البحث

عبارات مقترحة:

الودود

كلمة (الودود) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فَعول) من الودّ وهو...

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

الباسط

كلمة (الباسط) في اللغة اسم فاعل من البسط، وهو النشر والمدّ، وهو...

يوم عاشوراء .. تاريخ وعبادة

العربية

المؤلف محمد أحمد العامري
القسم خطب الجمعة
النوع نصي
اللغة العربية
المفردات التاريخ وتقويم البلدان - الصيام
عناصر الخطبة
  1. قصة موسى -عليه السلام- مع فرعون وما فيها من الدروس والعبر .
  2. فضل صيام عاشوراء .

اقتباس

طاغية عصى الله، وادعى الألوهية، كان حاكماً لمصر، فادعى: أنه إله لهم؛ لذلك سطر الله ذلك في القرآن، فقال: (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ) علو وكبر وغطرسة وجحود، قال لأهل مصر بعدما استخفهم وظلمهم، وجار عليهم، وذبح ذكورهم، واستحيا نساءهم: (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص: 38] أي لا أعرف...

الخطبة الأولى:

(تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُّنِيرًا) [الفرقان: 61].

أحمده -تعالى- وأستعينه وأستهديه، وأعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما كثيرا.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 102-103].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [الحشر: 18].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].

(وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: 2-3].

اللهم إنا نسألك أن تؤلف على الخير قلوبنا، وأن تلمَّ شعثنا، وأن ترفع رايتنا، وأن تنصرنا على عدوك وعدونا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

أما بعد:

(وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) [يونس: 83].

ملك من الملوك، طاغية عصى الله، وادعى الألوهية، كان حاكماً لمصر، فادعى: أنه إله لهم؛ لذلك سطر الله ذلك في القرآن، فقال: (وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ).

علو وكبر وغطرسة وجحود.

قال لأهل مصر بعدما استخفهم وظلمهم، وجار عليهم، وذبح ذكورهم، واستحيا نساءهم: (مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي) [القصص: 38].

أي لا أعرف إلها ولا ربا ولا خالقا، ولا موجدا لكم -يا أهل مصر- إلا أنا!.

عالٍ في الأرض، قال الله: (وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ) أسرف وطغى وبغى وتجبر، وتعدى الحدود، فبعث الله إليه موسى -عليه الصلاة والسلام-، وبعثه إلى أهل مصر، فدعاهم إلى عبادة الله وتوحيده، وأن الذي يستحق العبادة هو الذي يكور الليل على النهار، ويجعل الشمس تخرج من المشرق، وتغيب من المغرب، الذي يقول للشيء كن فيكون، والذي يهب لمن يشاء ذكورا ويهب لمن يشاء إناثاً، ويجعل من يشاء عقيماً.

والذي يجري السحاب، فيأمرها بإنزال المطر، ويأمر الأرض بإخراج الثمر.

إنه الله الخالق الرازق الحكيم السميع، لا إله إلا هو.

فآمن لموسى طائفة من أهل مصر، فاشتد عليهم الظلم والجور من قبل فرعون وأزلامه، قتل فيهم فرعون وسجن وطرد، وعذب وارهب، ثم شكل وزارات ومراكز وفرقاً لمكافحة ما يسمى بالإرهاب، وصف موسى بأنه: إرهابي متطرف، فاجتمع موسى مع قومه، فقال: (يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ) [يونس: 84].

يا قوم العاقبة للمتقين، وهذا خلق من خلق الله، وعبد من عبيده، أتعبدون المخلوق أم الخالق؟ أتعبدون المعبود أم تعبدون العبد؟!

من آمن بالله فلا يخشى ظالماً، ومن توكل على الله فلا يخشى حاكماً، ومن اعتصم بالله فلا يخشى طاغية ولا جنوداً.

لقد وقف غلام على ضعفه وقلة حيلته، أمام ملك من الملوك على قوته وجبروته وحاشيته، بأي قوة وقف الغلام؟

بقوة: (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ) [التوبة: 40].

