البحث

عبارات مقترحة:

المجيب

كلمة (المجيب) في اللغة اسم فاعل من الفعل (أجاب يُجيب) وهو مأخوذ من...

الأحد

كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...

الإيمان بالقدر

الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان لا يصح إلا به، وقد دلت الأدلة من القرآن والسنة على ذلك، وهو سبيل الأمن والسكينة والطمأنينة، فلا يمكن لبشر أن تتحقق له السعادة والنعيم والراحة بدون الإيمان بالقضاء والقدر، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطِئَه، وما أخطأه لم يكن ليُصيبَه، وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

التعريف

التعريف لغة

قال ابن فارس: «القافُ والدّالُ والرّاءُ أصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلى مَبْلَغِ الشَّيْءِ وكُنْهِهِ ونِهايَتِهِ. فالقَدْرُ: مَبْلَغُ كُلِّ شَيْءٍ. يُقالُ: قَدْرُهُ كَذا، أيْ مَبْلَغُهُ. وكَذَلِكَ القَدَرُ. وقَدَرْتُ الشَّيْءَ أقْدِرُهُ وأقْدُرُهُ مِنَ التَّقْدِيرِ، وقَدَّرْتُهُ أُقَدِّرُهُ. والقَدْرُ: قَضاءُ اللَّهِ تَعالى الأشْياءَ عَلى مَبالِغِها ونِهاياتِها الَّتِي أرادَها لَها، وهُوَ القَدَرُ أيْضًا». "مقاييس اللغة" (5 /51). والقدَر محركة: القضاء والحكم ومبلغ الشيء. وقَدَرَ الله تعالى ذلك عليه يَقْدُرُهُ ويَقْدِرُهُ قَدْرًا وقَدَرًا وقَدَّرَهُ عليه وله. واستقدر الله خيرًا: سأله أن يقدِر له به. وقَدَرَ الرِّزْقَ: قَسَمَهُ. والقَدْرُ: الغِنَى واليَسارُ والقوةُ كالقُدْرَةِ والمَقْدُرَةِ. والتقدير: التروية والتفكير في تسوية أمر. وتقدر: تهيأ. وقَدَرْتُ الثوب فانقدر: جاء على المقدار. ويقال: قدَر فلانًا عظَّمه، ويقال: قدَر الأمر: دبره وفكر في تسويته، وقدَر الشيء بالشيء: قاسه به وجعله على مقداره، وقدَر الله الأمر على فلان: جعله له وحكم به عليه، وقدَر الرزق عليه: ضيّقه. انظر: القاموس المحيط (460)، والمعجم الوسيط (2/718).

التعريف اصطلاحًا

القدر: هو الإيمان بأنه لا يقع شيء في الوجود الا بعلم الله الأزلي، وكتابته السابقة ومشيئته لما وقع، وخلقه له، خيرًا أو شرًّا، حلوًا أو مرًّا. وقد فسَّره زيد بن أسلم وأحمد بن حنبل رحمهما الله بأن القدر هو: «قدرة الله عزّ وجل». انظر: "الإبانة" لابن بطة (2/222، 262)، و"القدر" للفريابي (144)، و"مسائل ابن هانئ" (2/155). و"لوامع الأنوار" (1/348). والإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان لا يصح إلا به، وقد دلت الأدلة من القرآن والسنة على ذلك. انظر: "شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل" لابن القيم (ص: 3). والإيمان بالقدر من أهم ما يجب معرفته على المكلف النبيل، فضلا عن الفاضل الجليل، فهو من أسنى المقاصد، والإيمان به قطب رحى التوحيد ونظامه، ومبدأ الدين المبين وختامه، فهو قاعدة أساس الإحسان التي يرجع إليها، ويدور في جميع تصاريفه عليها، فبالقدر والحكمة ظهر خلق الله تعالى وشرعه المبين. انظر: "شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل" لابن القيم (ص: 3).

