المنان
المنّان في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعّال) من المَنّ وهو على...
التَّعْرِيفُ:
1 - الْبَقَرُ: اسْمُ جِنْسٍ. قَال ابْنُ سِيدَهْ: وَيُطْلَقُ عَلَى الأَْهْلِيِّ وَالْوَحْشِيِّ، وَعَلَى الذَّكَرِ وَالأُْنْثَى، وَوَاحِدُهُ بَقَرَةٌ، وَقِيل: إِنَّمَا دَخَلَتْهُ الْهَاءُ لأَِنَّهُ وَاحِدٌ مِنَ الْجِنْسِ. وَالْجَمْعُ: بَقَرَاتٌ، وَقَدْ سَوَّى الْفُقَهَاءُ الْجَامُوسَ بِالْبَقَرِ فِي الأَْحْكَامِ، وَعَامَلُوهُمَا كَجِنْسٍ وَاحِدٍ (1) .
زَكَاةُ الْبَقَرِ:
2 - زَكَاةُ الْبَقَرِ وَاجِبَةٌ بِالسُّنَّةِ وَالإِْجْمَاعِ.
أَمَّا السُّنَّةُ فَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، أَوْ وَالَّذِي لاَ إِلَهَ غَيْرُهُ - أَوْ كَمَا حَلَفَ - مَا مِنْ رَجُلٍ تَكُونُ لَهُ إِبِلٌ أَوْ بَقَرٌ أَوْ غَنَمٌ لاَ يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلاَّ أَتَى بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا تَكُونُ وَأَسْمَنَهُ، تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا، وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، كُلَّمَا جَازَتْ أُخْرَاهَا رُدَّتْ عَلَيْهِ أُولاَهَا حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ. (2) وَمَا رَوَى النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُل حَالِمٍ دِينَارًا، وَمِنَ الْبَقَرِ مِنْ كُل ثَلاَثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُل أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً. (3)
وَقَدْ أَجْمَعَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الأَْنْعَامِ، وَلَمْ يُخَالِفْ فِي ذَلِكَ أَحَدٌ، وَالْبَقَرُ صِنْفٌ مِنَ الأَْنْعَامِ، فَوَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِيهَا كَالإِْبِل وَالْغَنَمِ، وَإِنَّمَا كَانَ الْخِلاَفُ فِي بَعْضِ الشُّرُوطِ كَمَا سَيَأْتِي (4) .
شُرُوطُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْبَقَرِ:
3 - يُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْبَقَرِ شُرُوطٌ عَامَّةٌ تَفْصِيلُهَا فِي الزَّكَاةِ، وَهُنَاكَ شُرُوطٌ خَاصَّةٌ بَيَانُهَا فِيمَا يَلِي:
اشْتِرَاطُ السَّوْمِ:
4 - الْمُرَادُ بِالسَّوْمِ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ: أَنْ تَرْعَى الْمَاشِيَةُ أَكْثَرَ أَيَّامِ السَّنَةِ فِي كَلأٍَ مُبَاحٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ تَرْعَى بِنَفْسِهَا أَمْ بِرَاعٍ يَرْعَاهَا، هَذَا وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَغَيْرِهِمْ إِلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ السَّوْمُ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ، وَمِنْ بَيْنِ تِلْكَ الْمَاشِيَةِ الْبَقَرُ، فَيُشْتَرَطُ فِيهَا السَّوْمُ أَيْضًا، وَأَمَّا الْبَقَرُ الْعَوَامِل وَالْمَعْلُوفَةُ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا؛ لاِنْتِفَاءِ السَّوْمِ.
وَقَال الإِْمَامُ مَالِكٌ: لاَ يُشْتَرَطُ السَّوْمُ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ، فَالْبَقَرُ الْعَوَامِل وَالْمَعْلُوفَةُ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ عِنْدَهُ.
اسْتَدَل الإِْمَامُ مَالِكٌ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بِالإِْطْلاَقِ فِي الأَْحَادِيثِ الْمُوجِبَةِ لِزَكَاةِ الْبَقَرِ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ عَمَل أَهْل الْمَدِينَةِ، وَعَمَل أَهْل الْمَدِينَةِ أَحَدُ أُصُول الْمَالِكِيَّةِ (5) .
