البحث

عبارات مقترحة:

الباطن

هو اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على صفة (الباطنيَّةِ)؛ أي إنه...

الحافظ

الحفظُ في اللغة هو مراعاةُ الشيء، والاعتناءُ به، و(الحافظ) اسمٌ...

الوهاب

كلمة (الوهاب) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) مشتق من الفعل...

ثم استقم

العربية

المؤلف محمد أحمد العامري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التربية والسلوك - المنجيات
عناصر الخطبة
  1. بعض الموضوعات التي تحدثت عنها سورة هود .
  2. وجوب الاستقامة وأهميتها .
  3. حقيقة الاستقامة ومعانيها .
  4. بعض علامات الاستقامة .
  5. وجوب الاستقامة على جميع الناس .
  6. ثمار الاستقامة في الدنيا .

اقتباس

انظر ماذا قال الله عن المستقيمين، وما جزاؤهم في الدنيا، وما جزاؤهم في الآخرة: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ) [فصلت: 30] نطقوا ب "لا إله إلا الله" بألسنتهم، وتيقنت بها قلوبهم, وعملت بها أيديهم, وأرجلهم, وأسماعهم, وأبصارهم، آمنوا بها فكراً وسلوكاً، وعقيدة ومنهجاً...

الخطبة الأولى:

(تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا) [الفرقان: 61].

أحمده -تعالى- وأستعينه وأستهديه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 102-103].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].

(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2-3].

اللهم إنا نسألك أن تؤلف على الخير قلوبنا, وأن تلم شعثنا، وأن ترفع رايتنا، وأن تنصرنا على عدوك وعدونا، يا قوي يا جبار.

أما بعد:

عباد الله: دخل أبو بكر الصديق خليفة النبي -صلى الله عليه وسلم- على رسول الله، فوجده جالساً -وهو يعرفه فقد عاش معه، وسافر معه، وجلس معه، وجاهد معه، وأوذي معه- فنظر إلى رأس النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإذا بشيب اعترى رأس النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقال: شبت, يا رسول الله؟! ظهر الشيب في رأسك. قال: نعم، قال: وما سبب ذلك؟ ما الذي جعل الشيب يظهر في رأسك يا رسول الله؟ فقال عليه الصلاة والسلام: "شيبتني هود وأخواتها" [رواه الترمذي والطبراني والحاكم، وصححه الألباني في صحيح الجامع].

أي سورة هود وأخواتها.

وأخواتها، هن: سورة الواقعة, والقيامة, والتكوير, وعم يتسألون.

سورة هود، تتحدث عن ذكر الأمم الماضية، كيف خلقها الله، ورزقها الله، فأنزل لها ماءً من السماء، وثمراً من الأرض، وآتاهم بسطة في الرزق، وسعة في المال، وانتشاراً في الذرية, فعصوه, وكفروا به, وجحدوا به، فأهلكهم الله ببطشه, وقوته، وعظمته، وسطوته, بعد أن تغشاهم برحمته وفضله وكرمه وجوده.

سورة هود، فيها قصص الأنبياء، وكيف أن الله -جل وعلا- أرسل الأنبياء إلى أقوامهم منذرين، موجهين، مربين، فكفروا بهم, وطردوهم, وأهانوهم, وجحدوا بهم.

سورة هود، تتكلم عن القيامة وأهوالها وعظائمها, وعن قوة الله، وملكه، وسلطانه وبطشه وقهره, وما أوجد الله -جل وعلا- للكافرين من عذاب أليم, فيها من الهول, ومن الوعد, ومن الوعيد, وفيها من الهول الذي يفطر الأكباد, ويذيب الأجساد: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ) [الحـج: 2].

سورة هود، أظهرت الشيب في شعر النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنها تذكر بيوم القيامة, الذي قال الله -جل وعلا- فيه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا) [الحـج: 1-2].

كل أم, كل أنثى، كل حامل, كل مرضع، تذهل، تنشغل, تنسى أطفالها, تنسى ما ترضع: (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) [الحـج: 2].