الأقسام والأنواع

لا يصح الإيمان بالقدر إلا بالإيمان بأربع مراتب: المرتبة الأولى: الإيمان بأن الله تعالى علم ما الخلق عاملون، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي، والأرزاق والآجال، وعلمه سبحانه محيط بهم وبكل شأن من شؤونهم. قال الله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اْللَّهَ یَعْلَمُ مَا فِی اْلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَمَا فِی اْلْأَرْضِۖ مَا یَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَـٰثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَاۤ أَدْنَىٰ مِن ذَ ٰ⁠لِكَ وَلَاۤ أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ مَا كَانُوا۟ۖ ثُمَّ یُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا۟ یَوْمَ اْلْقِیَـٰمَةِۚ إِنَّ اْللَّهَ بِكُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ﴾ [المجادلة: 7]. وقال سبحانه: ﴿وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ اْلْغَیْبِ لَا یَعْلَمُهَاۤ إِلَّا هُوَۚ وَیَعْلَمُ مَا فِی اْلْبَرِّ وَاْلْبَحْرِۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا یَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةࣲ فِی ظُلُمَـٰتِ اْلْأَرْضِ وَلَا رَطْبࣲ وَلَا یَابِسٍ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینࣲ﴾ [الأنعام: 59]. المرتبة الثانية: الإيمان بأن الله عز وجل قد كتب مقادير الخلائق، وأنه سبحانه وتعالى كتب كل شيء في اللوح المحفوظ. قال الله تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِی شَأْنࣲ وَمَا تَتْلُوا۟ مِنْهُ مِن قُرْءَانࣲ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَیْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِیضُونَ فِیهِۚ وَمَا یَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةࣲ فِی اْلْأَرْضِ وَلَا فِی اْلسَّمَاۤءِ وَلَاۤ أَصْغَرَ مِن ذَ ٰ⁠لِكَ وَلَاۤ أَكْبَرَ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مُّبِینٍ﴾ [يونس: 61]. وقال سبحانه: ﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اْللَّهَ یَعْلَمُ مَا فِی اْلسَّمَاۤءِ وَاْلْأَرْضِۚ إِنَّ ذَ ٰ⁠لِكَ فِی كِتَـٰبٍۚ إِنَّ ذَ ٰ⁠لِكَ عَلَى اْللَّهِ یَسِیرࣱ﴾ [الحج: 70]. وَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الغَرْقَدِ فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ، وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ وَمَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً» قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلاَ نَتَّكِلُ عَلَى كِتَابِنَا، وَنَدَعُ العَمَلَ؟ فَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ، فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ، فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ، قَالَ: «أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهْلِ الشَّقَاءِ»، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى﴾ [الليل: 6] الآيَةَ. أخرجه البخاري (4948). المرتبة الثالثة: الإيمان بمشيئة الله تعالى النافذة، وقدرته الشاملة، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، وما في السماوات والأرض من حركة ولا سكون إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى، ولا يكون في ملكه عز وجل إلا ما يريد. قال الله تعالى: ﴿إِنَّ هَـٰذِهِۦ تَذْكِرَةࣱۖ فَمَن شَاۤءَ اْتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِیلࣰا * وَمَا تَشَاۤءُونَ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ اْللَّهُۚ إِنَّ اْللَّهَ كَانَ عَلِیمًا حَكِیمࣰا * یُدْخِلُ مَن یَشَاۤءُ فِی رَحْمَتِهِۦۚ وَاْلظَّـٰلِمِینَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِیمَۢا﴾ [الإنسان: 29-31]. وقال سبحانه: ﴿فَمَا لَهُمْ عَنِ اْلتَّذْكِرَةِ مُعْرِضِینَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرࣱ مُّسْتَنفِرَةࣱ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةِۭ * بَلْ یُرِیدُ كُلُّ اْمْرِئࣲ مِّنْهُمْ أَن یُؤْتَىٰ صُحُفࣰا مُّنَشَّرَةࣰ * كَلَّاۖ بَل لَّا یَخَافُونَ اْلْـَٔاخِرَةَ * كَلَّاۤ إِنَّهُۥ تَذْكِرَةࣱ * فَمَن شَاۤءَ ذَكَرَهُۥ * وَمَا یَذْكُرُونَ إِلَّاۤ أَن یَشَاۤءَ اْللَّهُۚ هُوَ أَهْلُ اْلتَّقْوَىٰ وَأَهْلُ اْلْمَغْفِرَةِ﴾ [المدثر: 49-56]. وقال سبحانه: ﴿أَمِ اْتَّخَذُوۤا۟ ءَالِهَةࣰ مِّنَ اْلْأَرْضِ هُمْ یُنشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِیهِمَاۤ ءَالِهَةٌ إِلَّا اْللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ فَسُبْحَـٰنَ اْللَّهِ رَبِّ اْلْعَرْشِ عَمَّا یَصِفُونَ * لَا یُسْـَٔلُ عَمَّا یَفْعَلُ وَهُمْ یُسْـَٔلُونَ * أَمِ اْتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ ءَالِهَةࣰۖ قُلْ هَاتُوا۟ بُرْهَـٰنَكُمْۖ هَـٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِیَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِیۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا یَعْلَمُونَ اْلْحَقَّۖ فَهُم مُّعْرِضُونَ﴾ [الأنبياء 21-24]. المرتبة الرابعة: أن الله تعالى خالق كل شيء، فما من شيء في الوجود إلا والله عز وجل خالقه وموجده، سواء في ذلك: الذوات، والأعيان، والمعاني، والأفعال، فلا يخرج شيء في الوجود من أن يكون مخلوقا لله تعالى. قال الله تعالى: ﴿بَدِیعُ اْلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَاْلْأَرْضِۖ أَنَّىٰ یَكُونُ لَهُۥ وَلَدࣱ وَلَمْ تَكُن لَّهُۥ صَـٰحِبَةࣱۖ وَخَلَقَ كُلَّ شَیْءࣲۖ وَهُوَ بِكُلِّ شَیْءٍ عَلِیمࣱ * ذَ ٰ⁠لِكُمُ اْللَّهُ رَبُّكُمْۖ لَاۤ إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَۖ خَـٰلِقُ كُلِّ شَیْءࣲ فَاْعْبُدُوهُۚ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَیْءࣲ وَكِیلࣱ * لَّا تُدْرِكُهُ اْلْأَبْصَـٰرُ وَهُوَ یُدْرِكُ اْلْأَبْصَـٰرَۖ وَهُوَ اْللَّطِیفُ اْلْخَبِیرُ﴾ [الأنعام: 101-103]. وقال سبحانه: ﴿تَبَارَكَ اْلَّذِی نَزَّلَ اْلْفُرْقَانَ عَلَىٰ عَبْدِهِۦ لِیَكُونَ لِلْعَـٰلَمِینَ نَذِیرًا * اْلَّذِی لَهُۥ مُلْكُ اْلسَّمَـٰوَ ٰ⁠تِ وَاْلْأَرْضِ وَلَمْ یَتَّخِذْ وَلَدࣰا وَلَمْ یَكُن لَّهُۥ شَرِیكࣱ فِی اْلْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَیْءࣲ فَقَدَّرَهُۥ تَقْدِیرࣰا * وَاْتَّخَذُوا۟ مِن دُونِهِۦۤ ءَالِهَةࣰ لَّا یَخْلُقُونَ شَیْـࣰٔا وَهُمْ یُخْلَقُونَ وَلَا یَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرࣰّا وَلَا نَفْعࣰا وَلَا یَمْلِكُونَ مَوْتࣰا وَلَا حَیَوٰةࣰ وَلَا نُشُورࣰا﴾ [الفرقان 1-3]. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبُخَارِيُّ: فَأَمَّا أَفْعَالُ الْعِبَادِ فَقَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ عَنْ رِبْعِي بْنِ حِرَاشٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ اللَّهَ يَصْنَعُ كُلَّ صَانِعٍ وَصَنْعَتَهُ» وَتَلَا بَعْضُهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ: ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ﴾ [الصافات: 96]، فَأَخْبَرَ أَنَّ الصِّنَاعَاتِ وَأَهْلَهَا مَخْلُوقَةٌ. أخرجه البخاري في "خلق أفعال العباد" (ص: 46)، وقال الحاكم: «صحيح على شرط مسلم»، ووافقه الذهبي، والألباني. انظر: "سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها" للألباني (1637).

