السميع
كلمة السميع في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) بمعنى (فاعل) أي:...
التَّعْرِيفُ:
1 - الْمُبَالَغَةُ فِي اللُّغَةِ:
مَصْدَرُ بَالَغَ يُقَال: بَالَغَ يُبَالِغُ مُبَالَغَةً وَبَلاَغًا: إِذَا اجْتَهَدَ فِي الأَْمْرِ وَلَمْ يُقَصِّرْ وَالْمُبَالَغَةُ: الْمُغَالاَةُ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ (2) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْمُبَالَغَةِ:
الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ فِي الْوُضُوءِ
2 - الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَضْمَضَةِ إِدَارَةُ الْمَاءِ فِي أَعْمَاقِ الْفَمِ وَأَقَاصِيهِ وَأَشْدَاقِهِ وَالْمُبَالَغَةُ فِي الاِسْتِنْشَاقِ اجْتِذَابُ الْمَاءِ بِالنَّفَسِ إِلَى أَقْصَى الأَْنْفِ. وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ سُنَّةٌ لِغَيْرِ الصَّائِمِ. أَمَّا لِلصَّائِمِ فَالْمُبَالَغَةُ فِيهِمَا مَكْرُوهَةٌ بِالنِّسْبَةِ لَهُ لِحَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبُرَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: وَبَالِغْ فِي الاِسْتِنْشَاقِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا (3) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (وُضُوءٌ، صَوْمٌ ف 83) .
الْمُبَالَغَةُ فِي غَسْل أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ
3 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ أَيْ غَسْل مَا فَوْقَ الْوَاجِبِ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَوْ مَسْحُهُ لِمَا رَوَى نُعَيْمٌ الْمُجَمِّرُ أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ ﵁ يَتَوَضَّأُ فَغَسَل وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى كَادَ يَبْلُغُ الْمَنْكِبَيْنِ ثُمَّ غَسَل رِجْلَيْهِ حَتَّى رَفَعَ إِلَى السَّاقَيْنِ ثُمَّ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيل غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَل (4) ، وَالْغُرَّةُ: بَيَاضٌ فِي وَجْهِ الْفَرَسِ وَالتَّحْجِيل فِي يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ: يَأْتُونَ بِيضَ الْوُجُوهِ وَالأَْيْدِي وَالأَْرْجُل. وَصَرَّحَ الْحَنَابِلَةُ بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ الْمُبَالَغَةُ فِي أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَالْمُبَالَغَةُ عِنْدَهُمْ فِي غَيْرِ الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ هِيَ دَلْكُ الْمَوَاضِعِ الَّتِي يَنْبُو عَنْهَا الْمَاءُ أَيْ لاَ يَطْمَئِنُّ عَلَيْهَا وَعَرْكُهَا بِالْمَاءِ.
وَصَرَّحَ الْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ يَجِبُ دَلْكُ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَالدَّلْكُ - فِي الرَّاجِحِ - عِنْدَهُمْ: هُوَ إِمْرَارُ الْيَدِ عَلَى الْعُضْوِ (5) . كَمَا صَرَّحُوا بِأَنَّهُ لاَ تُنْدَبُ إِطَالَةُ الْغُرَّةِ وَهِيَ الزِّيَادَةُ فِي مَغْسُول الْوُضُوءِ عَلَى مَحَل الْفَرْضِ (6) .
الْمُبَالَغَةُ فِي دَلْكِ الْعَقِبِ فِي الْوُضُوءِ
4 - صَرَّحَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ بِاسْتِحْبَابِ دَلْكِ الْعَقِبِ فِي الْوُضُوءِ. قَال مَالِكٌ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَعَاهَدَ عَقِبَيْهِ (7) .
وَقَال الْبَغَوِيُّ: وَيَجْتَهِدُ فِي دَلْكِ الْعَقِبِ لاَ سِيَّمَا فِي الشِّتَاءِ فَإِنَّ الْمَاءَ يَتَجَافَى عَنْهَا (8) .
وَصَرَّحَ الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: بِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَدْلُكَ أَعْضَاءَ الْوُضُوءِ وَيُبَالِغَ فِي الْعَقِبِ خُصُوصًا فِي الشِّتَاءِ فَقَدْ وَرَدَ: وَيْلٌ لِلأَْعْقَابِ مِنَ النَّارِ (9) . وَذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الْحَطَّابُ وَابْنُ قُدَامَةَ (10) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (وُضُوءٌ) .
الْمُبَالَغَةُ فِي الْغُسْل
5 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي كَرَاهَةِ الإِْسْرَافِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي الْغُسْل فَمَا زَادَ عَلَى الْكِفَايَةِ أَوْ بَعْدَ تَيَقُّنِ الْوَاجِبِ فَهُوَ سَرَفٌ مَكْرُوهٌ إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمَاءُ مَوْقُوفًا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الزِّيَادَةُ عَلَى الْكِفَايَةِ لِكَوْنِهَا غَيْرَ مَأْذُونٍ فِيهَا (11) .
وَلِلتَّفْصِيل (ر: إِسْرَافٌ ف 8 غُسْلٌ ف 40) .
الْمُبَالَغَةُ فِي رَفْعِ الصَّوْتِ بِالأَْذَانِ
6 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالأَْذَانِ بِلاَ إِجْهَادٍ لِنَفْسِهِ لِئَلاَّ يَضُرَّ بِهَا لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ لأَِبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَالْبَادِيَةَ فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ فَإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ (12) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: يُسَنُّ الْجَهْرُ بِالأَْذَانِ وَرَفْعُ الصَّوْتِ بِهِ وَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يُجْهِدَ نَفْسَهُ لأَِنَّهُ يَخَافُ حُدُوثَ بَعْضِ الْعِلَل. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: رَفْعُ الصَّوْتِ بِالأَْذَانِ رُكْنٌ وَيُسْتَحَبُّ رَفْعُ صَوْتِهِ بِقَدْرِ طَاقَتِهِ وَتُكْرَهُ الزِّيَادَةُ فَوْقَ طَاقَتِهِ خَشْيَةَ الضَّرَرِ (13) .
