الحليم
كلمةُ (الحليم) في اللغة صفةٌ مشبَّهة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل)؛...
العربية
المؤلف | مراد وعمارة |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | صلاة العيدين |
وأمَّا المنسك الآخر فصلاة العيد وخطبته، وهي شعيرة من أعظم شعائر الإسلام، أمر رسول الله بالخروج إليها، وأخرج حتَّى النساء والصبيان، بل أخرج لها حتَّى الحيَّض، وأمرهنَّ باعتزال الصلاة، وحثَّهن على شهود الخير ودعوة المسلمين.
الخطبة الأولى:
أيُّها المسلمون: هذا يوم عرفة، يوم عظيم جليل، مبارك فضيل، وإخوانكم اليوم في عرفة يعجُّون بالتلبية، يهلّلون ويوحِّدون ربهم ويمجّدونه، وغدًا يوم الحج الأكبر، يوم عيد النحر، فاستعدّوا لما يلزمكم فيه من منسك الأضحية وصلاة العيد.
أما منسك الأضحية فقد شرحته لكم فيما تقدم. وأمَّا المنسك الآخر فصلاة العيد وخطبته، وهي شعيرة من أعظم شعائر الإسلام، أمر رسول الله بالخروج إليها، وأخرج حتَّى النساء والصبيان، بل أخرج لها حتَّى الحيَّض، وأمرهنَّ باعتزال الصلاة، وحثَّهن على شهود الخير ودعوة المسلمين.
ولم يزل يواظب على فعلها وعلى إخراج النساء لها حتَّى مات، فدلَّ هذا كلُّه على وجوب هذه الشعيرة، وأنَّها فرض عين لا فرض كفاية، روى البخاري عن امرأة سألت النبيَّ فقالت: يا رسول الله، أعَلى إحدانا بأسٌ إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ قال: "لتلبسها صاحبتها من جلبابها، ولتشهد الخيرَ ودعوة المسلمين"، وروى البخاري ومسلم عن أمِّ عطيَّة قالت: أمرنا رسول الله أن نخرج الحيَّض يوم العيدين وذوات الخدور فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتَهم، ويعتزل الحيَّض مصلاهنَّ.
ويرخَّص للمسافر والمريض في عدم شهودها لما صحَّ عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنَّه قال: "لا جمعة ولا تشريق ولا صلاة فطر ولا أضحى إلاَّ في مصر جامع أو مدينة عظيمة" رواه ابن أبي شيبة وغيره بسند صحيح.
ويستحبّ الغسل للعيد كغسل الجمعة والجنابة؛ لما رواه مالك في الموطأ عن نافع أنَّ ابن عمر كان يغتسل يوم الفطر قبل أن يغدو إلى المصلَّى، وقال سعيد بن المسيب: "سنة الفطر في ثلاث: المشي إلى المصلى، والأكل قبل الخروج، والاغتسال" رواه الفريابي في صلاة العيد بسند حسن. والعلماء على قبول مراسيل ابن المسيب، فكيف وهو معتضَد بالأحاديث المروية في معناه؟! والغسل محلّه بعد صلاة الفجر، وإن اغتسل قبلها فلا بأس بذلك.
ويستحبُّ أن يلبس أحدكم من أحسن ثيابه، ويتجمَّل بأفضل ما يجد، لما روى الحارث بسند حسن عن نافع وقد سئل: كيف كان ابن عمر يصنع يوم العيد؟ فقال: "كان يشهد صلاة الفجر مع الإمام، ثم يرجع إلى بيته، فيغتسل غسله من الجنابة، ويلبس أحسن ثيابه، ويتطيَّب بأطيب ما عنده، ثمَّ يخرج حتَّى يأتي المصلَّى، فيجلس فيه حتَّى يأتي الإمام، فإذا جاء الإمام صلَّى معه".
وأفضل الثياب البياض؛ لقول النبيِّ فيما صحَّ عنه: "عليكم بالبياض من الثياب، ليلبسها أحياؤكم، وكفّنوا فيها موتاكم، فإنَّها من خير ثيابكم"، وقال : "البسوا البياض، فإنَّها أطهر وأطيب".
والسنَّة في عيد الأضحى أن لاَ يفطر حتَّى يرجع من المصلَّى؛ لما رواه الترمذي وابن ماجة وأحمد والدارمي بسند صحيح، عن بريدة قال: "كان رسول الله لا يخرج يوم الفطر حتَّى يطعم، ويوم النحر لا يأكل حتَّى يرجع، فيأكل من نسيكته". أي: من أضحيته.
أخا الإيمان: فإذا اغتسلت وتجمَّلت وتطيَّبتَ وتهيَّأت للخروج إلى المصلَّى فخذ في التكبير في الطريق، واجهر به حتَّى تصل إلى المصلَّى أو المسجد، فإذا خرج الإمام فاقطع التكبير؛ لثبوت ذلك عن النبيِّ ، وثبت أيضًا من فعل عبد الله بن عمر.
ويبدأ التكبير من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق؛ لثبوته عن جمع من الصحابة، وهو قول جمهور العلماء، أي: من فجر يوم تاسع ذي الحجة إلى عصر يوم ثالث عشر من ذي الحجة.
