البحث

عبارات مقترحة:

الجواد

كلمة (الجواد) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فَعال) وهو الكريم...

العالم

كلمة (عالم) في اللغة اسم فاعل من الفعل (عَلِمَ يَعلَمُ) والعلم...

القدوس

كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...

النقد الخفي

مقصودنا بالنَّقد الخفي: استكشاف العلل الخفية في الأحاديث التي ظاهرها السلامة من العلل، وذلك أن الحديث يستجمع شروط القبول: من اتصال الإسناد، وعدالة الرواة، وضبطهم، فَيُحْكم عليه ظاهراً بالقول: (إسناده صحيح)، لكن يقف الناقد على سبب غير ظاهر يرد الحكم بصحة الحديث، وقد يبلغ به الحكم بالوضع. وهذا السبب الخفي، هو (العلة). وحاصل تعريفها، أنها: سبب غامض خفي، يقدح في ثبوت الحديث، وظاهره السلامة منه. ومحل (النقد الخفي): رواياتُ الثقات. والبحث عن علة الحديث مُقدم في علم الحديث على إفناء العمر في مجرد الجمع والتكثير، دون تحقيق ولا تمحيص، كما يجري عليه أكثر المتعرضين إليه. كان الإمام عبْد الرحمن بن مهدي يقول: " لأن أعرف علة الحديث هو عندي، أحبُّ إليَّ من أن أكتب عِشرين حديثاً ليس عندي ". وكيف لا؟ وكان همهم مَعرفة السُّنن للعمل بها وإرشاد الأمة، فإذا تميز له من التعليل سلامة الرواية عَلِم ما لزم بمُقتضاها، وإن تبين سُقوطها عَلِم سُقوط أثرها، وهذا ما لا يكون بمُجرّد الجَمع والتكثير. وسيأتي تحريرُ القول في لَقب (الحديث المعلل) في (القِسم الثاني) من هذا الكتاب. ‌ ‌ طريقةُ النُّقَّاد فيما يسمَّى (علّة): اعلم أن أئمة الحديث أطْلقوا لَفْظَ (العلَّة) على ما هو أعم من الخفية في الإسناد الجامع في الظاهر لشروط القبول، فأطلقوا اللفظ على: الظاهرة، والخفية، كما أطلقوه من جهة أخرى على: القادحة، وغير القادحة، على ما سأذكره. و (العلة الخفية) واردة في تحقيق أهل هذه الصنعة في الإسناد، وواردة في المتن، خلافاً لما شوش به طائفة ممن تعرض لنقد السنة من المعاصرين من المستشرقين ومن تأثر بهم من المسلمين، أن المحدثين اعتنوا بنقد الإسناد دون المتن، فهذا منهم يرجع في خلاصته إلى سببين: الأول: ضعف معرفتهم بمنهج أهل الحديث، وذلك ظاهر في ضعف استقرائهم. والثاني: التأثر بطريقة المتأخرين من علماء الحديث، الذين أهمل أكثرهم اعتبار البحث عن العلل الخفية في الأحاديث، بل حكموا بتصحيح الأحاديث الكثيرة التي أعلها المتقدمون، من أجل ما أجروا عليه الحكم من مجرد اعتبار النظر إلى ظاهر الإسناد. واعلم أن (العلة) في المتن، توجب طعناً في الإسناد ولا بد، حتى وإن كان ظاهر الإسناد السلامة من العلل، فإنه لا بد أن يكون أخطأ فيه راوٍِ، أو دلس، والنقاد يبينون ممن يكون الخطأ والوهم، أو التدليس، من رواة الإسناد الثقات. واعلم أنه لم يسلم من الوهم أوثق نقلة الحديث، من مثل شعبة بن الحجاج، وسفيان الثوري، ومالك بن أنس، وهؤلاء رءوس الحفاظ. فأحصيت لشعبة في (علل ابن أبي حاتم) الخطأ في تسعة مواضع، وللثوري في ثلاثة مواضع، وكانا يعتمدان على حفظ الصدر، والثوري أحفظ من شعبة، ولمالك الوهم في اسم بعض رواة الإسناد، ولا يكاد يذكر له وهم في الكتب إلا بَنْدرة، حتى قال في وصفه ابن حجر: " رأس المتقنين، وكبير المتثبِّتين "، والعلة أنه كان يعود حفظه إلى طريقي التوثُّق: الصدر والكتاب. لكن المقصود أن تعلم أنه لم يسلم أحد من الرواة من وهم وإن ندر. وفي هذا الباب تبيين هذا الأصل الأصعب تحقيقاً من شروط قبول الحديث، في استعراضه على سبيل الاقتداء والتحرير لمذاهب أهل الصنعة، كخلاصة تتبع طويل، مع التمثيل والتدليل لتقريبه، تأصيلاً لتطبيقه، وتبيين أنه ليس بسحر وكهانة كما خيَّله بعض الناس، بل علمٌ تُدرك مقدماته وتُفهم أسبابه، وتُمكن معرفته. ولا تهويل فيما قاله الحافظ أبو يعلى الخليلي: " العلة تقع للأحاديث من أنحاء شتَّى لا يمكن حصرها ". فإنما هذا فيما قصد هو أن ينبه عليه من علوم الحديث، حيث تعرض لها بإيجاز في مقدمة كتابه. .. " الإرشاد "، ولم يَكن ذلك محلاُّ لتتبع أسباب التعليل للأحاديث، وإلَاّ فإنَّ من دَرَسَ طريقة القَوم يتبين أن العلل في الأحاديث عنْدهم تَعود إلى أسباب مَفهومةٍ مُدْرَكة، يُمكن حصْرها وفَهمها، بل وتطبيقها. نعمْ، وقع في تعليلهم رد الحديث بغير سبب مفسر، وهو قليل، لكن هذا ليس طريقاً ينبغي التعويل عليه، ولا يجوز القول برد رواية الثقة إلا بحجة قائمة؛ لما يقتضيه رد روايته من الحكم بخطئه، والأصل منع ذلك في أخبار العدول دون برهان. لك، بل ينبغي أن تجعل من تعليل الناقد لحديث معين بغير حجة مفسرة، شبهة توجب البحث عن العلة، فإن استنفدت الممكن من وسائل استكشاف العلة، وثبتت براءة الحديث منها، وجب التسليم بثبوت ذلك الحديث. "تحرير علوم الحديث" للجديع.