البحث

عبارات مقترحة:

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

القوي

كلمة (قوي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من القرب، وهو خلاف...

الولي

كلمة (الولي) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) من الفعل (وَلِيَ)،...

نهاية الحياة الإنسانية ورفع أجهزة الإنعاش

قرر الباحثون من الأطباء والعلماء حصر أحوال المريض في غرفة الإنعاش في صور ثلاث: الصورة الأولى: عودة أجهزة المريض من التنفس، وانتظام ضربات القلب و. .. إلى حالتها الطبيعية. وحينئذٍ يقرر الطبيب رفع الجهاز لتحقق السلامة وزوال الخطر. الصورة الثانية: التوقف التام للقلب والتنفس، وعدم القابلية لآلة الطبيب. وحينئذٍ يقرر الطبيب موت المريض تماماً بموت أجهزته من الدماغ والقلب، ومفارقة الحياة لهما. فحينئذٍ يقرر الطبيب رفع الجهاز لتحقق الوفاة. الصورة الثالثة: فيها قيام علامات موت الدماغ من الإغماء وعدم الحركة وعدم أي نشاط كهربائي في رسم المخ بآلة الطبيب، لكن بواسطة العناية المركزة وقيام أجهزتها عليه كجهاز التنفس، وجهاز ذبذبات القلب و. .. لا يزال القلب ينبض، والنفس مستمر نبضاً وتنفساً صناعيين لاحقيقيين. وحينئذٍ: يقرر الطبيب موت المريض بموت جذع الدماغ مركز الإمداد للقلب، وقرر أنه بمجرد رفع الآلة عن المريض يتوقف القلب والنفس تماماً. أما في الصورتين الأولى والثانية فلا ينبغي الخلاف برفع جهاز الإنعاش لسلامة المريض في الأولى، وتحقق موته في الثانية. وأما في الصورة الثالثة: فهي محل البحث والنظر في هذه النازلة وعليها ترد الأسئلة الثلاثة الآتية: 1- ما حكم رفع جهاز الإنعاش؟ 2- ما حكم نزع عضو منه كالقلب ونحوه - وهو تحت الإنعاش - لحي آخر؟ 3- هل تنسحب عليه أحكام الميت من التوارث وغيره. في هذه الصورة التي تحقق فيها موت جذع الدماغ، وقيام نبضات القلب والتنفس بقوة الأجهزة الآلية؟ هذه هي الأسئلة الثلاثة الواردة حالاً على هذه النازلة. ويعد التصور الطبي لها مستخلصاً من كلام الأطباء الباحثين لها، فإن التكييف الفقهي ببيان الحكم التكليفي لهذه الأسئلة الثلاثة هو فرع عن بيان الحكم الشرعي لحقيقة الوفاة عند الأطباء " موت جذع الدماغ " هل هذه الحقيقة مسلمة شرعاً أم لا؟. وعليه: فبما أن هذه الحقيقة محل خلاف بين الأطباء، وأن علاماتها أو جلها ظنية ولم تكتسب اليقين بعد، وأن قاعدة الشرع: أن اليقين لا يزول بالشك، ونظراً لوجود عدة وقائع يقرر قيها موت الدماغ، ثم تستمر الحياة كما في ص /447، 453 من كتاب الحياة الإنسانية، وص /. .. من بحث: البار، وأن الشرع يتطلع لإحياء النفوس وإنقاذها وأن أحكامه: لا تبنى على الشك، وأن الشرع يحافظ على البنية الإنسانية بجميع مقوماتها ومن أصوله المطهرة المحافظة على: الضروريات الخمس ومنها " المحافظة على النفس " ولهذا أطبق علماء الشرع على حرمة الجنين من حين نفخ الروح فيه. وبما أن الأصل في الإنسان الحياة والاستصحاب من مصادر الشرع التبعية إذ جاءت بمراعاته ما لم يقم دليل قاطع على خلافه ولهذا قالوا في التقعيد الأصل بقاء ما كان على ما هو عليه حتى يجزم بزواله. لهذه التسببات فإنه لا يظهر أن موت الدماغ في هذه الصورة الثالثة هو حقيقة الوفاة فتنسحب عليه أحكام الأموات، ولكن ليس ثمة ما يمنع من كون هذا الاكتشاف الطبي الباهر علامة