح ما لم ينفتح ويبرأ".
والرقية - عباد الله - تكون بآيات القرآن، كالفاتحة وآية الكرسي والإخلاص والمعوذتين، وغيرهما من آيات القرآن الذي أنزله الله هدى وشفاء، وكذا بالأدعية النبوية الثابتة عن المصطفى -صلى الله عليه وسلم- كتعويذه للحسن والحسين، وكرقية جبريل له بقوله: "بسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك باسم الله أرقيك" (رواه مسلم).
ومن أدوية العين الناجعة، ما ذكرت عائشة - رضي الله عنها - بقولها: "كان يؤمر العائن فيتوضأ ثم يغتسل منه المعين" (رواه أبو داود).
كما أن من العلاج - عباد الله -، عسل النحل بشتى أنواعه لثبوت ذلك في الكتاب والسنة، وكذا ماء زمزم، فهو لما شرب له، وهو طعام طعم وشفاء سقم كما صح الخبر بذلك عن النبي، أخرج الإمام أحمد في المسند (3/357) وابن ماجه في سننه (3062) عن جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ماء زمزم لما شُرب له" وهو حديث صحيح.
وأخرج مسلم ح (2473) عن أبي ذر -رضي الله عنه- في حديث إسلامه وهو طويل، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال عن زمزم: "إنها مباركة، إنها طعام طُعم".
وأخرج البزار عن أبي ذر -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "زمزم طعام طعم، وشفاء سقم". قال المنذري في الترغيب ح (1754): رواه البزار بإسناد صحيح.
نسأل الله العفو والعافية والمعافاة في الدين والدنيا والآخرة...
وصلوا وسلموا....