وَاسْتَدَل الْقَائِلُونَ بِاشْتِرَاطِ السَّوْمِ فِي زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁، قَال الرَّاوِي أَحْسَبُهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي صَدَقَةِ الْبَقَرِ قَال: وَلَيْسَ فِي الْعَوَامِل شَيْءٌ (6) ، وَأَيْضًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِل شَيْءٌ (7) وَقَدْ حَمَل الْجُمْهُورُ النُّصُوصَ الْمُطْلَقَةَ فِي الْبَقَرِ عَلَى النُّصُوصِ الْمُقَيَّدَةِ بِالسَّوْمِ الْوَارِدَةِ فِي الإِْبِل وَالْغَنَمِ، كَمَا اسْتَدَلُّوا بِقِيَاسِ الْبَقَرِ عَلَى الإِْبِل وَالْغَنَمِ فِي اشْتِرَاطِ السَّوْمِ (8) .
وَأَيْضًا فَإِنَّ صِفَةَ النَّمَاءِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الزَّكَاةِ، فَلاَ تُوجَدُ إِلاَّ فِي السَّائِمَةِ، أَمَّا الْبَقَرُ الْعَوَامِل فَصِفَةُ النَّمَاءِ مَفْقُودَةٌ فِيهَا، وَمِثْلُهَا الْمَعْلُوفَةُ فَلاَ نَمَاءَ فِيهَا أَيْضًا؛ لأَِنَّ عَلْفَهَا يَسْتَغْرِقُ نَمَاءَهَا، إِلاَّ أَنْ يُعِدَّهَا لِلتِّجَارَةِ، فَيُزَكِّيَهَا زَكَاةَ عُرُوضِ التِّجَارَةِ (9) .
الزَّكَاةُ فِي بَقَرِ الْوَحْشِ:
5 - ذَهَبَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي بَقَرِ الْوَحْشِ، وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ رِوَايَتَانِ، فَالْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِيهَا؛ لأَِنَّ مُطْلَقَ الْخَبَرِ الَّذِي أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْبَقَرِ - وَالَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ - يَتَنَاوَلُهَا. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عِنْدَهُمْ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا. قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَهِيَ أَصَحُّ، وَهُوَ قَوْل أَكْثَرِ أَهْل الْعِلْمِ فِي عَدَمِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي بَقَرِ الْوَحْشِ (10) ؛ لأَِنَّ اسْمَ الْبَقَرِ عِنْدَ الإِْطْلاَقِ لاَ يَنْصَرِفُ إِلَيْهَا وَلاَ يُفْهَمُ مِنْهُ إِذْ كَانَتْ لاَ تُسَمَّى بَقَرًا بِدُونِ الإِْضَافَةِ، فَيُقَال: بَقَرُ الْوَحْشِ؛ وَلأَِنَّ الْعَادَةَ تَنْفِي وُجُودَ نِصَابٍ مِنْهَا مَوْصُوفًا بِصِفَةِ السَّوْمِ حَوْلاً كَامِلاً، وَلأَِنَّهَا حَيَوَانٌ لاَ يُجْزِئُ نَوْعُهُ فِي الأُْضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ، فَلاَ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ كَالظِّبَاءِ؛ وَلأَِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَْنْعَامِ، فَلاَ تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ كَسَائِرِ الْوُحُوشِ، وَالسِّرُّ فِي ذَلِكَ أَنَّ الزَّكَاةَ إِنَّمَا وَجَبَتْ فِي بَهِيمَةِ الأَْنْعَامِ دُونَ غَيْرِهَا لِكَثْرَةِ النَّمَاءِ فِيهَا، مِنْ دَرِّهَا وَنَسْلِهَا وَكَثْرَةِ الاِنْتِفَاعِ بِهَا لِكَثْرَتِهَا وَخِفَّةِ مَئُونَتِهَا، وَهَذَا الْمَعْنَى يَخْتَصُّ بِهَا، فَاخْتَصَّتِ الزَّكَاةُ بِهَا دُونَ غَيْرِهَا (11) .
