الأول
(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
العربية
المؤلف | عبد المحسن بن عبد الرحمن القاضي |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | التربية والسلوك - المهلكات |
بكلمةٍ تنشأُ الحروبَ وبها تنتهي.. وبها تعقدُ الأنكحة وتطلَّقُ المرأةُ.. بالكلمةِ تذهبُ الأعناق وبها يحدث الشقاق.. ويتصالحُ الأفراد.. وبها يُفضح الناس.. بكلمة لا إله إلا الله يدخل الإنسانُ الإسلامَ وبكلمة كفرٍّ أو استهزاءٍ يخرجُ منه!! من أجلِ هذا كلِّه فالكلمةُ عنوانُ العقلِ لها مكانتُها، وأثرُها وخطرُها! ولذلك فيجب أن تكونَ لها حرّيّتُها مع ضبطها؛ بأن تكون عند حدود حرية الآخرين.. فالبلاء موكّل بالمنطق.. الكلمةُ تُفرِح وتُحزِن، وتجمَعُ وتُفرِّق، وتبني وتهدِم..كلمةٌ تنشرح بها الصدور، وأخرى تنقبِض منها النفوس.. التربية والتعليم بالكلمة وكذلك الدعوةُ والفضيلة،...
الخطبة الأولى:
?الحمد لله، تجلّى بدلائل قدرته وإتقان صنعته، واستترَ عن الأبصارِ بجلالِ عظمته، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيّدنا ونبيَّنا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله وسلّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين أما بعد فاتقوا الله رحمكم الله ..
واعلموا أن الحريةَ قرينُ الإبداع، والبحثُ عن الإبداع همُّ الأوطانِ وجهدُ بني الإنسان، وميادينُه كثيرةٌ؛ للفرد والمجتمع والدين والدنيا معاً، وشؤونِ الحياة كلها.. والمجتهدون يحملون هم الإبداع والإصلاح لنماء المجتمع وأهم ما يدعمه الحوارُ والنقد البناء إذا كان منضبطاً، لكن حرية الكلمة والتعبير فُسِّرت بغير معناها، واستُخدمت لغير مقتضاها وخاليةً من ضوابطها التي تحميها؛ فأصبحت تلك الحريةُ المزعومةُ فوضى وانفلاتاً من القيودِ المستقيمة ونيلٌ من مقدساتِ الشريعة وتشجيع على العصبية بأنواعها، فنسمعُ اليومَ باسمِ حريةِ الكلمةِ من يتحدَّثُ باسم الإصلاح، وهو يدعو للفتنة والفساد والتفرقة ونبذ كل شيء بكلامه أو مقاله الذي يعده إصلاحًا أو مزاحًا، وساهمت وسائل التواصل بنشرها (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ) [البقرة: 11- 12].
الكلمة-إخوتي- مهمة وعليها ينعقد الكثير ويُبنى على قولها الشيءُ العظيم وتدورُ عليها مصائِرُ أُمَمٍ وبناءُ بيوتٍ ودول..ومن هنا نتبيّن أهميةَ صدورِها من قائِلها ووزنِها قبلَ إخراجِها..
لسانُ الفتى نصفٌ ونصفٌ فؤادُه | فلم يبقَ إلا صورةُ اللحمِ والدمِ |
أخصُّ خصائصِ الإنسان عباد الله.. أنّه وحدَه المخلوقُ الناطق، فهو ينفرِدُ بالنطق، ويتميّز بالكلمة، ليُعبِّر بها عمّا بداخلِه من عواطفَ وانفعالاتٍ ورغبات وإرادات، يعبِّر عنها بالقولِ وبالكتابةِ، واللّسانِ والقلمِ والشعرِ والمشاعرِ ولذلك تفضّلَ الله عليه، (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) [البلد: 8- 10].
عبادَ الله: ليسَ من المبالغة إذا قيلَ إنَّ الحياة البشرية بناؤُها على الكلمةِ، (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا) [البقرة: 31]، (الرَّحْمَنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ خَلَقَ الإِنسَانَ عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) [الرحمن: 1- 3]، وآدمُ تلقَّى من ربِّه كلماتٍ فتابَ عليه، وابتَلى إبراهيمَ ربّهُ بكلمات فأتمهنّ، (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) [النساء: 164].
