الوسوسة في الصلاة والطلاق والغيرة

عناصر الخطبة

  1. الوسوسة في الصلاة
  2. الوسوسة في الطلاق
  3. الوسوسة في الغيرة على محارم الله
اقتباس

ومن الوساوس في الصلاة رفع الصوت بالأذكار والقراءة، بحيث يشوش على من حوله فليس لأحد أن يجهر بالقراءة لا في الصلاة، ولا فى غير الصلاة، إذا كان غيره يصلي في المسجد وهو يؤذيهم بجهره، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: “خرج النبى صلى الله عليه وسلم على الناس وهم يصلون في رمضان ويجهرون بالقراءة فقال: أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة” رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح ..

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ [آل عمران:102] ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء:1] ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾.

أما بعد: فلا زال الحديث موصولاً عن الوسوسة فمن وساوس الشيطان ما يأمر به الموسوس بإعادة الصلاة بحجة ترك ركن فيها أو واجب أو ارتكاب محظور ويكون هذا ديدنه في أغلب أحواله ولم يشرع النبي صلى الله عليه وسلم الإعادة في هذه الحال وعلى ذلك يحمل النهي الوارد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تصلوا صلاةً في يوم مرتين" وفي رواية النسائي: "لا تعاد الصلاة في يوم مرتين" رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح. قال الإمام أحمد بن حنبل: "معنى الحديث أنْ يصلي الإنسان الفريضة ثم يقوم فيصليها ثانية ينوي بها الفرض مرة أخرى، يعتقد ذلك، فأمَّا إذا صلاها مع الإمام على أنَّها سنة تطوع فليس بإعادة للصلاة لكن إن كانت الإعادة لخلل محقق؛ إما بترك شرط من شروطها؛ مثل الصلاة بغير طهارة، أو بترك ركن من أركانها، مثل الطمأنينة، أو بترك واجب متعمداً،مثل التشهد الأول، فالإعادة واجبة".

ومن وساوس الشيطان في الصلاة تشديد الشيطان على البعض في النطق في القراءة والأذكار. فتجد الموسوس في كرب وشدة أثناء القراءة والتكبير، فيعيد المرة والثانية وهكذا معتقداً أنَّه لم يأتِ بالمشروع، فشدد الموسوس على نفسه؛ فشُدِد عليه وعرَّض عبادته للفساد أو نقصان الأجر.

ومن الوساوس في الصلاة رفع الصوت بالأذكار والقراءة، بحيث يشوش على من حوله فليس لأحد أن يجهر بالقراءة لا في الصلاة، ولا فى غير الصلاة، إذا كان غيره يصلي في المسجد وهو يؤذيهم بجهره، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "خرج النبى صلى الله عليه وسلم على الناس وهم يصلون في رمضان ويجهرون بالقراءة فقال: أيها الناس كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القراءة" رواه أحمد وغيره بإسناد صحيح.

ومن وساوس الشيطان الوسوسة في النية فالنية القصد والعزم على فعل الشيء، ومحلها القلب، لا تعلق لها باللسان أصلاً، ولذلك لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه في النية لفظ؛ فلم يكونوا يقولون عند افتتاح الطهارة نويت رفع الحدث أو استباحة الصلاة،وكذلك لم ينقل عنهم مثل ذلك في الصلاة وسائر العبادات .وإنَّما النية قصد فعل الشيء، فكل عازم على فعل فهو ناوٍ له، لا يتصور انفكاك ذلك عن النية لأنَّه حقيقتها فلا يتصور عدمها في حال وجودها، فمن قعد ليتوضأ فقد نوى الوضوء، ومن قام ليصلي فقد نوى الصلاة، ولا يكاد عاقل يفعل شيئاً من عباداته ولا غيرها بغير نية؛ فالنية أمر لازم لأفعال الإنسان المقصودة لا تحتاج إلى تعب ولاتحصيل؛ ولو أراد إخلاء أفعاله الاختيارية عن نية لعجز عن ذلك، ولو كلفه الله -عزَّ وجلَّ- الصلاة والوضوء بغير نية لكلفه ما لا يطيقه ولا يدخل تحت وسعه، وما كان هكذا فما وجه التعب في تحصيله، فمن قام ليصلي صلاة الظهر مثلاً خلف الإمام فكيف يشك في ذلك ولو دعاه داعٍ إلى شغل في تلك الحال لقال إنَّي مشغول أريد صلاة الظهر، ولو قال له قائل في وقت خروجه إلى الصلاة: أين تمضي؟ لقال: أريد أن أصلي صلاة الظهر مع الإمام، فكيف يشك عاقل في هذا من نفسه وهو يعلمه يقيناً؛ بل أنَّ غيره يعلم نيته بقرائن أحواله فإنَّه إذا رُئي إنسانٌ جالسٌ في الصف في وقت الصلاة عند اجتماع الناس عُلِم أنَّه منتظر للصلاة، وإذا رُئِي قد قام عند إقامتها ونهوض الناس إليها عُلِم أنَّه قام ليصلي، فإن تقدم بين يدي المأمومين عُلِم أنَّه يريد إمامتهم، فإن رُئي في الصف عُلِم أنَّه يريد الائتمام بذلك الإمام، ومن رأى إنساناً في مكان الوضوء عند حضور الصلاة غلب على ظنَّه أنه يريد الوضوء فإن رآه قد شمَّر أكمامه، وفتح صنبور الماء، وشرع في غسل يديه علم إرادته الوضوء ونيته إياه؛ فإذا كان غيره يعلم نيته الباطنة بما ظهر من قرائن الأحوال فكيف يجهلها هو من نفسه مع اطلاعه على باطنه وظاهره؟ هذا من المحال وقبوله من الشيطان.