زَكَاةُ الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالأَْهْلِيِّ:
6 - ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالأَْهْلِيِّ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْوَحْشِيُّ هُوَ الْفَحْل أَمِ الأُْمَّ، وَاحْتَجُّوا لِذَلِكَ بِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالأَْهْلِيِّ مُتَوَلِّدٌ بَيْنَ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ وَبَيْنَ مَا لاَ تَجِبُ فِيهِ، فَيُرَجَّحُ جَانِبُ الْوُجُوبِ، قِيَاسًا عَلَى الْمُتَوَلِّدِ بَيْنَ السَّائِمَةِ وَالْمَعْلُوفَةِ، فَتَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ، فَكَذَلِكَ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالأَْهْلِيِّ. وَعَلَى هَذَا الْقَوْل تُضَمُّ إِلَى جِنْسِهَا مِنَ الأَْهْلِيِّ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، وَيُكْمَل بِهَا نِصَابُهَا، وَتَكُونُ كَأَحَدِ أَنْوَاعِهِ (12) . وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ: إِنْ كَانَتِ الأُْمَّهَاتُ أَهْلِيَّةً وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِيهَا، وَإِلاَّ فَلاَ. وَاسْتَدَل لِهَذَا الْقَوْل بِأَنَّ جَانِبَ الأُْمِّ فِي الْحَيَوَانِ هُوَ الْمُعْتَبَرُ؛ لأَِنَّ الأُْمَّ فِي الْحَيَوَانِ هِيَ الَّتِي تَقُومُ وَحْدَهَا بِرِعَايَةِ ابْنِهَا (13) . وَقَال الشَّافِعِيُّ: لاَ زَكَاةَ فِيهِ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَتِ الْوَحْشِيَّةُ مِنْ قِبَل الْفَحْل أَمْ مِنْ قِبَل الأُْمِّ (14) .
اشْتِرَاطُ الْحَوْل فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ:
7 - اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْحَوْل لاَ بُدَّ مِنْهُ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ كَغَيْرِهَا مِنَ الْمَاشِيَةِ، وَمَعْنَى الْحَوْل: أَنْ تَمْضِيَ سَنَةٌ قَمَرِيَّةٌ كَامِلَةٌ عَلَى مِلْكِهِ لِلنِّصَابِ، لِتَجِبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِيهِ (15) .
اشْتِرَاطُ تَمَامِ النِّصَابِ:
أَمَّا النِّصَابُ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيهِ عَلَى أَقْوَالٍ، مِنْ أَشْهَرِهَا اتِّجَاهَانِ:
8 - الاِتِّجَاهُ الأَْوَّل: وَهُوَ قَوْل عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵃ وَقَال بِهِ الشَّعْبِيُّ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَطَاوُوسٌ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَنَقَلَهُ الزُّهْرِيُّ عَنْ أَهْل الشَّامِ، وَبِهِ قَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالشَّافِعِيُّ، قَالُوا: لَيْسَ فِيمَا دُونَ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْبَقَرِ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ، (وَالتَّبِيعُ هُوَ الَّذِي لَهُ سَنَتَانِ، أَوِ الَّذِي لَهُ سَنَةٌ وَطَعَنَ فِي الثَّانِيَةِ، وَقِيل: سِتَّةُ أَشْهُرٍ، وَالتَّبِيعَةُ مِثْلُهُ (1)) ، ثُمَّ لاَ شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ (16) .
ثُمَّ لاَ شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ، فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا تَبِيعَانِ أَوْ تَبِيعَتَانِ. ثُمَّ لاَ شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ عَشْرًا زَائِدَةً، فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِي كُل ثَلاَثِينَ مِنْ ذَلِكَ الْعَدَدِ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ وَفِي كُل أَرْبَعِينَ مُسِنٌّ أَوْ مُسِنَّةٌ (17) ، فَفِي سَبْعِينَ تَبِيعٌ وَمُسِنَّةٌ، وَفِي ثَمَانِينَ مُسِنَّتَانِ، وَفِي تِسْعِينَ ثَلاَثَةُ أَتْبِعَةٍ، وَفِي مِائَةٍ مُسِنَّةٌ وَتَبِيعَانِ، وَفِي مِائَةٍ وَعَشْرٍ مُسِنَّتَانِ وَتَبِيعٌ، وَفِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ ثَلاَثُ مُسِنَّاتٍ أَوْ أَرْبَعَةُ أَتْبِعَةٍ، فَالْمَالِكُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إِخْرَاجِ الأَْتْبِعَةِ أَوِ الْمُسِنَّاتِ، وَإِنْ كَانَ الأَْوْلَى النَّظَرَ إِلَى حَاجَةِ الْفُقَرَاءِ وَالأَْصْلَحِ لَهُمْ. ثُمَّ يَتَغَيَّرُ الْوَاجِبُ كُلَّمَا زَادَ الْعَدَدُ عَشْرًا.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ هَذَا الْقَوْل بِمَا رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ ﵁ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ كُل حَالِمٍ دِينَارًا، وَمِنَ الْبَقَرِ مِنْ كُل ثَلاَثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً، وَمِنْ كُل أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً. (18) وَرَوَى ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ عَنْ مُعَاذٍ أَنَّهُ سَأَل النَّبِيَّ ﷺ عَنِ الأَْوْقَاصِ: مَا بَيْنَ الثَّلاَثِينَ إِلَى الأَْرْبَعِينَ، وَمَا بَيْنَ الأَْرْبَعِينَ إِلَى الْخَمْسِينَ؟ قَال: لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ. (19)