وعيسى -عليه السلام- رسولُ الله وكلمتُه ألقاها إلى مريم وروحٌ منه، ومحمّدٌ -صلى الله عليه وسلم- أُوتي جوامعَ الكَلِم واختُصِر له الكلامُ اختصارًا، ولا إله إلا الله كلمة لتوحيدِ الله قام عليها الإسلام وأُسِّس عليها، والرسالة والدعوةُ والتبليغ بالكلِمة (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) [النجم: 2- 4]، والقرآن الذي تنزَّل على قلبِ محمد -صلى الله عليه وسلم- هو كلام الله عز وجل وكتابُه، كتابٌ عزيز (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت: 42].
أيّها المسلمون: بكلمةِ الحقّ الصادقة النزيهة تُبنى العقول وتُشاد الأوطان، وهي عِماد التربية، صلاحها صلاحٌ للمجتمع، والصدقُ يهدي إلى البرّ، وللكلمةِ قوّةُ السيفِ في البناءِ والإصلاحِ فإن من البيانِ لسحراً، والعاقلُ من الناسِ لا يتكلّمُ إلا لحقٍّ يبيِّنه أو باطلٍ يَدحَضُه أو علمٍ ينشرُه أو خيرٍ يذكرُه أو فضلٍ يشكرُه، وتركُ الفضولِ من كمالِ العقول.
الكلمةُ تُفرِح وتُحزِن، وتجمَعُ وتُفرِّق، وتبني وتهدِم..كلمةٌ تنشرح بها الصدور، وأخرى تنقبِض منها النفوس..التربية والتعليم بالكلمة وكذلك الدعوةُ والفضيلة، وكان دعاء موسى الكليم عليه السلام (وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي) [طه: 27- 28].
ومن اتَّقى الله ولزم القولَ السديد أصلح الله عملَه وغفر ذنبَه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) [الأحزاب: 70- 71]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ العبد ليتكلَّم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالاً يرفعُ الله بها درجاته، وإنّ العبدَ ليتكلَّمُ بالكلمةِ من سخَطِ الله لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنّم" نسأل الله السلامة.
"والمسلِمُ من سلِم المسلمونَ من لسانه ويدِه"، و"من يضمَنُ ما بين لحيَيه وما بين رِجلَيه أضمن له الجنة". ويقول معاذ: يا رسولَ الله! وإنا لمؤاخذون بما نقول؟! فيقول له: "ثكلتك أمك، وهل يكبُّ الناسَ على وجوههِم في جهنم إلا حصائدُ ألسنتهم".
والرابطُ بين بني الإنسانِ الحوارُ وتبادلُ الكلام، فمن تكلَّم وحدَه أو خاطب نفسَه عُدّ من الحمقى وناقصِي العقول، والمرء حين يتكلَّم ليُسمِعَ الآخرين ويَسمَعُ منه الآخرون، للبناءِ والتفاهم، وليس للمواجهة والتصادُم:
زيادةُ القولِ تحكي النقصَ في العملِ | ومنطقُ المرء يهديه للزللِ |
إن اللسانَ صغيرٌ جُرمُه وله | جُرمٌ كبيرٌ كما قد قيلَ في المثلِ |
بكلمةٍ تنشأُ الحروبَ وبها تنتهي.. وبها تعقدُ الأنكحة وتطلَّقُ المرأةُ.. بالكلمةِ تذهبُ الأعناق وبها يحدث الشقاق.. ويتصالحُ الأفراد.. وبها يُفضح الناس.. بكلمة لا إله إلا الله يدخل الإنسانُ الإسلامَ وبكلمة كفرٍّ أو استهزاءٍ يخرجُ منه!! من أجلِ هذا كلِّه فالكلمةُ عنوانُ العقلِ لها مكانتُها، وأثرُها وخطرُها! ولذلك فيجب أن تكونَ لها حرّيّتُها مع ضبطها؛ بأن تكون عند حدود حرية الآخرين.. فالبلاء موكّل بالمنطق..
السؤال أيها الإخوة كيف هي حرية الكلمة والتعبير فالإنسان حُرٌّ بأقوالهِ وأفعالِه وهو من يطلِقُ الحرّيّاتِ ويكبِتها بعدلٍ أو بظلم، كمال قال الفاروق.. "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتُهم أحرارا؟!".. وكلمةٌ حرَّةٌ تخرج بلا قيد هي قيدٌ لإنسانٍ آخر.. البعض يطلق كلمة وينشرها وهي تهدم وتفرّق ويُبرّر ذلك بالمزح أو يتكلم ُعن أمرٍ يثير الفتنة بقصد السخرية فهل هذه هي الحريِّة؟!
