الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
العربية
المؤلف | عدنان مصطفى خطاطبة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - نوازل الأحوال الشخصية وقضايا المرأة |
أبَى الله تعالى أنْ يتولى أحدٌ الكلام في لباس المرأة المسلمة إلا ذاته المقدسة، لم يأت الأمر مباشرة ولا حتى من الرسول صلى الله عليه وسلم؛ بل من العظيم، ولمن وجه الأمر ابتداء؟ بدأ بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن للنبي صلى الله عليه وسلم نساءً, (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ)، لتكون رسالة واضحة وقوية وشديدة من الله رب العالمين الى نساء المسلمين جميعا: إنني لا أستثني امرأة واحدة من الأمر بالجلباب، ولا حتى نساء نبي الله رسولي، خاتم النبيين!.
إنّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحد لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله.
وبعد: حجاب المرأة المسلمة ما هو إلا قطعة قماش توضع على الرأس, جلباب المرأة المسلمة ما هو إلا ثوب تلفّ به بدنها, لباس المرأة المسلمة عادة اجتماعية، لباس المرأة المسلمة شأن خاص، فلها أن تلبس ما تشاء، وأن تدع ما تشاء, من يقول ذلك؟ الله؟ لا. نبي الله؟ لا. علماء الأمة؟ لا. أشراف الأمة؟: لا. عفيفات الأمة؟ لا. العلمانيون؟ نعم. المتحرّرون من الدين؟ نعم. أعداء الأمة؟ نعم. الجهَلة والفسَقة؟ نعم. هم مَن يقول ذلك.
وهم من يروّج إلى ذلك منذ عشرات السنين إلى يومنا هذا، إلى قُبَيْل أيام, حيث خرجت إحدى الكاتبات المشهورات في عالَم المرأة والفتنة، لتقول على إحدى الفضائيات بالحرف الواحد: إن الحجاب لا علاقة له بالإسلام ولا بالأخلاق بتاتا. هؤلاء وأمثالهم هم من يقول ذلك.
أيها المؤمنون والمؤمنات: هذا ما يقوله هؤلاء العلمانيون؛ ولكن الله تعالى، منزل الكتاب, يقول غير ذلك مطلقا، يقول في آية عظيمة ما ينبغي لمؤمن ولا مؤمنة يرجو لقاء الله أن يغفل عنها, يقول ربنا جل شأنه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب:59].
أبَى الله تعالى أن يتولى أحد الكلام في لباس المرأة المسلمة إلا ذاته المقدسة، لم يأت الأمر مباشرة ولا حتى من الرسول -صلى الله عليه وسلم-؛ بل من العظيم، ولمن وجه الأمر ابتداء؟ بدأ بالنبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن للنبي -صلى الله عليه وسلم- نساءً, (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ)، لتكون رسالة واضحة وقوية وشديدة من الله رب العالمين الى نساء المسلمين جميعا: إنني لا أستثني امرأة واحدة من الأمر بالجلباب، ولا حتى نساء نبي الله رسولي، خاتم النبيين!.
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ)، أمْرٌ من الله تعالى ليفهم المؤمنون والمؤمنات أن قضية لباس المرأة قضية شرعية وعقدية، قضية جَنة أو نار، قضية سمع وطاعة للعزيز الجبار: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب:36].
تقول أم سلمة: لما نزلت هذه الآية: (يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) ,خرج نساء الأنصار كأنّ على رؤوسهن الغربان. وتقول صفية: ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن, فقالت: إن نساء قريش لفُضَلَاء, ولكني -والله!- ما رأيت أفضل من نساء الأنصار أشد تصديقا لكلام كتاب الله, ولا إيمانا بالتنزيل-لماذا؟- قالت: لما أنزل الله (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ) انقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل الله, فما منهن إمرأة إلا وقامت الى مرطها, فأصبحن يصلين الصّبح معتجِرات كأن على رؤوسهن الغربان.