هذه الآيات أظهرت الشيب في شعر النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال أبو بكر: يا رسول الله! وما الذي أصابك بالشيب منها؟ ما هي الآية العظيمة التي في سورة هود؟

قال عليه الصلاة والسلام: قول الله -جل وعلا-: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ) [هود: 112].

فاستقم -يا محمد- بعد أن سمعت عن أهوال يوم القيامة، بعد سمعت عن أحوال الأمم الماضية, بعد أن سمعت ما حل بالأنبياء, فاستقم كما أمرت، ليس على هواك، بل كما أنزل الله، ليس كما يقول البشر، بل كما يقول الله رب البشر، ليس كما تقول العادات والتقاليد، بل كما أمر الله، ليس كما يربي الإعلام، والمسلسلات الماجنة, والمجلات الهابطة، والأغاني الساقطة، بل كما أمر الله: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ) [هود: 112].

من أحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, من آمن, من صدق بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فليستقم كما استقام النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإلا حلَّ بالأمة كما حل بالأمم الماضية.

من لم يستقم في الدنيا سيحل به ما حلَّ بالأمم الماضية, وسيجد أهوال يوم القيامة.

والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم-: يا محمد استقم.

لذلك، انظر ماذا قال الله عن المستقيمين، وما جزاؤهم في الدنيا، وما جزاؤهم في الآخرة: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ) [فصلت: 30].

نطقوا ب "لا إله إلا الله" بألسنتهم، وتيقنت بها قلوبهم, وعملت بها أيديهم, وأرجلهم, وأسماعهم, وأبصارهم، آمنوا بها فكراً وسلوكاً وعقيدة ومنهجاً: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ).

ليس سليماً ولا صحيحاً أن تقول: أنا أقول "لا إله إلا الله" وأنت لا تصلي! تكذب على الله؟! تكذب على رسول الله؟!

أنت قد تستطيع في الدنيا أن تغالط البشر، لكن من يغالط رب البشر؟!.

أنت في الدنيا تستطيع أن تضحك على القاضي في المحكمة، تغالطه بأوراق مزورة, وكلمات منمقة، أو بشاهد زور، لكن ما هي الأوراق؟! وماهي الكلمات؟ ومن هم الشهود الذين سيقفون أمام الله إذا كان سمعك سيكذبك وبصرك سيكذبك؟: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ).

ما هي؟

إنها جلودهم التي طالما خدموها بحسن النظافة، والنظارة، والعناية، وأيديهم التي عملوا بها، ولأجلها كل ما يقدرون عليه, وأبصارهم التي جعلوها ما تقع إلا على كل ما تريد، وصرفوها عن كل ما لا تريد.

العين، تقول: يا رب كان ينظر إلى الحرام.

واليد، تقول: يا رب كان يأكل الرشوة.

والبطن، تقول: يا رب كان يتغذى من الحرام.

(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا) [فصلت: 30].

أليست هذه آية من كتاب الله؟ أليس هذا هو قول الله؟ أليس هذا هو كلام الله، فصدقوه، وآمنوا به، واعملوا بما أوجب.

(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا الله) أي نطقوا بألسنتهم، ثم استقاموا بجوارحهم، أرضوا الله، وأرضوا رسول الله، وكانوا بين الناس مستقيمين.

(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ) هذه أول الجوائز, تريد الجوائز، تتنزل عليهم الملائكة، ليس في الآخرة، بل في الدنيا, في الدنيا عند سكرات الموت، وأنت تكابد الموت, وتصارع الموت, ونفسك تتقهقر، يُنزل الله عليك ملائكة من السماء, ينزل الله عليك فضله من السماء، تتنزل عليهم الملائكة، لماذا تتنزل؟.

تقف الملائكة عن يمين الميت وعن يساره, وعند رأسه وعند أرجله، تقول له: لا تخف ولا تحزن.

(أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا) ليس فقط: (أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا) بل ولكم البشرى من الله, نحن نزلنا من عند الله، وأرسلنا الله إليكم، نقول لكم: لا تحزنوا على الماضي، ولا تخافوا من القادم: (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت: 30].

ما هي الضمانات؟ وما أدراني من أنتم؟

(نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) [فصلت: 31].

ضيافة كرم!.

(نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ) [فصلت: 32] ضيافة من الله -جل وعلا-.

أيها المؤمنون: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- اسمه: سفيان بن عبد الله، فقال: يا رسول الله! قل لي في الإسلام -أي في الدين- قولاً لا أسال عنه أحداً غيرك؟ لن أسأل أحداً غيرك، وسأستمسك بالذي قلت لي يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً موجزاً، ليس بالطويل، فيشق عليَّ، ولا بالقصير المبهم لا أسأل عنه أحداً غيرك؟ قال عليه الصلاة والسلام: "قل آمنت بالله ثم استقم" [رواه مسلم].

قل: "لا إله إلا الله" ثم استقم، ثم أطع، ثم صل، ثم صم، ثم حج، ثم افعل الطاعات، واترك المعاصي.

الاستقامة، استقامة باللسان, واستقامة بالقلب.

الاستقامة -يا عباد الله- على التوحيد, ترك السحر والشعوذة، ترك الحلف بالأولياء، وأصحاب القبور, لا يُحلف إلا بالله, لا يُطلب المطر إلا من الله، ولا يُطلب الولد إلا من الله، ولا يُطلب الشفاء إلا من الله, لا يطلب من طبيب، ولا من ساحر، ولا من كاهن، ولا من عراف, حتى الطبيب إذا ذهبت إليه، فاجعل في قلبك أنه وسيلة، وأن الشافي المعافي الذي أنزل البلاء، والذي يرفعه، هو الله, هو القادر, هو المحيي, وهو المميت.

سبحان الله! أما نظرت إلى الصخرة الصماء كيف أخرج الله منها ثمرة حلوة؟ أما رأيت إلى البحر الواسع كيف أوجد الله فيه ملايين من الحيوانات؟ أما رأيت إلى قدرته وعظمته؟ أما تفكرت في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار، واختلاف ألسنتكم وألوانكم ولهجاتكم؟ أليس ذلك دليل على عظمة الله -جل وعلا-؟!

ثم ترى بعض الناس إذا مرض ذهب إلى  الساحر, وإلى المشعوذ, أي استقامة هذه؟! تطلب من الله الرزق وأنت تشرك به؟! تطلب من الله الرزق والعافية وأنت تعصيه؟!

يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" [رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة].

كفر بما أنزله الله -جل وعلا-.

الاستقامة -يا عباد الله- على التوحيد؛ لذلك كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "وإذا أردت بعبادك فتنة، فاقبضني إليك غير مفتون" [رواه الترمذي وحسنه، وقال الشيخ الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: "صحيح لغيره"].

أي ثبتني على التوحيد.

الاستقامة -يا عباد الله- على العبادة, والمحافظة على الصلاة في أوقاتها, ليس كما يفعل بعض الناس يسهر إلى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل على الأفلام, وعلى القنوات, وعلى مجالس القات, وعلى المجلات, وعلى السمر، حتى إذا جاء وقت الصلاة نام، وما استيقظ إلا الساعة العاشرة قبل الظهر, وربما صلى الفجر أو لا, وأخر صلاة الظهر أو لا يصليها, أي استقامة هذه؟! كيف سيقابل الله -جل وعلا-؟!.

الاستقامة على الخلق السوي, والسلوك الحسن.

لذلك -يا عباد الله- الطريق إلى الجنة مستقيم ليس فيه اعوجاج, الطريق إلى الجنة مستوٍ لا اعوجاج فيه، يقول الله: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ) [الأنعام: 153].

ولا تتبعوا الأهواء، شهوة البطن, وشهوة الفرج, وشهوة العين, وشهوة الأذن, وشهوة المال, وشهوة النساء.

الاستقامة على الدين شرع الأنبياء، قال الله -جل وعلا-: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ) [الشورى: 13] أي استقيموا على الدين.

ومن الاستقامة -يا عباد الله-: إقامة الواجبات، وترك المحرمات، حتى وإن كنت مستقيماً مطلوب منك الاستغفار, والتوبة، لذلك انظر ماذا يقول الله -جل وعلا-: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) [فصلت: 6].

