البحث

عبارات مقترحة:

المصور

كلمة (المصور) في اللغة اسم فاعل من الفعل صوَّر ومضارعه يُصَوِّر،...

الخالق

كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...

الكريم

كلمة (الكريم) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل)، وتعني: كثير...

المهدي: أبو عبد الله محمد بن المنصور

أبو عبد الله محمد بن المنصور: ولد بأيذج سنة سبع وعشرين ومائة، وقيل: سنة ست وعشرين، وأمه أم موسى بنت منصور الحميرية. وكان جوادًا ممدّحًا مليح الشكل، محببًا إلى الرعية، حسن الاعتقاد، تتبّع الزنادقة، وأفنى منهم خلقًا كثيرًا، وهو أول من أمر بتصنيف كتب الجدل في الرد على الزنادقة والملحدين، روى الحديث عن أبيه، وعن مبارك بن فضالة، حدث عنه يحيى بن حمزة، وجعفر بن سليمان الضبعي، ومحمد بن عبد الله الرقاشي، وأبو سفيان سعيد بن يحيى الحميري، قال الذهبي: وما علمت قيل فيه جرحًا ولا تعديلًا. وأخرج ابن عدي من حديث عثمان مرفوعًا: "المهدي من ولد العباس عمي" تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم، وكان يضع الحديث، وأورد الذهبي هنا حديث ابن مسعود مرفوعًا: "المهدي يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي" أخرجه أبو داود والترمذي وصححه. ولما شبّ المهدي أمّره أبوه على طبرستان وما والاها، وتأدب، وجالس العلماء وتميز، ثم إن أباه عهد إليه، فلما مات بويع بالخلافة، ووصل الخبر إليه ببغداد، فخطب الناس فقال: إن أمير المؤمنين عبد دعي فأجاب، وأمر فأطاع واغرورقت عيناه، فقال: قد بكى رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- عند فراق الأحبة، ولقد فارقت عظيمًا، وقلّدت جسيمًا، فعند الله أحتسب أمير المؤمنين، وبه أستعين على خلافة المسلمين، أيها الناس أسرّوا مثل ما تعلنون من طاعتكم نهبكم العافية، وتحمدوا العاقبة، واخفضوا جناح الطاعة لمن نشر معدلته فيكم وطوى الإصرعنكم، وأهال عليكم السلامة من حيث رآه الله مقدمًا ذلك، والله لأفنين عمري بين عقوبتكم والإحسان إليكم. قال نفطويه: لما حصلت الخزائن في يدي المهدي أخذ في رد المظالم؛ فأخرج أكثر الذخائر ففرقها، وبر أهله ومواليه. وقال غيره: أول من هنأ المهدي بالخلافة وعزّاه بأبيه أبو دلامة، فقال: عيناي واحدة ترى مسرورة ***** بأميرها جذلى وأخرى تذرف تبكي وتضحك تارة، ويسوؤها ***** ما أنكرت، ويسرها ما تعرف فيسوؤها موت الخليفة محرم ***** ويسرها أن قام هذا الأرأف ما إن رأيت كما رأيت، ولا أرى ***** شعرًا أسرحه وآخر ينتف هلك الخليفة يا لدين محمد ***** وأتاكم من بعده من يخلف أهدى لهذا الله فضل خلافة ***** ولذاك جنات النعيم تزخرف وفي سنة تسع وخمسين بايع المهدي بولاية العهد لموسى الهادي، ثم من بعده لهارون الرشيد، ولديه. وفي سنة ستين فتحت أربد من الهند عنوة؛ وفيها حج المهدي فأنهى إليه حجبة الكعبة أنهم يخافون هدمها؛ لكثرة ما عليها من الأستار، فأمر بها فجردت، واقتصر على كسوة المهدي، وحمل المهدي الثلج إلى مكة، قال الذهبي: لم يتهيأ ذلك لملك قط. وفي سنة إحدى وستين أمر المهدي بعمارة طريق مكة، وبنى بها قصورًا، وعمل البرك، وأمر بترك المقاصير التي في جوامع الإسلام، وقصر المنابر، وصيرها على مقدار منبر رسول الله . وفي سنة ثلاث وستين وما بعدها كثرت الفتوح بالروم. وفي سنة ست وستين تحول المهدي إلى قصره المسمى بعيساباذ، وأمر فأقيم له البريد من المدينة النبوية، ومن اليمن ومكة إلى الحضرة، بغالًا وإبلًا. قال الذهبي: وهو أول من عمل البريد من الحجاز إلى العراق. وفيها وفيما بعدها جدّ المهدي في تتبع الزنادقة، وإبادتهم، والبحث عنهم في الآفاق والقتل على التهمة. وفي سنة سبع وستين أمر بالزيادة الكبرى في المسجد الحرام، وأدخل في ذلك دورًا كثيرة. وفي سنة تسع وستين مات المهدي: ساق خلف صيد، فاقتحم الصيد خربة، وتبعه الفرس فدق ظهره في بابها، فمات لوقته، وذلك لثمانٍ بقين من المحرم، وقيل: إنه مات مسمومًا. وقال سلم الخاسر يرثيه: وباكية على المهدي عبري ***** كأن بها، وما جنت جنونًا وقد خمشت محاسنها، وأبدت ***** غدائرها، وأظهرت القرونا لئن بلى الخليفة بعد عز ***** لقد أبقى مساعي ما بلينا سلام الله عدة كل يوم ***** على المهدي حين ثوى رهينا تركنا الدين والدنيا جميعًا ***** بحيث ثوى أمير المؤمنينا ومن أخبار المهدي قال الصولي: لما عقد المهدي العهد لولده موسى قال مروان بن أبي حفصة: عقدت لموسى بالرصافة بيعة ***** شد الإله بها عرى الإسلام موسى الذي عرفت قريش فضله ***** ولها فضيلتها على الأقوام بمحمد بعد النبي محمد ***** حي الحلال ومات كل حرام مهدي أمته الذي أمست به ***** للذل آمنة وللإعدام موسى ولي عهد بالخلافة بعده ***** جفت بذاك مواقع الأقلام وقال آخر: يابن الخليفة إن أمة أحمد ***** تاقت إليك بطاعة أهواؤها ولتملأن الأرض عدلًا كالذي ***** كانت تحدث أمة علماؤها حتى تمنى لو ترى أمواتها ***** من عدل حكمك ما ترى أحياؤها فعلى أبيك اليوم بهجة ملكها ***** وغدًا عليك إزارها ورداؤها وأسند الصولي أن امرأة اعترضت المهدي، فقالت: يا عصبة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- انظر في حاجتي: فقال المهدي: ما سمعتها من أحد قط، اقضوا حاجتها. وأعطوها عشرة آلاف درهم. وقال قريش الختلي: رفع صالح بن عبد القدوس البصري إلى المهدي في الزندقة، فأراد قتله، فقال: أتوب إلى الله، وأنشد لنفسه: ما يبلغ الأعداء من جاهل ***** ما يبلغ الجاهل من نفسه والشيخ لا يترك أخلاقه ***** حتى يوارى في ثرى رمسه فصرفه، فلما قرب من الخروج ردّه، فقال: ألم تقل: والشيخ لا يترك أخلاقه؟ قال: بلى، قال: فكذلك أنت لا تدع أخلاقك حتى تموت، ثم أمر بقتله. وقال زهير: قدم على المهدي بعشرة محدثين: منهم فرج بن فضالة، وغياث بن إبرهيم -وكان المهدي يحب الحمام- فلما أدخل غياث قيل له: حدّث أمير المؤمنين، فحدثه عن فلان عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا سبق إلا في حافر أو نصل" وزاد فيه: "أو جناح" فأمر له المهدي بعشرة آلاف درهم، فلما قام قال: أشهد أن قفاك قفا كذاب، وإنما استجلبت ذلك، ثم أمر بالحمام فذبحت. وروي أن شريكًا دخل على المهدي، فقال له: لا بدّ من ثلاث: إما أن تلي القضاء، أو تؤدب ولدي وتحدثهم، أو تأكل عندي أكلة؟ ففكر ساعة ثم قال: الأكلة أخف عليّ، فأمر المهدي بعمل ألوان من المخ المعقود بالسكر وغير ذلك، فأكل، قال الطباخ: لا يفلح بعدها، قال: فحدثهم بعد ذلك، وعلمهم العلم، وولي القضاء لهم. وأخرج البغويّ في الجعديات عن حمدان الأصبهاني قال: كنت عند شريك، فأتاه ابن المهدي، فاستند وسأل عن حديث، فلم يلتفت شريك، ثم أعاد فعاد، فقال: كأنك تستخف بأولاد الخلفاء، قال: لا، ولكن العلم أزيد عنده أهله من أن يضيعوه، فجثا على ركبتيه ثم سأله، فقال شريك: هكذا يطلب العلم. ومن شعر المهدي ما أنشده الصولي: ما يكف الناس عنا ***** ما يملّ الناس منا إنما همتهم أن ***** ينبشوا ما قد دفنّا لو سكنّا بطن أرض ***** فلكانوا حيث كنّا وهمُ إن كاشفونا ***** في الهوى يومًا مجنّا وأسند الصولي عن محمد بن عمارة، قال: كان للمهدي جارية شغف بها، وهي كذلك، إلا أنها تتحاماه كثيرًا، فدس إليها من عرف ما في نفسها، فقالت: أخاف أن يملني ويدعني فأموت، فقال المهدي في ذلك: ظفرت بالقلب مني ***** غادة مثل الهلال كلما صحّ لها وُدّ ***** يَ جاءت باعتلال لا لحب الهجر مني ***** والتنائي عن وصالي بل لإبقاء على حبي ***** لها خوف الملال وله في نديمه عمر بن بزيع: ربّ تّمم لي نعيمي ***** بأبي حفص نديمي إنما لذة عيشي ***** في غناء وكروم وجوار عطرات ***** وسماع ونعيم قلت: شعر المهدي أرق وألطف من شعر أبيه وأولاده بكثير. وأسند الصولي عن ابن كريمة، قال: دخل المهدي إلى حجرة جارية على غفلة، فوجدها وقد نزعت ثيابها وأرادت لبس غيرها، فلما رأته غطت بيدها فقصرت كفها عنه فضحك وقال: نظرت في القصر عيني ***** نظرة وافق حيني ثم خرج فرأى بشارًا فأخبره وقال: أجز، فقال بشار: سترته إذ رأتني ***** دونه بالراحتين فبدا لي منه فضل ***** تحت طي العكنتين وأسند عن إسحاق الموصلي، قال: كان المهدي في أول أمره يحتجب عن الندماء تشبيهًا بالمنصور نحوًا من سنة، ثم ظهر لهم، فأشير عليه أن يحتجب، فقال: إنما اللذة مع مشاهدتهم. وأسند عن مهدي بن سابق قال: صاح رجل بالمهدي وهو في موكبه: قل للخليفة حاتِمٌ لك خائن ***** فخف الإله وأعفنا من حاتم إن العفيف إذا استعان بخائن ***** كان العفيف شريكه في المأثم فقال المهدي: يعزل كل عامل لنا يدعى حاتِمًا وأسند عن أبي عبيدة قال: كان المهدي يصلي بنا الصلوات الخمس في المسجد الجامع بالبصرة لما قدمها، فأقيمت الصلاة يومًا، فقال أعرابي: لست على طهر، وقد رغبت في الصلاة خلفك، فأمر هؤلاء بانتظاري، فقال: انتظروه، ودخل المحراب، فوقف إلى أن قيل: جاء الرجل، فكبر فعجب الناس من سماحة أخلاقه. وأسند عن إبراهيم بن نافع أن قومًا من أهل البصرة تنازعوا إليه في نهر من أنهار البصرة، فقال: إن الأرض لله في أيدينا للمسلمين، فما لم يقع له ابتياع منها يعود ثمنه على كافتهم وفي مصلحتهم، فلا سبيل لأحد عليه فقال القوم: هذا النهر لنا بحكم رسول الله لأنه قال: "من أحيا أرضًا ميتة فهي له". وهذه موات، فوثب المهدي عند ذكر النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- حتى ألصق خده بالتراب وقال: سمعت لما قال وأطعت، ثم عاد، وقال: بقي أن تكون هذه الأرض مواتًا حتى لا أعرض فيها، وكيف تكون مواتًا والماء محيط بها من جوانبها؟ فإن أقاموا البينة على هذا سلمت. وأسند عن الأصمعي قال: سمعت المهدي على منبر البصرة يقول: إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثَنّى بملائكته فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِي﴾ الآية [الأحزاب: 56] آثره بها من بين الرسول إذ خصكم بها من بين الأمم. قلت: وهو أول من قال ذلك في الخطبة، وقد استسنها الخطباء إلى اليوم. ولما مات قال أبو العتاهية وقد علقت المسوح على قباب حرمه: رحن في الموشى وأصبحن عليهنّ المسوح ***** كل نطّاح من الدهر له يوم نطوح لست بالباقي ولو عمّرت ما عمّر نوح ***** نح على نفسك يا مسكين إن كنت تنوح فصل: ذكر أحاديث من رواية المهدي قال الصولي: حدثني أحمد بن محمد بن صالح التمار، حدثنا يحيى بن محمد القرشي، حدثنا أحمد بن هشام، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن مسلم المدائني -وهو ثقة صدوق- قال: سمعت المهدي يخطب فقال: حدثنا شعبة عن علي بن زيد عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: خطبنا النبي خطبة من العصر إلى مغيربان الشمس، حفظها من حفظها، ونسيها من نسيها، فقال: "ألا إن الدنيا حلوة خضرة" الحديث بطوله. وقال الصولي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم القزاز، حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد، حدثني أبو يعقوب بن حفص الخطابي، سمعت المهدي يقول: حدثني أبي عن أبيه عن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه أن وفدًا من العجم قدموا على النبي -وقد أحفوا لحاهم وأعفو شواربهم- فقال النبي : "خالفوهم، اعفوا لحاكم واحفوا شواربكم" وإحفاء الشارب، أخذ ما نزل على الشفة منه، ووضع المهدي يده على أعلى شفته. وقال منصور بن مزاحم ومحمد بن يحيى بن حمزة، عن يحيى بن حمزة قال: صلى بنا المهديّ المغرب فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، فقلت: يا أمير المؤمنين ما هذا؟ قال: حدثني أبي عن أبيه عن ابن إسحاق: أن النبي جهر ببسم الله الرحمن الرحيم، فقلت للمهدي: نأثره عنك؟ قال: نعم. قال الذهبي: هذا إسناد متصل، لكن ما علمت أحدًا احتج بالمهدي ولا بأبيه في الأحكام، تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم. وقال ابن عدي: كان يضع الحديث. قلت: لم ينفرد به، بل وجدت له متابعًا. مات في أيام المهدي من الأعلام: شعبة، وابن أبي ذئب، وسفيان الثوري، وإبراهيم بن أدهم الزاهد، وداود الطائي الزاهد، وبشار بن برد أول شعراء المحدثين، وحماد بن سلمة، وإبراهيم بن طهمان، والخليل بن أحمد صاحب العروض. "تاريخ الخلفاء" للسيوطي.