البحث

عبارات مقترحة:

الوارث

كلمة (الوراث) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَرِثَ يَرِثُ)، وهو من...

الشكور

كلمة (شكور) في اللغة صيغة مبالغة من الشُّكر، وهو الثناء، ويأتي...

الصمد

كلمة (الصمد) في اللغة صفة من الفعل (صَمَدَ يصمُدُ) والمصدر منها:...

حقيقة الأوراق النقدية وأحكامها

كان الناس قديمًا يتعاملون بالذهب والفضة، ويقدِّرون بهما ثمن الأشياء، وفي هذا العصر استبدلت بالنقود الورقية، بيعًا وشراء، وتقديرًا لثمن الأشياء، وأصدرت كل دولة عملة ورقية خاصة بها، لها قيمة مالية، وحلّت محل الذهب والفضة، فما حكم هذه النقود؟

صورة المسألة

النقود الورقية: أوراق ووثائق يتبادل بها الناس السلع والأشياء بدل الذهب والفضة، كالريال السعودي، والدينار الأردني، والدولار الأمريكي، وغيرها، فما هي أحكام هذه النقود؟

التكييف الفقهي للمسألة

أكثر المعاصرين يكيفون الأوراق النقدية: أنها ثمن مستقل قائم بذاته، لها جميع أحكام الذهب والفضة، وهناك تكييفات أخرى ذكرها بعض أهل العلم، ومنها ما كان متأثرا بالجانب التاريخي للأوراق النقدية، فقد مرّت بأطوار متعدة، ومن تلك التكييفات على وجه الاختصار: 1- أن الأوراق النقدية إسناد بدين على جهة إصدارها، وهي مؤسسة النقد، أو البنك المركزي، وذهب إليه الشنقيطي وابن بدران، وغيرهم. 2- أن الأوراق النقدية عرض من العروض، لها ما للعروض من الخصائص والأحكام، وقال به: عليش المالكي، وعبد الرحمن السعدي، وغيرهم. 3- أن الأوراق النقدية تشبه الفلوس من حيث: رواجها، وطروء الثمنية عليها، فكلاهما نقد اصطلاحي، وكلاهما ليسا ذهبًا ولا فضة. 4- أن الأوراق النقدية بدل عن الذهب والفضة، وقال به: عبد الرزاق عفيفي، وحسنين مخلوف، وغيرهم. انظر: "المعاملات المالية" الدّبَيّان (12 /44-58).

