اللطيف
كلمة (اللطيف) في اللغة صفة مشبهة مشتقة من اللُّطف، وهو الرفق،...
محبة، ونصرة الله -تعالى - ورسوله ، والمؤمنين لأجل إيمانهم، ونصرتهم، والنصح لهم، وإعانتهم، والرحمة بهم، وما يلحق بذلك من حقوق المؤمنين
النُّصْرَةُ وَالإِعَانَةُ، تَقُولُ: وَلِيَ فُلاَنٌ فُلاَنًا وَلاَءً وَوَلاَيَةً إِذَا نَصَرَهُ وَأَعَانَهُ، ويُقَالُ: هُمْ عَلَى وَلَايَةٍ أَيْ مُـجْتَمِعونَ فِي النُّصْرَةِ،وَالمَوْلَى: النّاصِرُ وَالمُعِينُ، وَيَأْتِي الوَلاَءُ بِمَعْنَى: المَحَبَّةُ، وَوَالَى فُلَانٌ فُلَانًا إِذَا أَحَبَّهُ، وَضِدُّ الوَلاَءِ: البُغْضُ وَالعَدَاءُ، وَأَصْلُ كَلِمَةِ الوَلاَءِ مِنَ الوَلْيِ وَهُوَ القُرْبُ، يُقَالُ: وَلِيَهُ وَلْيًا وَوَلاَيَةً أَيْ اقْتَرَبَ وَدَنا مِنْهُ، وَالوَلِيُّ: القَرِيبُ، وَضِدُّهُ العَدُوُّ، وَضِدُّ الوَلاَيَةِ: البُغْضُ وَالبُعْدُ، وَمِنْ مَعَانِي الوَلاَءِ أَيْضًا: الطَّاعَةُ والصَّدَاقَةُ والاتِّبَاعُ.
يُطْلَقُ مُصْطَلَحُ (الوَلاَءِ) فِي كِتَابِ الزِّكَاةِ فِي بَابِ أَهْلِ الزَّكَاةِ، وَكِتَابِ المَوَارِيثِ فِي بَابِ أَسْبَابِ الإِرْثِ، وَكِتَابِ البُيُوعِ فِي بَابِ الشُّروطِ فِي البَيْعِ، وَخِيَارِ العَيْبِ، وَكِتَابِ النِّكَاحِ فِي بَابِ الوِلاَيَةِ فِي النِّكَاحِ. وَيُسْتَعْمَلُ الوَلاَءُ أَيْضًا فِي مَوَاضِعَ كَثِيرَةٍ بِمَعْنَى: (إِيقَاعُ الأَشْيَاءِ مُتَتَابِعَةً دُونَ الفَصْلِ بَيْنَهَا بِزَمَنٍ لِغَيْرِ سَبَبٍ) كَمَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فِي بَابِ صِفَةِ الوُضُوءِ، وَكِتَابِ الحَجِّ فِي بَابِ صِفَةِ الطَّوَافِ، وَغَيْرِهَا. وَيُطْلَقُ أَيْضًا وَيُرادُ بِهِ: (عَقْدٌ بَيْنَ شَخْصِيْنِ أَحَدُهَمَا مَجْهولُ النَّسَبِ عَلَى النُّصْرَةِ بَيْنَهُمَا وَالتَّوَارُثِ وَتَحَمُّلِ الدِيَةِ)، وَيُسَمَّى هَذَا العَقْدُ "مُوَالاَةً" وَالشَّخْصُ الْمَعْرُوفُ النَّسَبِ: "مَوْلَى الْمُوَالاَةِ". وَيُطْلَقُ الوَلاءُ فِي العَقِيدَةِ فِي بَابِ اعْتِقَادِ أَهْلِ السُنَّةِ وَغَيْرِهِ، وَيُرادُ بِهِ: (القُرْبُ وَالمَحَبَّةُ وَالنُّصْرَةُ لِلْغَيْرِ بِالقَوْلِ وَالفِعْلِ وَالقَصْدِ)، وَالوَلَاءُ فِي اللهِ: هُوَ مَحَبَّةُ اللهِ وَنُصْرَةُ دِينِهِ وَمَحَبَّةُ أَوْلِيَائِهِ وَنُصْرَتِهِمْ.
ولي
قَرَابَةٌ سَبَبُهَا زَوَالُ الرِقِّ عَنِ العَبْدِ بِالحُرِّيَّةِ.
الوَلاَءُ رَابِطَةٌ وَصِلَةٌ نَاشِئَةٌ عَنْ العِتْقِ، سَوَاءٌ كَانَ الْعِتْقُ حَاصِلًا بِغَيْرِ سَبَبٍ كَالعِتْقِ بِالتَّدْبِيرِ وَالاِسْتِيلاَدِ وَقَبُولِ الكِتَابَةِ، أَوْ كَانَ عَنْ وَاجِبٍ عَلَيْهِ كَالإِعْتَاقِ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ أَوِ الإِفْطَارِ فِي رَمَضَانَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الإِعْتَاقُ بِبِدَلٍ أَوْ بِغَيْرِ بَدَلٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَاجِلًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَوْ مُضَافًا إِلَى وَقْتٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَيُسَمَّى هَذَا الوَلاَءُ وَلاَءَ العَتَاقَةِ وَوَلاَءَ نِعْمَةٍ، لأَنَّ الْمُعْتِقَ أَنْعَمَ عَلَى الْمُعْتَقِ حَيْثُ أَحْيَاهُ بِأَنْ جَعَلَهُ حُرًّا، وَيُسَمَّى المُعْتِقُ: مَوْلَى العَتَاقَةِ.
النُّصْرَةُ وَالإِعَانَةُ وَالمَحَبَّةُ، وَأَصْلُ كَلِمَةِ الوَلاَءِ مِنَ الوَلْيِ وَهُوَ القُرْبُ، يُقَالُ: وَلِيَهُ وَلْيًا وَوَلاَيَةً أَيْ اقْتَرَبَ وَدَنا مِنْهُ، وَضِدُّ الوَلاَءِ: البُغْضُ وَالبُعْدُ، وَمِنْ مَعَانِي الوَلاَءِ أَيْضًا: الطَّاعَةُ والصَّدَاقَةُ والاتِّبَاعُ.
قرابة حكمية سببها الإنعام بالعتق.
* كتاب العين : (365/8)
* تهذيب اللغة : (324/15)
* معجم مقاييس اللغة : (141/6)
* تحفة المحتاج في شرح المنهاج : (375/10)
* معجم مقاييس اللغة : 141/6 - رد المحتار على الدر المختار : 91/1 - بدائع الصنائع : 160/4 - مغني الـمحتاج فـي شرح الـمنهاج : 506/4 - المبدع في شرح المقنع : 269/6 - الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف : 119/7 -
التَّعْرِيفُ:
1 ـ الْوَلاَءُ لُغَةً مِنَ الْوَلْيِ، وَهُوَ أَصْلٌ يَدُل عَلَى الْقُرْبِ. قَال الرَّاغِبُ: وَيُسْتَعَارُ ذَلِكَ لِلْقُرْبِ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ، وَمِنْ حَيْثُ النِّسْبَةُ، وَمِنْ حَيْثُ الدِّينُ، وَمِنْ حَيْثُ الصَّدَاقَةُ وَالنُّصْرَةُ وَالاِعْتِقَادُ.
وَمِنَ الْبَابِ: الْمَوْلَى، وَيُقَال لاِبْنِ الْعَمِّ وَالنَّاصِرِ وَالْحَلِيفِ وَالصَّاحِبِ وَالْمُعِينِ وَالْمُعْتَقِ وَالْجَارِ وَغَيْرِهِمْ.
أَمَّا الْوِلاَءُ ـ بِالْكَسْرِ ـ وَالتَّوَالِي، فَمَعْنَاهُمَا الْمُتَابَعَةُ، وَهِيَ أَنْ يَحْصُل شَيْئَانِ فَصَاعِدَا حُصُولاً لَيْسَ بَيْنَهُمَا مَا لَيْسَ مِنْهُمَا.
وَالْبَابُ كُلُّهُ - كَمَا قَال ابْنُ فَارِسٍ فِي مُعْجَمِ مَقَايِيسِ اللُّغَةِ - رَاجِعٌ إِلَى الْقُرْبِ. (1)
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْرِيفِ الْوَلاَءُ اصْطِلاَحًا: فَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ قَصَرُوهُ عَلَى الْقَرَابَةِ الْحُكْمِيَّةِ النَّاشِئَةِ عَنْ زَوَال الْمِلْكِ عَنِ الرَّقِيقِ بِالْحُرِّيَّةِ.
فَعَرَّفَهُ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ " اتِّصَالٌ كَالنَّسَبِ نَشَأَ عَنْ عِتْقٍ ". (2)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: " الْوَلاَءُ شَرْعًا: عُصُوبَةٌ نَاشِئَةٌ عَنْ حُرِّيَّةٍ حَدَثَتْ بَعْدَ زَوَال مِلْكٍ، مُتَرَاخِيَةٌ عَنْ عُصُوبَةِ نَسَبٍ، تَقْتَضِي لِلْمُعْتِقِ وَعَصَبَتِهِ الإِْرْثَ وَوِلاَيَةَ النِّكَاحِ وَالصَّلاَةَ عَلَيْهِ وَالْعَقْل عَنْهُ ". (3)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: " هُوَ ثُبُوتُ حُكْمٍ شَرْعِيٍّ - أَيْ عُصُوبَةٍ ثَابِتَةٍ - بِعِتْقٍ أَوْ تَعَاطِي سَبَبِهِ كَاسْتِيلاَدٍ وَتَدْبِيرٍ. (4)
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ: فَقَدْ عَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ قَرَابَةٌ حُكْمِيَّةٌ حَاصِلَةٌ مِنْ عِتْقٍ أَوْ مُوَالاَةٍ، وَمِنْ آثَارِهِ الإِْرْثُ وَالْعَقْل وَوِلاَيَةُ النِّكَاحِ. حَيْثُ إِنَّ الْوَلاَءَ عِنْدَهُمْ نَوْعَانِ:
ـ وَلاَءُ عَتَاقَةٍ: وَيُسَمَّى وَلاَءَ نِعْمَةٍ. وَسَبَبُهُ الإِْعْتَاقُ.
