البصير
(البصير): اسمٌ من أسماء الله الحسنى، يدل على إثباتِ صفة...
أن يُطلب من شخص فأكثر أن يشهد على أمر ليؤدي الشهادة أمام القاضي حال الحاجة . ومن شواهده قوله تعالى : ﭽﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏﭼالطلاق :٢ .
أن يُطلب من شخص فأكثر أن يشهد على أمر ليؤدي الشهادة أمام القاضي حال الحاجة.
التَّعْرِيفُ:
1 - الإِْشْهَادُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ أَشْهَدَ، وَأَشْهَدْتُهُ عَلَى كَذَا فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَيْ: صَارَ شَاهِدًا، وَأَشْهَدَنِي عَقْدَ زَوَاجِهِ: أَيْ أَحْضَرَنِي. (1) وَلاَ يَخْرُجُ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِلإِْشْهَادِ عَنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ. وَسَيَقْتَصِرُ الْبَحْثُ عَلَى الإِْشْهَادِ بِالْمَعْنَى الأَْوَّل وَهُوَ: طَلَبُ تَحَمُّل الشَّهَادَةِ.
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الشَّهَادَةُ:
2 - قَدْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ دُونَ سَبْقِ إِشْهَادٍ، تَحْصُل بِطَلَبٍ أَوْ دُونَهُ، وَالإِْشْهَادُ هُوَ طَلَبُ تَحَمُّل الشَّهَادَةِ.
ب - الاِسْتِشْهَادُ:
3 - الاِسْتِشْهَادُ يَأْتِي بِمَعْنَى الإِْشْهَادِ، أَيْ طَلَبُ تَحَمُّل الشَّهَادَةِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} (2) وَقَدْ يَأْتِي الاِسْتِشْهَادُ بِمَعْنَى طَلَبِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ (3) . كَمَا يَأْتِي الاِسْتِشْهَادُ بِمَعْنَى أَنْ يُقْتَل فِي سَبِيل اللَّهِ.
ج - الإِْعْلاَنُ (وَالإِْشْهَارُ)
4 - قَدْ يَتَحَقَّقُ الإِْعْلاَنُ دُونَ الإِْشْهَادِ، كَمَا لَوْ أَعْلَنُوا النِّكَاحَ بِحَضْرَةِ صِبْيَانٍ، أَوْ أَمَامَ نِسَاءٍ. (4) وَقَدْ يَتَحَقَّقُ الإِْشْهَادُ دُونَ الإِْعْلاَنِ، كَإِشْهَادِ رَجُلَيْنِ عَلَى النِّكَاحِ وَاسْتِكْتَامِهِمَا. صِفَتُهُ (حُكْمُهُ التَّكْلِيفِيُّ) :
5 - الإِْشْهَادُ تَعْتَرِيهِ الأَْحْكَامُ الْخَمْسَةُ، فَيَكُونُ وَاجِبًا كَمَا فِي النِّكَاحِ، (5) وَيَكُونُ مَنْدُوبًا، كَالإِْشْهَادِ فِي الْبَيْعِ (6) عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَجَائِزًا كَمَا فِي الْبَيْعِ (7) عِنْدَ الْبَعْضِ، وَمَكْرُوهًا كَالإِْشْهَادِ عَلَى الْعَطِيَّةِ، أَوِ الْهِبَةِ لِلأَْوْلاَدِ إِنْ حَصَل فِيهَا تَفَاوُتٌ عِنْدَ الْبَعْضِ، وَحَرَامًا كَالإِْشْهَادِ عَلَى الْجَوْرِ (8) وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ إِلَى إِيجَابِ الإِْشْهَادِ فِي كُل مَا وَرَدَ الأَْمْرُ بِهِ. (9)
مَوَاطِنُ الإِْشْهَادِ
:
رُجُوعُ الأَْجْنَبِيِّ بِقِيمَةِ مَا جَهَّزَ بِهِ الْمَيِّتَ إِذَا أَشْهَدَ:
6 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأَْجْنَبِيَّ أَوِ الْغَرِيبَ - الَّذِي لاَ يَلْزَمُهُ تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ - لَوْ كَفَّنَ الْمَيِّتَ كَفَنَ الْمِثْل، وَكَذَا كُل مَا يَلْزَمُهُ، فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ مَا دَفَعَ إِنْ نَوَى الرُّجُوعَ، وَأَشْهَدَ بِذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّ الإِْشْهَادَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ إِلاَّ بَعْدَ الْعَجْزِ عَنِ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ، وَكَانَ مَال الْمَيِّتِ غَائِبًا، أَوِ امْتَنَعَ مَنْ يَلْزَمُهُ تَجْهِيزُ الْمَيِّتِ عَنْ ذَلِكَ. (10) وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لاَ يُشْتَرَطُ الإِْشْهَادُ لِلرُّجُوعِ، وَيَرْجِعُ إِنْ نَوَى الرُّجُوعَ، أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ، اسْتَأْذَنَ الْحَاكِمَ أَوْ لاَ، (11) وَلَمْ أَقِفْ عَلَى حُكْمِ اشْتِرَاطِ الإِْشْهَادِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. (12)
الإِْشْهَادُ عَلَى إِخْرَاجِ زَكَاةِ الصَّغِيرِ:
7 - أَغْلَبُ الْفُقَهَاءِ مِمَّنْ أَوْجَبُوا الزَّكَاةَ فِي مَال الصَّغِيرِ لاَ يَطْلُبُونَ الإِْشْهَادَ عَلَى إِخْرَاجِهَا. (13) وَيَشْهَدُ الْوَصِيُّ عِنْدَ ابْنِ حَبِيبٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَى إِخْرَاجِ زَكَاةِ مَال الصَّغِيرِ، فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ وَكَانَ مَأْمُونًا صُدِّقَ، وَغَيْرُ الْمَأْمُونِ هَل يَلْزَمُهُ غُرْمُ الْمَال أَوْ يَحْلِفُ؟ لَمْ يَجِدْ الْخَطَّابُ فِيهِ نَصًّا. وَكَالزَّكَاةِ عِنْدَهُ زَكَاةُ الْفِطْرِ (14)
الإِْشْهَادُ فِي الْبَيْعِ:
الإِْشْهَادُ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ:
8 - الإِْشْهَادُ عَلَى عَقْدِ الْبَيْعِ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ، وَأَبْعَدُ عَنِ التَّجَاحُدِ، لِذَلِكَ يَنْبَغِي الإِْشْهَادُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْفُقَهَاءِ. إِلاَّ أَنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي حُكْمِهِ التَّكْلِيفِيِّ، وَلَهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ: أ - نَدْبُ الإِْشْهَادِ فِيمَا لَهُ خَطَرٌ: وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ مَا جَاءَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْل اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (15) حَمَلُوا الأَْمْرَ عَلَى النَّدْبِ، وَصَرَفَهُ عَنِ الْوُجُوبِ عِنْدَهُمْ أَدِلَّةٌ كَثِيرَةٌ مِنْهَا: {أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا بِنَسِيئَةٍ فَأَعْطَاهُ دِرْعًا لَهُ رَهْنًا} (16) ، وَاشْتَرَى مِنْ رَجُلٍ سَرَاوِيل، (17) وَمِنْ أَعْرَابِيٍّ فَرَسًا (18) فَجَحَدَهُ الأَْعْرَابِيُّ حَتَّى شَهِدَ لَهُ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ، وَلَمْ يُنْقَل أَنَّهُ أَشْهَدَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلأَِنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَتَبَايَعُونَ فِي عَصْرِهِ فِي الأَْسْوَاقِ فَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالإِْشْهَادِ وَلاَ نُقِل عَنْهُمْ فِعْلُهُ. أَمَّا الأَْشْيَاءُ الْقَلِيلَةُ الْخَطَرِ كَحَوَائِجِ الْبَقَّال وَالْعَطَّارِ وَشَبَهِهِمَا، فَلاَ يُسْتَحَبُّ ذَلِكَ فِيهَا، لأَِنَّ الْعُقُودَ تَكْثُرُ فَيُشَقُّ الإِْشْهَادُ عَلَيْهَا وَتَقْبُحُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهَا، وَالتَّرَافُعُ إِلَى الْحَاكِمِ مِنْ أَجْلِهَا، بِخِلاَفِ الْكَبِيرَةِ الْخَطَرِ. (19) ب - جَوَازُ الإِْشْهَادِ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ، قَالُوا: إِنَّ الأَْمْرَ فِي الآْيَةِ لِلإِْرْشَادِ، لاَ ثَوَابَ فِيهِ إِلاَّ لِمَنْ قَصَدَ الاِمْتِثَال. (20) ج - وُجُوبُ الإِْشْهَادِ: وَهُوَ قَوْل طَائِفَةٍ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمِمَّنْ رَأَى وُجُوبَ الإِْشْهَادِ عَلَى الْبَيْعِ عَطَاءٌ، وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ، وَالنَّخَعِيُّ لِظَاهِرِ الأَْمْرِ، وَلأَِنَّهُ عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ فَيَجِبُ الإِْشْهَادُ عَلَيْهِ كَالنِّكَاحِ (21) .
