الرزاق
كلمة (الرزاق) في اللغة صيغة مبالغة من الرزق على وزن (فعّال)، تدل...
القَبْرُ: مَكان دْفَنِ الإِنْسانِ يُقَال: قَبَرْتُ الـمَيِّتَ، أَقْبُرُهُ، قَبْراً، أيْ: دَفَنْتُهُ. ويأْتي بِـمعنى: دَفْنُ الـميِّتِ ومُوارَاتُه في التُّرابِ،، وهي الـحُفْرَةُ التي يُوضَعُ فيها الـمَيِّتُ، وكُلّ مَكانٍ تُخْفَى فيه جُثَّةُ الميِّتِ فهو قَبْرٌ، ولو في الـبَحْرِ. وجَمْعُهُ: قُبورٌ. والـمَقْبَرةُ: مَوْضِعُ القُبُور.
يَرِد مُصْطلَح (قَبْر) في عِلمِ العَقِيدَةِ، باب: الإِيـمان بِاليَوْمِ الآخِرِ، عند الكَلامِ عن عَذابِ القَبْرِ.
قبر
* العين : (5/157)
* تهذيب اللغة : (9/119)
* الصحاح : (2/784)
* المحكم والمحيط الأعظم : (6/391)
* طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : (ص 10)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 267)
* أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء : (ص 43)
* دستور العلماء : (3/40)
* القاموس الفقهي : (ص 293) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقَبْرُ: مَدْفَنُ الإِْنْسَانِ، يُقَال قَبَرَهُ يَقْبِرُهُ وَيَقْبُرُهُ قَبْرًا وَمَقْبَرًا: دَفَنَهُ، وَأَقْبَرَهُ: جَعَل لَهُ قَبْرًا، وَالْمَقْبَرَةُ، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَضَمِّهَا: مَوْضِعُ الْقُبُورِ أَيْ مَوْضِعُ دَفْنِ الْمَوْتَى.
وَالْقَابِرُ: الدَّافِنُ بِيَدِهِ (1) .
مَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَبْرِ مِنْ أَحْكَامٍ:
أ - احْتِرَامُ الْقَبْرِ:
2 - الْقَبْرُ مُحْتَرَمٌ شَرْعًا تَوْقِيرًا لِلْمَيِّتِ، وَمِنْ ثَمَّ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ وَطْءِ الْقَبْرِ وَالْمَشْيِ عَلَيْهِ، لِمَا ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى أَنْ تُوطَأَ الْقُبُورُ (2) .
لَكِنَّ الْمَالِكِيَّةَ خَصُّوا الْكَرَاهَةَ بِمَا إذَا كَانَ مُسَنَّمًا، كَمَا اسْتَثْنَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَطْءَ الْقَبْرِ لِلْحَاجَةِ مِنَ الْكَرَاهَةِ كَمَا إذَا كَانَ لاَ يَصِل إلَى قَبْرِ مَيِّتِهِ إلاَّ بِوَطْءِ قَبْرِ آخَرَ.
3 - وَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ - إلَى كَرَاهَةِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ، لِمَا رَوَى أَبُو مَرْثَدٍ الْغَنَوِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: لاَ تَجْلِسُوا عَلَى الْقُبُورِ وَلاَ تُصَلُّوا إلَيْهَا (3) ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: قَال النَّبِيُّ ﷺ: لأََنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ (4) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إلَى جَوَازِ الْجُلُوسِ عَلَى الْقَبْرِ.
وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى كَرَاهَةِ الاِتِّكَاءِ عَلَى الْقَبْرِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ حَزْمٍ قَال: رَآنِي رَسُول اللَّهِ ﷺ جَالِسًا عَلَى قَبْرٍ فَقَال: يَا صَاحِبَ الْقَبْرِ، انْزِل مِنْ عَلَى الْقَبْرِ لاَ تُؤْذِ صَاحِبَ الْقَبْرِ وَلاَ يُؤْذِيكَ (5) ، وَكَذَا يُكْرَهُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ الاِسْتِنَادُ إلَيْهِ.
4 - وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى حُرْمَةِ التَّخَلِّي عَلَى الْقُبُورِ، لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ﵁ قَال: قَال النَّبِيَّ ﷺ: لأََنْ أَمْشِيَ عَلَى جَمْرَةٍ أَوْ سَيْفٍ، أَوْ أَخْصِفَ نَعْلِي بِرِجْلِي، أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْشِيَ عَلَى قَبْرِ مُسْلِمٍ، وَمَا أُبَالِي أَوَسْطَ الْقُبُورِ قَضَيْتُ حَاجَتِي أَوْ وَسْطَ السُّوقِ (6) ، وَزَادَ الْحَنَابِلَةُ حُرْمَةَ التَّخَلِّي بَيْنَهَا.
وَصَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِكَرَاهَةِ النَّوْمِ عِنْدَ الْقَبْرِ (7) .
ب - كَيْفِيَّةُ حَفْرِ الْقَبْرِ:
أَقَل مَا يُجْزِئُ فِي الْقَبْرِ وَأَكْمَلُهُ:
5 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ أَقَل مَا يُجْزِئُ فِي الْقَبْرِ حُفْرَةٌ تَكْتُمُ رَائِحَةَ الْمَيِّتِ وَتَحْرُسُهُ عَنِ السِّبَاعِ لِعُسْرِ نَبْشِ مِثْلِهَا غَالِبًا.
قَال الْبُهُوتِيُّ: لأَِنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَقْدِيرٌ، فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى مَا يَحْصُل بِهِ الْمَقْصُودُ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الأَْدْنَى أَنْ يُعَمِّقَ نِصْفَ الْقَامَةِ (8) .
أَمَّا الأَْكْمَل: فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالأَْكْثَرُ مِنَ الْحَنَابِلَةِ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَوْسِيعُ الْقَبْرِ وَتَعْمِيقُهُ قَدْرَ قَامَةٍ وَبَسْطَةٍ، وَالْمُرَادُ قَامَةُ رَجُلٍ مُعْتَدِلٍ يَقُومُ وَيَبْسُطُ يَدَهُ مَرْفُوعَةً، فَقَدْ أَوْصَى عُمَرُ ﵁ أَنْ يُعَمَّقَ قَبْرُهُ قَامَةً وَبَسْطَةً (9) . وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: لاَ حَدَّ لأَِكْثَرِهِ لَكِنْ يُنْدَبُ عَدَمُ عُمْقِهِ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَال: لاَ تُعَمِّقُوا قَبْرِي فَإِنَّ خَيْرَ الأَْرْضِ أَعْلاَهَا وَشَرَّهَا أَسْفَلُهَا (10) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ عَلَى الصَّحِيحِ مِنَ الْمَذْهَبِ إلَى أَنَّهُ يُسَنُّ تَعْمِيقُ الْقَبْرِ وَتَوْسِيعُهُ بِلاَ حَدٍّ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ فِي قَتْلَى أُحُدٍ: احْفِرُوا وَأَعْمِقُوا وَأَحْسِنُوا (11) ، وَلأَِنَّ تَعْمِيقَ الْقَبْرِ أَنْفَى لِظُهُورِ الرَّائِحَةِ الَّتِي تَسْتَضِرُّ بِهَا الأَْحْيَاءُ، وَأَبْعَدُ لِقُدْرَةِ الْوَحْشِ عَلَى نَبْشِهِ وَآكَدُ لِسَتْرِ الْمَيِّتِ (12) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: الأَْحْسَنُ أَنْ يَكُونَ مِقْدَارَ قَامَةٍ، وَطُولُهُ عَلَى طُول قَدْرِ الْمَيِّتِ، وَعَرْضُهُ عَلَى قَدْرِ نِصْفِ طُولِهِ (13) .
اللَّحْدُ وَالشَّقُّ:
6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ صِفَةَ اللَّحْدِ هِيَ أَنْ يُحْفَرَ فِي أَسْفَل حَائِطِ الْقَبْرِ الَّذِي مِنْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ مِقْدَارُ مَا يَسَعُ الْمَيِّتَ وَيُجْعَل ذَلِكَ كَالْبَيْتِ الْمَسْقُوفِ.
وَأَمَّا صِفَةُ الشَّقِّ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ يُحْفَرُ فِي وَسْطِ الْقَبْرِ حَفِيرَةٌ يُوضَعُ الْمَيِّتُ فِيهَا وَيُبْنَى جَانِبَاهَا بِاللَّبِنِ أَوْ غَيْرِهِ وَيُسْقَفُ عَلَيْهَا.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الشَّقُّ هُوَ أَنْ يُحْفَرَ فِي أَسْفَل الْقَبْرِ أَضْيَق مِنْ أَعْلاَهُ بِقَدْرِ مَا يَسَعُ الْمَيِّتَ ثُمَّ يُغَطَّى فَمُ الشَّقِّ.
وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ اللَّحْدَ أَفْضَل مِنَ الشَّقِّ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا (14) .
وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَال فِي مَرَضِ مَوْتِهِ: أَلْحِدُوا لِي لَحْدًا وَانْصِبُوا عَلَيَّ اللَّبِنَ نَصْبًا كَمَا صُنِعَ بِرَسُول اللَّهِ ﷺ (15) .
قَال الْحَنَفِيَّةُ: فَإِنْ كَانَتِ الأَْرْضُ رِخْوَةً فَلاَ بَأْسَ بِالشَّقِّ. وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ بِأَفْضَلِيَّةِ الشَّقِّ فِي الأَْرْضِ غَيْرِ الصُّلْبَةِ.
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إنْ كَانَتِ الأَْرْضُ رِخْوَةً لاَ يَثْبُتُ فِيهَا اللَّحْدُ شُقَّ لِلْحَاجَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَل فِيهَا اللَّحْدُ مِنَ الْجَنَادِل وَاللَّبِنِ وَالْحِجَارَةِ جُعِل وَلَمْ يُعْدَل إلَى الشَّقِّ (16) .
اتِّخَاذُ التَّابُوتِ فِي الدَّفْنِ:
7 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُكْرَهُ الدَّفْنُ فِي التَّابُوتِ إلاَّ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَفَرَّقَ الْحَنَفِيَّةُ بَيْنَ الرَّجُل وَالْمَرْأَةِ. وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (دَفْنٌ ف 11) .
ج - كَيْفِيَّةُ إدْخَال الْمَيِّتِ الْقَبْرَ وَوَضْعِهِ فِيهِ:
8 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْخَل الْمَيِّتُ مِنْ قِبَل الْقِبْلَةِ بِأَنْ يُوضَعَ مِنْ جِهَتِهَا.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إنَّهُ لاَ بَأْسَ أَنْ يُدْخَل الْمَيِّتُ فِي قَبْرِهِ مِنْ أَيِّ نَاحِيَةٍ كَانَ وَالْقِبْلَةُ أَوْلَى.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُوضَعَ الْمَيِّتُ عِنْدَ آخِرِ الْقَبْرِ ثُمَّ يُسَل مِنْ قِبَل رَأْسِهِ مُنْحَدِرًا.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (دَفْنٌ ف 8) د - تَغْطِيَةُ الْقَبْرِ حِينَ الدَّفْنِ:
9 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَغْطِيَةُ قَبْرِ الْمَرْأَةِ حِينَ الدَّفْنِ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَغْطِيَةِ قَبْرِ الرَّجُل. وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (دَفْنٌ ف 10)
هـ - الْجُلُوسُ عِنْدَ الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ:
10 - قَال الطَّحَاوِيُّ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ دَفَنَ الْمَيِّتَ الْجُلُوسُ عِنْدَ قَبْرِهِ بِقَدْرِ مَا يُنْحَرُ جَزُورٌ وَيُقْسَمُ لَحْمُهُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (جَنَائِزُ ف 45) .
و دَفْنُ أَكْثَرَ مِنْ مَيِّتٍ فِي الْقَبْرِ:
11 - الأَْصْل أَنَّهُ لاَ يُدْفَنُ أَكْثَرُ مِنْ مَيِّتٍ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَدْفِنُ كُل مَيِّتٍ فِي قَبْرٍ وَعَلَى هَذَا اسْتَمَرَّ فِعْل الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، إلاَّ لِلضَّرُورَةِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ أُحُدٍ ادْفِنُوا الاِثْنَيْنِ وَالثَّلاَثَةَ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ (17) .
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ دَفْنِ أَكْثَرَ مِنْ مَيِّتٍ فِي الْقَبْرِ لِغَيْرِ الضَّرُورَةِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى الْكَرَاهَةِ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ إلَى الْحُرْمَةِ. قَال الْقَلْيُوبِيُّ: الْكَرَاهَةُ هُوَ مَا مَشَى عَلَيْهِ شَيْخُ الإِْسْلاَمِ وَغَيْرُهُ وَاعْتَمَدَهُ بَعْضُ شُيُوخِنَا، وَاعْتَمَدَ شَيْخُنَا الزِّيَادِيُّ وَشَيْخُنَا الرَّمْلِيُّ أَنَّهُ حَرَامٌ وَلَوْ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَوِ الْمَحْرَمِيَّةِ أَوِ الصِّغَرِ، وَلَوْ دُفِنَ لَمْ يُنْبَشْ (18) .
وَقَدْ سَبَقَ كَيْفِيَّةُ وَضْعِهِمْ فِي الْقَبْرِ الْوَاحِدِ فِي مُصْطَلَحِ (دَفْنٌ ف 14) .
ز - تَسْنِيمُ الْقَبْرِ وَتَسْطِيحُهُ:
12 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّ تَسْنِيمَ الْقَبْرِ - أَيْ جَعْل التُّرَابِ مُرْتَفِعًا عَلَيْهِ كَسَنَامِ الْجَمَل - مَنْدُوبٌ، لِمَا وَرَدَ عَنْ سُفْيَانِ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ ﷺ مُسَنَّمًا (19) .
قَال الْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: يُرْفَعُ قَدْرَ شِبْرٍ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: قَدْرَ شِبْرٍ أَوْ أَكْثَرَ شَيْئًا قَلِيلاً.
وَقَال الْبُهُوتِيُّ: لِيُعْرَفَ أَنَّهُ قَبْرٌ فَيُتَوَقَّى، وَيُتَرَحَّمَ عَلَى صَاحِبِهِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ " أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رُفِعَ قَبْرُهُ عَنِ الأَْرْضِ قَدْرَ شِبْرٍ (20) ، وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ قَال: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَة فَقُلْتُ: يَا أُمَّاهُ، اكْشِفِي لِي عَنْ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَصَاحِبَيْهِ ﵄، فَكَشَفَتْ لِي عَنْ ثَلاَثَةِ قُبُورٍ، لاَ مُشْرِفَةٍ وَلاَ لاَطِئَةٍ، مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ (21) .
قَال الْمَالِكِيَّةُ: وَإِنْ زِيدَ عَلَى التَّسْنِيمِ أَيْ مِنْ حَيْثُ كَثْرَةُ التُّرَابِ بِحَيْثُ يَكُونُ جِرْمًا مُسَنَّمًا عَظِيمًا فَلاَ بَأْسَ بِهِ. وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِكَرَاهَةِ رَفْعِهِ فَوْقَ شِبْرٍ لِحَدِيثِ أَبِي الْهَيَّاجِ الأَْسَدِيِّ قَال: قَال لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَلاَ أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُول اللَّهِ ﷺ: أَنْ لاَ تَدَعَ تِمْثَالاً إلاَّ طَمَسْتَهُ، وَلاَ قَبْرًا مُشْرِفًا إلاَّ سَوَّيْتَهُ (22) .
قَالُوا: وَالْمُشْرِفُ مَا رُفِعَ كَثِيرًا، بِدَلِيل مَا سَبَقَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ " لاَ مُشْرِفَةٍ وَلاَ لاَطِئَةٍ " وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ قَوْلٌ ضَعِيفٌ بِكَرَاهَةِ التَّسْنِيمِ وَنَدْبِ التَّسْطِيحِ، أَيْ يُجْعَل عَلَيْهِ سَطْحٌ كَالْمِصْطَبَةِ وَلَكِنْ لاَ يُسَوَّى ذَلِكَ السَّطْحُ بِالأَْرْضِ بَل يُرْفَعُ كَشِبْرٍ، وَقِيل يُرْفَعُ قَلِيلاً بِقَدْرِ مَا يُعْرَفُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّ تَسْطِيحَ الْقَبْرِ أَفْضَل مِنْ تَسْنِيمِهِ (23) .
13 - وَنَصَّ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّهُ إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ فِي بِلاَدِ الْكُفَّارِ فَلاَ يُرْفَعُ قَبْرُهُ بَل يُخْفَى لِئَلاَّ يَتَعَرَّضُوا لَهُ.
قَال الْبُهُوتِيُّ: تَسْوِيَةُ قَبْرِ الْمُسْلِمِ بِالأَْرْضِ وَإِخْفَاؤُهُ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْلَى مِنْ إظْهَارِهِ وَتَسْنِيمِهِ، خَوْفًا مِنْ أَنْ يُنْبَشَ فَيُمَثَّل بِهِ (24) .
ح - تَطْيِينُ الْقَبْرِ وَتَجْصِيصُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ:
14 - صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُسَنُّ أَنْ يُرَشَّ عَلَى الْقَبْرِ بَعْدَ الدَّفْنِ مَاءٌ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ فَعَل ذَلِكَ بِقَبْرِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ (25) ، وَأَمَرَ بِهِ فِي قَبْرِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ (26) .
وَزَادَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: أَنْ يُوضَعَ عَلَيْهِ حَصًى صِغَارٌ، لِمَا رَوَى جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ رَشَّ عَلَى قَبْرِ ابْنِهِ إبْرَاهِيمَ وَوَضَعَ عَلَيْهِ حَصْبَاءَ (27) ، وَلأَِنَّ ذَلِكَ أَثْبَتُ لَهُ وَأَبْعَدُ لِدُرُوسِهِ، وَأَمْنَعُ لِتُرَابِهِ مِنْ أَنْ تُذْهِبَهُ الرِّيَاحُ.
قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَيَحْرُمُ رَشُّهُ بِالْمَاءِ النَّجِسِ، وَيُكْرَهُ بِمَاءِ الْوَرْدِ (28) .
15 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَطْيِينِ الْقَبْرِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ - فِي الْمُخْتَارِ - وَالْحَنَابِلَةُ إلَى جَوَازِ تَطْيِينِ الْقَبْرِ، وَنَقَل التِّرْمِذِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالتَّطْيِينِ.
قَال النَّوَوِيُّ: وَلَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ جَمَاهِيرُ الأَْصْحَابِ.
وَدَلِيل الْجَوَازِ قَوْل الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي وَصْفِ قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَبْرِ صَاحِبَيْهِ " مَبْطُوحَةٍ بِبَطْحَاءِ الْعَرْصَةِ الْحَمْرَاءِ " (29) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَإِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزَالِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إلَى كَرَاهَةِ تَطْيِينِ الْقَبْرِ.
قَال الدُّسُوقِيُّ: أَكْثَرُ عِبَارَاتِهِمْ فِي تَطْيِينِهِ مِنْ فَوْقٍ، وَنَقَل ابْنُ عَاشِرٍ عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ يَشْمَل تَطْيِينَهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا (30) .
16 - وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى كَرَاهَةِ تَجْصِيصِ الْقَبْرِ، لِمَا رَوَى جَابِرٌ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ (31) .
قَال الْمَحَلِّيُّ: التَّجْصِيصُ التَّبْيِيضُ بِالْجِصِّ وَهُوَ الْجِيرُ.
قَال عَمِيرَةُ: وَحِكْمَةُ النَّهْيِ التَّزْيِينُ، وَزَادَ إضَاعَةَ الْمَال عَلَى غَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ (32) .
17 - وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى كَرَاهَةِ الْبِنَاءِ عَلَى الْقَبْرِ فِي الْجُمْلَةِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ: نَهَى رَسُول اللَّهِ ﷺ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ (33) .
وَسَوَاءٌ فِي الْبِنَاءِ بِنَاءُ قُبَّةٍ أَمْ بَيْتٌ أَمْ غَيْرُهُمَا.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يَحْرُمُ لَوْ لِلزِّينَةِ، وَيُكْرَهُ لَوْ لِلإِْحْكَامِ بَعْدَ الدَّفْنِ.
وَفِي الإِْمْدَادِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ: وَالْيَوْمَ اعْتَادُوا التَّسْنِيمَ بِاللَّبِنِ صِيَانَةً لِلْقَبْرِ عَنِ النَّبْشِ وَرَأَوْا ذَلِكَ حَسَنًا، وَقَال عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: مَا رَأَى الْمُسْلِمُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ حَسَنٌ.
وَنَصَّ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى حُرْمَةِ الْبِنَاءِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ وَوُجُوبِ هَدْمِهِ.
قَال الْمَالِكِيَّةُ: إلاَّ إذَا كَانَ يَسِيرًا لِلتَّمْيِيزِ. كَمَا صَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِحُرْمَةِ تَحْوِيزِ الْقَبْرِ - بِأَنْ يُبْنَى حَوْلَهُ حِيطَانٌ تُحْدِقُ بِهِ - وَوُجُوبِ هَدْمِ ذَلِكَ فِيمَا إذَا بُوهِيَ بِالْبِنَاءِ، أَوْ صَارَ مَأْوًى لأَِهْل الْفَسَادِ، أَوْ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، قَال الدُّسُوقِيُّ: الْبِنَاءُ عَلَى الْقَبْرِ أَوْ حَوْلَهُ فِي الأَْرَاضِي الثَّلاَثَةِ - وَهِيَ الْمَمْلُوكَةُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ بِإِذْنِ وَالْمَوَاتُ - حَرَامٌ عِنْدَ قَصْدِ الْمُبَاهَاةِ وَجَائِزٌ عِنْدَ قَصْدِ التَّمْيِيزِ وَإِنْ خَلاَ عَنْ ذَلِكَ كُرِهَ.
وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَتَانِ فِي الْبِنَاءِ فِي الْمَقْبَرَةِ الْمُسَبَّلَةِ:
رِوَايَةٌ بِالْكَرَاهَةِ الشَّدِيدَةِ، لأَِنَّهُ تَضْيِيقٌ بِلاَ فَائِدَةٍ وَاسْتِعْمَالٌ لِلْمُسَبَّلَةِ فِيمَا لَمْ تُوضَعْ لَهُ.
وَرِوَايَةٌ بِالْمَنْعِ، صَوَّبَهَا الْبُهُوتِيُّ قَائِلاً: الْمَنْقُول فِي هَذَا مَا سَأَلَهُ أَبُو طَالِبٍ عَمَّنِ اتَّخَذَ حُجْرَةً فِي الْمَقْبَرَةِ، قَال: لاَ يُدْفَنُ فِيهَا، وَالْمُرَادُ لاَ يَخْتَصُّ بِهِ وَهُوَ كَغَيْرِهِ.
وَقَال الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: مَنْ بَنَى مَا يَخْتَصُّ بِهِ فِيهَا فَهُوَ غَاصِبٌ (34) .
وَكَرِهَ أَحْمَدُ الْفُسْطَاطَ وَالْخَيْمَةَ عَلَى الْقَبْرِ، لأَِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ " أَوْصَى حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَنْ لاَ تَضْرِبُوا عَلَيَّ فُسْطَاطًا وَقَال الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ وَرَأَى ابْنُ عُمَرَ فُسْطَاطًا عَلَى قَبْرِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقَال: انْزِعْهُ يَا غُلاَمُ فَإِنَّمَا يُظِلُّهُ عَمَلُهُ (35) .
ط - تَعْلِيمُ الْقَبْرِ وَالْكِتَابَةُ عَلَيْهِ:
18 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَعْلِيمِ الْقَبْرِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى جَوَازِ تَعْلِيمِ الْقَبْرِ بِحَجَرٍ أَوْ خَشَبَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، لِمَا رُوِيَ " أَنَّهُ لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أُخْرِجَ بِجِنَازَتِهِ، فَدُفِنَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ ﷺ رَجُلاً أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ، فَقَامَ إلَيْهَا رَسُول اللَّهِ ﷺ وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعَيْهِ فَحَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ، وَقَال: أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي، وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي (36) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ تَعْلِيمُ الْقَبْرِ بِأَنْ يُوضَعَ عِنْدَ رَأْسِهِ حَجَرٌ أَوْ خَشَبَةٌ وَنَحْوُهُمَا، قَال الْمَاوَرْدِيُّ: وَكَذَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ (37) .
19 - وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ أَيْضًا فِي الْكِتَابَةِ عَلَى الْقَبْرِ، فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى كَرَاهَةِ الْكِتَابَةِ عَلَى الْقَبْرِ مُطْلَقًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَال: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُجَصَّصَ الْقَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ وَأَنْ يُكْتَبَ عَلَيْهِ (38) .
قَال الْمَالِكِيَّةُ: وَإِنْ بُوهِيَ بِهَا حَرُمَ.
وَقَال الدَّرْدِيرُ: النَّقْشُ مَكْرُوهٌ وَلَوْ قُرْآنًا، وَيَنْبَغِي الْحُرْمَةُ لأَِنَّهُ يُؤَدِّي إلَى امْتِهَانِهِ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالسُّبْكِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ إلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالْكِتَابَةِ إنِ احْتِيجَ إلَيْهَا حَتَّى لاَ يَذْهَبَ الأَْثَرُ وَلاَ يُمْتَهَنَ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لأَِنَّ النَّهْيَ عَنْهَا وَإِنْ صَحَّ فَقَدْ وُجِدَ الإِْجْمَاعُ الْعَمَلِيُّ بِهَا، فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَاكِمُ النَّهْيَ عَنْهَا مِنْ طُرُقٍ ثُمَّ قَال هَذِهِ الأَْسَانِيدُ صَحِيحَةٌ وَلَيْسَ الْعَمَل عَلَيْهَا فَإِنَّ أَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْمَشْرِقِ إلَى الْمَغْرِبِ مَكْتُوبٌ عَلَى قُبُورِهِمْ وَهُوَ عَمَلٌ أَخَذَ بِهِ الْخَلَفُ عَنِ السَّلَفِ، وَيُتَقَوَّى بِمَا وَرَدَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ حَمَل حَجَرًا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَقَال: أَتَعَلَّمُ بِهَا قَبْرَ أَخِي، وَأَدْفِنُ إلَيْهِ مَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِي (39) ، فَإِنَّ الْكِتَابَةَ طَرِيقٌ إلَى تَعَرُّفِ الْقَبْرِ بِهَا، نَعَمْ يَظْهَرُ أَنَّ مَحَل هَذَا الإِْجْمَاعِ الْعَمَلِيِّ عَلَى الرُّخْصَةِ فِيهَا مَا إذَا كَانَتِ الْحَاجَةُ دَاعِيَةً إلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ، حَتَّى يُكْرَهَ كِتَابَةُ شَيْءٍ عَلَيْهِ مِنَ الْقُرْآنِ أَوِ الشِّعْرِ أَوْ إطْرَاءُ مَدْحٍ لَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ (40) .