ـ وَوَلاَءُ مُوَالاَةٍ: وَسَبَبُهُ الْعَقْدُ الْمَعْرُوفُ بِالْمُوَالاَةِ. وَهُوَ أَنْ يُعَاهِدَ شَخْصٌ شَخْصًا آخَرَ عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَنَى فَعَلَيْهِ أَرْشُهُ، وَإِنْ مَاتَ فَمِيرَاثُهُ لَهُ، سَوَاءٌ كَانَا رَجُلَيْنِ أَوِ امْرَأَتَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا رَجُلاً وَالآْخَرُ امْرَأَةً. (5)
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ
أ - الْعِتْقُ:
2 - الْعِتْقُ فِي اللُّغَةِ الْحُرِّيَّةُ. (6)
وَاصْطِلاَحًا: هُوَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ يَصِيرُ بِهَا الْعَبْدُ أَهْلاً لِلتَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ. (7)
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَّلاَءِ وَالْعِتْقِ أَنَّ الْعِتْقَ سَبَبٌ لِلْوَلاَءِ.
ب - الإِْرْثُ:
3 ـ أَصْل الإِْرْثِ لُغَةً أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ لِقَوْمٍ ثُمَّ يَصِيرَ إِلَى آخَرِينَ بِنَسَبٍ أَوْ سَبَبٍ. أَمَّا فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ، فَيُطْلَقُ عَلَى مَا خَلَّفَهُ الْمَيِّتُ مِنَ الأَْمْوَال وَالْحُقُوقِ الَّتِي يَسْتَحِقُّهَا بِمَوْتِهِ مَنْ ثَبَتَ لَهُ ذَلِكَ شَرْعًا.
فَهُوَ حَقٌّ قَابِلٌ لِلتَّجَزُّؤِ يَثْبُتُ لِمُسْتَحِقِّهِ بَعْدَ مَوْتِ مَنْ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِقَرَابَةٍ بَيْنَهُمَا أَوْ نَحْوِهَا. (8)
وَالْعَلاَقَةُ بَيْنَ الْوَلاَءِ وَالإِْرْثِ أَنَّ الْوَلاَءَ سَبَبٌ لِلإِْرْثِ.
ج - الْعَقْل:
4 - الْمُرَادُ بِالْعَقْل: الدِّيَةُ. وَهِيَ فِي اللُّغَةِ: الْمَال الَّذِي يُعْطَى بَدَلاً لِلنَّفْسِ.
َوَالْعَقْل اصْطِلاَحًا: الْمَال الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ فِي نَفْسٍ أَوْ مَا دُونَ النَّفْسِ (9)
وَالصِّلَةُ بَيْنَ الْوَلاَءِ وَالْعَقْل أَنَّ الْوَلاَءَ سَبَبٌ لِلْعَقْل.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ باِلْوَلاَءِ:
يُقَسِّمُ الْفُقَهَاءُ الْوَلاَءَ إِلَى وَلاَءِ الْعَتَاقَةِ وَوَلاَءِ الْمُوَالاَةِ.
وَنَتَنَاوَل فِيمَا يَلِي بَيَانَ أحكام كُلٍّ مِنْهُمَا
النَّوْعُ الأَْوَّل: وَلاَءُ الْعَتَاقَةِ:
5 - وَلاَءُ الْعَتَاقَةِ أَوِ الْعِتْقِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: هُوَ عُصُوبَةٌ مُتَرَاخِيَةٌ عَنْ عُصُوبَةِ النَّسَبِ تَقْتَضِي لِلْمُعْتِقِ - وَلِعَصَبَتِهِ الذُّكُورِ مِنْ بَعْدِهِ - الإِْرْثَ وَالْعَقْل وَوِلاَيَةَ أَمْرِ النِّكَاحِ وَالصَّلاَةَ عَلَى مَنْ أَعْتَقَهُ.
وَاسْمُ " مَوْلَى الْعَتَاقَةِ " يَقَعُ عَلَى الْمُعْتِقِ وَعَلَى الْعَتِيقِ (10) وَقِيل: هُوَ مَنْ لَهُ وَلاَءُ الْعَتَاقَةِ، وَهُوَ الْمُعْتِقُ. (11)
مَشْرُوعِيَّةُ وَلاَءِ الْعَتَاقَةِ:
6 - ثَبَتَتْ مَشْرُوعِيَّةُ وَلاَءِ الْعَتَاقَةِ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. (12)
سَبَبُ ثُبُوتِ وَلاَءِ الْعَتَاقَةِ:
7 - سَبَبُ ثُبُوتِ هَذَا الْوَلاَءِ الْعِتْقُ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَبَبُهُ مَحْظُورًا فَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْوَلاَءَ لِلْمُعْتِقِ، سَوَاءٌ كَانَ الْعِتْقُ حَاصِلاً بِصُنْعِهِ وَهُوَ الْعَتَاقُ أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْعَتَاقِ شَرْعًا كَشِرَاءِ الْقَرِيبِ وَقَبُول الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ، أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ بِأَنْ وَرِثَ قَرِيبَهُ، وَسَوَاءٌ كَانَ الإِْعْتَاقُ بِغَيْرِ بَدَلٍ أَوْ بِبَدَلٍ، وَهُوَ الإِْعْتَاقُ عَلَى مَالٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَوْ مُضَافًا إِلَى وَقْتٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ صَرِيحًا أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَى الصَّرِيحِ، أَوْ كِنَايَةً أَوْ مَا يَجْرِي مَجْرَى الْكِنَايَةِ، وَكَذَا الْعِتْقُ الْحَاصِل بِالتَّدْبِيرِ وَالاِسْتِيلاَدِ، وَيَسْتَوِي فِيهِ صَرِيحُ التَّدْبِيرِ وَالإِْعْتَاقُ وَالاِسْتِيلاَدُ وَالْكِتَابَةُ، وَكَذَلِكَ الْوَلاَءُ لَهُ إِذَا أَعْتَقَهُ عَنْ وَاجِبٍ عَلَيْهِ كَالإِْعْتَاقِ عَنْ كَفَّارَةِ الْقَتْل أَوِ الظِّهَارِ أَوِ الإِْفْطَارِ فِي رَمَضَانَ، أَوِ الإِْيلاَءِ، أَوِ الْيَمِينِ أَوِ النَّذْرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الْمَذْهَبِ، وَالأَْصْل فِيهِ قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ (13) مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. (14)
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ أَنَّهُ لاَ وَلاَءَ لِلْمُعْتِقِ عَلَى الْمُعْتَقِ فِي هَذِهِ الأَْحْوَال. (15)
الْوَلاَءُ فِي الْعِتْقِ الْمَحْظُورِ:
8 ـ الْعِتْقُ قَدْ يَكُونُ مَحْظُورًا: وَمِنْ أَمْثِلَةِ الإِْعْتَاقِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الإِْعْتَاقُ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ الْمُعْتِقِ أَنَّهُ إِنْ أَعْتَقَهُ يَذْهَبُ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ، أَوْ يَرْتَدُّ، أَوْ يُخَافُ مِنْهُ السَّرِقَةُ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ، وَكَذَلِكَ الإِْعْتَاقُ لِلشَّيْطَانِ وَلِلصَّنَمِ.
وَقَالُوا: يَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي هَذِهِ الأَْحْوَال مَعَ تَحْرِيمِهِ.
وَصَرَّحُوا بِأَنَّ الْمُعْتِقَ يَكْفُرُ عَلَى الأَْظْهَرِ بِالإِْعْتَاقِ لِلشَّيْطَانِ وَالصَّنَمِ.
وَفِي قَوْلٍ يَكْفُرُ بِالإِْعْتَاقِ لِلصَّنَمِ، وَيَأْثَمُ بِالإِْعْتَاقِ لِلشَّيْطَانِ. وَفِي كُل هَذِهِ الصُّوَرِ يَثْبُتُ الْوَلاَءُ لِلْمُعْتِقِ. (16)
وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ ضِمْنَ أَمْثِلَةِ الْعِتْقِ الْمَحْظُورِ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتَقُ مِمَّا يُخَافُ عَلَيْهِ الْمُضِيُّ إِلَى دَارِ الْحَرْبِ وَالرُّجُوعُ عَنْ دِينِ الإِْسْلاَمِ، أَوْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ كَعَبْدٍ يُخَافُ أَنَّهُ إِذَا أُعْتِقَ وَاحْتَاجَ سَرَقَ وَفَسَقَ وَقَطَعَ الطَّرِيقَ، أَوْ جَارِيَةٍ يُخَافُ مِنْهَا الزِّنَا وَالْفَسَادُ.
وَقَالُوا: يُكْرَهُ الإِْعْتَاقُ فِي هَذِهِ الأَْحْوَال. وَأَمَّا إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ إِفْضَاءُ الإِْعْتَاقِ إِلَى الْمَحْظُورِ كَانَ الإِْعْتَاقُ مُحَرَّمًا لأَِنَّ التَّوَسُّل إِلَى الْحَرَامِ حَرَامٌ، وَإِنْ أَعْتَقَهُ صَحَّ لأَِنَّهُ إِعْتَاقٌ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ كَإِعْتَاقِ غَيْرِهِ.
