الوكيل
كلمة (الوكيل) في اللغة صفة مشبهة على وزن (فعيل) بمعنى (مفعول) أي:...
تَحْدِيدُ قَدْرِ الشَّيْءِ وَقِيَاسُهُ، وَالجَمْعُ: أَكْيَالٌ، وَالمِكْيَالُ: آلَةُ الكَيْلِ تَكونُ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ غَيْرَهُ كَالصَّاعِ وَنَحْوِهِ، يُقَالُ: كَالَ الطعام يَكِيلُ كَيْلاً إِذَا حَدَّدَ مِقْدَارَهُ، وَأَصْلُ الكَيْلِ: ضَبْطُ الشَّيْءِ وَإِمْسَاكُهُ، وَسُمِّيَ المِكْيَالُ بِذِلَك لِأَنَّهُ يَضْبِطَ الحَبَّ وَنَحْوَهُ، وَيَأْتِي الكَيْلُ بِمَعْنَى: الإِعْطَاءِ، وَكِلْتُ فُلَانا: أَعْطَيْتُهُ، وَاكْتَلْتُ عَلَيْهِ: أَخَذْتُ مِنْهُ، وَالاسْمُ: الكِيلَةُ، وَالكَيَّالُ: صَاحِبُ حِرْفَةِ الكَيْلِ، وَمِنْ مَعانِي الكَيْلِ أَيْضا: المُقَابَلَةُ والمُبَادَلَةُ والمُجَازَاةُ.
يَرِدُ مُصْطَلَحُ (الكَيْلٍ) فِي بَابِ زَكَاةِ الفِطْرِ، وَكِتَابِ البُيوعِ فِي بَابِ الرِّبَا، وَبَابِ السَّلَمِ، وَبَابِ الرَّهْنِ.
كيل
* مقاييس اللغة : 150/5 - لسان العرب : 204-203/12 - النهاية في غريب الحديث والأثر : 218/4 - طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية : 311 - مقاييس اللغة : 150/5 - المصباح المنير : 546/2 -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْكَيْل فِي اللُّغَةِ مَصْدَرُ كَال يَكِيل، يُقَال: كِلْتُ زَيْدًا الطَّعَامَ كَيْلاً مِنْ بَابِ بَاعَ، وَكَال الطَّعَامَ كَيْلاً: عَرَفَ مِقْدَارَهُ، وَكَال الشَّيْءَ بِالشَّيْءِ: قَاسَهُ بِهِ.
وَيُطْلَقُ الْكَيْل عَلَى مَا يُعْرَفُ بِهِ الْمِقْدَارُ بِالْقَفِيزِ وَالْمُدِّ وَالصَّاعِ، وَالاِسْمُ (الْكِيلَةُ) بِالْكَسْرِ، وَالْمِكْيَال مَا يُكَال بِهِ، قَال الْفَيُّومِيُّ: وَالْكَيْل مِثْلُهُ (1) .
وَعَلَى ذَلِكَ فَالْكَيْل يُطْلَقُ عَلَى الْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ، كَمَا يُطْلَقُ عَلَى وِعَاءٍ يُكَال بِهِ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ خَشَبٍ أَوْ نَحْوِهِمَا (2) ، وَالْكَيْلِيُّ مَا يُقَدَّرُ بِالْكَيْل، وَكَذَلِكَ الْمَكِيل (3) . وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ لِلْكَيْل. الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الْوَزْنُ:
1 - الْوَزْنُ فِي اللُّغَةِ: التَّقْدِيرُ، يُقَال: وَزَنَ الشَّيْءَ: قَدَّرَهُ بِوَسَاطَةِ الْمِيزَانِ (4) ، وَقَال الأَْصْفَهَانِيُّ: الْوَزْنُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ الشَّيْءِ، وَالْمُتَعَارَفُ فِي الْوَزْنِ عِنْدَ الْعَامَّةِ مَا يُقَدَّرُ بِالْقِسْطِ وَالْقَبَّانِ (5) . وَلاَ يَخْتَلِفُ مَعْنَى الْوَزْنِ فِي الاِصْطِلاَحِ عَنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْكَيْل وَالْوَزْنِ أَنَّ الْكَيْل يُعْرَفُ بِهِ مِقْدَارُ الشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ الْحَجْمِ، وَالْوَزْنُ يُعْرَفُ بِهِ مِقْدَارُ الشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ الثِّقَل.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْكَيْل
الْحَثُّ عَلَى إِيفَاءِ الْكَيْل:
3 - حَثَّ الشَّارِعُ الْحَكِيمُ عَلَى إِيفَاءِ الْكَيْل، قَال تَعَالَى: {أَوْفُوا الْكَيْل وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ} (6) وَتَوَعَّدَ الْمُطَفِّفِينَ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} (7) . قَال الْقُرْطُبِيُّ نَقْلاً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّهُ قَال: هِيَ أَوَّل سُورَةٍ نَزَلَتْ عَلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ سَاعَةَ نَزَل الْمَدِينَةَ، وَكَانَ هَذَا فِيهِمْ، كَانُوا إِذَا اشْتَرَوُا اسْتَوْفَوْا بِكَيْلٍ رَاجِحٍ، فَإِذَا بَاعُوا بَخَسُوا الْمِكْيَال وَالْمِيزَانَ، فَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ انْتَهَوْا، فَهُمْ أَوْفَى النَّاسِ كَيْلاً إِلَى يَوْمِهِمْ هَذَا (8) .
وَنَقَل الْقُرْطُبِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: مَا نَقَصَ قَوْمٌ الْمِكْيَال وَالْمِيزَانَ إِلاَّ قُطِعَ مِنْهُمُ الرِّزْقُ (9) ، وَعَدَّ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ الْبَخْسَ فِي الْكَيْل مِنَ الْكَبَائِرِ (10) .
أُجْرَةُ الْكَيَّال
4 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ أُجْرَةَ كَيْل الْمَبِيعِ فِي بَيْعِ الْمَكِيل وَأُجْرَةَ وَزْنِهِ فِي بَيْعِ الْمَوْزُونِ عَلَى الْبَائِعِ لأَِنَّ عَلَيْهِ تَقْبِيضَ الْمَبِيعِ، وَالْقَبْضُ لاَ يَحْصُل إِلاَّ بِذَلِكَ (11) ، قَال الْقُرْطُبِيُّ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْل} (12) كَانَ يُوسُفُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - هُوَ الَّذِي يَكِيل، وَكَذَلِكَ الْوَزَّانُ وَالْعَدَّادُ، لأَِنَّ الرَّجُل إِذَا بَاعَ عِدَةً مَعْلُومَةً مِنْ طَعَامِهِ وَأَوْجَبَ الْعَقْدَ عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبْرِزَهَا وَيُمَيِّزَ حَقَّ الْمُشْتَرِي مِنْ حَقِّهِ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لاَ يَسْتَحِقُّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ إِلاَّ بَعْدَ التَّوْفِيَةِ، وَإِنْ تَلِفَ فَهُوَ مِنْهُ قَبْل التَّوْفِيَةِ (13) .
أَمَّا أُجْرَةُ كَيْل الثَّمَنِ وَمُؤْنَةِ إِحْضَارِهِ إِلَى مَحَل الْعَقْدِ إِذَا كَانَ غَائِبًا فَهِيَ عَلَى الْمُشْتَرِي لأَِنَّهُ هُوَ الْمُكَلَّفُ بِتَسْلِيمِ الثَّمَنِ (14) .
وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (بَيْعٌ ف 58) .
اعْتِبَارُ الْكَيْل فِي عِلَّةِ تَحْرِيمِ الرِّبَا
5 - وَرَدَ النَّصُّ عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِي الأَْشْيَاءِ السِّتَّةِ الْوَارِدَةِ فِي قَوْلِهِ ﷺ: الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ مِثْلاً بِمِثْلٍ سَوَاءً بِسَوَاءٍ (15) .