طَلَبُ الإِْشْهَادِ مِنَ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ:
9 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُوَكِّل لَوْ أَمَرَ الْوَكِيل بِالْبَيْعِ وَالإِْشْهَادِ، فَبَاعَ وَلَمْ يُشْهِدْ، فَالْبَيْعُ جَائِزٌ، لأَِنَّهُ أَمَرَهُ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا، وَأَمْرُهُ بِالإِْشْهَادِ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى الأَْمْرِ بِالْبَيْعِ، فَلاَ يَخْرُجُ بِهِ الأَْمْرُ بِالْبَيْعِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُطْلَقًا، أَلاَ تَرَى أَنَّ اللَّهَ ﷿ أَمَرَ بِالإِْشْهَادِ عَلَى الْبَيْعِ فَقَال تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} (22) ثُمَّ مَنْ بَاعَ وَلَمْ يُشْهِدْ كَانَ بَيْعُهُ جَائِزًا، أَمَّا إِذَا شُرِطَ عَلَيْهِ الإِْشْهَادُ، كَقَوْلِهِ: بِعْ بِشَرْطِ أَنْ تُشْهِدَ فَقَدْ قَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهُ يُوجِبُ الإِْشْهَادَ (23) وَلاَ يَلْزَمُ الْمُوَكِّل بِدُونِهِ إِلاَّ بِإِجَازَتِهِ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى حُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
الإِْشْهَادُ عَلَى بَيْعِ مَال الصَّغِيرِ نَسِيئَةً:
10 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ يَجِبُ الإِْشْهَادُ عَلَى بَيْعِ مَال الصَّغِيرِ نَسِيئَةً خَوْفَ جَحْدِهِ، (24) قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوْ تُرِكَ الإِْشْهَادُ بَطَل الْبَيْعُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ، (25) فَإِنْ عَسُرَ الإِْشْهَادُ كَأَنْ كَانَ يَبِيعُ الْوَصِيُّ أَوِ الأَْمِينُ شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ مَال الصَّغِيرِ، فَإِنَّهُ يُقْبَل قَوْلُهُمَا، فَإِنْ بَاعَا مِقْدَارًا كَبِيرًا جُمْلَةً فَلاَ بُدَّ مِنَ الإِْشْهَادِ. (26) وَلاَ يَجِبُ الإِْشْهَادُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى بَيْعِ مَال الصَّغِيرِ نَسِيئَةً، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلأَْبِ، (27) أَمَّا الْوَصِيُّ فَفِيهِ قَوْلاَنِ. أَحَدُهُمَا يُصَدَّقُ بِلاَ بَيِّنَةٍ، وَالثَّانِي تَلْزَمُهُ الْبَيِّنَةُ. (28)
الإِْشْهَادُ عَلَى سَائِرِ الْعُقُودِ:
11 - الإِْشْهَادُ عَلَى سَائِرِ الْعُقُودِ وَالتَّصَرُّفَاتِ حُكْمُهُ حُكْمُ الإِْشْهَادِ عَلَى الْبَيْعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، بِاسْتِثْنَاءِ النِّكَاحِ عِنْدَهُمَا، وَالرَّجْعَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، فَالإِْشْهَادُ وَاجِبٌ وَسَيَأْتِي تَفْصِيل ذَلِكَ. (29) وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ سَائِرُ الْحُقُوقِ وَالْمُدَايَنَاتِ كَالْبَيْعِ يُسَنُّ الإِْشْهَادُ فِيهَا مَا لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لِلْغَيْرِ فَيَجِبُ، وَكَذَا إِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لِلْغَيْرِ وَطَلَبَ الإِْشْهَادَ أَحَدُ الْعَاقِدَيْنِ. (30) وَذَكَرَ التَّسَوُّلِيُّ فِي شَرْحِ التُّحْفَةِ مَا يُفِيدُ وُجُوبَ الإِْشْهَادِ فِي عُقُودِ التَّبَرُّعَاتِ كَالْوَقْفِ، وَالْهِبَةِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَكَذَلِكَ كُل مَا كَانَ مِنْ غَيْرِ عِوَضٍ كَالتَّوْكِيل وَالضَّمَانِ وَنَحْوِهِمَا، حَيْثُ جُعِل الإِْشْهَادُ فِي هَذِهِ شَرْطَ صِحَّةٍ (31)
الإِْشْهَادُ عِنْدَ الاِمْتِنَاعِ عَنْ تَسْلِيمِ وَثِيقَةِ الدَّيْنِ:
12 - لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ حَقٌّ عَلَى آخَرَ بِوَثِيقَةٍ، فَدَفَعَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ مَا عَلَيْهِ، وَطَلَبَ الْوَثِيقَةَ مِنْهُ أَوْ حَرْقَهَا، فَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ دَفْعُ الْوَثِيقَةِ، وَإِنَّمَا لِلْمَدِينِ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ وَتَبْقَى الْوَثِيقَةُ بِيَدِهِ، لأَِنَّهُ يَدْفَعُ بِهَا عَنْ نَفْسِهِ، إِذْ لَعَل الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ أَنْ يَسْتَدْعِيَ بَيِّنَةً قَدْ سَمِعُوا إِقْرَارَ صَاحِبِ الدَّيْنِ بِقَبْضِهِ مِنْهُ، أَوْ حَضَرُوا دَفْعَهُ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَعْلَمُوا عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ الدَّفْعُ، فَيَدَّعِي أَنَّهُ إِنَّمَا دَفَعَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الْمَال سَلَفًا أَوْ وَدِيعَةً، وَيَقُول: هَاتِ بَيِّنَةً تَشْهَدُ لَكَ أَنَّ مَا قَبَضْتَ مِنِّي هُوَ مِنْ حَقٍّ وَاجِبٍ لَكَ، فَبَقَاءُ الْوَثِيقَةِ وَقِيَامُهُ بِهَا يُسْقِطُ هَذِهِ الدَّعْوَى الَّتِي تَلْزَمُهُ، وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لأَِنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ مَا قَبَضَهُ مُسْتَحِقًّا فَيَحْتَاجُ إِلَى حُجَّةٍ بِحَقِّهِ، قَالُوا: وَلاَ يَجُوزُ لِحَاكِمٍ إِلْزَامُهُ. (32) وَقَال عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَأَصْبَغُ: لَهُ أَخْذُ الْوَثِيقَةِ، وَبِهِ قَال شَارِحُ الْمُنْتَهَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ (33) وَلَمْ نَقِفْ عَلَى حُكْمِ ذَلِكَ عِنْدَ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ (34) .
الإِْشْهَادُ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ عَنِ الْغَيْرِ:
13 - لَوْ قَضَى الرَّجُل دَيْنَ غَيْرِهِ وَنَوَى الرُّجُوعَ فَإِنَّ جُمْهُورَ الْفُقَهَاءِ لاَ يَشْتَرِطُونَ الإِْشْهَادَ عَلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَنِيَّةِ الرُّجُوعِ. وَقَال الْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ: الإِْشْهَادُ عَلَى نِيَّةِ الرُّجُوعِ شَرْطٌ لِلرُّجُوعِ، لأَِنَّ الْعُرْفَ جَرَى عَلَى أَنَّ مَنْ دَفَعَ دَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ إِشْهَادٍ كَانَ مُتَبَرِّعًا (35) .
الإِْشْهَادُ عَلَى رَدِّ الْمَرْهُونِ:
14 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ إِلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَوِ ادَّعَى رَدَّ الْعَيْنِ الْمَرْهُونَةِ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ، فَالْقَوْل قَوْل الرَّاهِنِ، وَلاَ يُصَدَّقُ الْمُرْتَهِنُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ. (36) وَقَوَاعِدُ الْحَنَفِيَّةِ تَقْضِي بِقَبُول قَوْل الْمُرْتَهِنِ، لأَِنَّهُ أَمِينٌ، وَالأَْمِينُ مُصَدَّقٌ فِيمَا يَدَّعِيهِ، وَيُوَافِقُ الْحَنَابِلَةُ - فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ - فِي هَذَا الْحَنَفِيَّةَ (37) .
الإِْشْهَادُ عِنْدَ إِقْرَاضِ مَال الصَّغِيرِ:
15 - يُشْتَرَطُ الإِْشْهَادُ عَلَى إِقْرَاضِ الْوَلِيِّ مَال الصَّغِيرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، أَمَّا عِنْدَ بَقِيَّةِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ أَجَازُوا تَسْلِيفَ مَال الصَّغِيرِ، فَيَجُوزُ عِنْدَهُمْ الإِْقْرَاضُ بِلاَ إِشْهَادٍ، وَإِنْ كَانَ الإِْشْهَادُ حِينَئِذٍ أَوْلَى احْتِيَاطًا (38) .
الإِْشْهَادُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْحَجْرِ:
16 - لِلْفُقَهَاءِ فِي الإِْشْهَادِ عَلَى الْحَجْرِ رَأْيَانِ: أَحَدُهُمَا: الْوُجُوبُ، وَهُوَ قَوْل الصَّاحِبَيْنِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْحَجْرِ عَلَى الْمَدِينِ، وَإِنَّمَا وَجَبَ الإِْشْهَادُ لأَِنَّ الْحَجْرَ حُكْمٌ مِنَ الْقَاضِي وَيَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ، وَرُبَّمَا يَقَعُ فِيهِ التَّجَاحُدُ فَيَحْتَاجُ إِلَى إِثْبَاتِهِ، وَيَأْخُذُ السَّفِيهُ حُكْمَ الْمَدِينِ فِي الْحَجْرِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، (39) أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ يَمْنَعُ الْحَجْرَ عَلَيْهِمَا، وَإِنْ كَانَ يَرَى الْحَجْرَ عَلَى مَنْ يَتَرَتَّبُ عَلَى تَصَرُّفَاتِهِ ضَرَرٌ عَامٌّ، كَالطَّبِيبِ الْجَاهِل وَالْمُفْتِي الْمَاجِنِ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسِ. (40) وَوُجُوبُ الإِْشْهَادِ هُوَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوَاعِدِ الْمَالِكِيَّةِ، وَفُرُوعِهِمْ. جَاءَ فِي الْحَطَّابِ: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى وَلَدِهِ أَتَى الإِْمَامَ لِيَحْجُرَ عَلَيْهِ، وَيُشْهِرُ ذَلِكَ فِي الْمَجَامِعِ وَالأَْسْوَاقِ، وَيُشْهِدُ عَلَى ذَلِكَ وَلأَِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقٌّ لِلْغَيْرِ فَوَجَبَ الإِْشْهَادُ عَلَيْهِ. (41) وَوُجُوبُ الإِْشْهَادِ وَجْهٌ مَحْكِيٌّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الْحَاوِي وَالْمُسْتَظْهَرِي عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي حَجْرِ السَّفِيهِ، وَوَصَفُوهُ بِأَنَّهُ شَاذٌّ. (42) الثَّانِي: اسْتِحْبَابُ الإِْشْهَادِ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْحَجْرُ لِمَصْلَحَةِ الإِْنْسَانِ نَفْسِهِ أَمْ بِسَبَبِ الدَّيْنِ. (43) وَالْحَاكِمُ هُوَ الَّذِي يُشْهِدُ. (44)
الإِْشْهَادُ عَلَى فَكِّ الْحَجْرِ:
17 - الصَّبِيُّ إِذَا بَلَغَ رَشِيدًا، وَكَانَ وَلِيُّهُ هُوَ الأَْبُ فَلاَ يَحْتَاجُ فِي فَكِّ الْحَجْرِ إِلَى إِشْهَادٍ. لأَِنَّهُ وَلِيُّهُ بِحُكْمِ الشَّرْعِ. أَمَّا إِذَا بَلَغَ سَفِيهًا فَالْحَجْرُ عَلَيْهِ وَفَكُّهُ عَنْهُ مِنَ الْقَاضِي، وَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ إِشْهَادٍ أَمَّا إِذَا كَانَ الْقَائِمُ عَلَيْهِ الْوَصِيَّ الْمُخْتَارَ أَوِ الْوَصِيَّ مِنَ الْقَاضِي فَإِنَّهُ يَحْتَاجُ فِي فَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُ إِلَى الإِْشْهَادِ وَالإِْشْهَارِ، لأَِنَّ وِلاَيَتَهُمَا مُسْتَمَدَّةٌ مِنَ الْقَاضِي. (45)
الإِْشْهَادُ عَلَى دَفْعِ الْمَال إِلَى الصَّغِيرِ بَعْدَ بُلُوغِهِ:
18 - لِلْفُقَهَاءِ فِي الإِْشْهَادِ عَلَى تَسْلِيمِ مَال الصَّغِيرِ إِذَا بَلَغَ رَأْيَانِ: الأَْوَّل: وُجُوبُ الإِْشْهَادِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، (46) وَبِهِ قَال مَالِكٌ، وَابْنُ الْقَاسِمِ (47) ، عَمَلاً بِظَاهِرِ الأَْمْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} (48) ، وَلاَ يُصَدَّقُ الدَّافِعُ فِي دَعْوَى رَدِّ مَال الصَّغِيرِ حَتَّى يُشْهِدَ. (49) الثَّانِي: اسْتِحْبَابُ الإِْشْهَادِ، وَهُوَ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ، وَالْحَنَابِلَةِ، لِلاِحْتِيَاطِ لِكُل وَاحِدٍ مِنَ الْيَتِيمِ وَوَلِيِّ مَالِهِ، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِلشَّافِعِيَّةِ، فَأَمَّا الْيَتِيمُ، فَلأَِنَّهُ إِذَا قَامَتْ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ أَنْ يَدَّعِيَ مَا لَيْسَ لَهُ، وَأَمَّا الْوَصِيُّ فَلأَِنَّهُ يُبْطِل دَعْوَى الْيَتِيمِ بِأَنَّهُ لَمْ يَدْفَعْهُ إِلَيْهِ. (50) وَيُصَدَّقُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ (51) وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي مُقَابِل الصَّحِيحِ. (52) وَقَرِيبٌ مِنْ قَوْل الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، قَوْل ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، أَنَّهُ يُصَدَّقُ الْوَصِيُّ بِيَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ وَلَوْ طَال الزَّمَانُ، عَلَى مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ: إِنْ طَال الزَّمَانُ كَعِشْرِينَ سَنَةً يُقِيمُونَ مَعَهُ وَلاَ يَطْلُبُونَ، فَالْقَوْل قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ، لأَِنَّ الْعُرْفَ قَبْضُ أَمْوَالِهِمْ إِذَا رَشَدُوا، وَجَعَل ابْنُ زَرْبٍ الطُّول ثَمَانِيَةَ أَعْوَامٍ (53) .
الإِْشْهَادُ عَلَى مَا وُكِّل فِي قَبْضِهِ:
19 - عِنْدَ تَنَازُعِ الْوَكِيل وَالْمُوَكِّل فِي دَعْوَى عَلَى مَا وُكِّل فِي قَبْضِهِ، فَالْوَكِيل كَالْمُودَعِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي أَنَّهُ أَمِينٌ، إِلاَّ الْوَكِيل بِقَبْضِ الدَّيْنِ إِذَا ادَّعَى بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَكِّل أَنَّهُ قَبَضَهُ وَدَفَعَهُ فِي حَال حَيَاتِهِ، لَمْ يُقْبَل قَوْلُهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، (54) وَالْوَكِيل كَالْمُودَعِ أَيْضًا عِنْدَ الاِخْتِلاَفِ فِي الرَّدِّ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، (55) وَكَذَا الْوَكِيل بِغَيْرِ أَجْرٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ يَخْتَلِفُ عَنِ الْمُودَعِ يُقْبَل قَوْلُهُ بِلاَ إِشْهَادٍ، فَإِنْ كَانَ وَكِيلاً بِأَجْرٍ فَفِيهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا أَبُو الْخَطَّابِ (56) ، وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِلشَّافِعِيَّةِ. (57)
إِشْهَادُ الْوَكِيل بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَنَحْوِهِ:
20 - يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُوَكِّل إِذَا دَفَعَ لِلْوَكِيل مَالاً وَأَمَرَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَبِالإِْشْهَادِ عَلَى الْقَضَاءِ، فَفَعَل وَلَمْ يُشْهِدْ، وَأَنْكَرَ الْمُسْتَحِقُّ، فَالْوَكِيل يَضْمَنُ وَيُصَدَّقُ الْمُسْتَحِقُّ، فَإِنْ أَمَرَهُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالإِْشْهَادِ فَقَال: قَبَضْتَهُ، وَأَنْكَرَ الْمُسْتَحِقُّ، فَإِنَّ الْمُسْتَحِقَّ يُصَدَّقُ بِاتِّفَاقٍ، وَلاَ يُقْبَل قَوْل الْوَكِيل عَلَى الْغَرِيمِ، وَلَهُ مُطَالَبَةُ الْمُوَكِّل، لأَِنَّ ذِمَّتَهُ لاَ تَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إِلَى وَكِيلِهِ. (58) وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي (الْوَكَالَةِ وَالشَّهَادَةِ) .
الإِْشْهَادُ عَلَى الْوَدِيعَةِ:
إِشْهَادُ الْمُودِعِ:
21 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الإِْشْهَادُ عِنْدَ تَسْلِيمِ الْوَدِيعَةِ إِلَى الْوَدِيعِ لِلاِسْتِيثَاقِ، قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ. وَظَاهِرُ نُصُوصِ الْحَنَابِلَةِ الْجَوَازُ (59) .
الإِْشْهَادُ عَلَى رَدِّ الْوَدِيعَةِ إِلَى مَالِكِهَا:
22 - فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، لاَ يَلْزَمُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُشْهِدَ الْمُودَعُ عَلَى رَدِّ الْوَدِيعَةِ إِلَى مَالِكِهَا، لأَِنَّهُ مُصَدَّقٌ فِي الرَّدِّ عَلَى الْمُودِعِ فَلاَ فَائِدَةَ فِي الإِْشْهَادِ، (60) وَعَدَمُ لُزُومِ الإِْشْهَادِ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ إِنْ كَانَ الْمُودِعُ أَخَذَهَا دُونَ إِشْهَادٍ، (61) فَإِنْ أَخَذَهَا بِإِشْهَادٍ فَإِنَّهُ لاَ يَبْرَأُ فِي دَعْوَى الرَّدِّ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ، لأَِنَّهُ حِينَ أَشْهَدَ عَلَيْهِ لَمْ يَكْتَفِ بِأَمَانَتِهِ، وَلاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ مَقْصُودَةً لِلتَّوَثُّقِ، أَمَّا إِذَا دَفَعَهَا أَمَامَ شُهُودٍ، وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا، فَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ حَتَّى يَقُول: اشْهَدُوا بِأَنِّي اسْتَوْدَعْتُهُ كَذَا وَكَذَا. (62) وَلَوْ تَبَرَّعَ الْوَدِيعُ بِالإِْشْهَادِ عَلَى نَفْسِهِ فَلاَ يَبْرَأُ إِلاَّ بِإِشْهَادٍ. (63) وَلُزُومُ الإِْشْهَادِ عَلَى الرَّدِّ - إِنْ أَخَذَهَا الْمُودَعُ بِإِشْهَادٍ - رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَخَرَّجَهَا ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى أَنَّ الإِْشْهَادَ عَلَى دَفْعِ الْحُقُوقِ الثَّابِتَةِ بِالْبَيِّنَةِ وَاجِبٌ، فَيَكُونُ تَرْكُهُ تَفْرِيطًا فَيَجِبُ فِيهِ الضَّمَانُ. (64) فَإِذَا قَال الْمُودَعُ: لاَ أَرُدُّ حَتَّى تُشْهِدَ، فَمَنْ قَال يُقْبَل قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ - وَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ، وَرِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ - وَذَلِكَ حَيْثُ يَكُونُ عَلَيْهِ بَيِّنَةُ الْوَدِيعَةِ - فَلَيْسَ لَهُ التَّأْخِيرُ حَتَّى يُشْهِدَ، لِوُجُودِ مَا يُبَرِّئُ بِهِ ذِمَّتَهُ، وَهُوَ قَبُول قَوْلِهِ بِيَمِينِهِ. (65)
الإِْشْهَادُ فِي الرَّدِّ عَلَى رَسُول الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ:
23 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الْبَغَوِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْوَدِيعَ إِنْ رَدَّ الْوَدِيعَةَ عَلَى رَسُول الْمَالِكِ أَوْ وَكِيلِهِ فَلَهُ التَّأْخِيرُ حَتَّى يُشْهِدَ، (66) فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَلاَ يُصَدَّقُ فِي دَعْوَى التَّسْلِيمِ إِلَى الرَّسُول أَوِ الْوَكِيل. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ، وَهُوَ مَا صَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُصَدَّقُ بِيَمِينِهِ وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ. (67) وَلَمْ يُصَرِّحِ الْحَنَفِيَّةُ بِالإِْشْهَادِ فِي الرَّدِّ عَلَى الْوَكِيل، لَكِنَّهُمْ قَالُوا: يَضْمَنُ الْمُودَعُ إِنْ سَلَّمَ الْوَدِيعَةَ دُونَ عُذْرٍ لِغَيْرِ الْمَالِكِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ عِيَال الْوَدِيعِ الَّذِينَ يُحْفَظُ بِهِمْ مَالُهُ عَادَةً. وَهَذَا يَدُل عَلَى أَنَّ الأَْوْلَى الإِْشْهَادُ لِيَدْرَأَ الضَّمَانَ عَنْ نَفْسِهِ فِي حَال الْجُحُودِ. (68)
الإِْشْهَادُ عِنْدَ قِيَامِ بَعْضِ الأَْعْذَارِ بِالْمُودَعِ:
24 - الْمَالِكِيَّةُ يُلْزِمُونَ بِالإِْشْهَادِ عَلَى الأَْعْذَارِ الَّتِي تَمْنَعُ مِنْ بَقَاءِ الْوَدِيعَةِ تَحْتَ يَدِهِ، وَيَكُونُ بِمُعَايَنَةِ الْعُذْرِ، وَلاَ يَكْفِي قَوْلُهُ: اشْهَدُوا أَنِّي أُودِعَهَا لِعُذْرٍ. (69) وَلاَ يُخَالِفُ الْحَنَفِيَّةُ فِي وُجُوبِ الإِْشْهَادِ عَلَى الأَْعْذَارِ، إِذْ لاَ يُصَدَّقُ الْمُودَعُ عِنْدَهُمْ إِنْ دَفَعَهَا لأَِجْنَبِيٍّ لِعُذْرٍ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ. (70) وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ إِلَى الْمَالِكِ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُهَا إِلَى الْقَاضِي، وَيُشْهِدُ الْقَاضِي عَلَى نَفْسِهِ بِقَبْضِهَا كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ، وَالْمُعْتَمَدُ خِلاَفُهُ، فَإِنْ فُقِدَ الْقَاضِي سَلَّمَهَا لأَِمِينٍ. وَهَل يَلْزَمُهُ الإِْشْهَادُ عَلَيْهَا؟ وَجْهَانِ حَكَاهُمَا الْمَاوَرْدِيُّ أَوْجَهُهُمَا عَدَمُهُ. كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَاضِي. (71) هَذَا إِنْ أَرَادَ سَفَرًا وَالْحَرِيقُ وَالإِْغَارَةُ عُذْرَانِ كَالسَّفَرِ. فَإِذَا مَرِضَ مَرَضًا مَخُوفًا، وَعَجَزَ عَنِ الرَّدِّ إِلَى الْحَاكِمِ أَوِ الأَْمِينِ، أَشْهَدَ وُجُوبًا عَلَى الإِْيصَاءِ بِهَا إِلَيْهِمَا. (72) وَلَمْ يَنُصَّ الْحَنَابِلَةُ عَلَى الإِْشْهَادِ عِنْدَ قِيَامِ الأَْعْذَارِ بِالْمُودَعِ، (73) وَلاَ يَضْمَنُ الْمُودَعُ عِنْدَهُمْ إِنْ سَلَّمَهَا لأَِجْنَبِيٍّ لِعِلَّةٍ، كَمَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَوْ أَرَادَ سَفَرًا (74) .