وَقَالُوا: كُل مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا أَوْ عَتَقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يُعْتِقْهُ سَائِبَةً فَلَهُ عَلَيْهِ الْوَلاَءُ. (17)
الْوَلاَءُ فِي الإِْعْتَاقِ سَائِبَةً:
9 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ لَهُ الْوَلاَءُ فِي الإِْعْتَاقِ سَائِبَةً:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى الأَْصَحِّ وَابْنُ نَافِعٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ - فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى - إِلَى أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ سَائِبَةً كَقَوْلِهِ: أَعْتَقْتُكَ سَائِبَةً، فَالْوَلاَءُ لِلْمُعْتِقِ، وَهُوَ قَوْل النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ وَرَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ وَحَمْزَةَ بْنِ حَبِيبٍ؛ لِقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ (18) ، وَقَوْلِهِ ﷺ: الْوَلاَءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ (19) .
وَلأَِنَّهُ كَمَا لاَ يَزُول نَسَبُ إِنْسَانٍ وَلاَ وَلَدٍ عَنْ فِرَاشٍ بِشَرْطٍ لاَ يَزُول وَلاَءٌ عَنْ عَتِيقٍ بِذَلِكَ. (20) وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمَالِكِيَّةُ فِي حُكْمِ الإِْعْتَاقِ سَائِبَةً:
فَذَهَبُوا فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ الإِْقْدَامَ عَلَى ذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَصُورَتُهُ أَنْ يَقُول السَّيِّدُ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ سَائِبَةٌ، وَقَصَدَ بِهِ الْعِتْقَ.
وَقَال أَصْبَغُ: يَجُوزُ الإِْعْتَاقُ سَائِبَةً.
وَقَال ابْنُ الْمَاجِشُونَ: يُمْنَعُ الإِْعْتَاقُ سَائِبَةً. (21)
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَنْ لَهُ الْوَلاَءُ فِي الْعِتْقِ بِلَفْظِ سَائِبَةٍ:
فَذَهَبُوا فِي الْمُعْتَمَدِ إِلَى أَنَّ الْوَلاَءَ لِلْمُسْلِمِينَ وَهُوَ قَوْل عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالزُّهْرِيِّ وَمَكْحُولٍ وَأَبِي الْعَالِيَةِ. (22)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ إِلَى أَنَّهُ لاَ وَلاَءَ لِلْمُعْتِقِ عَلَى مُعْتَقِهِ فِي الإِْعْتَاقِ سَائِبَةً.
وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ هَذَا الاِتِّجَاهِ فِيمَا رَجَعَ مِنْ مِيرَاثِ الْمُعْتِقِ عَلَى رَأْيَيْنِ:
الرَّأْيُ الأَْوَّل: يَشْتَرِي بِهِ رِقَابًا يُعْتِقُهُمْ.
الرَّأْيُ الثَّانِي: مِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَال. قَال الْمَرْدَاوِيُّ: وَهُوَ الصَّحِيحُ. (23) اخْتِلاَفُ الدِّينِ وَأَثَرُهُ فِي ثُبُوتِ الْوَلاَءِ:
10 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي ثُبُوتِ الْوَلاَءِ لِلْمُعْتِقِ إِذَا اخْتَلَفَ دِينُهُ عَنْ دِينِ مُعْتَقِهِ.
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، إِلَى أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا يُبَايِنُهُ فِي دِينِهِ فَلَهُ وَلاَؤُهُ. (24)
وَاشْتَرَطَ الْمَالِكِيَّةُ لاِسْتِحْقَاقِ الْمُعْتِقِ الْوَلاَءَ أَنْ يَتَسَاوَى الْمُعْتِقُ وَالْمُعْتَقُ فِي الدِّينِ. (25) فَإِنْ كَانَ السَّيِّدُ كَافِرًا فَلاَ وَلاَءَ لَهُ عَلَى عَتِيقِهِ الْمُسْلِمِ بَل يَكُونُ وَلاَؤُهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ لاَ يَعُودُ إِلَيْهِ بِإِسْلاَمِهِ. (26)
وَقَال الدُّسُوقِيُّ: الْمُرَادُ بِالْوَلاَءِ هُنَا بِمَعْنَى الْمِيرَاثِ لاَ بِمَعْنَى اللُّحْمَةِ إِذْ هُوَ ثَابِتٌ لِمَنْ أَعْتَقَ وَلَوْ كَافِرًا. وَلاَ يَلْزَمُ مِنِ انْتِقَال الْمَال انْتِقَالُهَا. (27)
بَيْعُ الْوَلاَءِ وَهِبَتُهُ:
11 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ (الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ) إِلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ بَيْعُ الْوَلاَءِ وَلاَ هِبَتُهُ. وَذَلِكَ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ. (28) وَقَال: الْوَلاَءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ (29) . وَقَال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: لَعَنَ اللَّهُ مَنْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ (30) . وَلأَِنَّهُ مَعْنًى يُوَرَّثُ بِهِ، فَلاَ يَنْتَقِلُ، كَالْقَرَابَةِ. (31)
انْتِقَال الْوَلاَءِ بِالْمَوْتِ:
12 - ذَهَبَ فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْوَلاَءَ لِلْمُعْتِقِ ثُمَّ لِعَصَبَتِهِ بِنَفْسِهَا دُونَ أَصْحَابِ الْفُرُوضِ. (32) وَلاَ تَرِثُ امْرَأَةٌ بِالْوَلاَءِ إِلاَّ مِنْ عَتِيقِهَا وَأَوْلاَدِهِ وَعُتَقَائِهِ. (33) وَيَرَى إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَشُرَيْحٌ وَطَاوُسٌ أَنَّ الْوَلاَءَ يَجْرِي مَجْرَى الْمَال فَيُوَرَّثُ مِنَ الْمُعْتِقِ كَمَا يُوَرَّثُ سَائِرُ أَمْوَالِهِ. (34)
الْمِيرَاثُ بِالْوَلاَءِ
13 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ السَّيِّدَ يَرِثُ فِي الْحَالاَتِ الَّتِي يَثْبُتُ لَهُ فِيهَا الْوَلاَءُ جَمِيعَ مَال عَتِيقِهِ إِذَا مَاتَ، وَاتَّفَقَ دِينَاهُمَا، وَلَمْ يُخَلِّفْ وَارِثًا سِوَاهُ، وَذَلِكَ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْوَلاَءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ. وَالنَّسَبُ يُوَرَّثُ بِهِ، وَلاَ يُورَثُ، كَذَلِكَ الْوَلاَءُ. وَرُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَال: إِنَّ ابْنَةَ حَمْزَةَ أَعْتَقَتْ غُلاَمًا لَهَا، فَتُوُفِّيَ، وَتَرَكَ ابْنَتَهُ وَابْنَةَ حَمْزَةَ، فَقَسَمَ النَّبِيُّ ﷺ لَهَا النِّصْفَ وَلاِبْنَتِهِ النِّصْفَ. (35)
وَعَنِ الْحَسَنِ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: الْمِيرَاثُ لِلْعَصَبَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَصَبَةٌ فَالْوَلاَءُ. (36) وَعَنْهُ أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ عَبْدًا، فَقَال لِلنَّبِيِّ ﷺ: مَا تَرَى فِي مَالِهِ؟ قَال: " إِنْ مَاتَ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا فَهُوَ لَكَ ". (37) وَيُقَدَّمُ الْمَوْلَى فِي الْمِيرَاثِ عَلَى الْرَدِّ وَذَوِي الأَْرْحَامِ فِي قَوْل جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ.
وَإِنْ كَانَ لِلْمُعْتَقِ عَصَبَةٌ مِنْ نَسَبِهِ، أْو َذَوُو فُرُوضٍ تَسْتَغْرِقُ فُرُوضُهُمُ الْمَالَ، فَلاَ شَيْءَ لِلْمَوْلَى. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: لاَ نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلاَفًا؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْحَدِيثِ، وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا، فَمَا تَرَكَتِ الْفُرُوضُ فَلأَِوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ. وَفِي لَفْظٌ: فِلأَِوْلَى عَصَبَةٍ ذَكَرٍ. (38) وَالْعَصَبَةُ مِنَ الْقَرَابَةِ أَوْلَى مِنْ ذِي الْوَلاَءِ، لأَِنَّهُ مُشَبَّهٌ بِالْقَرَابَةِ، وَالْمُشَبَّهُ بِهِ أَقْوَى مِنَ الْمُشَبَّهِ، وَلأَِنَّ النَّسَبَ أَقْوَى مِنَ الْوَلاَءِ، بِدَلِيل أَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّحْرِيمُ وَالنَّفَقَةُ وَسُقُوطُ الْقِصَاصِ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ، وَلاَ يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِالْوَلاَءِ. (39) ر: إِرْث فَقْرَةَ 51
أ َمَّا إِذَا اخْتَلَفَ دِينُ الْمُعْتِقِ وَدِينُ الْمُعْتَقِ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ التَّوَارُثِ بَيْنَهُمَا.
فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ أَنَّهُ لاَ يَرِثُ الْمُعْتِقُ الْمُعْتَقَ مَعَ اخْتِلاَفِ دِينَيْهِمَا، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ، وَلاَ الْكَافِرُ الْمُسْلِمَ. (40) وَلأَِنَّهُ مِيرَاثٌ، فَيَمْنَعُهُ اخْتِلاَفُ الدِّينِ، كَمِيرَاثِ النَّسَبِ، وَلأَِنَّ اخْتِلاَفَ الدِّينِ مَانِعٌ مِنَ الْمِيرَاثِ، فَمَنْعُ الْمِيرَاثِ بِالْوَلاَءِ كَالْقَتْل وَالرِّقِّ، يُحَقِّقُهُ أَنَّ الْمِيرَاثَ بِالنَّسَبِ أَقْوَى، فَإِذَا مُنِعَ الأَْقْوَى فَالأَْضْعَفُ أَوْلَى وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَلْحَقَ الْوَلاَءَ بِالنَّسَبِ بِقَوْلِهِ: الْوَلاَءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ. وَكَمَا يَمْنَعُ اخْتِلاَفُ الدِّينِ التَّوَارُثَ مَعَ صِحَّةِ النَّسَبِ وَثُبُوتِهِ، كَذَلِكَ يَمْنَعُهُ مَعَ صِحَّةِ الْوَلاَءِ وَثُبُوتِهِ. فَإِذَا اجْتَمَعَا عَلَى الإِْسْلاَمِ تَوَارَثَا كَالْمُتَنَاسِبَيْنِ، وَهَذَا أَصَحُّ فِي الأَْثَرِ وَالنَّظَرِ ". (41)
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا أَعْتَقَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْمُسْلِمَ فَإِنَّ الْوَلاَءَ فِيهِ لِلْمُسْلِمِينَ لاَ لِلْمُعْتِقِ الْكَافِرِ وَلَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ ذَلِكَ. أَمَّا لَوْ أَعْتَقَ الْكَافِرُ عَبْدَهُ الْكَافِرَ ثُمَّ أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَإِنَّ وَلاَءَهُ يَنْتَقِل لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ عَصَبَتِهِ لِسَيِّدِهِ النَّصْرَانِيِّ. فَإِنْ أَسْلَمَ سَيِّدُهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّ الْوَلاَءَ يَعُودُ إِلَيْهِ.
قَال الْعَدَوِيُّ: وَالْمُرَادُ بِعَوْدِ الْوَلاَءِ هُنَا إِنَّمَا هُوَ الْمِيرَاثُ فَقَطْ.
وَإِذَا أَعْتَقَ مُسْلِمٌ كَافِرًا فَيَكُونُ الْمِيرَاثُ لِبَيْتِ الْمَال إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لِلْمُسْلِمِ أَقَارِبُ كُفَّارٌ فَيَكُونُ الْوَلاَءُ لَهُمْ. (42)
وَيَرَى الْحَنَابِلَةُ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَرِثُ مِنَ الْكَافِرِ وَالْكَافِرَ مِنَ الْمُسْلِمِ بِالْوَلاَءِ؛ (43) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: لاَ يَرِثُ الْمُسْلِمُ النُّصَرْاَنِيَّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ (44) .
14 - وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَقَ لاَ يَرِثُ مَنْ يُعْتِقُهُ لأَِنَّهُ لاَ قَرَابَةَ بَيْنَهُمَا وَإِنَّمَا أُلْحِقَ الْوَلاَءُ بِالنَّسَبِ فِي حَقِّ الْمُعْتِقِ حَيْثُ أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِهِ بِالإِْعْتَاقِ وَتَسَبَّبَ إِلَى حَيَاتِهِ مَعْنًى، فَجُوزِيَ بِاسْتِحْقَاقِ الإِْرْثِ صِلَةً لَهُ وَكَرَامَةً. وَهَذَا الْمَعْنَى مَعْدُومٌ مِنَ الْعَبْدِ فَلاَ يُقَاسُ عَلَيْهِ.
وَحُكِيَ عَنْ شُرَيْحٍ وَطَاوُسٍ أَنَّهُمَا وَرَّثَا الْمُعْتَقِ مِنَ الْمُعْتِقِ (45) لِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً مَاتَ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَلَمْ يَدَعْ وَارِثًا إِلاَّ عَبْدًا هُوَ أَعْتَقَهُ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ ﷺ مِيرَاثَهُ (46) .
تَحَمُّل الدِّيَةِ بِالْوَلاَءِ:
15 - نَصَّ جَمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ (وَهِيَ الَّتِي تَتَحَمَّل الدِّيَةَ فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ هُمُ الْعَصَبَةُ النَّسَبِيَّةُ ثُمَّ الْعَصَبَةُ بِسَبَبِ الْعِتْقِ. (3)
فَقَدْ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَاتِل دِيوَانٌ فَعَاقِلَتُهُ قَبِيلَتُهُ مِنَ النَّسَبِ لأَِنَّ اسْتِنْصَارَهُ بِهِمْ. وَإِنْ كَانَ الْقَاتِل مُعْتِقًا أَوْ مَوْلَى الْمُوَالاَةِ فَعَاقِلَتُهُ مَوْلاَهُ وَقَبِيلَةُ مَوْلاَهُ (47) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ (48) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: فِي الْمُعْتَمَدِ: عَاقِلَةُ الْجَانِي عَصَبَتُهُ النَّسَبِيَّةُ فَإِنْ لَمْ يَكُونُوا فَالْمُوَالُونَ الأَْعْلَوْنَ وَهُمُ الْمُعْتِقُونَ - بِكَسْرِ التَّاءِ - لأَِنَّهُمْ عَصَبَةُ سَبَبٍ، وَلَوْ أُنْثَى حَيْثُ بَاشَرَتِ الْعِتْقَ، وَيُقَدَّمُ الأَْقْرَبُ فَالأَْسْفَلُونَ (الْمُعْتَقُونَ - بِفَتْحِ التَّاءِ - حَيْثُ لَمْ يُوجَدْ مَنْ بَقِيَ مِنَ الأَْعْلَيْنِ، فَبَيْتُ الْمَالِ، إِنْ كَانَ الْجَانِي مُسْلِمًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْتُ مَالٍ فَتُنَجَّمُ عَلَى الْجَانِي. (2)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: عَاقِلَةُ الإِْنْسَانِ الْجَانِي هُمْ عَصَبَتُهُ النَّسَبِيَّةُ إِلاَّ الأَْصْل وَإِنْ عَلاَ، وَإِلاَّ الْفَرْعَ وَإِنْ سَفَل، ثُمَّ بَعْدَ عَصَبَةِ النَّسَبِ إِنْ فُقِدُوا، أَوْ لَمْ يُوَفُّوا مَا عَلَيْهِمْ مِنَ الْوَاجِبِ فِي الْجِنَايَةِ فَمُعْتِقٍ، ثُمَّ إِنْ فُقِدَ الْمُعْتِقُ أَوْ لَمْ يُوَفِّ مَا عَلَيْهِ فَعَصَبَةُ الْمُعْتِقِ مِنْ نَسَبٍ غَيْرِ أَصْلِهِ وَفَرْعِهِ، ثُمَّ مُعْتِقُ الْمُعْتِقِ ثُمَّ عَصَبَتُهُ وَهَكَذَا أَبَدًا. فَإِنْ فُقِدَ الْعَاقِل مِمَّنْ ذُكِرَ أَوْ لَمْ يُوَفِّ مَا عَلَيْهِ فَبَيْتُ الْمَال يَعْقِل عَنِ الْمُسْلِمِ لِخَبَرِ: أَنَا وَارِثُ مَنْ لاَ وَارِثَ لَهُ أَعْقِل عَنْهُ وَأَرِثُهُ. (49) وَلاَ يَعْقِل عَتِيقٌ عَنْ مُعْتِقِهِ فِي الأَْظْهَرِ كَمَا لاَ يَرِثُ، وَمُقَابِل الأَْظْهَرِ أَنَّهُ يَعْقِلُ، لأَِنّ الْعَقْل لِلنُّصْرَةِ وَالإِْعَانَةِ وَالْعَتِيقُ أَوْلَى بِهَا، وَهُوَ مَا رَجَّحَهُ الْبَلْقِينِيُّ مِنْهُمْ، أَمَّا عَصَبَةُ الْعَتِيقِ فَلاَ تَعْقِل عَنْ مُعْتِقِهِ قَطْعًا. (50)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: عَاقِلَةُ الإِْنْسَانِ: عَصَبَاتُهُ كُلُّهُمْ قَرِيبُهُمْ وَبَعِيدُهُمْ مِنَ النَّسَبِ وَالْوَلاَءِ إِلاَّ عَمُودَيْ نَسَبِهِ: آبَاؤُهُ وَأَبْنَاؤُهُ. وَقَالُوا: عَاقِلَةُ الْعَبْدِ الْمُعْتَقِ عَصَبَاتُ سَيِّدِهِ. (51)
النَّوْعُ الثَّانِي: وَلاَءُ الْمُوَالاَةِ
16 - الْمُوَالاَةُ لَغُةً مَصْدَرُ الْفِعْل وَالَى، فَيُقَال: وَالاَهُ مُوَالاَةً وَوَلاَءً؛ أَيْ تَابَعَهُ.
وَفِي الاِصْطِلاَحِ الْفِقْهِيِّ: هُوَ أَنْ يُعَاهِدَ شَخْصٌ شَخْصًا آخَرَ عَلَى أَنَّهُ إِنْ جَنَى فَعَلَيْهِ أَرْشُهُ وَإِنْ مَاتَ فَمِيرَاثُهُ لَهُ. (52) حُكْمُ وَلاَءِ الْمُوَالاَةِ:
17 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ عَقْدِ الْمُوَالاَةِ، وَمَدَى ثُبُوتِ الْوَلاَءِ بِهِ عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْوَالٍ: (أَحَدُهَا) وَهُوَ رَأْيُ الْحَنَفِيَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مِنَ الصَّحَابَةِ ﵃. وَهُوَ قَوْل إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالْحَكَمِ وَحَمَّادٍ. وَهُوَ أَنَّهُ وَلاَءٌ ثَابِتٌ بِعَقْدٍ مَشْرُوعٍ، سَوَاءٌ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ وَيَقَعُ بِهِ التَّوَارُثُ وَالْعَقْل (53) ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْمَعْقُول.
فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْل اللَّهِ ﷿: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} . (54) إِذِ الْمُرَادُ مِنَ النَّصِيبِ: الْمِيرَاثُ، لأَِنَّهُ سُبْحَانَهُ أَضَافَ النَّصِيبَ إِلَيْهِمْ، فَدَل عَلَى قِيَامِ حَقٍّ لَهُمْ مُقَدَّرٍ فِي التَّرِكَةِ، وَهُوَ الْمِيرَاثُ، لأَِنَّ هَذَا مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ( {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَْقْرَبُونَ} . (3) لَكِنْ هَذَا عِنْدَ عَدَمِ ذَوِي الأَْرْحَامِ، وَقَدْ عَرَفْنَاهُ بِقَوْلِهِ ﷿: ( {وَأُولُو الأَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} . (4)
وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ ﵁ قَال: يَا رَسُول اللَّهِ مَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُل يُسْلِمُ عَلَى يَدَيِ الرَّجُل مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَال: هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ. (55) أَيْ فِي حَال حَيَاتِهِ وَحَال مَوْتِهِ. قَال الْكَاسَانِيُّ: أَرَادَ بِهِ ﷺ مَحْيَاهُ فِي الْعَقْل وَمَمَاتَهُ فِي الْمِيرَاثِ. (56)
وَأَمَّا الْمَعْقُول: فَهُوَ: إِنَّ مَال الإِْنْسَانِ حَقُّهُ، فَيَصْرِفُهُ إِلَى حَيْثُ شَاءَ، وَالصَّرْفُ إِلَى بَيْتِ الْمَال إِنَّمَا هُوَ ضَرُورَةُ عَدَمِ الْمُسَتَحِقِّ، لاَ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ. (57)
وَأَيْضًا: فَإِنَّ بَيْتَ الْمَال إِنَّمَا يَرِثُ بِوَلاَءِ الإِْيمَانِ فَقَطْ، لأَِنَّهُ بَيْتُ مَال الْمُؤْمِنِينَ. قَال اللَّهُ ﷿: ( {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} ، (3) وَلِمَوْلَى الْمُوَالاَةِ هَذَا الْوَلاَءُ وَوَلاَءُ الْمُعَاقَدَةِ أَيْضًا، فَكَانَ أَوْلَى مِنْ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ. أَلاَ تَرَى أَنَّ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ أَوْلَى مِنْ بَيْتِ الْمَال لِلتَّسَاوِي فِي وَلاَءِ الإِْيمَانِ، وَالتَّرْجِيحُ لِوَلاَءِ الْعِتْقِ، كَذَا هَذَا.
إِلاَّ أَنَّ مَوْلَى الْمُوَالاَةِ يَتَأَخَّرُ عَنْ سَائِرِ الأَْقَارِبِ، وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ يَتَقَدَّمُ عَلَى ذَوِي الأَْرْحَامِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْوَلاَءَ بِالرَّحِمِ فَوْقَ الْوَلاَءِ بِالْعَقْدِ، فَيَتَأَخَّرُ عَنْ ذَوِي الأَْرْحَامِ، وَوَلاَءُ الْعَتَاقَةِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنَ النِّعْمَةِ بِالإِْعْتَاقِ الَّذِي هُوَ إِحْيَاءٌ وَإِيلاَدٌ مَعْنًى أُلْحِقَ بِالتَّعْصِيبِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى، (58) وَلِذَلِكَ قَال النَّبِيُّ ﷺ عَنْهُ: الْوَلاَءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ. (59)
(وَالثَّانِي) لِلْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الْمَشْهُورِ وَالْحَنَابِلَةِ: وَهُوَ أَنَّهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلاَ حُكْمَ لِهَذَا الْعَقْدِ، أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ، فَلاَ يَتَعَلَّقُ بِهِ إِرْثٌ وَلاَ عَقْلٌ. (60)
وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ: بِقَوْلِهِ ﷺ: إِنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ. (61) لأَِنَّ " إِنَّمَا " فِي الْحَدِيثِ لِلْحَصْرِ، وَالأَْلِفُ وَاللاَّمُ فِي " الْوَلاَءِ " لِلْحَصْرِ أَيْضًا. وَمَعْنَى الْحَصْرِ: أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ خَاصًّا بِالْمَحْكُومِ عَلَيْهِ، لاَ يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ. وَعَلَيْهِ فَلاَ يَكُونُ وَلاَءٌ بِحَسَبِ مَفْهُومِ هَذَا الْقَوّْل إِلاَّ لِلْمُعْتِقِ فَقَطْ.
وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لاَ حِلْفَ فِي الإِْسْلاَمِ. (62) قَال أَبُو الْوَلِيدِ ابْنُ رُشْدٍ: مَعْنَاهُ لاَ حُكْمَ لَهُ فِي الْمُوَارَثَةِ عَلَى مَا كَانَ يُفْعَل بِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ. (63)
وَاسْتَدَلُّوا كَذَلِكَ بِأَنَّ فِي عَقْدِ الْمُوَالاَةِ إِبْطَال حَقِّ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، لأَِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْعَاقِدِ وَارِثٌ، كَانَ وَرَثَتُهُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ، فَقَامُوا مَقَامَ الْوَرَثَةِ الْمُعَيَّنِينَ. وَكَمَا لاَ يَقْدِرُ عَلَى إِبْطَال حَقِّهِمْ، فَإِنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى إِبْطَال حَقِّ مَنْ قَامَ مَقَامَهُمْ.
(وَالثَّالِثُ) لإِِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي الْقَوْل الْمُقَابِل لِلْمَشْهُورِ: وَهُوَ أَنَّ وَلاَءَ الْمُوَالاَةِ إِنَّمَا يَثْبُتُ لِلشَّخْصِ إِذَا أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ آخَرُ، وَلَوْ لَمْ يُوَالِهِ. فَبِنَفْسِ الإِْسْلاَمِ عَلَى يَدَيْهِ يَكُونُ وَلاَؤُهُ لَهُ، وَيَرِثُهُ بِهِ.
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ وَعَطَاءٍ، وَبِهِ قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ. (64) وَحُجَّتُهُمْ حَدِيثُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ الآْنِفُ الذِّكْرِ. سَبَبُ ثُبُوتِ وَلاَءِ الْمُوَالاَةِ:
18 - ذَهَبَ أَصْحَابُ الْقَوْل الثَّالِثِ إِلَى أَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ هَذَا الْوَلاَءِ نَفْسُ إِسْلاَمِ الْمَرْءِ عَلَى يَدِ آخَرَ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ تَمِيمٍ ﵁ قَال: سَأَلْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَا السُّنَّةُ فِي الرَّجُل مِنْ أَهْل الشِّرْكِ يُسْلِمُ عَلَى يَدِ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟ فَقَال عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ: هُوَ أَوْلَى النَّاسِ بِمَحْيَاهُ وَمَمَاتِهِ. (65)
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَهُمْ أَصْحَابُ الْقَوْل الأَْوَّل أَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ الْوَلاَءِ عَقْدُ الْمُوَالاَةِ، وَهُوَ الإِْيجَابُ وَالْقَبُول بِأَنْ يَقُول لِصَاحِبِهِ: أَنْتَ مَوْلاَيَ تَرِثُنِي إِذَا مِتُّ وَتَعْقِل عَنِّي إِذَا جَنَيْتُ. فَيَقُول: قَبِلْتُ. سَوَاءٌ قَال ذَلِكَ لِلَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ أَوْ لآِخَرَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الإِْرْثَ وَالْعَقْل فِي الْعَقْدِ. وَلَوْ أَسْلَمَ شَخْصٌ عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَلَمْ يُوَالِهِ وَوَالَى غَيْرَهُ، فَهُوَ مَوْلًى لِلَّذِي وَالاَهُ. وَاحْتَجُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (66) حَيْثُ جَعَل الْوَلاَءَ لِلْعَاقِدِ دُونَ غَيْرِهِ.
قَال الْكَاسَانِيُّ: وَكَذَا لَمْ يُنْقَل أَنَّ الصَّحَابَةَ أَثْبَتُوا الْوَلاَءَ بِنَفْسِ الإِْسْلاَمِ، وَكُل النَّاسِ كَانُوا يُسْلِمُونَ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَكَانَ لاَ يَقُول أَحَدٌ لِمَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدِ أَحَدٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَ الَّذِي أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ، فَثَبَتَ أَنَّ نَفْسَ الإِْسْلاَمِ عَلَى يَدِ رَجُلٍ لَيْسَ سَبَبًا لِثُبُوتِ الْوَلاَءِ لَهُ، بَل السَّبَبُ هُوَ الْعَقْدُ، فَمَا لَمْ يُوجَدْ لاَ يَثْبُتُ الإِْرْثُ وَالْعَقْل (67) .
