السميع
كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
الإِرْسالُ: على وزن إِفْعال، وهو مَصْدَرُ أَرْسَلَ الشيءَ، يُرْسِلُهُ، أيْ: أطْلَقَهُ وأَهْملَهُ، يُقالُ: أَرْسَلَ النّاقَةَ في الـمَرْعَى، أيْ: أطْلَقَها، والإِرسالُ أيضاً: التَّوْجِيهُ والبَعْثُ، وقد أَرْسَلَ إليهِ رِسالةً، أيْ: وَجَّهَ وبَعَثَ.
يُطلَقُ مُصْطلَح (إرْسال) في الفقه في عِدَّة مواضِعِ، منها: كِتابُ الصَّلاة، باب: صِفة الصَّلاة، ويُراد به: إرْخاء طَرَفِ العِمامَةِ، وإرسالُ الشَّعرِ بعد ربطِه. ويُطلق في كتاب البيوع بمعنى التَّوجِيه، عند الكلامِ عن حُكمِ الحَوالةِ وإرسالِ شخصٍ إلى آخر بمالٍ ونحو ذلك. ويُطلق في كتاب الحجِّ بمعنى التَّخلِيَة، عند الكلامِ عن إرسال الـمُحْرِمِ ما تَحت يدِهِ من الصَّيدِ. وفي كتاب الطَّلاقِ، باب: إِرسال الطَلَقاتِ، ويُراد به: الإتْباعُ. وفي كتابِ الضَّمانِ بمعنى الإهْمالِ، عند الكلامِ عن إرسالِ الماءِ والنّارِ والحيوانِ على مَعْصُومٍ فَتَلِفَ بِذلك. وفي كتاب الصيْدِ، باب: إرسال الحيوانِ أو السَّهمِ على الصَّيدِ، وفي كتاب الجهاد، باب: قِتال البُغاةِ. ويُطْلَقُ في عِلم الحديثِ، ويراد به: سُقوط مَن هو دون الصَّحابيِّ من إسنادِ الحديثِ. وقد يُراد به: المنْقَطِع في أيِّ مَوْضِعٍ كان ذلك الانْقِطاعُ مِن الإسناد، ويُسمى الحديثُ الذي هذه هي صِفَتُهُ: مُرْسَلاً.
رسل
إرْخاءُ اليَدَيْنِ في الصَّلاةِ أثناءَ القِيام وعدَمُ قَبْضِهِما.
الإِرْسالُ مَصْدَرُ أَرْسَلَ الشيءَ، أي أطْلَقَهُ وأَهْملَهُ، والإِرسالُ أيضاً: التَّوْجِيهُ والبَعْثُ.
* معجم مقاييس اللغة : (2/392)
* المحكم والمحيط الأعظم : (8/473)
* الصحاح : (4/1708)
* لسان العرب : (11/285)
* البناية شرح الهداية : (7/302)
* البحر الرائق شرح كنز الدقائق : (4/101)
* مواهب الجليل في شرح مختصر خليل : (1/502)
* روضة الطالبين : (1/232)
* الإقناع في فقه الإمام أحمد بن حنبل : (2/360)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 54) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الإِْرْسَال لُغَةً: مَصْدَرُ (أَرْسَل) يُقَال: أَرْسَل الشَّيْءَ: أَطْلَقَهُ وَأَهْمَلَهُ، وَيُقَال: أَرْسَل الْكَلاَمَ أَيْ أَطْلَقَهُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ، وَأَرْسَل الرَّسُول: بَعَثَهُ بِرِسَالَةٍ، وَأَرْسَل عَلَيْهِ شَيْئًا: سَلَّطَهُ عَلَيْهِ، وَفِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ قَوْله تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا} (1) .
وَيَسْتَعْمِل الْفُقَهَاءُ كَلِمَةَ الإِْرْسَال بِإِطْلاَقَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْهَا مَا يَلِي:
الإِْرْخَاءُ، كَإِرْسَال الْيَدَيْنِ فِي الصَّلاَةِ، وَإِرْسَال طَرَفِ الْعِمَامَةِ، وَإِرْسَال الشَّعْرِ بِعَدَمِ رَبْطِهِ. وَالتَّوْجِيهُ، كَإِرْسَال شَخْصٍ إِلَى آخَرَ بِمَالٍ أَوْ رِسَالَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَالتَّخْلِيَةُ، وَذَلِكَ كَإِرْسَال الْمُحْرِمِ مَا تَحْتَ يَدِهِ مِنْ صَيْدٍ. وَالإِْهْمَال، كَإِرْسَال الْمَاءِ وَالنَّارِ وَالْحَيَوَانِ. وَالتَّسْلِيطُ، كَإِرْسَال الْحَيَوَانِ أَوِ السَّهْمِ عَلَى الصَّيْدِ.
وَبِمَعْنَى عَدَمِ الإِْضَافَةِ وَعَدَمِ الإِْطْلاَقِ، وَمِثَال ذَلِكَ مَا أَوْرَدَهُ ابْنُ نُجَيْمٍ فِيمَا إِذَا جَرَى الْخُلْعُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ فَإِلَيْهَا الْقَبُول، سَوَاءٌ أَكَانَ الْبَدَل مُرْسَلاً أَمْ مُطْلَقًا، أَمْ مُضَافًا إِلَى الْمَرْأَةِ أَوِ الأَْجْنَبِيِّ إِضَافَةَ مِلْكٍ أَوْ ضَمَانٍ. وَمَتَى جَرَى الْخُلْعُ بَيْنَ الأَْجْنَبِيِّ وَالزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَ الْبَدَل مُرْسَلاً (أَيْ مُعَيَّنًا بِغَيْرِ الإِْضَافَةِ) فَالْقَبُول إِلَيْهَا كَقَوْلِهَا: اخْلَعْنِي عَلَى هَذِهِ الدَّارِ، فَإِنْ قَدَرَتْ عَلَى تَسْلِيمِهَا سَلَّمَتْهَا، وَإِلاَّ فَالْمِثْل فِيمَا لَهُ مِثْلٌ، وَالْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ، وَتَتِمَّةُ هَذَا فِي الْخُلْعِ (2) . وَالْمُطْلَقُ كَقَوْلِهَا: خَالَعَنِي عَلَى ثَوْبٍ. وَالْمُضَافُ كَقَوْلِهَا: خَالَعَنِي عَلَى دَارِي (3) .
وَيَسْتَعْمِل عُلَمَاءُ الأُْصُول الإِْرْسَال فِي الْمَصْلَحَةِ الْمُرْسَلَةِ؛ لأَِنَّهَا كُل مَصْلَحَةٍ أَطْلَقَهَا الشَّارِعُ فَلَمْ يَعْتَبِرْهَا وَلَمْ يُلْغِهَا.
وَالإِْرْسَال فِي الْحَدِيثِ لَهُ إِطْلاَقٌ خَاصٌّ سَيَأْتِي فِيمَا يَلِي:
الإِْرْسَال فِي الْحَدِيثِ:
2 - يُطْلَقُ لَفْظُ الإِْرْسَال عِنْدَ جُمْهُورِ الْمُحَدِّثِينَ عَلَى تَرْكِ التَّابِعِيِّ الْوَاسِطَةَ الَّتِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرَّسُول ﷺ بِأَنْ رَفَعَ التَّابِعِيُّ الْحَدِيثَ لِلرَّسُول ﷺ سَوَاءٌ أَكَانَ كَبِيرًا أَمْ صَغِيرًا، بِأَنْ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ كَذَا، أَوْ فَعَل كَذَا، أَوْ فُعِل بِحَضْرَتِهِ كَذَا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَبَعْضُهُمْ خَصَّهُ بِرَفْعِ التَّابِعِيِّ الْكَبِيرِ، وَهُوَ الَّذِي رَأَى جَمَاعَةً مِنَ الصَّحَابَةِ وَجَالَسَهُمْ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَمْثَالِهِمَا.
أَمَّا إِذَا انْقَطَعَ الإِْسْنَادُ قَبْل الْوُصُول إِلَى التَّابِعِيِّ، بِأَنْ كَانَ فِيهِ رَاوٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْمَذْكُورِينَ فَوْقَهُ، فَلَيْسَ بِمُرْسَلٍ عِنْدَ الْحَاكِمِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَهْل الْحَدِيثِ، بَل يُسَمَّى مُنْقَطِعًا، إِنْ كَانَ السَّاقِطُ وَاحِدًا فَحَسْبُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ سُمِّيَ مُعْضَلاً، وَأَمَّا عِنْدَ أَهْل الأُْصُول فَكُل ذَلِكَ يُسَمَّى مُرْسَلاً. وَذَهَبَ إِلَيْهِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ الْخَطِيبُ وَقَطَعَ بِهِ. (4) وَجَاءَ فِي مُسْلِمِ الثُّبُوتِ: الأَْوْلَى أَنْ يُقَال: مَا رَوَاهُ الْعَدْل مِنْ غَيْرِ إِسْنَادٍ مُتَّصِلٍ لِيَشْمَل الْمُنْقَطِعَ. وَأَمَّا عِنْدَ أَهْل الْحَدِيثِ فَالْمُرْسَل قَوْل التَّابِعِيِّ: قَال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ كَذَا، وَالْمُعْضَل مَا سَقَطَ مِنْ إِسْنَادِهِ اثْنَانِ مِنَ الرُّوَاةِ، وَالْمُنْقَطِعُ مَا سَقَطَ وَاحِدٌ مِنْهَا، وَالْمُعَلَّقُ مَا رَوَاهُ مَنْ دُونَ التَّابِعِيِّ مِنْ غَيْرِ سَنَدٍ، وَالْكُل دَاخِلٌ فِي الْمُرْسَل عِنْدَ أَهْل الأُْصُول، وَلَمْ يَظْهَرْ لِكَثِيرِ الاِصْطِلاَحِ وَالأَْسَامِي فَائِدَةٌ.
أَقْسَامُ وَحُكْمُ الْحَدِيثِ الْمُرْسَل:
3 - يَنْقَسِمُ الْمُرْسَل إِلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ هِيَ:
الْقِسْمُ الأَْوَّل: مَا أَرْسَلَهُ الصَّحَابِيُّ: حُكْمُهُ أَنَّهُ مَقْبُولٌ بِالإِْجْمَاعِ، وَذَلِكَ لِلإِْجْمَاعِ عَلَى عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ الْكِرَامِ (5) .
الْقِسْمُ الثَّانِي: إِرْسَال الْقَرْنِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ أَيِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ، وَقَدْ اخْتَلَفَتْ آرَاءُ الْعُلَمَاءِ فِي الاِحْتِجَاجِ بِهِ، إِذْ أَنَّهُ حُجَّةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَأَشْهَرِ رِوَايَتَيِ الْحَنَابِلَةِ، إِذَا كَانَ الْمُرْسِل عَدْلاً.
أَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلاَ يَعْتَبِرُهُ حُجَّةً إِلاَّ إِذَا تَأَيَّدَ بِآيَةٍ، أَوْ سُنَّةٍ مَشْهُورَةٍ، أَوْ مُوَافَقَةِ قِيَاسٍ صَحِيحٍ، أَوْ قَوْل صَحَابِيٍّ، أَوْ تَلَقَّتْهُ الأُْمَّةُ بِالْقَبُول، أَوِ اشْتَرَكَ فِي إِرْسَالِهِ عَدْلاَنِ، بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ شَيْخَاهُمَا مُخْتَلِفَيْنِ، أَوْ ثَبَتَ اتِّصَالُهُ بِوَجْهٍ آخَرَ، بِأَنْ أَسْنَدَهُ غَيْرُ مُرْسِلِهِ، أَوْ أَسْنَدَهُ مُرْسِلُهُ مُرَّةً أُخْرَى.
وَلِثُبُوتِ الاِتِّصَال بِوَجْهٍ آخَرَ قُبِلَتْ مَرَاسِيل سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ؛ لأَِنَّهَا بِالتَّتَبُّعِ وُجِدَتْ مُسْنَدَةً (أَيْ مُتَّصِلَةً مَرْفُوعَةً إِلَى النَّبِيِّ ﷺ) وَأَكْثَرُهَا مِمَّا سَمِعَهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ. وَهَذَا مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي احْتِجَاجِهِ بِالْمُرْسَل أَوْ عَدَمِهِ (6) .
وَأَمَّا رَأْيُ الإِْمَامِ أَحْمَدَ فَيَتَّضِحُ بِمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ شَرْحِ رَوْضَةِ النَّاظِرِ، وَمُفَادُهُ أَنَّ لِلإِْمَامِ رِوَايَتَيْنِ أَشْهَرُهُمَا أَنَّهُ حُجَّةٌ (7) .
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا أَرْسَلَهُ الْعَدْل مِنْ غَيْرِ الْقُرُونِ الثَّلاَثَةِ: وَيُعْتَبَرُ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْمَرَاسِيل حُجَّةً عِنْدَ أَبِي الْحَسَنِ الْكَرْخِيِّ؛ لأَِنَّ إِرْسَال الْعَدْل يُقْبَل فِي كُل عَصْرٍ، إِذْ أَنَّ الْعِلَّةَ الَّتِي تُوجِبُ قَبُول مَرَاسِيل الْقُرُونِ الثَّلاَثَةِ وَهِيَ الْعَدَالَةُ وَالضَّبْطُ، تَشْمَل سَائِرَ الْقُرُونِ (8) .
الْقِسْمُ الرَّابِعُ: مَا أُرْسِل مِنْ وَجْهٍ وَاتَّصَل مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، فَهُوَ مَقْبُولٌ عِنْدَ الأَْكْثَرِ؛ لأَِنَّ الْمُرْسِل سَاكِتٌ عَنْ حَال الرَّاوِي، وَالْمُسْنِدُ نَاطِقٌ، وَالسَّاكِتُ لاَ يُعَارِضُ النَّاطِقَ، مِثْل حَدِيثِ: لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ رَوَاهُ إِسْرَائِيل بْنُ يُونُسَ مُسْنَدًا، وَرَوَاهُ شُعْبَةُ مُرْسَلاً. وَقَال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: لاَ يُقْبَل هَذَا النَّوْعُ مِنَ الْمَرَاسِيل؛ لأَِنَّ سُكُوتَ الرَّاوِي عَنْ ذِكْرِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْجَرْحِ فِيهِ، وَإِسْنَادُ الآْخَرِ بِمَنْزِلَةِ التَّعْدِيل، وَإِذَا اجْتَمَعَ الْجُرْحُ وَالتَّعْدِيل يُعْمَل بِالْجَرْحِ (9) .
أَوَّلاً: الإِْرْسَال بِمَعْنَى الإِْرْخَاءِ
كَيْفِيَّةُ وَضْعِ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلاَةِ:
4 - اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْوَالٍ:
الأَْوَّل: أَنْ يَضَعَ الْمُصَلِّي يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى، وَهُوَ اخْتِيَارُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَهُوَ رِوَايَةُ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ مَالِكٍ، وَقَالُوا: إِنَّهُ السُّنَّةُ (10) وَاسْتَدَلُّوا بِمَا يَلِي:
أ - مَا رَوَاهُ سَهْل بْنُ سَعْدٍ قَال: كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الْمُصَلِّي الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلاَةِ. قَال أَبُو حَازِمٍ: لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ يَنْمِي (11) ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ. (12)
ب - مَا رُوِيَ عَنْ وَائِل بْنِ حُجْرٍ فِي صِفَةِ صَلاَةِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى كَفِّهِ الْيُسْرَى وَالرُّسْغِ وَالسَّاعِدِ. (13)
ج - مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَال: مَرَّ بِي النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا وَاضِعٌ يَدِي الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى فَأَخَذَ بِيَدِي الْيُمْنَى فَوَضَعَهَا عَلَى الْيُسْرَى. (14)
الثَّانِي: اسْتِحْبَابُ الإِْرْسَال وَكَرَاهِيَةُ الْقَبْضِ فِي الْفَرْضِ، وَالْجَوَازُ فِي النَّفْل، قِيل: مُطْلَقًا، وَقِيل: إِنْ طَوَّل. وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ وَشُرَّاحُ مَتْنِهِ كَالدَّرْدِيرِ وَالدُّسُوقِيِّ، وَعُلِّلَتِ الْكَرَاهَةُ فِي الْفَرْضِ بِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ اعْتِمَادٌ عَلَى الْيَدَيْنِ فَأَشْبَهَ الاِسْتِنَادَ، وَلِذَلِكَ قَال الدَّرْدِيرُ: فَلَوْ فَعَلَهُ لاَ لِلاِعْتِمَادِ بَل اسْتِنَانًا لَمْ يُكْرَهْ، ثُمَّ قَال: وَهَذَا التَّعْلِيل هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَعَلَيْهِ فَيَجُوزُ فِي النَّفْل مُطْلَقًا، بِجَوَازِ الاِعْتِمَادِ فِيهِ بِلاَ ضَرُورَةٍ.
الثَّالِثُ: إِبَاحَةُ الْقَبْضِ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَل، وَهُوَ قَوْل مَالِكٍ فِي سَمَاعِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ.
وَذَكَرَ الْحَطَّابُ نَقْلاً عَنِ ابْنِ فَرْحُونَ: وَأَمَّا إِرْسَالُهُمَا " أَيِ الْيَدَيْنِ " بَعْدَ رَفْعِهِمَا فَقَال سَنَدٌ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا، وَالأَْظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يُرْسِلَهُمَا حَال التَّكْبِيرِ، لِيَكُونَ مُقَارِنًا لِلْحَرَكَةِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُرْسِلَهُمَا بِرِفْقٍ (15) .
هَذَا، وَقَدْ ذُكِرَ عَنِ الشَّافِعِيَّةِ مَا يُؤَيِّدُ قَوْل الْمَالِكِيَّةِ إِذْ قَال الشِّرْبِينِيُّ مَا نَصُّهُ: " وَالْقَصْدُ مِنَ الْقَبْضِ الْمَذْكُورِ - يَعْنِي قَبْضَ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلاَةِ - تَسْكِينُ الْيَدَيْنِ فَإِنْ أَرْسَلَهُمَا وَلَمْ يَعْبَثْ فَلاَ بَأْسَ (16) "
الرَّابِعُ: مَنْعُ الْقَبْضِ فِيهِمَا، حَكَاهُ الْبَاجِيُّ، وَتَبِعَهُ ابْنُ عَرَفَةَ، وَلَكِنْ قَال الْمِسْنَاوِيُّ: هَذَا مِنَ الشُّذُوذِ (17) .
إِرْسَال الْعَذَبَةِ مِنَ الْعِمَامَةِ وَالتَّحْنِيكُ بِهَا (18) :
5 - أَوْرَدَ الْحَطَّابُ نَقْلاً عَنِ الْمَدْخَل لاِبْنِ الْحَاجِّ أَنَّ الْعِمَامَةَ بِغَيْرِ عَذَبَةٍ وَلاَ تَحْنِيكٍ بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، فَإِنْ فَعَلَهُمَا فَهُوَ الأَْكْمَل، وَإِنْ فَعَل أَحَدَهُمَا فَقَدْ خَرَجَ بِهِ مِنَ الْمَكْرُوهِ، وَقَدْ نُقِل عَنْ عَبْدِ الْحَقِّ الإِْشْبِيلِيِّ أَنَّهُ قَال: وَسُنَّةُ الْعِمَامَةِ بَعْدَ فِعْلِهَا أَنْ يُرْخِيَ طَرَفَهَا وَيَتَحَنَّكَ، فَإِنْ كَانَتْ بِغَيْرِ طَرَفٍ وَلاَ تَحْنِيكٍ فَيُكْرَهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ.
أَمَّا النَّوَوِيُّ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَال: لاَ كَرَاهَةَ فِي إِرْسَال الْعَذَبَةِ وَلاَ عَدَمِ إِرْسَالِهَا، إِلاَّ أَنَّ الشَّيْخَ الْكَمَال ابْنَ أَبِي شَرِيفٍ قَدْ تَعَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ: بِأَنَّ ظَاهِرَ كَلاَمِهِ أَنَّهُ مِنَ الْمُبَاحِ الْمُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ، قَال: وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَل الإِْرْسَال مُسْتَحَبٌّ وَتَرْكُهُ خِلاَفُ الأَْوْلَى. وَبِالنِّسْبَةِ لِلْحَنَفِيَّةِ فَالْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يُنْدَبُ إِرْسَال ذَنَبِ الْعِمَامَةِ بِسِنِّ الْكَتِفَيْنِ إِلَى وَسَطِ الظَّهْرِ، وَقِيل لِمَوْضِعِ الْجُلُوسِ، وَقِيل شِبْرًا (19) .
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فَلاَ خِلاَفَ فِي اسْتِحْبَابِ الْعِمَامَةِ الْمُحَنَّكَةِ وَكَرَاهَةِ الصَّمَّاءِ، قَال صَاحِبُ النَّظْمِ: يَحْسُنُ أَنْ يُرْخِيَ الذُّؤَابَةَ خَلْفَهُ وَلَوْ شِبْرًا عَلَى نَصِّ أَحْمَدَ.