إن الغايةَ من الحرية الإصلاحُ والبناء وليس الهدمُ والإفساد، وإثارةُ البلبلة.. والتعاونُ والتفاهم وليس الشّقَاقُ والتّصادم. حرّيةُ التعبير قِيَمةٌ حضاريّةٌ عالية، وهي مُنجَزٌ عظيمٌ للبشرية يُوجد الإبداعَ، وحسنَ الاختراع.. وإذا غابت الحريةُ ووُجدَ الكبتُ والقهرُ تولّدَ سوءُ الظنِّ والمصائبُ، والإنسانُ يوزَنُ بكلامِه، ويحكَمُ عليه من لسانِه، فالساكتُ مَوضِعَ الكلام مُحاسَب، والمتكلِّمُ في موضعِ السكوتِ محاسَب، والساكتُ عن الحقِّ شيطانٌ أخرَس، وكلامُ الزور إثمٌ وفجور، والكذِب يهدي إلى النار، وكفَى بالمرء إثما أن يحدِّث بكلّ ما سمِع، وكَم من كلمةٍ قالت لصاحبها دَعني.
والحرّيّةُ في النقد لها ضوابط، ومعايير ليكون بنَّاءً وإصلاحاً، وإلا انقلب فوضى عمياء تُعلِي شأنَ الظلم والظالمين، وتزيِّفُ الحقائق، وتنالُ من الشرائع وتنشرُ الفساد وتقودُ إلى النتائجِ العكسيّة، فتشوّه الحرية.. وتُصبحُ الكلمة حينذاك بلبلةً تُحدثُ الفوضى ولا تجلبُ انضباطاً..
وهذا ما رأيناه اليوم مع تقدّمِ وسائل الاتصال وغياب رقابة الإنسان لما يصدر عنه من كلامٍ فأصبحَ البعض يهرف بما لا يعرف، وينالُ من هذا وذاك، ويُجدِّف ويثير العصبية ولا يراعي ديناً ولا خلقاً، ولا وطناً ولا عالماً، ولا صدقاً ولا نصحاً، تجد من يجلس خلف جهاز حاسوبه، أو بجواله ليتلكم بالدين وشريعة ربِّ العالمين فيكفرُ وهو لا يدري أو من ينال من أعراض الناس ويسب ويشتم ويسجل وينشر ثم يدّعي أنه مزحاً أو عرضه للسخرية ومن ينتقد ذلك يُضّيقُ على الإبداع، فهل هذه حرية للكلمة نطمح إليها؟كلا والله..إنها كلمة ستقولها وتنشرها وستحاسب عليها..
والعجيب أن من يدَّعي الشجاعة بحرية كلمته التي ينال بها من الدين أو من الغير، تراه يجبنُ عن أن يتكلمَ عن الفسادِ والظلمِ والطغيان، بل قد يجامِلُ وينافقُ ويمارسُ الفسادَ والفجور وهو يدّعي الحرية واللبرالية.. لكنه اختصرها بفهمه..
إن حريّةَ التعبيرِ والكلمة ملتزمةٌ بقصدِ الحق وقدسيةِ الدين وعلمائِه، وتاريخِه إلا بنقدٍ هادف بنّاء، وبالتجرّدِ من نوازِعِ الهوى وحُظوظِ النفس واحذر من توظيف الكلمةِ للانتصارِ للنفس والعصبيّة لفئةٍ أو لقبيلةٍ أو صديقٍ أو مذهب أو فكرة، فهذا بغيٌ وظلم.
وقد يرجى لجرح السيف برءٌ | ولا برءٌ لما جرح اللسانُ |
وجرح السيف تدمله فيبرا | ويبقي الدهر ما جرح اللسان |
يجِب مراعاةُ ظروفِ الزمان والمكان والأحوال في الحوارات والمناقشات والردود وخطاب الناس..
تتأكّدُ أهمية الكلمة ودقَّةُ اختيارها بمراعاةِ الخلاف وأصولِ الحوار، وأحوالِ المخاطَبين عِلمًا وثقافةً وخَوفًا وأمنا، قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "حدِّثوا الناس بما يعقلون أتريدون أن يُكذَّبَ اللهُ ورسوله؟"، تُراعى بالكلمة أجواءُ الفِتن وأحوالُ الاضطراب والحِفاظ على الأمة والوطن ..
لا بدَّ من نشرِ ثقافة الحوار الصريح في بيوتنا ومساجدِنا وأوطانِنا وتقبّلِ الرأي الآخر مادامَ في إطارِ الحق والنصح، وإنما يُولدُ الإرهاب وينتشرُ الضلال حين ينعدمُ الحوارُ الحرُّ وبسطُ الحق وتوضيحُه للناسِ فحينذاك يخرجُ لنا من شبابِنا من لا يعرفُ معروفاً، ولا ينكرُ منكراًَ ولا يُقدّسُ ديناً، ولا يراعي حُرمةً ولا أمناً قائماً ثم يدَّعي حريةَ الكلمة.