الأدلة

القرآن الكريم

الإيمان بالقدر في القرآن الكريم
قال الله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [القمر: 49-55]. وقال سبحانه: ﴿مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ ۖ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ ۚ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا﴾ [الأحزاب: 37-39].

السنة النبوية

الإيمان بالقدر في السنة النبوية
عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ، قَالَ: كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِي الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيُّ حَاجَّيْنِ - أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ - فَقُلْنَا: لَوْ لَقِينَا أَحَدًا مَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلَاءِ فِي الْقَدَرِ، فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلًا الْمَسْجِدَ، فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِي أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالْآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ، فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِي سَيَكِلُ الْكَلَامَ إِلَيَّ، فَقُلْتُ: أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ، وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لَا قَدَرَ، وَأَنَّ الْأَمْرَ أُنُفٌ، قَالَ: فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّي بَرِيءٌ مِنْهُمْ، وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّي، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لِأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا، فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ، إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ، لَا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ، وَلَا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ، حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ، وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِيمَانِ، قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ، قَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: «مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ» قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ: «أَنْ تَلِدَ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا، وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ»، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيًّا، ثُمَّ قَالَ لِي: «يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟» قُلْتُ: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ». أخرجه مسلم (8). وهذا الحديث دليل ظاهر على أن الإيمان بالقدر ركن من أركان الإيمان، وكما ترى؛ فقد احتج به ابن عمر رضي الله عنهما على القدرية. وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «كَتَبَ اللهُ مَقَادِيرَ الْخَلَائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ، قَالَ: وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ». أخرجه مسلم (2653). وَعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ قال النبي : «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ، وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى المَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، وَخَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ» فَنَادَى مُنَادٍ: ذَهَبَتْ نَاقَتُكَ يَا ابْنَ الحُصَيْنِ، فَانْطَلَقْتُ، فَإِذَا هِيَ يَقْطَعُ دُونَهَا السَّرَابُ، فَوَاللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ تَرَكْتُهَا. أخرجه البخاري (3191). وَعَنْ طَاوُسٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُونَ كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ، قَالَ: وَسَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ شَيْءٍ بِقَدَرٍ، حَتَّى الْعَجْزِ وَالْكَيْسِ»، أَوِ الْكَيْسِ وَالْعَجْزِ. أخرجه مسلم (2655). وَعَنْ عَلِيٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ عَبْدٌ حَتَّى يُؤْمِنَ بِأَرْبَعٍ: يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ بَعَثَنِي بِالحَقِّ، وَيُؤْمِنُ بِالمَوْتِ، وَبِالبَعْثِ بَعْدَ المَوْتِ، وَيُؤْمِنُ بِالقَدَرِ». أخرجه الترمذي (2145)، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (2145). وَعَنْ أَبِي حَفْصَةَ، قَالَ: قَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ، إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ، فَقَالَ لَهُ: اكْتُبْ قَالَ: رَبِّ وَمَاذَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ». يَا بُنَيَّ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ عَلَى غَيْرِ هَذَا فَلَيْسَ مِنِّي». أخرجه أبو داود (4700)، وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" (4700). وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ». أخرجه الترمذي (2516)، وصححه الألباني في "صحيح الترمذي" (2516).

الإجماع

قال النووي: «وقد تظاهرت الأدلة القطعية من الكتاب والسنة وإجماع الصَّحابة وأهل الحل والعقد من السلف والخلف على إثبات قدر الله تعالى». "شرح النووي على صحيح مسلم" (1 /155). وقال ابن حجر: «ومذهب السلف قاطبة: أن الأمور كلها بتقدير الله تعالى». "فتح الباري" (11 /478).

العقل

قال الخطابي: «جماع القول في هذا الباب: أنهما أمران لا ينفك أحدهما عن الآخر؛ لأن أحدهما بمنزلة الأساس، والآخر بمنزلة البناء، فمن رام الفصل بينهما فقد رام هدم البناء ونقضه». "معالم السنن" (4 /323).

مسائل متعلقة

حكم الخوض في القدر

إن القدر هو عقيدة من عقائد الإسلام وركن من أركان الإيمان، وهو من علم الغيب الذي علَّمنا الله إياه، وقد ذكره النبي صلّى الله عليه وسلّم وذكره الخلفاء الراشدون وكثير من الصحابة ومن بعدهم من أهل العلم وألَّفوا فيه، فمن تكلم به على الإثبات والتسليم لله عزّ وجل والإقرار لله بالقدرة والعلم والحكمة فهذا متوافق مع كلام الله عزّ وجل وكلام رسوله صلّى الله عليه وسلّم. أما من خاض فيه بالإنكار أو بالتنقير في السؤال: لم كان هكذا؟ ولم قدر هذا؟ أو لِمَ لم يفعل ذلك؟ أو كيف هدى هؤلاء وأضل هؤلاء؟ أو لماذا هدى هؤلاء وأضل هؤلاء؟ فهذه المعاني هي التي لا يجوز الخوض فيها، والتي يحمل عليها ما ورد من الأحاديث وكلام السلف من النهي، كحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن نفرًا كانوا جلوسًا بباب النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال بعضهم: ألم يقل كذا وكذا، وقال بعضهم ألم يقل الله كذا وكذا، فسمع ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فخرج كأنما فُقئ في وجهه حب الرمان فقال: «بهذا أُمرتم أو بهذا بُعثتم أن تضربوا كتاب الله بعضه ببعض، إنما ضلَّت الأمم قبلكم في مثل هذا، إنكم لستم مما ها هنا في شيء انظروا الذي أُمرتم به فاعملوا به والذي نُهيتم عنه فانتهوا». أخرجه ابن ماجه (85)، وأحمد (11/434) واللفظ له، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (1/14): «هذا إسناد صحيح رجاله ثقات». فلا شك أن ضرب كتاب الله بعضه ببعض من الاختلاف في الكتاب والجدال المحرم، خاصة وأنها مسائل علمية عقدية تحتاج منا التسليم والإيمان وليس الجدال والخصام، فما عرفه المسلم آمن به وما لم يعرف يسلم للشارع به ويوكل علمه إلى عالمه. قال الشيخ ابن باز رحمه الله بعد أن بيَّن أن الخوض في القدر إنما يكون وفق السُّنَّة: «وعلى كل مسلم أن يؤمن بالقدر وأن يحذر الخوض في ذلك بغير علم، كما خاض المبتدعة فضلُّوا، وإنما الواجب على كل مسلم أن يؤمن بالقدر وأن يسلم لله بذلك، ويعلم بأن الله قدر الأشياء وعلمها وأحصاها، وأن العبد له إرادة وله مشيئة وله اختيار لكنه لا يخرج بذلك عن قدرة الله سبحانه وتعالى». "مجموع فتاوى ابن باز" (28/373).

معنى قول بعض العلماء: «القدر سر الله»

