البحث

عبارات مقترحة:

السيد

كلمة (السيد) في اللغة صيغة مبالغة من السيادة أو السُّؤْدَد،...

الوكيل

كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...

العزيز

كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...

نزول القرآن

• علاقة هذا النوع بأنواع علوم القرآن الأخرى: يرتبط هذا النوع من أنواع علوم القرآن بالوحي، وبعلم (أسباب النُّزول)، وبعلم (المكي والمدني)، وبعلم (نزول القرآن على سبعة أحرف)، ووجه ارتباطه بها كونه لا نزول للقرآن إلا بالوحي، ولا سبب نزول بلا نزول، ولا مكي أو مدني بلا نزول، ولا يوجد حرف مقروء به إلا وهو نازل، فهو كالمقدمة لهذه الموضوعات. ابتداءُ النُّزول: كان نزول جبريل عليه السلام على رسول الله في غار حراء مؤذنٌ ببداية النبوة، وقد نزل بالآيات الخمس الأولى من سورة العلق، وهي قوله تعالى: ﴿اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَا وَرَبُّكَ الأَكَرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 1 - 5]. وقد أشارت ثلاث آيات إلى بداية النُّزول، وذلك قوله تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ *فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾ [الدخان: 3 - 4]، وقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر: 1]. وهذه الآيات في ظاهرها تشير إلى أول نزولٍ للقرآن على رسول الله ، وأنه كان في ليلة القدر من شهر رمضان، وهذا النُّزول على الرسول صلّى الله عليه وسلّم هو الذي يتعلق به هداية الناس في قوله تعالى: ﴿هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185]. النُّزول الجُملي: ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر: 1] أنه نزل إلى سماء الدنيا، فعن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما: في قوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ قال: «أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا، كان بموقع النجوم فكان الله ينْزله على رسول الله بعضه في إثر بعض، قال عزّ وجل: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾ [الفرقان: 32]». وهذا الخبر الغيبي الذي لا يُدرك إلا بالخبر قد صحَّ عن ابن عباس رضي الله عنهما (ت68هـ)، وليس له مخالفٌ من الصحابة، ولا يُحتمل أن يكون من مرويات بني إسرائيل؛ لأنه خبر إسلامي. ولا يقع فيه شبهة أن يكون من مرويات بني إسرائيل؛ لذا فإنه يُقبلُ ويُحتجُّ به. وهذا النُّزول الجملي لا يتعارض مع النُّزول الابتدائي على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولا مانع من أن يتفق النُّزولان في أن يكونا في ليلة القدر، فتكون الآية محتملة للأمرين معاً، ويكون ابن عباس رضي الله عنهما (ت68هـ) أراد التنبيه على هذا النوع من النُّزول الذي لا يدرك إلا بالخبر، بخلاف النوع الثاني الذي يدلُّ عليه ظاهر التَّنْزيل، والله أعلم. وهذا النُّزول الجملي لا تتعلق به أحكام سوى بيان شرف هذه الأمة وفضلها؛ إذ نزوله بهذه الصفة دون غيره من الكتب إيذان بتميُّزها عن غيرها، والله أعلم. ولما كان هذا النُّزول الجملي من المغيبات، فإنه يخرج عن السؤالات التكييفية، فالبحث في كيفية هذا النازل، وفي أحواله من ترتيبه وكيفية تدوينه، أو القول بنُزول آيات فيه لم يقع مضمونها؛ كل هذا من اقتحام كيفيات الغيبيات، وهو من المتشابه الكلي الذي لا يعلمه إلا الله، ولو رُدَّ مثل هذا بهذه الحجة لوقع الردُّ لبعض الغيبيات بمثلها، وذلك مما لا مجال للعقل فيه، فيؤمن به، ويُسلَّم له، واتباع ابن عباس رضي الله عنهما (ت68هـ) أولى من اتباع بعض المتأخرين ممن استشكل هذا الخبر. أما جبريل عليه السلام فكان يتلقاه مباشرة عن ربِّ العالمين بلا واسطة، لا كما وقع الوهم عند بعض العلماء، فظنَّ أن جبريل عليه السلام يأخذه من السفرة في بيت العزَّة فيُنجِّمه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم. فهذا النُّزول الجملي متعلق بأهل السماء الدنيا؛ إذ ليس فيه أثر يتعلق بأهل الأرض، أما ابتداء نزوله الذي قال الله فيه: ﴿هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185] فهو متعلق بأهل الأرض؛ لأن فيه هدايتهم كما نصت الآية. النُّزول المفرَّق: القرآن جزء من الوحي الذي كان ينْزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وكان من حكمة الله الخبير الموافقة لمواقع الأمور أن يجعل بعض القرآن متوافقاً في