ولا بد من القراراتُ الرادعةِ لمن تجاوز حرية الكلمة ونال من الثوابت أو أثّر في اجتماع الناس بإثارة النعرات والعصبيات واستغلال المناسبات وكذلك تخفيف التوتر وبسطُ ثقافةِ التعاوُنِ والمحبَّة وحُسن الظنّ وابتغاءُ الحقّ والتجرّدُ له وقَبولُه ممن جاءَ به وحقّ الاختلاف، واللجوء إلى القضاء عند الاختلاف وقبولِ أحكامه والردّ على المخالف بأدبٍ وسلامة قصدٍ وتلمُّسٍ للحقِّ في علمٍ وبصيرة وهُدى..
إن الإثارة التي يمارسها الإعلام مع عدم ضبط لما يُقال ويُنشر في البرامج قد يعود بالضرر وإن الشاعر حين يخطئ يكون غاوياً..والعالم بفتواه إن لم يحسنها يسيء للدين!! وكذلك المسئول والمواطن فكلُّهم محاسب على كلامِه ونتائجه في المجتمع..
فالكلمةُ البناءةُ الناقدةُ هي التي لا تتجاهلُ الفضائلَ ولا تخفي الحسنات، ولا تُحمِّل النيات ما لا تحتمل، ولا تجرحُ في الأشخاص ولا تستسلمُ للأهواء، وتنكر المنكر وتأمر بالمعروف، الكلمةُ الحرةُ المفيدة تضعُ الحلول وتترفَّعُ عن تناولِ الأشخاص بأسمائهم، وتتناولُ الأفكارَ وأعمالَهم ونتقبل النقد برحابة صدر بل وينبغي أن تتفرغ جهات حكومية وعلمية عالية لوضع أسس هذا النقد ونشر هدفه، وتصحيح الأخطاء وهي الكلمة الطيبة التي تؤتي ثمرتها..
(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)[إبراهيم: 24- 27].
اللهم لا تجعلنا نقول إلا حقّاً، ولا نتكلم إلا صدقاً، ولا نقول زوراً أو نغشى فجورا.. ارزقنا طيب الكلام، وحسن الختام ..أقول ما تسمعون ..
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد..
أما بعد..أيها المسلمون..كلمة الصّدق والحقِّ مطلوبة، وكلمة الباطل منهيٌّ عنها ومذمومة، و"من كان يؤمن بالله واليوم والآخر فليقل خيرًا أو ليصمت".. فإذا أردت التكلّم فزن الكلمة قبل قولها ولا تنشر شيئاً يكون له آثارٌ وآثام تعود عليك وتحدث الفتنة..
فضبطُ الكلام ووَزن الحديث من سمات أهل العَقل والعِلم والإيمان، (وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ) [المؤمنون: 3]، (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) [الفرقان: 63]، (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ) [القصص: 55].
فانتبه من كلمة (يقولون) ورد بالحديث: "بئس مطية الرجل قوله زعموا" (أخرجه أحمد وأبو داود)، والإشاعة تبدأ بكلمة تنتشر فتُحدث الضرر قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكِذْبَةِ ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ ذلك إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، والمقصود نشر ما قيل وأثره.
ولا تجوز السخريةُ بالناس ولا الاستهزاءُ بهم ولا التطاولُ على الحقّ والدين؛ فهذه ليست حرية تعبيرٍ ولا حريةَ رأي، ولكنها فوضَى وهمجيّة، بل سلوك لا يفعله مَن يحترمُ نفسَه ويحترم الآخرين.ألا فاتقوا الله رحمكم الله، (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ) [البقرة: 83].
اللهم إنا نسألُك خشيتَك في الغيب والشهادة وكلمةَ الحقِّ في الغضبِ والرضى ونسألُك القصدَ في الفقر والغنى.. ونسألُك نعيمًا لا ينفد وقرة عين لا تنقطع.. واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين.
اللهم انصر إخواننا على أرض سوريا وفلسطين وسائر بقاع المسلمين، اشف مريضهم تقبل شهيدهم، واجمع كلمتهم، واحفظ أعراضهم، وآمنهم في وطنهم، اللهم واكشف عنهم البلاء.. وانصر جندنا المرابطين ووفق ولاة أمور المسلمين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين..