الحفي
كلمةُ (الحَفِيِّ) في اللغة هي صفةٌ من الحفاوة، وهي الاهتمامُ...
العربية
المؤلف | عبد الرحمن بن صالح الدهش |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المنجيات |
النصح للمسلم هي كلمة يعبر بها عن إرادة الخير للغير. فلا يقرّ قراره أن يعرف صواباً إلا أرشد إليه. ولا يعرف خللاً في أمر من الأمور إلا حذر منه. النصح لكل مسلم في كل مكان، في حضر أو سفر. كبيراً كان أو صغيراً . يعرف الأمور أو يجهلها. وأعظم النصيحة لأخيك المسلم في أمر دينه؛ فأنت آخِذ بيده منقِذ له من التهلكة، فإن قصَّر في واجب رحمته ونصحته.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله..
أما بعد:
فأمر عظيم، بمراعاته تستقيم أحوال أقوام، وتصلح به دنياهم وآخرتهم، يؤمن جانبهم، ويكثر خيرهم ويعدم شرهم..
ولأهميته كان أحد أركان البيعة التي ربما بايع النبي -عليه الصلاة والسلام- عليها أصحابه، ونصَّ عليها، بل وجعلها شرطاً في قبول البيعة، واللحاق بهذا الدين.
ولندع صاحب الشأن يتحدث...
فهذا صحابي جليل تأخر إسلامه، ولكن تقدمت به مكارمه، وبان فضله، وعزَّ جاهه فقد حاز محبة النبي -صلى الله عليه وسلم- فقرَّبه منه يقول -رضي الله عنه- عن نفسه: "ما حجبني رسول الله-صلى الله عليه وسلم- منذ أسلمت، ولا رآني إلا ضحك وتبسم".
أما الحديث الذي نعنيه ففيما رواه الشيخان عن جرير بن عبد الله البجلي -رضي الله عنه-، قال: "بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعني على: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، واشترط عليه شرطاً لم يكن يشترطه -صلى الله عليه وسلم- دائماً قال: والنصح لكل مسلم".
هذا شرط النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو شرط على كل مسلم: "فلا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".
الله أكبر! النصح لكل مسلم.
في كل مكان، في حضر أو سفر.
كبيراً كان أو صغيراً .
يعرف الأمور أو يجهلها.
فما أصعبه من شرط إلا أن يعين الله عليه.
ولعظمه قامت به العظماء، وبادرت بإعلانه رسل رب السماء، فهود -عليه السلام- يقول لقومه: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ) [الأعراف: 68].
وقالها صالح -عليه السلام-: (قَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف: 79].
وهكذا نبي الله شعيب -عليه السلام-: (قَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ) [الأعراف: 93].
أيها الإخوة: إنَّ مدار النصيحة على خلوص الشيء، وعدم الغش فيه، فهو خالص من كل ما يكدره.
فالنصح للمسلم هي كلمة يعبر بها عن إرادة الخير للغير.
فلا يقرّ قراره أن يعرف صواباً إلا أرشد إليه.
ولا يعرف خللاً في أمر من الأمور إلا حذر منه.
وأعظم النصيحة لأخيك المسلم في أمر دينه؛ فأنت آخِذ بيده منقِذ له من التهلكة، فإن قصَّر في واجب رحمته ونصحته.
أخذ النبي -صلى الله عليه وسلم- بيد معاذ فقال: "يا معاذ! والله إني لأحبك أوصيك يا معاذ لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
وقال مرة لأحد أصحابه: "لا تغضب" يردد مرارًا.
ثم تأتي النصيحة في أمر الدنيا ومعاملات الناس بيعاً وشراء..
فليس من النصيحة للمسلم أن تُظهر السلع الرديئة على أنها جيدة وتساوي كذا من المبلغ وهي دون ذلك.
وليس من النصيحة أن يشتري الإنسان السلعة النفيسة بأقل من قيمتها بكثير، ثم يسكت على ذلك مغتبطاً بهذا الرخص الذي حصلها فيه، فقد يكون البائع لا يعرف الأثمان، وقد تحمله عجلة البيع على الركون لأول سعر تسام منه فيه، والنصح لكل مسلم أن تبين له ما تساوي ثم يماكسه في سعرها، والأمر إليه بعد ذلك.
وعجب من حال جرير راوي الحديث الذي لا يفتأ بعد هذه المبايعة إلا أن ينصح لكل مسلم دائماً وأبدًا في قليل أمره وكثيره.
باعه رجل فرساً فقال: بكم بعتني هذا الفرس؟ قال: بثلاثمائة، قال: أتريد فيه أربعمائة؟
ثم نظر جرير فإذا هو يساوي خمسمائة، ثم نظر مرة بعد مرة حتى أوصل الثمن ثمانمائة، فقال: خذ هذه الثمانمائة، فإني بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على النصح لكل مسلم، وأنا-والله- لك ناصح.
فأين هذا من حالنا يشتري الواحد منا السيارة أو الأرض أو سلعة أخرى، ثم يتبين له أنه قد غبن البائع غبناً مثله لا يتسامح به عادة فينقلب إلى أهله مسروراً.
وحمق منه أن يراجع بائعها، وقد عدَّه جرير -رضي الله عنه- نصحاً لأخيك المسلم.
