الأعلى
كلمة (الأعلى) اسمُ تفضيل من العُلُوِّ، وهو الارتفاع، وهو اسمٌ من...
الكَثِيرُ، وَالغَلَبَةُ: الكَثْرَةُ، وغَلَبَ عَلَيْهِ الكَرَمُ إِذَا كَانَ أَكْثَرَ خِصَالِهِ، وَالأَغْلَبُ: الأَكْثَرُ، وَيَأْتِي الغَالِبُ بِمَعْنَى: الرَّاجِحِ، تَقُولُ: رَأْيٌ غَالِبٌ أَيْ رَاجِحٌ، وَالغَلَبَةُ: الرُّجْحَانُ، وَأَصْلُ الغَلَبَة: القُوَّةُ وَالقَهْرُ، يُقَالُ: غَلَبَ الرَّجُلُ غَلْبًا وَغَلَبًا وَغَلَبَةً فَهُوَ غَالِبٌ أَيْ قَهَرَ، وَتَغَلَّبَ عَلَى بَلَدِ كَذَا إِذَا اسْتَوْلَى عَلَيْهِ قَهْرًا، وَجَمْعُ غَالِبٍ: غَالِبُونَ وَغَلَبَةٌ، وَمِنْ مَعَانِي الغَلَبَةِ أَيْضًا: الشِّدَّةُ، وَغَلَبَ الشَّيْءُ إِذَا اشْتَدَّ، وَالغَالِبُ: الشَّدِيدُ.
يُطْلِقُ الفُقَهَاءُ مُصْطَلَحَ (غَالِبٍ) فِي مَوَاطِنَ عَديدَةٍ لاَ تُحْصَى مِنْ كُتُبِهِمْ كَكِتَابِ الصَّلاَةِ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ ، وَيُطْلَقُ اسْمُ الغَالِبُ فِي كُتُبِ العَقَائِدِ فِي بَابِ الأَسْمَاءِ الحُسْنَى ، وَمَعْنَاهُ: (القَاهِرُ الذِي أَمْرُهُ تَعَالَى نَافِذٌ لَا يُبْطِلُهُ مُبْطِلٌ وَلَا يَغْلِبُهُ مَخْلُوقٌ).
غلب
* معجم مقاييس اللغة : 4 /389 - لسان العرب : 1 /651 - نهاية المطلب في دراية المذهب : 318/1 - المطلع على ألفاظ المقنع : ص127 - المعجم الوسيط : 2 /658 - معجم مقاييس اللغة : 4 /389 - التوقيف على مهمات التعاريف : ص250 - التوقيف على مهمات التعاريف : ص250 - دستور العلماء : 3 /3 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْغَالِبُ اسْمُ فَاعِلٍ مِنَ الْغَلَبَةِ أَوِ الْغَلَبِ، وَمِنْ مَعَانِيهِ فِي اللُّغَةِ: الْقَهْرُ وَالْكَثْرَةُ، يُقَال: غَلَبَهُ إِذَا قَهَرَهُ، وَغَلَبَ عَلَى فُلاَنٍ الْكَرَمُ: كَانَ أَكْثَرَ خِصَالِهِ. وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (1) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِلَفْظِ غَالِبٍ:
وَرَدَتِ الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِمُصْطَلَحِ غَالِبٍ فِي مَوَاطِنَ مِنْهَا:
أ - غَالِبُ مُدَّةِ الْحَيْضِ:
2 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ غَالِبَ مُدَّةِ الْحَيْضِ سِتَّةُ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةٌ (2) ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ لِحَمْنَةَ بِنْتِ جَحْشٍ ﵂ تَحَيَّضِي سِتَّةَ أَيَّامٍ أَوْ سَبْعَةَ أَيَّامٍ فِي عِلْمِ اللَّهِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي (3) .
ب - غَالِبُ مُدَّةِ النِّفَاسِ:
3 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ غَالِبَ النِّفَاسِ أَرْبَعُونَ يَوْمًا لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ ﵂ كَانَتِ النُّفَسَاءُ تَجْلِسُ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ ﷺ أَرْبَعِينَ يَوْمًا (4) وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَالِبِ أَوْ عَلَى نِسْوَةٍ مَخْصُوصَاتٍ (5) .
ج - غَالِبُ مُدَّةِ الْحَمْل:
4 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ غَالِبَ مُدَّةِ الْحَمْل تِسْعَةُ أَشْهُرٍ (6) .