وَقَدْ ذَكَرَ السَّخَاوِيُّ عَنْ مُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ الْكَبِيرِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَنَّهُ ﷺ بَعَثَ عَلِيًّا إِلَى خَيْبَرَ فَعَمَّمَهُ بِعِمَامَةٍ سَوْدَاءَ، ثُمَّ أَرْسَلَهَا مِنْ وَرَائِهِ أَوْ قَال عَلَى كَتِفِهِ الأَْيْسَرِ، وَتَرَدَّدَ رَاوِيهِ فِيهِ، وَرُبَّمَا جَزَمَ بِالثَّانِي (20) .
ثَانِيًا: الإِْرْسَال بِمَعْنَى بَعْثِ الرَّسُول
الإِْرْسَال فِي النِّكَاحِ:
6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى صِحَّةِ الإِْرْسَال فِي النِّكَاحِ وَتَرَتُّبِ آثَارِهِ، وَهُنَاكَ تَفْرِيعَاتٌ فِي الْمَذَاهِبِ مِنْهَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ، أَنَّهُ لَوْ أَرْسَل الرَّجُل إِلَى امْرَأَةٍ رَسُولاً، أَوْ كَتَبَ إِلَيْهَا كِتَابًا قَال فِيهِ: تَزَوَّجْتُكِ، فَقَبِلَتْ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ، سَمِعَا كَلاَمَ الرَّسُول أَوْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ جَازَ ذَلِكَ، لاِتِّحَادِ الْمَجْلِسِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لأَِنَّ كَلاَمَ الرَّسُول هُوَ كَلاَمُ الْمُرْسَل لأَِنَّهُ يَنْقُل عِبَارَتَهُ، وَكَذَا الْكِتَابُ بِمَنْزِلَةِ الرَّسُول، فَكَانَ سَمَاعُ قَوْل الرَّسُول أَوْ قِرَاءَةُ الْكِتَابِ سَمَاعَ قَوْل الْمُرْسِل أَوْ كَلاَمِ الْكَاتِبِ مَعْنًى. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعَا كَلاَمَ الرَّسُول أَوْ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ لاَ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، وَقَال أَبُو يُوسُفَ: إِذَا قَالَتِ الْمَرْأَةُ: زَوَّجْتُ نَفْسِي يَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعَا كَلاَمَ الرَّسُول أَوْ قِرَاءَةَ الْكِتَابِ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ قَوْلَهَا: زَوَّجْتُ نَفْسِي شَطْرُ الْعَقْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ، وَالشَّهَادَةُ فِي شَطْرَيِ الْعَقْدِ شَرْطٌ؛ لأَِنَّهُ يَصِيرُ عَقْدًا بِالشَّطْرَيْنِ، فَإِذَا لَمْ يَسْمَعَا كَلاَمَ الرَّسُول وَقِرَاءَةَ الْكِتَابِ فَلَمْ يُوجَدْ شَطْرُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْعَقْدِ. وَقَوْل الزَّوْجِ بِانْفِرَادِهِ عَقْدٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَقَدْ حَضَرَ الشَّاهِدَانِ (21) . هَذَا، وَقَدْ وَافَقَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَبَا حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدًا فِي قَوْلِهِمَا هَذَا (22) .
الإِْرْسَال لِنَظَرِ الْمَخْطُوبَةِ:
7 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى: أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَتَيَسَّرْ لِلرَّجُل أَنْ يَنْظُرَ إِلَى الْمَخْطُوبَةِ فَلَهُ أَنْ يُرْسِل مَنْ يَثِقُ بِهَا مِنَ النِّسَاءِ لِتَنْظُرَ لَهُ الْمَخْطُوبَةَ، ثُمَّ تَصِفَهَا لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، اسْتِدْلاَلاً بِفِعْلِهِ ﷺ إِذْ رُوِيَ أَنَّهُ بَعَثَ أُمَّ سُلَيْمٍ إِلَى امْرَأَةٍ وَقَال: اُنْظُرِي عُرْقُوبَيْهَا وَشُمِّي مَعَاطِفَهَا. (23) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. هَذَا، وَقَدْ نُقِل عَنِ الشُّبْرَامَلْسِيِّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ تَعْلِيقًا عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ. قَوْلُهُ: لَوْ أَمْكَنَهُ إِرْسَال امْرَأَةٍ تَنْظُرُهَا لَهُ وَتَصِفُهَا لَهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ النَّظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ يَتَوَقَّفُ، إِذْ أَنَّ الْخَبَرَ لَيْسَ كَالْعِيَانِ، فَقَدْ يُدْرِكُ النَّاظِرُ مِنْ نَفْسِهِ عِنْدَ الْمُعَايَنَةِ مَا تَقْصُرُ الْعِبَارَةُ عَنْهُ (24) . الإِْرْسَال فِي الطَّلاَقِ:
8 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا أَرْسَل إِلَى زَوْجَتِهِ كِتَابًا ضَمَّنَهُ قَوْلَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ، فَالْحُكْمُ أَنَّهَا تَطْلُقُ فِي الْحَال، سَوَاءٌ وَصَل إِلَيْهَا الْكِتَابُ أَمْ لَمْ يَصِل، وَيُعْتَبَرُ ابْتِدَاءُ عِدَّتِهَا مِنْ حِينِ كِتَابَتِهِ الْكِتَابَ.
أَمَّا إِذَا كَتَبَ إِلَيْهَا مَا مُفَادُهُ: إِذَا وَصَلَكِ كِتَابِي فَأَنْتِ طَالِقٌ، فَأَتَاهَا الْكِتَابُ طَلُقَتْ مِنْ تَارِيخِ الْوُصُول؛ لأَِنَّ شَرْطَ وُقُوعِ الطَّلاَقِ هُوَ وُصُول الْكِتَابِ إِلَيْهَا (25) .
الإِْرْسَال فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ:
الإِْرْسَال فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ:
9 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَرْسَل شَخْصٌ إِلَى غَيْرِهِ رَسُولاً أَوْ كِتَابًا يَطْلُبُ مِنْهُ فِيهِ أَنْ يَبِيعَهُ شَيْئًا مَا، وَقَبِل الْمُرْسَل إِلَيْهِ خِلاَل الْمَجْلِسِ الَّذِي تُلِيَ فِيهِ الْكِتَابُ الْمُرْسَل، أَوْ سَمَاعُ أَقْوَال الرَّسُول فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، لأَِنَّ الرَّسُول سَفِيرٌ وَمُعَبِّرٌ عَنْ كَلاَمِ الْمُرْسِل، نَاقِلٌ كَلاَمَهُ إِلَى الْمُرْسَل إِلَيْهِ، فَكَأَنَّهُ حَضَرَ بِنَفْسِهِ، فَأَوْجَبَ الْبَيْعَ، وَقَبِل الآْخَرُ فِي الْمَجْلِسِ.
وَهَذَا الْحُكْمُ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ يَسْرِي عَلَى عَقْدِ الإِْجَارَةِ، وَالْمُكَاتَبَةِ (26) ، إِلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُفَرِّقُونَ فِي حُكْمِ الإِْرْسَال بِالشِّرَاءِ تَبَعًا لِلَفْظِ الرَّسُول، فَإِذَا أَسْنَدَ الرَّسُول الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ طُولِبَ بِالثَّمَنِ، لَكِنْ إِذَا أَقَرَّ الْمُرْسِل بِأَنَّهُ أَرْسَلَهُ كَانَ لِلْبَائِعِ غَرِيمَانِ، فَيَتْبَعُ أَيَّهُمَا شَاءَ، إِلاَّ أَنْ يَحْلِفَ الْمُرْسِل أَنَّهُ دَفَعَ الثَّمَنَ لِلرَّسُول فَإِنَّهُ يَبْرَأُ، وَيَتْبَعُ الرَّسُول، أَمَّا إِذَا أَسْنَدَ الشِّرَاءَ لِمَنْ أَرْسَلَهُ فَإِنَّهُ لاَ يُطَالَبُ بِالثَّمَنِ، وَإِنَّمَا الَّذِي يُطَالَبُ بِهِ الْمُرْسِل (27) .
هَذَا، وَقَدْ ذَكَرَ الدَّرْدِيرُ فِي شَرْحِهِ الْكَبِيرِ أَنَّ الرَّسُول إِذَا قَال: بَعَثَنِي فُلاَنٌ لِتَبِيعَهُ كَذَا بِمِائَةٍ، أَوْ لِيَشْتَرِيَ مِنْكَ كَذَا بِمِائَةٍ مَثَلاً، فَرَضِيَ صَاحِبُ السِّلْعَةِ، لاَ يُطَالَبُ الرَّسُول بِالثَّمَنِ، فَإِنْ أَنْكَرَ فُلاَنٌ هَذَا أَنَّهُ أَرْسَلَهُ فَالثَّمَنُ عَلَى الرَّسُول. أَمَّا إِذَا قَال: بَعَثَنِي فُلاَنٌ لأَِشْتَرِيَ لَهُ مِنْكَ، فَيُطَالَبُ الرَّسُول بِالثَّمَنِ؛ لأَِنَّهُ فِي الْحَالَةِ الأُْولَى أَسْنَدَ الشِّرَاءَ لِغَيْرِهِ، وَفِي الْحَال الأَْخِيرَةِ أَسْنَدَ الشِّرَاءَ إِلَى نَفْسِهِ (28) .
كَمَا أَجْمَعَ الْحَنَفِيَّةُ عَلَى أَنَّ الرَّسُول بِالشِّرَاءِ لاَ يَمْلِكُ إِبْطَال الْخِيَارِ، وَلاَ تَكُونُ رُؤْيَتُهُ رُؤْيَةَ الْمُرْسِل، وَيَثْبُتُ الْخِيَارُ لِلْمُرْسِل إِذَا لَمْ يَرَهُ (29) . وَقَدْ عَقَّبَ الإِْمَامُ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ عَلَى هَذَا الأَْمْرِ بِأَنَّ رُؤْيَةَ الرَّسُول وَقَبْضَهُ لاَ يَلْزَمُ الْمُرْسِل الْمَتَاعُ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ عِلْمُ الْعَاقِدِ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِيَتِمَّ رِضَاهُ، وَذَلِكَ لاَ يَحْصُل بِرُؤْيَةِ الرَّسُول، فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّ قَبْضَ رَسُولِهِ كَقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ قَبَضَ بِنَفْسِهِ قَبْل الرُّؤْيَةِ كَانَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَرْسَل رَسُولاً فَقَبَضَهُ لَهُ. (30)
مِلْكِيَّةُ الشَّيْءِ الْمُرْسَل:
10 - قَرَّرَ الأَْئِمَّةُ أَنَّ الشَّيْءَ الْمُرْسَل بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مُرْسِلِهِ، حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُرْسَل إِلَيْهِ، وَمَا دَامَ لَمْ يَقْبِضْهُ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مُرْسِلِهِ، وَقَدْ عَيَّنَهُ لإِِنْسَانٍ فَلَمْ يَجُزْ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ مُطْلَقًا (31) .