الإِْشْهَادُ فِي الشُّفْعَةِ:
25 - الشَّفِيعُ إِمَّا أَنْ يَكُونَ حَاضِرًا وَقْتَ الْبَيْعِ أَوْ غَائِبًا، فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ لِثُبُوتِ الشُّفْعَةِ طَلَبُهَا عَلَى الْفَوْرِ، عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. عَلَى أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَالُوا: إِنَّ الأَْصْل إِشْهَادُ الشَّفِيعِ عَلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ لِلتَّوْثِيقِ، وَهَذَا الإِْشْهَادُ عَلَى الطَّلَبِ لَيْسَ شَرْطًا لِلثُّبُوتِ، لَكِنْ لِيَتَوَثَّقَ حَقُّ الشُّفْعَةِ إِذَا أَنْكَرَ الْمُشْتَرِي طَلَبَهَا. وَإِنَّمَا يَصِحُّ طَلَبُ الإِْشْهَادِ بِحَضْرَةِ الْمُشْتَرِي أَوِ الْبَائِعِ أَوِ الْمَبِيعِ. (75) ثُمَّ طَلَبُ الإِْشْهَادِ مُقَدَّرٌ بِالتَّمَكُّنِ مِنَ الإِْشْهَادِ، فَمَتَى تَمَكَّنَ مِنَ الإِْشْهَادِ عِنْدَ حَضْرَةِ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الأَْشْيَاءِ، وَلَمْ يَطْلُبِ الإِْشْهَادَ، بَطَلَتْ شُفْعَتُهُ نَفْيًا لِلضَّرَرِ عَنِ الْمُشْتَرِي. (76) وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ، ثُمَّ إِلَى طَلَبِ الإِْشْهَادِ بَعْدَهُ، إِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ الإِْشْهَادُ عِنْدَ طَلَبِ الْمُوَاثَبَةِ، بِأَنْ سَمِعَ الشِّرَاءَ حَال غَيْبَتِهِ عَنِ الْمُشْتَرِي وَالْبَائِعِ وَالدَّارِ، أَمَّا إِذَا سَمِعَ عِنْدَ حَضْرَةِ أَحَدِ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثِ، وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ، فَذَلِكَ يَكْفِيهِ، وَيَقُومُ مَقَامَ الطَّلَبَيْنِ. (77) وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِنْ كَانَ الشَّفِيعُ فِي الْبَلْدَةِ فَلاَ يَلْزَمُهُ الإِْشْهَادُ عَلَى الطَّلَبِ، بَل يَكْفِيهِ الطَّلَبُ وَحْدَهُ، (78) وَإِنْ كَانَ غَائِبًا فَالْحَنَابِلَةُ كَالْحَنَفِيَّةِ فِي لُزُومِ طَلَبِ الشُّفْعَةِ وَالإِْشْهَادِ عَلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل سَقَطَ حَقُّهُ، سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَى التَّوْكِيل أَمْ عَجَزَ عَنْهُ، سَارَ عَقِيبَ الْعِلْمِ أَوْ أَقَامَ. (79) وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِنْ كَانَ الشَّفِيعُ غَائِبًا يَلْزَمُهُ الطَّلَبُ، فَإِنْ عَجَزَ فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّوْكِيل، فَإِنْ عَجَزَ عَنِ التَّوْكِيل فَلْيُشْهِدْ، (80) وَلاَ يَكْفِي الإِْشْهَادُ عَنِ الطَّلَبِ وَالتَّوْكِيل عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمَا. (81) وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لَيْسَ الإِْشْهَادُ شَرْطًا لِثُبُوتِ حَقِّ الشُّفْعَةِ لِلشَّفِيعِ، بَل يَثْبُتُ حَقُّهُ وَلَوْ لَمْ يُشْهِدْ. إِلاَّ أَنَّهُمْ صَرَّحُوا بِسُقُوطِ شُفْعَتِهِ بِالآْتِي: أ - سُكُوتُهُ عَنِ الْمُطَالَبَةِ مَعَ عِلْمِهِ بِهَدْمِ الْمُشْتَرِي أَوْ بِنَائِهِ أَوْ غَرْسِهِ. ب - أَنْ يَحْضُرَ الشَّفِيعُ عَقْدَ الْبَيْعِ وَيَشْهَدَ عَلَيْهِ وَيَسْكُتَ - بِلاَ مَانِعٍ - شَهْرَيْنِ. ج - أَنْ يَحْضُرَ الْعَقْدَ وَلاَ يَشْهَدَ وَيَسْكُتَ - بِلاَ عُذْرٍ - سَنَةً مِنْ يَوْمِ الْعَقْدِ (82) .
تَأْخِيرُ الرَّدِّ لِلإِْشْهَادِ:
26 - مَنْ كَانَ تَحْتَ يَدِهِ عَيْنٌ لِغَيْرِهِ، إِمَّا أَنْ يُقْبَل قَوْلُهُ عِنْدَ التَّجَاحُدِ فِي الرَّدِّ أَوْ لاَ، فَإِنْ كَانَ يُقْبَل قَوْلُهُ كَالأَْمَانَةِ فَفِي تَأْخِيرِ الرَّدِّ ثَلاَثَةُ آرَاءٍ: الأَْوَّل: مَنْعُ التَّأْخِيرِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، (83) وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. (84) وَلاَ يُخَالِفُ جُمْهُورُ الْمَالِكِيَّةِ فِي هَذَا، فَإِنْ أَخَّرَهُ ضَمِنَ عِنْدَ الْهَلاَكِ (85) عِنْدَ الأَْئِمَّةِ الثَّلاَثَةِ. الثَّانِي: جَوَازُ التَّأْخِيرِ لِلإِْشْهَادِ، لأَِنَّ الْبَيِّنَةَ تُسْقِطُ الْيَمِينَ عَنِ الرَّادِّ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ عَبْدِ السَّلاَمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ (86) ، وَمُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، (87) وَمُقَابِل الصَّحِيحِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، قَالُوا وَهُوَ قَوِيٌّ خُصُوصًا فِي هَذِهِ الأَْزْمِنَةِ. (88) فَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الْيَدِ لاَ يُقْبَل قَوْلُهُ فِي الرَّدِّ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ كَالْغَصْبِ، فَإِنَّ لَهُ التَّأْخِيرَ لِلإِْشْهَادِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ. (89) الثَّالِثُ: التَّفْرِيقُ بَيْنَ مَا إِذَا أَخَذَهَا بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِدُونِ ذَلِكَ، فَلَهُ التَّأْخِيرُ عِنْدَ الرَّدِّ حَتَّى يُشْهِدَ أَنَّهُ أَخَذَهَا بِبَيِّنَةٍ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ. فَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، فَالأَْصَحُّ عِنْدَ الْبَغَوِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ التَّأْخِيرُ نَصًّا. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ لاَ فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يُؤْخَذُ قَوْلُهُ بِيَمِينِهِ. (90) وَمِنْ تَتَبُّعِ فُرُوعِ الْحَنَفِيَّةِ نَجِدْ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ تَأْخِيرَ الرَّدِّ لِلإِْشْهَادِ، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْيَدُ يَدَ ضَمَانٍ أَمْ يَدَ أَمَانَةٍ، وَلَمْ نَرَ عِنْدَهُمْ مَنْ يَقُول بِالتَّأْخِيرِ لِلإِْشْهَادِ. (91) قِيَامُ الإِْشْهَادِ مَقَامَ الْقَبْضِ فِي الْهِبَةِ:
27 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْوَلِيَّ لَوْ وَهَبَ لِمَحْجُورِهِ شَيْئًا، وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ، فَالْهِبَةُ تَامَّةٌ، وَالإِْشْهَادُ يُغْنِي عَنِ الْقَبْضِ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ مَالِكٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُثْمَانَ ﵁ قَال: مَنْ نَحَل وَلَدًا لَهُ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ أَنْ يَحُوزَ نِحْلَتُهُ، فَأَعْلَنَ ذَلِكَ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ فَهِيَ جَائِزَةٌ، وَإِنَّ وَلِيَّهَا أَبُوهُ. وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الدَّارَ الَّتِي يَسْكُنُهُمَا الْوَاهِبُ، وَالْمَلْبُوسَ الَّذِي هُوَ لاَبِسُهُ، إِذَا وَهَبَهُمَا لِمَحْجُورِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يُكْتَفَى بِالإِْشْهَادِ عَلَى الْهِبَةِ، بَل لاَ بُدَّ مِنْ إِخْلاَئِهِ لِلدَّارِ، وَمِثْلُهَا الْمَلْبُوسُ. وَلاَ بُدَّ مِنْ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِلإِْخْلاَءِ. وَإِنْ لَمْ تُعَايِنِ الْبَيِّنَةُ الْحِيَازَةَ فَالإِْشْهَادُ بِالْهِبَةِ يُغْنِي عَنِ الْحِيَازَةِ فِيمَا لاَ يَسْكُنُهُ الْوَلِيُّ وَلاَ تَلْبَسُهُ. وَاسْتَثْنَوْا كَذَلِكَ مَا لاَ يُعْرَفُ بِعَيْنِهِ، كَالْمَعْدُودِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَكِيل فَلاَ بُدَّ مِنْ حِيَازَتِهِ. (92) وَالْهِبَةُ تَتِمُّ كَذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالإِْعْلاَمِ وَالإِْشْهَادِ، إِلاَّ أَنَّ الإِْشْهَادَ لَيْسَ شَرْطًا، وَإِنَّمَا هُوَ لِلاِحْتِيَاطِ. (93) وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَتَوَلَّى الأَْبُ طَرَفَيِ الْعَقْدِ. وَكَيْفِيَّةُ الْقَبْضِ أَنْ يَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانٍ لآِخَرَ. وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنَ اشْتَرَطَ الإِْشْهَادَ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ، لَكِنْ جَاءَ فِي الأُْمِّ: أَنَّ الْهِبَةَ لاَ تَتِمُّ إِلاَّ بِأَمْرَيْنِ: الإِْشْهَادِ، وَالْقَبْضِ، وَلاَ يُغْنِي الإِْشْهَادُ عَنِ الْقَبْضِ. (94) الإِْشْهَادُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْمَوْهُوبِ قَبْل قَبْضِهِ:
28 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمَوْهُوبَ لَهُ إِذَا بَاعَ مَا اتَّهَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ وَهَبَهُ قَبْل أَنْ يَقْبِضَهُ فَإِنَّ تَصَرُّفَهُ مَاضٍ، وَفِعْلَهُ ذَلِكَ حَوْزٌ لَهُ إِذَا أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ وَأَعْلَنَ بِمَا فَعَلَهُ. (95) وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَالشَّافِعِيَّةِ لاَ يَكُونُ الإِْشْهَادُ بِمَنْزِلَةِ الْقَبْضِ، وَلاَ يَثْبُتُ حُكْمُ الْهِبَةِ إِلاَّ بِقَبْضِهَا. وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي الْمَكِيل وَالْمَوْزُونِ اللَّذَيْنِ لاَ تَصِحُّ هِبَتُهُمَا إِلاَّ بِالْقَبْضِ عِنْدَهُمْ. (96) وَالصَّدَقَةُ كَالْهِبَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَلَوْ دَفَعَ مَالاً لِمَنْ يُفَرِّقُهُ صَدَقَةً عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى ذَلِكَ، فَلَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ، وَاسْتَمَرَّ الْمَال عِنْدَهُ حَتَّى مَاتَ الْوَاهِبُ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ تَبْطُل وَتَرْجِعُ إِلَى وَرَثَتِهِ. أَمَّا إِذَا أَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ حِينَ دَفَعَ الْمَال إِلَى مَنْ يَتَصَدَّقُ بِهِ، فَإِنَّ الصَّدَقَةَ لاَ تَبْطُل بِمَوْتِ الْمُتَصَدِّقِ، وَتَرْجِعُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ. (97) وَيَنْطَبِقُ عَلَى الصَّدَقَةِ مَا يَنْطَبِقُ عَلَى الْهِبَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ مِنْ حَيْثُ عَدَمُ إِغْنَاءِ الإِْشْهَادِ عَنِ الْقَبْضِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (98) .
الإِْشْهَادُ فِي الْوَقْفِ:
29 - عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لَوْ وَقَفَ عَلَى مَحْجُورِهِ، وَهُوَ وَلَدُهُ الصَّغِيرُ الَّذِي فِي حِجْرِهِ، أَوِ السَّفِيهُ أَوِ الْوَصِيُّ عَلَى يَتِيمِهِ فَإِنَّهُ لاَ يُشْتَرَطُ فِي حَوْزِ الْوَقْفِ الْحَوْزُ الْحِسِّيُّ، بَل يَكْفِي فِيهِ الْحَوْزُ الْحُكْمِيُّ، وَهُوَ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى ذَلِكَ. وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْحَائِزُ الأَْبَ أَمِ الْوَصِيَّ أَوِ الْمُقَامَ مِنْ قِبَل الْحَاكِمِ، فَيَصِحُّ الْوَقْفُ وَلَوْ كَانَ تَحْتَ يَدِ الْحَائِزِ إِلَى مَوْتِهِ أَوْ إِلَى فَلَسِهِ أَوْ إِلَى مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، إِذَا تَوَافَرَتْ بَقِيَّةُ الشُّرُوطِ مَعَ الإِْشْهَادِ. وَلاَ بُدَّ مِنْ مُعَايَنَةِ الْبَيِّنَةِ لِمَا وَقَعَ الإِْشْهَادُ عَلَى وَقْفِهِ إِنْ كَانَ الْوَقْفُ عَلَى أَجْنَبِيٍّ، فَلاَ يَكْفِي إِقْرَارُ الْوَاقِفِ، لأَِنَّ الْمُنَازِعَ لِلْمَوْقُوفِ عَلَيْهِ إِمَّا الْوَرَثَةُ وَإِمَّا الْغُرَبَاءُ. وَلاَ بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ الْوَاقِفُ عَلَى الْوَقْفِ قَبْل حُصُول الْمَانِعِ لِلْوَاقِفِ مِنَ التَّصَرُّفِ. وَلاَ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقُول عِنْدَ الإِْشْهَادِ عَلَى الْوَقْفِيَّةِ: رَفَعْتُ يَدَ الْمِلْكِ وَوَضَعْتُ يَدَ الْحَوْزِ وَنَحْوَ ذَلِكَ. (99) وَالْمَذَاهِبُ الأُْخْرَى لَمْ يَتَكَلَّمُوا عَنِ الإِْشْهَادِ فِي الْوَقْفِ، لِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِمُ الْقَبْضَ لِصِحَّتِهِ.
