المؤخر
كلمة (المؤخِّر) في اللغة اسم فاعل من التأخير، وهو نقيض التقديم،...
"بَيَّضَ الكِتَاب " أي رَاجَع مُسَوَّدة الكتاب، وأَخْرَج نسخة معتمدة منه . ومنه قول الشيخ المناوي : "ومع اتصافي بهذا الحال، قد ألح علي بعض أهل الكمال في الإكمال، فبيَّضت ما كنت سَوَّدتُه، وأبرزت ما عن الناس كتمته "
البَيْضُ: جَمْعُ بَيْضَةٍ، وهي: ما تَضَعُهُ إِناثُ الطُّيورِ ونحْوِها لِتَخْرُجَ مِنْهُ أَوْلادُها، يُقال: باضَت الدَّجاجَةُ، تَبِيضُ، بَيْضاً: إذا أَلْقَتْ بَيْضَها. وأصْلُ الكَلِمَةِ مِن البَياضِ، وهو: اللَّوْنُ المَعْروفُ، ومنه سُمِّيَت بِهِ؛ لأنَّ لَوْنَها أَبْيَضٌ غالِباً. ورَجُلٌ بَيّاضٌ: يَبِيعُ البَيْضَ. وتُطْلَقُ البَيْضَةُ أيضاً على خُصْيَةِ الرَّجُلِ.
يَرِد مُصْطلَح (بَيْض) في الفِقْهِ في عِدَّةِ مواطِنَ، منها: كتاب الطَّهارَة، عند الكلام على بِيضِ الجَلاَّلَة التي تأكل النَّجاسات، وفي كتاب الحَجِّ، باب: جَزاء الصَّيْدِ، وباب: مَحْظورات الإِحْرامِ، وفي كتاب البُيوعِ، باب: السَّلَم، وباب: الرِّبا، وفي كتاب الأطْعِمَةِ، باب: ما يُباحُ أَكْلُهُ مِن الحَيوانِ. ويُطْلَق في كِتابِ الجِهادِ عند الكَلامِ على جِهادِ الدَّفْعِ وحِمايةِ بَيْضَةِ الإِسْلامِ، والمُرادُ بِالبَيْضَةِ هنا: حُدودُ الإِسلامِ ومَحارِمُ المُسْلِمينَ. ويُطْلَقُ أيضاً في كِتابِ الحُدودِ، باب: حَدّ السَّرِقَةِ عند الكَلامِ عن حُكْمِ سَرِقَةِ البَيْضَةِ ويَقْصِدون بِها: الخُوذَةُ الحَدِيدِيَّةُ التي تُلْبَسُ على الرَّأْسِ، وهي مِن السِّلاحِ، سُمِّيَتْ بذلك؛ لأَنَّها على شَكْلِ بَيْضَةِ النَّعامِ.
بيض
ما تَضَعُهُ إِناثُ بَعْضِ الحَيَواناتِ كَالطَّيْرِ والأَسْماكِ، وتَكونُ مِنْهُ صِغارُها.
البَيْضُ: جَمْعُ بَيْضَةٍ، وهي: ما تَضَعُهُ إِناثُ الطُّيورِ ونحْوِها لِتَخْرُجَ مِنْهُ أَوْلادُها، وأصْلُ الكَلِمَةِ مِن البَياضِ، وهو: اللَّوْنُ المَعْروفُ.
-"بَيَّضَ الكِتَاب": أَخْرَج منه نسخة منقحة ومصححة، نقلاً عن مُسَوَّدَته.
* العين : (7/68)
* تهذيب اللغة : (12/59)
* مقاييس اللغة : (1/326)
* المحكم والمحيط الأعظم : (8/235)
* مختار الصحاح : (ص 42)
* لسان العرب : (7/122)
* حاشية الدسوقي على الشرح الكبير : (1/60)
* روضة الطالبين : (3/279)
* الـمغني لابن قدامة : (1/75)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (8/266)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 113) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْبَيْضُ مَعْرُوفٌ، يُقَال: بَاضَ الطَّائِرُ يَبِيضُ بَيْضًا، وَاحِدَتُهُ: بَيْضَةٌ، وَتُطْلَقُ الْبَيْضَةُ أَيْضًا عَلَى الْخُصْيَةِ (1) . وَتُنْظَرُ أَحْكَامُهَا فِي مُصْطَلَحِ: (خُصْيَة) .
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْبَيْضِ:
بَيْضُ الْحَيَوَانَاتِ الْمَأْكُولَةِ اللَّحْمِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولَةِ:
2 - سَبَقَ فِي مُصْطَلَحِ (أَطْعِمَة) تَفْصِيل مَا يَتَّصِل بِحِل الأَْكْل وَحُرْمَتِهِ بِالنِّسْبَةِ لِلْبَيْضِ، وَهُوَ حِل أَكْل بَيْضِ مَا يُؤْكَل لَحْمُهُ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَحُرْمَةُ أَكْل بَيْضِ مَا لاَ يَحِل أَكْل لَحْمِهِ فِي الْجُمْلَةِ (2) .
بِيضُ الْجَلاَّلَةِ:
3 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ أَكْل بَيْضِ الْجَلاَّلَةِ (وَهِيَ الَّتِي تَتَّبِعُ النَّجَاسَاتِ وَتَأْكُلُهَا إِذَا كَانَتْ مُخَلاَّةً تَجُول فِي الْقَاذُورَاتِ) . فَبَنَى الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الصَّحِيحِ الْحُكْمَ عَلَى تَغَيُّرِ لَحْمِهَا وَنَتْنِهِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ وَوُجِدَتْ مِنْهَا رَائِحَةٌ مُنْتِنَةٌ كُرِهَ أَكْل بَيْضِهَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَحَرُمَ الأَْكْل فِي الصَّحِيحِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّهَا صَارَتْ مِنَ الْخَبَائِثِ، وَلِنَهْيِ النَّبِيِّ ﷺ عَنْ أَكْل لَحْمِ الْجَلاَّلَةِ وَشُرْبِ لَبَنِهَا. (3)
وَقَيَّدَ الْحَنَابِلَةُ وَبَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ حُرْمَةَ أَكْل بَيْضِ الْجَلاَّلَةِ بِمَا إِذَا كَانَ أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةَ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ.
وَقَال بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ: يُكْرَهُ أَكْل بَيْضِ الْجَلاَّلَةِ كَرَاهَةً تَنْزِيهً؛ لأَِنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ لِتَغَيُّرِ اللَّحْمِ، وَهُوَ لاَ يُوجِبُ التَّحْرِيمَ. قَالُوا: وَهُوَ الأَْصَحُّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ. وَالْمُخْتَارُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، أَنَّهُ يَحِل أَكْل بَيْضِهَا لِتَوَلُّدِهِ مِنْ حَيٍّ، وَكُل حَيٍّ طَاهِرٌ. وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ لَحْمُ الْجَلاَّلَةِ وَلَمْ يُنْتِنْ، بِأَنْ كَانَتْ تَخْلِطُ وَلَمْ يَكُنْ أَكْثَرُ عَلَفِهَا النَّجَاسَةَ حَل أَكْل بَيْضِهَا بِاتِّفَاقٍ (4) . سَلْقُ الْبَيْضِ فِي مَاءٍ نَجِسٍ:
4 - إِذَا سُلِقَ الْبَيْضُ فِي مَاءٍ نَجِسٍ حَل أَكْلُهُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ الْقَوْل الْمَرْجُوحُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ) وَفِي الرَّاجِحِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ لاَ يَحِل أَكْلُهُ لِنَجَاسَتِهِ وَتَعَذُّرِ تَطْهِيرِهِ لِسَرَيَانِ الْمَاءِ النَّجِسِ فِي مَسَامِّهِ (5) .