وَقَال الْفُقَهَاءُ: إِنَّ تَحْرِيمَ الرِّبَا فِي الأَْجْنَاسِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا إِنَّمَا هُوَ لِعِلَّةٍ، وَإِنَّ الْحُكْمَ بِالتَّحْرِيمِ يَتَعَدَّى إِلَى مَا تَثْبُتُ فِيهِ هَذِهِ الْعِلَّةُ. وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي يَتَعَدَّى الْحُكْمُ بِهَا إِلَى سَائِرِ الأَْجْنَاسِ. قَال الْحَنَفِيَّةُ: الْعِلَّةُ هِيَ الْجِنْسُ وَالْقَدْرُ، وَعُرِفَ الْجِنْسُ بِقَوْلِهِ ﷺ: التَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ (16) ، وَعُرِفَ الْقَدْرُ بِقَوْلِهِ ﵊: مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَيُعْنَى بِالْقَدْرِ الْكَيْل فِيمَا يُكَال، وَالْوَزْنُ فِيمَا يُوزَنُ، وَذَلِكَ لِمَا وَرَدَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: " وَكَذَلِكَ كُل مَا يُكَال وَيُوزَنُ " (17) ، وَلِحَدِيثِ: لاَ صَاعَيْنِ بِصَاعٍ وَلاَ دِرْهَمَيْنِ بِدِرْهَمٍ (18) ، وَهَذَا عَامٌّ فِي كُل مَكِيلٍ سَوَاءٌ أَكَانَ مَطْعُومًا أَمْ غَيْرَ مَطْعُومٍ، فَحَرُمَ الرِّبَا فِي كُل مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِيعَ بِجِنْسِهِ (19) .
وَقَرِيبٌ مِنْ هَذَا مَا قَالَهُ الْحَنَابِلَةُ فِي أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ عِنْدَهُمْ، قَال الْخِرَقِيُّ: وَكُل مَا كِيل أَوْ وُزِنَ مِنْ سَائِرِ الأَْشْيَاءِ لاَ يَجُوزُ فِيهِ التَّفَاضُل إِذَا كَانَ جِنْسًا وَاحِدًا (20) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ ثَلاَثُ رِوَايَاتٍ أَشْهَرُهُنَّ أَنَّ عِلَّةَ الرِّبَا فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَوْنُهُمَا مَوْزُونَيْ جِنْسٍ، وَعِلَّةُ الأَْعْيَانِ الأَْرْبَعَةِ مَكِيل جِنْسٍ. فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَجْرِي الرِّبَا فِي كُل مَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ بِجِنْسِهِ مَطْعُومًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَطْعُومٍ، وَلاَ يَجْرِي فِي مَطْعُومٍ لاَ يُكَال وَلاَ يُوزَنُ. ثُمَّ عُلِّل هَذَا الْقَوْل بِأَنَّ قَضِيَّةَ الْبَيْعِ الْمُسَاوَاةُ، وَالْمُؤَثِّرُ فِي تَحْقِيقِهَا الْكَيْل وَالْوَزْنُ وَالْجِنْسُ، فَإِنَّ الْوَزْنَ أَوِ الْكَيْل يُسَوِّي بَيْنَهُمَا صُورَةً، وَالْجِنْسُ يُسَوِّي بَيْنَهُمَا مَعْنًى، فَكَانَا عِلَّةً.
وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ أَنَّ الْعِلَّةَ فِي الأَْثْمَانِ الثَّمَنِيَّةُ وَفِيمَا عَدَاهَا كَوْنُهُ مَطْعُومَ جِنْسٍ فَيَخْتَصُّ بِالْمَطْعُومَاتِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ مَا عَدَاهَا.
وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الْعِلَّةُ فِيمَا عَدَا الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كَوْنُهُ مَطْعُومَ جِنْسٍ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا، فَلاَ يَجْرِي الرِّبَا فِي مَطْعُومٍ لاَ يُكَال وَلاَ يُوزَنُ (21) .
وَهَذَا قَوْل الشَّافِعِيَّةِ فِي الْقَدِيمِ.