ورد هذا القول عن بعض الصحابة والتابعين، ومن ذلك ما روي أن رجلاً قال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: يا أبا الحسن ما تقول في القدر؟ قال: «سر الله فلا تكلَّفه». أخرجه الآجري في الشريعة (2/844)، وأخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (42/513) من طريق آخر. وعن الضحاك بن عثمان، قال: «وافيت الموسم، فلقيت جماعة في مسجد الخيف، ذكرهم، قال: ورأيت طاوسًا اليماني فسمعته يقول لرجل: إن القدر سر الله، فلا تدخلن فيه». أخرجه ابن بطة في "الإبانة" رقم (1993)، والآجري في "الشريعة" رقم (535). فهذه المسألة مرتبطة بالمسألة قبلها، فإن المقصود بقول أهل العلم «القدر سر الله عزّ وجل» أن ما قدره الله عزّ وجل على العباد من هداية وضلال وغنى وفقر وصحة ومرض وحياة وموت وبلاء وعافية؛ كل ذلك لله عزّ وجل فيه علم وإرادة وحكمة، قد يبدو لنا منها شيء ويخفى علينا منها أشياء، فمن رغب وحاول فهم مسوغات ذلك والحكمة منه فإنه سيتيه ويتحير ولا يصل فيها إلى غاية محمودة بل قد يوصله ذلك إلى الضلال والانحراف عن الدين والإيمان، فأسلم شيء له في ذلك هو التسليم والانقياد وعدم البحث والتنقير، وعلى هذا جاء كلام أهل العلم. قال الطحاوي رحمه الله: «وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه، لم يطلع على ذلك مَلَك مقرَّب، ولا نبي مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسُلَّم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرًا وفكرًا ووسوسة، فإن الله تعالى طوى علم القدر عن أنامه، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: ﴿لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ *﴾ [الأنبياء] ، فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب، كان من الكافرين». قال ابن أبي العز في الشرح: «أصل القدر سر الله في خلقه، وهو كونه أوجد وأفنى، وأفقر وأغنى، وأمات وأحيا، وأضل وهدى». "شرح العقيدة الطحاوية" لابن أبي العز (1/225). وقال الشيخ صالح الفوزان: «ولا يجوز للمسلم أن يدخل في تفاصيل القدر ويفتح على نفسه باب الشكوك والأوهام، بل يكفيه أن يؤمن بالقدر كما أخبر الله سبحانه وتعالى وكما أخبر رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن كل شيء بقضاء الله وقدره، ولا يدخل في التفاصيل والأسئلة: لماذا كذا ولماذا كذا؛ لأنه لن يصل إلى نتيجة؛ لأن الأمر كما يقول عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: «القدر سر الله»؛ سر لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى. فالواجب علينا: أن نؤمن به، ولا ندخل في تفاصيله، بل نكتفي بالإيمان به على ما جاء في الدليل من كتاب الله وسُنَّة رسوله». "إعانة المستفيد" للفوزان (2/254).

مذهب الجبر أشد بدعة وأكثر انحرافًا من نفي القدر

مذهب الجبرية أشد انحرافًا، وأبعد عن الحق من مذهب نفاة القدر؛ وذلك لأن مذهب الجبرية يقتضي إسقاط الأمر والنهي، ولغلوه وشدة انحرافه لم يُرمَ به أحد من السلف، بخلاف نفي القدر، فقد رمي به كثير من أهل العلم. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والقدرية المحتجون بالقدر على المعاصي شر من القدرية المكذبين بالقدر، وهم أعداء الملل، وأكثر ما أوقع الناس بالتكذيب بالقدر احتجاج هؤلاء به». انظر: "منهاج السُّنَّة" (3/24). وانظر: (3/76، 82).

رمي بعض أهل السُّنَّة بالقدر

أ ـ ليس كل من رمي بالقدر من أهل السُّنَّة يكون قدريًّا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولهذا اتهم بمذهب القدر غير واحد، ولم يكونوا قدرية، بل كانوا لا يقبلون الاحتجاج على المعاصي بالقدر؛ كما قيل للإمام أحمد: كان ابن أبي ذئب قدريًّا. فقال: الناس كل من شدد عليهم المعاصي، قالوا: هذا قدري. وقد قيل: إنه بهذا السبب نُسب إلى الحسن القدر؛ لكونه كان شديد الإنكار للمعاصي، ناهيًا عنها». "منهاج السُّنَّة" (3/24). ب ـ القدر الذي رمي به بعض أهل السُّنَّة، وقال به بعض المنتسبين إلى العلم؛ خصوصًا من أهل البصرة، وأن الله لم يخلق أفعال العباد، والحقيقة أن قولهم هو قول المعتزلة في القدر، وإلا لزم إضافة قول آخر لنفاة القدر، ليس هو قول الغلاة، ولا هو قول المعتزلة، وهذا غير معروف عند أصحاب المقالات.