أيها الإخوة: أيها الموظفون: أعمالكم الوظيفية ميدان للنصح لكل مسلم أو ضد ذلك؛ فاستشعر وأنت تغدو إلى عملك هذه التكليف الذي حقيقته تشريف، إن قمت بحقه فالله الله في النصح لكل مسلم، فاصدق المراجعين، وتعاون مع المحتاجين بما يسمح به مركزك لا تظلمون ولا تظلمون.
قدِّر كبيرًا يأتي إليك، وارحم صغيراً حاجته بين يديك.
استوف ساعات الدوام من غير تثاقل، ولا نقصان يحل لك مرتبك، وتكون ناصحاً لكل مسلم في عملك، حينئذ تُحمَد سريرتك، وتسلم في عاقبتك، وتكون قدوة لغيرك.
ولا يغب عنك ما روته عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئًا فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به" (رواه مسلم).
أيها الإخوة: النصح لكل مسلم يكون من العمال في عملهم، وأصحاب المقاولات، فالعامل الذي يستغل غفلة المسؤول عن العمل، أو غفلة الكفيل فيبخس العمل، ويأخذ منه أو يدخل فيه ما ليس من حقه؛ لم ينصح لكل مسلم.
وإن فرح أنه خرج منها سالماً لم يدر عنه، ولم يكتشف غشه فالموعد يوم تبلى السرائر فماله من قوة ولا ناصر.
أما أنت أيها البائع فالنصح لكل مسلم أن تبين أصلي السلعة من رديئها، ولا تقل ها هي السلعة أمام المشتري لِمَ لَمْ يفتش؟
والنصح لكل مسلم ألا تبيع المسلمين ما يضرهم في أبدانهم من دخان أو ما هو أسوأ منه، أو يضرهم في أديانهم، ويفتنهم في أخلاقهم من مجلة سيئة، أو يسهل لهم مشاهدة سيئة تفسد قلوبهم وتقضي على همة الخير فيهم.
دائرة واسعة كلها منتظمة في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "النصح لكل مسلم"، وكما قررها النبي -صلى الله عليه وسلم- لكل مسلم، ولكنها للمسلم القريب أولى من غيره وآكد، والله -تعالى- يقول: (وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ) [الأنفال: 75]، فهم أولى بصلته، والذَّب عن عرضه والسعي بتزويجه، وهم أولى بسداد دينه، وأولى كذا بتعليمه، ونصحه، وإن ندَّ به السير وتورط بمحرم فهم أولى به من رجل الحسبة وشرطي الأمن يأخذون على يده ويأطرونه على الحق أطراً.
أقول قولي هذا....
الخطبة الثانية:
الحمد لله...
ثم بعد هذا كله سوف تجد طائفة من الناس كما قال صالح عن قومه (وَلَكِنْ لَا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ) [الأعراف: 79].
نعم طائفة لا يحبون الناصحين؛ لأنَّ النصح يزعجهم، ويقطع عليهم بعض ملاذهم، فلا يكن ذلك سبباً في ترك النصح ونفض اليد من المقصرين، ولكن تمثل قول شعيب -عليه السلام- (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) [هود: 88].
والرسول الأول نوح -عليه السلام- قد قال لقومه (وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) [هود: 34].
أيها الإخوة: غداً ينطلق الناخبون لترشيح أعضاء المجالس البلدية في المملكة.
وإني أقول لنفسي لا يغب عن بالك "النصح لكل مسلم"، فأول نصح في هذا الباب ألا ترشح من لا تراه أهلاً في دين أو خُلق، والمجاملة في هذه المسألة مجاملة محرمة، لا تُعذر أن تقول: نسلم من عتبه إن لم نرشحه، ونحفظ الصداقة التي بيننا!! وهو رجل واحد لا يقدم ولا يؤخر في المجلس إن فاز في الانتخابات! ولكن هل تعلم أن فوزه بل ترشيحه وإن لم يفز هو خسارة عليك؟ وغش منك لنفسك وبلدك!! فإن استطعت أن تعتذر صراحة عن ترشيحه فهو الواجب، وإلا فإنك تورِّي، وتخرج منها بحيلة قول أو فعل.
أما الذين يلاحقون من يرغبون بأصواتهم وقد تجاوزوا بعملهم هذا مرحلة التعريف بأنفسهم إلى مرحلة الاستجداء وتحريك النخوات القبلية ونحوها؛ فهؤلاء قد أبانوا عن أنفسهم أنهم ليسوا أهلاً لعضوية هذه المجالس ولا كرامة!!
فإن أبدوا عرضاً مالياً تصريحاً أو تعريضاً، وساوموا على أصوات أقوام وعلى أصوات آخرين يجلبونها لصالحهم فهؤلاء أحسن الله عزاء مجتمعهم فيهم، فلا مكَّنهم الله في أمر من أمور المسلمين.
أيها المسلم: قل الحق ولو كانوا مُرّاً، والعجز عن قول الحق لا يبيح القول بالباطل!
أما أنت أيها المنتخب فنتائج الانتخابات هي مقاييس بشرية، وأهم منها ميزان الله، وحظك عند ربك!
وأنت ونيتك بهذا الترشُح فهي باب خير مع الاحتساب، فليكن شعارك اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي. ولا يغب عن بالك "النصح لكل مسلم"
وفق الله العاملين لدينهم، المراقبين لربهم، الساعين في مصالح أمته.
وجنبنا الفاسدين المفسدين...