ولم يثبت في صفة التكبير حديث مرفوع، وإنَّما ثبت عن عبد الله بن عباس يقول: "الله أكبر الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر وأجل، الله أكبر على ما هدانا" رواه البيهقي بسند صحيح.
وليس من السنَّة أن يصلِّي أحدكم قبل صلاة العيد ولا بعدها شيئًا، فقد روى البخاري أنَّ النبيّ صلَّى الفطر ركعتين، لم يصلِّ قبلها ولا بعدها.
والسنَّة أن تكون صلاة العيد في المصلَّى، كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرها، إلّا أن يمنع من ذلك مانع أو عذر كالمطر ونحوه، فيجوز أداؤها في المسجد.
الخطبة الثانية:
وليس لصلاة العيد أذان ولا إقامة؛ لما رواه البخاري ومسلم عن جابر بن عبد الله قال: لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى.
فإذا حضر الإمام قطع الناس التكبيرَ، وبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ففي صحيحي البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس قال: شهدت العيد مع رسول الله وأبي بكر وعمر وعثمان، فكلُّهم كانوا يصلُّون قبل الخطبة.
وجملة القول في صفة صلاة العيد أنَّها ركعتان كركعتي الجمعة، يجهر فيهما الإمام بالقراءة، إلّا أنَّه يكبِّر في الركعة الأولى سبع تكبيرات، بعد تكبيرة الإحرام، وفي الركعة الثانية خمس تكبيرات بعد تكبيرة الانتقال. صحَّ بذلك الحديث عن رسول الله من رواية عائشة وعبد الله بن عمرو في المسند وسنن أبي داود وابن ماجة.
وكان يسكت بين التكبيرتين، ولم يثبت عنه ذكرٌ معيَّن بينهما، وهو قول مالك، رحمه الله. وليس من السنَّة رفع اليدين مع تكبيرات العيد.
ويقرأ في الركعة الأولى بعد فاتحة الكتاب بسورة "ق" أو بسورة "سبِّح"، ويقرأ في الثانية بعد الفاتحة بسورة "القمر" أو بسورة "الغاشية". ثبت ذلك في صحيح مسلم.
وإذا فاتت أحدٌ ركعة من صلاة العيد قام فأتمَّها، وإن فاتته الصلاة كلُّها صلّاها ركعتين منفردا. هذا الراجح من مذاهب العلماء، وهو مذهب مالك والشافعي والبخاري وغيرهم.
فإذا قضيت الصلاة قام الإمام مستقبلا الناس فخطبهم ووعظهم، روى ذلك أبو سعيد الخدري قال: "كان النبيّ يخرج يوم العيد والأضحى إلى المصلَّى، فأوَّل شيء يبدأ به الصلاة، ثمَّ ينصرف فيقوم مقابل الناس، والناس جلوسٌ على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ويأمرهم" أخرجه البخاري ومسلم.
يكبِّر الإمام في الركعة الأولى سبع تكبيرات، وفي الركعة الثانية خمسًا، وليس بين التكبيرتين ذكر، والأولى تركه؛ لأنَّه لم يثبت عن النبيِّ ولا عن أحد من أصحابه. وهذا مذهب مالك والأوزاعي، خلافًا للجمهور.
وللعيد خطبتان كخطبتي الجمعة يجلس بينهما، وهذا محلّ اتفاق بين العلماء، ولا أعلم بعد طول البحث والتنقيب قولاً لفقيه في سائر الأعصار المتقدّمة بأن للعيد خطبةً واحدة، وهذا ابن حزم وهو من أعلم الناس بالمقالات قد حكى عدم الخلاف في أنها خطبتان، وعلى ذلك درجت كتب الفقهاء من جميع المذاهب، والخير كله في اتِّباع من سلف.
ويلزم من حضر الصلاة أن ينصت للخطبة ولا يتكلَّم، ولا ينصرف حتَّى ينتهي الإمام من الخطبة، وأمَّا الحديث الذي رواه النسائي وغيره عن السائب بن يزيد أنَّ النبيَّ كان يخيِّر الناس بين الإنصات والانصراف فلا يصح إسناده، بل الصواب قول من أرسله، كما رجحه ابن معين والنسائي وأبو داود وأبو زرعة والدارقطني والبيهقي، واستغربه أيضًا ابن خزيمة جدًا، خلافًا لمن رجَّح الوصل من المتأخِّرين كابن التركماني ومن قلَّده.
وقد صح عن عطاء أنَّه كره الكلام في خطبة العيد، فقال: "كل عيد فلا تتكلم فيه"، يعني في أثناء الخطبة. رواه عبد الرزاق بسند صحيح.
عن البراء بن عازب قال: كنَّا جلوسًا ننتظر رسول الله في المصلَّى يوم الأضحى، فجاء فسلَّم على الناس وقال: "إنَّ أوَّل منسَك يومكم هذا الصلاة"، فتقدَّم فصلَّى بالناس ركعتين ثمَّ سلَّم، فاستقبل القوم بوجهه، ثمَّ أعطيَ قوسًا أو عصا فاتَّكأ عليها، فحمد الله -عزَّ وجل- وأثنى عليه، وأمرهم ونهاهم. رواه أحمد والطبراني بسند حسن وأصله في الصحيحين.
فهذا جملة ما يتعلَّق بهذا المنسَك من أحكام وسنن وآداب. والحمد لله رب العالمين.