الإِْشْهَادُ عَلَى بِنَاءِ الإِْنْسَانِ لِنَفْسِهِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ:
30 - لَوْ بَنَى نَاظِرُ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ بِمَال نَفْسِهِ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ، أَوْ زَرَعَ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ يَعْتَدُّونَ بِذَلِكَ الإِْشْهَادِ، وَيَجْعَلُونَ الْبِنَاءَ وَالْغِرَاسَ مِلْكًا لِلنَّاظِرِ إِنْ أَشْهَدَ. فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَهُوَ تَابِعٌ لِلْوَقْفِ. قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَلاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ الإِْشْهَادُ قَبْل الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ. (100) وَالْمَالِكِيَّةُ لاَ يَجْعَلُونَ لِلإِْشْهَادِ أَثَرًا. (101) وَتَفْصِيل مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ يُذْكَرُ فِي مَوْطِنِهِ الأَْصْلِيِّ (الْوَقْفُ) . وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لَيْسَ لِلْوَاقِفِ - وَالنَّاظِرِ بِالأَْوْلَى - أَنْ يَزْرَعَ أَوْ يَبْنِيَ فِي أَرْضِ الْوَقْفِ لِنَفْسِهِ، وَغَرْسِهِ وَبِنَاؤُهُ فِيهِ بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَالْحَال لاَ يَحْتَاجُ إِلَى إِشْهَادٍ عِنْدَهُمْ (102) وَتَفْصِيل أَحْكَامِ الْبِنَاءِ وَالْغِرَاسِ فِي الْوَقْفِ يُنْظَرُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ.
الإِْشْهَادُ فِي اللُّقَطَةِ:
31 - وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: {مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ، وَلاَ يَكْتُمْ، وَلاَ يُغَيِّبْ} . (103) وَهَذَا أَمْرٌ بِالإِْشْهَادِ عَلَى اللُّقَطَةِ لِيَحْفَظَهَا الإِْنْسَانُ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ أَنْ يَطْمَعَ فِيهَا، وَعَنْ وَرَثَتِهِ إِنْ مَاتَ، وَعَنْ غُرَمَائِهِ إِنْ أَفْلَسَ. وَفِي الأَْمْرِ الْوَارِدِ بِهِ رَأْيَانِ: أ - اسْتِحْبَابُ الإِْشْهَادِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ إِنْ خِيفَ أَنْ يَدَّعِيَهَا مَعَ طُول الزَّمَانِ. . (104) وَقَدْ حَمَلُوا الْحَدِيثَ السَّابِقَ عَلَى الاِسْتِحْبَابِ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى الاِسْتِحْبَابِ بِخَبَرِ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ مَرْفُوعًا: {أُعَرِّفُ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا} (105) وَحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِالإِْشْهَادِ فِيهِمَا، (106) وَاكْتُفِيَ بِالتَّعْرِيفِ، وَلاَ يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ. فَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ، سِيَّمَا وَقَدْ سُئِل عَنْ حُكْمِ اللُّقَطَةِ فَلَمْ يَكُنْ لِيُخِل بِأَمْرٍ وَاجِبٍ فِيهَا فَيَتَعَيَّنُ حَمْل الأَْمْرِ عَلَى النَّدْبِ فِي خَبَرِ عِيَاضٍ. وَلأَِنَّهُ أَمَانَةٌ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إِلَى الإِْشْهَادِ كَالْوَدِيعَةِ (107) . ب - وُجُوبُ الإِْشْهَادِ: وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ. جَاءَ فِي كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: أَنَّ الإِْشْهَادَ لاَ بُدَّ مِنْهُ عِنْدَ الإِْمَامِ: (108) وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ إِنْ تَحَقَّقَ الْمُلْتَقِطُ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ سَيَجْحَدُ اللُّقَطَةَ. (109) وَوُجُوبُ الإِْشْهَادِ هُوَ مُقَابِل الْمَذْهَبِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. قَالُوا: فِي الْحَدِيثِ زِيَادَةٌ عَلَى بَقِيَّةِ الأَْخْبَارِ، وَهِيَ الأَْمْرُ بِالإِْشْهَادِ، وَزِيَادَةُ الثِّقَةِ مَقْبُولَةٌ، وَالأَْصْل فِي الأَْمْرِ الْوُجُوبُ، وَلاَ مُنَافَاةَ بَيْنَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ وَبَيْنَ بَقِيَّةِ الأَْخْبَارِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ. (110) وَالإِْشْهَادُ يَكُونُ حِينَ الأَْخْذِ إِنْ أَمْكَنَ، وَإِلاَّ أَشْهَدَ عِنْدَ أَوَّل التَّمَكُّنِ مِنْهُ. (111) نَفْيُ الضَّمَانِ مَعَ الإِْشْهَادِ:
32 - يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُلْتَقِطَ لاَ يَضْمَنُ اللُّقَطَةَ إِنْ أَشْهَدَ عَلَيْهَا. فَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهَا إِنْ تَلِفَتْ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ وَأَبُو يُوسُفَ: لاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ سَوَاءٌ أَشْهَدَ أَمْ لَمْ يُشْهِدْ. وَفِي الْبَدَائِعِ: وَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُلْتَقِطِ أَشْهَدَ أَوْ لَمْ يُشْهِدْ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ إِنْ لَمْ يُشْهِدْ. (112)
فَإِنْ خَشِيَ اسْتِيلاَءَ ظَالِمٍ عَلَيْهَا، فَقَدْ قَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّهُ يَمْتَنِعُ الإِْشْهَادُ وَلَوْ أَشْهَدَ ضَمِنَ، (113) وَقَال الْحَنَفِيَّةُ لاَ يَضْمَنُ إِنْ لَمْ يُشْهِدْ خَوْفًا مِنَ اسْتِيلاَءِ ظَالِمٍ عَلَيْهَا، وَكَذَا لاَ يَضْمَنُ إِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الإِْشْهَادِ. (114)
الإِْشْهَادُ وَالتَّعْرِيفُ:
33 - لاَ يُغْنِي الإِْشْهَادُ عَنِ التَّعْرِيفِ عِنْدَ أَكْثَرِ الْفُقَهَاءِ، وَذَهَبَ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يُغْنِي عَنِ التَّعْرِيفِ. (115)
الإِْشْهَادُ عَلَى اللَّقِيطِ:
34 - لاَ يَخْتَلِفُ حُكْمُ الإِْشْهَادِ عَلَى الْتِقَاطِ اللَّقِيطِ عَنِ الإِْشْهَادِ فِي اللُّقَطَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، (116) وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَجِبُ الإِْشْهَادُ قَوْلاً وَاحِدًا، (117) وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَتْ بَعْضُ كُتُبِهِمْ. (118)
وَإِنَّمَا فَرَّقُوا بَيْنَ اللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ فِي الإِْشْهَادِ، لأَِنَّ اللُّقَطَةَ الْغَرَضُ مِنْهَا الْمَال، وَالإِْشْهَادُ فِي التَّصَرُّفِ الْمَالِيِّ مُسْتَحَبٌّ، وَالْغَرَضُ مِنَ الْتِقَاطِ اللَّقِيطِ حِفْظُ حُرِّيَّتِهِ وَنَسَبِهِ، فَوَجَبَ الإِْشْهَادُ، كَمَا فِي النِّكَاحِ، وَلأَِنَّ اللُّقَطَةَ يَشِيعُ أَمْرُهَا بِالتَّعْرِيفِ وَلاَ تَعْرِيفَ فِي اللَّقِيطِ. (119)
وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ قُدَامَةَ وُجُوبَ ضَمِّ مُشْرِفٍ إِلَى الْمُلْتَقِطِ إِنْ كَانَ غَيْرَ أَمِينٍ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: اسْتِحْبَابُ الإِْشْهَادِ. (120)
وَيَجِبُ الإِْشْهَادُ عَلَى مَا مَعَ اللَّقِيطِ تَبَعًا لَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَلِئَلاَّ يَتَمَلَّكَهُ. وَقَيَّدَ الْمَاوَرْدِيُّ وُجُوبَ الإِْشْهَادِ عَلَى اللَّقِيطِ وَعَلَى مَا مَعَهُ بِحَالَةِ مَا إِذَا كَانَ هُوَ الْمُلْتَقِطُ.
أَمَّا مَنْ سَلَّمَهُ الْحَاكِمُ لَهُ لِيَكْفُلَهُ فَالإِْشْهَادُ مُسْتَحَبٌّ لَهُ قَطْعًا. (121)
الإِْشْهَادُ عَلَى نَفَقَةِ اللَّقِيطِ:
35 - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ اشْتَرَطُوا لِجَوَازِ الرُّجُوعِ بِمَا يُنْفِقُهُ الْمُلْتَقِطُ عَلَى اللَّقِيطِ الإِْشْهَادُ عَلَى إِرَادَتِهِ الرُّجُوعَ.
