البحث

عبارات مقترحة:

المقدم

كلمة (المقدِّم) في اللغة اسم فاعل من التقديم، وهو جعل الشيء...

الوتر

كلمة (الوِتر) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، ومعناها الفرد،...

الرزاق

كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...

الحكمة والعمل بها

العربية

المؤلف خالد بن عبدالله الشايع
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. تعريف الحكمة .
  2. أهمية الحكمة وفضلها .
  3. فضائل الحكمة في القرآن والسنة .
  4. درر من كلام السلف في وصف الحكمة والحكماء .
  5. أهمية مصاحبة الحكماء .

اقتباس

الصمت وقلة الكلام من علامات الحكماء، ولكنهم يكونون أكثر الناس كلامًا في المواضع التي تتطلب الكلام. وإنما تكثر الحكمة عند العلماء كبار السن ذوي التجارب ومن درسوا فتن الحياة. ولهذا ليحذر المسلم من العواطف الجياشة التي تبنى على غير هدى ولا أصل من أهل العلم، فإن ذلك من الطيش الذي تعقبه الحسرات والندامة. ولهذا كان الحكيم بابًا عظيمًا موصدًا بين الناس وبين كثير من الشرور، ولا يعلم ذلك إلا ..

الخطبة الأولى:

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المؤمنون: لقد قيل قديمًا: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن بأخلاقكم". ورُوي مرفوعًا ولا يصحَّ.

وإن الناظر إلى أحوال التعامل بين الناس في هذه المجتمعات، بين شخصين لا ثالث لهما، إما متعامل لنَيْلٍ يطلبه منك من حظوظ الدنيا، أو محتسِب الأجر في تعامله.

وفي الحقيقة كلاهما يحتاجان إلى فنّ في المعاملة، لتسلم من الدنيوي، وتظفر بالأخروي، والمعاملة مع الناس تحتاج إلى ما نحن بصدد الحديث عنه، ألا وهو الحكمة في الحياة، فبدونها لن تستطيع بلوغ ما تروم الوصول إليه، وإن وصلت فقد فاتك من ما تطلب أكثر مما ظفرت به، ولا أظن أن في ذلك مخالِفًا.

ولكن الناس في علومهم قد اختلفوا في تعريف مصطلح الحكمة، ومن ثَم اختلفوا في تطبيق ذلك واقعًا، وأما من ألقى بالحكمة وراء ظهره، ورفض مبدأها، فقد أخطأ السبيل ويكفيه فواته من الخير الكثير الموعود به للمتخلق بذلك (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا) [البقرة:269].

معاشر المسلمين: إن تعريف الحكمة مختلف فيه وقد جمع اختلاف الناس في ذلك النووي -رحمه الله-، وسبكه في تعريف واحد فقال: "هي العلم المشتمل على المعرفة بالله مع نفاذ البصيرة، وتهذيب النفس، وتحقيق الحق للعمل به والكفّ عن ضده، والحكيم من حاز ذلك". ا.هـ.

وقيل الحكمة هي: "وضع الشيء في موضعه، من الخير والشر، وإيقاعها على أحسن الوجوه".

ويكفي -معاشر الأحبة- في فضل الحكمة أنها من أسماء الله –تعالى- وأوصافه، فالله هو الحكيم، ومن أوصافه الحكمة، فهو سبحانه أحكم الحاكمين، وهو الحكيم له الحكم -سبحانه وتعالى- والخلق إليه يرجعون.

ولو نظرنا إلى آيات القرآن لوجدنا أن الله –سبحانه- قرن في أسمائه وصفاته بين العلم والحكمة، (وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) [الطلاق:2] (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [النساء:17]، فدل على أن الحكيم لا يكون كذلك إلا بالعلم، كما قرَن سبحانه بين العزة والحكمة، (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [المائدة:38]، (لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [آل عمران:18]، فدل على أن من طرق الحكمة اللازمة العزة، بمعنى الترفع عما لا يليق، وعدم الوقوع في مهاوي الذل والسفالة، كما يدل أيضًا على أن الحكيم ينال العزة بقدر حكمته.