(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ) وفِعلاً لَبّت نساء المؤمنين نداء الله، وقمن يرتدين الجلباب، ويستترن طاعةً لأمر الله ورسوله، لأكثر من ألف وثلاثمة عام وهن مستجيبات في عفة وعفاف حتى نهاية القرن العشرين حيث نشزت بعض نساء المسلمين، وتكاثرن، واجتمعن على شيء واحد، أتدرون ماهو؟ على هتك الستر ما بينهن وما بين الله تعالى، على هتك حرمة الحجاب والجلباب والعفة والطهارة، على هتك أمر الله وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، على تمزيق رداء الإسلام الأبيض الذي ألبسهن إياه رسول الله، واستبدلنه بأردية سوداء متقطعة ألبسهن إياها أعداء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
نشزن واجتمعن على خلع الحجاب، وخلع الجلباب، وإعلان التبرج والسفور، وتناسَيْن أن الله العظيم قال لهن: (وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأولَى) [الأحزاب:33]، وماذا كان التبرج في الجاهلية؟ شيء لا يذكر مع تبرج اليوم وسفور هذا العصر! ومع ذلك فإن الله تعالى لم يسمح به ومنَعَه، قال عامة المفسرين: كان تبرج المرأة في الجاهليه أنها تُلقي الخمار على رأسها ولا تشُدُّهُ, فيظهر قلائدها وقرطها وعنقها-فقط!-، فنهى الله نساء المؤمنين أن يصرن مثلهن. فماذا تتوقع أن يقول ربنا في تبرج اليوم؟ ولذلك كانت عائشة إذا قرأت هذه الآية: (وَلَا تَبَرَّجْنَ...)، كانت تبكي حتى تبلّ خمارها.
أيها إلاخوة المؤمنون: أيتها الأخوات المؤمنات: لقد تناست نساء اليوم وتغافلَت عن قول الله لهن: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ) [النور:31]، فحرَّم الله على المسلمة أن تُظهر أي شيء من زينتها أمام الأجانب، حتى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أيما إمرأة استعطرت ثم مرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية"، وقال كذلك: "ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتَكَت الستر بينها وبين ربها".
فلا تظنين -أيتها الفتاة المسلمة- أن أمر التبرج هزلٌ وهيِّن، (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنَاً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) [النور:15]، نعم, مَن قال لكِ إنه يحلّ لك أنْ تسيري في الطرقات حاسرة الرأس؟
من قال أن يجوز لك أن تكشفي عن شيء من جسدك؟ من قال لك أنه يحق لك أن تخرجي من بيتك بالبنطال واللباس الضيق؟ إن المسلمين منذ أكثر من ألف عام ما رأوا في حياتهم امرأة مسلمة مؤمنة تسير في الطرقات حاسرة عن رأسها أو لابسة لباس الرجال، لقد كان بالنسبة اليهم أمرا عقيما ومشينا ومنكرا من الفعل وزورا.
أيها إلاخوة المؤمنون: أيتها الأخوات المؤمنات: هما حُكْمان، أصدرهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على النساء المتبرجات في هذا الزمان، حكمان غير قابلين للنقض البتة، احفظوا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الذي قال فيه ربه: (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [النجم:4].
أما الحكم الأول فينقله لنا أبو هريرة -رضي الله عنه-، كما في مسلم، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "صِنفان من أهل النار، لم أرهما قط، -وذكر منهم-: نساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت". قال في حقهن: "لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها".
وأما الحكم الثاني: فينقله لنا -كذلك- أبو هريرة, حيث يقول -صلى الله عليه وسلم-: "لعَن رسول اللهُ المتشبِّهات من النساء بالرجال"، وينطبق على لابسات البنطال والقميص ومشتقاتها.
