المجيد
كلمة (المجيد) في اللغة صيغة مبالغة من المجد، ومعناه لغةً: كرم...
القَرْيَةُ: كُلُّ مَكانٍ اتَّصَلَتْ بِهِ الأَبْنِيَةُ واتُّخِذَ لِلْإِقامَةِ، وتُطْلَقُ على سُكّانِ المِصْرِ، وأَصْلُها مِن القَرْيِ، وهو: الجَمْعُ، يُقال: قَرَيْتُ الماءَ في الحَوْضِ، أيْ: جَمَعْتُهُ، ومنه سُمِّيَتْ قَرْيَةً؛ لِاجتِماعِ النّاسِ فيها، والقَرْيَةُ أيضاً: المَدِينَةُ. والجَمْعُ: قُرىً.
يَرِد مُصْطلَح (قَرْيَة) في مَواطِن، منها: كتاب الصَّلاةِ، باب: صَلاة الجَماعَةِ، وكتاب الوَقْفِ، باب: شُروط الوَقْفِ، وكتاب الوَصِيَّةِ، وكتاب إِحْياءِ المواتِ، وغَيْر ذلك من الأبواب.
قرا
كُلُّ مَكانٍ اتَّصَلَت به الأبْنِيَةُ واتَّخَذَه النّاسُ قَراراً لهم ومَسْكَناً.
القَرْيَةُ: مَكانٌ يَتَجَمَّعُ فيه مَجْموعَةٌ مِن النَّاسِ ويَسْتَقِرُّونَ فيه، ويُكَوِّنونَ فيه مُجْتَمَعاً خاصّاً بِهِم؛ وفي العُرف لا يكون على أهل القريةِ والِياً وإِنّما يكونون تابِعينَ لِمَدِينَةٍ مُعَيَّنَةٍ، وسُكّانُها غالِباً مِنْ عَشِيرَةٍ أو قَبِيلَةٍ واحِدَةٍ، وقد يكونون مِنْ قَبائِلَ، وتَقِلُّ القَرْيَةُ عن المَدِينَةِ والمِصْرِ والبَلَدِ في حَجْمِ المَكانِ وعَدَدِ السُّكّانِ والمَرافِقِ العامَّةِ.
القَرْيَةُ: كُلُّ مَكانٍ اتَّصَلَتْ بِهِ الأَبْنِيَةُ واتُّخِذَ لِلْإِقامَةِ. وتُطْلَقُ على سُكّانِ المِصْرِ. وأَصْلُها مِن القَرْيِ، وهو: الجَمْعُ، يُقال: قَرَيْتُ الماءَ في الحَوْضِ، أيْ: جَمَعْتُهُ.
* بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع : (1/259)
* شرح مختصر خليل للخرشي : (2/76)
* الكليات : (ص 735)
* المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : (2/500)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 361)
* التعريفات الفقهية : (ص 173)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (3/86)
* العين : (5/203)
* تهذيب اللغة : (9/208)
* مقاييس اللغة : (5/78)
* المحكم والمحيط الأعظم : (6/496)
* تاج العروس : (39/282) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْقَرْيَةُ فِي اللُّغَةِ: كُل مَكَانٍ اتَّصَلَتْ بِهِ الأَْبْنِيَةُ وَاتُّخِذَ قَرَارًا.
وَتُطْلَقُ الْقَرْيَةُ عَلَى الْمُدُنِ وَغَيْرِهَا، وَالْقَرْيَتَانِ الْمَذْكُورَتَانِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّل هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} (1) هُمَا مَكَّةُ الْمُكَرَّمَةُ شَرَّفَهَا اللَّهُ وَالطَّائِفُ، كَمَا تُطْلَقُ عَلَى الْمَسَاكِنِ وَالأَْبْنِيَةِ وَالضِّيَاعِ (2) .
وَاصْطِلاَحًا: عَرَّفَهَا الْقَلْيُوبِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ بِأَنَّهَا الْعِمَارَةُ الْمُجْتَمِعَةُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ وَلاَ شُرْطِيٌّ وَلاَ أَسْوَاقٌ لِلْمُعَامَلَةِ (3) .
وَعَرَّفَهَا الْكَاسَانِيُّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ بِأَنَّهَا الْبَلْدَةُ الْعَظِيمَةُ إِلاَّ أَنَّهَا دُونَ الْمِصْرِ (4) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْمِصْرُ:
2 - الْمِصْرُ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ لِكُل بَلَدٍ مَحْصُورٍ أَيْ مَحْدُودٍ تُقَامُ فِيهَا الدُّورُ وَالأَْسْوَاقُ وَالْمَدَارِسُ وَغَيْرُهَا مِنَ الْمَرَافِقِ الْعَامَّةِ، وَيُقْسَمُ فِيهَا الْفَيْءُ وَالصَّدَقَاتُ.
وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهَا الاِصْطِلاَحِيِّ، فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀: أَنَّ الْمِصْرَ بَلْدَةٌ كَبِيرَةٌ فِيهَا سَكٌّ وَأَسْوَاقٌ، وَلَهَا رَسَاتِيقُ وَفِيهَا وَالٍ يَقْدِرُ عَلَى إِنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنَ الظَّالِمِ بِحَشَمِهِ وَعِلْمِهِ أَوْ عِلْمِ غَيْرِهِ، وَالنَّاسُ يَرْجِعُونَ فِي الْحَوَادِثِ إِلَيْهِ.
قَال الْكَرْخِيُّ: إِنَّ الْمِصْرَ الْجَامِعَ مَا أُقِيمَتْ فِيهِ الْحُدُودُ وَنُفِّذَتْ فِيهِ الأَْحْكَامُ.
وَقَال الْقَلْيُوبِيُّ: الْمِصْرُ الْعِمَارَةُ الْمُجْتَمِعَةُ الَّذِي فِيهِ حَاكِمٌ شَرْعِيٌّ وَشُرْطِيٌّ وَأَسْوَاقٌ لِلْمُعَامَلاَتِ.
وَالْمِصْرُ أَعْظَمُ مِنَ الْقَرْيَةِ (5) .
ب - الْبَلَدُ:
3 - الْبَلَدُ فِي اللُّغَةِ: اسْمٌ لِلْمَكَانِ الْمُخْتَطِّ الْمَحْدُودِ الْمُتَأَنَّسِ بِاجْتِمَاعِ قُطَّانِهِ وَإِقَامَتِهِمْ فِيهِ، وَيَسْتَوْطِنُ فِيهِ جَمَاعَاتٌ وَيُسَمَّى الْمَكَانُ الْوَاسِعُ مِنَ الأَْرْضِ بَلَدًا.
وَالْبَلَدُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَرْيَةِ (6) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْقَرْيَةِ:
أ - فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ:
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى أَهْل الْقُرَى فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ تَجِبُ الْجُمُعَةُ عَلَى أَهْل الْقُرَى الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ تَوَابِعِ الْمِصْرِ، وَلاَ يَصِحُّ أَدَاءُ الْجُمُعَةِ فِيهَا لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ جُمُعَةَ وَلاَ تَشْرِيقَ وَلاَ فِطْرَ وَلاَ أَضْحَى إِلاَّ فِي مِصْرٍ جَامِعٍ (7) ، وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁: لاَ جُمُعَةَ وَلاَ تَشْرِيقَ إِلاَّ فِي مِصْرٍ جَامِعٍ (8) ، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُقِيمُ الْجُمُعَةَ فِي الْمَدِينَةِ وَمَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ أَقَامَهَا فِي الْقُرَى الَّتِي حَوْلَهَا، وَكَذَا الصَّحَابَةُ ﵃ فَتَحُوا الْبِلاَدَ وَمَا نَصَبُوا الْمَنَابِرَ إِلاَّ فِي الأَْمْصَارِ، وَلأَِنَّ الظُّهْرَ فَرِيضَةٌ فَلاَ يُتْرَكُ إِلاَّ بِنَصٍّ قَاطِعٍ وَالنَّصُّ وَرَدَ بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ إِلاَّ فِي الأَْمْصَارِ وَلِهَذَا لاَ تُؤَدَّى الْجُمُعَةُ فِي الْبَرَارِيِّ؛ وَلأَِنَّ الْجُمُعَةَ مِنْ أَعْظَمِ الشَّعَائِرِ فَتَخْتَصُّ بِمَكَانِ إِظْهَارِ الشَّعَائِرِ وَهُوَ الْمِصْرُ (9) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى أَهْل الْقَرْيَةِ بِشَرْطِ أَنْ يُوجَدَ فِيهَا عَدَدٌ تَتَقَرَّى بِهِمُ الْقَرْيَةُ مِنْ أَهْل الْجُمُعَةِ، يُمْكِنُهُمُ الإِْقَامَةُ آمَنِينَ مُسْتَغْنِينَ عَنْ غَيْرِهِمْ فِي الدِّفَاعِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَعَنْ قَرْيَتِهِمْ، وَلَمْ يُحَدِّدُوا ذَلِكَ بِعَدَدٍ مُعَيَّنٍ بَل قَالُوا: إِنَّ ذَلِكَ الْعَدَدَ يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْجِهَاتِ وَالأَْوْطَانِ فِي كَثْرَةِ الأَْمْنِ وَالْخَوْفِ، فَفِي الْجِهَاتِ الآْمِنَةِ تَتَقَرَّى الْقَرْيَةُ بِالنَّفَرِ الْيَسِيرِ بِخِلاَفِ غَيْرِهَا مِمَّا يُتَوَقَّعُ فِيهِ الْخَوْفُ، إِلاَّ أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا فِي الْمَذْهَبِ عَلَى أَنَّهَا لاَ تَجِبُ عَلَى الثَّلاَثَةِ وَالأَْرْبَعَةِ وَعَلَى أَنَّهَا تَنْعَقِدُ بِمَا دُونَ الأَْرْبَعِينَ، قَال الْمَوَّاقُ بَعْدَمَا اسْتَعْرَضَ أَقْوَال عُلَمَاءِ الْمَالِكِيَّةِ فِي عَدَدِ الَّذِينَ تَتَقَرَّى بِهِمُ الْقَرْيَةُ: وَقَدْ حَصَل مِنْ هَذَا صِحَّةُ مَا صَدَرَتْ مِنِّي بِهَا فُتْيَا وَهِيَ: أَنَّ مِنْ شَرْطِ إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ أَنْ تَكُونَ الْقَرْيَةُ بِهَا ثَلاَثُونَ رَجُلاً فَإِنْ حَضَرُوا فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَإِلاَّ صَلَّوْا ظُهْرًا فَإِنْ صَلَّوْا جُمُعَةً أَجْزَأَتْهُمْ، إِنْ كَانُوا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً فَأَكْثَرَ، فَأَجَزْتُ الصَّلاَةَ مُرَاعَاةً لِقَوْل ابْنِ الْعَرَبِيِّ وَغَيْرِهِ - فِي هَذَا الْمَجَال (10) -.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَهْل الْقَرْيَةِ إِنْ كَانَ فِيهِمْ جَمْعٌ تَصِحُّ بِهِ الْجُمُعَةُ وَجَبَتْ عَلَيْهِمُ الْجُمُعَةُ لأَِنَّ الْقَرْيَةَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْمَدِينَةِ، وَكَذَا إِنْ بَلَغَهُمْ صَوْتٌ مِنْ مُؤَذِّنٍ يُؤَذِّنُ فِي الْبَلْدَةِ الْمُجَاوِرَةِ بِصُورَةٍ عَادِيَّةٍ فِي الأَْوْقَاتِ الْهَادِئَةِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْجُمُعَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ (11) .
وَلَوْ سَمِعَ أَهْل الْقَرْيَةِ النِّدَاءَ مِنْ بَلَدَيْنِ مُجَاوِرَيْنِ فَعَلَيْهِمْ حُضُورُ الأَْكْثَرِ جَمَاعَةً فَإِنِ اسْتَوَيَا فَمُرَاعَاةُ الأَْقْرَبِ أَوْلَى كَنَظِيرِهِ فِي الْجَمَاعَةِ، وَقِيل: الأَْوْلَى مُرَاعَاةُ الأَْبْعَدِ لِكَثْرَةِ الأَْجْرِ بِسَبَبِ الْمَشْيِ الزَّائِدِ.
أَمَّا إِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْقَرْيَةِ الْجَمْعُ الْمَذْكُورُ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ نِدَاءُ الأَْذَانِ مِنْ بَلَدٍ مُجَاوِرٍ فَلاَ جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ، قَالُوا: حَتَّى لَوْ كَانَتْ قَرْيَتَانِ أَوْ قُرًى مُتَقَارِبَةٌ يَبْلُغُ بَعْضَهَا نِدَاءُ بَعْضٍ، وَكُل وَاحِدَةٍ مِنْهَا يَنْقُصُ أَهْلُهَا عَنْ أَرْبَعِينَ لَمْ تَجِبِ الْجُمُعَةُ عَلَيْهِمْ وَلَمْ تَصِحَّ مِنْهُمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ فِي إِحْدَى قُرَاهُمْ؛ لأَِنَّهُمْ غَيْرُ مُتَوَطِّنِينَ فِي مَحَل الْجُمُعَةِ (12) .
أَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَذَهَبُوا إِلَى أَنَّ أَهْل الْقَرْيَةِ لاَ يَخْلُونَ مِنْ حَالَيْنِ: إِمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ أَوْ لاَ؟ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِ أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمُ السَّعْيُ إِلَى الْمِصْرِ، وَحَالُهُمْ مُعْتَبَرٌ بِأَنْفُسِهِمْ فَإِنْ كَانُوا أَرْبَعِينَ وَاجْتَمَعَتْ فِيهِمْ شَرَائِطُ الْجُمُعَةِ، فَعَلَيْهِمْ إِقَامَةُ الْجُمُعَةِ وَهُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ السَّعْيِ إِلَى الْمِصْرِ وَبَيْنَ إِقَامَتِهَا فِي قَرْيَتِهِمْ، وَالأَْفْضَل إِقَامَتُهَا فِي قَرْيَتِهِمْ لأَِنَّهُ إِذَا سَعَى بَعْضُهُمْ أَخَل عَلَى الْبَاقِينَ الْجُمُعَةَ، وَإِذَا أَقَامُوهَا فِي قَرْيَتِهِمْ حَضَرَهَا جَمِيعُهُمْ؛ وَلأَِنَّ إِقَامَتَهَا بِمَوْضِعِهِمْ تَكْثِيرٌ لِجَمَاعَاتِ الْمُسْلِمِينَ.
وَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ لاَ تَجِبُ عَلَيْهِمُ الْجُمُعَةُ بِأَنْفُسِهِمْ فَهُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ السَّعْيِ إِلَيْهَا وَبَيْنَ أَنْ يُصَلُّوا ظُهْرًا، وَالأَْفْضَل السَّعْيُ إِلَيْهَا لِيَنَالُوا فَضْل السَّاعِي إِلَى الْجُمُعَةِ وَيَخْرُجُوا مِنَ الْخِلاَفِ.
وَالْحَال الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ بَيْنَ قَرْيَتِهِمْ وَبَيْنَ الْمِصْرِ فَرْسَخٌ فَمَا دُونَ فَيُنْظَرُ فِيهِمْ فَإِنْ كَانُوا أَقَل مِنْ أَرْبَعِينَ - مِنْ أَهْل الْجُمُعَةِ - فَعَلَيْهِمُ السَّعْيُ إِلَى الْجُمُعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (13) الآْيَةَ.
وَإِنْ كَانُوا مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِمُ الْجُمُعَةُ بِأَنْفُسِهِمْ وَكَانَ مَوْضِعُ الْجُمُعَةِ الْقَرِيبُ مِنْهُمْ قَرْيَةً أُخْرَى لَمْ يَلْزَمْهُمُ السَّعْيُ إِلَيْهَا وَصَلَّوْا فِي مَكَانِهِمْ إِذْ لَيْسَتْ إِحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ بِأَوْلَى مِنَ الأُْخْرَى، وَإِنْ أَحَبُّوا السَّعْيَ إِلَيْهَا جَازَ وَلَكِنَّ الأَْفْضَل أَنْ يُصَلُّوا فِي مَكَانِهِمْ، فَإِنْ سَعَى بَعْضُهُمْ فَنَقَصَ عَدَدُ الْبَاقِينَ لَزِمَهُمُ السَّعْيُ لِئَلاَّ يُؤَدِّيَ ذَلِكَ إِلَى تَرْكِ الْجُمُعَةِ.
وَإِنْ كَانَ مَوْضِعُ الْجُمُعَةِ الْقَرِيبُ مِصْرًا فَهُمْ مُخَيَّرُونَ أَيْضًا بَيْنَ السَّعْيِ إِلَى الْمِصْرِ وَبَيْنَ إِقَامَةِ الْجُمُعَةِ فِي قَرْيَتِهِمْ.
وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّ السَّعْيَ إِلَى الْمِصْرِ يَلْزَمُهُمْ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ عُذْرٌ فَيُصَلُّوا جُمُعَةً فِي قَرْيَتِهِمْ، وَالأَْوَّل أَصَحُّ لأَِنَّ أَهْل الْقُرَى يُقِيمُونَ الْجُمَعَ فِي بِلاَدِ الإِْسْلاَمِ وَإِنْ كَانُوا قَرِيبِينَ مِنَ الْمِصْرِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ.