5 - الْبَيْضُ الْمَذَرُ (وَهُوَ الْفَاسِدُ بِوَجْهٍ عَامٍّ) :
هـ - إِذَا اسْتَحَالَتِ الْبَيْضَةُ دَمًا صَارَتْ نَجِسَةً عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِمْ، وَفِي الأَْصَحِّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَمُقَابِلُهُ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ، وَإِذَا تَغَيَّرَتْ بِالتَّعَفُّنِ فَقَطْ فَهِيَ طَاهِرَةٌ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، كَاللَّحْمِ الْمُنْتِنِ، وَهِيَ نَجِسَةٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ.
وَإِنِ اخْتَلَطَ صَفَارُهَا بِبَيَاضِهَا مِنْ غَيْرِ عُفُونَةٍ فَهِيَ طَاهِرَةٌ (6) . الْبَيْضُ الْخَارِجُ بَعْدَ الْمَوْتِ:
6 - الْبَيْضُ الْخَارِجُ مِنْ مَأْكُول اللَّحْمِ بَعْدَ مَوْتِهِ وَلاَ يَحْتَاجُ لِتَذْكِيَةٍ يَحِل أَكْلُهُ بِاتِّفَاقٍ، إِلاَّ إِذَا كَانَ فَاسِدًا.
أَمَّا مَا يَحْتَاجُ لِتَذْكِيَةٍ وَلَمْ يُذَكَّ فَالْبَيْضُ الْخَارِجُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَحِل أَكْلُهُ إِنْ تَصَلَّبَتْ قِشْرَتُهُ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَأَصَحُّ الأَْوْجُهِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّهُ صَارَ شَيْئًا آخَرَ مُنْفَصِلاً فَيَحِل أَكْلُهُ.
وَيَحِل أَكْلُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَلَوْ لَمْ تَتَصَلَّبْ قِشْرَتُهُ، وَهُوَ وَجْهٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ؛ لأَِنَّهُ شَيْءٌ طَاهِرٌ فِي نَفْسِهِ،
وَلاَ يَحِل عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَكْل بَيْضِ الْحَيَوَانِ الْبَرِّيِّ الَّذِي لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ إِذَا لَمْ يُذَكَّ، إِلاَّ مَا كَانَتْ مَيْتَتُهُ طَاهِرَةً دُونَ ذَكَاةٍ - كَالْجَرَادِ وَالتِّمْسَاحِ - فَيَحِل أَكْل بَيْضِهِ (7) .
بَيْعُ الْبَيْضِ:
7 - يُشْتَرَطُ فِي بَيْعِ الْبَيْضِ مَا يُشْتَرَطُ فِي غَيْرِهِ مِنَ الْمَبِيعَاتِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا مُتَقَوِّمًا طَاهِرًا مُنْتَفَعًا بِهِ مَقْدُورًا عَلَى تَسْلِيمِهِ. . . (ر: بَيْع) .
وَلِذَلِكَ لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْبَيْضِ الْفَاسِدِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ، وَلاَ بَيْعُ بَيْضٍ فِي بَطْنِ دَجَاجَةٍ؛ لأَِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَعْدُومِ (8) . . .
هَذَا وَيَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي اعْتِبَارِ الْبَيْضِ مِنَ الرِّبَوِيَّاتِ وَعَدَمِ اعْتِبَارِهِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ وَابْنُ شَعْبَانَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ الْقَدِيمُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: إِلَى أَنَّهُ لاَ يُعْتَبَرُ الْبَيْضُ مِنَ الرِّبَوِيَّاتِ؛ لأَِنَّ عِلَّةَ الرِّبَا عِنْدَهُمُ الْكَيْل مَعَ الْجِنْسِ، أَوِ الْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ، وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِرِبَا الْفَضْل. وَلاَ يَتَحَقَّقُ الرِّبَا إِلاَّ بِإِجْمَاعِ الْوَصْفَيْنِ: الْجِنْسِ وَالْقَدْرِ (الْكَيْل أَوِ الْوَزْنِ) ، وَعَلَى ذَلِكَ يَجُوزُ بَيْعُ بَيْضَةٍ بِبَيْضَتَيْنِ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ؛ لأَِنَّهُ لاَ تَتَحَقَّقُ فِيهِ الْعِلَّةُ. إِلاَّ أَنَّهُ رُوِيَ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ كَرَاهَةُ بَيْعِ بَيْضَةٍ بِبَيْضَتَيْنِ لِعِلَّةِ الطَّعْمِ.