فتاوى أهل العلم المعاصرين

فتوى الشيخ محمد العثيمين
«ويلحق بالذهب والفضة ما جعل بدلاً عنهما في كونه نقداً يتعامل به كالأوراق النقدية المعروفة بين الناس اليوم، فإذا كان عند الإنسان من هذه الأوراق ما تساوي قيمته نصاباً من الذهب أو الفضة، فإن الزكاة تجب عليه فيها؛ لأنها نقود وليست عروض تجارة، إذ أنها تقيم الأشياء التي تقدر بها وهي وسيلة التبادل بين الناس، فكانت كالدنانير والدراهم، وليست لعروض التجارة كما زعم بعضُهم». "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين" السلمان (18 /248).
فتوى الحجوي الفاسي
يقول الشيخ الحجوي الفاسي في كتابه "الأحكام الشرعيّة في الأوراق الماليّة" ، "إثمد الآفاق بوجوب الزكاة في عين الأوراق"-، فقال في التمهيد: في تصوير حقيقتها، - أي: الأوراق النقديّة - ليمكن الحكم عليها، وإبطال القول بأنها عروض ما نصّه: «القول بأنّ الأوراق الماليّة عروض غير صحيح، فقول بعض فقهاء العصر أنها عروض لا يظهر له معنى من جهة التصور؛ إذ العروض هي الأشياء المعدة للانتفاع بأعيانها كأثاث البيت، والرياش، والدواب مثلاً، وذلك مأخوذ من كلام الباجي الآتي في الفصل الخامس، وهذه الأوراق لنا انتفاع مقصود من عينها لا في الأمور الضروريّة ولا الحاجيّة، ولا التحسينيّة، ثمّ لا معنى لتشبيهها بالفلوس التي عدت من العروض في باب الزكاة دون الصرف، فهو تشبيه غير تام، وقياس مع الفارق البيّن؛ لأنّ الفلوس معدن من المعادن الصالحة لأن تصاغ أواني، فلها قيمة نظراً لما لها من المنفعة المقصودة باعبتار مثالها، أمّا هذه الأوراق فأي انتفاع يقصد بها لعينها سوى أنها وثيقة بحق، فهي صكوك دَين قطعاً، ولو قطع النظر عمّن هي في ذمته وعن ضمانة الدولة ما ساوى شيئاً، بدليل أنّ أوراق الدولة الروسيّة والنمساويّة لمّا سقطت الدولة التي كانت ضامنة لها، وأفلس البنك الذي كانت في ذمته لم تبق لها قيمة تذكر، بل صار الإفرنك منها لا يساوي سانطيمين، وذلك نصف درهم. ومما ينفي كونها عروضاً أنها إذا كانت جديدة أو بالية مقطعة متسخة فالقيمة واحدة لا تنقص بقيمتها ولا تزيد بحسنها، والعرض بخلاف ذلك؛ فإنّ قيمته تابعة لأوصافه –كما هو معلوم–، وأنها إذا زورت بطل التعامل بها، وعُزّر من زورها بمثل أو أكثر، مما يعد به مزور رسم العدول. ويعين أنها رسومُ دَين في الأصل: أن قدر قيمتها الآن تابع لقدر ما في صناديق الذي هي في ذمته من العين الاحتياطي، زيادة ونقصاً، فهي كرسوم الدين سواء بسواء، بل هي هي، وهل يوجد عرض بهذه الصفة، يزيد ثمنه وينقص لغيره، سواء كان صحيحاً سالماً أو متلاشياً؟ كلا ثمّ كلا. ومن غريب ما يسمع أنّ الذين اخترعوا هذه الأوراق وعملوها معترفون بأنها أوراق دين في ذمتهم ملتزمون بأدائها، وأنتم تقولون لهم إنها ليست ديوناً بل عروضاً! كل هذا نشأ عن عدم اعتناء أهل العلم بأحوال زمنهم وتهورهم في الأحكام قبل تصورهم».