الثمرات

الآثار للإيمان بالقدر آثار عديدة، نذكر منها: 1- أن الإيمان بالقدر وفق ما أمر الله عز وجل ووفق ما بينه رسول الله يحقق للمسلم إيمانه بالله وبربوبيته وتدبيره لخلقه وأن الأمور كلها بيده سبحانه وتعالى. 2- إذا علم المسلم ذلك وآمن به، وعلم مع ذلك عظيم رحمة الله بخلقه، مع جوده وكرمه وغناه عن خلقه، ومحبته لهدايتهم، ومحبته سبحانه لنجاتهم وفوزهم، كل ذلك يغرس في نفس المؤمن الثقة بما عند الله عز وجل أكثر من الثقة بما في يده، وأن نظر الله عز وجل لعبده خير من نظره لنفسه. 3- أن الإيمان بالقدر يدفع للتوكل على الله عز وجل، ومن توكل على الله فهو كافيه، وهو حسبه، ونعم الوكيل. 4- أن الإيمان بالقدر يدفع المسلم إلى العمل والجد في طلب ما ينفعه.لهذا قال صلّى الله عليه وسلّم: «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل». أخرجه مسلم (2664). 5- أن الإيمان بالقدر وأن ما قُدر للعبد سيأتيه، يحقق للمسلم الرضا، فلا يندفع وراء المطلوب اندفاع الشَّرِه، ولا ييأس من الحصول على المطلوب ما دام أنه يسلك في سبيل الحصول عليه طريقا مرضيا لله عز وجل. 6- أن الإيمان بالقدر يقوي قلب المؤمن، ويهبه إقداما من غير تهور؛ لأنه يعلم أن أجله ورزقه مكتوب ليس منه بد. 7- أن الإيمان بالقدر له أثر عظيم في تخفيف أثر المصيبة على المسلم؛ لأنه يعلم أن ما أصابه لن يخطئه، وأن كل ذلك من الله عز وجل، فإذا صبر حصل له أجر الصابرين الذي ذكره الله عز وجل في قوله: ﴿یَـٰۤأَیُّهَا اْلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ اْسْتَعِینُوا۟ بِاْلصَّبْرِ وَاْلصَّلَوٰةِۚ إِنَّ اْللَّهَ مَعَ اْلصَّـٰبِرِینَ * وَلَا تَقُولُوا۟ لِمَن یُقْتَلُ فِی سَبِیلِ اْللَّهِ أَمْوَ ٰ⁠تُۢۚ بَلْ أَحْیَاۤءࣱ وَلَـٰكِن لَّا تَشْعُرُونَ * وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَیْءࣲ مِّنَ اْلْخَوْفِ وَاْلْجُوعِ وَنَقْصࣲ مِّنَ اْلْأَمْوَ ٰ⁠لِ وَاْلْأَنفُسِ وَاْلثَّمَرَ ٰ⁠تِۗ وَبَشِّرِ اْلصَّـٰبِرِینَ * اْلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَـٰبَتْهُم مُّصِیبَةࣱ قَالُوۤا۟ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّاۤ إِلَیْهِ رَ ٰ⁠جِعُونَ * أُو۟لَـٰۤىِٕكَ عَلَیْهِمْ صَلَوَ ٰ⁠تࣱ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةࣱۖ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ اْلْمُهْتَدُونَ﴾ [البقرة: 153-157]. كما أنه إذا أصابته نعمة علم أنها من عند الله تعالى، فلا يبطر ولا يختال، بل يشكر الله عز وجل حتى يزيده، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اْذْكُرُوا۟ نِعْمَةَ اْللَّهِ عَلَیْكُمْ إِذْ أَنجَىٰكُم مِّنْ ءَالِ فِرْعَوْنَ یَسُومُونَكُمْ سُوۤءَ اْلْعَذَابِ وَیُذَبِّحُونَ أَبْنَاۤءَكُمْ وَیَسْتَحْیُونَ نِسَاۤءَكُمْۚ وَفِی ذَ ٰ⁠لِكُم بَلَاۤءࣱ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِیمࣱ * وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَىِٕن شَكَرْتُمْ لَأَزِیدَنَّكُمْۖ وَلَىِٕن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِی لَشَدِیدࣱ * وَقَالَ مُوسَىٰۤ إِن تَكْفُرُوۤا۟ أَنتُمْ وَمَن فِی اْلْأَرْضِ جَمِیعࣰا فَإِنَّ اْللَّهَ لَغَنِیٌّ حَمِیدٌ﴾ [إبراهيم 6-8]. انظر: "موسوعة العقيدة والأديان والفرق والمذاهب المعاصرة" لمجموعة من الباحثين (5 /2326).

المواد الدعوية