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا جَاءَ فِي كِتَابِ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِلَى عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: فَرَائِضُ الْبَقَرِ لَيْسَ فِيمَا دُونَ الثَّلاَثِينَ مِنَ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَلاَثِينَ فَفِيهَا عِجْلٌ رَائِعٌ جَذَعٌ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ. إِلَى أَنْ تَبْلُغَ سَبْعِينَ، فَإِنَّ فِيهَا بَقَرَةً وَعِجْلاً جَذَعًا، فَإِذَا بَلَغَتْ ثَمَانِينَ فَفِيهَا مُسِنَّتَانِ، ثُمَّ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ. (20)
هَذَا ، وَلِتَفْصِيل أَحْكَامِ مَا بَيْنَ الْفَرِيضَتَيْنِ فِي الزَّكَاةِ - وَهُوَ الْمُسَمَّى بِالْوَقْصِ - يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ: (أَوْقَاص) .
9 - الاِتِّجَاهُ الثَّانِي: قَوْل سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيِّ وَأَبِي قِلاَبَةَ وَغَيْرِهِمْ: إِنَّ نِصَابَ الْبَقَرِ هُوَ نِصَابُ الإِْبِل، وَإِنَّهُ يُؤْخَذُ فِي زَكَاةِ الْبَقَرِ مَا يُؤْخَذُ مِنَ الإِْبِل، دُونَ اعْتِبَارٍ لِلأَْسْنَانِ الَّتِي اشْتُرِطَتْ فِي الإِْبِل، مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ وَبِنْتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٍ وَجَذَعَةٍ، وَرُوِيَ هَذَا عَنْ كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الزَّكَاةِ، وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ﵃، وَشُيُوخٍ أَدَّوُا الصَّدَقَاتِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ ﷺ وَرَوَى أَبُو عُبَيْدٍ: أَنَّ فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ (فِي الزَّكَاةِ) أَنَّ الْبَقَرَ يُؤْخَذُ مِنْهَا مِثْل مَا يُؤْخَذُ مِنَ الإِْبِل، قَال: وَقَدْ سُئِل عَنْهَا غَيْرُهُمْ، فَقَالُوا: فِيهَا مَا فِي الإِْبِل. وَقَدْ ذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ بِسَنَدِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ وَقَتَادَةَ كِلاَهُمَا عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَْنْصَارِيِّ ﵄ قَال: فِي كُل خَمْسٍ مِنَ الْبَقَرِ شَاةٌ، وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ، وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ، وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ.
قَال الزُّهْرِيُّ: فَرَائِضُ الْبَقَرِ مِثْل فَرَائِضِ الإِْبِل غَيْرَ أَسْنَانٍ فِيهَا: فَإِذَا كَانَتِ الْبَقَرُ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بَقَرَةٌ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا بَقَرَتَانِ إِلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُل أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ. قَال الزُّهْرِيُّ: وَبَلَغْنَا أَنَّقَوْلَهُمْ: فِي كُل ثَلاَثِينَ تَبِيعٌ، وَفِي كُل أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ، أَنَّ ذَلِكَ كَانَ تَخْفِيفًا لأَِهْل الْيَمَنِ، ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يُرْوَى.
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ قَال: اسْتُعْمِلْتُ - أَيْ وُلِّيتُ - عَلَى صَدَقَاتِ (عَكَّ) فَلَقِيتُ أَشْيَاخًا مِمَّنْ صَدَّقَ (أُخِذَتْ مِنْهُمُ الصَّدَقَةُ) عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ ﷺ فَاخْتَلَفُوا عَلَيَّ: فَمِنْهُمْ مَنْ قَال اجْعَلْهَا مِثْل صَدَقَةِ الإِْبِل، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: فِي ثَلاَثِينَ تَبِيعٌ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال: فِي أَرْبَعِينَ بَقَرَةٌ مُسِنَّةٌ. وَذَكَرَ ابْنُ حَزْمٍ أَيْضًا بِسَنَدِهِ عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ وَأَبِي قِلاَبَةَ وَآخَرِينَ مِثْل مَا نُقِل عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَنُقِل عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ خَلْدَةَ الأَْنْصَارِيِّ: أَنَّ صَدَقَةَ الْبَقَرِ صَدَقَةُ الإِْبِل، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ أَسْنَانَ فِيهَا (21) .