ي - زِيَارَةُ الْقُبُورِ:
20 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ زِيَارَةُ الْقُبُورِ لِلرِّجَال، لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إنِّي كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الآْخِرَةَ (41) .
وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيل أَحْكَامِ الزِّيَارَةِ فِي مُصْطَلَحِ (زِيَارَةُ الْقُبُورِ ف 1) ، كَمَا سَبَقَ تَفْصِيل أَحْكَامِ زِيَارَةِ النَّبِيِّ ﷺ فِي مُصْطَلَحِ (زِيَارَةُ النَّبِيِّ ﷺ ف 2) .
ك - نَبْشُ الْقَبْرِ:
21 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَنْعِ نَبْشِ الْقَبْرِ إلاَّ لِعُذْرٍ وَغَرَضٍ صَحِيحٍ، وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مِنَ الأَْعْذَارِ الَّتِي تُجِيزُ نَبْشَ الْقَبْرِ كَوْنَ الأَْرْضِ مَغْصُوبَةً أَوِ الْكَفَنِ مَغْصُوبًا أَوْ سَقَطَ مَالٌ فِي الْقَبْرِ، وَعِنْدَهُمْ تَفْصِيلٌ فِي هَذِهِ الأَْعْذَارِ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يُعَدُّ عُذْرًا وَغَرَضًا صَحِيحًا سِوَى هَذِهِ الأَْعْذَارِ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِيمَا يَلِي: فَمِنَ الْعُذْرِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَعَلُّقُ حَقِّ الآْدَمِيِّ بِهِ كَأَنْ تَكُونَ الأَْرْضُ مَغْصُوبَةً أَوْ أُخِذَتْ بِشُفْعَةٍ أَوْ سَقَطَ فِي الْقَبْرِ مَتَاعٌ أَوْ كَفَنٌ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ، أَوْ دُفِنَ مَعَهُ مَالٌ، قَالُوا: وَلَوْ كَانَ الْمَال دِرْهَمًا، أَمَّا لَوْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا إذَا دُفِنَ بِلاَ غُسْلٍ أَوْ صَلاَةٍ أَوْ وُضِعَ عَلَى غَيْرِ يَمِينِهِ أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ فَإِنَّهُ لاَ يُنْبَشُ بَعْدَ إهَالَةِ التُّرَابِ (42) .
وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ مِنْ مَنْعِ النَّبْشِ خَمْسَ مَسَائِل:
الأُْولَى: أَنْ يَكُونَ الْكَفَنُ مَغْصُوبًا سَوَاءٌ مِنَ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِ فَيُنْبَشُ إنْ أَبَى رَبُّهُ أَخْذَ قِيمَتِهِ وَلَمْ يَتَغَيَّرِ الْمَيِّتُ.
الثَّانِيَةُ: إذَا دُفِنَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِدُونِ إذْنِهِ، وَعِنْدَهُمْ فِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ. قَال ابْنُ رُشْدٍ: لِلْمَالِكِ إخْرَاجُهُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ طَال الزَّمَنُ أَمْ لاَ.
وَقَال اللَّخْمِيُّ: لَهُ إخْرَاجُهُ إنْ كَانَ بِالْفَوْرِ، وَأَمَّا مَعَ الطُّول فَلَيْسَ لَهُ إخْرَاجُهُ وَجُبِرَ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ.
وَقَال ابْنُ أَبِي زَيْدٍ: إنْ كَانَ بِالْقُرْبِ فَلَهُ إخْرَاجُهُ، وَإِنْ طَال فَلَهُ الاِنْتِفَاعُ بِظَاهِرِ الأَْرْضِ وَلاَ يُخْرِجُهُ. الثَّالِثَةُ: إنْ نُسِيَ مَعَهُ مَالٌ لِغَيْرِهِ وَلَوْ قَل، أَوْ لَهُ وَشَحَّ الْوَارِثُ وَكَانَ لَهُ بَالٌ إنْ لَمْ يَتَغَيَّرِ الْمَيِّتُ، وَإِلاَّ أُجْبِرَ غَيْرُ الْوَارِثِ عَلَى أَخْذِ الْقِيمَةِ أَوِ الْمِثْل وَلاَ شَيْءَ لِلْوَارِثِ.
الرَّابِعَةُ: عِنْدَ الضَّرُورَةِ فِي دَفْنِ غَيْرِهِ فَيُنْبَشُ.
الْخَامِسَةُ: عِنْدَ إرَادَةِ نَقْلِهِ عِنْدَ تَوَافُرِ شُرُوطِ النَّقْل (43) .
وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ النَّبْشَ لِلضَّرُورَةِ فَقَطْ، وَمِنَ الضَّرُورَةِ عِنْدَهُمْ: لَوْ دُفِنَ بِلاَ غُسْلٍ فَيَجِبُ نَبْشُهُ تَدَارُكًا لِغُسْلِهِ الْوَاجِبِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ.
قَال النَّوَوِيُّ: وَلِلصَّلاَةِ عَلَيْهِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ وَخُشِيَ فَسَادُهُ لَمْ يَجُزْ نَبْشُهُ لِمَا فِيهِ مِنَ انْتِهَاكِ حُرْمَتِهِ.
وَلَوْ دُفِنَ فِي أَرْضٍ أَوْ ثَوْبٍ مَغْصُوبَيْنِ، فَيَجِبُ نَبْشُهُ وَإِنْ تَغَيَّرَ لِيُرَدَّ كُلٌّ عَلَى صَاحِبِهِ إذَا لَمْ يَرْضَ بِبَقَائِهِ، وَفِي الثَّوْبِ وَجْهٌ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ النَّبْشُ لِرَدِّهِ لأَِنَّهُ كَالتَّالِفِ فَيُعْطَى صَاحِبُهُ قِيمَتَهُ.
وَلَوْ وَقَعَ فِي الْقَبْرِ مَالٌ فَيَجِبُ نَبْشُهُ لأَِخْذِهِ، قَال النَّوَوِيُّ: هَكَذَا أَطْلَقَهُ أَصْحَابُنَا، وَقَيَّدَ أَبُو إسْحَاقَ الشِّيرَازِيُّ الْوُجُوبَ بِالطَّلَبِ فَعِنْدَ عَدَمِ الطَّلَبِ يَجُوزُ وَلاَ يَجِبُ، قَال الْقَلْيُوبِيُّ: وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَوْ بَلَعَ مَال نَفْسِهِ حَرُمَ نَبْشُهُ وَشَقُّ جَوْفِهِ لإِِخْرَاجِهِ وَلَوْ أَكْثَرَ مِنَ الثُّلُثِ وَلَوْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، أَوْ مَال غَيْرِهِ فَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَطْلُبْهُ صَاحِبُهُ أَوْ ضَمِنُوهُ لِصَاحِبِهِ وَإِلاَّ وَجَبَ.