ووقف النبي -صلى الله عليه وسلم- أمام الدنيا بأسرها؛ لأن الله معه.

فإن كان الله معك وكنت مع الله أيضرك شيء؟! أتعرفون ماذا قال قوم موسى له؟!

قالوا عندما سمعوا خطاب موسى: (فَقَالُواْ عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) [يونس: 85 - 86].

ونزل الإذن لموسى أن يخرج هو وقومه من مصر إلى الشام آخذين بالأسباب، بعد التوكل على القوي المتعال، قال له: اخرج (مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا) [النساء: 75].

ومن هذا الحاكم الجائر إلى بلاد الشام!.

وانظر كيف صور الله في كتابه العظيم هذا الحدث: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ * فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ * إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) [الشعراء: 54].

بعدما خرج موسى وقومه أرسل فرعون عبر وزاراته وقواته وجنوده في مصر، تعميماً: إن موسى وأصحابه: (لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ) [الشعراء: 54].

"شرذمة" تحقيراً لهم، واسخفافاً بهم، بأجساد ضعيفة، وأعداد قليلة، وأموال زهيدة، وإمكانيات محدودة، بنظرة مادية: (وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ * فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ) [الشعراء: 55-60].

خرج موسى، وخرج خلفه فرعون، ذكر أهل السير: أن فرعون خرج في أكثر من مليون وستمائة ألف جندي! كان معهم الخيول أكثر من مائة ألف.

سار موسى ومن معه من المؤمنين الفارين بدينهم، حتى بلغوا البحر، فكان البحر من أمامهم، وفرعون من خلفهم، فلم يجدوا فرارا ولا ملجئا أما بحر يغرق، أو عدو مهلك، واشتد الرعب والخوف في أوساط اتباع موسى، فالموت يحاصرهم من كل جانب، ورائحة الموت أزكمت الأنوف، ومنظر الموت يلوح في الأفق من كل جانب، إذ أنهم يعرفون فرعون سنين من الظلم والجور، فهو جبار طاغية ظالم، لا يعرف رحمة، ولا الرحمة تعرف طريقا إلى قلبه، فرأوا أنهم محاصرون؛ بحر قوي، وأمواج تتلاطم، وعدو من خلفهم، جاء قوم موسى إليه، فقالوا له: اين المفر أنت من أتيت بنا إلى هنا؟ (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) [الشعراء: 61].

قال موسى المؤمن بقوة ربه القوي، وبضعف هذا الكافر الغبي: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62].

لا تنظروا إلى مقياس البشر، أخفتم من فرعون وجنوده؟! لا يتسلل الخوف إلى قلوبكم، لا يجتمع خوفان في قلب المؤمن: خوف من الخالق، وخوف من المخلوق: (كَلَّا).

من خلقهم وأوجدهم؟

إنه الله.

ومن خلق الجبال؟

إنه الله.

ومن خلق السماء وأوجد الأرض والبحر؟

إنه الله.

نحن نعيش في ملك الله.

حتى إذا اشتد الهلع، وزاد الخوف، وموسى يصبر قومه موقنا بما عند الله، قال: (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 62].

حتى إذا ما اشتد الأمر، واقترب منهم فرعون، وزاد الخوف، في تلك الأثناء أنزل الله على موسى: (أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [الشعراء: 63].

موسى كان ينتظر المفاجأة، ما كان يعلم أن المفاجأة بالعصى بين يديه، لكنه كان يعلم أن نصر الله قادم، لكن لا يدري من أين؟ هل سيرفعه الله إلى سمائه أم ينزله إلى أرضه؟ أم تأتي طيور فتحمله؟ أم يهلك الله فرعون أمامه؟

كل ذلك في ملكوت الله، فكان موقنا، مطمئن البال، منشرح الصدر، مؤمنا بقضاء الله، حتى بين الله: أن السر يا موسى في أضعف شيء معك؛ إنها العصا، ادمر بها ملك الظالم، وأدس بها أنف كبريائه في البحر، ليس بسماء تموج، ولا ريح تهيج، فهو أضعف من ذلك، بل بهذه العصا، هزها، واضرب بها البحر.