مَا يُجْزِئُ فِي الأُْضْحِيَّةِ:
10 - لاَ يُجْزِئُ فِي الأُْضْحِيَّةِ سِوَى النَّعَمِ، وَهِيَ الإِْبِل وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ، خِلاَفًا لِمَنْ قَال: يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِأَيِّ شَيْءٍ مِنْ مَأْكُول اللَّحْمِ مِنَ النَّعَمِ أَوْ مِنْ غَيْرِهَا (22) .
وَتَفْصِيلُهُ فِي (الأُْضْحِيَّةِ) . وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الشَّخْصَ إِذَا ضَحَّى بِالْبَقَرَةِ الْوَاحِدَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ فَإِنَّ الأُْضْحِيَّةَ تَقَعُ لَهُ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ وَاجِبَةً أَمْ مُتَطَوَّعًا بِهَا.
11 - وَأَمَّا الاِشْتِرَاكُ فِي التَّضْحِيَةِ بِالْبَقَرَةِ الْوَاحِدَةِ فَفِيهِ خِلاَفٌ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ، وَأَكْثَرُ أَهْل الْعِلْمِ: إِلَى أَنَّ الْبَقَرَةَ الْوَاحِدَةَ تُجْزِئُ عَنْ سَبْعَةِ أَشْخَاصٍ، فَيَجُوزُ لَهُمُ الاِشْتِرَاكُ فِي الْبَقَرَةِ الْوَاحِدَةِ، وَسَوَاءٌ أَكَانُوا أَهْل بَيْتٍ وَاحِدٍ، أَمْ أَهْل بَيْتَيْنِ، أَمْ مُتَفَرِّقِينَ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ أُضْحِيَّةً وَاجِبَةً أَمْ مُتَطَوَّعًا بِهَا، وَسَوَاءٌ أَرَادَ بَعْضُهُمُ الْقُرْبَةَ أَمْ أَرَادَ اللَّحْمَ، فَيَقَعُ لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا قَصَدَ. إِلاَّ أَنَّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ بُدَّ أَنْ يُرِيدَ كُلُّهُمُ الْقُرْبَةَ، فَلَوْ أَرَادَ أَحَدُهُمُ اللَّحْمَ لَمْ تُجْزِئْ عَنِ الْكُل عِنْدَهُمْ.
وَقَال مَالِكٌ: يُجْزِئُ الرَّأْسُ الْوَاحِدُ مِنَ الإِْبِل أَوِ الْبَقَرِ أَوِ الْغَنَمِ عَنْ وَاحِدٍ، وَعَنْ أَهْل الْبَيْتِ وَإِنْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ، إِذَا أَشْرَكَهُمْ فِيهَا تَطَوُّعًا، وَلاَ تُجْزِئُ إِذَا اشْتَرَوْهَا بَيْنَهُمْ بِالشَّرِكَةِ، وَلاَ عَلَى أَجْنَبِيَّيْنِ فَصَاعِدًا (23) .
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُ الْقَوْل الأَْوَّل بِمَا رَوَاهُ جَابِرٌ قَال: نَحَرْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ (24) وَعَنْهُ قَال: خَرَجْنَا مَعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ مُهِلِّينَ، فَأَمَرَنَا أَنْ نَشْتَرِكَ فِي الإِْبِل وَالْبَقَرِ، كُل سَبْعَةٍ مِنَّا فِي بَدَنَةٍ. (25)
وَأَمَّا مَالِكٌ فَقَدْ أَخَذَ بِمَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ ﵄ أَنَّهُ كَانَ يَقُول: الْبَدَنَةُ عَنْ وَاحِدٍ وَالْبَقَرَةُ عَنْ وَاحِدٍ، وَالشَّاةُ عَنْ وَاحِدٍ لاَ أَعْلَمُ شِرْكًا. وَقَدْ رُوِيَ هَذَا أَيْضًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ عُمَرَ كَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فَإِنَّهُ يَرَى أَنَّ النَّفْسَ الْوَاحِدَةَ لاَ تُجْزِئُ إِلاَّ عَنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ (26) .