وَلَوْ دُفِنَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ فَيَجِبُ نَبْشُهُ وَتَوْجِيهُهُ لِلْقِبْلَةِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ.
وَلَوْ دُفِنَتِ امْرَأَةٌ حَامِلٌ رُجِيَ حَيَاةُ جَنِينِهَا فَتُنْبَشُ وَيُشَقُّ جَوْفُهَا.
وَلَوْ دُفِنَ فِي مَسْجِدٍ فَيُنْبَشُ مُطْلَقًا وَيُخْرَجُ مِنْهُ (44) .
وَأَجَازَ الْحَنَابِلَةُ نَبْشَ الْقَبْرِ لِتَدَارُكِ الْوَاجِبِ وَلِلْغَرَضِ الصَّحِيحِ.
فَمِنَ النَّبْشِ لِتَدَارُكِ الْوَاجِبِ مَا لَوْ دُفِنَ قَبْل الْغُسْل فَيَلْزَمُ نَبْشُهُ وَيُغَسَّل تَدَارُكًا لِوَاجِبِ الْغُسْل، مَا لَمْ يُخَفْ تَفَسُّخُهُ أَوْ تَغَيُّرُهُ.
وَلَوْ دُفِنَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَيْضًا يُنْبَشُ وَيُوَجَّهُ إلَيْهَا تَدَارُكًا لِذَلِكَ الْوَاجِبِ.
وَلَوْ دُفِنَ قَبْل الصَّلاَةِ عَلَيْهِ يُنْبَشُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، لِيُوجَدَ شَرْطُ الصَّلاَةِ وَهُوَ عَدَمُ الْحَائِل، وَقَال ابْنُ شِهَابٍ وَالْقَاضِي: لاَ يُنْبَشُ وَيُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ لإِِمْكَانِهَا عَلَيْهِ.
وَلَوْ دُفِنَ قَبْل تَكْفِينِهِ يُخْرَجُ وَيُكَفَّنُ، لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَضْرَمِيِّ أَنَّ رِجَالاً قَبَرُوا صَاحِبًا لَهُمْ لَمْ يُغَسِّلُوهُ، وَلَمْ يَجِدُوا لَهُ كَفَنًا، ثُمَّ لَقُوا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فَأَخْبَرُوهُ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُخْرِجُوهُ مِنْ قَبْرِهِ ثُمَّ غُسِّل وَكُفِّنَ وَحُنِّطَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ، وَلَوْ كُفِّنَ بِحَرِيرٍ هَل يُنْبَشُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ: قَال فِي الإِْنْصَافِ: الأَْوْلَى عَدَمُ نَبْشِهِ احْتِرَامًا لَهُ.
وَمِنَ النَّبْشِ لِلْغَرَضِ الصَّحِيحِ تَحْسِينُ الْكَفَنِ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَال: أَتَى النَّبِيَّ ﷺ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُول بَعْدَمَا أُدْخِل حُفْرَتَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ فَوَضَعَهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَنَفَثَ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ (45) ، وَدَفَنَهُ فِي بُقْعَةٍ خَيْرٍ مِنْ بُقْعَتِهِ الَّتِي دُفِنَ فِيهَا فَيَجُوزُ نَبْشُهُ لِذَلِكَ وَلِمُجَاوَرَةِ صَالِحٍ لِتَعُودَ عَلَيْهِ بَرَكَتُهُ وَكَإِفْرَادِهِ فِي قَبْرٍ عَمَّنْ دُفِنَ مَعَهُ، لِقَوْل جَابِرٍ: دُفِنَ مَعَ أَبِي رَجُلٌ فَلَمْ تَطِبْ نَفْسِي حَتَّى أَخْرَجْتُهُ، فَجَعَلْتُهُ فِي قَبْرٍ عَلَى حِدَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ كَانَ أَبِي أَوَّل قَتِيلٍ، يَعْنِي يَوْمَ أُحُدٍ، وَدُفِنَ مَعَهُ آخَرُ فِي قَبْرٍ، ثُمَّ لَمْ تَطِبْ نَفْسِي أَنْ أَتْرُكَهُ مَعَ الآْخَرِ، فَاسْتَخْرَجْتُهُ بَعْد سِتَّةِ أَشْهُرٍ، فَإِذَا هُوَ كَيَوْمِ وَضَعْتُهُ هُنَيَّةً غَيْرَ أُذُنِهِ (46) .
وَلَوْ دُفِنَ فِي مَسْجِدٍ وَنَحْوِهِ كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ فَيُنْبَشُ وَيُخْرَجُ تَدَارُكًا لِلْعَمَل بِشَرْطِ الْوَاقِفِ لِتَعْيِينِ الْوَاقِفِ الْجِهَةَ لِغَيْرِ ذَلِكَ.
وَإِنْ دُفِنَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ بِلاَ إذْنِ رَبِّهِ، فَلِلْمَالِكِ إلْزَامُ دَافِنِهِ بِنَقْلِهِ لِيَفْرُغَ لَهُ مِلْكُهُ عَمَّا شَغَلَهُ بِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، قَالُوا: وَالأَْوْلَى لِلْمَالِكِ تَرْكُهُ حَتَّى يَبْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ هَتْكِ حُرْمَتِهِ.
وَإِنْ وَقَعَ فِي الْقَبْرِ مَا لَهُ قِيمَةٌ عُرْفًا أَوْ رَمَاهُ رَبُّهُ فِيهِ نُبِشَ وَأُخِذَ ذَلِكَ مِنْهُ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ وَضَعَ خَاتَمَهُ فِي قَبْرِ النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ قَال خَاتَمِي، فَدَخَل وَأَخَذَهُ، وَكَانَ يَقُول: أَنَا أَقْرَبُكُمْ عَهْدًا بِرَسُول اللَّهِ ﷺ (47) ، قَال أَحْمَدُ: إذَا نَسِيَ الْحَفَّارُ مِسْحَاتَهُ فِي الْقَبْرِ جَازَ أَنْ يُنْبَشَ.