كما قرن سبحانه بين الحكمة والخبرة، لنعلم أن الإنسان لا يكون حكيمًا إلا بالممارسة وكثرة التجارب (وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) [الأنعام:18]، قال معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه-: "لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة".

ولشرف الحكمة وُصف بها القرآن وهو كلام الله، كما وُصفت النبوة بأنها حكمة (وَآَتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ) [ص:20].

أيها المؤمنون: إن وصفًا كهذا فيه كل هذه الخصال لحريّ بالمؤمن أن يسعى جاهدًا في تحصيله، ولو دفع فيه الغالي والنفيس.

كيف لا وقد بيّن المصطفى -صلى الله عليه وآله وسلم- أن الحسد المشروع وهو الغبطة لا يكون مشروعًا إلا في خلتين، إحداهما الحكمة.

 أخرج البخاري ومسلم من حديث عَبْدِاللَّه بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ؛ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ، وَآخَرُ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا".

ولعظيم شأن الحكمة كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يدعو بها لبعض أصحابه كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ضَمَّنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى صَدْرِهِ، وَقَالَ: "اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ"، قال البخاري: "وَالْحِكْمَةُ الْإِصَابَةُ فِي غَيْرِ النُّبُوَّةِ".

أيها الناس: إن بعض الخلق يظن أن الحكمة هي الهدوء وعدم الانفعال، وهي أن قد ترى المنكر فلا تنكر باسم الحكمة، ويسب الدين فلا تُنكر باسم الحكمة، وليس هذا بحكمة بل هو خَوْر وتخاذل.

فمن الحكمة أحيانًا الضرب والانتقام، ويكفى بيانًا لذلك أن الله سمَّى نفسه ووصف نفسه بالحكمة، وقد أمر برجم المحصن الزاني، وجلد شارب المسكر، وقطع يد السارق.

وفي هذا يظهر لنا أن الحكمة هي وضع الشيء في موضعه، من الخير والشر، وإيقاعها على أحسن الوجوه.

ولكن لنعلم أن من الحكمة عدم التهور، وترك الحق أحيانًا حتى لا نعدم الحق كله، أو حتى لا يزداد الشر أكثر مما هو عليه، قال ابن القيم مررنا مع شيخ الإسلام ابن تيمية بقوم من التتار وهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم أحدنا، فقال شيخ الإسلام: "دعهم فهؤلاء إذا أفاقوا ذهبوا ليقتلوا المسلمين".

قال المتنبي:

  ووضع الندى في موضع السيف بالعلا

مضر كوضع  السيف في موضع الندى

اللهم اجعلنا من أهل الحكمة الذين يقولون بها وبها يعملون..

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم..

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين...

أما بعد:

معاشر المسلمين: فمن عظيم فضل الحكمة أن كثُر النقل عن سلف الأمة في الحث على التحلي بها وتعلمها وبيان شيء من طرقها؛ فمن ذلك ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنه قال: "كونوا ربانيين حكماء فقهاء". وقال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "ينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيًا محزونًا حكيمًا حليمًا".

قال عون بن عبدالله قال عبد الله بن مسعود: "نعم المجلس مجلس ينشر فيه الحكمة وتُرجى فيه الرحمة".

وقال عبدالرحمن الحبلي: "ليس هدية أفضل من كلمة حكمة تهديها لأخيك".

وقال وهب بن منبه: "يا بني عليك بالحكمة؛ فإن الخير في الحكمة كلها تُشَرِّفُ الصغير على الكبير، والعبد على الحر، وتزيد السيد سؤددًا، وتُجلِس الفقير مجالس الملوك".

ولقد شرف الله عبدًا بالحكمة فذكر قوله في القرآن فهو يتلى إلى يوم القيامة، وذلك لما آتاه الله من الحكمة (وَلَقَدْ آَتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ) [لقمان:12].

ومن كلامه: "يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك، فإن الله يحيي القلوب بنور الحكمة، كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء".