الْبَقَرُ فِي الْهَدْيِ:
12 - حُكْمُ الْبَقَرَةِ فِي الْهَدْيِ كَحُكْمِهَا فِي الأُْضْحِيَّةِ، بِاسْتِثْنَاءِ مَا يَتَّصِل بِالتَّضْحِيَةِ عَنِ الرَّجُل وَأَهْل بَيْتِهِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي (الْحَجّ، وَالْهَدْي) .
أَمَّا إِشْعَارُ الْبَقَرِ فِي الْهَدْيِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ (سِوَى أَبِي حَنِيفَةَ) عَلَى أَنَّ الإِْشْعَارَ سُنَّةٌ، وَأَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ، وَقَدْ فَعَلَهُ النَّبِيُّ ﷺ وَالصَّحَابَةُ مِنْ بَعْدِهِ، وَاتَّفَقُوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ الإِْشْعَارَ سُنَّةٌ فِي الإِْبِل، سَوَاءٌ أَكَانَ لَهَا سَنَامٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سَنَامٌ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سَنَامٌ فَإِنَّهَا تُشْعَرُ فِي مَوْضِعِ السَّنَامِ.
وَأَمَّا الْبَقَرُ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ: الإِْشْعَارُ فِيهَا مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ لَهَا سَنَامٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ لَهَا سَنَامٌ، فَهِيَ عِنْدَهُمْ كَالإِْبِل. وَقَدْ ذَهَبَ مَالِكٌ إِلَى أَنَّ الْبَقَرَ إِذَا كَانَ لَهَا سَنَامٌ فَإِنَّهَا تُشْعَرُ، أَمَّا إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سَنَامٌ فَإِنَّهَا لاَ تُشْعَرُ (27) .
حُكْمُ التَّقْلِيدِ:
13 - التَّقْلِيدُ: جَعْل الْقِلاَدَةِ فِي الْعُنُقِ، وَتَقْلِيدُ الْهَدْيِ: أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ قِطْعَةٌ مِنْ جِلْدٍ، لِيُعْرَفَ أَنَّهُ هَدْيٌ فَلاَ يُتَعَرَّضُ لَهُ.
وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ التَّقْلِيدَ مُسْتَحَبٌّ فِي الإِْبِل وَالْبَقَرِ.
وَأَمَّا الْغَنَمُ فَقَدْ ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى اسْتِحْبَابِ التَّقْلِيدِ فِيهَا كَالإِْبِل وَالْبَقَرِ. وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ إِلَى عَدَمِ اسْتِحْبَابِ التَّقْلِيدِ فِيهَا. وَتَقْلِيدُ الإِْبِل وَالْبَقَرِ يَكُونُ بِالنِّعَال وَنَحْوِهَا مِمَّا يُشْعِرُ أَنَّهَا هَدْيٌ (28) . ذَكَاةُ الْبَقَرِ:
14 - ذَكَاةُ الْبَقَرِ كَذَكَاةِ الْغَنَمِ، فَإِذَا أُرِيدَ تَذْكِيَةُ الْبَقَرَةِ فَإِنَّهَا تُضْجَعُ عَلَى جَنْبِهَا الأَْيْسَرِ، وَتُشَدُّ قَوَائِمُهَا الثَّلاَثُ: الْيَدُ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى وَالرِّجْل الْيُسْرَى، وَتُتْرَكُ الرِّجْل الْيُمْنَى بِلاَ شَدٍّ لِتَحَرُّكِهَا عِنْدَ الذَّبْحِ، وَيُمْسِكُ الذَّابِحُ رَأْسَهَا بِيَدِهِ الْيُسْرَى، وَيُمْسِكُ السِّكِّينَ بِيَدِهِ الْيُمْنَى، ثُمَّ يَبْدَأُ الذَّبْحَ بَعْدَ أَنْ يَقُول: بِاسْمِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَبَعْدَ أَنْ يَتَّجِهَ هُوَ وَذَبِيحَتُهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ. وَأَمَّا الإِْبِل فَإِنَّهَا تُنْحَرُ بِطَعْنِهَا فِي اللَّبَّةِ، أَيْ أَسْفَل الْعُنُقِ، وَهِيَ قَائِمَةٌ مَعْقُولَةُ الرُّكْبَةِ الْيُسْرَى (29) .