عباد الله: تفكَّروا معي! الرسول -صلى الله عليه وسلم- هنا يَصُبّ لعنته على مَنْ؟ على نساءٍ مسلماتٍ من بُيوت مسلمة ينزعن اللباس الشرعي الذي أمرهن الله به، ويتبرجن ويلبسن لباس الرجال.
أيها إلاباء، أيتها إلامهات، أيها إلازواج: ارحموا نساءكم، ارحموا بناتكم، ارحموا زوجاتكم، ارحموا أخواتكم، ارحموهنّ من أن تُصِيبَهُنَّ لعنةُ رسول الله، سيِّد الخَلْق، صلى الله عليه وسلم. بالله عليك! تصوَّرْ لو كنت تسير أنت وابنتك أو زوجتك المتبرجة بالطريق، وإذا برسول الله يوقفكما، ثم بذاته ولسانه يلعن زوجتك أو ابنتك هذه المتبرجة، ثم يترككما. فهل ستقوى على الحركة من مكانها؟ ما قيمتها بعد ذلك؟ بل ما قيمة الحياة؟ وما قيمة إلانسان كله إذا كان رسول الله بنفسه يلعنه؟ ويا ترى إذا لعنك في الدنيا، فكيف بالآخرة؟ ارحموهن أيها الآباء، وارحمن أنفسكن أيتها النساء أيتها الفتيات.
وتذكروا شيئا واحدا، فمنذ أن تخرج المتبرجة من البيت إلى أن تعود ولعنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تطاردها، وتحلّ فيها، فلا تفرحي بها ولا تفتخري، ولا تَعْجبي بنفسك أيتها المسكينة.
أيها إلاباء ، أيها إلازواج: ويلكم من الله! ويلكم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! إن بناتكم وزوجاتكم وديعة وأمانة قد استحفظكم الله عليهن، فلا تضيعوها فيضيعكم الله، ولا تخونوا العهد والأمانة مع الله، ورسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ماذا قال لك الله أيها الأب، وأيها الزوج؟: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارَاً) [التحريم:6], وماذا قال لك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كُلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته"، أي ستُسأل.
وقال لك -صلى الله عليه وسلم- محذِّرا: "ثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق, والدَّيُّوث, والرجلة". فلا تجعل من ابنتك أو زوجتك خصما لك بين يدي الله يوم القيامة، لا تجعل منها سببا يوردك جهنم، وبئس الورد المورود!.
أيها إلاباء، أيها إلازواج: والله إن فيكم خيرا، وإنكم تحبون إسلامكم، وتشفقون على أهليكم، فافعلوها، افعلوها لأجل الله، لأجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لأجل إسلامكم العظيم, افعلها فألزِمْ ابنتك، ألزِمْ زوجتك، ألزِمْها باللباس الشرعي، قل لها بأن الله -ربّ العزة- الذي خلقنا وسيُميتنا وسيبعثنا وسنقف بين يديه للحساب، قل لها: إن الله هو الذي أمر باللباس الشرعي، وأنا آمرك بأمر الله، فأنتِ لست خيرا من أمهات المؤمنين وبنات سيد العالمين، قل لها: إن عليك أن تستجيبي لله ولرسوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال:24].
دخلَتْ نِسوَةٌ مِن بني تميم على أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- وعليهنَّ ثيابٌ رقاقٌ, فقالت لهن: إن كنتنَّ مؤمناتٍ فليس هذا بلباسِ المؤمنات, وان كنتن غير مؤمنات فتمتعن به.
حرامٌ عليك واللهِ يا أيُّها الأب! وحرامٌ عليكِ يا أيتها الأم! ويا أيها الزوج حرام عليك! كم تبعد ابنتك أو زوجتك المتبرجه عن الدين؟ كم تبعدها بذلك عن الخير؟ عن القرآن؟ عن المساجد؟ عن الحسنات؟ عن السعادة؟ عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-؟.
