البحث

عبارات مقترحة:

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

المقتدر

كلمة (المقتدر) في اللغة اسم فاعل من الفعل اقْتَدَر ومضارعه...

الكبير

كلمة (كبير) في اللغة صفة مشبهة باسم الفاعل، وهي من الكِبَر الذي...

الوحي

الكلام في الوحي ـ كما هو ظاهر ـ مرتبط بعلم (نزول القرآن)، وهو كالمقدمة له، ولا يصلح تأخير بحثه فيكون بعد بحث (نزول القرآن)؛ لأن موضوع (كيفية نزوله) في علم (نزول القرآن) مرتبط بكيفية الوحي للرسول صلّى الله عليه وسلّم الوحي نزل جبريل عليه السلام بالقرآن على محمد في غار حراء، وكان ذلك أول بدءٍ للوحي بنُزول القرآن الكريم، لذا كان الحديث عن الوحي ونزول القرآن متلازمين لا ينفكان، وسيكون الحديث هنا عن الوحي من حيث كونه أساس نزول القرآن، ثمَّ عن نزول القرآن الكريم. قال ابن فارس (ت395هـ): «الواو والحاء والحرف المعتل أصل يدل على إلقاء علم في خفاءٍ، أو غيره إلى غيرك. فالوحي: الإشارة، والوحي: الكتابة والرسالة، وكل ما ألقيته إلى غيرك حتى عَلِمَهُ فهو وحي؛ كيف كان.. .». وكل ما ذُكر من أنواع الوحي ـ كالإلهام، والرمز، والإشارة، والأمر، والكتابة ـ فإنها لا تخرج عن معنى (إلقاء علمٍ في خفاء). أما الوحي الوارد في الكتاب والسنة فقد ورد في مواضع كثيرة تربو على المائة موضع، وهو على أنواع متعددة، وقد ذكرت آية سورة الشورى أعلى هذه الأنواع التي يقع فيها سماع كلام الله، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَاّ وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِي بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ [الشورى: 51]. ذكرت هذه الآية ثلاثة أنواع من أنواع الوحي، وهي كالآتي: 1 - أن يلقي كلامه على النبي بكيفية غير معتادة فيعيه. 2 - أن يكلمه مباشرة من وراء حجاب، فلا يرى النبي ربه، لكن يسمع كلامه، وقد وقع هذا لموسى عليه السلام في بدء وحيه، وفي ميعاده مع ربه لأخذ الشريعة التي كانت في الألواح. وحصل لنبينا محمدٍ صلّى الله عليه وسلّم في معراجه، حيث أخذ الأمر بالصلاة عن ربه مباشرة. 3 - أن يرسل رسولاً من الملائكة، وغالباً ما يكون المرسَل جبريل عليه السلام إن كان الأمر يتعلق بالنبوة والشريعة، وقد يرسل غيره لأمور أخرى، كما هو وارد في الآثار. والوحي الذي يُنْزله الله بواسطة الملك جبريل على نبي من أنبيائه هو الغالب على الوحي إلى الأنبياء، فنُزول الملك جبريل عليه السلام على أحد من البشر إيذانٌ ببدء الوحي. وهو من أمور الغيب التي يختص بها النبي المرسل، لذا فإن الاجتهاد في تقريب صورة الوحي إلى الأذهان بأمر من الأمور المحسوسة غير دقيق، ولا يمكن تقريب صورة الوحي هذه، كما اجتهد في تقريبها بعض المعاصرين. كما أن ما يحكيه بعضهم من كيفية إتيان الملك للرسول من أن الرسول ينخلع من صورة البشرية إلى صورة الملكية، فذلك مما لا دليل عليه. ومن ثَمَّ، فالوحي بلغة القرآن والسنة: إعلام الله لنبي من أنبيائه بكيفية معينة ـ بنبوته، وما يتبعها من أوامر ونواهٍ وأخبار. والآيات الدالة على الوحي بهذا المعنى كثيرة، منها قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾ [النساء: 163]، وكقوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ [الشورى: 7]، وغيرها من الآيات التي ينصُّ فيها على وحيه لأنبيائه أو وحيه لنبيه محمد ؛ إما بلفظ الوحي ومشتقاته، وإما بغيره مما يدل عليه كلفظ النُّزول ومشتقاته. كيفية الوحي: قد ورد في السنة ما يدل على كيفية الوحي والحال التي يكون عليها رسول الله أثناء تلقيه له، ومن ذلك ما ورد عن الحارث بن هشام رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كيف يأتيه الوحي؟ عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أن الحارث بن هشام رضي الله عنه سأل رسول الله ، فقال: يا رسول الله. كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت عنه ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلاً، فيكلمني، فأعي ما يقول». قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ينْزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه وإن جبينه ليتفصد عرقاً. والسؤال ـ كما هو ظاهر من جوابه ـ متوجه إلى كيفية نزول الوحي بواسطة جبريل عليه السلام، وأنه كان ينْزل بهاتين الطريقتين، وفي الحديث إجمال، حيث لم يذكر هل ينْزل القرآن بهاتين الطريقتين أم بأحدهما؟ والحالة الأولى هي الحالة الأظهر في ذلك؛ لأنه كان يعالج شدة أثناء نزول الوحي عليه، كما أشار إلى ذلك قوله تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ *إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ [القيامة: 16 - 17]. قال ابن عباس رضي الله عنهما (ت68هـ): «كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعالج من التنْزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه ـ فقال ابن عباس: فأنا أحركهما لكم كما كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يحركهما، وقال سعيد: أنا أحركهما كما رأيت ابن عباس يحركهما، فحرك شفتيه ـ فأنزل الله تعالى: ﴿لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ *إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ﴾ [القيامة: 16 - 17]». وهذه الحالة الغريبة كانت مثار الاستفسار، ومدعاة لطلب رؤيتها كما حصل من بعض الصحابة رضي الله عنهم، فعن صفوان بن يعلى عن أبيه رضي الله عنه قال: «كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتاه رجل عليه جبة بها أثر من خلوق، فقال: يا رسول الله. إني أحرمت بعمرة فكيف أفعل؟ فسكت عنه فلم يرجع إليه، وكان عمر رضي الله عنه يستره إذا أنزل عليه الوحي يظله، فقلت لعمر رضي الله عنه: إني أحب إذا أنزل عليه الوحي أن أدخل رأسي معه في الثوب، فلما نزل عليه خَمَّرَهُ عمر رضي الله عنه بالثوب، فجئته، فأدخلت رأسي معه في الثوب، فنظرت إليه، فلما سُرِّيَ عنه قال: أين السائل آنفا عن العمرة؟ فقام إليه الرجل، فقال: انزع عنك جبتك، واغسل أثر الخلوق الذي بك، وافعل في عمرتك ما كنت فاعلاً في حجِّك». وهذا يدل على أن حالة الوحي هذه قد تكون في غير القرآن، كما هو ظاهر هذا الخبر، والله أعلم. أما مجيئه إليه بالصورة البشرية فلم يرد فيه الوحي بالقرآن بها سوى خبر الحارث بن هشام رضي الله عنه المجمل، وإنما الوارد في أمور أخرى، كما وقع في تعليم الناس أمور الدين في حديث جبريل عليه السلام الطويل في سؤاله الإسلام والإيمان والإحسان وأشراط الساعة، وكان كثيراً ما يتمثَّل بصورة الصحابي دحية الكلبي رضي الله عنه. وإجابة النبي صلّى الله عليه وسلّم للحارث بن هشام تشير إلى أن مصطلح الوحي عندهم قد غلب على مجيء جبريل عليه السلام بالوحي دون سواه من أنواع الوحي، لذا لا حاجة إلى الاستفسار عن سبب تركه صلّى الله عليه وسلّم لأنواع الوحي الأخرى، والله أعلم. مسألة: هل وقع الوحي بالقرآن بغير الطريق المشهور؟ عن أنس رضي الله عنه قال: «بينا رسول الله ذات يوم بين أظهرنا إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً، فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي آنفا سورة فقرأ ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ *فَصَلِّ لِرَّبِكَ وَانْحَرْ *إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ﴾ [الكوثر: 1 - 3]». هل يدل حديث أنس رضي الله عنه على أن سورة الكوثر نزلت مناماً، وليس في الحال المشهورة للوحي؟ إنه لو كان هذا وقع، فإنه لا شيء يخلُّ بقرآنية سورة الكوثر؛ لأنَّ رؤيا الأنبياء وحي، والنبي صلّى الله عليه وسلّم تنام عيناه ولا ينام قلبه، وقد رأى في منامه من الوحي الشيء الكثير. لكن حمل عبارة أنس رضي الله عنه: «أغفى إغفاءة» على الحالة التي كانت تعتري الرسول صلّى الله عليه وسلّم أثناء الوحي أولى؛ لأن كون الرسول صلّى الله عليه وسلّم في المسجد، وبين أظهرهم يُبعِد أن يقع منه نومٌ، فتلك مخالفة للمعتاد من حاله مع أصحابه، أما وقوع الوحي، وهو بينهم، فهذا كثيرٌ جدّاً، والله أعلم. كما يُلاحظ أنَّ عباراتهم عن هذه الحالة تختلف من صحابي إلى آخر، فقد ورد عن صفوان بن يعلى بن أمية عن أبيه رضي الله عنه حكاية هذه الحال، حيث ذكر: أن رجلا أتى النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو بالجعرانة وعليه جبة وعليه أثر الخلوق أو قال صفرة فقال كيف تأمرني أن أصنع في عمرتي؟ فأنزل الله على النبي فستر بثوب ووددت أني قد رأيت النبي وقد أنزل عليه الوحي فقال عمر: تعال أيسرك أن تنظر إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم وقد أنزل عليه الوحي؟ قلت: نعم، فرفع طرف الثوب فنظرت إليه له غطيط ـ وأحسبه قال: ـ كغطيط البكر فلما سري عنه قال: «أين السائل عن العمرة؟ اخلع عنك الجبة واغسل أثر الخلوق عنك وأنق الصفرة واصنع في عمرتك كما تصنع في حجك». تنبيه: يقع سؤال مهم، وهو هل هناك مانع عقلي أو شرعي يمنع أن ينْزل جبريل بالقرآن بطريق من طرق الوحي المعروفة غير نزوله الذي يكون بهيئته الملكية؛ كأن يأتي النبي بصورة بشرية أو يأتيه في المنام؟ الذي يظهر أنه ليس هناك ما يمنع. أنواع الوحي: لو تُتُبِّعت استعمالات الوحي في القرآن والسنة لظهر سوى هذه الأنواع المذكورة من الوحي، ويمكن إجمالها فيما يأتي: الأول: الوحي إلى الأنبياء بأي نوع من أنواع الوحي غير الصريح؛ كالإلهام أو الإلقاء في الروع، والمنام في مثل قوله تعالى: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ [الصافات: 102]، بدلالة ردِّ ابنه إسماعيل عليه السلام عليه بقوله: افعل ما تؤمر، فهو وحي. الثاني: وحي الله لغير أنبيائه من البشر؛ كوحيه لأم موسى، في قوله: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَآدُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ [القصص: 7]. الثالث: وحي الله لملائكته، كما وقع في قصة بدر، في قوله تعالى: ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ [الأنفال: 12]. الرابع: وحي الله لبعض مخلوقاته غير العاقلة، كوحيه للنحل، في قوله تعالى ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ [النحل: 68]، ووحيه إلى السماء في قوله تعالى: ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾ [فصلت: 12]، ووحيه للأرض في قوله تعالى: ﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ [الزلزلة: 5] بحوث مقترحة في موضوع: الوحي 1 - وقع في تعريف الوحي اختلاف في ضابط الوحي، فبعضهم اكتفى بأنه (إعلام على وجه الخفاء)، وبعضهم زاد معنى السرعة، فجعله (إعلام على وجه الخفاء والسرعة)، ويمكن أن يقوم الطالب بالنظر في الأنواع المذكورة من الوحي، وينظر ما ينطبق من هذه الضوابط على الأنواع جميعاً، وما ينطبق على بعض دون بعض. 2 - من الموضوعات الطريفة في الوحي؛ جمع الأوصاف التي عبر عنها الصحابة حال الوحي لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الغطيط والإغماءة وتفصد العرق وغيرها