السلام
كلمة (السلام) في اللغة مصدر من الفعل (سَلِمَ يَسْلَمُ) وهي...
إِدامَةُ وَصْلِ البَيْتِ الحَرامِ وعِمارَتُهُ بِالحَجِّ والعُمْرَةِ دُونَ انْقِطاعٍ.
إحياءُ البَيْتِ الحَرامِ: عِمارَتُه بكلِّ ما فيه تَعْظِيْمٌ للهِ تعالى وإِعْلاءٌ لذِكْرِه فِيهِ، بِأداء العِباداتِ بِعامَّةٍ، والحجِّ والعُمرةِ بِخاصَّةٍ، وعَدَمُ إخْلائِهِ من العِباداتِ والطَّاعات، تَشْبِيهاً لِلْمَكانِ المَعْمُورِ بِالحَيِّ، ولغَيْرِ المَعْمُورِ بِالمَيِّتِ.
* مواهب الجليل في شرح مختصر خليل : (2/456)
* نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج : (8/49)
* مطالب أولي النهى : (2/246)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (2/230)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 48) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الإِْحْيَاءُ مَصْدَرُ " أَحْيَا " وَهُوَ جَعْل الشَّيْءِ حَيًّا، أَوْ بَثُّ الْحَيَاةِ فِي الْهَامِدِ (1) ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: أَحْيَاهُ اللَّهُ إِحْيَاءً، أَيْ جَعَلَهُ حَيًّا، وَأَحْيَا اللَّهُ الأَْرْضَ، أَيْ أَخْصَبَهَا بَعْدَ الْجَدْبِ (2) ، جَاءَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَل الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الأَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} (3) . وَلَمْ يَخْرُجِ اسْتِعْمَال الْفُقَهَاءِ لِكَلِمَةِ " إِحْيَاءُ " عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ، فَقَالُوا: " إِحْيَاءُ الْمَوَاتِ "، وَأَرَادُوا بِذَلِكَ إِنْبَاتَ الأَْرْضِ الْمُجْدِبَةِ، وَقَالُوا: إِحْيَاءُ اللَّيْل، وَإِحْيَاءُ مَا بَيْنَ الْعِشَاءَيْنِ، وَأَرَادُوا بِذَلِكَ شَغْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالذِّكْرِ، وَعَدَمَ تَعْطِيلِهِ وَجَعْلِهِ كَالْمَيِّتِ فِي عُطْلَتِهِ (4) . وَقَالُوا: إِحْيَاءُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ، وَأَرَادُوا بِذَلِكَ دَوَامَ وَصْلِهِ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَعَدَمَ الاِنْقِطَاعِ عَنْهُ كَالاِنْقِطَاعِ عَنِ الْمَيِّتِ، وَهَكَذَا. وَقَالُوا: إِحْيَاءُ السُّنَّةِ وَأَرَادُوا إِعَادَةَ الْعَمَل بِشَعِيرَةٍ مِنْ شَعَائِرِ الإِْسْلاَمِ بَعْدَ إِهْمَال الْعَمَل بِهَا.
وَيَخْتَلِفُ الإِْحْيَاءُ بِحَسَبِ مَا يُضَافُ إِلَيْهِ، فَهُنَاكَ:
أ - إِحْيَاءُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ.
ب - إِحْيَاءُ السُّنَّةِ.
ج - إِحْيَاءُ اللَّيْل.