د - اسْتِعْمَال مَا غَالِبُ حَالِهِ النَّجَاسَةُ.
5 - نَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَال مَا الأَْصْل فِيهِ الطَّهَارَةُ وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ النَّجَاسَةَ كَأَوَانِي وَمَلاَبِسِ الْكُفَّارِ، وَأَوَانِي وَمَلاَبِسِ الْخَمَّارِينَ، وَمَلاَبِسِ الْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ وَالْجَزَّارِينَ وَأَمْثَالِهِمْ، وَكَأَوَانِي وَأَلْبِسَةِ الْمُتَدَيِّنِينَ بِالنَّجَاسَةِ كَالْمَجُوسِ، وَكَطِينِ الشَّارِعِ وَالْمَقَابِرِ الْمَنْبُوشَةِ، وَعَرَقِ الدَّوَابِّ وَلُعَابِهَا، وَلُعَابِ الصِّبْيَانِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ؛ لأَِنَّ الأَْصْل بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ؛ وَلأَِنَّ الْيَقِينَ لاَ يَزُول بِالشَّكِّ.
وَقَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ: فِي الْمَسْأَلَةِ قَوْلاَنِ أَحَدُهُمَا: لاَ يَجُوزُ الاِسْتِعْمَال لِغَلَبَةِ النَّجَاسَةِ، وَالثَّانِي: يَجُوزُ لأَِنَّ الأَْصْل الطَّهَارَةُ.
أَمَّا إِذَا تَيَقَّنَ مِنْ حُصُول النَّجَاسَةِ فِي الشَّيْءِ فَيَجِبُ التَّجَنُّبُ مِنْهُ وَلاَ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ (7) .
وَلِلتَّفْصِيل اُنْظُرْ مُصْطَلَحَ (نَجَاسَة، وَعُمُومُ الْبَلْوَى)
هـ - زَكَاةُ الإِْبِل
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الشَّاةِ الْوَاجِبَةِ فِيمَا دُونَ الْخَمْسِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ الإِْبِل هَل تَجِبُ أَنْ تَكُونَ مِنْ غَالِبِ غَنْمِ الْبَلَدِ أَمْ أَنَّ الْمُزَكِّيَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الأَْغْنَامِ؟
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُزَكِّيَ بِالْخِيَارِ، فَيَجُوزُ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ الإِْبِل الْخَمْسِ مَثَلاً شَاةً مِنْ الضَّأْنِ أَوْ شَاةً مِنْ الْمَعْزِ، وَأَيُّهُمَا أَخْرَجَ أَجْزَأَهُ لِتَنَاوُل اسْمِ الشَّاةِ لَهُمَا، وَلاَ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا مِنْ جِنْسِ غَنَمِهِ وَلاَ مِنْ جِنْسِ غَنْمِ بَلَدِهِ؛ لإِِطْلاَقِ الأَْخْبَارِ فِي ذَلِكَ، وَمِنْهَا قَوْلُهُ ﷺ: إِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنَ الإِْبِل فَفِيهَا شَاةٌ (8) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ إِخْرَاجُ غَالِبِ أَغْنَامِ بَلَدِهِ كَمَا يَتَعَيَّنُ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ فِي الْكَفَّارَةِ، وَالْقَوْل الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَغْنَامِ الْبَلَدُ، وَلَكِنْ لاَ يَجُوزُ لَهُ الاِنْتِقَال إِلَى غَنْمِ بَلَدٍ آخَرَ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ مِثْلَهَا فِي الْقِيمَةِ أَوْ خَيْرًا مِنْهَا.
وَلَدَى الشَّافِعِيَّةِ قَوْلٌ رَابِعٌ: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ غَنَمِ نَفْسِهِ إِذَا كَانَ لَهُ غَنَمٌ (9)
وَلِلتَّفْصِيل اُنْظُرْ مُصْطَلَحَ (زَكَاة ف 43 وَمَا بَعْدَهَا) و - زَكَاةُ الْفِطْرِ:
7 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الْوَاجِبِ مِنَ الأَْقْوَاتِ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ.
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ الْوَجْهُ الرَّاجِحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ هُوَ غَالِبُ قُوتِ بَلَدِ الْمُخْرِجِ؛ لأَِنَّهُ حَقٌّ وَجَبَ فِي الذِّمَّةِ وَتَعَلَّقَ بِالطَّعَامِ، فَوَجَبَ مِنْ غَالِبِ قُوتِ الْبَلَدِ، فَإِنْ عَدَل عَنْ قُوتِ الْبَلَدِ إِلَى قُوتِ بَلَدٍ آخَرَ نُظِرَ: فَإِنْ كَانَ الَّذِي انْتَقَل إِلَيْهِ أَجْوَدَ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ دُونَهُ لَمْ يُجْزِهِ.