وَأَمَّا فِي الْجَدِيدِ عِنْدَهُمْ فَالْعِلَّةُ فِي الأَْجْنَاسِ الأَْرْبَعَةِ غَيْرِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ أَنَّهَا مَطْعُومَةٌ، وَأَمَّا فِيهِمَا فَالْعِلَّةُ كَوْنُهُمَا جِنْسَ الأَْثْمَانِ غَالِبًا (22) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: الْعِلَّةُ فِي النُّقُودِ غَلَبَةُ الثَّمَنِيَّةِ، أَوْ مُطْلَقُ الثَّمَنِيَّةِ، وَأَمَّا فِي الطَّعَامِ فَالاِقْتِيَاتُ وَالاِدِّخَارُ.
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (رِبًا ف 21 - 25) . تَعْيِينُ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِالْكَيْل
6 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ السَّلَمِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَعْلُومًا مُبَيَّنًا بِمَا يَرْفَعُ الْجَهَالَةَ وَيَسُدُّ بَابَ الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ تَسْلِيمِهِ، كَمَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ قَدْرِهِ (23) ، وَذَلِكَ لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ أَسْلَفَ فِي شَيْءٍ فَفِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ (24) .
وَهَل يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْمِقْدَارِ بِالْكَيْل فِي الْمَكِيلاَتِ؟ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ:
فَقَال الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: لاَ يُشْتَرَطُ تَقْدِيرُ الْمَكِيل بِالْكَيْل، وَإِنَّمَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِهِ سَوَاءٌ بِالْكَيْل أَوِ الْوَزْنِ (25) ، قَال الْكَاسَانِيُّ: لَوْ كَانَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مَكِيلاً فَأَعْلَمَ قَدْرَهُ بِالْوَزْنِ الْمَعْلُومِ، أَوْ كَانَ مَوْزُونًا فَأَعْلَمَ قَدْرَهُ بِالْكَيْل الْمَعْلُومِ جَازَ، لأَِنَّ الشَّرْطَ كَوْنُهُ مَعْلُومَ الْقَدْرِ بِمِعْيَارٍ يُؤْمَنُ فَقْدُهُ وَقَدْ وُجِدَ، بِخِلاَفِ مَا إِذَا بَاعَ الْمَكِيل بِالْمَكِيل وَزْنًا بِوَزْنٍ مُتَسَاوِيًا فِي الْوَزْنِ أَوْ بَاعَ الْمَوْزُونَ بِالْمَوْزُونِ كَيْلاً بِكَيْلٍ مُتَسَاوِيًا فِي الْكَيْل أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ مَا لَمْ يَتَسَاوَيَا فِي الْكَيْل أَوِ الْوَزْنِ، لأَِنَّ شَرْطَ السَّلَمِ كَوْنُ الْمُسْلَمِ فِيهِ مَعْلُومَ الْقَدْرِ، وَالْعِلْمُ بِالْقَدْرِ كَمَا يَحْصُل بِالْكَيْل يَحْصُل بِالْوَزْنِ.
فَأَمَّا شَرْطُ الْكَيْل وَالْوَزْنِ فِي الأَْشْيَاءِ الَّتِي وَرَدَ الشَّرْعُ فِيهَا بِاعْتِبَارِ الْكَيْل وَالْوَزْنِ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ فَثَبَتَ نَصًّا، فَكَانَ بَيْعُهَا بِالْكَيْل أَوِ الْوَزْنِ مُجَازَفَةً فَلاَ يَجُوزُ (26) .
وَمِثْلُهُ مَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيَّةُ، لَكِنِ اسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ بَعْضَ الأَْجْنَاسِ، فَلاَ يُسْلَمُ فِيهَا إِلاَّ بِالْوَزْنِ، قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَيَصِحُّ سَلَمُ الْمَكِيل وَزْنًا، وَعَكْسُهُ أَيِ الْمَوْزُونُ الَّذِي يَتَأَتَّى كَيْلُهُ كَيْلاً، وَحَمَل الإِْمَامُ إِطْلاَقَ الأَْصْحَابِ جَوَازَ كَيْل الْمَوْزُونِ عَلَى مَا يُعَدُّ الْكَيْل فِي مِثْلِهِ ضَابِطًا، بِخِلاَفِ نَحْوِ فُتَاتِ الْمِسْكِ وَالْعَنْبَرِ لأَِنَّ لِلْقَدْرِ الْيَسِيرِ مِنْهُ مَالِيَّةً كَثِيرَةً وَالْكَيْل لاَ يُعَدُّ ضَابِطًا فِيهِ.