وَيَحْرُمُ بَيْعُ الْبَيْضِ بِالْبَيْضِ نَسَاءً؛ لأَِنَّ عِلَّةَ رِبَا النِّسَاءِ هِيَ أَحَدُ وَصْفَيْ عِلَّةِ رِبَا الْفَضْل، أَمَّا الْكَيْل أَوِ الْوَزْنُ الْمُتَّفِقُ، أَوِ الْجِنْسُ فَالْجِنْسُ بِانْفِرَادِهِ يُحَرِّمُ النَّسَاءَ. وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِلنَّسَاءِ. وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَفِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ: لاَ يَحْرُمُ النَّسَاءُ فِي بَيْعِ الْبَيْضِ بِالْبَيْضِ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ غَيْرَ ابْنِ شَعْبَانَ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الْجَدِيدِ إِلَى اعْتِبَارِ الْبَيْضِ مِنَ الرِّبَوِيَّاتِ؛ لِعِلَّةِ الاِقْتِيَاتِ وَالاِدِّخَارِ فِي رِبَا الْفَضْل، وَعِلَّةِ الطَّعْمِ فِي رِبَا النَّسَاءِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَعِلَّةِ الطَّعْمِ فِي رِبَا الْفَضْل وَالنَّسَاءِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ.
وَالْبَيْضُ يُقْتَاتُ وَيُدَّخَرُ وَيُطْعَمُ فَيَكُونُ رِبَوِيًّا.
وَعَلَى ذَلِكَ يَحْرُمُ الْفَضْل وَالنَّسَاءُ فِي بَيْعِ الْبَيْضِ بِالْبَيْضِ، فَإِذَا بِيعَ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَلاَ بُدَّ أَنْ تَكُونَ حَالًّا، مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ. وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُبَادَةَ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَنْهَى عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ، وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، إِلاَّ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، عَيْنًا بِعَيْنٍ، فَمَنْ زَادَ أَوِ ازْدَادَ فَقَدْ أَرْبَى (9) فَإِنِ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ وَلَمْ تَخْتَلِفِ الْعِلَّةُ جَازَ التَّفَاضُل؛ لأَِنَّ اخْتِلاَفَ الْجِنْسِ لاَ يَحْرُمُ مَعَهُ التَّفَاضُل وَيَحْرُمُ النَّسَاءُ لِوُجُودِ عِلَّةِ الطَّعْمِ، وَقَدْ قَال النَّبِيُّ ﷺ فِي تَتِمَّةِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ: فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الأَْصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ. وَبَيْعُ الْبَيْضِ بِالْبَيْضِ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ وَزْنًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَبِالْوَزْنِ أَوِ التَّحَرِّي لِتَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (10) .
السَّلَمُ فِي الْبَيْضِ:
8 - إِسْلاَمُ الْبَيْضِ فِي الْبَيْضِ لاَ يَجُوزُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ - الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - لأَِنَّهُ يُعْتَبَرُ رِبًا لِعِلَّةِ الْجِنْسِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَعِلَّةِ الطَّعْمِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَيَجُوزُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِسْلاَمُ الْبَيْضِ فِي الْبَيْضِ؛ لأَِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الرِّبَوِيَّاتِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ عَلَى قَلاَئِصِ الصَّدَقَةِ فَكَانَ يَأْخُذُ الْبَعِيرَ بِالْبَعِيرَيْنِ إِلَى إِبِل الصَّدَقَةِ. (11) وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَيْضُ مُسْلَمًا فِيهِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا يُشْتَرَطُ فِي كُل مُسْلَمٍ فِيهِ مِنْ كَوْنِهِ مَعْلُومَ الْجِنْسِ وَالصِّفَةِ، وَأَنْ يَكُونَ مِمَّا يُمْكِنُ ضَبْطُ قَدْرِهِ وَصِفَتِهِ. . وَهَكَذَا.