إنك بذلك تجعلها سُنَّةً سيئة, عليها وِزْر تبرجها، ووزر كلّ مَن أثِم بسببها، ووزر ذريتها التي ستكون أمثالها متبرجة، وكل ذلك في عنقك، أنت تسأل عنه بين يدي رب العزة، يوم يفر المرء من أخيه، وأمّه وأبيه، وصاحبته وبنيه.
أقول قولـي هـذا وأستـــغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسولنا الامين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: وختاما لا بد من رسالة لأختي المسلمة: أيتها الفتاة المسلمة، لا تصغي الى أعداء إلاسلام، لا تصغي إلى دعاة التغريب، لا تصغي إلى بروتوكولات حكماء صهيون، لا تصغي إلى الشيطان، ولكن أَصْغِي إلى ربِّك الرحمن الذي دعاك، فقال: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ علَى جُيُوبِهِنَّ) [النور:31].
أيتها الفتاة المسلمة: لا تقتدي بالكافرات، ولا بالفنانات، ولا بالموضات، ولا بالصديقات، بل اقتدي بالقانتات الصالحات، بالعفيفات الطاهرات، اقتدي بأصولك المحصنات, اقتدي بأمك خديجة -رضي الله عنها-، اقتدي بجدتك وأختك فاطمة -رضي الله عنها-، اقتدي بأختك عائشة -رضي الله عنها-، اقتدي بفتاة إلاسلامِ أسماء ذات النطاقين.
لا تجعلي رضا الناس في كفّة ورضا الله في كفة, ثم ترجحين رضا الناس على رضا ربّ الناس, قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن أرضى الناس بسَخَط الله، سخط عليه وأسخط عليه الناس".
أيتها الفتاة المسلمة المؤمنة: لا تصرّي على التبرج، لا تصري على هذه الكبيرة، لا تصري على معصية رسولك -صلى الله عليه وسلم-، لا تصري على خاتمة السوء.
أيتها الفتاة المسلمة المؤمنة: انفضي عنك أغلال الشيطان، وقطِّعي حبائل الشهوات، وأزيلي غشاوة الدنيا الخداعة، والتحقي بركب التائبات، التحقي بركب الطائعات، التحقي بركب العائدات الى الله اللواتي غادرن مزالق التبرج والسفور، وركبن في مراكب النجاة والعبور، في مركب أمهات المؤمنين، في مركب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، التحقي بركب الخير ورددي: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة:285].
التحقي بركب الناجيات قبل أن يفجأك الموت على حالك هذه من التبرج والسفور،كما فجأ غيرك وختم لهم بسوء.
تقول إحدى الداعيات إلى الله: دخلت المستشفى لأتعالج وجلست في قاعة الانتظار، فأبصرت فتاة متبرجة في مقتبل العمر، فذهبتُ وجلست إلى جانبها وبينت لها حرمة التبرج والسفور، ولكنها لم تستجب، فرجعت الى مقعدي، ثم قلت لنفسي: لم لا أرجع وأذكرها بالموت؟ قالت: فعدت إليها، وأخذت أعظها، وذكرتها بالموت، وقلت لها: ما ستفعلين لو جاء ملك الموت على حالك هذه؟ فقالت بكل سخريه وعجرفة: أقول لملك الموت: "كِشْ" "كش"، قالت: فتركتها وجاء دوري فدخلت لأتعالج، ثم خرجت وإذا بالناس قد تجمهروا عند أحد المقاعد, فقلت ماذا حدث, قالوا: إن الفتاة المتبرجة التي كانت جالسة هنا قد ماتت.
خطفها الموت، وحطَّم كبريائها، وسَلَّ روحها من جسدها، ليسدل الستار على قصة حياة بئيسة ، محزنة، مخزية، لتلقى ملك الموت، ولتلقى رب الموت، وهي متبرجة سافرة, تلفها فوق كل ذلك لعنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ولا أدري، لأي شيء نصنع هذا بأنفسنا؟! أليست تعزّ علينا؟!.
(إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ) [ق:37].