نزوله مع ما يحدث في أيام نبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم، بحيث يكون فيه حلٌّ لإشكالات تقع، وإرشادٌ في مسائل تحدث، وتثبيتٌ لقلب النبي صلّى الله عليه وسلّم في قضاء وقع. .. إلخ ذلك مما تقتضيه الحاجة من نزول بعض الآيات والسور. وقد تتابع تنْزيله على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم طوال فترة بعثته على حسب الخلاف الوارد في مدة نبوته (عشرين سنة، أو ثلاثٍ وعشرين سنة). النُّزول السنوي: هذا النوع من النُّزول مما لم يُشر إليه من كَتب في تنَزلات القرآن، وقد أشار إليه مقاتل بن سليمان (ت150هـ) في تفسيره لقوله تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾ [القدر: 1]، قال: «قوله: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ﴾ يعني القرآن؛ أنزله الله عزّ وجل من اللوح المحفوظ إلى سماء الدنيا، إلى السفرة ـ وهم الكتبة من الملائكة ـ وكان ينْزل تلك الليلة من الوحي على قدر ما ينْزل به جبريل عليه السلام على النبي صلّى الله عليه وسلّم في السنة كلها إلى مثلها من قابل، حتى نزل القرآن كله في ليلة القدر من شهر رمضان من السماء». وهذا المعنى الذي أشار إليه مقاتل من كونه ينْزل إلى السفرة في ليلة القدر من كل سنة إبَّان بعثة النبي صلّى الله عليه وسلّم ما سينْزل عليه خلال السنة = موافق لما قيل من أنَّ الله يقدِّر في ليلة القدر مقادير السنة الآتية، ويُنْزلها إلى الكتبة من الملائكة. فوائد تنجيم النُّزول: إنَّ الله سبحانه قادر على أن يكون كتابه على طريقة الكتب السابقة التي نزلت جملة واحدة؛ كالتوراة التي تضمنت التشريع (2)، والإنجيل الذي تضمَّن المواعظ، وأن يكون ما يحدث من الوقائع منصوصاً عليه بالنوع الآخر من الوحي، وهو السنة، كما هو الحال في بعض الأحكام التي حكم الله بها، وذكرها في السنة لا في القرآن، لكنه قد قضى ـ بعلمه الكامل وحكمته التامة ـ أن يكون نزول القرآن منجَّماً (مفرَّقاً) حسب الوقائع والأحداث، وأن يكون متضمناً لأنواع ما تضمنته الكتب السابقة من الشرع والوعظ والأخبار. ومن ثمَّ فإنَّ البحث في فوائد تنجيم القرآن ينطلق من هذا القَدَرِ الذي جعله الله للقرآن. ومن فوائد تنجيمه ما يأتي: 1 - تثبيت فؤاد الرسول بسبب ما يلاقيه من عنت المشركين، فينْزل القرآن عليه ليهبه ذلك التَّنَزل طمأنينةً وثباتاً، كما قال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً﴾ [الفرقان: 32]. وهذه الآية صريحة بفائدة تنجيمه على رسول الله . ولقد كان تأخر الوحي عن رسول الله يقلقه كثيرًا، حتى كاد يخاف انقطاعه كما حصل فيما ذُكِر من سبب نزول سورة الضحى، التي ورد فيها الطمأنة له برضى ربه عنه، فقال: ﴿مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى﴾ [الضحى: 3]. 2 - مواكبة الحوادث والمسائل التي تقع في عصر النبوة، إذ كان الوحي ينْزل بشأنها؛ إمَّا قرآنٌ، وإما غير ذلك، تلك الحوادث والمسائل هي أسباب النُّزول التي صارت علماً مهمّاً لمن أراد أن يفسر القرآن. 3 - التدرج في التشريع وبيان الأحكام والحدود، فالشريعة لم تنْزل جملة واحدة على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، بل كان ينْزل منها الشيء بعد الشيء من تفاصيل الأحكام والحدود حتى اكتملت الشريعة وتمَّ الدين. وإذا تأمَّلت هذه الفوائد وجدتَ ما نصَّ عليه القرآن من أن المراد تثبيت الرسول صلّى الله عليه وسلّم هي الفائدة العظمى في التنجيم؛ لأنه لا مانع عقلاً ولا واقعاً من بيان هذه الأحكام والحوادث بوحي غير القرآن الكريم، لكن هذه الفوائد ترتَّبت على تنجيم النُّزول فحسب، والله أعلم. إن قال قائل: ألم يلاق الأنبياء العنت من أقوامهم، فكيف وقع اختصاص التنجيم بالقرآن؟ والجواب: إن الدلائل التي سبقت الإشارة إليها في نزول كتب الله السابقة جملة والآيات التي ذكرت تنجيم القرآن على نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم تشير إلى هذا المعنى. ولا يخفى على القارئ أن الوحي قد ينْزل بغير الكتب، وهذا الطريق كثير في سِير الأنبياء، فتقع معالجة بعض الأمور به، وقد حصل ذلك لجميع الأنبياء بلا استثناء، والتدليل عليه أوضح من أن يُذكر، ويمكن النظر في سبب قصة موسى مع الخضر، وغيرها كثير. والمقصود أن نزول الوحي ـ عموماً ـ تثبيت للأنبياء، وكان في تنجيم القرآن مزيد اختصاص في تثبيت نبينا صلّى الله عليه وسلّم، والله أعلم كيفية إنزاله: لما ثبت