وَاسْتَثْنَى الْجُرْجَانِيُّ وَغَيْرُهُ النَّقْدَيْنِ أَيْضًا، فَلاَ يُسْلَمُ فِيهِمَا إِلاَّ بِالْوَزْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ كَذَلِكَ فِي كُل مَا فِيهِ خَطَرٌ فِي التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْكَيْل وَالْوَزْنِ (27) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: مِنْ شُرُوطِ السَّلَمِ عِلْمُ قَدْرِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِمِعْيَارِهِ الْعَادِيِّ فَلاَ يَصِحُّ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ مُقَدَّرًا بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ عَدَدٍ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُ (28) . وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ فِي جَوَازِ سَلَمِ الْمَكِيل وَزْنًا أَوْ بِالْعَكْسِ رِوَايَتَانِ: قَال ابْنُ قُدَامَةَ: إِنْ أَسْلَمَ فِيمَا يُكَال وَزْنًا، أَوْ فِيمَا يُوزَنُ كَيْلاً فَنَقَل الأَْثْرَمُ أَنَّهُ سَأَل أَحْمَدَ فِي التَّمْرِ وَزْنًا، فَقَال: لاَ، إِلاَّ كَيْلاً، قُلْتُ: إِنَّ النَّاسَ هَاهُنَا لاَ يَعْرِفُونَ الْكَيْل، قَال: وَإِنْ كَانُوا لاَ يَعْرِفُونَ الْكَيْل، فَيَحْتَمِل هَذَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ فِي الْمَكِيل إِلاَّ كَيْلاً، وَلاَ فِي الْمَوْزُونِ إِلاَّ وَزْنًا. ثُمَّ نَقَل قَوْل الْمَرْوَزِيِّ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي اللَّبَنِ كَيْلاً أَوْ وَزْنًا. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهَذَا يَدُل عَلَى إِبَاحَةِ السَّلَمِ فِي الْمَكِيل وَزْنًا، وَفِي الْمَوْزُونِ كَيْلاً، لأَِنَّ اللَّبَنَ لاَ يَخْلُو مِنْ كَوْنِهِ مَكِيلاً أَوْ مَوْزُونًا، وَقَدْ أَجَازَ السَّلَمَ فِيهِ بِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا (29) .
اشْتِرَاطُ الْكَيْل فِي بَيْعِ الْمَكِيل
7 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْمَكِيلاَتِ قَبْل الْقَبْضِ.
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: مَنِ اشْتَرَى مَكِيلاً مُكَايَلَةً أَوْ مَوْزُونًا مُوَازَنَةً فَاكْتَالَهُ أَوِ اتَّزَنَهُ ثُمَّ بَاعَهُ مُكَايَلَةً أَوْ مُوَازَنَةً لَمْ يَجُزْ لِلْمُشْتَرِي مِنْهُ أَنْ يَبِيعَهُ، وَلاَ أَنْ يَأْكُلَهُ حَتَّى يُعِيدَ الْكَيْل وَالْوَزْنَ (30) ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ نَهَى عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ: صَاعُ الْبَائِعِ وَصَاعُ الْمُشْتَرِي (31) ".
