الأول
(الأوَّل) كلمةٌ تدل على الترتيب، وهو اسمٌ من أسماء الله الحسنى،...
عن أنس رضي الله عنه قال: غاب عمي أنس بن النَّضْرِ رضي الله عنه عن قتال بدر، فقال: يا رسول الله، غِبْتُ عن أول قتال قاتلت المشركين، لئن الله أشهدني قتال المشركين لَيُرِيَنَّ الله ما أصنع. فلما كان يوم أُحُدٍ انْكَشَفَ المسلمون، فقال: اللَّهم أعْتَذِرُ إليك مما صنع هؤلاء - يعني: أصحابه - وأبرأُ إليك مما صنع هؤلاء - يعني: المشركين - ثم تقدم فاستقبله سعد بن معاذ، فقال: يا سعد بن معاذ، الجنَّة وربِّ الكعبة إنِّي أجِدُ ريحها من دونِ أُحُدٍ. قال سعد: فما استطعت يا رسول الله ما صنع! قال أنس: فوجدنا به بِضْعَا وثمانين ضربة بالسيف، أو طعنة بِرُمْح، أو رَمْيَة بسهم، ووجدناه قد قُتل ومَثَّل به المشركون فما عَرفه أحدٌ إلا أُختُه بِبَنَانِهِ. قال أنس: كنَّا نرى أو نَظُنُّ أن هذه الآية نزلت فيه وفي أشباهه: ﴿من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه﴾ [الأحزاب: 23] إلى آخرها.
[صحيح.] - [متفق عليه.]
يحكي أنس بن مالك أن أنس بن النَّضْرِ -عمه- لم يكن مع الرسول ﷺ في بدر، وذلك لأن غزوة بدر خرج إليها النبي ﷺ وهو لا يريد القتال، وإنما يريد عِير قريش وليس معه إلا ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، معهم سبعون بعيرا وفرسان يتعاقبون عليها، قال أنس بن النضر للنبي عليه الصلاة والسلام يبين له أنه لم يكن معه في أول قتال قاتل فيه المشركين، وقال: "لئن أدركت قتالًا ليُرينَّ الله ما أصنع". فلما كانت غزوة أحد، وهي بعد غزوة بدر بسنة وشهر، خرج الناس وقاتلوا مع النبي ﷺ، وصارت الدائرة في أول النهار للمسلمين، ولكن ترك الرماة منازلهم التي أنزلهم النبي ﷺ فيها حال لقاء العدو ونهاهم عن التحول عنها ، فلما انكسر المشركون وانهزموا نزل بعض أولئك القوم عن تلك المنازل ، فهجم فرسان المشركين على المسلمين من تلك الناحية ، واختلطوا بهم، انكشف المسلمون وفرَّ من فرَّ منهم، إلا أن أنسا رضي الله عنه تقدم إلى جهة الكفار وقال: (اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء) يعني أصحابه الذين فروا ، (وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء)، يعني المشركين من قتال النبي ومن معه من المؤمنين. وعندما تقدم رضي الله عنه استقبله سعد بن معاذ، فسأله إلى أين؟ قال: يا سعد، إني لأجد ريح الجنة دون أحد، وهذا وجدان حقيقي، ليس تخيلا أو توهما، ولكن من كرامة الله لهذا الرجل شم رائحة الجنة قبل أن يستشهد رضي الله عنه من أجل أن يقدم ولا يحجم، فتقدم فقاتل ، حتى قتل رضي الله عنه. قال سعد رضي الله عنه: فما استطعت يا رسول الله ما صنع! أي: أنه رضي الله عنه بذل مجهودا لا أقدر على مثله. ووجد فيه بضع وثمانون، ما بين ضربة بسيف، أو برمح، أو بسهم، حتى إنه قد تمزق جلده، فلم يعرفه أحد إلا أخته، لم تعرفه إلا ببنانه أي إصبعه ـ رضي الله عنه. فكان المسلمون يرون أن الله قد أنزل فيه وفي أشباهه هذه الآية: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) (الأحزاب: 23)، ولا شك أن هذا وأمثاله رضي الله عنهم يدخلون دخولا أوليا في هذه الآية، فإنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه، حيث قال أنس رضي الله عنه: والله ليُرينَّ الله ما أصنع، ففعل، فصنع صنعا لا يصنعه أحد إلا من مَنَّ الله عليه بمثله حتى استشهد.
قتال بدر | أي: غزوة بدر |
ليرين الله | أي: ليظهرن عملي لله فيراه كما أنه علمه من قبل، ويظهره للناس أيضًا، وهذا من باب الفأل وتمني الخير. |
انكشف المسلمون | تركوا أماكنهم وانهزموا. |
يوم أحد | غزوة أحد |
أحد | جيل قريب من المدينة. |
ريحها | رائحتها |
أبرأ | أتخلى وأتخلص |
بضعا | ما بين الثلاثة والعشرة. |
مثل به | نكل به: بجدع أنفه أو قطع أذنه ، أو غيرهما من الأعضاء. |
بنانه | أطراف الأصابع. |
أشباهه | الشبه: هو المثل. |