البحر الذي لو اجتمع الناس كلهم بمعداتهم أن يخففوه أو يجففوه ما استطاعوا، لذلك قال الله: (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) [الكهف: 109].

دليل على عظم البحر وقوته.

يقول أهل الأرض والجيولوجيا: إن البحر ثلاثة أرباع الأرض، فبمجرد ضربة عصا من موسى انفلق البحر، فكان أرضاً يابسة، كأن لم تصبها قطرة من ماء!.

البحر جعله الله رحمة، فيه لحم طري، ويكون نجاة كما كان لنبي الله يونس -عليه السلام- عندما التقمه الحوت، ويكون عذاباً كما كان قبل أشهر قريبة، وذلك كما حدث في زلزال تسونامي، من دمار، طال بلاد جنوب شرق آسيا، ومنها ماليزيا وإندونيسيا، وما جاورها من البلاد.

وقد تحدث العلماء عن ذلك، وتكلم الخطباء وكتب الكاتبون.

ومات فيه أكثر من مائتي ألف نسمة، وكان ذلك في عام 1427.

أوحى الله إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر، فهو خلق من خلقي، وعبد من عبيدي، فضرب البحر، قال أهل السير والتفسير: فتح الله في البحر اثنا عشر طريقاً، وليس طريقا واحدا، فكان البحر فجاجاً، يسير أصحاب موسى بينه ينظرون يمنة ويسرة، وإذا البحر جامد كالجبال الشامخة، طولا وعرضا، لا يصيبهم منه قطرة.

لكن السؤال: لماذا تأخر النصر؟ لماذا انتظر موسى وأخر الله عنه النصر إلى آخر لحظات، حتى إذا اقترب منهم فرعون أمر الله موسى بأمره؟ لماذا لم يصل موسى إلى البحر فيجده مفتوحاً؟ لماذا لم ييسر الله لموسى طريقا غير البحر حتى يصل بأمان؟

إن الله -جل وعلا- يريد أن يرى من عباده إذا ما أنزلت عليهم الفتنة، أو المصيبة، أو الغلاء، أو المرض، أو الفقر، أيتذللون ويدعون ويستغفرون؟!

إن الله يحب العبد الملح بالدعاء، وإلا فالله قادر على أن يهلك فرعون وهو في قصره، أو يأمر الأرض أن تنشق فتبتلعه كما فعلت بقارون.

إن الله قادر على أن يجعل فرعون يؤمن، ويدخل الدين.

فلماذا حوصر المؤمنون؟

إن الله يريد التذلل والدعا، وأن يعلم عباده أن الله مع من كان مع الله.

يا عباد الله: إننا قريبون من نفس الوضع الذي كان عليه قوم موسى، إذا حوصر قوم موسى بالجبال والبحار وفرعون، فإننا في هذا الزمان محاصرون بالمعاصي والظلم، يشكل فرعون الآن كل طاغية وظالم، أمريكا ومن عاونها، ويقف معها ويساعدها، يحارَب الصالحون، ويُقتَل المؤمنون، ومن أمامنا إعلام فاتن ماجن، خرب بيوتنا، ودمر بناتنا، ومن خلفنا حكومات جائرة عميلة ظالمة، وعن يسارنا فقر ومرض وجهل وظلم، وعن يميننا ذلة ومهانة وعار محاصرون، قوم موسى حوصروا فدعوا الله، ففتح لهم البحر، ونحن حوصرنا، فهل دعونا الله؟! ولجأنا إليه حتى يفتح لنا بحار الدنيا وجبالها وملكوت السماوات والأرض؟

(إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد: 7].

إن تجيبوا داعي الله يجب الله دعاءكم.

أيها المؤمنون: قال الله -تعالى- عن نجاة موسى: (وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ) [الشعراء: 65].