د - وَإِحْيَاءُ الْمَوَاتِ. وَالْمُرَادُ بِإِحْيَاءِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ عِمَارَةُ الْبَيْتِ بِالْحَجِّ، وَبِالْعُمْرَةِ أَيْضًا عِنْدَ بَعْضِهِمْ، تَشْبِيهًا لِلْمَكَانِ الْمَعْمُورِ بِالْحَيِّ، وَلِغَيْرِ الْمَعْمُورِ بِالْمَيِّتِ (5) . الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
2 - نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ إِحْيَاءَ الْبَيْتِ الْحَرَامِ بِالْحَجِّ فَرْضُ كِفَايَةٍ كُل عَامٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْجُمْلَةِ. وَهَذَا لاَ يَتَعَارَضُ مَعَ كَوْنِهِ فَرْضَ عَيْنٍ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً وَاحِدَةً عَلَى كُل مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ؛ لأَِنَّ الْمَسْأَلَةَ مَفْرُوضَةٌ فِيمَا إِذَا لَمْ يَحُجَّ عَدَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَرْضًا وَلاَ تَطَوُّعًا مِمَّنْ يَحْصُل بِهِمُ الشِّعَارُ عُرْفًا فِي كُل عَامٍ، فَإِنَّ الإِْثْمَ يَلْحَقُ الْجَمِيعَ، إِذِ الْمَقْصُودُ الأَْعْظَمُ بِبِنَاءِ الْكَعْبَةِ هُوَ الْحَجُّ، فَكَانَ بِهِ إِحْيَاؤُهَا، وَلِمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄: لَوْ تَرَكَ النَّاسُ زِيَارَةَ هَذَا الْبَيْتِ عَامًا وَاحِدًا مَا أُمْطِرُوا. وَمِثْل الْحَجِّ فِي ذَلِكَ الْعُمْرَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالتَّادَلِيِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَلاَ يُغْنِي عَنْهُمَا الطَّوَافُ وَالاِعْتِكَافُ وَالصَّلاَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الطَّاعَاتُ وَاجِبَةً أَيْضًا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وُجُوبًا عَلَى الْكِفَايَةِ، فَإِنَّ التَّعْظِيمَ وَإِحْيَاءَ الْبُقْعَةِ يَحْصُل بِجَمِيعِ ذَلِكَ. وَتَطْبِيقًا عَلَى هَذَا فَقَدْ نَصَّ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُرْسِل جَمَاعَةً فِي كُل سَنَةٍ لإِِقَامَةِ الْمَوْسِمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ إِمَامٌ فَعَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ (6) .
هَذَا وَلَمْ أَجِدْ فِيمَا وَقَفْتُ عَلَيْهِ نَصًّا لِلْحَنَفِيَّةِ عَلَى ذَلِكَ. مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
3 - تَنَاوَل الْفُقَهَاءُ حُكْمَ إِحْيَاءِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ بِالتَّفْصِيل فِي أَوَّل كِتَابِ الْجِهَادِ، لِمُنَاسَبَةِ حُكْمِ الْجِهَادِ، وَهُوَ الْوُجُوبُ الْكِفَائِيُّ، حَيْثُ تَعَرَّضُوا لِتَعْرِيفِ الْوَاجِبِ عَلَى الْكِفَايَةِ وَذِكْرِ شَيْءٍ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ وَأَحْكَامِهَا، كَمَا ذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ فِي أَوَّل كِتَابِ الْحَجِّ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَلَى حُكْمِ الْحَجِّ. وَالَّذِينَ جَمَعُوا أَحْكَامَ الْمَسَاجِدِ فِي تَآلِيفَ خَاصَّةٍ، أَوْ عَقَدُوا فِي كُتُبِهِمْ فَصْلاً خَاصًّا بِأَحْكَامِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، تَعَرَّضُوا لَهُ أَيْضًا كَالْبَدْرِ الزَّرْكَشِيِّ ﵀ فِي كِتَابِهِ: " إِعْلاَمِ السَّاجِدِ بِأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ ".
__________
(1) معجم مقاييس اللغة، والقاموس المحيط
(2) محيط المحيط.
(3) سورة فاطر / 9
(4) النهاية لابن الأثير، مادة (حيي) .
(5) حاشية الشرقاوي على شرح التحرير 2 / 178 ط الحلبي، والنهاية لابن الأثير (حيا) ، والخرشي 3 / 108 ط بولاق، والحطاب 2 / 465
(6) الجمل 1 / 183، وكشاف القناع 2 / 375 ط الرياض، وإعلام الساجد ص 84، والحطاب 2 / 465، والخرشي 3 / 108
الموسوعة الفقهية الكويتية: 230/ 2