التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
العربية
المؤلف | أحمد بن محمد العتيق |
القسم | خطب الجمعة |
النوع | نصي |
اللغة | العربية |
المفردات | الحديث الشريف وعلومه |
عن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أُشيمطٌ زانٍ، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته، لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه" رواه الطبراني بسند صحيح.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102]. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]. (يَا أَيُّهَا الَّذِين ءَامَنُواْ اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].
أما بعد: عباد الله، اتقوا الله -تعالى-, وراقبوه, واعلموا أنه لا يخفى عليه شيء من أمركم.
عن سلمان الفارسي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: أُشيمطٌ زانٍ، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته، لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه" رواه الطبراني بسند صحيح.
ثلاثةٌ لَمَّا عَظُمَ ذنْبُهم عَظُمَت عقوبتهم، فعوقبوا بهذه الثلاث التي هي من أعظم العقوبات.
أوَّلُهم: أُشَيْمِطٌ زانٍ: صَغَّرَه تحقيراً له؛ وذلك لأن داعي المعصية ضَعُفَ في حقه.
والزنا جريمة كبيرة, تجمع خلال الشر كلها؛ لأنها تدل على فساد القلب, وضعف الغيرة, والبعد عن الشرف والنزاهة والشهامة والمروءة.
إنه قرينٌ لأعظم موبقتين: الشرك والقتل, قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) [الفرقان:68]. قال الإمام أحمد -رحمه الله-: "لا أعلم بعد القتل ذنباً أعظم من الزنا".
ولذلك اشتدت عقوبته في الدنيا والآخرة، ففي الدنيا: الجلد للبكر, والرجم حتى الموت للمحصن. وفي الآخرة ما ثبت في صحيح البخاري عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه-, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في خبر الرؤيا الطويل: "فانطلقنا فأتينا على مثل التنّور, أعلاه ضيق وأسفله واسع, فيه لغط وأصوات, قال: فاطلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك ضوضوا -أي: صاحوا من شدة الحر- فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني".
ومن ذلك ما سمعتم في الحديث, فإن عقوبة الزاني تتفاوت, وأشدها عندما تضعف دواعيها, خصوصاً إذا كان شيخا كبيراً، وهو الأشيمط الزاني، ذُكِرَ بهذه الصيغة تصغيراً وتحقيراً له؛ لأن داعي المعصية ضعيف في حقه, فدل على أن الحامل له على الزنا: محبة المعصية والفجور, وعدم خوفه من الله. وضَعْفُ الداعي إلى المعصية مع فعلها يوجب تغليظ العقوبة عليه.
الثاني: عائل مستكبر: والعائل هو الفقير، وإن كان الكبر محرما على الجميع, قال الله العلي الكبير في الحديث القدسي: "الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما قذفته في النار" رواه مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يُحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجن في جهنم يسمى: بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار: طينة الخبال" رواه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنه-.
ودواعي الكبر كثيرة, كالملك والجاه والمال والمنصب والجمال والعلم, وهو محرمٌ تحريماً شديداً مهما كانت دواعيه, ولكن يشتد التحريم ويعظم الذنب, إذا حصل ممن ليس له ما يدعوه إلى الكبر والتعالي, كالفقير؛ لأن الفقير لا داعي له إلى أن يستكبر، لأن استكباره مع عدم الداعي إليه يدل على أن الكبر طبعٌ له، كامن في قلبه، فعظمت عقوبته لعدم الداعي إلى هذا الخلق الذميم الذي هو من أكبر المعاصي.
اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين؛ إنك أنت الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: عباد الله، الثالث في الحديث: "رجل جعل اللهَ بضاعتَه لا يشتري إلا بيمينه ولا يبيع إلا بيمينه"، أي: يجعل الحَلفَ بالله هو المروج لسلعته, أو الجالب للسلعة, وليس الصدق والأمانة.
والمسلم يتأثر إذا حُلِفَ له بالله, وقد يشتري وهو لا يريد, أو يبيع وهو لا يريد؛ فينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه عن كثرة الحلف مطلقاً، لعموم قوله -تعالى-: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) [المائدة:69].
وأن يحفظ لسانه من هذه الطريقة على وجه الخصوص, لا سيما وأنها سببٌ لمحق بركة المكاسب، روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الحلف منفقة للسلعة، ممحقة للربح"، وفي رواية: "ممحقة للبركة".
اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا ذا الجلال والإكرام، اللهم طهر قلوبنا من النفاق، وأعمالنا من الرياء، وألسنتنا من الكذب، وأعيننا من الخيانة، إنك تعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.