لم يمت أحد من قوم موسى، بل وصلوا إلى نهاية البحر وهم يلتفتون، أهذه حقيقة أم خيال؟ حتى إذا نجوا جميعاً وقف فرعون عند البحر مندهشاً، فعرف ضعفه، وأن الذي فعل ذلك هو الله، لكنه تجبر، والجنود ينظرون إليه، حتى قال لجنوده عندما رأى البحر قد انفتح: انظروا كيف انحسر البحر لي لأدرك عبيدي الذين بغوا؟!

انظر إلى هذا الدجال الكذاب! وما أكثر الدجالين والكذابين! حتى أقدم ودخل البحر ودخل معه جنوده، فلما لم يبق منهم أحد.

وكان قد أراد موسى أن يضرب البحر بعصاه ليعود كما كان، فقال الله له: (وَاتْرُكْ الْبَحْرَ رَهْوًا إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ) [الدخان: 24].

قال الله له لا تحركه، حتى إذا ما دخل فرعون وجنوده أجمعون أوحى الله إلى موسى الآن اضرب البحر، فضربه فعاد كما كان، وأطبق على فرعون وجنوده، مليون وستمائة ألف شخص غرقوا أجمعين، ولم يبق منهم أحد: (وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ * ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الشعراء: 66 - 68].

لذلك يؤثر عن الفراعنة الآن أنها توجد لهم موميات، أي أجسادهم تبقى، فهم الوحيدون في العالم، قال الله -جل وعلا- عن جسد فرعون بعدما قبض روحه: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) [يونس: 92].

اللهم انصرنا، وثبتنا وافتح بيننا وبين عبادك يا رب العالمين.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على عباده الذين اصطفى.

أما بعد:

(وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) [البقرة: 50].

حصل ذلك في شهر محرم، من اليوم العاشر منه، أنجى الله موسى ومن معه، فما كان من موسى إلا أن صام ذلك اليوم شكرا لله على فضله عليه، وهذا هو دوما سلوك المؤمن؛ الشكر في السراء والصبر، عند البلاء، وفي كل عام كان موسى يصوم العاشر من شهر محرم، شكرا لله على نصره، واعترافا بفضله.

لذلك ذكر ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسئلوا عن ذلك، فقالوا: هذا اليوم الذي أظهر الله فيه موسى وبني إسرائيل على فرعون فنحن نصومه تعظيماً له، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "نحن أولى بموسى منكم" فأمر بصومه [رواه البخاري ومسلم].

وعند أبي داود وغيره: قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى؟! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "فإذا كان العام المقبل صمنا يوم التاسع" فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- [رواه أبو داود بهذا اللفظ، وأصله عند مسلم].

يعني اليوم التاسع والعاشر حتى يخالف بني إسرائيل.

فكانت سنة يفعلها النبي -صلى الله عليه وسلم-.

بل قيل: أن أهل مكة كانوا يعظمون اليوم العاشر من هذا الشهر، وقبل وجوب صوم رمضان كان صوم يوم عاشوراء واجباً على المسلمين.

وقال صلى الله عليه وسلم: "وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" [رواه مسلم].

وهو في شهر عظيم، شهر الله المحرم، أحد الشهور الحرم التي قال الله فيها: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ) [التوبة: 36].

الأشهر الحرم؛ رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم.

وعن أبي بكرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "السنة اثنا عشرا شهرا، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان" [رواه البخاري ومسلم].

بل قال عليه الصلاة والسلام: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" [رواه مسلم].

وقال ابن عباس -رضي الله عنه-: "ما رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى -أي يعتني ويهتم- صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء" [رواه البخاري].