وَإِنْ كَانَ أَهْل الْبَلَدِ يَقْتَاتُونَ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً مِنَ الأَْطْعِمَةِ لَيْسَتْ بَعْضُهَا بِأَغْلَبَ مِنْ بَعْضٍ فَأَيُّهَا أَخْرَجَ أَجْزَأَهُ، وَلَكِنَّ الأَْفْضَل أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَحْسَنِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (10)
قَال الْغَزَالِيُّ ﵀: الْمُعْتَبَرُ هُوَ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ وَقْتَ وُجُوبِ الْفِطْرَةِ لاَ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ وَفِي قَوْلٍ لَهُ: الاِعْتِبَارُ هُوَ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ يَوْمَ عِيدِ الْفِطْرَةِ، إِلاَّ أَنَّ الرَّاجِحَ عِنْدَهُمْ أَنَّ الاِعْتِبَارَ هُوَ غَالِبُ قُوتِ الْبَلَدِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَى الْمُزَكِّي غَالِبُ قُوتِ نَفْسِهِ؛ لأَِنَّهُ لَمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ إِخْرَاجُ مَا فَضَل عَنْ قُوتِهِ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مِنْ قُوتِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَهُوَ الْوَجْهُ الثَّالِثُ لَدَى الشَّافِعِيَّةِ إِلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الأَْقْوَاتِ الَّتِي تَصِحُّ بِهَا زَكَاةُ الْفِطْرَةِ، فَيُخْرِجُ مَا شَاءَ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ قُوتِهِ وَغَيْرَ قُوتِ أَهْل بَلَدِهِ، لِظَاهِرِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ قَال: كُنَّا نُخْرِجُ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ أَقِطٍ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ (11) .
وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَمْ يَكُنْ قُوتَ أَهْل الْمَدِينَةِ فَدَل عَلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْجَمِيعِ (12) .
ز - الإِْطْعَامُ الْوَاجِبُ فِي الْكَفَّارَاتِ:
8 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ غَالِبُ قُوتِ الْبَلْدَةِ، فِي حِينِ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَقْوَاتِ الْبَلَدِ (13)
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (كَفَّارَة)
ح - غَالِبُ النَّقْدِ فِي الْبَيْعِ:
9 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ فَأَكْثَرُ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ وَاحِدٌ مِنْهَا غَالِبًا انْصَرَفَتِ الْعُقُودُ إِلَيْهِ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ؛ لأَِنَّهُ هُوَ الْمُتَعَيِّنُ عُرْفًا، وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ نَقْدَانِ فَأَكْثَرُ - وَلَمْ يَغْلِبْ أَحَدُهَا - اُشْتُرِطَ التَّعْيِينُ لَفْظًا وَلاَ يَكْفِي التَّعْيِينُ بِالنِّيَّةِ، أَمَّا إِذَا اتَّفَقَتِ النُّقُودُ بِأَنْ لَمْ تَتَفَاوَتْ فِي الْقِيمَةِ وَالْغَلَبَةِ فَإِنَّ الْعَقْدَ يَصِحُّ بِهَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، وَيُسَلِّمُ الْمُشْتَرِي أَيَّهَا شَاءَ، وَإِنْ عَيَّنَ فِي الْعَقْدِ غَيْرَ النَّقْدِ الْغَالِبِ تَعَيَّنَ، وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ عَلَى أَنَّ تَقْوِيمَ الْمُتْلِفَاتِ يَكُونُ بِالنَّقْدِ الْغَالِبِ، فَإِنْ كَانَ لاَ غَالِبَ فِيهَا عَيَّنَ الْقَاضِي وَاحِدًا مِنَ النُّقُودِ لِلتَّقْوِيمِ بِهَا (14) .
مُعَامَلَةُ مَنْ غَالِبُ مَالِهِ حَرَامٌ:
10 - مِنَ الْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ أَنَّهُ إِذَا اجْتَمَعَ الْحَلاَل وَالْحَرَامُ غَلَبَ الْحَرَامُ، قَال الْجُوَيْنِيُّ: لَمْ يَخْرُجْ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إِلاَّ مَا نَدَرَ.