اسْتِعْمَال الْبَقَرِ لِلرُّكُوبِ:
15 - اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ مَا يُرْكَبُ مِنَ الأَْنْعَامِ وَيُحْمَل عَلَيْهِ هُوَ الإِْبِل. وَأَمَّا الْبَقَرُ فَإِنَّهُ لَمْ يُخْلَقْ لِلرُّكُوبِ، وَإِنَّمَا خُلِقَ لِيُنْتَفَعَ بِهِ فِي حَرْثِ الأَْرْضِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَنَافِعِ سِوَى الرُّكُوبِ. وَأَمَّا الْغَنَمُ فَهِيَ لِلدَّرِّ وَالنَّسْل وَاللَّحْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَْنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ} (30) ، وقَوْله تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي جَعَل لَكُمُ الأَْنْعَامَ لِتَرْكَبُوا مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} (31) ، وقَوْله تَعَالَى: {وَجَعَل لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَْنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ} . (32)
وَأَمَّا الآْيَاتُ الَّتِي تَذْكُرُ أَنَّ الأَْنْعَامَ تُرْكَبُ فَهِيَ مَحْمُولَةٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى بَعْضِ الأَْنْعَامِ، وَهِيَ الإِْبِل، وَهُوَ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ (33) .
وَمِمَّا يَدُل عَلَى أَنَّ اسْتِعْمَال الْبَقَرِ لِلرُّكُوبِ غَيْرُ لاَئِقٍ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً لَهُ قَدْ حَمَل عَلَيْهَا، الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ الْبَقَرَةُ فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا، وَلَكِنِّي إِنَّمَا خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ، فَقَال النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ - تَعَجُّبًا وَفَزَعًا - أَبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ؟ فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. (34)
بَوْل وَرَوْثُ الْبَقَرِ:
16 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْل وَرَوْثِ مَا لاَ يُؤْكَل لَحْمُهُ، سَوَاءٌ أَكَانَ إِنْسَانًا أَمْ غَيْرَهُ. وَأَمَّا بَوْل وَرَوْثُ مَا يُؤْكَل لَحْمُهُ كَالإِْبِل وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَفِيهِ الْخِلاَفُ فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى نَجَاسَةِ الأَْبْوَال وَالأَْرْوَاثِ كُلِّهَا، مِنْ مَأْكُول اللَّحْمِ وَغَيْرِهِ. وَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَطَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ، وَوَافَقَهُمْ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ حِبَّانَ وَالإِْصْطَخْرِيُّ وَالرُّويَانِيُّ، وَمِنَ الْحَنَفِيَّةِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ إِلَى طَهَارَةِ بَوْل مَا يُؤْكَل لَحْمُهُ (35) . وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيل وَالاِسْتِدْلاَل مُصْطَلَحَ (نَجَاسَة) .
حُكْمُ الْبَقَرِ فِي الدِّيَةِ:
17 - اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اعْتِبَارِ الْبَقَرِ أَصْلاً فِي الدِّيَةِ عَلَى قَوْلَيْنِ:
فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ إِلَى أَنَّ الدِّيَةَ ثَلاَثَةُ أُصُولٍ: الإِْبِل، وَالذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ، وَلَيْسَ أَصْلاً (36) .
وَذَهَبَ صَاحِبَا أَبِي حَنِيفَةَ (أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ) وَالثَّوْرِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إِلَى أَنَّ الدِّيَةَ خَمْسَةُ أُصُولٍ: الإِْبِل، وَالذَّهَبُ، وَالْفِضَّةُ، وَالْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ. وَزَادَ الصَّاحِبَانِ: الْحُلَل، وَهُوَ قَوْل عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَطَاوُوسٍ وَفُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ، فَعَلَى هَذَا الْقَوْل تُعْتَبَرُ الْبَقَرُ أَصْلاً مِنْ أُصُول الدِّيَةِ، وَيَجُوزُ لأَِصْحَابِهَا - كَمَا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ - دَفْعُهَا ابْتِدَاءً، وَلاَ يُكَلَّفُونَ غَيْرَهَا.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ إِلَى أَنَّ الدِّيَةَ لَيْسَ لَهَا إِلاَّ أَصْلٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ الإِْبِل، فَإِذَا فُقِدَتْ فَالْوَاجِبُ قِيمَتُهَا مِنْ نَقْدِ الْبَلَدِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ. فَلَيْسَتِ الْبَقَرُ أَصْلاً عَلَى هَذَا الْقَوْل كَذَلِكَ (37) .