وأمارة على الوفاة، ولهذا قال الأستاذ الشربيني في بحثه من كتاب: " الحياة الإنسانية ": (وقد أوضح بعض الباحثين أننا لسنا بصدد مفهومين للموت: أحدهما توقف الدماغ، والآخر توقف القلب والتنفس، بل هما مجموعتان من الأدلة والظواهر تنتهيان إلى نهاية واحدة هي محل الاعتبار وهي: موت جذع الدماغ في كل الأحوال، إذ أن ذلك هو ما يحدث أيضاً عند التوقف النهائي للقلب والتنفس خلال دقائق إن لم تكن ثوان). اهـ. فكما لا يسوغ إعلان الوفاة بمجرد سكوت القلب كما حرره الرافعي في نقل النووي عنه المتقدم؛ لوجود الشك فكذلك لا يسوغ إعلان الوفاة بموت الدماغ مع نبض القلب وتردد التنفس تحت الآلات. وكما أن مجرد توقف القلب ليس حقيقة للوفاة، بل هو من علاماته إذ من الجائز جداً توقف القلب ثم تعود الحياة بواسطة الإنعاش أو بدون بذل أي سبب، ومن هنا ندرك معنى ما ألف فيه بعض علماء الإسلام باسم: " من عاش بعد الموت " لابن أبي الدنيا وهو مطبوع. وما يذكره العلماء عرضاً في بعض التراجم من أن فلاناً عاش بعد الموت أو تكلم بعد الموت. وكذلك يقال أيضاً: إن موت الدماغ علامة وأمارة على الوفاة وليس هو كل الوفاة بدليل وجود حالات ووقائع متعددة يقرر الأطباء فيها موت الدماغ ثم يحيا ذلك الإنسان، فيعود الأمر إذاً إلى ما قرره العلماء الفقهاء من أن حقيقة الوفاة هي: مفارقة الروح البدن. وحينئذٍ تأتي كلمة الغزالي المهمة في معرفة ذلك فيقول: (باستعصاء الأعضاء على الروح). أي: حتى لا يبقى جزء في الإنسان مشتبكة به الروح والله تعالى أعلم، وأن علامات الوفاة عند الأطباء والفقهاء كما تقدم ليس فيها نص شرعي لا يجوز تعديه، بل إذا ثبتت الحقيقة الطبية صار قبولها والحالة هذه. وبناء على تحرر هذه النتيجة يمكننا الوصول إلى الجواب فقهاً للأسئلة الثلاثة فيقال: إن رفع آلة الإنعاش في الصورة الثالثة هي: عن عضو ما زالت فيه حياة فجائز أن يحيا، وجائز أن يموت، وعلى كلا الحالين استواء الطرفين أو ترجح أحدهما على الآخر: 1- فإذا قرر الطبيب المختص المتجرد من أي غرض أن الشخص ميؤس منه: جاز رفع آلة الطبيب لأنه لا يوقف علاجاً يرجى منه شفاء المريض، وإنما يوقف إجراء لا طائل من وراءه في شخص محتضر، بل يتوجه أنه لا ينبغي إبقاء آلة الطبيب والحالة هذه، لأنه يطيل عليه ما يؤلمه من حالة النزع والاحتضار. لكن لا يحكم بالوفاة التي ترتب عليها الأحكام الشرعية كالتوارث ونحوه، أو نزع عضو منه - بمجرد رفع الآلة، بل بيقين مفارقة الروح البدن عن جميع الأعضاء، والحكم في هذه الحالة من باب تبعض الأحكام وله نظائر في الشرع كثيرة. 2- أما إذا قرر الطبيب أن الشخص غير ميؤس منه أو استوى لديه الأمران، فالذي يتجه عدم رفع الآلة حتى يصل إلى حد اليأس أو يترقى إلى السلامة. وهذا إنما أذكره بحثاً والنازلة كما ترى بحاجة إلى مزيد من البحث والدرس، بعد استقرار الاكتشاف الطبي لموت الدماغ وأنه نهاية الحياة الإنسانية إذ يوجد عدد من دول العالم لم تعترف طبياً بهذه النتيجة من أن موت الدماغ " جذع الدماغ " نهاية الحياة الإنسانية. وأما موضوع التشريح للمسلم أو نزع عضو منه سواء لجثته بعد وفاته أم في هذه الصورة الثالثة فأنا متوقف فيه من أصله وسأفرد لها بحثاً بإذن الله تعالى. والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. "فقه النوازل" لبكر أبو زيد.