شَرَائِطُ عَقْدِ الْمُوَالاَةِ:
19 - شَرَائِطُ عَقْدِ الْمُوَالاَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ تِسْعَةٌ:
(أَحَدُهَا) عَقْل الْعَاقِدِ: إِذْ لاَ صِحَّةَ لِلإِْيجَابِ وَالْقَبُول بِدُونِ الْعَقْل. أَمَّا الْبُلُوغُ، فَهُوَ شَرْطُ الاِنْعِقَادِ فِي جَانِبِ الإِْيجَابِ، فَلاَ يَنْعَقِدُ الإِْيجَابُ مِنَ الصَّبِيِّ وَإِنْ كَانَ عَاقِلاً، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ الصَّبِيُّ الْعَاقِل عَلَى يَدِ رَجُلٍ وَوَالاَهُ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ أَذِنَ أَبُوهُ الْكَافِرُ بِذَلِكَ، لأَِنَّ هَذَا عَقْدٌ، وَعَقْدُ الصَّبِيِّ الْعَاقِل إِنَّمَا يَقِفُ عَلَى إِذْنِ وَلِيِّهِ، وَلاَ وِلاَيَةَ لِلأَْبِ الْكَافِرِ عَلَى وَلَدِهِ الْمُسْلِمِ، فَكَانَ إِذْنُهُ وَالْعَدَمُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلِهَذَا لاَ تَجُوزُ سَائِرُ عُقُودِهِ بِإِذْنِهِ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ، كَذَا عَقْدُ الْمُوَالاَةِ.
وَأَمَّا فِي جَانِبِ الْقَبُولِ، فَهُوَ شَرْطُ النَّفَاذِ، حَتَّى لَوْ وَالَى بَالِغٌ صَبِيًّا، فَقَبِل الصَّبِيُّ، يَنْعَقِدُ مَوْقُوفًا عَلَى إِجَازَةِ أَبِيهِ أَوْ وَصِيِّهِ. فَإِنْ أَجَازَهُ نَفَذَ، لأَِنَّ هَذَا نَوْعُ عَقْدٍ، فَكَانَ قَبُول الصَّبِيِّ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ قَبُولِهِ فِي سَائِرِ الْعُقُودِ، ً فَيَجُوزُ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ وَوَصِيِّهِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ، وَإِنْ رَدَّهُ بَطَل. (68)
أَمَّا الإِْسْلاَمُ، فَلَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ هَذَا الْعَقْدِ، فَتَصِحُّ وَتَجُوزُ مُوَالاَةُ الذِّمِّيِّ الذِّمِّيَّ وَالذِّمِّيِّ الْمُسْلِمَ وَالْمُسْلِمِ الذِّمِّيَّ، لأَِنَّ الْمُوَالاَةَ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ، وَلَوْ أَوْصَى ذِمِّيٌّ لِذِمِّيٍّ أَوْ لِمُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمٌ لِذِمِّيٍّ بِالْمَال جَازَتِ الْوَصِيَّةُ، كَذَا الْمُوَالاَةُ.
وَكَذَا الذُّكُورَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ، فَتَجُوزُ مُوَالاَةُ الرَّجُل امْرَأَةً وَالْمَرْأَةِ رَجُلاً. وَكَذَا دَارُ الإِْسْلاَمِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ أَيْضًا، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ فَوَالَى مُسْلِمًا فِي دَارِ الإِْسْلاَمِ أَوْ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ مَوْلاَهُ، لأَِنَّ الْمُوَالاَةَ عَقْدٌ مِنَ الْعُقُودِ، فَلاَ يَخْتَلِفُ بِالذُّكُورَةِ وَالأُْنُوثَةِ وَبِدَارِ الإِْسْلاَمِ وَبِدَارِ الْحَرْبِ. (69)
(وَالشَّرْطُ الثَّانِي) أَنْ لاَ يَكُونَ لِلْعَاقِدِ وَارِثٌ: وَهُوَ أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ مِنْ أَقَارِبِهِ مَنْ يَرِثُهُ. فَإِنْ كَانَ لَمْ يَصِحَّ عَقْدُ الْمُوَالاَةِ، لأَِنَّ الْقَرَابَةَ أَقْوَى مِنْهُ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: ( {وَأُولُو الأَْرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} . (3) فَإِنْ كَانَ لَهُ زَوْجٌ أَوْ زَوْجَةٌ يَصِحُّ الْعَقْدُ، وَيُعْطَى نَصْيِبَهُ أَوْ نَصْيِبَهَا، وَالْبَاقِي لِلْمَوْلَى. (70)
(وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ) أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ وَلاَءُ عَتَاقَةٍ: فَإِنْ كَانَ فَلاَ يَصِحُّ مِنْهُ عَقْدُ الْمُوَالاَةِ، لأَِنَّ وَلاَءَ الْعَتَاقَةِ أَقْوَى مِنْ وَلاَءِ الْمُوَالاَةِ، لأَِنَّهُ لاَ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، وَوَلاَءُ الْمُوَالاَةِ يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ، فَلاَ يَجُوزُ رَفْعُ الأَْقْوَى بِالأَْضْعَفِ. (71)
(وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ) أَنْ لاَ يَكُونَ لَهُ وَلاَءُ مُوَالاَةٍ مَعَ أَحَدٍ وَقَدْ عَقَل عَنْهُ: لأَِنَّهُ لَمَّا عَاقَدَ غَيْرَهُ فَعَقَل عَنْهُ، فَقَدْ تَأَكَّدَ عَقْدُهُ وَلَزِمَ، وَخَرَجَ عَنِ احْتِمَال النَّقْضِ وَالْفَسْخِ، فَلاَ يَصِحُّ مُعَاقَدَةُ غَيْرِهِ. (72)
(وَالشَّرْطُ الْخَامِسُ) أَنْ لاَ يَكُونَ قَدْ عَقَل عَنْهُ بَيْتُ الْمَال: لأَِنَّهُ إِذَا عَقَل عَنْهُ بَيْتُ الْمَالِ، فَقَدْ صَارَ وَلاَؤُهُ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلاَ يَجُوزُ تَحْوِيلُهُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ. (73)
(وَالشَّرْطُ السَّادِسُ) أَنْ يَكُونَ حُرًّا مَجْهُول النَّسَبِ: وَذَلِكَ بِأَلاَّ يُنْسَبَ إِلَى غَيْرِهِ إِذْ لاَ يُدْرَى لَهُ أَبٌ فِي مَسْقَطِ رَأْسِهِ، لأَِنَّ مَنْ عُرِفَ نَسَبُهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ. وهَذَاَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي الْمَذْهَبِ.
أَمَّا نِسْبَةُ غَيْرِهِ إِلَيْهِ فَغَيْرُ مَانِعٍ مِنْ صِحَّةِ مُوَالاَتِهِ. (74)
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ: كَوْنُهُ مَجْهُول النَّسَبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ. (75)
(وَالشَّرْطُ السَّابِعُ) أَنْ لاَ يَكُونَ مِنَ الْعَرَبِ: حَتَّى لَوْ وَالَى عَرَبِيٌّ رَجُلاً مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِهِ، لَمْ يَكُنْ مَوْلاَهُ، وَلَكِنْ يُنْسَبُ إِلَى عَشِيرَتِهِ، وَهُمْ يَعْقِلُونَ عَنْهُ، لأَِنَّ جَوَازَ الْمُوَالاَةِ لِلتَّنَاصُرِ، وَالْعَرَبُ يَتَنَاصَرُونَ بِقَبَائِلِهِمْ، فَأَغْنَى عَنْ عَقْدِ الْمُوَالاَةِ. وَإِنَّمَا تَجُوزُ مُوَالاَةُ الْعَجَمِ لأَِنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ قَبِيلَةٌ يَتَنَاصَرُونَ بِهَا، فَتَجُوزُ مُوَالاَتُهُمْ لأَِجْل التَّنَاصُرِ.
وَأَمَّا الَّذِي هُوَ مِنَ الْعَرَبِ، فَلَهُ قَبِيلَةٌ يَنْصُرُونَهُ، وَالنُّصْرَةُ بِالْقَبِيلَةِ أَقْوَى، فَلاَ يَصِيرُ مَوْلًى. وَلِهَذَا لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ وَلاَءُ الْعَتَاقَةِ وَكَذَا وَلاَءُ الْمُوَالاَةِ. وَلأَِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَثْبُتْ عَلَيْهِ وَلاَءُ الْعَتَاقَةِ مَعَ أَنَّهُ أَقْوَى، فَوَلاَءُ الْمُوَالاَةِ أَوْلَى بِعَدَمِ الثُّبُوتِ عَلَيْهِ. (76)
وَقَدْ عَلَّقَ ابْنُ عَابِدِينَ عَلَى اشْتِرَاطِ صَاحِبِ الدُّرِّ هَذَا الشَّرْطَ، فَقَال: وَيُغْنِي عَنْ هَذَا كَوْنُهُ مَجْهُول النَّسَبِ، لأَِنَّ الْعَرَبَ أَنْسَابُهُمْ مَعْلُومَةٌ. (77)
(وَالشَّرْطُ الثَّامِنُ) أَنْ لاَ يَكُونَ مِنْ مَوَالِي الْعَرَبِ: لأَِنَّ مَوْلاَهُمْ مِنْهُمْ، لِقَوْلِهِ ﷺ: مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. (78)
(وَالشَّرْطُ التَّاسِعُ) أَنْ يَشْتَرِطَ الْعَقْل وَالإِْرْثَ: أَيْ أَنْ يَعْقِل عَنْهُ إِذَا جَنَى وَيَرِثَهُ إِذَا مَاتَ. (79)
صِفَةُ عَقْدِ الْمُوَالاَةِ:
20 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُوَالاَةَ عَقْدٌ جَائِزٌ غَيْرُ لاَزِمٍ، وَلِكُل وَاحِدٍ مِنْ طَرَفَيْهِ أَنْ يَفْسَخَهُ بِإِرَادَتِهِ الْمُنْفَرِدَةِ، دُونَ تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا الطَّرَفِ الآْخَرِ. حَتَّى لَوْ وَالَى رَجُلاً كَانَ لَهُ أَنْ يَتَحَوَّل عَنْهُ بِوَلاَئِهِ إِلَى غَيْرِهِ. لأَِنَّهُ عَقْدٌ لاَ يُمْلَكُ بِهِ شَيْءٌ، فَلَمْ يَكُنْ لاَزِمًا، كَالْوَكَالَةِ وَالشَّرِكَةِ. وَلأَِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ، وَالْوَصِيَّةُ غَيْرُ لاَزِمَةٍ، فَكَذَا عَقْدُ الْمُوَالاَةِ، إِلاَّ إِذَا عَقَل عَنْهُ، فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ فَسْخُهُ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ وَحُصُول الْمَقْصُودِ مِنْهُ. حَيْثُ إِنَّ وِلاَيَةَ التَّحَوُّل قَبْل أَنْ يَعْقِل بِهِ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ، فَإِذَا عَقَل عَنْهُ، صَارَ كَالْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ. وَلأَِنَّهُ إِذَا عَقَل عَنْهُ فَقَدْ تَأَكَّدَ الْعَقْل بِقَضَاءِ الْقَاضِي، وَفِي التَّحَوُّل بِهِ إِلَى غَيْرِهِ فَسْخُ قَضَائِهِ، وَهُوَ لاَ يَمْلِكُ فَسْخَ الْقَضَاءِ.
وَكَذَلِكَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ صَرِيحًا قَبْل أَنْ يَعْقِل عَنْهُ - بِأَنْ يَقُول لَهُ: فَسَخْتُ عَقْدَ الْمُوَالاَةِ مَعَكَ - لأَِنَّ كُل عَقْدٍ غَيْرُ لاَزِمٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، لِكُل وَاحِدٍ مِنَ الْعَاقِدَيْنِ فَسْخُهُ، إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ إِلاَّ بِحَضْرَةِ الآْخَرِ، أَيْ بِعِلْمِهِ، لأَِنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الآْخَرِ، فَلاَ يَمْلِكُ إِسْقَاطَهُ مَقْصُورًا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ، كَعَزْل الْوَكِيل مَقْصُورًا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ، إِلاَّ أَنْ يُوَالِيَ الأَْسْفَل (أَيِ الْمَوْلَى الْمُوجِبُ) آخَرَ، فَيَكُونُ ذَلِكَ نَقْضًا دَلاَلَةً، وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ صَاحِبُهُ، أَوِ انْتِقَاضًا ضَرُورَةً، لأَِنَّهُ لاَ يَمْلِكُ مُوَالاَةَ غَيْرِهِ إِلاَّ بِانْفِسَاخِ عَقْدِهِ الأَْوَّل فَيَنْفَسِخُ الأَْوَّل دَلاَلَةً وَضَرُورَةً. إِذْ كَثِيرًا مَا يَثْبُتُ الشَّيْءُ دَلاَلَةً أَوْ ضَرُورَةً، وَإِنْ كَانَ لاَ يَثْبُتُ قَصْدًا. (80) الأَْثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى عَقْدِ الْمُوَالاَةِ:
21 - الأَْثَرُ الْمُتَرَتِّبُ عَلَى عَقْدِ الْمُوَالاَةِ الْعَقْل (الدِّيَةُ) فِي حَال الْحَيَاةِ، وَالإِْرْثُ بَعْدَ الْمَوْتِ. أَيْ إِنَّ الْمَوْلَى الأَْعْلَى يَعْقِل عَنْهُ فِي حَال حَيَاتِهِ إِذَا جَنَى، وَيَرِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ. (81)
كَذَلِكَ نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الأَْسْفَل يَرِثُ مِنَ الأَْعْلَى أَيْضًا إِذَا شَرَطَا ذَلِكَ فِي الْمُعَاقَدَةِ، خِلاَفًا لِوَلاَءِ الْعَتَاقَةِ الَّذِي يَرِثُ فِيهِ الأَْعْلَى مِنَ الأَْسْفَلِ، وَلاَ يَرِثُ الأَْسْفَل مِنَ الأَْعْلَى، لأَِنَّ سَبَبَ الإِْرْثِ هُنَاكَ وُجِدَ مِنَ الأَْعْلَى لاَ مِنَ الأَْسْفَلِ، وَهُوَ الْعِتْقُ، وَالسَّبَبُ هَهُنَا الْعَقْدُ، وَقَدْ شُرِطَ فِيهِ التَّوَارُثُ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، فَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ (82) لِقَوْلِهِ ﷺ: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ. (83)
انْتِقَال عَقْدِ الْمُوَالاَةِ:
22 - نَصَّ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الْوَلاَءَ الثَّابِتَ بِهَذَا الْعَقْدِ لاَ يَحْتَمِل التَّمْلِيكَ بِالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ، لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ، فَلاَ يَكُونُ مَحَلًّا لِلْبَيْعِ كَالنَّسَبِ وَوَلاَءِ الْعَتَاقَةِ، وَلِقَوْلِهِ ﷺ: الْوَلاَءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ. (84)
قَال الْكَاسَانِيُّ: وَلَوْ بَاعَ الْمَوْلَى الأَْسْفَل وَلاَءَهُ مِنْ آخَرَ أَوْ وَهَبَهُ، فَإِنَّهُ لاَ يَكُونُ بَيْعًا وَلاَ هِبَةً، وَلَكِنَّهُ يَكُونُ نَقْضًا لِوَلاَءِ الأَْوَّل وَمُوَالاَةً لِهَذَا الثَّانِي، لأَِنَّ الْوَلاَءَ لاَ يُعْتَاضُ عَنْهُ، فَبَطَل الْعِوَضُ، وَبَقِيَ قَوْلُهُ: (الْوَلاَءُ لَكَ) فَيَكُونُ مُوَالاَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ الثَّانِي، كَمَا لَوْ سَلَّمَ الشُّفْعَةَ بِمَالٍ، صَحَّ التَّسْلِيمُ، لَكِنْ لاَ يَجِبُ الْمَال. (85)
مَا يَثْبُتُ بِهِ عَقْدُ الْمُّوَالاَةِ:
23 - قَال الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ وَلاَءَ الْمُوَالاَةِ يَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ وَلاَءُ الْعَتَاقَةِ، وَهُوَ الشَّهَادَةُ الْمُفَسِّرَةُ، أَوِ الإِْقْرَارُ، سَوَاءٌ كَانَ الإِْقْرَارُ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ، لأَِنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي إِقْرَارِهِ، إِذْ لَيْسَ لَهُ وَارِثٌ مَعْلُومٌ، فَيَصِحُّ إِقْرَارُهُ كَمَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ بِجَمِيعِ مَالِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْلُوٌم. (86)
__________
(1) معجم مقاييس اللغة 6 141، ومفردات الراغب ص 885 " ط دار القلم "، والمصباح المنير 2 841، وحلية الفقهاء ص 208، وأساس البلاغة ص 509، والمغرب 2 371، وأنيس الفقهاء للقونوي ص 261 وما بعدها.
(2) حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني 2 225، والزرقاني على خليل 8 169 وحاشية البناني عليه.
(3) تحفة المحتاج 10 375، وانظر حاشية القليوبي 4 357، وكفاية الأخيار 2 177.
(4) شرح منتهى الإرادات 2 640، وانظر المبدع 6 269.
(5) رد المحتار 5 74، وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي 2 1527 " ط كلكته "، ومجمع الأنهر 2 423، وتكملة فتح القدير 8 153، وتكملة البحر الرائق 8 73، وأنيس الفقهاء للقونوي ص 261 وما بعدها، والمغرب 2 372، والكليات للكفوي 5 43 " ط دمشق "، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي 734.
(6) القاموس المحيط، ومختار الصحاح.
(7) طلبة الطلبة ص 63، والتعريفات للجرجاني ص 79، وقواعد الفقه للبركتي، والمغرب 2 41، وحلية الفقهاء ص 208، والمطلع ص 314، والعذب الفائض 1 16، وحاشية البقري ص9.
(8) العذاب الفائق 1 16، وحاشية البقري ص9.
(9) المصباح المنير 2 813، وتكملة فتح القدير 9 204، ونهاية المحتاج 7 279، ومطالب أولي النهى 6 75، وكفاية الطالب الرباني وحاشية العدوي عليه 2 237.
(10) كفاية الأخيار 2 177.
(11) كشاف اصطلاحات الفنون 2 1528.
(12) حديث: " إنما الولاء لمن أعتق " أخرجه البخاري (فتح الباري 4 369 - ط السلفية) ، ومسلم (2 1141 - ط الحلبي) من حديث عائشة ﵂.
(13) تقدم تخريجه ف6.
(14) بدائع الصنائع 4 160، وحاشية الدسوقي 4 417، والشرح الصغير 4 572، وعقد الجواهر الثمينة 3 37، ومغني المحتاج 4 507، وروضة الطالبين 12 170، وكشاف القناع 4 498، والمغني لابن قدامة 9 348، والإنصاف 7 377، ومعونة أولي النهى 6 724، والفروع 5 60.
(15) الإنصاف 7 377، والفروع 5 60.
(16) البحر الرائق 4 248، وفتح القدير 4 452، والدر المختار مع رد المحتار 3 10، وبدائع الصنائع 4 160.
(17) المغني لابن قدامة 9 330 " ط هجر "، والفروع 5 78، والمغني 6 348 " ط الرياض "، والإنصاف 7 375.