ثم إنَّ النية الحاصلة لا يمكن تحصيلها، والموجود لا يمكن إيجاده؛ لأنَّ من شرط إيجاد الشيء كونه معدوماً. فإن إيجاد الموجود محال وإذا كان كذلك فما يحصل له بوقوفه شيء في أول الصلاة استحضاراً للنية، ومن العجب أنَّه يوسوس حال قيامه حتى يركع الإمام فإذا خشي فوات الركوع كبر سريعاً وأدركه، فمن لم تحصل له النية في القيام الطويل حال فراغ باله كيف حصلت في الوقت الضيق مع انشغال باله بفوات الركعة.

ومن وسوسة الشيطان ما يراه النائم في منامه من الأحلام التي تزعجه ويغتم بها، وربما نكدت عليه صفو حياته وأشغلت ذهنه؛ وهي لا تعدو أنْ تكون من تلاعب الشيطان به ليحزنه بها .فعن جابر رضي الله عنه قال: "جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: رأيت في المنام كأنَّ رأسي ضُرب فتدحرج فاشتددت على أَثَرِه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: "لا تحدث الناس بتَلَعُّب الشيطان بك في منامك" رواه مسلم فإذا تحصن العبد بالذكر العام الطارد للشيطان، والذكر الخاص عند النوم؛ عجز الشيطان عن وسوسته وعن تحزينه في منامه بإذن الله .

فهذا لدفعه قبل وقوعه فلا يسلط عليه في منامه. أما إذا وقع ورأى ما يكرهه فيشرع له ما رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف قال: "لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني، حتى سمعت أبا قتادة رضي الله عنه يقول: وأنا كنت لأرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الرؤيا الحسنة من الله فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث به إلا من يحب وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها ومن شر الشيطان، وليتفل عن يساره ثلاثاً ولا يحدث بها أحداً فإنَّها لن تضره" رواه البخاري ومسلم.

وعن جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثاً، وليستعذ بالله من الشيطان ثلاثاً؛ وليتحول عن جنبه الذي كان عليه" رواه مسلم. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم النائم إذا رأى ما يكرهه أن ينفث عن يساره ثلاثاً، وأنْ يستعيذ بالله من شرها ومن شر الشيطان ثلاثاً، وأنْ يتحول إلى جنبه الآخر ولايحدث بها أحداً، فإذا فعل ذلك لم تضره فهذا يدفع شرها بإذن الله؛ فالله تعالى جعل هذه الأشياء المأمور بها سبباً لسلامته من مكروه يترتب على الحلم كما جعل الصدقة وقاية للمال وسبباً لدفع البلاء.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وأزواجه وذريته الطيبين الطاهرين ومن اهتدى بهديهم إلى يوم الدين.

وبعد: من وساوس الشيطان الوسوسة في الطلاق، والموسوس لا يلزمه طلاق، لأنَّ الوسوسة حديث النفس. ولا مؤاخذة بحديث النفس، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الله تجاوز لي عن أمتي ما وسوست به صدورها ما لم تعمل أو تكلم" البخاري .قال الحافظ ابن حجر: "هذا الحديث حجة في أنَّ الموسوس لا يقع طلاقه. وقد استدل به أهل العلم على عدم صحة طلاق الموسوس؛ فالرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يقع الطلاق حتى يتكلم به" روى عبد الرزاق بإسناد صحيح أنَّ رجلاً يذكر لسعيد بن جبير ابنة عم له، وأنَّ الشيطان يوسوس إليه بطلاقها؛ فقال له سعيد بن جبير: "ليس عليك من ذلك بأس حتى تكلم به أو تشهد عليه" قال ابن القيم:الموسوس لايقع طلاقه لعدم صحة العقل منه والإرادة.

