الجبار
الجَبْرُ في اللغة عكسُ الكسرِ، وهو التسويةُ، والإجبار القهر،...
إنسان ذكر أوحي إليه بشرع، ولم يؤمر بتبليغه . وقيل أن النبي من كان يعمل بشريعة من قبله، ولم يرسل هو إلى أحد يبلغه عن الله رسالته؛ فمن أنبأه الله بخبر السماء أن يبلغ غيره، فهو نبي رسول، وإن لم يأمره أن يبلغ غيره، فهو نبي، وليس برسول . قال تعالى : ﱫﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﱪ النساء :163، وقال تعالى : ﱫﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏﱪ الحج :52نظر : النبوات لابن تيمية، 2/714، شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي، 1/155، التعريفات للجرجاني، ص :239، شرح ابن قاسم على متن أبي شجاع، ص
المخبر عن الله تعالى، فعيل من النبأ، وهو: الخبر والعلم، وقيل: الخبر ذو الفائدة العظيمة، يقال: نبأ ونبأ وأنبأ بالشيء، أي: أخبر وخبر به. والإنباء: الإخبار والإعلام عن الشيء قبل وقت ظهوره. وقيل: أصل النبي من النبوة والنبوء، وهو: العلو والارتفاع، تقول: نبأ نبأ ونبوء، أي: ارتفع. والنبيء والنبي: العالي المرتفع، ومنه سمي النبي نبيا؛ لإخباره عن الله، ولرفعة قدره في الدنيا والآخرة. وجمعه: أنبياء.
يرد مصطلح (نبي) في مواطن عديدة من كتب العقيدة، منها: باب: توحيد الألوهية، وباب: توحيد الربوبية، وفي باب: مسائل القدر، وباب: الفرق والأديان، وغير ذلك من الأبواب. وقد يطلق في الفقه في مواطن كثيرة، ويراد به: رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم.
نبو
إنسان ذكر أوحي إليه بشرع، ولم يؤمر بتبليغه.
* تهذيب اللغة : (15/349)
* مقاييس اللغة : (5/385)
* المحكم والمحيط الأعظم : (10/487)
* لوامع الأنوار البهية : (1/49)
* الكليات : (ص 1452)
* دستور العلماء : (3/272)
* النبوات : (ص 255)
* النبوات : (ص 336)
* تفسير القرطبي : (7/298)
* لوامع الأنوار البهية : (2/266)
* النبوات : (ص 281)
* الرسل والرسالات : (ص 82)
* لسان العرب : (1/162)
* تاج العروس : (1/445) -
التَّعْرِيفُ:
1 - النَّبِيُّ لُغَةً فَعِيلٌ مِنَ الإِْنْبَاءِ، وَهُوَ الإِْخْبَارُ، وَالنَّبِيءُ فَعِيلٌ مَهْمُوزٌ؛ لأَِنَّهُ أَنْبَأَ عَنِ اللَّهِ أَيْ أَخْبَرَ، وَالإِْبْدَال وَالإِْدْغَامُ لُغَةٌ فَاشِيَةٌ، وَقُرِئَ بِهِمَا فِي السَّبْعَةِ (1) .
وَالنَّبِيُّ فِي الاِصْطِلاَحِ: قَال عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ: النَّبِيُّ كُل مَنْ نَزَل عَلَيْهِ الْوَحْيُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ مَلَكٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ، وَكَانَ مُؤَيَّدًا بِنَوْعٍ مِنَ الْكَرَامَاتِ النَّاقِضَةِ لِلْعَادَاتِ (2) .
وَلَيْسَ كُل مَنْ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ شَيْئًا يَكُونُ نَبِيًّا، لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْل (3) وَقَوْلِهِ: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أرْضِعِيهِ (4) وَقَوْلُهُ: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي (5) قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: لأَِنَّ هَؤُلاَءِ الْمُحَدَّثِينَ الْمُلْهَمِينَ الْمُخَاطَبِينَ يُوحَى إِلَيْهِمْ وَلَيْسُوا بِأَنْبِيَاءَ مَعْصُومِينَ مُصَدَّقِينَ فِي كُل مَا يَقَعُ لَهُمْ (6) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الرَّسُول:
2 - الرَّسُول فِي اللُّغَةِ: الْمُرْسَل، وَيُسْتَعْمَل لِلْمُذَكَّرِ وَالْمُؤَنَّثِ وَالْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ، وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيزِ: إِنَّا رَسُول رَبِّ الْعَالَمِينَ (7) وَيُجْمَعُ أَيْضًا عَلَى رُسُلٍ وَأَرْسُلٍ (8) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: الرَّسُول إِنْسَانٌ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى الْخَلْقِ لِتَبْلِيغِ الأَْحْكَامِ (9) .
وَالرَّسُول أَخَصُّ مِنَ النَّبِيِّ، قَال الْكَلْبِيُّ وَالْفَرَّاءُ: كُل رَسُولٍ نَبِيٌّ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ (10) .
عَدَدُ الأَْنْبِيَاءِ وَالرُّسُل عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ:
3 - ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بَعْضَ الرُّسُل بِأَسْمَائِهِمْ فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ، مِنْهُمْ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ رَسُولاً ذُكِرُوا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِسْمَاعِيل وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (11) ، وَذَكَرَ سَبْعَةً آخَرِينَ فِي مَوَاضِعَ أُخْرَى هُمْ: آدَمُ وَإِدْرِيسُ وَهُودٌ وَصَالِحٌ وَشُعَيْبٌ وَذُو الْكِفْل وَمُحَمَّدٌ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلاَمُهُ.
وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ هُنَاكَ رُسُلاً آخَرِينَ، وَذَلِكَ حَيْثُ قَال: وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْل وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ (12) ، وَقَال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ (13) .
آخِرُ الأَْنْبِيَاءِ:
4 - آخِرُ الأَْنْبِيَاءِ بَعْثَةً مُحَمَّدٌ ﷺ وَذَلِكَ أَمْرٌ إِجْمَاعِيٌّ، وَيَدُل عَلَيْهِ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: " إِنَّ مَثَلِي وَمَثَل الأَْنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَل رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَل النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ! ! قَال: فَأَنَا اللَّبِنَةُ، وَأَنَا خَاتَمُ النَّبِيِّينَ " (14) .
أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُل:
5 - ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُل فِي قَوْلِهِ: فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُل (15) ، وَالْمُرَادُ بِالْعَزْمِ الْقُوَّةُ وَالشِّدَّةُ وَالْحَزْمُ وَالتَّصْمِيمُ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْلاَءِ كَلِمَتِهِ، وَعَدَمُ التَّهَاوُنِ فِي ذَلِكَ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَحْدِيدِ مَنْ هُمْ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُل عَلَى قَوْلَيْنِ:
الأَْوَّل: أَنَّهُمْ جَمِيعُ الرُّسُل، أَوْ أَنَّهُمْ جَمِيعُ الرُّسُل مَا عَدَا يُونُسَ بْنَ مَتَّى، لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَال: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلاَ تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ (16) ، وَقِيل: إِنَّ آدَمَ أَيْضًا لَيْسَ مِنْهُمْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْل فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (17) .
الثَّانِي: أَنَّهُمْ بَعْضُ الرُّسُل، ثُمَّ اخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ أَسْمَائِهِمْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ أَقْوَالٍ: أَشْهَرُهَا مَا قَالَهُ مُجَاهِدٌ: هُمْ خَمْسَةٌ: نُوحٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَمُوسَى وَعِيسَى وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ (18) .
ذِكْرُ مَنِ اخْتُلِفَ فِي كَوْنِهِ نَبِيًّا:
مِمَّنِ اخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ:
أ - الْخَضِرُ:
6 - الْخَضِرُ هُوَ صَاحِبُ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ، وَقَدْ ذُكِرَتْ قِصَّتُهُ مَعَهُ فِي سُورَةِ الْكَهْفِ، وَهُوَ مَعْدُودٌ فِي الأَْنْبِيَاءِ غَيْرِ الْمُجْمَعِ عَلَى نُبُوَّتِهِمْ (19) ، قَال الْقُرْطُبِيُّ: الْخَضِرُ نَبِيٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَقِيل: هُوَ عَبْدٌ صَالِحٌ غَيْرُ نَبِيٍّ، وَالآْيَةُ - يَعْنِي قَوْلَهُ تَعَالَى: آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (20) تَشْهَدُ بِنُبُوَّتِهِ، قَال: وَقَوْلُهُ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُ: وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي (21) يَقْتَضِي أَنَّهُ نَبِيٌّ (22) . ب - لُقْمَانُ:
7 - لُقْمَانُ هُوَ الْمَذْكُورُ فِي السُّورَةِ الْمُسَمَّاةِ بِاسْمِهِ، وَقَدْ قَال بِنُبُوَّتِهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ، قَال ابْنُ كَثِيرٍ: كَانَ جُمْهُورُ السَّلَفِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا، وَإِنَّمَا يُنْقَل كَوْنُهُ نَبِيًّا عَنْ عِكْرِمَةَ (23) .
ج - ذُو الْكِفْل:
8 - ذُو الْكِفْل هُوَ الَّذِي قَال اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ فِي سُورَةِ الأَْنْبِيَاءِ: وَإِسْمَاعِيل وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْل كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ (24) ، قَال ابْنُ كَثِيرٍ: الظَّاهِرُ مِنْ ذِكْرِهِ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ مَقْرُونًا مَعَ هَؤُلاَءِ السَّادَةِ الأَْنْبِيَاءِ أَنَّهُ نَبِيٌّ، قَال: وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ. وَقَدْ زَعَمَ آخَرُونَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيًّا وَإِنَّمَا كَانَ رَجُلاً صَالِحًا، وَحَكَمًا مُقْسِطًا عَادِلاً، قَال: وَتَوَقَّفَ ابْنُ جَرِيرٍ فِي ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ (25) .
د - عُزَيْرٌ:
9 - قَال ابْنُ كَثِيرٍ: الْمَشْهُورُ أَنَّ عُزَيْرًا نَبِيٌّ مِنْ أَنْبِيَاءِ بَنِي إِسْرَائِيل (26) . الأَْحْكَامُ الْخَاصَّةُ بِالأَْنْبِيَاءِ:
10 - الأَْنْبِيَاءُ مُكَلَّفُونَ كَغَيْرِهِمْ مِنَ الْبَشَرِ، فَمَا شُرِعَ فِي حَقِّ أُمَمِهِمْ فَهُوَ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّهِمْ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُنَاكَ أَحْكَامٌ تَخُصُّهُمْ مِنْهَا:
أ - تَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ:
11 - اخْتَصَّ النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ ﷺ بِتَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ فَرْضًا أَوْ تَطَوُّعًا، قَال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: " إِنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَنْبَغِي لآِل مُحَمَّدٍ، إِنَّمَا هِيَ أَوْسَاخُ النَّاسِ " (27) ، وَجَاءَ فِي نَعْتِهِ ﷺ أَنَّهُ يَأْكُل الْهَدِيَّةَ وَلاَ يَأْكُل الصَّدَقَةَ (28) .
وَقَدْ نَصَّ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا قَال الْقَلْيُوبِيُّ: أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَقَبُولُهَا جَائِزٌ إِلاَّ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَلاَ تَحِل لَهُ، قَال: وَالظَّاهِرُ عَدَمُ الْحِل أَيْضًا فِي سَائِرِ الأَْنْبِيَاءِ (29) . ب - أَمْوَالُهُمْ لاَ تُورَثُ عَنْهُمْ بَل تَكُونُ صَدَقَةً بَعْدَهُمْ:
12 - دَل عَلَى ذَلِكَ الْحَدِيثُ: " لاَ تَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمُؤْنَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ " (30) ، وَالْحَدِيثُ الآْخَرُ: " إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الأَْنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الأَْنْبِيَاءَ لَمْ يُورِّثُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا، وَرَّثُوا الْعِلْمَ " (31) ، قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى صَانَ الأَْنْبِيَاءَ أَنْ يُورِّثُوا دُنْيَا، لِئَلاَّ يَكُونَ ذَلِكَ شُبْهَةً لِمَنْ يَقْدَحُ فِي نُبُوَّتِهِمْ بِأَنَّهُمْ طَلَبُوا الدُّنْيَا وَوَرَّثُوهَا لِوَرَثَتِهِمْ.
وَفِي قَوْلٍ: إِنَّ هَذِهِ خَاصِّيَّةٌ لِنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ وَحْدَهُ، فَلَيْسَتْ لِغَيْرِهِ مِنَ الأَْنْبِيَاءِ.
وَهَذَا قَوْل ابْنِ عَطِيَّةَ، كَمَا فِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ، قَال: وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ نُورَثُ مِنْ بَابِ تَعْبِيرِ الْوَاحِدِ عَنْ نَفْسِهِ بِصِيغَةِ الْجَمْعِ (32) ، وَاحْتَجَّ بِظَاهِرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ (33) وَقَال حَاكِيًا عَنْ زَكَرِيَّا عَلَيْهِ السَّلاَمُ: فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آل يَعْقُوبَ (34) .
ج - لاَ يُدْفَنُ نَبِيٌّ إِلاَّ حَيْثُ قُبِضَ:
13 - يُدْفَنُ النَّبِيُّ حَيْثُ قُبِضَ؛ لِحَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ ﵁ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ ﷺ يَقُول: " مَا دُفِنَ نَبِيٌّ قَطُّ إِلاَّ فِي مَكَانِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ ". فَحُفِرَ لَهُ ﷺ فِي مَكَانِهِ (35) .
الأَْحْكَامُ الثَّابِتَةُ عَلَى الأُْمَّةِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالأَْنْبِيَاءِ:
أ - وُجُوبُ الإِْيمَانِ بِنُبُوَّتِهِمْ وَرِسَالَةِ الرُّسُل مِنْهُمْ:
14 - يَجِبُ عَلَى كُل مُكَلَّفٍ مِنْ هَذِهِ الأُْمَّةِ أَنْ يُؤْمِنَ بِمَنِ اخْتَارَهُمُ اللَّهُ لِنُبُوَّتِهِ وَاصْطَفَاهُمْ لِرِسَالَتِهِ، وَالإِْيمَانُ بِهِمْ عَلَى دَرَجَتَيْنِ: إِيمَانٌ مُجْمَلٌ: بِأَنْ يُؤْمِنَ بِكُل نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ إِجْمَالاً، سَوَاءٌ مَنْ عَلِمَ اسْمَهُ أَوْ جَهِلَهُ.
وَإِيمَانٌ مُفَصَّلٌ: وَذَلِكَ بِأَنْ يُؤْمِنَ بِأَنَّ نُوحًا بِعَيْنِهِ نَبِيٌّ وَرَسُولٌ، وَكَذَا إِبْرَاهِيمُ وَسَائِرُ الأَْنْبِيَاءِ الْمَقْطُوعِ بِنُبُوَّتِهِمْ.
وَيَشْمَل الأَْمْرَيْنِ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِل إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِل إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَْسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (36) .
فَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِهِمْ عَلَى الإِْجْمَال، أَوْ شَكَّ فِي نُبُوَّةِ بَعْضِ الْمُجْمَعِ عَلَى نُبُوَّتِهِمْ فَهُوَ كَافِرٌ.
أَمَّا مَنْ شَكَّ فِي بَعْضِ مَنْ لَمْ يُجْمَعْ عَلَى نَبُّوتِهِمْ كَالْخَضِرِ وَلُقْمَانَ فَلاَ يَكْفُرُ؛ لِعَدَمِ الْقَطْعِ بِنُبُوَّتِهِمْ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لَمَّا كَانَ عَدَدُ الأَْنْبِيَاءِ غَيْرَ مَعْلُومٍ عَلَى الْقَطْعِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُول: آمَنْتُ بِجَمِيعِ الأَْنْبِيَاءِ أَوَّلُهُمْ آدَمُ، وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ، فَلاَ يَجِبُ اعْتِقَادُ أَنَّهُمْ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا، وَأَنَّ الرُّسُل مِنْهُمْ ثَلاَثُمِائَةٍ وَثَلاَثَةَ عَشَرَ، لأَِنَّهُ خَبَرُ آحَادٍ (37) . ب - طَاعَةُ الأَْنْبِيَاءِ وَمُتَابَعَتُهُمْ وَمَحَبَّتُهُمْ:
15 - يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ طَاعَةُ مَنْ بُعِثَ إِلَيْهِمْ مِنَ الأَْنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ فِيمَا يَأْمُرُونَهُمْ بِهِ، لأَِنَّهُمْ إِنَّمَا يَأْمُرُونَ بِمَا يَأْمُرُ اللَّهُ بِهِ.
وَقَدْ كَانَ الأَْنْبِيَاءُ وَالرُّسُل قَبْل مُحَمَّدٍ ﷺ يُبْعَثُ كُل رَسُولٍ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، فَرِسَالَةُ نُوحٍ إِلَى قَوْمِهِ، وَرِسَالَةُ هُودٍ إِلَى عَادٍ، وَرِسَالَةُ صَالِحٍ إِلَى ثَمُودَ، وَرِسَالَةُ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ بَنِي إِسْرَائِيل خَاصَّةً، وَلَمْ يَكُنْ غَيْرُ الإِْسْرَائِيلِيِّينَ مُكَلَّفِينَ بِطَاعَةِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ وَاتِّبَاعِهِ، كَمَا قَال تَعَالَى: لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ (38) ، وَقَال: وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا (39) ، وَقَال: وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا (40) ، وَقَال: وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا (41) ، وَقَال: وَإِذْ قَال مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُول اللَّهِ إِلَيْكُمْ (42) ، وَقَال تَعَالَى فِي حَقِّ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ: وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيل (43) . أَمَّا رِسَالَةُ مُحَمَّدٍ ﷺ فَهِيَ عَامَّةٌ، فَمَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ سَمِعَ بِدَعْوَتِهِ إِلاَّ هُوَ مُكَلَّفٌ بِالإِْيمَانِ بِهِ وَاتِّبَاعِهِ وَطَاعَتِهِ وَالدُّخُول فِي دِينِ الإِْسْلاَمِ وَالْتِزَامِ أَحْكَامِهِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى لَهُ: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (44) ، وَقَال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا (45) ، وَقَال النَّبِيُّ ﷺ: " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي. . . " فَذَكَرَ مِنْهَا: " كَانَ كُل نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى كُل أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ " (46) ، وَلَيْسَ لأَِحَدٍ مِنْ أَتْبَاعِ الدِّيَانَاتِ السَّابِقَةِ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِدِيَانَتِهِ وَيَكْتَفِيَ بِهَا، بَل عَلَيْهِ اتِّبَاعُ مُحَمَّدٍ ﷺ وَالإِْيمَانُ بِهِ، فَإِنْ فَعَل ذَلِكَ كَانَ لَهُ أَجْرُ مَرَّتَيْنِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّ جَمَاعَةٍ مِنْ عُلَمَاءِ النَّصَارَى قَدِمُوا مَعَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ ﵁ مِنَ الْحَبَشَةِ وَأَسْلَمُوا (47) : الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ أُولَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا (48) وَقَال النَّبِيُّ ﷺ: " ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْل الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ، وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ ﷺ فَآمَنَ بِهِ وَصَدَّقَهُ وَاتَّبَعَهُ، فَلَهُ أَجْرَانِ " (49) .
وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ ﷺ مُكَلَّفًا بِالرُّجُوعِ إِلَى كُتُبِ الدِّيَانَاتِ السَّابِقَةِ لاِسْتِمْدَادِ الأَْحْكَامِ مِنْهَا وَالْعَمَل بِمَا فِيهَا، إِلاَّ أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ أَحْكَامِ تِلْكَ الدِّيَانَاتِ فِي الْقُرْآنِ أَوِ السُّنَّةِ فَنَحْنُ مُتَعَبِّدُونَ بِهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ خِلاَفًا لِلشَّافِعِيَّةِ (ر: نُبُوَّة، شَرْع مَنْ قَبْلَنَا ف 3) .
ج - وُجُوبُ تَوْقِيرِ الأَْنْبِيَاءِ:
16 - يَجِبُ عَلَى كُل مُكَلَّفٍ تَوْقِيرُ الأَْنْبِيَاءِ وَهُوَ تَعْظِيمُهُمْ وَإِكْرَامُ ذِكْرِهُمْ وَتَجَنُّبُ أَيِّ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ يَغُضُّ مِنْ أَقْدَارِهِمْ، وَمِنْ هُنَا قَال النَّبِيُّ ﷺ: " لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى " (50) أَيْ لِمَا يُوحِي بِهِ التَّفْضِيل عَلَيْهِ مِنْ غَضٍّ لِمَقَامِهِ، قَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: حُقُوقُ الأَْنْبِيَاءِ فِي تَعْزِيرِهِمْ وَتَوْقِيرِهِمْ وَمَحَبَّتِهِمْ مَحَبَّةٌ مُقَدَّمَةٌ عَلَى مَحَبَّةِ النُّفُوسِ وَالْمَال وَالأَْهْل، وَإِيثَارُ طَاعَتِهِمْ وَمُتَابَعَةُ سُنَنِهِمْ وَنَحْوُ ذَلِكَ (51) .
د - التَّسْلِيمُ وَالصَّلاَةُ عَلَى الأَْنْبِيَاءِ:
17 - لَقَدْ أُمِرْنَا بِالصَّلاَةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ.
وَأَمَّا سَائِرُ الأَْنْبِيَاءِ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ ذِكْرُ السَّلاَمِ عَلَى نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَإِلْيَاسَ، وَفِي خِتَامِ السُّورَةِ عَمَّ الْمُرْسَلِينَ بِالسَّلاَمِ فَقَال: وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (52) وَفِي سُورَةِ مَرْيَمَ ذَكَرَ السَّلاَمَ عَلَى يَحْيَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ سورة مريم / 15 33. وَقَال تَعَالَى: قُل الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى (53) ، وَمِنْ هُنَا لَمْ يُوجَدْ خِلاَفٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ فِي اسْتِحْبَابِ السَّلاَمِ عَلَى الأَْنْبِيَاءِ، لأَِنَّ مِثْل قَوْلِهِ تَعَالَى: وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآْخِرِينَ سَلاَمٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (54) يَدُل عَلَى ذَلِكَ، قِيل: فِي الآْخِرِينَ الْمُرَادُ أُمَّةُ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَقِيل: هُمْ جَمِيعُ الأُْمَمِ بَعْدَهُ، وَعَلَى كِلاَ الْقَوْلَيْنِ هُوَ دَلِيل الْمَشْرُوعِيَّةِ. وَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ: " إِذَا سَلَّمْتُمْ عَلَيَّ فَسَلِّمُوا عَلَى الْمُرْسَلِينَ، فَإِنَّمَا أَنَا رَسُولٌ مِنَ الْمُرْسَلِينَ " (55) .
وَأَمَّا الصَّلاَةُ عَلَيْهِمْ فَلَمْ يَرِدْ فِيهَا بِخُصُوصِهِمْ نَصٌّ خَاصٌّ يَصِحُّ، وَمِنْ هُنَا ذَهَبَ مَالِكٌ فِي قَوْلٍ ذَكَرَهُ صَاحِبُ الشِّفَا، وَبَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ، أَنَّهُ لاَ تُشْرَعُ الصَّلاَةُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الأَْنْبِيَاءِ غَيْرَ مُحَمَّدٍ ﷺ، وَأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ الصَّلاَةِ وَالتَّسْلِيمِ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ.
وَلَكِنْ قَال جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ بِجَوَازِ الصَّلاَةِ عَلَيْهِمْ وَاسْتِحْبَابِهَا قِيَاسًا عَلَى الصَّلاَةِ عَلَى مُحَمَّدٍ ﷺ، وَلأَِنَّ أَكْثَرَهُمْ وَهُوَ مَنْ كَانَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ يَدْخُلُونَ فِي الصَّلاَةِ الإِْبْرَاهِيمِيَّةِ: " كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آل إِبْرَاهِيمَ " دُخُولاً أَوَّلِيًّا، حَتَّى لَقَدْ قَال النَّوَوِيُّ فِي الأَْذْكَارِ: أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ عَلَى جَوَازِهَا وَاسْتِحْبَابِهَا عَلَى سَائِرِ الأَْنْبِيَاءِ وَالْمَلاَئِكَةِ اسْتِقْلاَلاً (56) . وَقَدْ نَقَل ابْنُ كَثِيرٍ مَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدِهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ نَاسًا مِنَ النَّاسِ قَدِ الْتَمَسُوا الدُّنْيَا بِعَمَل الآْخِرَةِ، وَإِنَّ نَاسًا مِنَ الْقُصَّاصِ قَدْ أَحْدَثُوا فِي الصَّلاَةِ عَلَى خُلَفَائِهِمْ وَأُمَرَائِهِمْ عَدْل الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ، فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَمُرْهُمْ أَنْ تَكُونَ صَلاَتُهُمْ عَلَى النَّبِيِّينَ وَدُعَاؤُهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً (57) .
هـ - حُكْمُ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الأَْنْبِيَاءِ:
18 - لاَ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الأَْنْبِيَاءِ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الإِْيمَانِ، وَلاَ بَيْنَ الأَْنْبِيَاءِ بَعْضِهِمْ وَبَعْضٍ، فَمَنْ زَعَمَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ وَكَافِرٌ بِالأَْنْبِيَاءِ أَوْ بِبَعْضِهِمْ، أَوْ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ بِبَعْضِ الأَْنْبِيَاءِ وَكَافِرٌ بِبَعْضِهِمُ الآْخَرِ، لَمْ يَسْتَحِقَّ اسْمَ الإِْيمَانِ وَلَمْ يَخْرُجْ بِإِيمَانِهِ بِمَنْ آمَنَ بِهِ عَنْ أَنْ يَسْتَحِقَّ اسْمَ الْكُفْرِ حَقِيقَةً، دَل عَلَى ذَلِكَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (58) . ذَلِكَ لأَِنَّ الأَْنْبِيَاءَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَلاَ يَنْفَعُ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ أَوْ بِبَعْضِ رُسُلِهِ إِيمَانُهُ إِذَا كَفَرَ بِرَسُولٍ مِنْ رُسُلِهِ، وَمَنْ فَعَل ذَلِكَ فَقَدْ كَفَرَ بِاللَّهِ ﷿ الَّذِي أَوْحَى إِلَيْهِ بِالنُّبُوَّةِ، وَكَفَرَ بِسَائِرِ الأَْنْبِيَاءِ.
وَمَنْ سَمَّى أَتْبَاعَ الدِّيَانَاتِ السَّابِقَةِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ ﷺ مُؤْمِنِينَ فَقَدْ خَالَفَ الشَّرِيعَةَ وَنَاقَضَ الْقُرْآنَ (59) .
قَال ابْنُ كَثِيرٍ: إِنَّمَا ذَلِكَ لأَِنَّ الإِْيمَانَ وَاجِبٌ بِكُل نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ إِلَى أَهْل الأَْرْضِ، فَمَنْ رَدَّ نُبُوَّتَهُ لِلْحَسَدِ أَوِ الْعَصَبِيَّةِ أَوِ التَّشَهِّي يَتَبَيَّنُ أَنَّ إِيمَانَهُ بِمَنْ آمَنَ بِهِ مِنَ الأَْنْبِيَاءِ لَيْسَ إِيمَانًا شَرْعِيًّا، إِنَّمَا هُوَ عَنْ غَرَضٍ وَهَوًى وَعَصَبِيَّةٍ، إِذْ لَوْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ بِهِ لِكَوْنِهِ رَسُول اللَّهِ لآَمَنُوا بِنَظِيرِهِ وَبِمَنْ هُوَ أَوْضَحُ دَلِيلاً وَأَقْوَى بُرْهَانًا (60) .
وَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّينَ أَنْ يُصَدِّقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَلاَّ يَمْنَعَ أَحَدًا مِنْهُمْ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالنُّبُوَّةِ مِنِ اتِّبَاعِ مَنْ يُبْعَثُ بَعْدَهُ وَنُصْرَتِهِ (61) ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَال أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَال فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (62) ، وَلِهَذَا قَال النَّبِيُّ ﷺ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ مُوسَى ﷺ كَانَ حَيًّا مَا وَسِعَهُ إِلاَّ أَنْ يَتَّبِعَنِي " (63) فَبِالأَْحْرَى أَتْبَاعُ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ يَلْزَمُهُمُ اتِّبَاعُ مُحَمَّدٍ ﷺ وَالإِْيمَانُ بِهِ، وَإِلاَّ فَهُمْ مِنَ الْكَافِرِينَ حَقًّا.
وَيَدْخُل فِي هَذَا الْحُكْمِ أَيْضًا مَنْ قَال: إِنَّ مُحَمَّدًا ﷺ إِنَّمَا أُرْسِل إِلَى جَاهِلِيَّةِ الْعَرَبِ خَاصَّةً، وَلاَ يَلْزَمُ أَتْبَاعَ مُوسَى وَعِيسَى عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ اتِّبَاعُهُ (64) .
الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ الأَْنْبِيَاءِ:
19 - لاَ خِلاَفَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ الأَْنْبِيَاءَ دَرَجَاتٌ وَأَنَّ بَعْضَهُمْ أَفْضَل مِنْ بَعْضٍ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا (65) وَقَوْلِهِ: تِلْكَ الرُّسُل فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ (66) . وَقَال النَّبِيُّ ﷺ: " أَنَا سَيِّدُ النَّاسِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " (67) .
وَمَنْ كَانَ مِنَ النَّبِيِّينَ رَسُولاً فَهُوَ أَفْضَل مِمَّنْ لَمْ يُرْسَل، قَال الْقُرْطُبِيُّ: فَإِنَّ مَنْ أُرْسِل فُضِّل عَلَى غَيْرِهِ بِالرِّسَالَةِ وَاسْتَوَوْا فِي النُّبُوَّةِ.
وَأَفْضَل الرُّسُل أُولُو الْعَزْمِ مِنْهُمْ، وَهَذَا الْقَوْل مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁.
وَأَفْضَلُهُمْ عَلَى الإِْطْلاَقِ مُحَمَّدٌ ﷺ، ثُمَّ بَعْدَهُ إِبْرَاهِيمُ، ثُمَّ مُوسَى، ثُمَّ عِيسَى، عَلَيْهِمُ السَّلاَمُ، عَلَى الْمَشْهُورِ، قَالَهُ ابْنُ كَثِيرٍ.
وَأَمَّا مَا وَرَدَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْمُفَاضَلَةِ بَيْنَهُمْ، حَيْثُ قَال النَّبِيُّ ﷺ: " لاَ تُخَيِّرُوا بَيْنَ الأَْنْبِيَاءِ " (68) . وَقَال: " لاَ تُفَضِّلُوا بَيْنَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ " (69) وَقَال: " لاَ تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى " (70) وَقَال ﷺ: " لاَ يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ إِنِّي خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى " (71) . فَقِيل: هَذَا كَانَ قَبْل أَنْ تَنْزِل عَلَيْهِ آيَاتُ التَّفْضِيل، وَقَبْل أَنْ يَعْلَمَ بِأَنَّهُ سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ. فَعَلَى هَذَا: التَّفْضِيل الآْنَ جَائِزٌ.
وَقِيل: إِنَّمَا قَالَهُ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى سَبِيل التَّوَاضُعِ.
وَقِيل: إِنَّمَا نَهَى عَنِ الْخَوْضِ فِي ذَلِكَ لِئَلاَّ يُؤَدِّيَ إِلَى أَنْ يُذْكَرَ بَعْضُهُمْ بِمَا لاَ يَنْبَغِي، وَيَقِل احْتِرَامُهُ عِنْدَ الْمُمَارَاةِ.