وَإِذَا كَانَ أَهْل الْمِصْرِ دُونَ الأَْرْبَعِينَ فَجَاءَهُمْ أَهْل الْقَرْيَةِ فَأَقَامُوا الْجُمُعَةَ فِي الْمِصْرِ لَمْ يَصِحَّ؛ لأَِنَّ أَهْل الْقَرْيَةِ غَيْرُ مُسْتَوْطِنِينَ فِي الْمِصْرِ وَأَهْل الْمِصْرِ لاَ تَنْعَقِدُ بِهِمُ الْجُمُعَةُ لِقِلَّتِهِمْ.
وَإِنْ كَانَ أَهْل الْقَرْيَةِ مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِمُ الْجُمُعَةُ بِأَنْفُسِهِمْ لَزِمَ أَهْل الْمِصْرِ السَّعْيُ إِلَيْهِمْ، إِذَا كَانَ بَيْنَهُمْ أَقَل مِنْ فَرْسَخٍ كَمَا يَلْزَمُ أَهْل الْقَرْيَةِ السَّعْيُ إِلَى الْمِصْرِ إِذَا أُقِيمَتْ بِهِ، وَكَانَ أَهْل الْقَرْيَةِ أَقَل مِنْ أَرْبَعِينَ.
أَمَّا إِنْ كَانَ فِي كُل وَاحِدٍ مِنَ الْمِصْرِ وَالْقَرْيَةِدُونَ الأَْرْبَعِينَ لَمْ تَجُزْ إِقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا (14) .
ب - فِي السَّفَرِ:
5 - قَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِنَّ مَنْ سَافَرَ مِنْ قَرْيَةٍ لَهَا سُورٌ فَأَوَّل سَفَرِهِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُ الأَْخْذُ بِرُخَصِ السَّفَرِ - مِنْ قَصْرٍ لِلصَّلاَةِ الرُّبَاعِيَّةِ وَجَمْعٍ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ - هُوَ مُجَاوَزَةُ سُورِهَا الْمُخْتَصِّ بِهَا وَإِنْ تَعَدَّدَ السُّورُ أَوْ كَانَ فِي دَاخِلِهِ مَزَارِعُ وَبَسَاتِينُ وَخَرَابٌ؛ لأَِنَّ مَا فِي دَاخِل السُّورِ مَعْدُودٌ مِنْ نَفْسِ الْقَرْيَةِ مَحْسُوبٌ مِنْ مَوْضِعِ الإِْقَامَةِ، وَمِثْل السُّورِ الْخَنْدَقُ، أَوِ الْحَاجِزُ التُّرَابِيُّ الَّذِي يَحُوطُهُ أَهْل الْقُرَى بِقُرَاهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْقَرْيَةِ سُورٌ أَوْ نَحْوُهُ أَوْ لَهَا سُورٌ غَيْرُ خَاصٍّ بِهَا، كَأَنْ جَمَعَ مَعَهَا قَرْيَةً أُخْرَى أَوْ أَكْثَرَ وَلَوْ مَعَ التَّقَارُبِ، فَأَوَّل سَفَرِهِ مُجَاوَزَةُ الْعُمْرَانِ بِأَنْ يَخْرُجَ مِنْ بُيُوتِ قَرْيَتِهِ وَيَجْعَلَهَا وَرَاءَ ظَهْرِهِ؛ لأَِنَّ الضَّرْبَ فِي الأَْرْضِ الْمَذْكُورَ فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَْرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاَةِ} (15) الآْيَةَ، يَتَحَقَّقُ بِذَلِكَ.
قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُل مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ أَنَّ لِلَّذِي يُرِيدُ السَّفَرَ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلاَةَ إِذَا خَرَجَ مِنْ بُيُوتِ الْقَرْيَةِ الَّتِي يَخْرُجُ مِنْهَا.
قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَلاَ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْبَسَاتِينِ وَالْمَزَارِعِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْقَرْيَةِ لأَِنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْقَرْيَةِ، وَلأَِنَّهَا لاَ تُتَّخَذُ لِلإِْقَامَةِ عَادَةً.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَةُ الْبَسَاتِينِ الْمَسْكُونَةِ الْمُتَّصِلَةِ أَوْ مَا فِي حُكْمِهَا كَالْبَسَاتِينِ الَّتِي يَرْتَفِقُ أَهْلُهَا بِالْمَرَافِقِ الْمُتَّصِلَةِ مِنْ أَخْذِ نَارٍ وَطَبْخٍ وَخَبْزٍ وَمَا يُحْتَاجُ إِلَى شِرَائِهِ، وَأَمَّا الْمَزَارِعُ وَالْبَسَاتِينُ الْمُنْفَصِلَةُ حَقِيقَةً حُكْمًا فَلاَ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهَا.
وَالْقَرْيَتَانِ الْمُتَّصِلَتَانِ - قَال الْمَالِكِيَّةُ: وَمِثْلُهُمَا الْمُتَقَارِبَتَانِ بِحَيْثُ يَرْتَفِقُ أَهْل كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَهْل الأُْخْرَى - يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُمَا لأَِنَّهُمَا فِي حُكْمِ الْقَرْيَةِ الْوَاحِدَةِ.
وَأَمَّا الْمُنْفَصِلَتَانِ - قَال الشَّافِعِيَّةُ: وَلَوْ كَانَ الاِنْفِصَال يَسِيرًا - فَلاَ يُشْتَرَطُ تَجَاوُزُهُمَا بَل يَكْفِي لِتَحَقُّقِ سَفَرِهِ مُجَاوَزَةُ قَرْيَتِهِ فَقَطْ، قَال الْمَالِكِيَّةُ: وَمِثْل الْمُنْفَصِلَتَيْنِ الْمُتَعَادِيَتَانِ بِحَيْثُ لاَ يَرْتَفِقُ أَهْل إِحْدَاهُمَا بِالأُْخْرَى بِسَبَبِ الْعَدَاوَةِ الَّتِي بَيْنَهُمَا فَلاَ يُشْتَرَطُ مُجَاوَزَتُهُمَا.
وَيَنْتَهِي سَفَرُ الْمُسَافِرِ إِذَا رَجَعَ إِلَى قَرْيَتِهِ بِبُلُوغِهِ مَا اشْتُرِطَ مُجَاوَزَتُهُ ابْتِدَاءً (16) .
__________
(1) سورة الزخرف / 31.
(2) المصباح المنير، لسان العرب، المعجم الوسيط، المفردات في غريب القرآن.
(3) حاشية القليوبي وعميرة 3 / 125، ومغني المحتاج 2 / 419.
(4) بدائع الصنائع 1 / 259.
(5) لسان العرب، المصباح المنير، غريب القرآن، المعجم الوسيط مادة (مصر) ، بدائع الصنائع 1 / 259، الفواكه الدواني 1 / 305، حاشية القليوبي وعميرة 3 / 125، مغني المحتاج 2 / 419.
(6) لسان العرب، المصباح المنير، المعجم الوسيط، المفردات في غريب القرآن مادة: (بلد) ، وحاشية القليوبي 3 / 125.
(7) حديث: " لا جمعة ولا تشريق. . . " أورده الزيلعي في نصب الراية (2 / 195) وقال: " غريب مرفوعًا، وإنما وجدناه موقوفًا على علي ".
(8) قول علي: " لا جمعة ولا تشريق. . . " أخرجه عبد الرزاق في المصنف 3 / 168.
(9) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع 1 / 259.
(10) مواهب الجليل 2 / 161 وما بعدها، التاج والإكليل لمختصر خليل بالهامش 2 / 161.
(11) حديث: " الجمعة على من سمع النداء ". أخرجه أبو داود (1 / 640) من حديث عبد الله بن عمرو، وأشار إلى إعلاله بالوقف، وقال ابن حجر في الفتح (2 / 385) يؤيده قوله ﷺ لابن أم مكتوم: أتسمع النداء؟ قال: نعم. قال: فأجب.
(12) مغني المحتاج 1 / 278، المجموع للنووي 4 / 486 وما بعدها.
(13) سورة الجمعة / 9.
(14) المغني لابن قدامة 2 / 361 وما بعدها.
(15) سورة النساء / 101.
(16) حاشية ابن عابدين 1 / 525، الفواكه الدواني 1 / 298، المجموع للنووي 4 / 346 وما بعدها، مغني المحتاج 1 / 264، المغني لابن قدامة 2 / 259.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 160/ 33