والبعض -للأسف- في هذا الشهر المبارك شهر الله المحرم، يجاهر بالمعاصي، ويتباهى بها، يترك الصلوات، ويقع في المحرمات، فيسمع الحرام، ويأكل الحرام، ويقع في الحرام، ويعين على الحرام، ومن المحرمات التي تقع: ما حصل قريباً من مسجدنا هذا من رحلة في مدرسة من المدارس "رحلة مختلطة" كانت يوم أمس، كما نقل لي أحد الثقات، رحلة مختلطة بين الرجال والنساء! مجاهرة بالمعصية، كيف سينصرنا الله؟ وكيف سينزل النصر والبركات، ويرفع الله عنا الظلم إذا كنا نجاهر بهذه المعاصي؟!

شهر الله المحرم يأتي بعد مواقف عظيمة.

فويل للمفرط والمتهاون الذي ضيع عمره:

قَطَعْتَ شُهورَ العامِ لهواً وغفلةً

ولم تحترم فيما أتَيْتَ المُحَرَّما

فلا رجَباً وافَيْتَ فيه بِحَقِّهِ

ولاصُمتَ شهر الصوم صوماً مُتَمَّما

ولا في ليالي عشرِ ذي الحجةِ الذي

مضى كُنْتَ قَوَّاماً ولا كُنْتَ مُحْرِما

فَهَل لك أن تمحو الذُّنوب بِعَبرةٍ

وتبكي عليها حسرةً وتنَدُّما

وتستقبلَ العامَ الجديدَ بِتَوبةٍ

لعلَّك أن تمحو بها ما تَقَدَّما

أيها المؤمنون: إن هذا الشهر شهر مبارك كريم عظيم، يجب أن نتقرب فيه إلى الله بالطاعات، والصيام، وقراءة القرآن.

ومن أصبح اليوم منكم ممسكاً عن الأكل، فليكمل اليوم، فيكون له صيام التاسع، وغداً يوم العاشر، فيكفر الله له السنة التي قبلها.

وقد أجاز أهل العلم لمن كان مضطراً أن يصوم يوم العاشر فقط، وإلا فالسنة أن يصوم العاشر، ويوماً قبله أو يوماً، بعده الحادي عشر، إدراكاً للأجر، واتباعاً لسنة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

اللهم اجعلنا متبعين لا مبتدعين، اللهم اجعلنا من عبادك الصالحين.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، وتجاوز عن زلاتنا.

اللهم إنا قد حوصرنا بالمعاصي، وأصبنا بالذلة، اللهم إنه قد تجبر وتكبر علينا ظلمة يا رب العالمين، اللهم فافرج عنا ما نحن فيه.

اللهم فرج كرباتنا، وارفع عنا الذلة والمهانة.

اللهم إنا نسألك نصراً للإسلام والمسلمين، اللهم من أراد بنا سوءا، فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره، واجعل تدميره في تدبيره.

اللهم من أراد بنا سوءا، وبمقدساتنا وبديننا وبأعراضنا وبأموالنا وبأوطاننا، فأشغله في نفسه، واجعل كيده في نحره.

اللهم إنا وفدنا إليك في يوم الجمعة المبارك، وفي يوم التاسع العظيم، وفي هذه الساعة المباركة، وفي بيت من بيوتك، فلا تردنا خائبين، ولا عن بابك مطرودين، ولا من رحمتك مبعدين.

اللهم انصر عبادك المجاهدين، في كل مكان، في العراق وفلسطين والشيشان والأفغان.

اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، اللهم انصر عبادك الموحدين، واحفظ لهم أعراضهم وأموالهم وأجسادهم، اللهم إننا كبلتنا الدنيا، وقد نذروا أنفسهم لك، فنسألك برحمتك، أن تنصرهم، وبعزك أن تعزهم، اللهم إنا نسألك أن تفك أسيرهم، وتحمل حافيهم، وتشفي مريضهم.

اللهم إنا نسألك الجنة ونعيمها، ونعوذ بك من النار وجحيمها.

اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك، نواصينا بيدك، ماض فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أنزل علينا بركاتك من السماء، وأخرج لنا بركاتك من الأرض.

عباد الله: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل: 90].

فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم: (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].