وَالْبَيْضُ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ قَدْرًا وَصِفَةً؛ لأَِنَّ الْجَهَالَةَ يَسِيرَةٌ لاَ تُفْضِي إِلَى الْمُنَازَعَةِ، وَصَغِيرُ الْبَيْضِ وَكَبِيرُهُ سَوَاءٌ (12) ؛ لأَِنَّهُ لاَ يَجْرِي التَّنَازُعُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ مِنَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ النَّاسِ عَادَةً فَكَانَ مُلْحَقًا بِالْعَدَمِ، وَبِذَلِكَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْبَيْضِ عَدَدًا، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ خِلاَفًا لِزُفَرَ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِجَوَازِهِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ عَدَدًا، وَيَذْهَبُ التَّفَاوُتُ بِاشْتِرَاطِ الْكِبَرِ أَوِ الصِّغَرِ أَوِ الْوَسَطِ.
وَيَجُوزُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَيْضًا أَنْ يُسْلَمَ فِيهِ عَدَدًا إِذَا أَمْكَنَ ضَبْطُهُ أَوْ قِيَاسُهُ بِنَحْوِ خَيْطٍ يُوضَعُ عِنْدَ أَمِينٍ لاِخْتِلاَفِ الأَْغْرَاضِ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ.
أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَلاَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْبَيْضِ عَدَدًا وَلاَ كَيْلاً، وَإِنَّمَا يَجُوزُ بِالْوَزْنِ التَّقْرِيبِيِّ. وَعِنْدَ أَبِي الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ، وَزُفَرَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْبَيْضِ؛ لأَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ لاِخْتِلاَفِهِ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ (13) .
الاِعْتِدَاءُ عَلَى الْبَيْضِ فِي الْحَرَمِ وَحَال الإِْحْرَامِ:
9 - كُل مَا حَرُمَ صَيْدُهُ فِي الْحَرَمِ حَرُمَ التَّعَرُّضُ لِبَيْضِهِ، فَإِذَا كَسَرَهُ أَحَدٌ أَوْ شَوَاهُ لَزِمَهُ قِيمَتُهُ بِمَحَلِّهِ يَوْمَ التَّلَفِ؛ لأَِنَّهُ أَصْل الصَّيْدِ؛ إِذِ الصَّيْدُ يَتَوَلَّدُ مِنْهُ فَيُعْطَى لَهُ حُكْمُ الصَّيْدِ احْتِيَاطًا. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ حَكَمُوا فِي بَيْضِ النَّعَامَةِ بِالْقِيمَةِ. وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، عَدَا الْمُزَنِيِّ فَإِنَّهُ قَال: هُوَ حَلاَلٌ لاَ جَزَاءَ فِيهِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يَجِبُ فِي كُل فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْبَيْضِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ طَعَامًا أَوْ عِدْلُهُ صِيَامًا - صَوْمُ يَوْمٍ عَنْ كُل مُدٍّ - وَاسْتَظْهَرَ ابْنُ عَرَفَةَ أَنَّ فِي الْعَشْرِ الْبَيْضَاتِ شَاةً. وَاسْتَثْنَى الْمَالِكِيَّةُ بَيْضَ حَمَامِ حَرَمِ مَكَّةَ فَفِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ شَاةٍ طَعَامًا؛ لِقَضَاءِ عُثْمَانَ ﵁ فِيهِ بِذَلِكَ. وَلاَ ضَمَانَ فِي الْبَيْضِ الْفَاسِدِ بِاتِّفَاقٍ إِذَا كَانَ غَيْرَ بَيْضِ نَعَامَةٍ؛ لأَِنَّ الضَّمَانَ لِعَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ الْبَيْضُ صَيْدًا وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْفَاسِدِ.