وَقَال ابْنُ عَطِيَّةَ وَابْنُ تَيْمِيَّةَ: إِنَّمَا نُهِيَ عَنْ تَعْيِينِ الْمَفْضُول، بِخِلاَفِ مَا لَوْ فُضِّل مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ.
وَقَال شَارِحُ الطَّحَاوِيَّةِ: الْمَنْهِيُّ عَنْهُ التَّفْضِيل إِذَا كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعَصَبِيَّةِ وَالْفَخْرِ وَالْحَمِيَّةِ وَهَوَى النَّفْسِ، أَوْ عَلَى وَجْهِ الاِنْتِقَاصِ لِلْمَفْضُول.
وَاخْتَارَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ الْمَنْعَ مِنَ التَّفْضِيل إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ النُّبُوَّةِ الَّتِي هِيَ خَصْلَةٌ وَاحِدَةٌ لاَ تَفَاضُل فِيهَا، وَالتَّفْضِيل فِي زِيَادَةِ الأَْحْوَال وَالْخُصُوصِ وَالْكَرَامَاتِ وَالأَْلْطَافِ (72) . الْمُفَاضَلَةُ بَيْنَ الأَْنْبِيَاءِ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْخَلْقِ:
20 - لاَ خِلاَفَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الأَْنْبِيَاءَ أَفْضَل عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ سَائِرِ الْبَشَرِ غَيْرِ الأَْنْبِيَاءِ، وَمِنْ جَمِيعِ الأَْوْلِيَاءِ؛ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ إِلَى أَنْ قَال: وَإِسْمَاعِيل وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (73) فَقَوْلُهُ: وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ وَرَدَ بَعْدَ ذِكْرِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ نَبِيًّا، مِمَّا يُبَيِّنُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الأَْنْبِيَاءِ أَفْضَل مِنْ سَائِرِ النَّاسِ. وَقَال تَعَالَى: وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًا وَقَالاَ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ (74) . قَال الطَّحَاوِيُّ: وَلاَ نُفَضِّل أَحَدًا مِنَ الأَْوْلِيَاءِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الأَْنْبِيَاءِ، وَنَقُول: نَبِيٌّ وَاحِدٌ أَفْضَل مِنْ جَمِيعِ الأَْوْلِيَاءِ.
وَاخْتُلِفَ هَل الأَْنْبِيَاءُ أَفْضَل أَمِ الْمَلاَئِكَةُ؟ فَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ خَوَاصَّ بَنِي آدَمَ، وَهُمُ الأَْنْبِيَاءُ أَفْضَل مِنْ كُل الْمَلاَئِكَةِ، وَعَوَّامَ بَنِي آدَمَ وَهُمُ الأَْتْقِيَاءُ أَفْضَل مِنْ عَوَامِّ الْمَلاَئِكَةِ. وَالْمَسْأَلَةُ عِنْدَهُمْ خِلاَفِيَّةٌ ظَنِّيَّةٌ، وَرُوِيَ التَّوَقُّفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ لِعَدَمِ الْقَاطِعِ، وَتَفْوِيضِ عِلْمِ مَا لَمْ يَحْصُل لَنَا الْجَزْمُ بِعِلْمِهِ إِلَى عَالِمِهِ.
وَأَطْلَقَ عَبْدُ الْقَاهِرِ الْبَغْدَادِيُّ الْقَوْل بِأَنَّ أَهْل السُّنَّةِ يَقُولُونَ بِتَفْضِيل الأَْنْبِيَاءِ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ، قَال: عَلَى خِلاَفِ قَوْل الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَضْل مَعَ أَكْثَرِ الْقَدَرِيَّةِ الْقَائِلِينَ بِتَفْضِيل الْمَلاَئِكَةِ عَلَى الأَْنْبِيَاءِ (75) .
التَّسَمِّي بِأَسْمَاءِ الأَْنْبِيَاءِ:
21 - لاَ بَأْسَ بِالتَّسَمِّي بِأَسْمَاءِ الأَْنْبِيَاءِ، وَاسْتَحَبَّهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ حَدِيثُ أَبِي وَهْبٍ الْجُشَمِيِّ، قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: " تَسَمَّوْا بِأَسْمَاءِ الأَْنْبِيَاءِ " (76) ، قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وَقَدْ قَال سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: أَحَبُّ الأَْسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ أَسْمَاءُ الأَْنْبِيَاءِ. قَال: وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يَدُل عَلَى أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ أَحَبُّ الأَْسْمَاءِ (77) . وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: " وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلاَمٌ فَسَمَّيْتُهُ بَاسِمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ " (78) .
وَقِيل: يُكْرَهُ التَّسَمِّي بِأَسْمَائِهِمْ، قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: وَلَعَل مَنْ قَال ذَلِكَ قَصَدَ صِيَانَةَ أَسْمَائِهِمْ عَنِ الاِبْتِذَال (79) ، وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (تَسْمِيَة ف 11) .
حُكْمُ مَنْ آذَى نَبِيًّا أَوِ انْتَقَصَهُ:
22 - مَنْ آذَى نَبِيًّا مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَى نُبُوَّتِهِمْ، أَوْ سَبَّهُ، أَوِ اسْتَخَفَّ بِهِ، أَوْ كَذَّبَهُ أَوْ جَوَّزَ عَلَيْهِ الْكَذِبَ، فَقَدْ كَفَرَ، وَحُكْمُهُ كَحُكْمِ مَنْ فَعَل ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ﷺ، لأَِنَّ الأَْنْبِيَاءَ فَضَّلَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْبَشَرِ جَمِيعًا، كَمَا فِي قَوْلِهِ: وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (80) فَفِي انْتِقَاصِ أَحَدٍ مِنْهُمْ تَكْذِيبٌ لِلْقُرْآنِ.
وَهَذَا بِخِلاَفِ مَنِ اخْتُلِفَ فِي نُبُوَّتِهِ مِنْهُمْ. قَال الْقَاضِي عِيَاضٌ: لَيْسَ الْحُكْمُ فِي سَابِّ أَحَدٍ مِنَ الْمُخْتَلَفِ فِي نُبُوَّتِهِ مِنْهُمْ وَالْكَافِرِ بِهِ كَالْحُكْمِ فِيمَنِ اتُّفِقَ عَلَى نُبُوَّتِهِ، إِذْ لَمْ تَثْبُتْ لَهُمْ تِلْكَ الْحُرْمَةُ، وَلَكِنْ يُزْجَرُ مَنْ تَنَقَّصَهُمْ وَآذَاهُمْ، وَيُؤَدَّبُ بِقَدْرِ حَال الْمَقُول فِيهِ، لاَ سِيَّمَا مَنْ عُرِفَتْ صِدِّيقِيَّتُهُ وَفَضْلُهُ مِنْهُمْ، وَإِنْ لَمْ تَثْبُتْ نُبُوَّتُهُمْ. قَال: وَأَمَّا إِنْكَارُ نُبُوَّتِهِمْ فَإِنْ كَانَ الْمُتَكَلِّمُ فِي ذَلِكَ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ فَلاَ حَرَجَ عَلَيْهِ، لاِخْتِلاَفِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ عَوَامِّ النَّاسِ زُجِرَ عَنِ الْخَوْضِ فِي مِثْل هَذَا، فَإِنْ عَادَ أُدِّبَ (81) .
حُكْمُ تَصْوِيرِ الأَْنْبِيَاءِ:
23 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى تَحْرِيمِ تَصْوِيرِ كُل ذِي رُوحٍ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ.
وَتَصْوِيرُ الأَْنْبِيَاءِ أَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ بِهِمْ وَتَطَوُّرَ الأَْمْرِ إِلَى عِبَادَةِ صُوَرِهِمْ وَتَمَاثِيلِهِمْ كَمَا يَفْعَلُهُ جَهَلَةُ النَّصَارَى.
وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ ﷺ قَال فِيهِمْ: " إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُل الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " (82) . وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا رَأَى الصُّوَرَ فِي الْبَيْتِ لَمْ يَدْخُل حَتَّى أَمَرَ بِهَا فَمُحِيَتْ، وَرَأَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيل عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ بِأَيْدِيهِمَا الأَْزْلاَمُ، فَقَال: " قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، وَاللَّهِ إِنِ اسْتَقْسَمَا بِالأَْزْلاَمِ قَطُّ " (83) .
وَلِلتَّفْصِيل انْظُرْ مُصْطَلَحَ (تَصْوِير ف 26) .
نَبِيُّ اللَّهِ مُحَمَّدٌ ﷺ:
24 - النَّبِيُّ مُحَمَّدٌ ﷺ، اصْطَفَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَشَرَّفَهُ بِالنُّبُوَّةِ، وَجَعَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَرَسُولاً إِلَى الثَّقَلَيْنِ، وَخَتَمَ اللَّهُ تَعَالَى النُّبُوَّاتِ بِهِ، فَلاَ نَبِيَّ بَعْدَهُ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ.
وَتَتَعَلَّقُ بِهِ وَلأَِفْعَالِهِ ﷺ وَبِأَفْعَال الْمُكَلَّفِينَ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ أَحْكَامٌ مِنْهَا:
أ - التَّأَسِّي بِالنَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ﷺ:
25 - مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ مُكَلَّفًا بِهِ بِمُقْتَضَى عُبُودِيَّتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى، فَالأُْمَّةُ مُكَلَّفَةٌ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ إِلاَّ مَا اسْتُثْنِيَ مِمَّا اخْتَصَّهُ اللَّهُ بِهِ، وَالدَّلِيل عَلَى اقْتِدَاءِ الأُْمَّةِ بِهِ ﷺ وَالتَّأَسِّي بِأَفْعَالِهِ، مَا وَرَدَ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ: " صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي " (84) ، وَقَوْلِهِ: " خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ " (85) ، وَقَوْلِهِ: " لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ، وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، فَمَنْ رَغَبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي " (86) .
وَالدَّلِيل كَذَلِكَ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُول اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآْخِرَ (87) .
وَكَانَ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ يَحْتَجُّونَ بِهَذِهِ الآْيَةِ عَلَى الْمُمَاثَلَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْل أَبِي بَكْرٍ ﵁: إِنِّي وَاللَّهِ لاَ أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَصْنَعُهُ فِي هَذَا الْمَال إِلاَّ صَنَعْتُهُ، إِنِّي أَخْشَى إِنْ تَرَكْتُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِهِ أَنْ أَزِيغَ.
وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ ﵁ أَكَبَّ عَلَى الرُّكْنِ فَقَال: إِنِّي لأََعْلَمُ أَنَّكَ حَجَرٌ لاَ تَضُرُّ وَلاَ تَنْفَعُ، وَلَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ حَبِيبِي ﷺ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ، لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُول اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ، وَمِنْهُ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ ﵄: أَنَّ أَحَدَ أَصْحَابِهِ نَزَل عَنْ رَاحِلَتِهِ فَأَوْتَرَ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ، فَقَال: أَيْنَ كُنْتَ؟ قَال: خَشِيتُ الْفَجْرَ فَنَزَلْتُ فَأَوْتَرْتُ. فَقَال ابْنُ عُمَرَ: أَلَيْسَ لَكَ فِي رَسُول اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ؟ قَال: بَلَى وَاللَّهِ. قَال: إِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ يُوتِرُ عَلَى الْبَعِيرِ. (88) .
ب - خَصَائِصُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ﷺ:
26 - اخْتَصَّ النَّبِيُّ ﷺ بِخَصَائِصَ وَمَقَامَاتٍ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ لَيْسَتْ لِسَائِرِ النَّاسِ، وَهَذِهِ الْخَصَائِصُ أَنْوَاعٌ:
أَوَّلاً: الأَْحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ الَّتِي لاَ تَتَعَدَّاهُ إِلَى أُمَّتِهِ كَكَوْنِهِ لاَ يُورَثُ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
ثَانِيًا: الْمَزَايَا الأُْخْرَوِيَّةُ كَإِعْطَائِهِ الشَّفَاعَةَ وَكَوْنِهِ أَوَّل مَنْ يَدْخُل الْجَنَّةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
ثَالِثًا: الْفَضَائِل الدُّنْيَوِيَّةُ كَكَوْنِهِ أَصْدَقَ النَّاسِ حَدِيثًا.
رَابِعًا: الْمُعْجِزَاتُ كَانْشِقَاقِ الْقَمَرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
وَالأَْحْكَامُ التَّكْلِيفِيَّةُ الَّتِي اخْتَصَّ بِهَا ﷺ لاَ تَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهَا وَاجِبَةً أَوْ مُحَرَّمَةً أَوْ مُبَاحَةً.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (اخْتِصَاص ف 7 وَمَا بَعْدَهَا) .
ج - الإِْيمَانُ بِهِ ﷺ:
27 - يَجِبُ عَلَى كُل مُكَلَّفٍ تَصْدِيقُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ ﷺ فِيمَا جَاءَ بِهِ، وَذَلِكَ مِمَّا لاَ يَتِمُّ الإِْيمَانُ إِلاَّ بِهِ.
كَمَا يَجِبُ عَلَى كُل مُكَلَّفٍ الشَّهَادَةُ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلَهُ ﷺ بِالرِّسَالَةِ، لأَِنَّ الشَّهَادَةَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الإِْسْلاَمِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا (89) ، وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: " أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِل النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بِي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ " (90) .
وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (إِسْلاَم ف 16 - 20) .
د ـ مَحَبَّتُهُ ﷺ:
28 - يَجِبُ عَلَى كُل مُسْلِمٍ أَنْ يُحِبَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أَكْثَرَ مِمَّا يُحِبُّ أَحَدًا أَوْ شَيْئًا سِوَاهُمَا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: قُل إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (91) قَال الْقَاضِي عِيَاضٌ: فِي هَذَا حَضٌّ وَتَنْبِيهٌ وَدَلاَلَةٌ وَحُجَّةٌ عَلَى إِلْزَامِ مَحَبَّتِهِ، وَوُجُوبِ فَرْضِهَا، وَعِظَمِ خَطَرِهَا، وَاسْتِحْقَاقِهِ لَهَا ﷺ، إِذْ قَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ كَانَ مَالُهُ وَوَلَدُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَأَوْعَدَهُمْ بِقَوْلِهِ: حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ فَسَّقَهُمْ بِتَمَامِ الآْيَةِ (92) .
وَقَال النَّبِيُّ ﷺ: " لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " (93) ، وَقَال عُمَرُ ﵁ لِرَسُول اللَّهِ ﷺ: يَا رَسُول اللَّهِ، لأََنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ كُل شَيْءٍ إِلاَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَال ﷺ: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ نَفْسِكَ ". فَقَال عُمَرُ: فَإِنَّهُ الآْنَ وَاللَّهِ لأََنْتَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ نَفْسِي، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: " الآْنَ يَا عُمَرُ " (94) .
وَمِنْ حُبِّهِ ﷺ حُبُّ سُنَّتِهِ وَاتِّبَاعُهَا وَالْحِرْصُ عَلَيْهَا وَالْوُقُوفُ عِنْدَ حُدُودِهَا، وَمِنْهُ حُبُّ آلِهِ الأَْتْقِيَاءِ الأَْبْرَارِ، وَحُبُّ أَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَْنْصَارِ (95) ، كَمَا فِي حَدِيثِهِ فِي الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ ﵄: " اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُمَا " (96) ، وَقَال: " اللَّهَ اللَّهَ فِي أَصْحَابِي، لاَ تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضًا بَعْدِي، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ فَبِحُبِّي أَحَبَّهُمْ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ فَبِبُغْضِي أَبْغَضَهُمْ، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ، وَمَنْ آذَى اللَّهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ " (97) . وَمِمَّا يُنْشِئُ مَحَبَّتَهُ ﷺ كَمَا قَال الْقَاضِي عِيَاضٌ إِحْسَانُهُ وَإِنْعَامُهُ عَلَى أُمَّتِهِ بِمَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ، وَهِدَايَتُهُمْ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ، وَشَفَقَتُهُ عَلَيْهِمْ وَاسْتِنْقَاذُ اللَّهِ لَهُمْ بِهِ مِنَ النَّارِ (98) .
هـ - النَّصِيحَةُ لَهُ ﷺ:
29 - يَجِبُ النُّصْحُ لِلنَّبِيِّ ﷺ لِقَوْلِهِ ﷺ: " الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قَالُوا: لِمَنْ؟ قَال: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ " (99) ، قَال الْخَطَّابِيُّ: النَّصِيحَةُ كَلِمَةٌ يُعَبَّرُ بِهَا عَنْ جُمْلَةِ إِرَادَةِ الْخَيْرِ لِلْمَنْصُوحِ لَهُ، وَالنَّصِيحَةُ لِرَسُول اللَّهِ ﷺ التَّصْدِيقُ بِنُبُوَّتِهِ، وَبَذْل الطَّاعَةِ لَهُ فِيمَا أَمَرَ بِهِ وَنَهَى عَنْهُ، وَمُؤَازَرَتُهُ وَنُصْرَتُهُ، وَقَال أَبُو بَكْرٍ الْخَفَّافُ: النَّصِيحَةُ لَهُ حِمَايَتُهُ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَإِحْيَاءُ سُنَّتِهِ بِالطَّلَبِ، وَالذَّبُّ عَنْهَا وَنَشْرُهَا. أهـ، وَقَال مِثْلُهُ أَبُو بَكْرٍ الآْجُرِّيُّ، وَأَضَافَ: النَّصِيحَةُ لَهُ الْتِزَامُ التَّوْقِيرِ وَالإِْجْلاَل، وَشِدَّةُ الْمَحَبَّةِ، وَالْمُثَابَرَةُ عَلَى تَعَلُّمِ سُنَّتِهِ وَمَحَبَّةِ آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمُجَانَبَةُ مَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِهِ وَانْحَرَفَ عَنْهَا وَبُغْضُهُ وَالتَّحْذِيرُ مِنْهُ (100) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (نَصِيحَة) .
وَ - تَعْظِيمُ حُرْمَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَتَوْقِيرُهُ:
30 - تَعْظِيمُ حُرْمَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَاجِبٌ، لِعُلُوِّ مَقَامِ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ، الَّذِي هُوَ أَعْلَى مَقَامٍ يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَهُ بَشَرٌ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (101) ، قَال الْقُرْطُبِيُّ: تُعَزِّرُوهُ: أَيْ تُعَظِّمُوهُ وَتُفَخِّمُوهُ، وَالتَّعْزِيرُ: التَّفْخِيمُ وَالتَّوْقِيرُ، وَقِيل: تُعَزِّرُوهُ: تَنْصُرُوهُ وَتَمْنَعُوا مِنْهُ. ثُمَّ قَال: وَتُوَقِّرُوهُ: أَيْ تُسَوِّدُوهُ. وَالْهَاءُ فِيهِمَا لِلنَّبِيِّ ﷺ (102) .
وَقَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: التَّعْزِيرُ اسْمٌ جَامِعٌ لِنَصْرِهِ وَتَأْيِيدِهِ وَمَنْعِهِ مِنْ كُل مَا يُؤْذِيهِ، وَالتَّوْقِيرُ اسْمٌ جَامِعٌ لِكُل مَا فِيهِ طُمَأْنِينَةٌ وَسَكِينَةٌ مِنَ الإِْجْلاَل وَالإِْكْرَامِ، وَأَنْ يُعَامَل مِنَ التَّشْرِيفِ وَالتَّكْرِيمِ بِمَا يَصُونُهُ عَنْ كُل مَا يُخْرِجُهُ عَنْ حَدِّ الْوَقَارِ (103) .
وَفِيمَا يَلِي نَذْكُرُ أَهَمَّ الْمَسَائِل الْمُتَعَلِّقَةِ بِتَوْقِيرِ النَّبِيِّ ﷺ. تَوْقِيرُهُ فِي نِدَائِهِ وَتَسْمِيَتِهِ ﷺ:
31 - أُمِرَ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بِتَوْقِيرِ النَّبِيِّ ﷺ حَال نِدَائِهِمْ لَهُ فَقَال تَعَالَى: لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُول بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا (104) أَيْ لاَ تَقُولُوا: يَا مُحَمَّدُ، كَمَا يَدْعُو بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِاسْمِهِ، وَلَكِنْ قُولُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، يَا رَسُول اللَّهِ (105) .
وَقَال ابْنُ تَيْمِيَّةَ: نَهَاهُمُ اللَّهُ أَنْ يَقُولُوا: يَا مُحَمَّدُ، أَوْ يَا أَحْمَدُ، أَوْ يَا أَبَا الْقَاسِمِ، وَلَكِنْ يَقُولُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، يَا رَسُول اللَّهِ. قَال: وَكَيْفَ لاَ يُخَاطِبُونَهُ بِذَلِكَ وَاللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَكْرَمَهُ فِي مُخَاطَبَتِهِ إِيَّاهُ بِمَا لَمْ يُكْرِمْ بِهِ أَحَدًا مِنَ الأَْنْبِيَاءِ، فَلَمْ يَدْعُهُ بِاسْمِهِ فِي الْقُرْآنِ قَطُّ (106) ، بَل يَقُول: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَِزْوَاجِكَ (107) ، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ (108) ، يَا أَيُّهَا الرَّسُول بَلِّغْ مَا أُنْزِل إِلَيْكَ (109) مَعَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَال: يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ (110) ، يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ (111) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا (112) يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ (113) يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ (114) .