وَإِنْ كُفِّنَ بِثَوْبٍ غُصِبَ وَطَلَبَهُ رَبُّهُ لَمْ يُنْبَشْ وَغَرِمَ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ، لإِِمْكَانِ دَفْعِ الضَّرَرِ مَعَ عَدَمِ هَتْكِ حُرْمَتِهِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْغُرْمُ لِعَدَمِ تَرِكَةٍ نُبِشَ الْقَبْرُ وَأُخِذَ الْكَفَنُ إنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ وَارِثٌ أَوْ غَيْرُهُ بِبَذْل قِيمَةِ الْكَفَنِ وَإِنْ بَلَعَ مَال غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَكَانَ مِمَّا تَبْقَى مَالِيَّتُهُ كَخَاتَمٍ وَطَلَبَهُ رَبُّهُ لَمْ يُنْبَشْ وَغَرِمَ ذَلِكَ مِنْ تَرِكَتِهِ صَوْنًا لِحُرْمَتِهِ مَعَ عَدَمِ الضَّرَرِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الْغُرْمُ نُبِشَ الْقَبْرُ وَشُقَّ جَوْفُهُ إنْ لَمْ يَتَبَرَّعْ وَارِثٌ أَوْ غَيْرُهُ بِبَذْل قِيمَةِ الْمَال لِرَبِّهِ وَإِلاَّ فَلاَ يُنْبَشُ، وَإِنْ بَلَعَ مَال الْغَيْرِ بِإِذْنِ رَبِّهِ أُخِذَ إذَا بَلِيَ الْمَيِّتُ، لأَِنَّ مَالِكَهُ هُوَ الْمُسَلِّطُ لَهُ عَلَى مَالِهِ بِالإِْذْنِ لَهُ، وَلاَ يُعْرَضُ لِلْمَيِّتِ قَبْل أَنْ يَبْلَى.
وَإِنْ بَلَعَ مَال نَفْسِهِ لَمْ يُنْبَشْ قَبْل أَنْ يَبْلَى، لأَِنَّ ذَلِكَ اسْتِهْلاَكٌ لِمَال نَفْسِهِ فِي حَيَاتِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَتْلَفَهُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَيُنْبَشُ وَيُشَقُّ جَوْفُهُ فَيُخْرَجُ وَيُوَفَّى دَيْنُهُ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمُبَادَرَةِ إلَى تَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ مِنَ الدَّيْنِ (48) .
ل - قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ:
22 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى أَنَّهُ لاَ تُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَلَى الْقَبْرِ بَل تُسْتَحَبُّ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ مَرْفُوعًا قَال: مَنْ دَخَل الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ فِيهَا يس خَفَّفَ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ، وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِهِمْ حَسَنَاتٌ (49) ، وَصَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَوْصَى إذَا دُفِنَ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَهُ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَخَاتِمَتِهَا.
قَال الشَّافِعِيَّةُ: يَقْرَأُ شَيْئًا مِنَ الْقُرْآنِ.
قَال الْقَلْيُوبِيُّ: وَمِمَّا وَرَدَ عَنِ السَّلَفِ أَنَّهُ مَنْ قَرَأَ سُورَةَ الإِْخْلاَصِ إحْدَى عَشْرَةَ مَرَّةً وَأَهْدَى ثَوَابَهَا إلَى الْجَبَّانَةِ غُفِرَ لَهُ ذُنُوبٌ بِعَدَدِ الْمَوْتَى فِيهَا.
وَرَوَى السَّلَفُ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّهُ يُعْطَى لَهُ مِنَ الأَْجْرِ بِعَدَدِ الأَْمْوَاتِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ نَقْلاً عَنْ شَرْحِ اللُّبَابِ: وَيَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا تَيَسَّرَ لَهُ مِنَ الْفَاتِحَةِ وَأَوَّل الْبَقَرَةِ إلَى الْمُفْلِحُونَ وَآيَةِ الْكُرْسِيِّ، وَآمَنَ الرَّسُول، وَسُورَةِ يس، وَتَبَارَكَ الْمُلْكِ، وَسُورَةِ التَّكَاثُرِ وَالإِْخْلاَصِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ مَرَّةً أَوْ إحْدَى عَشْرَةَ أَوْ سَبْعًا أَوْ ثَلاَثًا.
وَقَال الْبُهُوتِيُّ: قَال السَّامِرِيُّ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُقْرَأَ عِنْدَ رَأْسِ الْقَبْرِ بِفَاتِحَةِ الْبَقَرَةِ وَعِنْدَ رِجْلَيْهِ بِخَاتِمَتِهَا.
وَصَرَّحَ الْحَصْكَفِيُّ بِأَنَّهُ لاَ يُكْرَهُ إجْلاَسُ الْقَارِئِينَ عِنْدَ الْقَبْرِ، قَال: وَهُوَ الْمُخْتَارُ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ: إلَى كَرَاهَةِ الْقِرَاءَةِ عَلَى الْقَبْرِ، لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَمَل السَّلَفِ، قَال الدَّرْدِيرُ: الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالذِّكْرِ وَجَعْل ثَوَابِهِ لِلْمَيِّتِ وَيَحْصُل لَهُ الأَْجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
لَكِنْ رَجَّحَ الدُّسُوقِيُّ الْكَرَاهَةَ مُطْلَقًا (50) . م - الصَّلاَةُ عَلَى الْقَبْرِ:
23 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى جَوَازِ الصَّلاَةِ عَلَى قَبْرِ الْمَيِّتِ فِي الْجُمْلَةِ، عَلَى تَفْصِيلٍ وَخِلاَفٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (جَنَائِزُ ف 37) .
ن - تَقْبِيل الْقَبْرِ وَاسْتِلاَمُهُ:
24 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ تَقْبِيل الْقَبْرِ وَاسْتِلاَمِهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إلَى مَنْعِ ذَلِكَ وَعَدُّوهُ مِنَ الْبِدَعِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إلَى الْكَرَاهَةِ.
قَال الشَّافِعِيَّةُ: إنْ قُصِدَ بِتَقْبِيل الأَْضْرِحَةِ التَّبَرُّكُ لَمْ يُكْرَهْ.
وَقَال الْبُهُوتِيُّ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ الْبِدَعِ (51) .
__________
(1) لسان العرب، وتهذيب الأسماء واللغات، والمغرب.
(2) حديث: " نهى أن توطأ القبور ". أخرجه الترمذي (3 / 359) من حديث جابر بن عبد الله، وقال: حديث حسن صحيح.
(3) حديث: " لا تجلسوا على القبور ولا تصلوا إليها " أخرجه مسلم (2 / 668) .
(4) حديث: " لأن يجلس أحدكم على جمرة. . . ". أخرجه مسلم (2 / 667) .
(5) حديث عمارة بن حزم " رآني رسول الله ﷺ جالسًا على قبر. . . ". أورده الهيثمي في مجمع الزوائد (3 / 61) وقال:، رواه الطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة وفيه كلام وقد وثق.
(6) حديث: " لأن أمشي على جمرة أو سيف. . . ". أخرجه ابن ماجه (1 / 499) وجود إسناده المنذري في الترغيب (4 / 280) .
(7) حاشية ابن عابدين 1 / 606، وحاشية الدسوقي 1 / 428، وروضة الطالبين 2 / 139، والقليوبي وعميرة 1 / 342، وكشاف القناع 2 / 140.
(8) حاشية ابن عابدين 1 / 599، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 429، وروضة الطالبين 2 / 132، وكشاف القناع 2 / 134.
(9) روضة الطالبين 2 / 132، وكشاف القناع 2 / 134.
(10) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 419، 429، وحاشية العدوي على الخرشي 2 / 130، 145.