الضَّمَانُ فِي الإِْرْسَال:
11 - ذَكَرَ الدَّرْدِيرُ أَنَّهُ إِنْ زَعَمَ شَخْصٌ أَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ زَيْدٍ لاِسْتِعَارَةِ حُلِيٍّ لَهُ مِنْ بَكْرٍ، فَدَفَعَ لَهُ بَكْرٌ مَا طَلَبَ، وَزَعَمَ الرَّسُول أَنَّهُ تَلِفَ مِنْهُ، ضَمِنَهُ زَيْدٌ (الْمُرْسِل) إِنْ صَدَّقَهُ فِي الإِْرْسَال، وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ حَلَفَ أَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْهُ وَبَرِئَ، ثُمَّ حَلَفَ الرَّسُول: لَقَدْ أَرْسَلَنِي وَأَنَّهُ تَلِفَ لاَ تَفْرِيطَ مِنِّي وَبَرِئَ أَيْضًا، وَضَاعَ الْحُلِيُّ هَدَرًا.
لَكِنِ الرَّاجِحُ أَنَّ الرَّسُول يَضْمَنُ - وَلاَ يَبْرَأُ بِالْحَلِفِ - إِلاَّ لِبَيِّنَةٍ بِالإِْرْسَال، فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُرْسِل (32) .
أَمَّا قَاضِي خَانْ فَقَدْ قَال فِي فَتَاوِيهِ: رَجُلٌ بَعَثَ رَسُولاً إِلَى بَزَّازٍ أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِثَوْبِ كَذَا وَكَذَا بِثَمَنِ كَذَا وَكَذَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ الْبَزَّازُ مَعَ رَسُولِهِ أَوْ مَعَ غَيْرِهِ، فَضَاعَ الثَّوْبُ قَبْل أَنْ يَصِل إِلَى الآْمِرِ، وَتَصَادَقُوا عَلَى ذَلِكَ وَأَقَرُّوا بِهِ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَى الرَّسُول فِي شَيْءٍ، وَإِنْ بَعَثَ الْبَزَّازُ مَعَ رَسُول الآْمِرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الآْمِرِ؛ لأَِنَّ رَسُولَهُ قَبَضَ الثَّوْبَ عَلَى الْمُسَاوَمَةِ، وَإِنْ كَانَ رَسُول رَبِّ الثَّوْبِ مَعَهُ. فَإِذَا وَصَل الثَّوْبُ إِلَى الآْمِرِ يَكُونُ ضَامِنًا (33) .
قَال الْحَنَفِيَّةُ: وَلَوْ أَرْسَل رَجُلٌ رَسُولاً إِلَى رَجُلٍ آخَرَ وَقَال لَهُ: ابْعَثْ إِلَيَّ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَرْضًا فَقَال: نَعَمْ، وَبَعَثَ بِهَا مَعَ رَسُولِهِ، كَانَ الآْمِرُ ضَامِنًا لَهَا، إِذَا أَقَرَّ أَنَّ رَسُولَهُ قَبَضَهَا.
وَلَوْ بَعَثَ رَجُلاً لِيَسْتَقْرِضَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَقْرَضَهُ فَضَاعَ فِي يَدِهِ، إِنْ قَال الرَّسُول أَقْرِضْ فُلاَنًا الْمُرْسَل. فَهِيَ لِلْمُرْسِل وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ قَال الرَّسُول: أَقْرِضْنِي لِفُلاَنٍ الْمُرْسِل فَأَقْرَضَهُ، وَضَاعَ فِي يَدِهِ، فَعَلَى الرَّسُول الضَّمَانُ. فَحَاصِل الْمَسْأَلَةِ أَنَّ التَّوْكِيل بِالإِْقْرَاضِ يَجُوزُ، وَبِالاِسْتِقْرَاضِ لاَ يَجُوزُ، وَالرِّسَالَةُ بِالاِسْتِقْرَاضِ لِلآْمِرِ جَائِزَةٌ، وَإِنْ أَخْرَجَ الْوَكِيل بِالاِسْتِقْرَاضِ الْكَلاَمَ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ يَقَعُ الْقَرْضُ لِلآْمِرِ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ مَخْرَجَ الْوَكَالَةِ بِأَنْ أَضَافَ إِلَى نَفْسِهِ يَصِيرُ مُسْتَقْرِضًا لِنَفْسِهِ، وَيَكُونُ مَا اسْتَقْرَضَ مِنَ الدَّرَاهِمِ لَهُ، وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهَا مِنَ الْمُوَكِّل (34) .
وَحَاصِل الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ الرَّسُول إِنْ كَانَ رَسُول رَبِّ الْمَال فَالْوَدِيعُ يَبْرَأُ بِالدَّفْعِ إِلَى الرَّسُول وَلَوْ مَاتَ الرَّسُول قَبْل الْوُصُول، وَيَرْجِعُ الْكَلاَمُ بَيْنَ رَبِّ الْمَال وَوَرَثَةِ الرَّسُول، فَإِنْ مَاتَ الرَّسُول قَبْل الْوُصُول كَانَ الضَّمَانُ فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْوُصُول فَلاَ رُجُوعَ، حَمْلاً عَلَى أَنَّهُ أَوْصَلَهُ لِرَبِّ الْمَال.
وَإِنْ كَانَ الرَّسُول رَسُول الْوَدِيعِ فَلاَ يَبْرَأُ إِلاَّ بِوُصُولِهِ لِرَبِّ الْمَال بِبَيِّنَةٍ أَوْ إِقْرَارٍ، فَإِنْ مَاتَ الرَّسُول قَبْل الْوُصُول رَجَعَ الْوَدِيعُ فِي تَرِكَتِهِ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْوُصُول فَلاَ رُجُوعَ وَهِيَ مُصِيبَةٌ عَلَى الْوَدِيعِ (35) .
قَال الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: إِنَّ الْوَكِيل وَالْمُودَعَ وَالرَّسُول مُؤْتَمَنُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُوَكِّل وَالْمُودِعِ وَالْمُرْسِل، فَإِذَا ذَكَرُوا أَنَّهُمْ رَدُّوا مَا دُفِعَ إِلَيْهِمْ إِلَى أَرْبَابِهِ قُبِل ذَلِكَ مِنْهُمْ؛ لأَِنَّ أَرْبَابَ الأَْمْوَال قَدِ ائْتَمَنُوهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَكَانَ قَوْلُهُمْ مَقْبُولاً فِيمَا بَيْنَهُمْ (36) .
كَمَا لَوْ أَرْسَل رَسُولاً إِلَى رَجُلٍ وَقَال: ابْعَثْ إِلَيَّ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ قَرْضًا، فَقَال: نَعَمْ، وَبَعَثَ بِهَا مَعَ رَسُول الآْمِرِ، فَالآْمِرُ ضَامِنٌ لَهَا إِذَا أَقَرَّ بِأَنَّ رَسُولَهُ قَدْ قَبَضَهَا، وَإِنْ بَعَثَ بِهَا مَعَ غَيْرِهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى الآْمِرِ حَتَّى تَصِل إِلَيْهِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ عَلَى رَجُلٍ دَيْنٌ فَبَعَثَ إِلَى الْمَدْيُونِ رَسُولاً أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِالدَّيْنِ الَّذِي لِي عَلَيْكَ، فَإِنْ بَعَثَ بِهِ مَعَ رَسُول الآْمِرِ فَهُوَ مِنْ مَال الآْمِرِ.
أَمَّا لَوْ بَعَثَ رَجُلٌ إِلَى رَجُلٍ بِكِتَابٍ مَعَ رَسُولٍ أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ ثَوْبَ كَذَا بِثَمَنِ كَذَا، فَفَعَل، وَبَعَثَ بِهِ مَعَ الَّذِي أَتَاهُ بِالْكِتَابِ، لَمْ يَكُنْ مِنْ مَال الآْمِرِ حَتَّى يَصِل إِلَيْهِ، وَفِي هَذَا إِنَّمَا الرَّسُول رَسُولٌ بِالْكِتَابِ (37) .
وَإِذَا أَرْسَل الْمُودَعُ (بِفَتْحِ الدَّال) الْوَدِيعَةَ لِلْمُودِعِ (بِكَسْرِ الدَّال) بِإِذْنِهِ صَحَّ هَذَا الإِْرْسَال، أَمَّا إِنْ أَرْسَلَهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَتَلِفَتْ أَوْ ضَاعَتْ مِنَ الرَّسُول فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا، إِلاَّ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، هِيَ فِيمَا إِذَا عَرَضَتْ لِلْمُودَعِ إِقَامَةٌ طَوِيلَةٌ فِي الطَّرِيقِ، كَالسَّنَةِ مَثَلاً فَالْحَقُّ أَنَّ لَهُ أَنْ يَبْعَثَهَا مَعَ غَيْرِهِ - وَلَوْ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِذَا تَلِفَتْ أَوْ أَخَذَهَا اللِّصُّ، بَل بَعْثُهَا إِلَيْهِ فِي مِثْل هَذِهِ الْحَالَةِ وَاجِبٌ وَيَضْمَنُ إِنْ حَبَسَهَا، أَمَّا إِنْ كَانَتِ الإِْقَامَةُ الَّتِي عَرَضَتْ لَهُ قَصِيرَةً كَالأَْيَّامِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ إِبْقَاؤُهَا مَعَهُ، فَإِنْ بَعَثَهَا - بِغَيْرِ إِذْنٍ - ضَمِنَهَا إِنْ تَلِفَتْ، وَأَمَّا إِنْ كَانَتِ الإِْقَامَةُ الَّتِي عَرَضَتْ لَهُ مُتَوَسِّطَةً، كَالشَّهْرَيْنِ مَثَلاً خُيِّرَ فِي إِرْسَالِهَا وَفِي إِبْقَائِهَا، فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ إِنْ أَرْسَلَهَا وَتَلِفَتْ، أَوْ حَبَسَهَا (38) أَيْ وَتَلِفَتْ.
وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي وَصِيِّ رَبِّ الْمَال، إِذَا أَرْسَل الْمَال لِلْوَرَثَةِ، أَوْ سَافَرَ هُوَ بِهِ إِلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ إِذْنِهِمْ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْمَال إِذَا ضَاعَ أَوْ تَلِفَ (39) . وَكَذَا الْقَاضِي إِذَا بَعَثَ الْمَال لِمُسْتَحِقِّهِ مِنْ وَرَثَةٍ أَوْ غَيْرِهِمْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، فَضَاعَ أَوْ تَلِفَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ، خِلاَفًا لِقَوْل أَصْبَغَ بِعَدَمِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ. وَنَقَل ابْنُ قُدَامَةَ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ قَوْلَهُ فِي رَجُلٍ لَهُ عَلَى آخَرَ دَرَاهِمُ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولاً يَقْبِضُهَا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ مَعَ الرَّسُول دِينَارًا، فَضَاعَ مِنَ الرَّسُول، فَهُوَ مِنْ مَال الْبَاعِثِ؛ لأَِنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِمُصَارَفَتِهِ، وَإِنَّمَا كَانَ مِنْ ضَمَانِ الْبَاعِثِ لأَِنَّهُ دَفَعَ إِلَى الرَّسُول غَيْرَ مَا أَمَرَهُ بِهِ الْمُرْسِل. فَإِنَّ الْمُرْسِل إِنَّمَا أَمَرَهُ بِقَبْضِ مَا لَهُ فِي ذِمَّتِهِ، وَهِيَ الدَّرَاهِمُ، وَلَمْ يَدْفَعْهَا، وَإِنَّمَا دَفَعَ دِينَارًا عِوَضًا عَنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَهَذَا صَرْفٌ يَفْتَقِرُ إِلَى رِضَى صَاحِبِ الدَّيْنِ وَإِذْنِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ، فَصَارَ الرَّسُول وَكِيلاً لِلْبَاعِثِ فِي تَأْدِيَتِهِ إِلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ وَمُصَارَفَتِهِ بِهِ، فَإِذَا تَلِفَ فِي يَدِ وَكِيلِهِ كَانَ مِنْ ضَمَانِهِ، اللَّهُمَّ إِلاَّ أَنْ يُخْبِرَ الرَّسُول الْغَرِيمَ أَنَّ رَبَّ الدَّيْنِ أَذِنَ لَهُ فِي قَبْضِ الدِّينَارِ عَنِ الدَّرَاهِمِ فَيَكُونُ حِينَئِذٍ مِنْ ضَمَانِ الرَّسُول؛ لأَِنَّهُ غَرَّهُ وَأَخَذَ الدِّينَارَ عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ لِلْمُرْسِل. وَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ الدَّرَاهِمَ الَّتِي أُمِرَ بِقَبْضِهَا فَضَاعَتْ مِنَ الرَّسُول فَهِيَ مِنْ ضَمَانِ صَاحِبِ الدَّيْنِ؛ لأَِنَّهَا تَلِفَتْ مِنْ يَدِ وَكِيلِهِ (40) .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ ﵁ قَوْلُهُ فِي رَجُلٍ لَهُ عِنْدَ آخَرَ دَنَانِيرُ وَثِيَابٌ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ رَسُولاً وَقَال: خُذْ دِينَارًا وَثَوْبًا، فَأَخَذَ دِينَارَيْنِ وَثَوْبَيْنِ، فَضَاعَتْ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْبَاعِثِ، يَعْنِي الَّذِي أَعْطَاهُ الدِّينَارَيْنِ وَالثَّوْبَيْنِ، وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّسُول، يَعْنِي عَلَيْهِ ضَمَانُ الدِّينَارِ وَالثَّوْبِ الزَّائِدَيْنِ، وَإِنَّمَا جَعَل عَلَيْهِ الضَّمَانَ لأَِنَّهُ دَفَعَهُمَا إِلَى مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِدَفْعِهِمَا إِلَيْهِ، وَيَرْجِعُ بِهِمَا عَلَى الرَّسُول لأَِنَّهُ غَرَّهُ وَجَعَل التَّلَفَ فِي يَدِهِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَلِلْمُوَكِّل تَضْمِينُ الْوَكِيل؛ لأَِنَّهُ تَعَدَّى بِقَبْضِ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِقَبْضِهِ، فَإِذَا ضَمِنَهُ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى أَحَدٍ؛ لأَِنَّ التَّلَفَ حَصَل فِي يَدِهِ فَاسْتَقَرَّ الضَّمَانُ عَلَيْهِ (41) .
أَثَرُ الإِْرْسَال فِي قَبُول الشَّهَادَةِ لِلْمُرْسِل أَوْ عَلَيْهِ:
12 - يَتَبَيَّنُ أَثَرُ الإِْرْسَال فِي قَبُول الشَّهَادَةِ لِلْمُرْسِل، أَوْ عَلَيْهِ مِنْ خِلاَل مَا ذُكِرَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَقْوَالٍ، فَالإِْمَامُ الْكَاسَانِيُّ يُبَيِّنُ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: لَوْ أَنَّ رَجُلاً أَرْسَل رَسُولاً إِلَى امْرَأَةٍ يُرِيدُ الزَّوَاجَ مِنْهَا فَكَتَبَ إِلَيْهَا بِذَلِكَ كِتَابًا، فَقَبِلَتْ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ سَمِعَا كَلاَمَ الرَّسُول وَقِرَاءَةَ الْكِتَابِ جَازَ ذَلِكَ؛ لاِتِّحَادِ الْمَجْلِسِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى؛ لأَِنَّ كَلاَمَ الرَّسُول كَلاَمُ الْمُرْسِل، لأَِنَّهُ يَنْقُل عِبَارَةَ الْمُرْسِل. وَكَذَا الْكِتَابُ بِمَنْزِلَةِ الْخِطَابِ مِنَ الْكَاتِبِ، فَكَانَ سَمَاعُ قَوْل الرَّسُول وَقِرَاءَةُ الْكِتَابِ سَمَاعَ قَوْل الْمُرْسِل وَكَلاَمَ الْكَاتِبِ مَعْنًى، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعَا كَلاَمَ الرَّسُول وَقِرَاءَةَ الْكِتَابِ لاَ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى، بَيْنَمَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إِذَا قَالَتْ: زَوَّجْتُ نَفْسِي يَجُوزُ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعَا كَلاَمَ الرَّسُول وَقِرَاءَةَ الْكِتَابِ، إِذْ أَنَّ قَوْل الزَّوْجِ بِانْفِرَادِهِ عَقْدٌ عِنْدَهُ وَقَدْ حَضَرَ الشَّاهِدَانِ (42) . فَيَتَّضِحُ أَنَّ الشَّهَادَةَ هُنَا مَأْخُوذٌ بِهَا عِنْدَ السَّمَاعِ لِكَلاَمِ الْمُرْسِل. هَذَا وَقَدْ أَيَّدَ الدُّسُوقِيُّ الْكَاسَانِيَّ فِي اعْتِبَارِ الشَّهَادَةِ لِلْمُرْسِل، إِذْ ذَكَرَ فِي حَاشِيَةِ الدُّسُوقِيِّ عَلَى الشَّرْحِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْمُودَعَ يَضْمَنُ الْوَدِيعَةَ إِنْ دَفَعَهَا لِلرَّسُول مِنْ غَيْرِ إِشْهَادٍ؛ لأَِنَّهُ لَمَّا دَفَعَ لِغَيْرِ الْيَدِ الَّتِي ائْتَمَنَتْهُ كَانَ عَلَيْهِ الإِْشْهَادُ، فَلَمَّا تَرَكَهُ صَارَ مُفَرِّطًا، وَأَمَّا إِنْ دَفَعَ لَهُ بِإِشْهَادٍ فَقَدْ بَرِئَ، وَيَرْجِعُ الْمُرْسَل إِلَيْهِ عَلَى الرَّسُول عِنْدَ عَدَمِ الْبَيِّنَةِ (43) .
ثَالِثًا: الإِْرْسَال بِمَعْنَى الإِْهْمَال
حُكْمُ ضَمَانِ مَا أَتْلَفَتْهُ الْحَيَوَانَاتُ وَالْمَوَاشِي الْمُرْسَلَةُ:
13 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ فِي مَعْرِضِ بَيَانِهِمْ لِحُكْمِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى التَّفْرِيقِ فِي حُكْمِ الضَّمَانِ بَيْنَ الدَّابَّةِ الَّتِي تُتْلِفُ أَمْوَال الْغَيْرِ وَمَعَهَا رَاكِبٌ، وَالدَّابَّةِ الَّتِي تُتْلِفُهَا مِنْ غَيْرِ قَائِدٍ.
وَبِنَاءً عَلَى هَذَا التَّفْرِيقِ فَقَدْ قَالُوا: إِذَا أَتْلَفَتِ الدَّابَّةُ مَالاً أَوْ نَفْسًا، لَيْلاً أَوْ نَهَارًا، وَكَانَ مَعَهَا رَاكِبُهَا فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لأَِنَّهَا فِي يَدِهِ، وَعَلَيْهِ تَعَهُّدُهَا وَحِفْظُهَا، وَلأَِنَّهُ إِذَا كَانَ مَعَهَا كَانَ فِعْلُهَا مَنْسُوبًا إِلَيْهِ.
وَلَوْ كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ، وَلَوْ كَانَ مَعَهَا سَائِقٌ وَقَائِدٌ مَعَ رَاكِبٍ فَهَل يَخْتَصُّ الضَّمَانُ بِالرَّاكِبِ أَوْ يَجِبُ أَثْلاَثًا؟ وَجْهَانِ: أَرْجَحُهُمَا الأَْوَّل، وَلَوْ كَانَ عَلَيْهَا رَاكِبَانِ فَهَل يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَيْهِمَا أَوْ يَخْتَصُّ بِالأَْوَّل، دُونَ الرَّدِيفِ؟ وَجْهَانِ: أَوْجَهُهُمَا الأَْوَّل لأَِنَّ الْيَدَ لَهُمَا (44) .
أَمَّا إِذَا أَتْلَفَتِ الدَّابَّةُ أَمْوَال الْغَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ مَعَهَا رَاكِبٌ فَهُنَا يُنْظَرُ إِلَى الزَّمَنِ الَّذِي وَقَعَ فِيهِ الإِْتْلاَفُ، فَإِنْ كَانَ نَهَارًا فَلاَ ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِهَا، وَإِنْ كَانَ لَيْلاً ضَمِنَ، لِتَقْصِيرِهِ بِإِرْسَالِهَا لَيْلاً، بِخِلاَفِ الإِْرْسَال نَهَارًا، لِلْخَبَرِ الصَّحِيحِ الَّذِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَغَيْرُهُ. وَهُوَ عَلَى وَفْقِ الْعَادَةِ فِي حِفْظِ الزَّرْعِ وَنَحْوِهِ نَهَارًا وَالدَّابَّةِ لَيْلاً، وَلَوْ تَعَوَّدَ أَهْل الْبَلَدِ إِرْسَال الدَّوَابِّ وَحِفْظَ الزَّرْعِ لَيْلاً دُونَ النَّهَارِ انْعَكَسَ الْحُكْمُ، فَيَضْمَنُ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ نَهَارًا دُونَ اللَّيْل، اتِّبَاعًا لِمَعْنَى الْخَبَرِ وَالْعَادَةِ، وَمِنْ ذَلِكَ يُؤْخَذُ مَا بَحَثَهُ الْبُلْقِينِيُّ أَنَّهُ لَوْ جَرَتْ عَادَةٌ بِحِفْظِهَا لَيْلاً وَنَهَارًا ضَمِنَ مُرْسِلُهَا مَا أَتْلَفَتْهُ مُطْلَقًا.