وَتَوْقِيرُهُ مَشْرُوعٌ فِي حَقِّنَا عِنْدَ ذِكْرِهِ ﷺ، فَلاَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ بِاسْمِهِ مُجَرَّدًا، بَل لاَ بُدَّ مِنْ قَرْنِهِ بِالصَّلاَةِ وَالتَّسْلِيمِ عَلَيْهِ.
(انْظُرِ الصَّلاَة عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ف 3 وَمَا بَعْدَهَا) .
غَضُّ الصَّوْتِ عِنْدَهُ وَتَوْقِيرُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ ﷺ:
32 - ذَهَبَ مَالِكٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَابْنُ سِيرِينَ وَغَيْرُهُمْ إِلَى أَنَّهُ إِذَا قُرِئَ كَلاَمُ النَّبِيِّ ﷺ وَجَبَ عَلَى كُل حَاضِرٍ أَلاَّ يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ وَلاَ يُعْرِضَ عَنْهُ، كَمَا يَلْزَمُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِهِ عِنْدَ تَلَفُّظِهِ بِهِ، قَال أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ: حُرْمَةُ النَّبِيِّ ﷺ مَيِّتًا كَحُرْمَتِهِ حَيَّا، وَكَلاَمُهُ الْمَأْثُورُ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي الرِّفْعَةِ مِثَال كَلاَمِهِ الْمَسْمُوعِ مِنْ لَفْظِهِ، فَإِذَا قُرِئَ كَلاَمُهُ وَجَبَ عَلَى كُل حَاضِرٍ أَنْ لاَ يَرْفَعَ صَوْتَهُ عَلَيْهِ وَلاَ يُعْرِضَ عَنْهُ كَمَا كَانَ يَلْزَمُهُ ذَلِكَ فِي مَجْلِسِهِ عِنْدَ تَلَفُّظِهِ بِهِ، وَقَال الْقَاضِي عِيَاضٌ: تَوْقِيرُهُ وَتَعْظِيمُهُ لاَزِمٌ بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا كَانَ فِي حَيَاتِهِ، وَذَلِكَ عِنْدَ ذِكْرِهِ ﷺ وَذِكْرِ حَدِيثِهِ وَسُنَّتِهِ وَسَمَاعِ اسْمِهِ وَسِيرَتِهِ، وَمُعَامَلَةِ آلِهِ وَعِتْرَتِهِ، وَتَعْظِيمِ أَهْل بَيْتِهِ وَصَحَابَتِهِ ﵃. قَال: وَيَنْبَغِي مُرَاعَاةُ ذَلِكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عِنْدَ قَبْرِهِ (115) .
تَوْقِيرُ آل النَّبِيِّ ﷺ وَأَصْحَابِهِ ﵃ وَبِرُّهُمْ وَحُبُّهُمْ:
33 - قَال أَبُو بَكْرٍ ﵁: " ارْقُبُوا مُحَمَّدًا فِي أَهْل بَيْتِهِ " وَقَال أَيْضًا: " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ النَّبِيِّ ﷺ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِل مِنْ قَرَابَتِي ".
وَأَمَّا أَصْحَابُهُ ﷺ فَقَدْ أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِإِيمَانِهِمْ وَإِحْسَانِهِمْ وَجِهَادِهِمْ فَقَال تَعَالَى: مُحَمَّدٌ رَسُول اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ (116) ، وَقَال: لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ (117) ، وَقَال: وَالسَّابِقُونَ الأَْوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَْنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ ﵃ وَرَضُوا عَنْهُ (118) وَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ فِي الأَْنْصَارِ: " إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَنِي وَاخْتَارَ لِي أَصْحَابًا، فَجَعَل لِي مِنْهُمْ وُزَرَاءَ وَأَنْصَارًا وَأَصْهَارًا، فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ " (119) .
قَال الْقَاضِي عِيَاضٌ: مِنْ تَوْقِيرِهِ وَبِرِّهِ ﷺ تَوْقِيرُ أَصْحَابِهِ وَبِرُّهُمْ وَمَعْرِفَةُ حَقِّهِمْ وَحُسْنُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِمْ وَالاِسْتِغْفَارُ لَهُمْ، وَالإِْمْسَاكُ عَمَّا شَجَرَ بَيْنَهُمْ، وَمُعَادَاةُ مَنْ عَادَاهُمْ، وَالإِْضْرَابُ عَنْ أَخْبَارِ الْمُؤَرِّخِينَ الْقَادِحَةِ فِي أَحَدٍ مِنْهُمْ، وَلاَ يُذْكَرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِسُوءٍ (120) .
ز - الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَيْهِ:
34 - الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ مَشْرُوعَةٌ مَأْمُورٌ بِهَا بِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (121) . وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى وُجُوبِ الصَّلاَةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي مُوَاطِنَ وَاسْتِحْبَابِهَا فِي مَوَاطِنَ أُخْرَى.
وَفِي صِيغَةِ الصَّلاَةِ وَالتَّسْلِيمِ وَأَوْقَاتِهَا وَأَحْكَامِهَا تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (الصَّلاَة عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ف 3 وَمَا بَعْدَهَا) .
ح - سُؤَال الْوَسِيلَةِ لِلنَّبِيِّ ﷺ:
35 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ يُسَنُّ لِلْمُسْلِمِ الدُّعَاءُ لِلنَّبِيِّ ﷺ بِرِفْعَةِ مَقَامِهِ فِي الآْخِرَةِ، وَذَلِكَ بِسُؤَال الْوَسِيلَةِ لَهُ، وَمَوْضِعُ ذَلِكَ بَعْدَ تَمَامِ الأَْذَانِ وَإِجَابَةِ الْمُؤَذِّنِ، لِمَا وَرَدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ﵄ مَرْفُوعًا: " إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْل مَا يَقُول، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَل اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ " (122) .
وَالصِّيغَةُ الْمَنْدُوبَةُ لِذَلِكَ وَرَدَتْ فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵄ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ: " مَنْ قَال حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ " (123) .
وَقَال بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: وَيُسَنُّ الدُّعَاءُ الْمَذْكُورُ عِنْدَ الإِْقَامَةِ أَيْضًا (124) .
ط - التَّوَسُّل بِالنَّبِيِّ ﷺ:
36 - لاَ خِلاَفَ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ فِي التَّوَسُّل بِالنَّبِيِّ ﷺ عَلَى مَعْنَى الإِْيمَانِ بِهِ وَمَحَبَّتِهِ، وَذَلِكَ كَأَنْ يَقُول: أَسْأَلُكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ، وَيُرِيدُ: أَنِّي أَسْأَلُكَ بِإِيمَانِي بِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَأَتَوَسَّل إِلَيْكَ بِإِيمَانِي بِهِ وَمَحَبَّتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (تَوَسُّل ف 8 - 14) .
ي - طَلَبُ شَفَاعَتِهِ ﷺ:
37 - طَلَبُ الشَّفَاعَةِ مِنْهُ ﷺ فِي حَيَاتِهِ جَائِزٌ، كَمَا شَفَعَ ﷺ لِمُغِيثٍ زَوْجِ بَرِيرَةَ عِنْدَمَا خُيِّرَتْ لَمَّا عَتَقَتْ بَيْنَ الْبَقَاءِ مَعَهُ وَبَيْنَ مُفَارَقَتِهِ، فَشَفَعَ النَّبِيُّ ﷺ لَهُ لِتَرْضَى بِالْبَقَاءِ مَعَهُ، فَقَالَتْ: " لاَ حَاجَةَ لِي فِيهِ " (125) .
وَكَذَلِكَ يَتَشَفَّعُ بِهِ بَنُو آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَشْفَعُ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لِتَعْجِيل الْحِسَابِ، كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ.
وَأَمَّا بَعْدَ وَفَاتِهِ ﷺ فَإِنَّ طَلَبَ الشَّفَاعَةِ مِنْهُ لاَ بَأْسَ بِهِ، بِأَنْ يَتَوَجَّهَ الْعَبْدُ بِالدُّعَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَيَقُول: اللَّهُمَّ شَفِّعْ فِينَا نَبِيَّكَ مُحَمَّدًا ﷺ.
وَانْظُرْ (شَفَاعَة ف 6 - 8)
ك - الْحَلِفُ بِالنَّبِيِّ ﷺ أَوْ بِغَيْرِهِ مِنَ الأَْنْبِيَاءِ:
38 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْحَلِفِ بِالأَْنْبِيَاءِ، فَذَهَبَ جُمْهُورُهُمْ إِلَى كَرَاهَةِ الْحَلِفِ بِالأَْنْبِيَاءِ، وَذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (أَيْمَان ف 47 - 51) .
ل - التَّبَرُّكُ بِالنَّبِيِّ ﷺ وَبِآثَارِهِ:
39 - اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ التَّبَرُّكِ بِالنَّبِيِّ ﷺ وَبِآثَارِهِ، وَأَوْرَدَ عُلَمَاءُ السِّيرَةِ وَالشَّمَائِل وَالْحَدِيثِ أَخْبَارًا كَثِيرَةً تُمَثِّل تَبَرُّكَ الصَّحَابَةِ ﵃ بِصُوَرٍ مُتَعَدِّدَةٍ بِالنَّبِيِّ ﷺ وَآثَارِهِ. قَال ابْنُ رَجَبٍ: وَالتَّبَرُّكُ بِالآْثَارِ إِنَّمَا كَانَ يَفْعَلُهُ الصَّحَابَةُ ﵃ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ وَلَمْ يَكُونُوا يَفْعَلُونَهُ مَعَ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَلاَ يَفْعَلُهُ التَّابِعُونَ مَعَ الصَّحَابَةِ مَعَ عُلُوِّ قَدْرِهِمْ فَدَل عَلَى أَنَّ هَذَا لاَ يُفْعَل إِلاَّ مَعَ الرَّسُول ﷺ مِثْل التَّبَرُّكِ بِالْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ.
وَقَال ابْنُ حَجَرٍ وَالنَّوَوِيُّ: يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ فِي ذَلِكَ (126) .
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (تَبَرُّك ف 6 وَمَا بَعْدَهَا) .
م - التَّسَمِّي بِاسْمِ النَّبِيِّ ﷺ وَالتَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ:
40 - اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي التَّسْمِيَةِ بِاسْمِهِ وَالتَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ عَلَى أَقْوَالٍ:
مِنْهَا: أَنَّهُ يَجُوزُ التَّسَمِّي بِاسْمِهِ، وَلاَ يَجُوزُ التَّكَنِّي بِكُنْيَتِهِ.
وَمِنْهَا: الْجَوَازُ مُطْلَقًا فِي الأَْمْرَيْنِ.
وَمِنْهَا: تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ اسْمِهِ " مُحَمَّدٍ " وَكُنْيَتِهِ " أَبِي الْقَاسِمِ ".