حتى مع استقامتكم اطلبوا منه المغفرة, كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم-، وانظر ماذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "قاربوا وسدوا، واعلموا أنه لن ينجوا أحد منكم بعمله" قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: "ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل" [رواه البخاري ومسلم].

عباد الله: هذه هي معان الاستقامة, لذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لمعاذ بن جبل: "اتق الله حيث ما كانت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها" [رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني في صحيح الجامع].

أي كن مستقيماً في كل حياتك، في عملك، في بيتك, في سفرك, في شارعك, في أي مكان كن مستقيماً على طاعة الله.

اللهم اجعلنا من المستقيمين, اللهم اجعلنا من الطائعين, اللهم اجعلنا من المنيبين, اللهم اجعلنا من المستغفرين, اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وتجاوز عن خطئنا.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى.

أما بعد:

أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن الاستقامة على دين الله شيء عظيم، وشيء كبير لا يقوم به إلا من وفقه الله -جل وعلا-, لذلك يقول عليه الصلاة والسلام: "استقيموا لله، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة, ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" [رواه أحمد وابن ماجة، وصححه الألباني في صحيح الجامع].

واعلموا -يا عباد الله-: أن من أراد استقامة الجوارح, والبعد عما حرم الله، فليبدأ بصلاح القلب واستقامته، فهو المضغة التي يبدأ بها في الاستقامة.

والاستقامة -يا عباد الله- على دين الله -جل وعلا-، لا يعني ذلك أنك غير مستقيم, أو أنك إنسان مذنب, أو أنك غارق في الذنوب والمعاصي, أو أنك إنسان فاجر، فقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يطلب الاستقامة من الله زيادة في الخير, يطلب من الله مزيداً من الإيمان, بل إن الله -جل وعلا- أوصى نبيه -عليه الصلاة والسلام-، وأوصى الصحابة، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ) [الأحزاب: 1] أي استقم على طاعة الله.

وقال للمؤمنين وهم الصحابة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ) [النساء: 136] أي زيدوا في إيمانكم, وزيدوا في صلاحكم وتقواكم.

واعلموا -يا عباد الله- أن الاستقامة على دين الله ليست خاصة بأناس دون أناس, ليست الاستقامة خاصة بالملتزمين, أو خاصة بالصالحين، الاستقامة لكل من يقول: "لا إله إلا الله".

وإني لأستغرب أيما استغراب: إذا ما نظر الناس إلى رجل ملتحٍ، وقع في خطأ، تجد الناس، يقولون له: هذا وأنت ملتح؟! هذا وأنت مطوع؟!.

سبحان الله! وكأن الملتحين لا يخطئون, وكأنهم لا يقعون في الخطأ.

إن الاستقامة مطلوبة من الذي أطلق لحيته، ومن الذي لم يطلق لحيته، فمن قال "لا إله إلا الله" وجبت عليه الاستقامة, فليست الأمور محرمة على أناس، وجائزة لآخرين.

لم يبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة لأصحاب المساجد, ولم يبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة لكبار السن, ولم يبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- خاصة لعينة دون أخرى, بل بعث لكل الناس رحمة للعالمين.

بل قد يوجد في المجتمع من لم يطلق لحيته، لكنه من خير عباد الله استقامة في الصلاة، وطاعة للوالدين, وعدم أذية للجيران، وفعل للطاعات, وترك للمحرمات، ويكون مقصراً في لحيته، لكنه طائع في أمور أخرى: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" [رواه الترمذي وابن ماجة، وحسنه في صحيح ابن ماجة].

أيها المؤمنون: إن الاستقامة على دين الله إنما هي استجابة لأمر الله -جل وعلا-.

وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- خير المستقيمين على أمر الله، وهو خير القدوات التي نتبعها.

انظر كيف كان النبي -عليه الصلاة والسلام- في لباسه، وكيف كان في تجارته، وكيف كان في بيته، وكيف كان مع ربه، وكيف كان في لسانه، وكيف كان في بصره، وكيف كان في عمله، فاقتدوا به، فمن فعل كما كان يفعل النبي -صلى الله عليه وسلم- ماذا سيقول عنه الناس؟

متشدد! ومتزمت!.

النبي -صلى الله عليه وسلم- كان لا يلبس خيلاء, وكان لا يسبل إزاره, وكان لا يترك الصلاة, وكان يحسن إلى أبنائه، وكان يحسن إلى زوجاته، ولم يكن يغش, ولا يكذب, ولا يغتاب, ولا ينظر إلى حرام, أهو متزمت؟ أهو متشدد؟

هو خير المستقيمين، وخير الأنبياء، وأحب الناس إلى الله.

أما ترضى به قدوة؟!.

أيها الناس: إن ثمار الاستقامة في الدنيا: راحة, وسلامة, وحب من الله, وحب من رسوله, وحب من الملائكة, وحب من الناس, فالمحافظ على الصلاة يحبه الناس ويحترمونه، فمثلاً إذا جئت تشتري أرضاً، أو تستأجر بيتاً, أو تخطب بنتاً, قيل لك: هذا إنسان يعرف الله، هذا إنسان يصلي.

سبحان الله! إذا ًهذه هي الاستقامة.

فمن الذي يحبه الناس الطائع لوالديه أم العاق؟! المرتشي أم الذي لا يأكل الرشوة؟! من الذي يحبه الناس ويحترمونه الصادق أم الكاذب؟! الخائن أم الأمين؟ المعاكس أم العفيف؟ الغاش أم التقي؟ الشاب الصالح أم الشاب الضائع؟ الحاكم الصادق العادل أم الحاكم الظالم الجائر؟

عباد الله: آن لنا أن نقيم حدود الله, وأن نتبع سنة محمد بن عبد الله, لكي نرتاح في الدنيا والآخرة، فما جاء الإيدز إلا حين ابتعدنا عن الاستقامة, فمن وقع في الزنى أصابه مرض الإيدز, ومن وقع في البعد عن طاعة الله، أصابته أمراض الدنيا، كالضغط, والسكر, وأمراض أخرى، بسبب بعده عن كتاب الله، وعن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم–.

فكم سمعنا عن ذاك الذي انتحر, وذاك الذي أحرق نفسه، وذاك الذي فعل وفعل.

سبحان الله! أيقتل المؤمن التقي نفسه؟!

إن الاستقامة راحة في الدنيا، ونجاة في الآخرة، ومقابلة لله -جل وعلا-, وسكنى في الجنة, وفي الموت, وفي القبر, وفي العرض, وفي الحساب, سلامة في الدنيا، وسلامة في الآخرة: (نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ) [فصلت: 136].

اللهم اجعلنا من المستقيمين على طاعتك، ومن المتبعين لسنة نبيك.

اللهم اجعلنا مستقيمين في ألسنتنا، وفي أبصارنا, وفي أسماعنا, وفي قلوبنا, وفي جوارحنا, وفي بيوتنا, وفي أبنائنا, وفي زوجاتنا, وفي أعمالنا, وفي أحكامنا.

اللهم أصلح لنا شأننا كله.

اللهم أصلح اقتصادنا, وأصلح سياستنا، وأصلح جميع أمورنا.

اللهم إنا نرفع أيدينا إليك، فلا تردنا خائبين, ولا عن بابك مطرودين.

اللهم أنزل علينا الغيث من السماء، ولا تجلعنا من القانطين.

اللهم أنزل علينا بركاتك من السماء، وأخرج لنا بركاتك من الأرض، يا أرحم الرحمين.

رحماك رحماك يا رب بالأيتام, وبالأطفال, وبالنساء, وبالأرامل، يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وبصفاتك العلى، وبوحدانيتك، اللهم إنا وفدنا إليك، إلى بيت من بيوتك، وفي ساعة أمرتنا بالحضور فيها، تلبية لندائك، اللهم انصر عباد المجاهدين، اللهم انصرهم في فلسطين، اللهم انصرهم في العراق، اللهم انصرهم في أفغانستان، اللهم انصرهم في كل مكان، اللهم ثبت أقدامهم، واربط على قلوبهم، اللهم من أراد بهم سوءً فأشغله بنفسه، واجعل كيده في نحره, واجعل تدميره في تدبيره, يا قوي يا عزيز يا جبار.

عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].