وَانْظُرْ لِلتَّفْصِيل مُصْطَلَحَ (دِيَة) .
__________
(1) المصباح المنير ولسان العرب والقاموس المحيط في المادة.
(2) حديث: " والذي نفسي بيده. . . " أخرجه البخاري (الفتح 3 / 323 ـ ط السلفية) ومسلم (2 / 686ـ ط الحلبي) .
(3) حديث: " بعث معاذا إلى اليمن. . . " أخرجه النسائي (5 / 26ـ ط المكتبة التجارية) والحاكم (1 / 398 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
(4) المغني لابن قدامة2 / 591.
(5) الدسوقي 1 / 432، والمغني لابن قدامة 2 / 576.
(6) حديث: " ليس في العوامل شيء " أخرجه أبو داود (2 / 229 ـ ط عزت عبيد دعاس) من حديث علي بن أبي طالب وحسنه النووي كما في نصب الراية (2 / 328 ـ ط المجلس العلمي) .
(7) حديث: " ليس في البقر العوامل شيء. . . " أخرجه الدارقطني (2 / 103 ـ ط شركة الطباعة الفنية) وأعله الزيلعي بأن فيه غالب بن عبيد الله، قال ابن معين: لا يحتج به. (نصب الراية2 / 390 ـ ط المجلس العلمي) .
(8) المغني لابن قدامة 2 / 592، والمجموع 5 / 357 ط المنيرية.
(9) المغني 2 / 577.
(10) الإنصاف 3 / 4، ونقله عن الفروع، والمغني 2 / 595، والمقنع 1 / 118.
(11) المغني 2 / 594، المقنع 1 / 118.
(12) المغني 2 / 595.
(13) بدائع الصنائع 2 / 30، المغني 2 / 595.
(14) مغني المحتاج 1 / 369، الجمل على شرح المنهج 2 / 219.
(15) مغني المحتاج 1 / 378، المغني 2 / 635.
(16) المجموع للنووي 5 / 416، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 435، والمحلى 5 / 290.
(17) حاشية الدسوقي 1 / 435، والأم 2 / 8، وفتح القدير 2 / 133، المغني 2 / 592، والمحلى 5 / 290.
(18) حديث معاذ حين بعثه إلى اليمن وسبق تخريجه ف / 2.
(19) حديث معاذ: " أنه سأل النبي ﷺ عن الأوقاص. . . . " أخرجه الدارقطني (2 / 99 ـ ط شركة الطباعة الفنية) وأعله الزيلعي بالإرسال. (نصب الراية 2 / 348 ـ ط المجلس العلمي) .
(20) حديث: " كتاب رسول الله ﷺ إلى عمرو بن حزم. . " أخرجه أبو داود في مراسيله، وقال النسائي: سليمان بن أرقم - يعني الذي في إسناده - متروك الحديث. (نصب الراية 2 / 340 ـ ط المجلس العلمي) .
(21) بداية المجتهد 1 / 261، والمغني 2 / 592، والمحلى 6 / 3.
(22) المحلى 7 / 434.
(23) المجموع للنووي 8 / 398، والمغني لابن قدامة 8 / 619، وحاشية الدسوقي 2 / 119، وحاشية قليوبي وعميرة 4 / 250، وتكملة فتح القدير 8 / 429، والمحلى 7 / 448، ونيل الأوطار للشوكاني 5 / 193.
(24) حديث جابر: " نحرنا مع رسول الله ﷺ البقرة. . . " أخرجه مسلم (2 / 955 ـ ط الحلبي) .
(25) حديث جابر: " خرجنا مع رسول الله ﷺ. . . " أخرجه مسلم 2 / 955 ـ ط الحلبي) .
(26) حاشية الدسوقي 2 / 119، والمغني 8 / 620، المحلى 7 / 448.
(27) المجموع 8 / 360.
(28) المجموع 8 / 360.
(29) حاشية قليوبي وعميرة 4 / 243.
(30) سورة المؤمنون / 21، 22.
(31) سورة غافر / 79.
(32) سورة الزخرف / 12.
(33) تفسير القرطبي10 / 72، وروح المعاني 18 / 24.
(34) حديث: " بينما رجل يسوق بقرة. . . " أخرجه مسلم (4 / 1857) .
(35) نيل الأوطار 1 / 60، 61.
(36) المغني 7 / 759، والمجموع للنووي 19 / 51، وبدائع الصنائع 7 / 253.
(37) بدائع الصنائع 7 / 254، والمجموع 19 / 50.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 158/ 8