هَذَا، وَقَدِ اسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ مِنَ الدَّوَابِّ الَّتِي يَلْزَمُ الضَّمَانُ بِإِتْلاَفِهَا الْحَمَامَ وَغَيْرَهُ مِنَ الطُّيُورِ وَالنَّحْل، إِذْ أَنَّهُ لاَ ضَمَانَ بِإِتْلاَفِهَا مُطْلَقًا، وَهَذَا الْحُكْمُ حَكَاهُ فِي أَصْل الرَّوْضَةِ عَنِ ابْنِ الصَّبَّاغِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ الْعَادَةَ إِرْسَالُهَا (45) .
هَذَا، وَقَدْ وَافَقَ الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ الشَّافِعِيَّةَ فِي أَنَّ الضَّمَانَ لاَزِمٌ فِي إِتْلاَفِ الدَّوَابِّ إِنْ كَانَ لَيْلاً، أَمَّا إِنْ كَانَ نَهَارًا فَلاَ ضَمَانَ فِيهِ (46) . بَيْنَمَا لِلْحَنَفِيَّةِ قَوْلٌ آخَرُ نَذْكُرُهُ بَعْدَ قَلِيلٍ بِإِذْنِ اللَّهِ.
هَذَا، وَقَدْ وَافَقَ الْمَالِكِيَّةُ الشَّافِعِيَّةَ فِي قَوْلِهِمْ بِتَضْمِينِ رَاكِبِهَا وَقَائِدِهَا وَسَائِقِهَا.
أَمَّا حُكْمُ مَا أَتْلَفَهُ الْحَمَامُ وَالنَّحْل وَالدَّجَاجُ فَجَاءَ عَنِ الْمَالِكِيَّةِ فِيهِ رِوَايَتَانِ:
الأُْولَى: تُوَافِقُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الشَّافِعِيَّةُ. وَالثَّانِيَةُ: أَنَّ حُكْمَهَا كَالْمَاشِيَةِ فِي الإِْتْلاَفِ، وَهَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ، إِلاَّ أَنَّ ابْنَ عَرَفَةَ قَدْ قَال بِصَوَابِ الرِّوَايَةِ الأُْولَى (47) . أَمَّا الْبَاجِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ فَقَدْ ذُكِرَ عَنْهُ أَنَّهُ قَال: فِي الْمَوَاضِعِ ضَرْبٌ تَنْفَرِدُ فِيهِ الْمَزَارِعُ وَالْحَوَائِطُ، لَيْسَ بِمَكَانِ سَرْحٍ، فَهَذَا لاَ يَجُوزُ إِرْسَال الْمَوَاشِي فِيهِ، وَمَا أَفْسَدَتْ فِيهِ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَعَلَى أَرْبَابِهَا الضَّمَانُ. وَضَرْبٌ آخَرُ جَرَتْ عَادَةُ النَّاسِ بِإِرْسَال مَوَاشِيهِمْ فِيهِ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا، فَأَحْدَثَ رَجُلٌ فِيهِ زَرْعًا فَأَتْلَفَتْهُ الْمَوَاشِي، فَلاَ ضَمَانَ فِيهِ عَلَى أَهْل الْمَوَاشِي، سَوَاءٌ وَقَعَ الإِْتْلاَفُ لَيْلاً أَوْ نَهَارًا (48) .
وَمِنَ الْمُفِيدِ جِدًّا أَنْ نُشِيرَ إِلَى مَا ذَكَرَهُ مُؤَلِّفُ التَّاجِ وَالإِْكْلِيل إِذْ قَال: بِأَنَّ الرَّجُل إِذَا أَرْسَل فِي أَرْضِهِ نَارًا أَوْ مَاءً فَوَصَل إِلَى أَرْضِ جَارِهِ فَأَتْلَفَ زَرْعَهَا، يُنْظَرُ فِي الأَْمْرِ عَلَى ضَوْءِ قُرْبِ الأَْرْضِ وَبُعْدِهَا، فَإِنْ كَانَتِ الأَْرْضُ قَرِيبَةً فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَإِنْ كَانَتْ بَعِيدَةً إِلاَّ أَنَّ النَّارَ وَصَلَتْهَا بِسَبَبِ رِيحٍ أَوْ غَيْرِهِ فَلاَ ضَمَانَ (49) . وَهَذَا الرَّأْيُ قَدْ قَال بِهِ الْحَنَفِيَّةُ أَيْضًا (50) ، إِلاَّ أَنَّ لَهُمْ رَأْيًا فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِإِرْسَال الدَّابَّةِ وَالْكَلْبِ أَرَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ ذِكْرِهِ هُنَا، وَمُفَادُ هَذَا الرَّأْيِ هُوَ أَنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ الدَّابَّةِ وَالْكَلْبِ عِنْدَ الإِْرْسَال، حَيْثُ إِنَّهُ إِذَا أَرْسَل الْكَلْبَ وَلَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ فَلاَ ضَمَانَ فِيمَا يُتْلِفُهُ، وَإِنْ أَصَابَ الْمُتْلَفَ مِنْ فَوْرِهِ لأَِنَّهُ لَيْسَ بِمُتَعَدٍّ، إِذْ لاَ يُمْكِنُهُ اتِّبَاعُهُ، وَالْمُتَسَبِّبُ لاَ يَضْمَنُ إِلاَّ إِذَا تَعَدَّى، بَيْنَمَا إِذَا أَرْسَل الدَّابَّةَ فَأَتْلَفَتْ أَمْوَال الْغَيْرِ عَلَى الْفَوْرِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ؛ لأَِنَّهُ مُتَعَدٍّ بِإِرْسَالِهَا فِي الطَّرِيقِ مَعَ إِمْكَانِ اتِّبَاعِهَا، إِلاَّ أَنَّ الإِْمَامَ أَبَا يُوسُفَ لَمْ يُفَرِّقْ فِي لُزُومِ الضَّمَانِ بَيْنَ مَا يُتْلِفُهُ الْكَلْبُ بِإِرْسَالِهِ وَمَا تُتْلِفُهُ الدَّابَّةُ بِإِرْسَالِهَا (51) .
هَذَا، وَقَدْ جَاءَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ أَنَّ الرَّجُل إِذَا أَرْسَل طَيْرًا سَاقَهُ (أَيْ سَارَ خَلْفَهُ) أَوْ لاَ، أَوْ أَرْسَل دَابَّةً أَوْ كَلْبًا وَلَمْ يَكُنْ سَائِقًا لَهُ، أَوِ انْفَلَتَتْ دَابَّةٌ بِنَفْسِهَا فَأَصَابَتْ مَالاً أَوْ آدَمِيًّا نَهَارًا أَوْ لَيْلاً فَلاَ ضَمَانَ فِي الْكُل، لِقَوْل الرَّسُول ﷺ الْعَجْمَاءُ جُبَارٌ أَيِ الْمُنْفَلِتَةُ هَدَرٌ (52) .
أَمَّا إِذَا كَانَ الْمُرْسَل مَاءً، فَالْحُكْمُ يَخْتَلِفُ تَبَعًا لِحَالَةِ الْمَاءِ الْمُرْسَل وَطَبِيعَةِ الأَْرْضِ، فَلَوْ أَرْسَل مَاءً فِي أَرْضِهِ فَخَرَجَ الْمَاءُ إِلَى أَرْضِ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مَا أَرْسَلَهُ تَحْتَمِلُهُ أَرْضُهُ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَإِنْ أَرْسَل مَا لاَ تَحْتَمِلُهُ الأَْرْضُ كَانَ ضَامِنًا (53) ، فَإِنْ سَقَى أَرْضَهُ ثُمَّ أَرْسَل الْمَاءَ فِي النَّهْرِ حَتَّى جَاوَزَ عَنْ أَرْضِهِ وَقَدْ كَانَ رَجُلٌ أَسْفَل مِنْهُ طَرَحَ فِي النَّهْرِ تُرَابًا، فَمَال الْمَاءُ عَنِ النَّهْرِ حَتَّى غَرِقَ قَصْرُ إِنْسَانٍ، فَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُرْسِل؛ لأَِنَّهُ أَرْسَل الْمَاءَ فِي النَّهْرِ، وَهُوَ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ، وَيَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى مَنْ طَرَحَ التُّرَابَ فِي النَّهْرِ وَمَنَعَ الْمَاءَ عَنِ السَّيَلاَنِ؛ لأَِنَّهُ مُتَعَدٍّ. وَلَوْ فَتَحَ فُوَّهَةَ النَّهْرِ وَأَرْسَل مَاءً قَدْرَ مَا يَحْتَمِلُهُ النَّهْرُ، فَدَخَل الْمَاءُ مِنْ فَوْرِهِ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ قَبْل أَنْ يَدْخُل فِي أَرْضِهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ (54) .
هَذَا، وَمِمَّا يَجْدُرُ الإِْشَارَةُ إِلَيْهِ هُوَ أَنْ نَذْكُرَ الدَّلِيل الَّذِي اعْتَمَدَهُ الْحَنَابِلَةُ فِي مُوَافَقَتِهِمْ لِلشَّافِعِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ فِي أَنَّ الضَّمَانَ فِي الْمُتْلَفِ لَيْلاً لاَ نَهَارًا، وَالدَّلِيل هُوَ رِوَايَةُ الإِْمَامِ مَالِكٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حِزَامِ بْنِ سَعْدِ بْنِ مُحَيِّصَةَ أَنَّ نَاقَةً لِلْبَرَاءِ دَخَلَتْ حَائِطَ قَوْمٍ فَأَفْسَدَتْ - أَيْ مَا فِيهِ مِنْ أَمْوَالٍ - فَقَضَى النَّبِيُّ ﷺ أَنَّ عَلَى أَهْل الأَْمْوَال حِفْظَهَا بِالنَّهَارِ، وَمَا أَفْسَدَتْ فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِمْ.