وَمِنْهَا: تَحْرِيمُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْكُنْيَةِ وَالاِسْمِ فِي حَال حَيَاتِهِ ﷺ.
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَيْ (تَسْمِيَة ف 11، وَكُنْيَة ف 4 وَمَا بَعْدَهَا) .
ن - وُجُوبُ طَاعَتِهِ ﷺ:
41 - أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْمُؤْمِنِينَ طَاعَةَ النَّبِيِّ ﷺ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (127) وَقَال: مَنْ يُطِعِ الرَّسُول فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا (128) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ (طَاعَة ف 6) .
س - اتِّبَاعُ النَّبِيِّ ﷺ فِي أَفْعَالِهِ الْجِبِلِّيَّةِ:
42 - يَجِبُ اتِّبَاعُ النَّبِيِّ ﷺ فِي أُمُورِ الدِّينِ، وَلاَ خِلاَفَ فِي وُجُوبِ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ الأُْمَّةِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مُجْتَهِدُهُمْ وَمُقَلِّدُهُمْ.
أَمَّا أَفْعَال النَّبِيِّ ﷺ الْجِبِلِّيَّةُ فَفِيهَا تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ (اتِّبَاع ف 3 - 4) وَفِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
ع - اجْتِهَادُ الرَّسُول ﷺ:
43 - الأَْحْكَامُ الَّتِي صَدَرَتْ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ اخْتَلَفَ فِيهَا الأُْصُولِيُّونَ عَلَى قَوْلَيْنِ:
الأَْوَّل: أَنَّهَا كُلُّهَا مُوحَى بِهَا إِلَيْهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، بِدَلاَلَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (129) الثَّانِي: أَنَّ مِنْهَا - وَهُوَ الأَْكْثَرُ - مَا هُوَ وَحْيٌ، سَوَاءٌ كَانَ قُرْآنًا أَوْ غَيْرَهُ، وَمِنْهَا مَا يَكُونُ بِاجْتِهَادٍ مِنْهُ ﷺ (130)
وَالتَّفْصِيل فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
ف - حُكْمُ مَنْ تَنَقَّصَ النَّبِيَّ ﷺ أَوِ اسْتَخَفَّ بِهِ أَوْ آذَاهُ:
44 - وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْعَزِيزِ تَعْظِيمُ جُرْمِ تَنَقُّصِ النَّبِيِّ أَوِ الاِسْتِخْفَافِ بِهِ، وَلَعْنُ فَاعِلِهِ، وَذَلِكَ فِي قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآْخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (131) ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُل أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لاَ تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (132) ، وَقَدْ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ فَعَل شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ (133) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (رِدَّة ف 15 وَمَا بَعْدَهَا، سَب ف 11 - 18، اسْتِخْفَاف 5 - 7) .
ص - حُكْمُ مَنْ تَرَكَ التَّأَدُّبَ فِي الْكَلاَمِ فِي حَقِّ النَّبِيِّ ﷺ:
45 - قَال الْقَاضِي عِيَاضٌ: مَنْ لَمْ يَقْصِدْ ذَمًّا وَلاَ عَيْبًا وَلاَ سَبًّا وَلاَ تَكْذِيبًا، وَلَكِنْ أَتَى مِنَ الْكَلاَمِ بِمُجْمَلٍ أَوْ أَتَى بِلَفْظٍ مُشْكِلٍ يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ أَوْ غَيْرِهِ، أَوْ يَتَرَدَّدُ فِي الْمُرَادِ بِهِ أَهُوَ السَّلاَمَةُ أَمِ الشَّرُّ، فَقَدِ اخُتِلَفَ فِيهِ فَقِيل: يُقْتَل تَعْظِيمًا لِحُرْمَةِ النَّبِيِّ ﷺ، وَقِيل: يُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ، لِكَوْنِ قَوْلِهِ مُحْتَمَلاً، وَيُؤَدَّبُ فَاعِلُهُ إِنْ لَمْ يَتُبْ.
وَكَذَا لَوْ أَتَى بِلَفْظٍ عَامٍّ يَدْخُل فِيهِ النَّبِيُّ ﷺ كَمَا لَوْ سَبَّ بَنِي هَاشِمٍ (134) .
ق - حُكْمُ مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ:
46 - مَنْ كَذَبَ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ مُتَعَمِّدًا فَقَدِ ارْتَكَبَ مَعْصِيَةً مِنَ الْكَبَائِرِ، وَقَدْ جَاءَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَال: " إِنَّ كَذِبًا عَلَيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ، فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " (135) ، وَسَوَاءٌ قَصَدَ بِذَلِكَ السُّوءَ أَوْ قَصَدَ خَيْرًا كَمَنْ يَضَعُ الأَْحَادِيثَ لِلتَّرْغِيبِ فِي الطَّاعَاتِ.
وَقَدْ قَال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِكُفْرِ مَنْ فَعَل ذَلِكَ، مِنْهُمْ أَبُو مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيُّ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ، وَوَجَّهَهُ ابْنُ تَيْمِيَّةَ بِأَنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ ﷺ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ، وَإِفْسَادٌ لِلدِّينِ مِنَ الدَّاخِل.
وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ فِي دَعْوَى السَّمَاعِ مِنْهُ فِي الْمَنَامِ يَشْمَلُهُ التَّحْرِيمُ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ (136) ، وَهُوَ قَوْلُهُ ﷺ: " مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّل بِي، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ " (137) .
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير، وفتح الباري 6 / 361، والنبوات لابن تيمية ص 271، 355، 358، دار الكتاب العربي، بيروت ط 2، 1411 هـ.
(2) تفسير القرطبي 12 / 80 القاهرة، دار الكتب المصرية، وأعلام النبوة للماوردي ص 38 القاهرة، مكتبة الكليات الأزهرية، 1391 هـ، والنبوات لابن تيمية ص 301، وكشاف القناع 1 / 6، ونيل المآرب بشرح دليل الطالب (1 / 35) ، ط دار الفلاح، 1403 هـ.
(3) سورة النحل / 68.
(4) سُورَة الْقَصَصِ / 7.
(5) سورة المائدة / 111.
(6) النبوات ص 273.
(7) سورة الشعراء / 16.
(8) المعجم الوسيط.
(9) التعريفات للجرجاني.
(10) التعريفات للجرجاني.
(11) سورة الأنعام / 83 - 86.
(12) سورة النساء / 164.
(13) سورة غافر / 78.
(14) حديث: " إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 558 ط السلفية) ومسلم (4 / 1791 ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة ﵁.
(15) سورة الأحقاف / 35.
(16) سورة القلم / 48.
(17) سورة طه / 115.
(18) تفسير ابن كثير 4 / 172، وتفسير القرطبي 16 / 220، 221، وشرح العقيدة الطحاوية ص 311.
(19) جواهر الإكليل 2 / 282، والذخيرة للقرافي 12 / 30، والزواجر عن اقتراف الكبائر للهيتمي 1 / 54 القاهرة، ط دار الحديث 1414 هـ، وتفسير القرطبي 11 / 16، 39.
(20) سورة الكهف / 65.
(21) سورة الكهف / 82.
(22) تفسير ابن كثير 3 / 99، والبداية والنهاية 1 / 299، 398.
(23) تفسير ابن كثير 3 / 443 وانظر البداية والنهاية 2 / 125، وجواهر الإكليل 2 / 282، والذخيرة للقرافي 12 / 30.
(24) سورة الأنبياء / 85 - 86.
(25) البداية والنهاية 1 / 225.
(26) البداية والنهاية 2 / 46.
(27) حديث: " إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد. . . ". أخرجه مسلم (2 / 753 ط عيسى الحلبي) من حديث عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث.
(28) حديث: " أنه يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 203 ط السلفية) ومسلم (2 / 756 ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة. ولفظه في البخاري: " كان رسول الله ﷺ إذا أتي بطعام سأل عنه: أهدية أم صدقة؟ فإن قيل: صدقة قال لأصحابه: كلوا، ولم يأكل، وإن قيل: هدية، ضرب بيده ﷺ فأكل معهم ".
(29) القليوبي على شرح المنهاج 3 / 204، 101.
(30) حديث: " لا تقتسم ورثتي دينارا ولا درهما. . ". أخرجه البخاري (الفتح 5 / 406 ط السلفية) ومسلم (3 / 1382 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(31) حديث: " إن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ورثوا العلم ". أخرجه أبو داود (4 / 58 ط عزت عبيد دعاس) والترمذي (5 / 49 ط الحلبي) من حديث أبي الدرداء، وقال الترمذي: لا نعرف هذا الحديث إلا من حديث عاصم بن رجاء بن حيوة وليس هو عندي بمتصل.
(32) تفسير القرطبي 11 / 81، 82، وتفسير ابن كثير 3 / 111، والذخيرة للقرافي 13 / 14، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 214، والعواصم من القواصم لابن العربي ص 14 نشر محب الدين الخطيب.
(33) سورة النمل / 16.
(34) سورة مريم / 5 - 6.
(35) حديث: " ما دفن نبي قط إلا في مكانه الذي توفي فيه ". أخرجه مالك في الموطأ (1 / 231 ط عيسى الحلبي) من حديث أبي بكر الصديق ﵁، وقال ابن عبد البر في التجريد (ص 255 ط القدسي) : هذا الحديث وإن لم يوجد على نسقه في إسناد واحد فإنه صحيح محفوظ بأسانيد ثابتة من حديث أنس وعائشة ﵄.
(36) سورة البقرة / 136.
(37) حاشية ابن عابدين 1 / 254، والمنهاج للنووي وشرحه للمحلي 4 / 175، وانظر: الإيمان لابن تيمية ص 268، وشرح العقيدة الطحاوية ص 311.
(38) سورة الأعراف / 59.
(39) سورة هود / 50.
(40) سورة النمل / 45.
(41) سورة هود / 84.
(42) سورة الصف / 5.
(43) سورة آل عمران / 49.
(44) سورة الأنبياء / 107.
(45) سورة سبأ / 28.
(46) حديث: " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي. . . " أخرجه مسلم (1 / 370 - 371 ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(47) تفسير القرطبي 13 / 296.
(48) سورة القصص / 52 - 54.
(49) حديث: " ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 190 ط السلفية) ، ومسلم (1 / 134 - 135 ط عيسى الحلبي) من حديث أبي موسى الأشعري ﵁، واللفظ لمسلم.
(50) حديث: " لا يقولن أحدكم إني خير من يونس بن متى ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 450 ط السلفية) من حديث ابن مسعود.
(51) اقتضاء الصراط المستقيم ص 336.
(52) سورة الصافات / 181.
(53) سورة النمل / 59.
(54) سورة الصافات / 108 - 109.
(55) حديث: " إذا سلمتم علي فسلموا على المرسلين، فإنما أنا رسول من المرسلين ". أخرجه ابن جرير في تفسيره (23 / 116 ط الحلبي) من حديث قتادة مرسلا، وذكر السخاوي في القول البديع (ص 52، 53) شواهد له مشيرا إلى تقويته بها.
(56) تفسير القرطبي 15 / 90، 142، وشرح الشفا 3 / 830، والأذكار للنووي ص 99 دمشق، دار الملاح، وانظر جلاء الأفهام لابن القيم ص 312 ط المنيرية.
(57) تفسير ابن كثير 3 / 517.
(58) سورة النساء / 150 - 151.
(59) تفسير القرطبي 6 / 6.
(60) تفسير ابن كثير 1 / 572.
(61) تفسير القرطبي 4 / 124، 125، وتفسير ابن كثير 1 / 377، 378.
(62) سورة آل عمران / 81 - 82.
(63) حديث: " والذي نفسي بيده لو أن موسى ﷺ كان حيا. . . . " أخرجه أحمد (3 / 387 ط الميمنية) وذكره ابن حجر في فتح الباري (13 / 334 ط السلفية) وقال: رجاله موثقون إلا أن في مجالد ضعفا.
(64) الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية 1 / 139، 161، 176 مطبعة المجد.
(65) سورة الإسراء / 55.
(66) سورة البقرة / 253.
(67) حديث: " أنا سيد الناس يوم القيامة " أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 371 ط السلفية) ومسلم (1 / 186 ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة ﵁.
(68) حديث: " لا تخيروا بين الأنبياء ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 70 ط السلفية) ومسلم (4 / 1845 ط عيسى الحلبي) من حديث أبى سعيد الخدري ﵁.
(69) حديث: " لا تفضلوا بين أنبياء الله ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 450 - 451 ط السلفية) ومسلم (4 / 1844 ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة ﵁.
(70) حديث: " لا تخيروني على موسى ". أخرجه البخاري (فتح الباري 5 / 70 ط السلفية) ومسلم (4 / 1844 ط عيسى الحلبي) من حديث أبي هريرة ﵁.
(71) حديث: " لا يقولن أحدكم إني خير من يونس بن متى ". سبق تخريجه ف 16.
(72) تفسير القرطبي 3 / 261، 263، وتفسير ابن كثير 3 / 47 و 1 / 304، وفتح الباري 6 / 452، ولوامع الأنوار البهية للسفاريني 1 / 49، 55، والصارم المسلول ص 566.
(73) سورة الأنعام / 83 - 86.
(74) سورة النمل / 15.
(75) الدر المختار وحاشية ابن عابدين 1 / 354، والفرق بين الفرق ص 343، وتفسير القرطبي 6 / 26، وتفسير فتح القدير للشوكاني 1 / 542 والكشاف وبذيله الإنصاف لابن المنير 1 / 460، وشرح العقيدة الطحاوية 2 / 741.
(76) حديث: " تسموا بأسماء الأنبياء ". أخرجه أبو داود (5 / 237 ط حمص) ، وأحمد (4 / 345 ط الميمنية) ، وذكر الذهبي في ميزان الاعتدال (3 / 88 ط الحلبي) أن راويه عن الصحابي فيه جهالة
(77) تحفة المودود بأحكام المولود لابن القيم ص 66 بتصحيح وتعليق عبد الحكيم شرف الدين. والحديث الذي عناه ابن القيم هو حديث ابن عمر مرفوعا: " إن أحب أسمائكم إلى الله عبد الله وعبد الرحمن " أخرجه مسلم (3 / 1682 ط الحلبي) .
(78) حديث: " ولد لي الليلة غلام فسميته باسم أبي إبراهيم ". أخرجه مسلم (4 / 1807 ط عيسى الحلبي) .
(79) تحفة المودود ص 61، وكشاف القناع 3 / 26.
(80) سورة الأنعام / 86.
(81) الشفا وشرحه 5 / 492 - 503، وانظر الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية ص 567، وجواهر الإكليل 2 / 280 - 282، 360، والذخيرة للقرافي 12 / 20، 27، والزواجر عن اقتراف الكبائر للهيتمي 1 / 55، ومغني المحتاج 4 / 133 - 135.
(82) حديث: " إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 524 ط السلفية) ومسلم (1 / 376) من حديث عائشة ﵂، واللفظ للبخاري.
(83) حديث: " أن النبي ﷺ لما رأى الصور في البيت. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 6 / 387 ط السلفية) من حديث ابن عباس ﵄.
(84) حديث: " صلوا كما رأيتموني أصلي ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 111 ط السلفية) من حديث مالك بن الحويرث ﵁.
(85) حديث: " خذوا عني مناسككم ". أخرجه مسلم (2 / 943 ط الحلبي) والبيهقي (5 / 125 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث جابر بن عبد الله، واللفظ للبيهقي.
(86) حديث: " لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد. . " أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 104 ط السلفية) ومسلم (2 / 1020 ط الحلبي) من حديث أنس بن مالك، واللفظ للبخاري.
(87) سورة الأحزاب / 21.
(88) انظر: المعتمد لأبي الحسين البصري 1 / 377، والمغني لعبد الجبار 17 / 257، وقد نقلا الإجماع على هذه القاعدة، والإحكام للآمدي 1 / 265 ونقل فيها خلافا، وتيسير التحرير 3 / 120، وفتح الباري 11 / 94.
(89) سورة التغابن / 8.
(90) حديث: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا. . . ". أخرجه مسلم (1 / 52 ط الحلبي) من حديث أبي هريرة ﵁.
(91) سورة التوبة / 24.
(92) الشفا 3 / 535 - 538.
(93) حديث: " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 58 ط السلفية) ومسلم (1 / 67 ط الحلبي) من حديث أنس ﵁.
(94) حديث عمر ﵁: " يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء. . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 11 / 523 ط السلفية) من حديث عبد الله بن هشام ﵁.
(95) الشفا وشرحه 3 / 561 - 583، وانظر: دليل الفالحين شرح رياض الصالحين لابن علان 1 / 459 الكويت - دار البيان، وجامع العلوم والحكم لابن رجب ص 150، بيروت - دار الخير، والصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية ص 426.
(96) حديث: " اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما ". أخرجه الترمذي (5 / 657 ط الحلبي) من حديث أسامة بن زيد ﵄، وأخرجه البخاري (فتح الباري 7 / 88 ط السلفية) من غير قوله: " وأحب من يحبهما ".
(97) حديث: " الله الله في أصحابي. . . " أخرجه الترمذي (5 / 696 ط الحلبي) من حديث عبد الله بن مغفل وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
(98) الشفا 3 / 591 - 596.
(99) حديث: " الدين النصيحة. . " أخرجه مسلم (1 / 74 ط الحلبي) من حديث تميم الداري ﵁.
(100) شرح الشفا 3 / 602 - 605.
(101) سورة الفتح / 8 - 9.
(102) تفسير القرطبي 16 / 266.
(103) الصارم المسلول ص 427.
(104) سورة النور / 63.
(105) النبوات لابن تيمية ص 270، وتفسير القرطبي 16 / 267، 306، 12 / 322، والشفا للقاضي عياض 3 / 616.
(106) الصارم المسلول ص 427 - 428.
(107) سورة الأحزاب / 28.
(108) سورة الأحزاب / 1.
(109) سورة المائدة / 67.
(110) سورة البقرة / 33.
(111) سورة هود / 46.
(112) سورة هود / 76.
(113) سورة الأعراف / 144.
(114) سورة المائدة / 110.
(115) تفسير القرطبي 16 / 307، والشفا للقاضي عياض 3 / 643، 644، 660. أحكام القرآن لابن العربي 4 / 146.
(116) سورة الفتح / 29.
(117) سورة الفتح / 18.
(118) سورة التوبة / 100.
(119) حديث: " إن الله اختار لي. . . " أخرجه الطبراني في الأوسط (1 / 282 ط مكتبة المعارف) من حديث عويم بن ساعدة، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10 / 17) : وفيه من لم أعرفه.
(120) الشفا للقاضي عياض 3 / 670، 682 - 685، وشرح العقيدة الطحاوية ص 467.
(121) سورة الأحزاب / 56.
(122) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول. . . ". أخرجه مسلم (1 / 288 ط عيسى الحلبي) .
(123) حديث جابر بن عبد الله: " من قال حين يسمع النداء ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 94 ط السلفية) .
(124) المغني لابن قدامة 1 / 428 ط ثالثة، وتفسير ابن كثير 2 / 53، وفتح القدير على الهداية 1 / 250 ط مكة، المكتبة التجارية، ونهاية المحتاج للرملي 1 / 422، والمهذب للشيرازي تحقيق محمد الزحيلي 1 / 204 - بيروت، دار القلم.
(125) حديث: " لا حاجة لي فيه " أخرجه البخاري (فتح الباري 9 / 408 ط السلفية) من حديث ابن عباس ﵄.
(126) الحكم الجديرة بالإذاعة من قول النبي ﷺ: بعثت بالسيف بين يدي الساعة، لابن رجب الحنبلي ص 46، وفتح الباري 3 / 130 - 131 - 144، وشرح صحيح مسلم للنووي (5 / 161، 7 / 143 / 44) .
(127) سورة الأنفال / 20.
(128) سورة النساء / 80.
(129) سورة النجم / 3 - 5.
(130) تيسير التحرير 1 / 189، 4 / 183، 236، القاهرة، مصطفى الحلبي، وإحكام الأحكام للآمدي 3 / 43، 44، 4 / 222، 282 - القاهرة مكتبة المعارف، والرسالة للإمام الشافعي بتحقيق الشيخ أحمد شاكر ص 92، وأصول البزدوي وشرح البخاري 3 / 926 - 933. .
(131) سورة الأحزاب / 57.
(132) سورة التوبة / 65 - 66.
(133) الصارم المسلول على شاتم الرسول لابن تيمية ص 527 - 529، والشفا في حقوق المصطفى وشرحه 4 / 76 - 192، وجواهر الإكليل 1 / 269، وحاشية ابن عابدين 3 / 290 - 291، والذخيرة للقرافي 12 / 18.
(134) شرح الشفا 5 / 192 - 242.
(135) حديث: " إن كذبا علي ليس ككذب على أحد. . " أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 160 ط السلفية) ومسلم في مقدمة صحيحه (1 / 10 ط عيسى الحلبي) من حديث المغيرة بن شعبة ﵁.
(136) الصارم المسلول على شاتم الرسول ص 179، وشرح المنهاج مع حاشية القليوبي وعميرة 4 / 75، وفتح الباري 1 / 202 و 3 / 162.
(137) حديث: " من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 202 ط السلفية) من حديث أبي هريرة ﵁.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 40/ 40
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".