قَال السُّيُوطِيُّ: خَرَجَ عَنْ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فُرُوعٌ مِنْهَا: مُعَامَلَةُ مَنْ أَكْثَرُ مَالِهِ حَرَامٌ إِذَا لَمْ يَعْرِفْ عَنِ الْحَرَامِ لاَ يَحْرُمُ فِي الأَْصَحِّ لَكِنْ يُكْرَهُ، وَكَذَا الأَْخْذُ مِنْ عَطَايَا السُّلْطَانِ إِذَا غَلَبَ الْحَرَامُ فِي يَدِهِ.
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِذَا اشْتَرَى مِمَّنْ فِي مَالِهِ حَرَامٌ وَحَلاَلٌ كَالسُّلْطَانِ الظَّالِمِ وَالْمُرَابِي، فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْمَبِيعَ مِنْ حَلاَل مَالِهِ فَهُوَ حَلاَلٌ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّهُ حَرَامٌ فَهُوَ حَرَامٌ؛ لأَِنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا فِي يَدِ الإِْنْسَانِ مِلْكُهُ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيِّهِمَا هُوَ كَرِهْنَاهُ لاِحْتِمَال التَّحْرِيمِ فِيهِ، وَلَمْ يَبْطُل الْبَيْعُ؛ لإِِمْكَانِ الْحَلاَل، قَل الْحَرَامُ أَوْ كَثُرَ، وَهَذَا هُوَ الشُّبْهَةُ، وَبِقَدْرِ قِلَّةِ الْحَرَامِ وَكَثْرَتِهِ تَكُونُ كَثْرَةُ الشُّبْهَةِ وَقِلَّتُهَا، قَال أَحْمَدُ: لاَ يُعْجِبُنِي أَنْ يَأْكُل مِنْهُ (15) ، لَمَا رَوَى النُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ ﵄ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: الْحَلاَل بَيِّنٌ، وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشَبَّهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الْمُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ كَرَاعٍ يَرْعَى حَوْل الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يُوَاقِعَهُ، أَلاَ إِنَّ لِكُل مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ إِنَّ حِمَى اللَّهِ فِي أَرْضِهِ مَحَارِمُهُ (16) . وَرَوَى الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ (17)
وَذَهَبَ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ وَمِنْ بَيْنِهِمْ الْغَزَالِيُّ إِلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ التَّعَامُل مَعَ مَنْ غَالِبُ مَالِهِ مِنَ الْحَرَامِ (18) .
وَقَال الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ فِي مُعَامَلَةِ مَنِ اعْتَرَفَ بِأَنَّ أَكْثَرَ مَالِهِ حَرَامٌ: إِنْ غَلَبَ الْحَرَامُ عَلَيْهِ بِحَيْثُ يَنْدُرُ الْخَلاَصُ مِنْهُ لَمْ تَجُزْ مُعَامَلَتُهُ، مِثْل أَنْ يُقِرَّ إِنْسَانٌ بِأَنَّ فِي يَدِهِ أَلْفَ دِينَارٍ كُلَّهَا حَرَامٌ إِلاَّ دِينَارًا وَاحِدًا، فَهَذَا لاَ تَجُوزُ مُعَامَلَتُهُ بِدِينَارٍ لِنُدْرَةِ الْوُقُوعِ فِي الْحَلاَل، كَمَا لاَ يَجُوزُ الاِصْطِيَادُ إِذَا اخْتَلَطَتْ حَمَامَةٌ بَرِّيَّةٌ بِأَلْفِ حَمَامَةٍ بَلَدِيَّةٍ، وَإِنْ عُومِل بِأَكْثَرَ مِنَ الدِّينَارِ أَوِ اُصْطِيدَ بِأَكْثَرَ مِنْ حَمَامَةٍ فَلاَ شَكَّ فِي تَحْرِيمِ ذَلِكَ، وَإِنْ غَلَبَ الْحَلاَل بِأَنِ اخْتَلَطَ دِرْهَمٌ حَرَامٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَلاَلٍ جَازَتِ الْمُعَامَلَةُ كَمَا لَوِ اخْتَلَطَتْ أُخْتُهُ مِنَ الرَّضَاعِ بِأَلْفِ امْرَأَةٍ أَجْنَبِيَّةٍ، أَوِ اخْتَلَطَتْ أَلْفُ حَمَامَةٍ بَرِّيَّةٍ بِحَمَامَةٍ بَلَدِيَّةٍ فَإِنَّ الْمُعَامَلَةَ صَحِيحَةٌ جَائِزَةٌ لِنُدْرَةِ الْوُقُوعِ فِي الْحَرَامِ، وَكَذَلِكَ الاِصْطِيَادُ. ثُمَّ قَال: وَبَيْنَ هَاتَيْنِ الرُّتْبَتَيْنِ مِنْ قِلَّةِ الْحَرَامِ وَكَثْرَتِهِ مَرَاتِبُ مُحَرَّمَةٌ وَمَكْرُوهَةٌ وَمُبَاحَةٌ، وَضَابِطُهَا: أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَشْتَدُّ بِكَثْرَةِ الْحَرَامِ وَتَخِفُّ بِكَثْرَةِ الْحَلاَل، فَاشْتِبَاهُ أَحَدِ الدِّينَارَيْنِ بِآخَرَ سَبَبُ تَحْرِيمٍ بَيِّنٍ، وَاشْتِبَاهُ دِينَارٍ حَلاَلٍ بِأَلْفِ دِينَارٍ حَرَامٍ سَبَبُ تَحْرِيمٍ بَيِّنٍ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى قِلَّةِ الْحَرَامِ وَكَثْرَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَلاَل، فَكُلَّمَا كَثُرَ الْحَرَامُ تَأَكَّدَتِ الشُّبْهَةُ، وَكُلَّمَا قَل خَفَّتِ الشُّبْهَةُ، إِلَى أَنْ يُسَاوِيَ الْحَلاَل الْحَرَامَ فَتَسْتَوِي الشُّبُهَاتُ (19) .
__________
(1) لسان العرب، ومغني المحتاج 1 / 119.
(2) مغني المحتاج 1 / 109، وكشاف القناع 1 / 203.
(3) حديث:: " " تحيضي ستة أيام أو سبعة أيام في علم الله، ثم اغتسلي " ". أخرجه الترمذي (1 / 223323) وقال:: حديث حسن صحيح.
(4) حديث أم سلمة:: " " كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله - ﷺ - أربعين يومًا " ". أخرجه الترمذي (1 / 256) وفي إسناده جهالة، كذا في التلخيص لابن حجر (1 / 171) .
(5) مغني المحتاج 1 / 119.
(6) مغني المحتاج 3 / 387.
(7) قواعد الأحكام 2 / 46، ومغني المحتاج 1 / 29.
(8) حديث:: " " إذا بلغت خمسًا من الإبل ففيها شاة " ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 317) من حديث أبي بكر في كتاب الزكاة.
(9) الفتاوى الخانية 1 / 246، والتاج والإكليل 2 / 258، مغني المحتاج 1 / 370، وروضة الطالبين 2 / 154، المجموع للنووي 5 / 39 وما بعدها، وكشاف القناع 2 / 185.
(10) سورة آل عمران / 92.
(11) حديث أبي سعيد الخدري:: " " كنا نخرج زكاة الفطر صاعًا. . . " ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 371) ، ومسلم (2 / 678) .
(12) الدر المختار 2 / 76، ومغني المحتاج 1 / 406، وجواهر الإكليل 1 / 142، ومواهب الجليل 2 / 367، وكشاف القناع 2 / 253.
(13) حاشية ابن عابدين 2 / 582، المجموع للنووي 6 / 130، مغني المحتاج 3 / 367، 4 / 327، وجواهر الإكليل 1 / 378.
(14) حاشية ابن عابدين 4 / 26، ومواهب الجليل 4 / 277، مغني المحتاج 2 / 17، كشاف المخدرات ص 215، قواعد الأحكام لابن عبد السلام 2 / 120.
(15) الأشباه والنظائر للسيوطي ص 50 وما بعدها و105 وما بعدها، والمغني لابن قدامة 4 / 295، وانظر فتح المبين شرح الأربعين النووية مع حاشية المدابغي ص113 وما بعدها.
(16) حديث:: " " الحلال بيِّنٌ والحرام بيِّنٌ وبينهما مشبهات. . . " ". أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 126) ، ومسلم (3 / 1219 - 1220) من حديث النعمان بن بشير.
(17) حديث:: " " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " ". أخرجه الترمذي (4 / 668) وقال:: حديث حسن صحيح.
(18) الأشباه والنظائر للسيوطي ص50، 105، وفتح المبين شرح الأربعين النووية 3 / 113 وما بعدها، والمغني لابن قدامة 4 / 295 - 298.
(19) قواعد الأحكام في مصالح الأنام 1 / 72 - 73، 2 / 18، 47، 89.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 126/ 31