وَلأَِنَّ الْعَادَةَ مِنْ أَهْل الْمَوَاشِي إِرْسَالُهَا نَهَارًا لِلرَّعْيِ وَحِفْظُهَا لَيْلاً، وَعَادَةُ أَهْل الْحَوَائِطِ حِفْظُهَا نَهَارًا، فَإِذَا أَفْسَدَتْ شَيْئًا لَيْلاً كَانَ مِنْ ضَمَانِ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ إِنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا، مِثْل مَا إِذَا لَمْ يَضُمَّهَا وَنَحْوَهُ لَيْلاً، أَوْ ضَمَّهَا بِحَيْثُ يُمْكِنُهَا الْخُرُوجُ. أَمَّا إِذَا ضَمَّهَا مَنْ هِيَ بِيَدِهِ لَيْلاً فَأَخْرَجَهَا غَيْرُهُ بِغَيْرِ إِذْنِهِ أَوْ فَتْحَ غَيْرُهُ عَلَيْهَا بَابَهَا فَأَتْلَفَتْ شَيْئًا، فَالضَّمَانُ عَلَى مُخْرِجِهَا أَوْ فَاتِحِ بَابِهَا؛ لأَِنَّهُ السَّبَبُ وَلاَ ضَمَانَ عَلَى مَنْ كَانَتْ بِيَدِهِ لِعَدَمِ تَفْرِيطِهِ. ثُمَّ أَضَافَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ، بِأَنَّ الْحُكْمَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَوَاضِعِ الَّتِي فِيهَا زَرْعٌ وَمَرَاعِي. أَمَّا الْقُرَى الْعَامِرَةُ الَّتِي لاَ مَرْعَى فِيهَا إِلاَّ بَيْنَ مَرَاحَيْنِ كَسَاقِيَةٍ وَطُرُقِ زَرْعٍ فَلَيْسَ لَهُ إِرْسَالُهَا بِغَيْرِ حَافِظٍ، فَإِنْ فَعَل لَزِمَهُ الضَّمَانُ لِتَفْرِيطِهِ. وَقَدْ خَالَفَ الْحَنَابِلَةُ مَا قَال بِهِ الْمَالِكِيَّةُ فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْعَادَةَ تُرَاعَى فِي أَحْكَامِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، إِذْ قَال الْحَارِثِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: لَوْ جَرَتْ عَادَةُ بَعْضِ أَهْل النَّوَاحِي رَبْطُهَا نَهَارًا وَإِرْسَالُهَا لَيْلاً وَحِفْظُ الزَّرْعِ لَيْلاً، فَالْحُكْمُ هُوَ وُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى مَالِكِهَا فِيمَا أَفْسَدَتْهُ لَيْلاً إِنْ فَرَّطَ فِي حِفْظِهَا، لاَ نَهَارًا (55) .
ثُمَّ اسْتَطْرَدَ الْحَنَابِلَةُ فِي ضَرْبِ الأَْمْثِلَةِ بِقَوْلِهِمْ: لَوْ أَنَّ الرَّجُل أَرْسَل صَيْدًا وَقَال: أَعْتَقْتُكَ، لَمْ يَزُل مِلْكُهُ عَنْهُ، كَمَا لَوْ أَرْسَل الْبَعِيرَ وَالْبَقَرَةَ، وَنَحْوَهُمَا مِنَ الْبَهَائِمِ الْمَمْلُوكَةِ، إِذْ أَنَّ مِلْكَهُ لاَ يَزُول عَنْهَا بِذَلِكَ (56) .
الإِْرْسَال فِي الْقَبْضِ وَالْعَزْل:
14 - قَال السَّرَخْسِيُّ: (إِذَا اشْتَرَى شَيْئًا ثُمَّ أَرْسَل رَسُولاً يَقْبِضُهُ فَهُوَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ، وَرُؤْيَةُ الرَّسُول وَقَبْضُهُ لاَ يُلْزِمُهُ الْمَتَاعَ) لأَِنَّ الْمَقْصُودَ عِلْمُ الْعَاقِدِ بِأَوْصَافِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ، لِيَتِمَّ رِضَاهُ، وَذَلِكَ لاَ يَحْصُل بِرُؤْيَةِ الرَّسُول، فَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّ قَبْضَ رَسُولِهِ كَقَبْضِهِ بِنَفْسِهِ، وَلَوْ قَبَضَ بِنَفْسِهِ قَبْل الرُّؤْيَةِ كَانَ بِالْخِيَارِ إِذَا رَآهُ، فَكَذَلِكَ إِذَا أَرْسَل رَسُولاً فَقَبَضَهُ لَهُ، فَأَمَّا إِذَا وَكَّل وَكِيلاً يَقْبِضُهُ فَرَآهُ الْوَكِيل وَقَبَضَهُ لَمْ يَكُنْ لِلْمُوَكِّل فِيهِ خِيَارٌ بَعْدَ ذَلِكَ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ ﵁. وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَهُ الْخِيَارُ إِذَا رَآهُ؛ لأَِنَّ الْقَبْضَ فِعْلٌ، وَالرَّسُول وَالْوَكِيل فِيهِ سَوَاءٌ، وَكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَأْمُورٌ بِإِحْرَازِ الْعَيْنِ وَالْحَمْل إِلَيْهِ وَالنَّقْل إِلَى ضَمَانِهِ بِفِعْلِهِ، ثُمَّ خِيَارُهُ لاَ يَسْقُطُ بِرُؤْيَةِ الرَّسُول فَكَذَلِكَ بِرُؤْيَةِ الْوَكِيل، وَكَيْفَ يَسْقُطُ خِيَارُهُ بِرُؤْيَتِهِ وَهُوَ لَوْ أَسْقَطَ الْخِيَارَ نَصًّا لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ مِنْهُ لأَِنَّهُ لَمْ يُوَكِّلْهُ بِهِ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا قَبَضَ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ، وَقَاسَا بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَالْعَيْبِ فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ بِقَبْضِ الْوَكِيل وَرِضَاهُ بِهِ. فَكَذَلِكَ خِيَارُ الرُّؤْيَةِ. وَأَبُو حَنِيفَةَ ﵁ يَقُول: التَّوْكِيل بِمُطْلَقِ الْقَبْضِ يُثْبِتُ لِلْوَكِيل وِلاَيَةَ إِتْمَامِ الْقَبْضِ، كَالتَّوْكِيل بِمُطْلَقِ الْعَقْدِ يُثْبِتُ لِلْوَكِيل وِلاَيَةَ إِتْمَامِهِ، وَتَمَامُ الْقَبْضِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ تَمَامِ الصَّفْقَةِ، وَلاَ تَتِمُّ مَعَ بَقَاءِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، فَيَضْمَنُ التَّوْكِيل بِالْقَبْضِ إِنَابَةَ الْوَكِيل مَنَابَ نَفْسِهِ فِي الرُّؤْيَةِ الْمُسْقِطَةِ لِخِيَارِهِ، وَبِخِلاَفِ الرَّسُول فَإِنَّ الرَّسُول لَيْسَ إِلَيْهِ إِلاَّ تَبْلِيغُ الرِّسَالَةِ، فَأَمَّا إِتْمَامُ مَا أُرْسِل بِهِ فَلَيْسَ إِلَيْهِ، كَالرَّسُول بِالْعَقْدِ لَيْسَ إِلَيْهِ مِنَ الْقَبْضِ وَالتَّسْلِيمِ شَيْءٌ.
وَالدَّلِيل عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْوَكَالَةِ وَالرِّسَالَةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَثْبَتَ صِفَةَ الرِّسَالَةِ لِنَبِيِّهِ ﷺ وَنَفَى الْوَكَالَةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قُل لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} . (57) وَهَذَا بِخِلاَفِ خِيَارِ الْعَيْبِ فَإِنَّ بَقَاءَهُ لاَ يَمْنَعُ تَمَامَ الصَّفْقَةِ وَالْقَبْضِ، وَلِهَذَا مَلَكَ بَعْدَ الْقَبْضِ رَدَّ الْمَعِيبِ خَاصَّةً (58) . وَلَوْ أَرْسَل إِلَى وَكِيلِهِ رَسُولاً بِعَزْلِهِ فَبَلَّغَ الرِّسَالَةَ وَقَال لَهُ: إِنَّ فُلاَنًا أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ وَيَقُول: إِنِّي عَزَلْتُكَ عَنِ الْوَكَالَةِ، فَإِنَّهُ يَنْعَزِل كَائِنًا مَا كَانَ الرَّسُول، عَدْلاً كَانَ أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ، صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، بَعْدَ أَنْ تَكُونَ عِبَارَتُهُ مُعْتَبَرَةً، إِنْ بَلَّغَ الرِّسَالَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا؛ لأَِنَّ الرَّسُول قَائِمٌ مَقَامَ الْمُرْسِل، مُعَبِّرٌ وَسَفِيرٌ عَنْهُ، فَتَصِحُّ سِفَارَتُهُ بَعْدَ أَنْ صَحَّتْ عِبَارَتُهُ عَلَى أَيِّ صِفَةٍ كَانَ (59) .
الرُّجُوعُ عَنِ الإِْرْسَال:
15 - يَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمُرْسِل لَوْ أَرْسَل رَسُولاً ثُمَّ رَجَعَ عَنْ رَأْيِهِ صَحَّ رُجُوعُهُ، لأَِنَّ الْخِطَابَ بِالرِّسَالَةِ لاَ يَكُونُ وَفْقَ الْمُشَافَهَةِ، وَذَا مُحْتَمِلٌ لِلرُّجُوعِ، فَهَا هُنَا أَوْلَى، وَسَوَاءٌ أَعَلِمَ الرَّسُول رُجُوعَ الْمُرْسِل أَمْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا وَكَّل إِنْسَانًا ثُمَّ عَزَلَهُ بِغَيْرِ عِلْمِهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ عَزْلُهُ؛ لأَِنَّ الرَّسُول يَحْكِي كَلاَمَ الْمُرْسِل وَيَنْقُلُهُ إِلَى الْمُرْسَل إِلَيْهِ، فَكَانَ سَفِيرًا وَمُعَبِّرًا مَحْضًا، فَلَمْ يُشْتَرَطْ عِلْمُ الرَّسُول بِذَلِكَ، فَأَمَّا الْوَكِيل فَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ عَنْ تَفْوِيضِ الْمُوَكِّل إِلَيْهِ، فَشَرَطَ عِلْمَهُ بِالْعَزْل، صِيَانَةً عَنِ التَّغْرِيرِ (60) .
وَذَكَرَ ابْنُ حَجَرٍ الْهَيْثَمِيُّ عَنِ ابْنِ سُرَيْجٍ أَنَّهُ قَال: لَوْ أَنَّ شَخْصًا أَرْسَل صَدَقَةً مَعَ رَسُولِهِ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فَاسْتَرَدَّهَا مِنَ الطَّرِيقِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَإِذَا مَاتَ الْمُرْسِل قَبْل وُصُولِهَا كَانَتْ تَرِكَةً لِوَرَثَتِهِ (61) .