فتوى الشيخ مصطفى الزرقا
«إننا نعتبر الأوراق النقديّة المذكورة من قَبيل الوضعيّة، لا من قَبيل الإسناد المعترف فيها باستحقاق قيمتها على الجهة التي أصدرتها من دولة أو مصرف إصدار، وإن كانت هذه الصفة الأخيرة هي أصلها. ومنطلق فكرة إحلال الأوراق النقديّة المعروفة بين الناس باسم (بنكنوت) محل النقود الذهبيّة والفضيّة في التداول، أخذاً وعطاءً ووفاءً؛ وذلك لأنّ صفة السَّنَدِيّة فيها قد تُنُوسيت مـن الناس في عرفهم العام، وأصبحوا لا يرون في هذه الأوراق إلا نقوداً مكفولة حلّت محل الذهب في التداول تماماً، وانقطع نظر الناس إلى صفة السَّنَدِيّة في أصلها انقطاعاً مطلقاً، تلك الصفة التي كانت في الأصل حين ابتكار هذه الأوراق، لإحداث الثقة بها بـين الناس لينتقلوا في التعامل عن الذهب إليها -حين يعلمون أن لا تغطية ذهبيّة في مركز الإصدار-، وأنها سند على ذلك المركز بقيمتها، مستحق لحامله، يستطيع قبضه ذهباً متى شاء، هذا أصلها. أمّا بعد أن ألِفَها الناس، وسالت في الأسواق تداولاً ووفاء من الدولة، وعليها، وبين الناس، ولمس المتعاملون بها مزيتها في الخفّة وسهولة النقل، فقد تُنُوسي –كما ذكرنا- فيها هذا الأصل السَّنَدي، واكتسب في نظر الجميع واعتبارهم وعـرفهم صفة النقد المعدني، وسيولته، بلا فرق، فوجب بذلك اعتبارها بمثابة الفلوس الرائجة من المعادن غير الذهب والفضّة، تلك الفلوس التي اكتسبت صفة النقديّة بالوضع والعرف والاصطلاح، حتى إنها -وإن لم تكن ذهباً أو فضّة- لتعتبر -بحسب القيمة التي لها- بمثابة أجزاء للوحدة النقديّة الذهبيّة التي تسمّى ديناراً، أو ليرة، أو جنيهاً ذهبيّاً -بحسب اختلاف التسمية العرفيّة بين البلاد للوحدة –من النقود المسكوكة الذهبيّة-. وهذا حال الفلوس الرائجة من المعادن المختلفة غير الذهب والفضّة بالنظر الشرعي، وهو الصفة التي يجب إعطاؤها -في نظرنا- للأوراق النقديّة (البنكنوت)، فتبديل جنس منها كالـدينار الكويتي الورقي، أو الليرة السوريّة أو اللبنانيّـة –مثلاً- بجنس آخـر كالجنيه المصري أو الأسترالي، أو الدولار الأمريكي -مثلاً- يعتبر كالمصارفة بين الذهب والفضّة، والفلوس المعدنيّة الرائجة على سواء. والقاعدة الفقهيّة في هذه المصارفة أنه عند اختلاف الجنس يجوز التفاضل في المقدار بين العِوَضين، ولكن يجب التقابض في المجلس من الجانبين منعاً للربا المنصوص عليه في الحديث النبوي». "الورق النقدي" لابن منيع (ص147 وما بعد).