ومن وساوس الشيطان الغَيْرَة المذمومة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من الغَيْرَة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما التي يحبها الله فالغَيْرَة في الريبة، وأما الغَيْرَة التي يبغضها الله فالغَيْرَة في غير ريبة" حديث صحيح رواه جمع من الصحابة. فالله يحب الغَيْرَة، وذلك في الريبة وهي أن يُطْلَع على شيء يريب فالغَيْرَة المحبوبة هي ما وافقت غَيْرَة الله تعالى، وهي أن تؤتى الفواحش الباطنة ومن لا يغار فهو ديوث. وأشرف الناس وأعلاهم قدراً وهمة، أشدهم غَيْرَة على نفسه وخاصته وعموم الناس؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أغير الخلق علي الأمة والله سبحانه أشد غَيْرَة منه فعن المغَيْرَة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال سعد بن عبادة رضي الله عنه: "لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير ُمصْفِح" فبلغ ذلك رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم أتعجبون من غَيْرَة سعد؟! واللهِ لأنا أغيرُ منه، والله أَغْيَرُ مني. ومن أجل غَيْرَة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين ولا أحد أحب إليه المِدْحَة من الله ومن أجل ذلك وعد الله الجنة" رواه البخاري ومسلم. وفي حديث عائشة رضي الله عنها: "يا أمة محمد! والله ما من أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته، يا أمة محمد والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً" رواه البخاري ومسلم.

فالغَيْرَة التي يبغضها الله الغَيْرَة في غير ريبة؛ التي يحمل عليها سوء الظن فهي من وسوسة الشيطان، وهذه الغَيْرَة تفسد المحبة وتوقع العداوة ويؤذي بها أهله وربما كانت سبباً في الفرقة.

و مما يلبس به الشيطان على الموسوس أنَّ ما يفعله ليس وسوسة، بل هو احتياط وهو خير من التساهل والاسترسال؛ حتى لا يبالي العبد بدينه ولا يحتاط له، فيفضي غالباً إلى النقص من الواجب والدخول في المحرم.

وكلا الأمرين مذموم؛ فهذا تفريط، وهذا غلو ومجاوزة المشروع. وقد ورد ذم المفرِّط وتُوعِد على تفريطه . وكذلك ورد النهي عن الغلو في الدين والإخبار بهلاك المتنطعين، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون قالها ثلاثاً" رواه مسلم.

فالاحتياط المشروع هو الاستقصاء والمبالغة في اتباع السنة وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، من غير غلو ومجاوزة ولا تقصير ولا تفريط. فهذا هو الاحتياط الذي يرضاه الله ورسوله، وأمَّا الوسوسة فهي ابتداع ما لم تأت به السنة ولم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الصحابة، فمثلاً: منْ لايصلي إلا على سجادة، ويتحرز عن الصلاة في أماكن لم ينه الشارع عن الصلاة فيها، فكيف يكون هذا احتياطاً؟! وهو خلاف فعله صلى الله عليه وسلم حيث يصلي حيث أدركته الصلاة " كما في حديث أنس بن مالك في الصحيحين. وخلاف أمره حيث قال صلى الله عليه وسلم في حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: "فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل حيث كان" رواه البخاري ومسلم.

وفي نهاية المطاف من الكلام على بعض مظاهر الوسوسة أقول من أراد التخلص من هذه البلية؛ فليستشعر أنَّ الحق في اتباع رسول الله في قوله وفعله وليعزم على سلوك طريقته، عزيمة من لا يشك في أنَّه صلى الله عليه وسلم على الهدى المستقيم، وأنَّ ما خالفه من تسويل إبليس ووسوسته. ويوقن أنَّه عدو له لا يدعو إلى خير، ولا يرشد إلى طائل ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ [فاطر:6]، وليترك التعريج على كل ما خالف طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم كائناً ما كان، فلا شك أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على الصراط المستقيم، ومن شك في هذا فليس بمسلم، ومن علم هذا فإلى أين العدول عن سنته؟! وأي شيء يبتغي غير طريقته؟ وليقل لنفسه ألست تعلمين أنَّ طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصراط المستقيم؛ فإنَّها ستقول: بلى، فقل فهل كان يفعل هذا؟ فستقول: لا، فقل لها: فهل عندك شك في هذين الأمرين ؟ فهل بعد الحق إلا الضلال؟! وهل بعد طريق الجنة إلا طريق النار؟! وهل بعد سبيل الله وسبيل رسوله إلا سبيل الشيطان؟! ولينظر أحوال السلف في متابعتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليقتد بهم ولْيَحْتَذِ طريقهم، ثم ليعلم أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ما كان فيهم موسوس. ولو كانت الوسوسة فضيلة لما ادخرها الله عن رسوله وصحابته وهم خير الخلق وأفضلهم.

 

بطاقة المادة

المؤلف أحمد عبدالرحمن الزومان
القسم خطب الجمعة
النوع مقروء
اللغة العربية