أَمَّا إِذَا كَانَ الْفَاسِدُ بَيْضَ نَعَامَةٍ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَابْنِ قُدَامَةَ مِنَ الْحَنَابِلَةِ لاَ شَيْءَ فِيهِ أَيْضًا؛ لأَِنَّهُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ حَيَوَانٌ وَلاَ مَآلُهُ إِلَى أَنْ يَصِيرَ مِنْهُ حَيَوَانٌ صَارَ كَالأَْحْجَارِ وَالْخَشَبِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ غَيْرَ إِمَامِ الْحَرَمَيْنِ، وَالْحَنَابِلَةُ غَيْرَ ابْنِ قُدَامَةَ يُضْمَنُ قِيمَةُ قِشْرِ بَيْضِ النَّعَامِ؛ لأَِنَّ لِقِشْرِهِ قِيمَةٌ لَكِنْ قَال ابْنُ قُدَامَةَ: الصَّحِيحُ لاَ شَيْءَ فِيهِ. وَإِنْ كُسِرَ الْبَيْضُ فَخَرَجَ مِنْهُ فَرْخٌ مَيِّتٌ، فَإِنْ كَانَ مَوْتُ الْفَرْخِ بِسَبَبِ الْكَسْرِ، فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ حَيًّا، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ عَلَيْهِ عُشْرُ قِيمَةِ أُمِّهِ - فَإِنْ عَلِمَ مَوْتَ الْفَرْخِ قَبْل الْكَسْرِ فَلاَ شَيْءَ فِيهِ.
وَإِذَا كَسَرَ الْمُحْرِمُ بَيْضًا أَوْ شَوَاهُ وَضَمِنَهُ أَوْ أَخَذَهُ حَلاَلٌ مِنْ أَجْلِهِ حَرُمَ عَلَيْهِ أَكْلُهُ لأَِنَّهُ صَارَ كَالْمَيْتَةِ، وَهَذَا عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَيَحِل أَكْلُهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
وَيَحِل أَكْلُهُ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْمَجْمُوعِ وَجَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي، وَكَذَلِكَ يَحِل عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - غَيْرَ الْقَاضِي - وَسَنَدٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ.وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ غَيْرَ سَنَدٍ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْقَاضِي مِنَ الْحَنَابِلَةِ يَحْرُمُ عَلَى الْحَلاَل (غَيْرِ الْمُحْرِمِ) أَكْلُهُ كَمَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ. وَمَا مَرَّ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِبَيْضِ حَرَمِ مَكَّةَ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِحَرَمِ الْمَدِينَةِ فَلاَ جَزَاءَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يَحْرُمُ وَيَأْثَمُ بِذَلِكَ (14) . هَذَا كُلُّهُ فِي بَيْضِ الصَّيْدِ وَهُوَ غَيْرُ الْمُسْتَأْنَسِ مِنَ الطُّيُورِ. أَمَّا الْمُسْتَأْنَسُ (مَا يُرَبَّى فِي الْبُيُوتِ كَالدَّجَاجِ) فَلاَ شَيْءَ فِي بَيْضِهِ.
غَصْبُ الْبَيْضِ:
10 - غَصْبُ الْبَيْضِ - كَغَصْبِ غَيْرِهِ مِنَ الأَْمْوَال - حَرَامٌ، وَعَلَى الْغَاصِبِ الضَّمَانُ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْضُ الْمَغْصُوبُ بَاقِيًا وَجَبَ رَدُّهُ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: لاَ يَأْخُذَنَّ أَحَدُكُمْ مَال أَخِيهِ لاَعِبًا وَلاَ جَادًّا وَمَنْ أَخَذَ عَصَا أَخِيهِ فَلْيَرُدَّهَا (15) فَإِنْ تَلِفَ ضَمِنَ مِثْلَهُ؛ إِذِ الْبَيْضُ مِنَ الْمِثْلِيَّاتِ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْمِثْل فَالْقِيمَةُ. وَيَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ غَصَبَ بَيْضًا فَحَضَنَهُ تَحْتَ دَجَاجٍ حَتَّى أَفْرَخَ. فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ يَكُونُ عَلَى الْغَاصِبِ بَيْضٌ مِثْلُهُ لِرَبِّهِ وَالْفِرَاخُ لِلْغَاصِبِ؛ لأَِنَّ الْمَغْصُوبَ قَدْ تَبَدَّل وَصَارَ شَيْئًا آخَرَ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ تَكُونُ الْفِرَاخُ لِرَبِّ الْبَيْضِ لأَِنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ نُمِّيَ، وَلاَ شَيْءَ لِلْغَاصِبِ (16) .