قرارات المجامع الفقهية

المجمع الفقهي الإسلامي
قرار رقم: 22 (6/5) حول العملة الورقية. «الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، سيدنا ونبينا محمد. أما بعد: فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي قد اطلع على البحث المقدم إليه في موضوع العملة الورقية، وأحكامها من الناحية الشرعية، وبعد المناقشة والمداولة بين أعضائه قرر ما يلي: أولاً: أنه بناء على أن الأصل في النقد هو الذهب والفضة، وبناء على أن علة جريان الربا فيهما هي مطلق الثمنية في أصح الأقوال عند فقهاء الشريعة. وبما أن الثمنية لا تقتصر عند الفقهاء على الذهب والفضة، وإن كان معدنهما هو الأصل. وبما أن العملة الورقية قد أصبحت ثمنًا، وقامت مقام الذهب والفضة في التعامل بها، وبها تُقَوَّمُ الأشياء في هذا العصر، لاختفاء التعامل بالذهب والفضة، وتطمئن النفوس بتمولها وادخارها، ويحصل الوفاء والإبراء العام بها، رغم أن قيمتها ليست في ذاتها، وإنما في أمر خارج عنها، وهو حصول الثقة بها، كوسيط في التداول والتبادل، وذلك هو سر مناطها بالثمنية. وحيث إن التحقيق في علة جريان الربا في الذهب والفضة هو مطلق الثمنية، وهي متحققة في العملة الورقية، لذلك كله، فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي، يقرر: أن العملة الورقية نقد قائم بذاته، له حكم النقدين من الذهب والفضة، فتجب الزكاة فيها، ويجري الربا عليها بنوعيه، فضلاً ونسيئةً، كما يجري ذلك في النقدين من الذهب والفضة تمامًا، باعتبار الثمنية في العملة الورقية قياسًا عليهما، وبذلك تأخذ العملة الورقية أحكام النقود في كل الالتزامات التي تفرضها الشريعة فيها. ثانيًا: يعتبر الورق النقدي نقدًا قائمًا بذاته، كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرهما من الأثمان، كما يعتبر الورق النقدي أجناسًا مختلفة، تتعدد بتعدد جهات الإصدار في البلدان المختلفة، بمعنى أن الورق النقدي السعودي جنس، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس. وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته، وبذلك يجري فيها الربا بنوعيه فضلاً ونسيئةً، كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة وفي غيرهما من الأثمان. وهذا كله يقتضي ما يلي: (أ) لا يجوز بيع الورق النقدي بعضه ببعض، أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى، من ذهب أو فضة أو غيرهما، نسيئة مطلقًا. فلا يجوز مثلاً بيع ريال سعودي بعملة أخرى متفاضلاً نسيئة بدون تقابض. (ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد من العملة الورقية بعضه ببعض متفاضلاً، سواء كان ذلك نسيئة أو يدًا بيد، فلا يجوز مثلاً بيع عشرة ريالات سعودية ورقًا، بأحد عشر ريالاً سعودية ورقًا، نسيئة أو يدًا بيد. (ج) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقًا، إذا كان ذلك يدًا بيد، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي ورقًا كان أو فضة، أو أقل من ذلك، أو أكثر. وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة ريالات سعودية، أو أقل من ذلك، أو أكثر، إذا كان ذلك يدًا بيد، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاثة ريالات سعودية ورق، أو أقل من ذلك أو أكثر يدًا بيد؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه، لا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة. ثالثًا: وجوب زكاة الأوراق النقدية، إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة، أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة. رابعًا: جواز جعل الأوراق النقدية رأس مال في بيع السلم، والشركات. والله أعلم. وبالله التوفيق. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم».
مجمع الفقه الإسلامي
قرار رقم: 21 (9/3) بشأن أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة. «إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8-13 صفر 1407هـ /11 - 16 تشرين الأول (أكتوبر) 1986م، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة، قرر ما يلي : أولًا: بخصوص أحكام العملات الورقية : أنها نقود اعتبارية فيها صفة الثمنية كاملة ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامهما. ثانيًا: بخصوص تغير قيمة العملة : تأجيل النظر في هذه المسألة حتى تستوفى دراسة كل جوانبها لتنظر في الدورة الرابعة للمجلس، والله أعلم».
هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية
قرار هيئة كبار العلماء رقم (10) وتاريخ 17 /8 /1393هـ «بناء على أن النقد هو كل شيء يجري اعتباره في العادة أو الاصطلاح ، بحيث يلقى قبولا عاما كوسيط للتبادل ، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال : (وأما الدرهم والدينار فما يعرف له حد طبعي ولا شرعي ، بل مرجعه إلى العادة والاصطلاح؛ وذلك لأنه في الأصل لا يتعلق المقصود به ، بل الغرض أن يكون معيارًا لما يتعاملون به ، والدراهم والدنانير لا تقصد لنفسها ، بل هي وسيلة إلى التعامل بها ؛ ولهذا كانت أثمانا. . . إلى أن قال : والوسيلة المحضة التي لا يتعلق بها غرض ، لا بمادتها ولا بصورتها يحصل بها المقصود كيفما كانت) اهـ. وذكر نحو ذلك الإمام مالك في [ المدونة ] ، من كتاب الصرف حيث قال: (ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى يكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة) اهـ. وحيث إن الورق النقدي يلقى قبولًا عامًا في التداول، ويحمل خصائص الأثمان من كونه مقياسًا للقيم ومستودعًا للثروة، وبه الإبراء العام، وحيث ظهر من المناقشة مع سعادة المحافظ: أن صفة السندية فيها غير مقصودة، والواقع يشهد بذلك ويؤكده، كما ظهر أن الغطاء لا يلزم أن يكون شاملا لجميع الأوراق النقدية ، بل يجوز في عرف جهات الإصدار أن يكون جزء من عملتها بدون غطاء ، وأن الغطاء لا يلزم أن يكون ذهبا ، بل يجوز أن يكون من أمور عدة كالذهب والعملات الورقية القوية ، وأن الفضة ليست غطاء كليا أو جزئيا لأي عملة في العالم ، كما اتضح أن مقومات الورقة النقدية قوة وضعفا مستمدة مما تكون عليه حكومتها من حال اقتصادية ، فتقوى الورقة بقوة دولتها وتضعف بضعفها ، وأن الخامات المحلية؛ كالبترول والقطن والصوف لم تعتبر حتى الآن لدى أي من جهات الإصدار غطاء للعملات الورقية. وحيث إن القول باعتبار مطلق الثمنية علة في جريان الربا في النقدين هو الأظهر دليلًا ، والأقرب إلى مقاصد الشريعة ، وهو إحدى الروايات عن الأئمة مالك وأبي حنيفة وأحمد ، قال أبو بكر : روى ذلك عن أحمد جماعة ، كما هو اختيار بعض المحققين من أهل العلم؛ كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وغيرهما. وحيث إن الثمنية متحققة بوضوح في الأوراق النقدية ؛ لذلك كله فإن هيئة كبار العلماء تقرر بأكثريتها: أن الورق النقدي يعتبر نقدا قائما بذاته كقيام النقدية في الذهب والفضة وغيرها من الأثمان ، وأنه أجناس تتعدد بتعدد جهات الإصدار ، بمعنى: أن الورق النقدي السعودي جنس ، وأن الورق النقدي الأمريكي جنس ، وهكذا كل عملة ورقية جنس مستقل بذاته ، وأنه يترتب على ذلك الأحكام الشرعية الآتية: أولًا: جريان الربا بنوعيه فيها ، كما يجري الربا بنوعيه في النقدين الذهب والفضة وفي غيرهما من الأثمان كالفلوس ، وهذا يقتضي ما يلي : (أ) لا يجوز بيع بعضه ببعض أو بغيره من الأجناس النقدية الأخرى من ذهب أو فضة أو غيرهما - نسيئة مطلقا ، فلا يجوز مثلا بيع الدولار الأمريكي بخمسة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر نسيئة. (ب) لا يجوز بيع الجنس الواحد منه بعضه ببعض متفاضلا ، سواء كان ذلك نسيئة أو يدا بيد ، فلا يجوز مثلا بيع عشرة أريلة سعودية ورق بأحد عشر ريالًا سعوديًّا ورقًا. (ج) يجوز بيع بعضه ببعض من غير جنسه مطلقًا ، إذا كان ذلك يدا بيد ، فيجوز بيع الليرة السورية أو اللبنانية بريال سعودي ، ورقا كان أو فضة ، أو أقل من ذلك أو أكثر ، وبيع الدولار الأمريكي بثلاثة أريلة سعودية أو أقل أو أكثر إذا كان ذلك يدا بيد ، ومثل ذلك في الجواز بيع الريال السعودي الفضة بثلاثة أريلة سعودية ورق أو أقل أو أكثر يدا بيد ؛ لأن ذلك يعتبر بيع جنس بغير جنسه ولا أثر لمجرد الاشتراك في الاسم مع الاختلاف في الحقيقة. ثانيًا: وجوب زكاتها إذا بلغت قيمتها أدنى النصابين من ذهب أو فضة أو كانت تكمل النصاب مع غيرها من الأثمان والعروض المعدة للتجارة إذا كانت مملوكة لأهل وجوبها. ثالثًا: جواز جعلها رأس مال في السلم والشركات. والله أعلم ، وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد ، وآله وصحبه وسلم»
الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي
أ - تأكيد ما انتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي بجدة من أن هذه الأوراق قامت مقام الذهب والفضة في التعامل بيعًا وشراء وإبراء وإصداقًا، وبها تقدر الثروات وتدفع المرتبات ولذا تأخذ كل أحكام الذهب والفضة ولا سيما وجوب التناجز في مبادلة بعضها ببعض وتحريم النساء (التأخير) فيها. ب - كل عملة من العملات جنس قائم بذاته. فلا يجوز ربا الفضل فيها عند العقد أو في نهايته، سواء كانت معدنًا أو ورقًا إذا بيعت بمثلها، أما إذا بيعت عملة بعملة أخرى فلا يشترط في ذلك إلا التقابض. ج - لا يجوز بيع الذهب بالعملات الورقية ولا شراء الذهب بها إلا يدًا بيد.
دار الإفتاء الأردنية
ما حكم الأوراق النقدية في مذهب الإمام الشافعي رحمه الله خصوصاً من حيث جريان الربا ووجوب الزكاة فيها؟ الجواب : الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. حرم الإسلام الربا تحريماً قاطعاً؛ قال رسول الله : (الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ) رواه البخاري؛ قال الإمام النووي رحمه الله: "وقد أجمع المسلمون على تحريم الربا في الجملة وإن اختلفوا في ضابطه وتفاريعه" [شرح النووي على مسلم 11 /9]. وقد نصت الأحاديث على اعتبار الذهب والفضة من الأموال الربوية، وذهب السادة الشافعية إلى أن ضابط الربا في الذهب والفضة جنسية الأثمان غالباً؛ قال الإمام الشربيني رحمه الله: "وعلة الربا في الذهب والفضة جنسية الأثمان غالباً كما صححه في المجموع، ويعبر عنها أيضا بجوهرية الأثمان غالباً" [مغني المحتاج 2 /369]، فقصر الشافعية علة تحريم الربا في الأثمان بالذهب والفضة، وهو ما يسمى عند علماء الأصول بالعلة القاصرة التي لم تتجاوز المحل الذي وجدت فيه، ولذلك فلم يعتبروا الفلوس من الأموال الربوية؛ لأن الفلوس كانت تعتبر نقوداً نائبة، ولم يجرِ تداولها كأثمان غالباً. قال الإمام النووي رحمه الله: "مذهبنا جواز التعليل بها -أي بالعلة القاصرة- فإن العلل أعلام نصبها الله تعالى للأحكام، منها متعدية، ومنها غير متعدية، إنما يراد منها بيان حكمة النص لا الاستنباط وإلحاق فرع بالأصل، كما أن المتعدية عامة التعدي وخاصته، ثم لغير المتعدية فائدتان: إحداهما: أن تعرف أن الحكم مقصور عليها فلا تطمع في القياس. والثانية: أنه ربما حدث ما يشارك الأصل في العلة فيلحق به. وأجابوا عن الفلوس بأن العلة عندنا كون الذهب والفضة جنس الأثمان غالباً، وليست الفلوس كذلك، فإنها -وإن كانت ثمناً في بعض البلاد- فليست من جنس الأثمان غالباً، وإن لم تكن أثماناً" [المجموع 9 /394]. فتعبير الشافعية وغيرهم من المذاهب الفقهية عن العلة القاصرة لا يعني إغلاق باب القياس مطلقاً، وإنما عنوا بذلك أنهم لم يجدوا في زمانهم فرعاً تتوفر فيه علة الذهب والفضة ليقاس عليهما، فلم يكن ثَمّ معدن من المعادن يصلح للقيام بوظائف النقود كالذهب والفضة، وقد كانت الفلوس نقوداً مساعدة تستعمل في شراء السلع الرخيصة فلم يتحقق فيها معنى الثمنية، ولذلك سموا كلا من الذهب والفضة جوهر الأثمان أي أعلاها، ومناط هذه العلة متحقق اليوم في الأوراق النقدية بشكل أوضح من تحققه في الذهب والفضة. فالأوراق النقدية مرت بمراحل تاريخية، ففي البدايات لما تعسر على الناس الاحتفاظ بالنقود المعدنية (الذهب والفضة)، صاروا يودعونها عند الصاغة الصيارفة ويحصلون بمقابل ذلك على صكوك بودائعهم، ولما ازدادت ثقة الناس بهذه الصكوك وأصبح المودعون يتداولون صكوك الصيارفة بدلاً من المعادن النفيسة لما في حملها من مشقة وخطر، ثم راج استخدامها بين الناس، ويتضح أنها كانت في هذه المرحلة تمثل من الناحية الفقهية سندات بدين. ثم لما كثر تداول هذه الصكوك في السوق، تطورت هذه الأوراق إلى صورة البنكنوت، فكانت البنوك تصدرها بغطاء كامل من الذهب، وتتعهد بدفع قيمتها من الذهب، ثم تدخلت الدول وتولت إصدارها بنفسها عن طريق البنوك المركزية، وألزمت كل دائن أن يقبلها في اقتضاء دينه، ومع ازدياد الحروب والأزمات الاقتصادية