البحث

عبارات مقترحة:

السميع

كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...

المبين

كلمة (المُبِين) في اللغة اسمُ فاعل من الفعل (أبان)، ومعناه:...

الأعلى

كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...

المهتدي بالله محمد بن الواثق

المهتدي بالله الخليفة الصالح: محمد أبو إسحاق -وقيل: أبو عبد الله- بن الواثق بن المعتصم بن الرشيد أمه أم ولد تسمى وردة، ولد في خلافة جده سنة بضع عشرة ومائتين، وبويع بالخلافة لليلة بقيت من رجب سنة خمس وخمسين ومائتين وما قبل بيعته أحد حتى أتى بالمعتز، فقام المهتدي له وسلم عليه بالخلافة، وجلس بين يديه، فجيء بالشهود فشهدوا على المعتز أنه عاجز عن الخلافة، فاعترف بذلك ومد يده فبايع المهتدي، فارتفع حينئذ المهتدي إلى صدر المجلس. وكان المهتدي أسمر، رقيقًا، مليح الوجه، ورعًا متعبدًا، عادلًا، قويًّا في أمر الله، بطلًا، شجاعًا لكنه لم يجد ناصرًا ولا معينًا. قال الخطيب: لم يزل صائمًا منذ ولي إلى أن قتل، وقال هاشم بن القاسم: كنت بحضرة المهتدي عشية في رمضان، فوثبت لأنصرف، فقال لي: اجلس، فجلست، وتقدم فصلى بنا، ثم دعا بالطعام، فأحضر طبق خلاف وعليه رغيف من الخبز النقي، وفيه آنية فيها ملح طعام وخل وزيت، ودعاني إلى الأكل، فابتدأت آكل ظانًا أنه سيؤتي بطعام، فنظر إليّ وقال: ألم تك صائمًا؟ قلت: بلى، قال: أفلست عازمًا على الصوم؟ فقلت: كيف لا وهو رمضان؟ فقال: كل واستوف فليس ههنا من الطعام غير ما ترى، فعجبت ثم قلت: ولِمَ يا أمير المؤمنين؛ وقد أسبغ الله نعمته عليك؟! فقال: إن الأمر ما وصفت، ولكني فكرت في أنه كان في بني أمية عمر بن عبد العزيز وكان من التقلل والتقشف على ما بلغك فغرت على بني هاشم، فأخذت نفسي بما رأيت. وقال جعفر بن عبد الواحد: ذاكرت المهتدي بشيء، فقلت له: كان أحمد بن حنبل يقول به، ولكنه كان يخالف -أشير إلى من مضى من آبائه- فقال: رحم الله أحمد حنبل والله لو جاز لي أن أتبرأ من أبي لتبرأت منه، ثم قال لي: تكلم بالحق وقل به، فإن الرجل يتكلم بالحق فينبل في عيني. وقال نفطويه: حدثني بعض الهاشميين أنه وجد للمهتدي سفط في جبة صوف وكساء كان يلبسه بالليل ويصلي فيه، وكان قد اطرح الملاهي، وحرم الغناء، وحسم أصحاء السلطان عن الظلم، وكان شديد الإشراف على أمر الدواوين، يجلس بنفسه، ويجلس الكتاب بين يديه، فيعملون الحساب، وكان لا يخل بالجلوس الاثنين والخميس، وضرب جماعة من الرؤساء، ونفى جعفر بن محمود إلى بغداد، وكره مكانه؛ لأنه نسب عنده إلى الرفض. وقدم موسى بن بغا من الري يريد سامرا لقتل صالح بن وصيف بدم المعتز، وأخذ أموال أمه ومعه جيشه، فصاحت العامة على ابن وصيف: يا فرعون! قد جاءك موسى، فطلب موسى من بغا الإذن على المهتدي، فلم يأذن له، فهجم بمن معه عليه وهو جالس في دار العدل فأقاموه، وحملوه على فرس ضعيفة، وانتهبوا القصر، وأدخلوا المهتدي إلى دار ناجود وهو يقول: يا موسى اتق الله، ويحك! ما تريد؟ قال: والله ما نريد إلا خيرًا، فاحلف لنا ألا تمالئ صالح بن وصيف، فحلف لهم، فبايعوه حينئذ ثم طلبوا صالِحًا ليناظروه على أفعاله، فاختفى، وندبهم المهتدي إلى الصلح فاتهموه أنه يدري مكانه، فجرى في ذلك كلام، ثم تكلموا في خلعه، فخرج إليهم المهتدي من الغد متلقدًا بسيفه، فقال: قد بلغني شأنكم، لست كمن تقدمني مثل المستعين والمعتز، والله ما خرجت إليكم إلا وأن متحنط، وقد أوصيت، وهذا سيفي، والله لأضربن ما استمسكت قائمته بيدي، أما دين، أما حياء، أما دعة؟ لم يكن الخلاف على الخلفاء والجرأة على الله؟ ثم قال: ما أعلم علم صالح، فرضوا وانفضوا، ونادى موسى بن بغا: من جاء بصالح فله عشرة آلاف دينار، فلم يظفر به أحد، واتفق أن بعض الغلمان دخل زقاقًا وقت الحر، فرأى بابًا مفتوحًا فدخل فمشى في دهليز مظلم، فرأى صالِحًا نائمًا فعرفه -وليس عنده أحد- فجاء إلى موسى فأخبره، فبعث جماعة فأخذوه وقطعت رأسه وطيف به، وتألم المهتدي لذلك في الباطن، ثم رحل موسى ومعه بكيال إلى السن في طلب مساور، فكتب المهتدي إلى بكيال أن يقتل موسى ومفلحًا أحد أمراء الأتراك أيضًا أو يمسكهما، ويكون هو الأمير على الأتراك كلهم، فأوقف بكيال موسى على كتابه، وقال: إني لست أفرح بهذا، وإنما هذا يعمل علينا كلنا، فأجمعوا على قتل المهتدي، وساروا إليه، فقاتل عن المهتدي المغاربة، والفراغنة، والأشروسنية، وقتل من الأتراك في يوم أربعة آلاف، ودام القتال إلى أن هزم جيش الخليفة، وأمسك هو فعصر على خصيتيه فمات، وذلك في رجب سنة ست وخمسين، فكانت خلافته سنة إلا خمسة عشر يومًا، وكان لما قامت الأتراك عليه ثار العوام، وكتبوا رقاعًا وألقوها في المساجد: يا معشر المسلمين! ادعو الله لخليفتكم العدل الرضا المضاهي لعمر بن عبد العزيز أن ينصره الله على عدوه.