النُّزول الجملي بقول ابن عباس رضي الله عنهما (ت68هـ) إلى سماء الدنيا = أوهم على بعض العلماء أن جبريل عليه السلام يأخذه من السفرة في بيت العزَّة، وقد دعا إلى ذلك اعتقادهم بالكلام النفسي، ونفيهم أن يكون الله تكلم بصوت وحرف يسمعه جبريل عليه السلام، ونقاش ذلك محله كتب العقائد، لكننا نثبت يقيناً أن الله تكلم بهذا الوحي، وسمعه جبريل عليه السلام من ربه، وأنزله على محمد صلّى الله عليه وسلّم كما سمعه لفظاً ومعنى، وليس له فيه إلا أداء الرسالة. وقد ورد الحديث ببيان كيفية سماع الوحي في السماء عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: إن نبي الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله؛ كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق وهو العلي الكبير» الحديث. وقال مسروق عن ابن مسعود رضي الله عنه: «إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات شيئاً فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق ونادوا: ماذا قال ربكم قالوا الحق». والقرآن من الوحي الذي يسمعه جبريل عليه السلام من ربه مباشرة بلا واسطة، وينْزل به على محمد صلّى الله عليه وسلّم، ولا شأن لغيرهما به، كما قال تعالى: ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ *بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ﴾ [الشعراء: 193 - 195]. أول ما نزل من القرآن: لم يقع خلاف بين العلماء في أن أول ما نزل من القرآن على الإطلاق هو أول خمس آيات من سورة العلق، فقد ثبت ذلك بالدليل الصريح، فعن محمد بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير أخبره أن عائشة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم قالت: (كان أول ما بدئ به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّبَ إليه الخلاء، فكان يلحق بغار حراء، فيتحنَّثُ فيه ـ قال والتَّحنُّثُ: التعبد ـ الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود بمثلها، حتى فَجَأَه الحقُّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك، فقال: اقرأ. فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ما أنا بقارئ. قال: فأخذني، فغطَّني حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارئ. فأخذني، فغطَّني الثانية حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني، فقال: اقرأ. قلت: ما أنا بقارىء. فأخذني، فغطَّني الثالثة حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني، فقال: ﴿اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ *خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ *اقْرَا وَرَبُّكَ الأَكَرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ *عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ [العلق: 1 - 5]. فرجع بها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ترجف بوادره حتى دخل على خديجة، فقال: «زَمِّلُوني زَمِّلُوني». فزمَّلوه حتى ذهب عنه الرَّوع. قال لخديجة: «أي خديجة، ما لي؟ لقد خشيت على نفسي». فأخبرها الخبر. قالت خديجة: كلا، أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً، فوالله إنك لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتَصْدُقُ الحديثَ، وتَحْمِلُ الكَلَّ، وتُكْسِبُ المعدومَ، وتَقْرِي الضيفَ، وتُعِينُ على نوائب الحقِّ. فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل ـ وهو ابن عم خديجة أخي أبيها، وكان امرأً تنَصَّر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب، وكان شيخّاً كبيراً قد عَمِيَ ـ فقالت خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك. قال ورقة: يا ابن أخي، ماذا ترى؟ فأخبره النبي خبر ما رأى. فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى. ليتني فيها جذعاً، ليتني أكون حيّاً ـ ذكر حرفاً ـ قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «أو مخرجي هم؟». قال ورقة: نعم، لم يأت رجل بما جئت به إلا أوذي، وإن يدركني يومك حيّاً أنصرك نصراً مؤزراً. ثم لم ينشب ورقة أن توفي، وفَتَرَ الوحيُ فترةً حتى حزن رسول الله وهذا صريح في أن أول نزولٍ للقرآن كان في غار حراء، وأن أول ما نزل منه هذه الآيات الخمس من أول سورة العلق. بيد أنه ورد عن جابر بن عبد الله المدني رضي الله عنهما خلاف ذلك، حيث جعل سورة المدثر أول ما