وَقَيَّدَ الشَّافِعِيَّةُ ذَلِكَ بِمَا إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنِ الْمُنْفِقُ مِنْ اسْتِئْذَانِ الْحَاكِمِ. (122) وَوُجُوبُ الإِْشْهَادِ هُوَ قَوْل شُرَيْحٍ وَالنَّخَعِيِّ (123) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ يُشْتَرَطُ. (124)
وَلاَ يَتَأَتَّى الْقَوْل بِالإِْشْهَادِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، فَالْمُلْتَقِطُ يُنْفِقُ، وَلاَ يَرْجِعُ عَلَى اللَّقِيطِ عِنْدَهُمْ، لأَِنَّهُ بِالاِلْتِقَاطِ أَلْزَمَ نَفْسَهُ. (125)
الإِْشْهَادُ بِالْبَاطِل لِلتَّوَصُّل إِلَى الْحَقِّ:
36 - فُقَهَاءُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ الإِْشْهَادُ بِالْبَاطِل لِلتَّوَصُّل إِلَى الْحَقِّ فِي صُوَرٍ ذَكَرُوهَا. فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: الصَّغِيرَةُ الَّتِي يُزَوِّجُهَا وَلِيٌّ غَيْرُ الأَْبِ وَالْجَدِّ، وَيَثْبُتُ لَهَا شَرْعًا خِيَارُ الْبُلُوغِ فِي النِّكَاحِ عَلَى الْفَوْرِ، فَإِنَّهَا إِذَا رَأَتِ الْحَيْضَ فِي اللَّيْل وَاخْتَارَتِ الْفَسْخَ فَوْرًا، فَإِنَّهَا حِينَ تُشْهِدُ فِي الصَّبَاحِ عَلَى الْبُلُوغِ تَقُول: بَلَغْتُ الآْنَ، ضَرُورَةُ إِحْيَاءِ الْحَقِّ، (126) لأَِنَّ خِيَارَ الْبُلُوغِ يَسْقُطُ بِالتَّرَاخِي، فَلَوْ أَخْبَرَتْ عَنِ اخْتِيَارِهَا مُتَبَاعِدًا عَنِ الإِْشْهَادِ لَمْ تَسْتَفِدْ مِنَ الْخِيَارِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يَجُوزُ لِلإِْنْسَانِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مُعَيَّنٌ، وَلَمْ يَنْتَظِمْ بَيْتُ الْمَال أَنْ يَتَحَيَّل عَلَى إِخْرَاجِ مَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ بِشَيْءٍ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذِمَّتِهِ، كَزَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَاتٍ وَجَبَ إِخْرَاجُهَا مِنْ رَأْسِ الْمَال، وَلَوْ أَتَى عَلَى جَمِيعِهِ بَعْدَ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْعَيْنِ. (127) وَذَكَرَ الْحَنَابِلَةُ عِدَّةَ صُوَرٍ مِنْهَا: مَا يُسَمَّى بِمَسْأَلَةِ إِيدَاعِ الشَّهَادَةِ، كَأَنْ يَقُول لَهُ الْخَصْمُ: لاَ أُقِرُّ لَكَ حَتَّى تُبْرِئَنِي مِنْ نِصْفِ الدَّيْنِ أَوْ ثُلُثِهِ، وَأَشْهَدُ عَلَيْكَ إِنَّكَ لاَ تَسْتَحِقُّ عَلَى بُعْدِ ذَلِكَ شَيْئًا، فَيَأْتِي صَاحِبُ الْحَقِّ إِلَى رَجُلَيْنِ فَيَقُول: اشْهَدَا أَنِّي عَلَى طَلَبِ حَقِّي كُلِّهِ مِنْ فُلاَنٍ، وَأَنِّي لَمْ أُبْرِئْهُ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُظْهِرَ مُصَالَحَتَهُ عَلَى بَعْضِهِ، لأَِتَوَصَّل بِالصُّلْحِ إِلَى أَخْذِ بَعْضِ حَقِّي، وَأَنِّي إِذَا أَشْهَدْتُ أَنِّي لاَ أَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ سِوَى مَا صَالَحَنِي عَلَيْهِ فَهُوَ إِشْهَادٌ بَاطِلٌ، وَأَنِّي إِنَّمَا أَشْهَدْتُ عَلَى ذَلِكَ تَوَصُّلاً إِلَى أَخْذِ بَعْضِ حَقِّي، فَإِذَا فَعَل ذَلِكَ جَازَ لَهُ أَنْ يَدَّعِيَ بَقَاءَهُ عَلَى حَقِّهِ، وَيُقِيمَ الشَّهَادَةَ بِذَلِكَ. (128) فَالإِْنْسَانُ لَهُ التَّوَصُّل إِلَى حَقِّهِ بِكُل طَرِيقٍ جَائِزٍ، وَقَدْ تَوَصَّل الْمَظْلُومُ إِلَى حَقِّهِ بِطَرِيقٍ لَمْ يُسْقِطْ بِهَا حَقًّا لأَِحَدٍ، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهَا مَا لاَ يَحِل لَهُ أَخْذُهُ، فَلاَ خَرَجَ بِهَا مِنْ حَقٍّ، وَلاَ دَخَل بِهَا فِي بَاطِلٍ.
وَنَظِيرُ هَذَا أَنْ يَكُونَ لِلْمَرْأَةِ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَيَجْحَدُهُ، وَيَأْبَى أَنْ يُقِرَّ بِهِ حَتَّى تُقِرَّ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ، فَتَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهَا أَنَّهَا لَيْسَتِ امْرَأَةَ فُلاَنٍ، وَأَنِّي أُرِيدُ أَنْ أُقِرَّ لَهُ بِالزَّوْجِيَّةِ إِقْرَارًا كَاذِبًا لاَ حَقِيقَةَ لَهُ لأَِتَوَصَّل بِذَلِكَ إِلَى أَخْذِ مَالِي عِنْدَهُ، فَاشْهَدُوا أَنَّ إِقْرَارِي بِالزَّوْجِيَّةِ بَاطِلٌ أَتَوَصَّل بِهِ إِلَى أَخْذِ حَقِّي.
وَمِثْلُهُ أَيْضًا: أَنْ يُنْكِرَ نَسَبَ أَخِيهِ، وَيَأْبَى أَنْ يُقِرَّ لَهُ بِهِ حَتَّى يَشْهَدَ أَنَّهُ لاَ يَسْتَحِقُّ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِ شَيْئًا، وَأَنَّهُ قَدْ أَبْرَأَهُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ فِي ذِمَّتِهِ مِنْهَا، أَوْ أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ جَمِيعَ مَا يَخُصُّهُ مِنْهَا، أَوْ أَنَّهُ قَبَضَهُ، أَوِ اعْتَاضَ عَنْهُ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، فَيُودِعُ الشَّهَادَةَ عَدْلَيْنِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حَقِّهِ، وَأَنَّهُ يُظْهِرُ ذَلِكَ الإِْقْرَارُ تَوَصُّلاً إِلَى إِقْرَارِ أَخِيهِ بِنَسَبِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ مِنْ مِيرَاثِ أَبِيهِ شَيْئًا وَلاَ أَبْرَأَ أَخَاهُ وَلاَ عَاوَضَهُ وَلاَ وَهَبَهُ. (129)
الإِْشْهَادُ عَلَى كِتَابَةِ الْوَصِيَّةِ:
37 - يَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ إِنْ كَتَبَ الْمُوصِي وَصِيَّتَهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهَا، ثُمَّ قَرَأَهَا عَلَى الْشُّهُودِ (130) .
وَيَخْتَلِفُونَ إِنْ كَتَبَهَا وَلَمْ يَعْلَمِ الشُّهُودُ بِمَا فِيهَا، سَوَاءٌ أَكَتَبَهَا وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا أَمْ كَتَبَهَا فِي غَيْبَةِ الشُّهُودِ، ثُمَّ أَشْهَدَهُمْ عَلَيْهَا.
فَإِنْ كَتَبَهَا مُبْهَمَةً ثُمَّ دَعَا الشُّهُودَ، وَقَال: هَذِهِ وَصِيَّتِي فَاشْهَدُوا عَلَى مَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، فَلِلْفُقَهَاءِ فِي نَفَاذِ هَذِهِ الْوَصِيَّةِ وَعَدَمِهِ رَأْيَانِ:
أَحَدُهُمَا: عَدَمُ النَّفَاذِ، وَبِهِ قَال الْحَنَفِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَجُمْهُورُ الأَْصْحَابِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ. وَبِهَذَا قَال الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو قِلاَبَةَ وَأَبُو ثَوْرٍ. إِلاَّ أَنَّ بَعْضَ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ أَطْلَقَتْ هَذَا الْقَوْل، وَبَعْضُهَا قَيَّدَهُ بِمَا إِذَا لَمْ يُعْرَفْ خَطُّ الْكَاتِبِ، وَقَالُوا فِي تَعْلِيل عَدَمِ النَّفَاذِ: إِنَّ الْحُكْمَ لاَ يَجُوزُ بِرُؤْيَةِ خَطِّ الشَّاهِدِ بِالشَّهَادَةِ بِالإِْجْمَاعِ فَكَذَا هُنَا. (131)
الثَّانِي: أَنَّ هَذَا الإِْشْهَادَ يَصِحُّ وَيَنْفُذُ بِهِ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَقْرَأْهَا عَلَى الشُّهُودِ، وَهُوَ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ، وَقَوْل مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرِ الْمَرْوَزِيِّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ، (132) وَهُوَ قَوْل جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمْ سَالِمٌ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى قَاضِي الْبَصْرَةِ (133) .
فَإِنْ كَتَبَهَا بِحَضْرَتِهِمْ، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَيْهَا، دُونَ عِلْمٍ بِمَا فِيهَا فَإِنَّهَا تَنْفُذُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إِذَا أَوْدَعَهُ عِنْدَهُ، (134) وَهُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ إِنْ عُرِفَ خَطُّهُ. وَالْعَمَل حِينَئِذٍ بِالْخَطِّ لاَ بِالإِْشْهَادِ. وَمِمَّنْ قَال ذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى وَمَكْحُولٌ وَاللَّيْثُ وَالأَْوْزَاعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَإِسْحَاقُ، وَاحْتَجَّ أَبُو عُبَيْدٍ بِكَتْبِ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِلَى عُمَّالِهِ وَأُمَرَائِهِ فِي أَمْرِ وِلاَيَتِهِ وَأَحْكَامِ سُنَنِهِ، ثُمَّ مَا عَمِل بِهِ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ بَعْدَهُ مِنْ كَتْبِهِمْ إِلَى وُلاَتِهِمُ الأَْحْكَامُ الَّتِي تَتَضَمَّنُ أَحْكَامًا فِي الدِّمَاءِ وَالْفُرُوجِ وَالأَْمْوَال، يَبْعَثُونَ بِهَا مَخْتُومَةً لاَ يَعْلَمُ حَامِلُهَا مَا فِيهَا، وَأَمْضَوْهَا عَلَى وُجُوهِهَا. وَذَكَرَ اسْتِخْلاَفَ سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِكِتَابٍ كَتَبَهُ وَخَتَمَ عَلَيْهِ. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا أَنْكَرَ ذَلِكَ مَعَ شُهْرَتِهِ فِي عُلَمَاءِ الْعَصْرِ فَكَانَ إِجْمَاعًا (135) .
وَلاَ تَنْفُذُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيَّةِ، وَهُوَ مَحْكِيٌّ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، قَال صَاحِبُ الْمُغْنِي: وَوَجْهُهُ أَنَّهُ كِتَابٌ لاَ يَعْلَمُ الشَّاهِدُ مَا فِيهِ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ، كَكِتَابِ الْقَاضِي إِلَى الْقَاضِي. (136) الإِْشْهَادُ عَلَى النِّكَاحِ:
38 - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ، وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ عَقْدُ النِّكَاحِ إِلاَّ بِإِشْهَادٍ عَلَى الْعَقْدِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ. (137)
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَالْحَسَنِ وَالنَّخَعِيِّ وَقَتَادَةَ وَالثَّوْرِيِّ وَالأَْوْزَاعِيِّ.
وَالْمَعْنَى فِيهِ صِيَانَةُ الأَْنْكِحَةِ عَنِ الْجُحُودِ، وَالاِحْتِيَاطِ لِلأَْبْضَاعِ. (138)
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ الإِْشْهَادُ عَلَى الْعَقْدِ مُسْتَحَبٌّ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ الإِْشْهَادُ عِنْدَ الدُّخُول، فَإِنْ أَشْهَدَا قَبْل الدُّخُول صَحَّ النِّكَاحُ مَا لَمْ يَقْصِدَا الاِسْتِسْرَارَ بِالْعَقْدِ. فَإِنْ قَصَدَاهُ لَمْ يُقِرَّا عَلَى النِّكَاحِ عَلَيْهِ، لِنَهْيِهِ ﵊ عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ، وَيُؤْمَرُ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً وَإِنْ طَال الزَّمَانُ، ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْعَقْدَ. وَإِنْ دَخَلاَ بِلاَ إِشْهَادٍ فُسِخَ النِّكَاحُ كَذَلِكَ، وَحُدَّا فِي الْحَالَتَيْنِ، مَا لَمْ يَكُنِ النِّكَاحُ فَاشِيًّا. (139)
وَهُنَاكَ شُرُوطٌ وَتَفْصِيلاَتٌ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالإِْشْهَادِ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ، يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (نِكَاحٌ) .