وَاعْتَبَرَ الشَّافِعِيَّةُ كَيْل الْمَبِيعِ مِنْ تَمَامِ الْقَبْضِ فَقَالُوا: لَوْ بِيعَ الشَّيْءُ تَقْدِيرًا. كَحِنْطَةٍ كَيْلاً اشْتُرِطَ فِي قَبْضِهِ مَعَ النَّقْل كَيْلَهُ بِأَنْ يُكَال، وَذَلِكَ لِوُرُودِ النَّصِّ فِي قَوْلِهِ ﷺ: مَنِ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَكْتَالَهُ (32) "، قَال الشِّرْبِينِيُّ: فَدَل عَلَى أَنَّهُ لاَ يَحْصُل فِيهِ الْقَبْضُ إِلاَّ بِالْكَيْل. فَتَعَيَّنَ فِيمَا قُدِّرَ بِكَيْلٍ الْكَيْل (33) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِنْ أَخْبَرَهُ الْبَائِعُ بِكَيْلِهِ ثُمَّ بَاعَهُ بِذَلِكَ الْكَيْل فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، وَلَوْ كَانَ طَعَامًا وَآخَرُ يُشَاهِدُهُ فَلِمَنْ شَاهَدَ الْكَيْل شِرَاؤُهُ بِغَيْرِ كَيْلٍ ثَانٍ، لأَِنَّهُ شَاهَدَ كَيْلَهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ كِيل لَهُ، وَعَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى كَيْلٍ لِلْخَبَرِ (34) .
__________
(1) المصباح المنير، ومتن اللغة، ولسان العرب.
(2) المعجم الوسيط.
(3) كشاف اصطلاحات الفنون، وقواعد الفقه للبركتي، والمفردات للراغب الأصفهاني.
(4) المعجم الوسيط.
(5) المفردات للأصفهاني.
(6) سورة الشعراء / 181.
(7) سورة المطففين / 1 - 3. والمطفف من الطفيف وهو القليل، فالمطفف هو المقل حق صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل أو وزن (تفسير القرطبي 20 / 248) .
(8) تفسير القرطبي 20 / 248، 249، وتفسير روح المعاني للألوسي 30 / 89.
(9) القرطبي 7 / 136.
(10) الزواجر للهيثمي 1 / 192.
(11) مجلة الأحكام العدلية المادة (289) ، والقرطبي 9 / 254، وجواهر الإكليل 2 / 50، ومغني المحتاج 2 / 273، والمغني لابن قدامة 4 / 126.
(12) سورة يوسف / 88.
(13) تفسير القرطبي 9 / 254.
(14) المراجع السابقة، ومجلة الأحكام المادة (288) .
(15) حديث: " الذهب بالذهب. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1211) من حديث عبادة بن الصامت.
(16) حديث: " التمر بالتمر، والحنطة بالحنطة. . . ". أخرجه مسلم (3 / 1211) من حديث أبي هريرة.
(17) حديث: " وكذلك كل ما يكال. . . ". أورد هذا الشطر الموصلي في الاختيار (2 / 30) ، ولم نهتد إلى من أخرجه.
(18) حديث: " لا صاعين بصاع ولا درهمين بدرهم ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 311) ومسلم (2 / 1216) من حديث أبي سعيد الخدري واللفظ للبخاري.
(19) المبسوط للسرخسي 12 / 113، والاختيار للموصلي 2 / 30.
(20) المغني مع الشرح الكبير 4 / 123.
(21) المغني مع الشرح الكبير 4 / 125، 126.
(22) مغني المحتاج 2 / 22 - 25.
(23) بدائع الصنائع 5 / 207، والخرشي 5 / 213، ونهاية المحتاج 4 / 190، والمغني 4 / 310.
(24) حديث: " من أسلف في شيء. . . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 429) ومسلم (3 / 1227) من حديث ابن عباس، واللفظ للبخاري.
(25) بدائع الصنائع 5 / 208، ومغني المحتاج 2 / 107.
(26) بدائع الصنائع 5 / 208.
(27) مغني المحتاج 2 / 107.
(28) المواق بهامش الحطاب 4 / 530.
(29) المغني لابن قدامة 4 / 318 - 319.
(30) الهداية مع الفتح 5 / 267.
(31) حديث: " نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان. . . ". أخرجه ابن ماجه (2 / 570) من حديث جابر، وضعف إسناده البوصيري في مصباح الزجاجة (2 / 16) .
(32) حديث: " من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يكتاله ". أخرجه مسلم (3 / 1160) من حديث ابن عباس.
(33) مغني المحتاج 2 / 73.
(34) الشرح الكبير بذيل المغني 4 / 36.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 177/ 35
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".