(18) حديث: " إنما الولاء لمن أعتق. . . " تقدم فقرة (6) .
(19) حديث: " الولاء لحمة كلحمة النسب. . " عزاه ابن حجر في التلخيص (4 512 - ط العلمية) إلى ابن جرير في التهذيب وقال: ظاهر إسناده الصحة.
(20) بدائع الصنائع 4 160، وفتح القدير 4 452، ومغني المحتاج 4 507، وأسنى المطالب 4 458، ومعونة أولي النهى 6 726، والإنصاف 7 377، والمغني 6 353، وعقد الجواهر الثمينة 3 371.
(21) حاشية الدسوقي 4 417.
(22) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 4 417، وعقد الجواهر الثمينة 3 371، والمغني 6 353.
(23) الإنصاف 7 377 ـ378.
(24) حاشية ابن عابدين 5 74، والحاوي للماوردي 22 98، وروضة الطالبين 12 170، والإنصاف 7 383.
(25) الفواكه الدواني 2 208.
(26) عقد الجواهر الثمينة 3 370.
(27) حاشية الدسوقي 4 416.
(28) حديث: " نهى عن بيع الولاء وعن هبته " أخرجه البخاري (فتح الباري 5 176 - ط السلفية) ، ومسلم (2 1145 - ط الحلبي) من حديث ابن عمر.
(29) حديث: " الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب " تقدم تخريجه فقرة (9) .
(30) حديث: " لعن الله من تولى غير مواليه " أخرجه أحمد (1 317 - ط الميمنية) من حديث عبد الله بن عباس، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1 103) : رجاله رجال الصحيح.
(31) البدائع 4 167، وكفاية الطالب الرباني 2 226، والقوانين الفقهية ص 383، والمهذب 2 22، والمغني 9 220 ط هجر.
(32) بدائع الصنائع 4 164، والمهذب 2 22، والمغني 9 220، والمبدع 6 281، والإنصاف 7 387.
(33) معونة أولي النهى 6 735، والمغني 6 365، ومغني المحتاج 4 507، والقوانين الفقهية ص 383ـ384.
(34) البدائع 4 164، والحاوي 22 109.
(35) حديث عبد الله بن شداد: " إن ابنة حمزة أعتقت غلاما لها. . . " أخرجه البيهقي (6 240 - ط المعارف العثمانية) ، وحكم عليه بالانقطاع لإرساله.
(36) حديث الحسن مرسلا: " الميراث للعصبة. . . " أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1 75 - ط علمي بريس) .
(37) حديث: " أن رجلا أعتق عبدا. . . " أخرجه البيهقي في السنن (6 240 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث الحسن مرسلا.
(38) حديث: " ألحقوا الفرائض بأهلها. . " أخرجه البخاري (فتح الباري 12 27 - ط السلفية) ، ومسلم (3 1234 - ط الحلبي) من حديث أسامة بن زيد. ولفظه: " فلأولى عصبة ذكر ": قال ابن حجر في فتح الباري (12 12 - ط السلفية) : قال ابن الجوزي والمنذري: هذه اللفظة غير محفوظة.
(39) المغني لابن قدامة 9 215، 216 ط هجر.
(40) حديث: " لا يرث المسلم الكافر. . " أخرجه البخاري (فتح الباري 12 50 - ط السلفية) ، ومسلم (3 1233 - ط الحلبي) .
(41) السيل الجرار للشوكاني 3 400، وبدائع الصنائع 4 161، والمهذب 2 25، ومغني المحتاج 3 20، 24، والمغني 9 217، والإنصاف ج7 ص383، 384، وأحكام أهل الذمة لابن القيم 2 472 وما بعدها.
(42) حاشية العدوي على شرح الرسالة 2 225، وشرح الخرشي 8 162 ـ163.
(43) المغني 9 217، والإنصاف 7 383 - 384 ومطالب أولي النهى 4 647.
(44) حديث: " لا يرث المسلم النصراني. . . " أخرجه الدارقطني (4 74 - ط دار المحاسن) من حديث جابر بن عبد الله مرفوعا، ثم ذكر (4 75) أن المحفوظ وقفه على جابر بن عبد الله.
(45) الاختيار 5 110، ومغني المحتاج 3 20، والحاوي للماوردي 22 91، ومطالب أولي النهى 4 561، والمغني 6 380، والقوانين الفقهية ص 382.
(46) حديث ابن عباس: " أن رجلا مات على عهد النبي ﷺ. . . " أخرجه الترمذي (4 423 - ط الرسالة) عن البخاري أنه قال عن أحد رواته: لم يصح حديثه.
(47) بدائع الصنائع 7 256، وتكملة فتح القدير 398، والاختيار 5 61.
(48) حديث: " مولى القوم من أنفسهم " أخرجه البخاري (فتح الباري 12 48 - ط السلفية) من حديث أنس بن مالك ﵁.
(49) حديث: " أنا وارث من لا وارث له. . . " أخرجه أبو داود (3 320 - ط حمص) من حديث المقدام بن معد يكرب ﵁، ونقل ابن حجر في التلخيص (3 182 - علمية) عن أبي زرعة أنه قال: حديث حسن.
(50) مغني المحتاج 4 96، وتحفة المحتاج مع حاشية الشرواني 9 28 ـ29.
(51) الإنصاف 7 119 ـ120، ومطالب أولي النهى 6 136.
(52) قواعد الفقه للبركتي ص 513.
(53) الهداية مع الفتح والكفاية 8 161، ورد المحتار 5 78، ومجمع الأنهر والدر المنتقى 2 427، 428، وروضة القضاة للسمناني 3 1128، وكشاف اصطلاحات الفنون 2 1528.
(54) سورة النساء 33.
(55) حديث تميم الداري: " يا رسول الله، ما السنة في الرجل يسلم على يدي الرجل. . . " أخرجه أبو داود (3 333 - 334 - ط حمص) ، ونقل ابن حجر في فتح الباري (12 46) عن الشافعي أنه قال: هذا الحديث ليس بثابت، كما نقل ابن حجر عن الخطابي أنه قال: ضعف أحمد هذا الحديث.
(56) البدائع 4 170، وانظر الكفاية على الهداية 8 163.
(57) الهداية 8 163.
(58) البدائع 4 170.
(59) حديث: " الولاء لحمة كلحمة. . . " سبق تخريجه ف9.
(60) حاشية العدوي على شرح الرسالة 2 226، والمقدمات الممهدات 3 129، والاشراف للقاضي عبد الوهاب 2 994 ـ 995، والفواكه الدواني 2 209، وحاشية الشرواني على التحفة 10 375، والمهذب 2 22، وروضة الطالبين 12 170، وأسنى المطالب 4 459، والمغني لابن قدامة 9 255 ط هجر.
(61) حديث: " إنما الولاء. . . . " تقدم تخريجه فـ6.
(62) حديث جبير بن مطعم: " لا حلف في الإسلام " أخرجه مسلم (4 1961 - ط الحلبي) ، وأخرجه البخاري (فتح الباري 4 472 - ط السلفية) ، وأخرجه أيضا مسلم (4 1690) من حديث أنس بن مالك.
(63) المقدمات الممهدات 3 129.
(64) بدائع الصنائع 4 170، والاشراف للقاضي عبد الوهاب 2 994 - 995، المقدمات الممهدات 3 133، وكفاية الطالب الرباني 6 226، 226، والفواكه الدواني 2 209، وبداية المجتهد 2 362، والمهذب 2 22، وأسنى المطالب 4 459، وحاشية الشرواني التحفة 10 375، والمغني 9 254، والسيل الجرار للشوكاني 3 397، 398.
(65) حديث تميم: " هو أولى الناس. . " سبق تخريجه فـ 17.
(66) سورة النساء 33.
(67) البدائع 4 170.
(68) بدائع الصنائع 4 170، ورد المحتار 5 78، وتكملة فتح القدير 8 162، 163.
(69) البدائع 4 171.
(70) البدائع 4 171، والدر المنتقى 2 428.
(71) رد المحتار 5 79، وتكملة البحر الرائق 8 77، وتكملة الفتح مع الفتح مع الكفاية والعناية 8 162، والبدائع 4 171، والدر المنتقى 4 428.
(72) تكملة البحر 8 77، والبدائع 4 171، ورد المحتار 5 79، وتكملة 79، وتكملة الفتح مع الكفاية والعناية 8 162.
(73) البدائع 4 171، والدر المنتقى 2 428.
(74) العناية وتكملة الفتح 8 162، وتكملة البحر الرائق 8 77.
(75) رد المحتار 5 79، وتكملة البحر 8 77، والدر المنتقى 2 428، والعناية وتكملة الفتح 8 162.
(76) البدائع 4 171، والعناية وتكملة الفتح 8 162، وتكملة البحر 8 77.
(77) رد المحتار 5 79.
(78) حديث: " مولى القوم. . " تقدم تخريجه فـ 15.
(79) رد المحتار 5 79، وتكملة البحر الرائق 8 78، والكفاية وتكملة الفتح 8 162، 163، والدر المنتقى 2 428.
(80) البدائع 4 171، وتكملة البحر 8 79، والدر المنتقى 2 427، 428، والهداية وشروحها 8 163.
(81) تكملة البحر الرائق 8 77.
(82) بدائع الصنائع 4 172، ورد المحتار 5 78.
(83) حديث: " المسلمون على شروطهم " أخرجه الترمذي (3 626 ط الحلبي) وقال: حديث حسن صحيح.
(84) حديث: " الولاء لحمة كلحمة. . " تقدم تخريجه فـ 9.
(85) البدائع 4 173.
(86) البدائع 4 173.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 119/ 45
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".