نزل. روى البخاري بسنده عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يحدث عن فترة الوحي، فقال في حديثه: «فبينا أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء، فرفعت رأسي، فإذا المَلَكُ الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجثيت منه رعباً، فرجعت، فقلت: زَمِّلُوني زمِّلوني، فدثروني، فأنزل الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ *قُمْ فَأَنْذِرْ *وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ *وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ *وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ [المدثر: 1 - 5]». وفي رواية أخرى عن يحيى بن أبي كثير قال: «سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن عن أول ما نزل من القرآن قال: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ﴾. قلت: يقولون: ﴿اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾!. فقال أبو سلمة: سألت جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن ذلك، وقلت له مثل الذي قلت، فقال جابر: لا أحدثك إلا ما حدثنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: «جاورت بحراء، فلما قضيت جواري هبطت، فنوديت، فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاً، ونظرت أمامي فلم أر شيئاً، ونظرت خلفي فلم أر شيئاً، فرفعت رأسي فرأيت شيئاً، فأتيت خديجة، فقلت: دثروني وصبوا علي ماءً بارداً، قال: فدثروني وصبوا علي ماءً بارداً، قال: فنَزلت: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ *قُمْ فَأَنْذِرْ *وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾». وقد أشكل جواب جابرٍ رضي الله عنه هذا على حديث عائشة رضي الله عنها أن أول ما نزل من القرآن الآيات الخمس الأولى من سورة العلق، وقد خرَّجه العلماء بعدد من التخريجات، لكن بعضها فيه نظر، ومن أحسن ما يمكن أن يُجاب عنه في هذا المقام ما يأتي: أن جابراً لم يكن على علم بما نزل في غار حراء، وإن كان في حديثه إشارة إلى نزول جبريل عليه السلام على محمد صلّى الله عليه وسلّم في الغار، وإنما سمع حديثه عن نزول الملك بآيات سورة المدثر، ولم يكن قد ذُكر له نزول آيات قبل سورة المدثر، فحكم بأنها أول ما نزل. ومن التخريجات التي خُرِّج بها حديث جابر ـ وفيها نظر ـ ما يأتي: 1 - أن يكون السؤال وقع عن أول سورة كاملة، فأجاب جابرٌ رضي الله عنه بأنها سورة المدثر. وهذا التخريج لا يسلم؛ لأنه السؤال عن أول ما نزل، وليس فيه أول سورة نزلت فيمكن أن يُخرَّج بهذا التخريج احتمالاً. 2 - أن تكون الأولية مخصوصة؛ إما بما بعد فترة الوحي، وإما بالأمر بالإنذار. وهذا التخريج لا يسلم؛ لأن السؤال صريح في أنه عن أول ما نزل، وليس في الأثر ما يدل على الأولية المخصوصة، وكونه ورد في حديث جابر رضي الله عنه «سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو يحدث عن فترة الوحي» فإنه لا يدل على أن جابراً رضي الله عنه أراد الأولية المخصوصة؛ لأن السؤال كان مطلقاً عن أول ما نزل، ولم يكن عن أولية مخصوصة. والصحيح أن أول ما نزل على الإطلاق أول خمس آيات من سورة العلق، وأن أول ما نزل بعد فترة الوحي سورة المدثر، والله أعلم. مراجع مقترحة في موضوع: نزول القرآن 1 - «نزول القرآن»، لشيخ الإسلام ابن تيمية (ت728هـ). 2 - «الجواب الواضح المستقيم في كيفية نزول القرآن الكريم»، لمفتي المملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ (ت1389هـ). 3 - «نزول القرآن»، للأستاذ الدكتور محمد بن عبد الرحمن الشايع. والكتابة في هذا المبحث لا تكاد تختلف في كتب علوم القرآن سواءً أكانت متقدمة ـ كالبرهان والإتقان ـ أم كانت من كتب المعاصرين، سوى ما يذكره بعض المعاصرين من زيادات في بعض فوائد التنجيم. بحوث مقترحة في موضوع: نزول القرآن 1 - (دراسة أثر ابن عباس في النُّزول الجملي) وتكون دراسته من جهة السند، ومن جهة دلالة المتن وفوائده العلمية. 2 - دراسة الأوليات والآخريات النسبية، من قولهم: أول ما نزل، وقولهم: آخر ما نزل. 3 - ومن موضوعات نزول القرآن الاختلاف في أول ما نزل من القرآن، وقد بحثه كثيرون، وخلصوا إلى أن أول ما نزل على الإطلاق هو أول سورة العلق. وهناك أوليات نسبية مرتبطة ببعض الأحكام، وهي كثيرة، وفائدتها تظهر في معرفة (الناسخ والمنسوخ)، وفي معرفة (التدرج في التشريع).