معاشر المسلمين: إن من أبرز صفات الحكماء الصمت.

قال وهب بن منبه: "أجمعت الحكماء على أن رأس الحكمة الصمت".

وعن أحمد بن خالد عن أبيه قال: "أدنى نفع الصمت السلامة، وأدنى ضرر المنطق الندامة، والصمت عما لا يعني من أبلغ الحكم".

وقال عمر بن عبد العزيز: "إذا رأيت الرجل يطيل الصمت، ويهرب من الناس فاقتربوا منه فإنه يُلَقَّى الحكمة".

وقال لقمان: "الصمت حكمة، وقليل الناس فاعله".

وقال ربيط بني إسرائيل: "زين المرأة الحياء، وزين الحكيم الصمت".

أيها المؤمنون: الصمت وقلة الكلام من علامات الحكماء، ولكنهم يكونون أكثر الناس كلامًا في المواضع التي تتطلب الكلام.

معاشر المسلمين: إنما تكثر الحكمة عند العلماء كبار السن ذوي التجارب ومن درسوا فتن الحياة.

ولهذا ليحذر المسلم من العواطف الجياشة التي تبنى على غير هدى ولا أصل من أهل العلم، فإن ذلك من الطيش الذي تعقبه الحسرات والندامة.

ولهذا كان الحكيم بابًا عظيمًا موصدًا بين الناس وبين كثير من الشرور، ولا يعلم ذلك إلا بموت الحكماء.

أخرج البخاري ومسلم من حديث الأعمش عن  شَقِيقٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ عُمَرَ فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْفِتْنَةِ كَمَا قَالَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: أَنَا. قَالَ: إِنَّكَ لَجَرِيءٌ، وَكَيْفَ قَالَ؟ قَالَ: قُلْتُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَنَفْسِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ يُكَفِّرُهَا الصِّيَامُ وَالصَّلَاةُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ". فَقَالَ عُمَرُ: لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ، إِنَّمَا أُرِيدُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ. قَالَ: فَقُلْتُ: مَا لَكَ وَلَهَا يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ: أَفَيُكْسَرُ الْبَابُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ قُلْتُ: لَا، بَلْ يُكْسَرُ. قَالَ: ذَلِكَ أَحْرَى أَنْ لَا يُغْلَقَ أَبَدًا. قَالَ فَقُلْنَا لِحُذَيْفَةَ: هَلْ كَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ: نَعَمْ كَمَا يَعْلَمُ أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ، إِنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالْأَغَالِيطِ. قَالَ: فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ مَنِ الْبَابُ. فَقُلْنَا لِمَسْرُوقٍ سَلْهُ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ: عُمَرُ.

عباد الله: إن الحكمة لتدرس وتؤخذ بالتعلم، وذلك بمصاحبة العلماء الحكماء والأخذ عنهم، وهي تُنال أيضًا بالتحلي بخصال عظيمة منها، الصبر، ومنها كذلك التأني وعدم العجلة، ومنها طلب العلم على أصوله، ومنها تحقيق الحق للعمل بمقتضاه والبعد عما سواه.

أيها المؤمنون: إن أوْلى مَن تحلَّى بالحكمة هم العلماء وأهل الحسبة الذين يأمرون الناس بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، ومن يخالط الناس، ويواجههم في مجال العمل ونحوه، فمن طبَّق ذلك كثُر حامِدوه، وقل الناقمون عليه، وكان الناقمون له هم أهل الطيش والسفه. أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

اللهم وفقنا لهداك.. اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق.. اللهم أنج المستضعفين...

ربنا اغفر لنا ولإخواننا... سبحان ربك رب العزة.... ْرُكَ مَا ضَاقَتْ بِلَادٌ بأهلها *** ولكنَّ أخلاقَ الرجالِ تَضيقُ

فاللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، ولا تفتنا في ديننا ولا دنيانا، والحمد لله رب العالمين، وصلَّى وسلَّم على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.