وحاجة الدول إلى طباعة المزيد من الأوراق النقدية، صار الغطاء الذهبي للأوراق النقدية ينقص شيئاً فشيئاً حتى تم الإعلان عن انفصال الأوراق النقدية عن الغطاء الذهبي في سنة1971م، وأصبحت الأوراق النقدية نقداً مستقلاً يمثل قوة شرائية إلزامية، وقد استقر عند الفقهاء اليوم -ومنهم المجامع الفقهية ودور الفتوى الرسمية- أن الأوراق النقدية تعتبر نقداً مستقلاً تجري عليها أحكام النقود المعدنية من الربا والزكاة وغيرها؛ لأن الناس اليوم قد تعارفوا على اعتبار الأوراق النقدية نقوداً حقيقية؛ ولذلك قال الإمام ابن عابدين الحنفي رحمه الله عن الدراهم المغشوشة: "الدراهم التي غلب غشها إنما جعلت ثمناً بالاصطلاح، فإذا ترك الناس المعاملة بها بطل الاصطلاح، فلم تبق ثمناً" [حاشية ابن عابدين 4 /534]. فكلام متأخري الشافعية كالترمسي ودحلان والشرواني يُحمل على ما شاهدوه في زمانهم في بدايات مراحل الأوراق النقدية حين كانت تمثل سندات بدين، لذلك قال العلامة الشاطري -وهو من علماء الشافعية المعاصرين- في كتاب [شرح الياقوت النفيس ص/362]: "والأوراق المالية -أو العملة الورقية التي يتعامل بها الناس اليوم- التحقيق أن لها حكم النقدين". وجاء في كتاب [الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي 6 /67]: "فكلّ ما يجري التعامل به من الأثمان، ويقوم مقام الذهب والفضة، كالعملات الرائجة الآن، يُعتبر مالاً ربوياً ويجري فيه الربا إلحاقاً بالذهب والفضة". وجاء في كتاب [المعتمد في الفقه الشافعي للدكتور محمد الزحيلي 3 /107]: "وعلة الربا في الذهب والفضة، فهما جنس الأثمان غالباً، ويقاس عليهما بقية النقود التي تعمل بدل الذهب والفضة". وبالتالي فلا يجوز لأحد أن ينقل من كلام متأخري الشافعية -مما هو مبني على العادة والعرف- ما شاهدوه في زمانهم وحكموا عليه ليقيس كلامهم ويطبقه على واقع مختلف، وفي ذلك يقول الإمام القرافي رحمه الله: "إنّ إجراء الأحكام التي مُدْرَكُها العوائد، مع تغيّر تلك العوائد خلاف الإِجماع وجهالة في الدَّين، بل كلّ ما هو في الشريعة يتبع العوائد: يتغيّر فيه عند تغيّر العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة، وليس هذا تجديداً للاجتهاد من المقلدين حتى يشترط فيه أهلية الاجتهاد، بل هذه قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها" [الإحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام ص /218]. وقال إمام الحرمين رحمه الله: "ومن لم يمزِج العرف في المعاملات بفقهها لم يكن على حظ كامل فيها" [نهاية المطلب في دراية المذهب 11 /382]. ولا يخفى أن الفتوى بعدم ربوية الأوراق النقدية يفتح باب المفاسد والشرور على المجتمعات، فالأزمات الاقتصادية التي نعيشها اليوم يرجع أهم أسبابها إلى التعامل بالربا وتسليع النقود، فاضطربت قيمة النقد، وارتفعت الأسعار، وازداد التضخم والبطالة، وازدادت معدلات الفقر والإفلاس، وتخلخلت اقتصاديات الدول واضطربت، وبالتالي فإن تشريع عدم ربوية الأوراق النقدية يؤدي إلى الفساد، ولو كان أئمة المذاهب الفقهية على قيد الحياة اليوم لأفتوا بربوية الأوراق النقدية، ولذلك نجد أن علماء الحنفية في بلاد ما وراء النهر أفتوا بحرمة التفاضل في النقود المغشوشة -مع أن معتمد المذهب الحنفي يقضي جواز التفاضل فيها- وعللوا ذلك: "أنها أعز الأموال في ديارنا، فلو أبيح التفاضل فيه ينفتح باب الربا" [الهداية في شرح بداية المبتدي 3 /84]، كما نُقل عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس رحمه الله أنه قال: "ولو أن الناس أجازوا بينهم الجلود حتى تكون لها سكة وعين لكرهتها أن تباع بالذهب والورق نظرة" [المدونة 3 /5]. وعليه، فالذي نراه أن الأوراق النقدية تأخذ حكم الذهب والفضة من تحريم الربا ووجوب الزكاة وغيرهما. والله تعالى أعلم.

الخلاصة الفقهية

الأوراق النقدية ثمن مستقل قائم بذاته، ويعتبر كل نوع منها جنسًا مستقلًا، فتتعدد الأجناس بتعدد جهات الإصدار، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامهما. انظر: " مجمع الفقه الإسلامي" قرار رقم: 21 (9/3)، "المعاملات المالية أصالة ومعاصرة" الديبان (12 /58)، "الفقه الميسر" الطيار - المطلق- الموسى (10 /42).