الإِْرْسَال بِمَعْنَى التَّسْلِيطِ:
16 - إِرْسَال كَلْبِ الصَّيْدِ، أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الْمُعَلَّمَةِ، إِنْ كَانَ الْحَيَوَانُ يَنْطَلِقُ وَرَاءَ الصَّيْدِ بِإِرْسَال صَاحِبِهِ وَيَقِفُ بِأَمْرِهِ، فَيَكُونُ الصَّيْدُ مُبَاحَ الأَْكْل وَلَوْ لَمْ تُدْرَكْ ذَكَاتُهُ.
أَمَّا إِذَا انْطَلَقَ الْحَيَوَانُ الصَّائِدُ بِنَفْسِهِ فَصَادَ حَيَوَانًا، فَلاَ يُؤْكَل إِلاَّ إِذَا أُدْرِكَتْ تَذْكِيَتُهُ؛ لأَِنَّ الْحَيَوَانَ إِنَّمَا صَادَهُ لِنَفْسِهِ لاَ لِصَاحِبِهِ. وَتَفْصِيل أَحْكَامِ الصَّيْدِ فِي مُصْطَلَحِهِ (62) .
رَابِعًا: الإِْرْسَال بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ
17 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ إِرْسَال الْمُحْرِمِ الصَّيْدَ الَّذِي فِي يَدِهِ حَقِيقَةً إِذَا كَانَ مَعَهُ قَبْل الإِْحْرَامِ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْمُحْرِمِ إِذَا صَادَهُ فِي الْحِل وَدَخَل بِهِ الْحَرَمَ. أَمَّا إِذَا كَانَ فِي بَيْتِهِ فَلاَ يَجِبُ إِرْسَالُهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَ الصَّيْدُ فِي قَفَصٍ مَعَهُ، خِلاَفًا لِلْحَنَفِيَّةِ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ (63) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي الإِْحْرَامِ.
وَأَمَّا صَاحِبُ كِتَابِ الْهِدَايَةِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ رَأْيًا مُخَالِفًا لِمَا قَالَهُ الأَْئِمَّةُ مِمَّا لَهُمْ مِنْ قَوْلٍ مُتَقَدِّمٍ. إِذْ أَنَّهُ قَال بِعَدَمِ إِرْسَال الصَّيْدِ بَعْدَ الإِْحْرَامِ فِيمَا إِذَا كَانَ فِي بَيْتِ الْمُحْرِمِ، أَوْ فِي قَفَصٍ مَعَهُ، وَاسْتَدَل عَلَى رَأْيِهِ هَذَا بِأَنَّ الصَّحَابَةَ ﵃ كَانُوا يُحْرِمُونَ وَفِي بُيُوتِهِمْ صُيُودٌ وَدَوَاجِنُ، وَلَمْ يُنْقَل عَنْهُمْ إِرْسَالُهَا، ثُمَّ أَضَافَ قَائِلاً بِأَنَّ مَنْ أَرْسَل صَيْدَهُ فِي مَفَازَةٍ فَهُوَ عَلَى مِلْكِهِ، فَلاَ مُعْتَبَرَ بِبَقَاءِ الْمِلْكِ، وَقِيل إِذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إِرْسَالُهُ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لاَ يَضِيعُ، بِأَنْ يُخَلِّيَهُ فِي بَيْتِهِ لأَِنَّ إِضَاعَةَ الْمَال مَنْهِيٌّ عَنْهُ (64) .
__________
(1) سورة مريم / 83
(2) البحر الرائق شرح كنز الدقائق 4 / 101 للعلامة زين الدين بن نجيم، دار المعرفة. بيروت.
(3) حاشية منحة الخالق على البحر الرائق 4 / 101 للعلامة محمد أمين الشهير بابن عابدين.
(4) حاشية الرهاوي على المنار ص643 - 644 ليحيى الرهاوي المصري المطبعة العثمانية.
(5) أنوار الحلك على شرح المنار لابن ملك ص 644 لشيخ الإسلام محمد بن إبراهيم الشهير بابن الحلبي / المطبعة العثمانية.
(6) شرح المنار ص 644 لعز الدين عبد اللطيف بن عبد العزيز بن الملك / المطبعة العثمانية.
(7) نزهة الخاطر العاطر في شرح روضة الناظر وجنة المناظر 1 / 323 لعبد القادر بن بدران الحنبلي / المطبعة السلفية.
(8) كشف الأسرار 3 / 7
(9) شرح المنار ص 644
(10) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 2 / 533 للعلامة علاء الدين أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي - مطبعة الإمام بالقاهرة، ومغني المحتاج 1 / 152 للخطيب الشربيني - دار الفكر بيروت، وكشاف القناع عن متن الإقناع 1 / 333 للعلامة منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، الناشر مكتبة النصر الحديثة / الرياض.
(11) أي يسند ذلك ويرفعه.
(12) صحيح البخاري 1 / 296 للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري نشر دار الطباعة المنيرة / بالقاهرة.
(13) صحيح مسلم 1 / 301 للإمام أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري / طبع دار إحياء الكتب العربية - عيسى الحلبي / القاهرة، ونيل الأوطار 2 / 207، 208 للشيخ محمد ابن علي الشوكاني / مطبعة مصطفى الحلبي.
(14) سنن ابن ماجه 1 / 266 للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني / مطبعة عيسى الحلبي / القاهرة.
(15) مواهب الجليل 1 / 537 لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المغربي المعروف بالحطاب. مكتبة النجاح - ليبيا.
(16) الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 1 / 131
(17) الدسوقي 1 / 250، والمدونة 1 / 74، وبداية المجتهد 1 / 137، والمنتقى شرح الموطأ 1 / 281، والزرقاني 1 / 214
(18) التحنيك، هو إدارة العمامة من تحت الحنك.
(19) ابن عابدين 5 / 481، والآداب الشرعية 3 / 536
(20) مواهب الجليل 1 / 541
(21) بدائع الصنائع 3 / 1335 نشر زكريا علي يوسف.
(22) الأم 5 / 73 للإمام أبي عبد الله محمد بن إدريس الشافعي - كتاب الشعب / القاهرة، والمدونة الكبرى 4 / 24 لإمام دار الهجرة الإمام مالك بن أنس رواية سحنون التنوخي / مطبعة الصادق / القاهرة وكشاف القناع 5 / 10
(23) نيل الأوطار للشوكاني 6 / 125
(24) حاشية الشبراملسي على نهاية المحتاج 6 / 193 مطبعة مصطفى الحلبي.
(25) المغني مع الشرح الكبير 8 / 414 للإمام موفق الدين بن قدامة / دار الكتاب العربي - بيروت، وفتح القدير 3 / 93، والبدائع 4 / 1850، والبجيرمي 4 / 9، ومواهب الجليل 4 / 91، 92، والتاج والإكليل 4 / 98
(26) كشاف القناع 2 / 4، وحاشية البجيرمي على شرح منهج الطلاب 2 / 169، والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 3 / 382 لأبي البركات سيدي أحمد الدردير - مطبعة عيسى الحلبي - وبدائع الصنائع 6 / 2994
(27) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 382 للعلامة شمس الدين الشيخ محمد عرفه الدسوقي - مطبعة عيسى الحلبي.
(28) الشرح الكبير للدردير 3 / 382
(29) الفتاوى الهندية 3 / 65 تأليف العلامة الشيخ نظام وجماعة من علماء الهند الأعلام / المكتبة الإسلامية بتركيا.
(30) المبسوط 13 / 73 لشمس الدين السرخسي - دار المعرفة للطباعة والنشر / بيروت.
(31) الفتاوى الكبرى الفقهية 3 / 370
(32) حاشية الدسوقي 3 / 441
(33) هكذا، ولعل المراد ضمان الثمن، انظر الفتاوى الخانية بهامش الهندية 3 / 6
(34) الفتاوى الهندية 3 / 206
(35) الدسوقي بتصرف يسير 4 / 427
(36) مواهب الجليل 5 / 210
(37) الفتاوى الخانية بهامش الهندية 3 / 6
(38) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 424
(39) المصدر السابق 3 / 425
(40) هذا الرأي إنما كان عندما كانت الرغبة في الدنانير غير الرغبة في الدراهم، والعكس، أما الآن وقد استقرت النسبة بين الدرهم والدينار، إذا كان النقد في بلد واحد، فلا يختلف الحكم في قبض الدراهم بدلا عن الدنانير، والعكس.
(41) المغني لابن قدامة 5 / 230 - 231
(42) بدائع الصنائع 3 / 1335 للعلامة علاء الدين أبي بكر الكاساني الحنفي مطبعة الإمام / بالقاهرة
(43) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 3 / 426 للعلامة شمس الدين محمد عرفة الدسوقي - مطبعة الحلبي / بالقاهرة.
(44) الإقناع 2 / 201
(45) الإقناع 2 / 201 - 202
(46) التاج والإكليل 3 / 323 وكشاف القناع 2 / 438
(47) التاج والإكليل 6 / 324
(48) التاج والإكليل 6 / 323
(49) التاج والإكليل 6 / 321
(50) الفتاوى الخانية على هامش الفتاوى الهندية 3 / 221
(51) حاشية ابن عابدين 6 / 607
(52) الدر المختار بهامش حاشية ابن عابدين 6 / 608
(53) الفتاوى الخانية على هامش الفتاوى الهندية 3 / 221
(54) المصدر السابق 3 / 222
(55) كشاف القناع 4 / 128
(56) المصدر السابق 4 / 134 هذا ويؤخذ مما تقدم أن الفروع التي مثل بها في المذاهب المختلفة ترجع كلها من حيث الضمان وعدمه إلى ثلاثة أمور: الإهمال، أو التعدي أو العرف.
(57) سورة الأنعام / 66
(58) المبسوط 13 / 73 - 74
(59) بدائع الصنائع 7 / 2486
(60) بدائع الصنائع 6 / 2994
(61) الفتاوى الكبرى الفقهية للعلامة ابن حجر الهيثمي 3 / 367 - المكتبة الإسلامية بتركيا.
(62) بدائع الصنائع 6 / 2898، والتاج والإكليل 3 / 7216، والإقناع 2 / 232 - 233، وكشاف القناع 6 / 224
(63) الهداية 2 / 278، والمبسوط 4 / 188 - 189، والخرشي 2 / 364 - 365، ومغني المحتاج 1 / 521، وكشاف القناع 2 / 438
(64) الهداية 2 / 278
الموسوعة الفقهية الكويتية: 92/ 3
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".