الإِْشْهَادُ عَلَى الرَّجْعَةِ:
39 - لِلْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ الإِْشْهَادِ عَلَى الرَّجْعَةِ رَأْيَانِ:
أَوَّلُهُمَا: نَدْبُ الإِْشْهَادِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيَّةِ. وَالإِْشْهَادُ عِنْدَهُمْ يَكُونُ عَلَى صِيغَةِ الرَّجْعَةِ أَوِ الإِْقْرَارِ بِهَا، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَثَانِيهِمَا: وُجُوبُ الإِْشْهَادِ، وَهُوَ قَوْل ابْنِ بُكَيْرٍ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ رِوَايَةً عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَاسْتَدَل الْفَرِيقَانِ عَلَى أَنَّ الإِْشْهَادَ مَطْلُوبٌ بِقَوْل اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} . (140)
فَحَمَل الْفَرِيقُ الأَْوَّل الأَْمْرَ عَلَى الاِسْتِحْبَابِ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الرَّجْعَةَ لاَ تَفْتَقِرُ إِلَى قَبُولٍ، فَلَمْ تَفْتَقِرْ إِلَى شَهَادَةٍ، كَسَائِرِ حُقُوقِ الزَّوْجِ، وَلأَِنَّهَا اسْتِدَامَةٌ لِلنِّكَاحِ وَهَذَا لاَ يَتَطَلَّبُ الإِْشْهَادَ. وَحَمَل الْفَرِيقُ الثَّانِي الأَْمْرَ عَلَى الْوُجُوبِ وَهُوَ ظَاهِرُ الأَْمْرِ. (141) ثُمَّ مَنْ أَوْجَبَ الإِْشْهَادَ إِذَا رَاجَعَهَا بِدُونِهِ هَل تَصِحُّ الرَّجْعَةُ؟
مَنِ اعْتَبَرَ الإِْشْهَادَ شَرْطًا قَال: لاَ تَصِحُّ، وَمَنِ اعْتَبَرَهُ وَاجِبًا دِيَانَةً فَقَطْ صَحَّتِ الرَّجْعَةُ مَعَ الإِْثْمِ. وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مَبْحَثِ الرَّجْعَةِ.
إِشْهَادُ الْمُنْفِقِ عَلَى الصَّغِيرِ:
40 - نَفَقَةُ الصَّغِيرِ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلاَّ فَيُلْزَمُ بِالإِْنْفَاقِ عَلَيْهِ مَنْ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ شَرْعًا، وَهَذَا لاَ يَحْتَاجُ إِلَى إِشْهَادٍ.
وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ وَلِيُّهُ أَوْ وَصِيُّهُ مِنْ مَالِهِمَا بِقَصْدِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ، فَلاَ بُدَّ لِجَوَازِ الرُّجُوعِ عَلَى الصَّغِيرِ فِي مَالِهِ مِنَ الإِْشْهَادِ.
وَكَذَلِكَ إِنْ أَنْفَقَ عَلَيْهِ مَنْ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ.
وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ وَخِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ (نَفَقَةٌ) .
الإِْشْهَادُ بِالإِْنْفَاقِ عَلَى مَنْ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لِيَرْجِعَ بِمَا أَنْفَقَ:
41 - مَنْ أَنْفَقَ عَلَى مَنْ لاَ تَجِبُ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ، أَوْ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ النَّفَقَةُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُشْهِدَ حَتَّى يَرْجِعَ بِمَا يُنْفِقُ، وَذَلِكَ إِنْ عَجَزَ عَنِ اسْتِئْذَانِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ أَوِ الْحَاكِمُ. وَهَذَا هُوَ رَأْيُ الشَّافِعِيَّةِ، وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَحْمَدَ، وَاكْتَفَى الْمَالِكِيَّةُ بِيَمِينِ الْمُنْفِقِ: أَنَّهُ أَنْفَقَ لِيَرْجِعَ. وَأَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّ قَيِّمَ الْوَقْفِ إِذَا أَنْفَقَ عَلَى الْوَقْفِ مِنْ مَالِهِ بِقَصْدِ الرُّجُوعِ فَلاَ بُدَّ مِنَ الإِْشْهَادِ. وَيُمْكِنُ التَّخْرِيجُ عَلَى هَذِهِ عِنْدَهُمْ فِيمَايُشْبِهُ الْوَقْفَ. (142)
وَفِي الْمَوْضُوعِ تَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي (الْوَقْفِ الْوَدِيعَةِ وَالرَّهْنِ وَالنَّفَقَةِ وَاللُّقَطَةِ وَاللَّقِيطِ) .
الإِْشْهَادُ عَلَى الْحَائِطِ الْمَائِل لِلضَّمَانِ:
42 - إِذَا سَقَطَ الْحَائِطُ الْمَائِل، فَتَلِفَ بِسُقُوطِهِ شَيْءٌ، فَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّهُ لاَ يَضْمَنُ صَاحِبُ الْحَائِطِ، إِلاَّ إِذَا طُلِبَ إِلَيْهِ إِزَالَةُ الْحَائِطِ قَبْل سُقُوطِهِ، وَأَشْهَدُوا عَلَى ذَلِكَ. وَيَتَحَقَّقُ الطَّلَبُ مِنْ أَيِّ عَاقِلٍ وَلَوْ صَبِيًّا. وَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ الضَّرَرُ وَاقِعًا عَلَى مَال الْغَيْرِ، وَيَكُونُ الضَّمَانُ فِي هَلاَكِ النَّفْسِ عَلَى عَاقِلَةِ صَاحِبِ الْحَائِطِ إِلْحَاقًا بِالْقَتْل الْخَطَأِ.
وَيَرَى الْمَالِكِيَّةُ أَنَّ الإِْشْهَادَ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ مِنَ الْقَاضِي أَوْ مِمَّنْ لَهُ النَّظَرُ فِي مِثْل هَذِهِ الأُْمُورِ كَالْبَلَدِيَّةِ الآْنَ. وَأَمَّا طَلَبُ النَّاسِ وَإِشْهَادُهُمْ فَلاَ عِبْرَةَ بِهِ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ إِلاَّ إِذَا كَانَ فِي مَكَانٍ لَيْسَ بِهِ قَاضٍ وَلاَ مَسْئُولٌ عَنْ مِثْل هَذَا. وَيَكُونُ الضَّمَانُ عِنْدَهُمْ فِي الْمَال وَالنَّفْسِ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ إِنْ قَصَّرَ.
وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لاَ يُوجِبُونَ الإِْشْهَادَ عَلَى الطَّلَبِ، وَإِنَّمَا يَكْفِي عِنْدَهُمُ الطَّلَبُ وَحْدَهُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ.
وَأَمَّا شُرُوطُ وُجُوبِ الضَّمَانِ فَيَرْجِعُ إِلَيْهَا فِي مَوْضُوعِ الضَّمَانِ وَالْجِنَايَاتِ (143) .
__________
(1) الصحاح، والمغرب مادة: (شهد) وتكملة فتح القدير 8 / 341 - 342.
(2) سورة البقرة / 282.
(3) طلبة الطلبة ص 132، والنظم المستعذب 2 / 104، 325 ط مصطفى الحلبي، والإقناع 4 / 66، والخرشي 7 / 188.
(4) فتح القدير 2 / 352 ط بولاق، ونهاية المحتاج 6 / 117 ط الحلبي.
(5) العناية على الهداية 2 / 351 ط بولاق الأولى، ونهاية المحتاج 6 / 213، والحطاب 3 / 408 - 410.
(6) الطحطاوي على الدر 3 / 228، وتبصرة الحكام 1 / 186.
(7) المجموع 9 / 155 ط المنيرية.
(8) معين الحكام ص 102، ونهاية المحتاج 5 / 412، ومطالب أولي النهى 4 / 400، 402، والفروع 2 / 606.
(9) تبصرة الحكام 1 / 186، 187، والمغني 4 / 302.
(10) ابن عابدين 5 / 458 ط بولاق الأولى، والجمل على المنهج 2 / 163
(11) كشاف القناع 4 / 402 نشر مكتبة النصر.
(12) منح الجليل 3 / 97.
(13) الحطاب 6 / 399، ونهاية المحتاج 3 / 127، وقواعد ابن رجب ص 64.
(14) الحطاب 6 / 399.
(15) سورة البقرة / 282.
(16) حديث: " اشترى رسول الله ﷺ من يهودي. . . . ". أخرجه البخاري، ومسلم واللفظ له من حديث عائشة ﵂ (فتح الباري 4 / 433 ط السلفية، وصحيح مسلم بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 3 / 1226 ط عيسى الحلبي) .
(17) حديث: " شراء النبي ﷺ سراويل " أخرجه أحمد بن حنبل والترمذي وابن ماجه والحاكم من حديث سويد بن قيس ولفظ الترمذي: " جلبت أنا ومخرفة العبدي بزا من هجر فجاءنا النبي ﷺ فساومنا بسراويل، وعندي وزان يزن بالأجر فقال النبي ﷺ للوزان: زن وأرجح ". وقال الترمذي: حديث سويد حديث حسن صحيح، وقال الحاك وتحفة الأحوذي 4 / 532، 533 نشر المكتبة السلفية، وسنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 747، 748 ط عيسى الحلبي، والمستدرك 2 / 30، 31 نشر دار الكتاب العربي) .
(18) حديث: " اشترى من أعرابي فرسا فجحده الأعرابي. . . . . ". أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي، والحاكم من حديث عم عمارة بن خزيمة الأنصاري مطولا، والحديث سكت عنه أبو داود والمنذري، وقال الحاكم: حديث صحيح الإسناد ورجاله باتفاق الشيخين ثقات ولم يخرجاه، وأقره الذهبي (مسند أحمد بن حنبل 5 / 215، 216 نشر المكتب الإسلامي، وعون المعبود 3 / 340، 341 ط الهند، وسنن النسائي 7 / 301، 302 ط المطبعة المصرية بالأزهر، والمستدرك 2 / 17، 18 نشر دار الكتاب العربي، والفتح الرباني للبناء الساعاتي 15 / 54، 55 الطبعة الأولى 1370 هـ) .
(19) الطحطاوي على الدر 3 / 228، وأحكام القرآن للجصاص 1 / 372، 373 ط البهية، وتبصرة الحكام 1 / 186، والمجموع 9 / 155، نشر المكتبة السلفية، والمغني 4 / 302، 303 ط الرياض، وشرح منتهى الإرادات 2 / 157 ط الرياض.
(20) الجمل على المنهج 3 / 78.
(21) المغني 4 / 302.
(22) سورة البقرة / 282.
(23) المبسوط 19 / 78، وأشباه ابن نجيم ص 83 الحسينية، والقليوبي 2 / 154.
(24) شرح الروض 3 / 73، ونهاية المحتاج 4 / 366، ومطالب أولي النهى 3 / 410.
(25) الجمل على المنهج 3 / 348.
(26) الشبراملسي على النهاية 4 / 370.
(27) الفتاوى البزازية 5 / 221.
(28) الدسوقي 3 / 299.
(29) الطحطاوي على الدر 3 / 228، والمجموع 9 / 154.
(30) تبصرة الحكام 1 / 186.
(31) البهجة شرح التحفة على الأرجوزة 2 / 228.
(32) الحطاب 5 / 55، 56، والفروع 2 / 606.
(33) الحطاب 5 / 55، 56 وشرح منتهى الإرادات 2 / 319.
(34) المحلي على المنهاج 4 / 304، واللجنة ترى أن ما تعورف عليه من أخذ الوثيقة أو إلحاق بيان بحصول الوفاء مما تقتضيه طبيعة التعامل، ولا يخالف نصا شرعيا، فإن جرى عرف بذلك التزم.
(35) جامع الفصولين 2 / 156، 162، والبهجة شرح التحفة 1 / 189 نشر دار المعرفة والقليوبي 2 / 331، 332، وقواعد ابن رجب ص 137.
(36) الشرح الصغير 3 / 338 ط دار المعارف، والباجوري على ابن قاسم 1 / 378، والإنصاف 5 / 169.
(37) الاختيار 2 / 65 ط مصطفى الحلبي، وأشباه ابن نجيم ص 275، وابن عابدين 4 / 506، والإنصاف 5 / 169.
(38) جامع الفصولين 2 / 13، 14، والحطاب 6 / 400، والقليوبي 2 / 208.
(39) ومقتضى الحجر هنا على هؤلاء وأمثالهم يقتضي الإشهاد والإشهار (اللجنة) .
(40) شرح أدب القاضي للخصاف 2 / 388، وأحكام القرآن للجصاص 1 / 582 ط البهية.