وَالتَّفْصِيل فِي (أَذَانٌ ف 24 - 25) .
الْمُبَالَغَةُ فِي الدُّعَاءِ وَرَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ
7 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ إِلَى اسْتِحْبَابِ الْمُبَالَغَةِ فِي الدُّعَاءِ وَفِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِي الاِسْتِسْقَاءِ لِمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ ﵁: كَانَ ﷺ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبِطَيْهِ (14) .
وَذَكَرَ الزُّرْقَانِيُّ أَنَّ مَعْنَى الْمُبَالَغَةِ فِي الدُّعَاءِ يَحْتَمِل أَمْرَيْنِ: إِمَّا الإِْطَالَةَ فِي الدُّعَاءِ وَإِمَّا الإِْتْيَانَ بِأَجْوَدِهِ وَأَحْسَنِهِ أَوْ يَحْتَمِلُهُمَا مَعًا وَذَكَرَ - أَيْضًا - أَنَّ الْمُبَالَغَةَ فِي الدُّعَاءِ تَكُونُ مِنَ الإِْمَامِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْحَاضِرِينَ (15) .
(ر: اسْتِسْقَاءٌ ف 19 دُعَاءٌ ف 8) .
الْمُبَالَغَةُ فِي الْمَدْحِ
8 - قَال النَّوَوِيُّ: وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِي النَّهْيِ عَنِ الْمَدْحِ وَأَحَادِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ بِالْمَدْحِ فِي الْوَجْهِ.
قَال الْعُلَمَاءُ: وَطَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَهَا أَنَّ النَّهْيَ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُجَازَفَةِ فِي الْمَدْحِ وَالزِّيَادَةِ فِي الأَْوْصَافِ أَوْ عَلَى مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ مِنْ إِعْجَابٍ وَنَحْوِهِ إِذَا سَمِعَ الْمَدْحَ أَمَّا مَنْ لاَ يُخَافُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لِكَمَال تَقْوَاهُ وَرُسُوخِ عَقْلِهِ وَمَعْرِفَتِهِ فَلاَ نَهْيَ فِي مَدْحِهِ فِي وَجْهِهِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُجَازَفَةٌ بَل إِنْ كَانَ يَحْصُل بِذَلِكَ مَصْلَحَةٌ كَنَشْطِهِ لِلْخَيْرِ وَالاِزْدِيَادِ مَعَهُ أَوِ الدَّوَامِ عَلَيْهِ أَوِ الاِقْتِدَاءِ بِهِ كَانَ مُسْتَحَبًّا (16) .
وَلِلتَّفْصِيل: (ر: مَدْحٌ) .
__________
(1) لسان العرب، وتاج العروس، والمعجم الوسيط، وتهذيب اللغة.
(2) قواعد الفقه للبركتي.
(3) فتح القدير 1 / 16، وحاشية ابن عابدين 1 / 79، وشرح الزرقاني على خليل 1 / 67، والذخيرة 272، وشرح المحلي 1 / 53، والمجموع 1 / 356 - 357، والمغني 1 / 356، والإنصاف 1 / 132 - 133. وحديث: " بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا ". أخرجه الترمذي (3 / 146) وقال: حديث صحيح.
(4) حديث: نعيم المجمر: " أنه رأى أبا هريرة ﵁ يتوضأ. . ". أخرجه مسلم (1 / 216) .
(5) حاشية ابن عابدين 1 / 88، والفتاوى الهندية 1 / 9، والمجموع 1 / 427 - 428، والزرقاني 1 / 61، وكشاف القناع 1 / 94.
(6) حاشية الزرقاني 1 / 73.
(7) مواهب الجليل مع التاج والإكليل 1 / 261.
(8) المجموع 1 / 426.
(9) الإقناع 1 / 47. وحديث: " ويل للأعقاب من النار ". أخرجه البخاري 1 / 143) ومسلم (1 / 214) من حديث عبد الله بن عمرو.
(10) مواهب الجليل 1 / 262، والمغني 1 / 134.
(11) حاشية ابن عابدين 1 / 90، 107، ومواهب الجليل 1 / 256، وحاشية الدسوقي 1 / 101، ونهاية المحتاج 1 / 173، والمجموع 2 / 190، والمغني 1 / 139، 224.
(12) حديث: " إني أراك تحب الغنم والبادية. . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 87 - 88) .
(13) مواهب الجليل 1 / 437، ومغني المحتاج 1 / 137، وأسنى المطالب 1 / 127، وبدائع الصنائع 1 / 149، كشاف القناع 1 / 241، والإنصاف 1 / 418 - 419.
(14) حديث: " أن النبي ﷺ كان يرفع يديه في الاستسقاء. . ". أخرجه البخاري (فتح الباري 2 / 517) .
(15) الطحطاوي على مراقي الفلاح ص301، والشرح الصغير 1 / 539، والزرقاني على خليل 2 / 82، والمجموع 5 / 84، والقليوبي 1 / 316، والكافي 1 / 242 - 243، وفتح الباري 2 / 517.
(16) شرح صحيح مسلم للنووي 18 / 126، فتح الباري 10 / 477، وإحياء علوم الدين 3 / 234.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 54/ 36
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".