(11) حديث: " احفروا وأعمقوا وأحسنوا ". أخرجه النسائي (4 / 81) من حديث هشام بن عامر، وأخرجه الترمذي (4 / 213) بلفظ مقارب وقال: " حديث حسن صحيح ".
(12) كشاف القناع 2 / 133، والإنصاف 2 / 545، والمغني 2 / 497.
(13) حاشية ابن عابدين 1 / 599، والفتاوى الهندية 1 / 166.
(14) حديث: " اللحد لنا والشق لغيرنا ". أخرجه الترمذي (3 / 354) من حديث ابن عباس، وقال: حديث حسن صحيح.
(15) أثر سعد بن أبي وقاص " أنه قال في مرض موته. . . ". أخرجه مسلم (2 / 665) .
(16) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 599، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 419، والفتاوى الهندية 1 / 165، وروضة الطالبين 2 / 133، وكشاف القناع 2 / 133.
(17) حديث: " ادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد ". أخرجه الترمذي (4 / 213) من حديث هشام بن عامر، وقال: " حديث حسن صحيح ".
(18) الاختيار لتعليل المختار 1 / 96، وحاشية ابن عابدين 1 / 598، وحاشية الدسوقي 1 / 422، والقليوبي وعميرة 1 / 341، 342، وكشاف القناع 2 / 143.
(19) حديث سفيان التمار أنه رأى قبر النبي ﷺ مُسنَّمًا. أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 255) .
(20) حديث جابر: " أن النبي ﷺ رفع قبره عن الأرض قدر شبر ". أخرجه البيهقي (3 / 410) ورجح إرساله.
(21) حديث القاسم بن محمد: " دخلت على عائشة. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 539) . والحاكم (1 / 369) وصححه ووافقه الذهبي. والمشرفة: المرتفعة غاية الارتفاع، واللاطئة: المستوية على وجه الأرض، والمبطوحة: المسواة المبسوطة على الأرض، قاله ابن الملك: (عون المعبود 9 / 39 نشر دار الفكر) .
(22) حديث أبي الهياج عن علي أنه قال له: " ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ. . . ". أخرجه مسلم (2 / 666) .
(23) حاشية ابن عابدين 1 / 601، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 418، وحاشية العدوي على الخرشي 2 / 129، وروضة الطالبين 2 / 136، 137، والقليوبي وعميرة على شرح المحلي 1 / 341، وكشاف القناع 2 / 138.
(24) المصادر السابقة.
(25) حديث: " أن رسول الله ﷺ رش على قبر سعد بن معاذ ". أخرجه ابن ماجه (1 / 495) ، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (1 / 274) .
(26) حديث: " أن النبي ﷺ أمر برش قبر عثمان بن مظعون ". أخرجه البزار، (كشف الأستار 1 / 397) ، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3 / 45) : " رجاله موثقون إلا أن شيخ البزار محمد بن عبد الله لم أعرفه ".
(27) حديث: " أن النبي ﷺ رش على قبر ابنه إبراهيم ". أخرجه الهيثمي (3 / 411) معضلاً.
(28) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 601، وحاشية القليوبي وعميرة على المحلى 1 / 351، وروضة الطالبين 2 / 136، وكشاف القناع 2 / 138.
(29) حديث القاسم بن محمد تقدم تخريجه ف12.
(30) حاشية ابن عابدين 1 / 601، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 424، وحاشية القليوبي 1 / 350، وروضة الطالبين 2 / 136، وكشاف القناع 2 / 138.
(31) حديث جابر: " نهى رسول الله ﷺ أن يجصص القبر. . . ". أخرجه مسلم (2 / 667) .
(32) حاشية ابن عابدين 1 / 601، وحاشية الدسوقي 1 / 424، وحاشية القليوبي وعميرة 1 / 350، وكشاف القناع 2 / 140.
(33) حديث جابر تقدم تخريجه ف16.
(34) حاشية ابن عابدين 1 / 601، وحاشية الدسوقي 1 / 424، 425، وحاشية القليوبي 1 / 350، وكشاف القناع 2 / 139، والإنصاف 2 / 549 - 550.
(35) كشاف القناع 2 / 139.
(36) حديث: " لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته. . . ". أخرجه أبو داود (3 / 543) ، وحسنه ابن حجر في التلخيص (2 / 133) .
(37) حاشية ابن عابدين 1 / 601، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 425، وروضة الطالبين 2 / 136، وحاشية القليوبي على شرح المحلي 1 / 351، وكشاف القناع 2 / 138، 139.
(38) حديث جابر: " نهى النبي ﷺ أن يجصص القبر. . . ". أخرجه مسلم (2 / 667) دون قوله: " وأن يكتب عليه "، فهو عند الترمذي (3 / 359) .
(39) حديث: " أن رسول الله ﷺ " حمل حجرًا فوضعها على رأس عثمان ابن مظعون. . . ". تقدم تخريجه ف 18.
(40) حاشية ابن عابدين 1 / 601 - 602، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 425، وحاشية القليوبي وعميرة على المحلي 1 / 350، وروضة الطالبين 2 / 136، وكشاف القناع 2 / 140.
(41) حديث: " إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور. . . ". أخرجه مسلم (2 / 672) ، وأحمد (5 / 354) من حديث بريدة إلا أن مسلمًا ليس في روايته: فزوروها. . . الخ.
(42) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 602، وفتح القدير 1 / 472 ط الأميرية 1315هـ.
(43) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 428، والخرشي على مختصر خليل 2 / 144 - 145.
(44) القليوبي وعميرة 1 / 352.
(45) حديث جابر: " أتى النبي ﷺ عبد الله بن أبي سلول. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 214) ومسلم (4 / 2140) .
(46) قوله: " دفن مع أبي رجل، فلم تطب نفسي. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 3 / 214، 215) بروايتيه.
(47) حديث: " أن المغيرة بن شعبة وضع خاتمه في قبر النبي ﷺ. . . ". أخرجه ابن سعد في الطبقات (2 / 302) ، وقال الذهبي في تاريخ الإسلام (قسم السيرة - ص582) هذا حديث منقطع.
(48) كشاف القناع 2 / 86، 87، 145.
(49) حديث أنس: " من دخل المقابر فقرأ فيها. . . ". أورده الزبيدي في إتحاف المتقين (10 / 373) وعزاه إلى عبد العزيز صاحب الخلال.
(50) حاشية ابن عابدين على الدر المختار 1 / 605، 607، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 423، والقليوبي وعميرة على شرح المحلي 1 / 351، وكشاف القناع 2 / 147.
(51) بريقة محمودية في شرح طريقة محمدية 1 / 267 ط مصطفى الحلبي 1348هـ، المدخل لابن الحاج 1 / 256 ط مصطفى الحلبي 1960م، وحاشية الجمل على شرح المنهج 2 / 206، وكشاف القناع 2 / 140.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 245/ 32