(41) الحطاب 5 / 64، وأحكام القرآن للجصاص 1 / 582، وتبصرة الحكام 1 / 187.
(42) روضة الطالبين 4 / 191.
(43) شرح الروض 2 / 184، 214، والروضة 4 / 130، 191، والمغني 4 / 520، وشرح منتهى الإرادات 2 / 277.
(44) المراجع السابقة.
(45) الشرح الصغير 3 / 383 ط دار المعارف والدسوقي 3 / 296.
(46) تفسير الفخر الرازي 9 / 192 ط البهية الأولى.
(47) التاج والإكليل 6 / 405.
(48) سورة النساء / 4.
(49) الفخر الرازي 9 / 192، والتاج والإكليل 6 / 405.
(50) أحكام القرآن للجصاص 2 / 59، 82، ومطالب أولي النهى 3 / 402، والقليوبي 2 / 351.
(51) الفخر الرازي 9 / 192.
(52) القليوبي 2 / 351.
(53) الزرقاني على خليل 8 / 203.
(54) الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 275.
(55) الخرشي 6 / 82، والزرقاني على خليل 6 / 87، والقليوبي 2 / 351، وشرح الروض 3 / 85.
(56) المغني 5 / 105، ومطالب أولي النهى 3 / 477.
(57) القليوبي 2 / 350.
(58) المبسوط 19 / 71، والزرقاني على خليل 6 / 85، ونهاية المحتاج 5 / 62، والمغني 5 / 113.
(59) أحكام القرآن للجصاص 2 / 83، وتبصرة الحكام 1 / 186، والمجموع 9 / 154، وشرح الروض 3 / 75، والإقناع للحجاوي 2 / 378.
(60) المبسوط 21 / 60 نشر دار المعرفة، وأحكام القرآن للجصاص 2 / 83، وحواشي شرح الروض 3 / 84، والمغني 6 / 396، وكشف المخدرات ص 303 ط السلفية.
(61) الخرشي 6 / 116 نشر دار صادر، ومنح الجليل 3 / 476 ط ليبيا.
(62) كفاية الطالب الرباني 2 / 221، وأحكام القرآن لابن العربي 1 / 327.
(63) منح الجليل 3 / 476.
(64) الإنصاف 6 / 338 الطبعة الأولى، وتصحيح الفروع 2 / 605 ط المنار.
(65) تبيين الحقائق 5 / 77، والروضة 4 / 345، 6 / 344، والفروع وتصحيحه 2 / 605.
(66) منح الجليل 3 / 474، والروضة 6 / 345 - 346.
(67) اللإنصاف 6 / 339، 352، والفروع 2 / 789، والروضة 6 / 346.
(68) المبسوط 11 / 113، 124.
(69) منح الجليل 3 / 365.
(70) تبيين الحقائق 5 / 77 نشر دار المعرفة، والمبسوط 11 / 125.
(71) اللجنة ترى أن الإشهاد من القاضي على نفسه هنا مسألة إجرائية، تخضع لتبدل الأوضاع الزمنية كالأكفاء بإثبات ذلك في سجل المحكمة أو بعض الجهات الضابطة المعتمدة.
(72) نهاية المحتاج والشبراملسي عليها 6 / 117، 118.
(73) الإنصاف 6 / 329 وما بعدها.
(74) مطالب أولي النهى 4 / 155.
(75) نهاية المحتاج 5 / 214، والقليوبي 3 / 50، والمغني 5 / 331، والفتاوى الهندية 5 / 172.
(76) الفتاوى الهندية 5 / 172.
(77) الفتاوى الهندية 5 / 172، 173.
(78) مطالب أولي النهى 4 / 110، ونهاية المحتاج 5 / 214.
(79) المغني 5 / 331.
(80) نهاية المحتاج 5 / 214، والقليوبي 3 / 50.
(81) القليوبي 3 / 50.
(82) الدسوقي 3 / 483.
(83) القليوبي 2 / 351، والنهاية 5 / 124.
(84) تصحيح الفروع 2 / 605، والمغني 5 / 117، والفروع 2 / 793، 794.
(85) الزرقاني على خليل 6 / 87، والخرشي 6 / 82.
(86) الحطاب، والتاج والإكليل 5 / 210، والزرقاني على خليل 6 / 87.
(87) القليوبي 2 / 351.
(88) تصحيح الفروع 2 / 605، وشرح منتهى الإرادات 2 / 319.
(89) الزرقاني على خليل 6 / 87، والخرشي 6 / 82. والحطاب 5 / 210.
(90) القليوبي 2 / 351، وتصحيح الفروع 2 / 605، والمغني 5 / 117.
(91) بدائع الصنائع 8 / 3888 ط الإمام، ودرر الحكام شرح غرر الأحكام 2 / 245 ط أحمد كامل، والخادمي على الدر ص 363، والبحر الرائق 7 / 308، 309 ط العلمية، وجامع الفصولين 2 / 112، 118.
(92) بداية المجتهد 2 / 301 ط التجارية، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 4 / 105، والمغني 5 / 662، 663.
(93) المبسوط 12 / 61.
(94) الروضة 5 / 367، والجمل على المنهج 3 / 598، والأم 4 / 52.
(95) الخرشي 7 / 108.
(96) المبسوط 12 / 48، والأم 4 / 55، والمغني 5 / 649 وما بعدها.
(97) الخرشي 7 / 106، 107.
(98) المبسوط 2 / 48، والأم 4 / 52، والمغني 5 / 649.
(99) الخرشي وحاشية العدوي 7 / 85، والتحفة شرح البهجة 2 / 228.
(100) جامع الفصولين 2 / 21، وابن عابدين 3 / 429، ومطالب أولي النهى 4 / 341.
(101) الدسوقي 4 / 96.
(102) مغني المحتاج 2 / 378، 403 ط مصطفى الحلبي، والفتاوى الفقهية الكبرى 3 / 367.
(103) حديث: " من وجد لقطة فليشهد. . . . " أخرجه أبو داود واللفظ له، وابن ماجه من حديث عياض بن حمار ﵁ مرفوعا. والحديث سكت عنه أبو داود وصححه الألباني وعبد القادر الأرناؤوط (عون المعبود 2 / 66 ط الهند، وسنن ابن ماجه بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي 2 / 837 ط عيسى الحلبي، وصحيح الجامع الصغير 5 / 366 نشر المكتب الإسلامي، وجامع الأصول بتحقيق عبد القادر الأرناؤوط 10 / 707، 708، نشر مكتبة الحلواني 1392 هـ) .
(104) شرح منتهى الإرادات 2 / 478، والشرواني على التحفة 6 / 319 ط دار صادر، والجمل على المنهج 3 / 603، والدسوقي 4 / 126 ط عيسى الحلبي، والزرقاني على خليل 7 / 120 نشر دار الفكر، وجواهر الإكليل 3 / 603، والمغني 5 / 708، 709.
(105) خبر زيد بن خالد مرفوعا: " اعرف وكاءها وعفاصها. . . . . " أخرجه البخاري ومسلم (فتح الباري 5 / 80 - ط السلفية، وصحيح مسلم 3 / 1348 ط الحلبي) .
(106) حديث أبي كعب: " احفظ وعاءها وعددها ووكاءها " أخرجه البخاري ومسلم (الفتح 5 / 78 ط السلفية، وصحيح مسلم 3 / 1350) .
(107) المغني 5 / 708، 709.
(108) ابن عابدين 3 / 319 ط بولاق الأولى.
(109) الدسوقي 4 / 126.
(110) الجمل على المنهج 3 / 603، والشرواني على التحفة 6 / 319.
(111) ابن عابدين 3 / 319، والزرقاني على خليل 7 / 120، والمغني 5 / 708.
(112) الرهوني 7 / 249 ط بولاق، والبدائع 6 / 201 ط الجمالية، وكشف الحقائق 1 / 330، والجمل على المنهج 3 / 603، والمغني 5 / 708.
(113) الجمل على المنهج 3 / 603، وشرح الروض 2 / 487.
(114) الفتاوى الهندية 2 / 291، وابن عابدين 3 / 320، والمبسوط 11 / 12 نشر دار المعرفة.
(115) ابن عابدين 3 / 319، والدسوقي 4 / 120، 126، والجمل 3 / 603، والمغني 5 / 709.
(116) الدسوقي 4 / 126.
(117) شرح الروض 2 / 496.
(118) شرح منتهى الإرادات 2 / 478.
(119) المغني 5 / 756، وشرح الروض 2 / 496.
(120) المغني 5 / 756.
(121) شرح الروض 2 / 496.
(122) ابن عابدين 3 / 317، وشرح الروض 2 / 496.
(123) المغني 5 / 752.
(124) المغني 5 / 752.
(125) الدسوقي 4 / 124، 125 نشر دار الفكر.
(126) ابن عابدين 2 / 310.
(127) الصاوي علي الدردير 4 / 618.
(128) إعلام الموقعين 4 / 30 ط الأولى التجارية.
(129) إعلام الموقعين 4 / 31.
(130) شرح أدب القاضي للخصاف 3 / 337 ط بغداد، والروضة 6 / 141، والخرشي 8 / 190، والمغني 6 / 69، وكشاف القناع 4 / 337.
(131) شرح أدب القاضي للخصاف 3 / 337، والروضة 6 / 141، والمغني 6 / 69.
(132) الخرشي 8 / 190، والروضة 6 / 141.
(133) شرح أدب القاضي للخصاف 3 / 338.
(134) الخرشي 8 / 190، وشرح أدب القاضي للخصاف 3 / 342.
(135) كشاف القناع 4 / 337، والمغني 6 / 69، 70.
(136) شرح الروضة 3 / 42، والمغني 6 / 69، 70، وشرح أدب القاضي للخصاف 3 / 241.
(137) حديث: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث الحسن عن عمران بن حصين مرفوعا، وفي إسناده عبد الله بن محرز، وهو متروك. ورواه الشافعي من وجه آخر عن الحسن مرسلا. وروي الحديث عن عائشة ﵂ بعدة طرق وضعف ابن معين ذلك كله، ونقل الزيلعي عن الدارقطني أن هذا الحديث رجاله ثقات، إلا أن المحفوظ من قول ابن عباس ولم يرفعه إلا عدي بن الفضل. وللحديث طرق أخرى. وقال شعيب الأرناؤوط: هذه الطرق والشواهد يشبه بعضها بعضا، فيصلح الحديث للاستشهاد (السنن الكبرى للبيهقي 7 / 125 ط دائرة اوسنن الدارقطني 3 / 221 - 227 ط دار المحاسن للطباعة، ونيل الأوطار 6 / 258 - 260 ط دار الجيل، وفيض القدير 6 / 438 نشر المكتبة التجارية الكبرى، وشرح السنة بتحقيق شعيب الأرناؤوط 9 / 45 نشر المكتب الإسلامي، وإرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل 6 / 243 نشر المكتب الإسلامي) .
(138) العناية على الهداية 2 / 351، 352 ط بولاق الأولى، ونهاية المحتاج 6 / 213، والمغني 6 / 450.
(139) الحطاب والتاج والإكليل 3 / 408 - 410، وجواهر الإكليل 1 / 275.
(140) سورة الطلاق / 2.
(141) المغني 7 / 283 ط الرياض.
(142) البجيرمي على الخطيب 4 / 68، 70، وتصحيح الفروع 2 / 599، 600، والدسوقي 4 / 124، 125، وتحفة الفقهاء 3 / 46.
(143) تبصرة الحكام 2 / 347، وابن عابدين 5 / 384، 385، وفتح القدير 8 / 342، والروضة 9 / 321، والمغني 7 / 827 وما بعدها، والهندية 3 / 340، والخرشي 7 / 217. وترى اللجنة أن ما ذكر من اشتراط إشهاد القاضي إنما هو أمر تنظيمي، ولولي الأمر أن يتخذ من الإجراءات ما يدفع الضرر عن العامة، مراعيا في ذلك ظروف العصر.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 31/ 5
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".