__________
(1) المصباح المنير مادة: بيض، وحاشية الدسوقي 1 / 60، وروضة الطالبين 3 / 279، والمغني لابن قدامة 1 / 75.
(2) انظر الموسوعة 5 / 154 (ف 81) .
(3) حديث: " نهى عن أكل لحم الجلالة وشرب لبنها " أخرجه أبو داود (4 / 148 ـ ط عزت عبيد دعاس) وحسنه ابن حجر في الفتح (9 / 648 ط السلفية) .
(4) لبدائع 5 / 40 وابن عابدين 5 / 195، 216، ومراقي الفلاح ص 18، والحطاب 1 / 92، والدسوقي 1 / 50، ونهاية المحتاج 8 / 147، ومغني المحتاج 4 / 304، والروضة 3 / 278، وشرح منتهى الإرادات 3 / 399، والمغني 8 / 593، 594.
(5) فتح القدير 1 / 186، ونشر دار إحياء التراث، والدسوقي 1 / 60، ومغني المحتاج 4 / 305، والمغني 1 / 75.
(6) ابن عابدين 4 / 505 والدسوقي 1 / 50، ومنح الجليل 1 / 27، ومغني المحتاج 1 / 80، 4 / 305، والمجموع 2 / 510، ونهاية المحتاج 8 / 147، وكشاف القناع 1 / 191، 192، والفروع 1 / 251، 252.
(7) البدائع 5 / 43، ومختصر الطحاوي ص 440، والدسوقي 1 / 50، وأسنى المطالب 1 / 13، والمجموع 1 / 283 وقليوبي 1 / 72 وكشاف القناع 1 / 57، والمغني 1 / 75.
(8) المجموع 9 / 214، وشرح منتهي الإرادات 2 / 142.
(9) حديث: " كان ينهي عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة. . . " أخرجه مسلم (3 / 1210 ـ ط الحلبي) .
(10) البدائع 5 / 183، 185، 187، وابن عابدين 4 / 177، 181، والهداية 3 / 61، 62، والشرح الصغير 2 / 15، 24، 29، ط الحلبي، ومنح الجليل 2 / 537، 542، والدسوقي 3 / 20، 21، والحطاب 4 / 351، 353، ونهاية المحتاج 3 / 410، وما بعدها، والمجموع شرح المهذب 9 / 397 وما بعدها و 10 / 19، 58، 63، 79، وأسنى المطالب 2 / 26، وكشاف القناع 3 / 252، شرح منتهى الإرادات 2 / 194، 200، والمغني 4 / 14.
(11) حديث: " أمر ابن عمر وأن يأخذ على قلائص الصدقة فكان يأخذ البعير. . . " أخرجه أبو داود (3 / 652 ـ ط عزت عبيد دعاس) والبيهقي (5 / 288 ـ ط دائرة المعارف العثمانية) من طريق آخر وصححه.
(12) هذا بحسب العرف السائد قديما. وأما الآن فالعادة ضبط حجوم البيض بدرجات تبعا لوزنه أو حجمه، فيراعى هذا العرف عند السلم فيه عددا. (اللجنة) .
(13) البدائع 5 / 208، وابن عابدين 4 / 203، حاشية الدسوقي 3 / 207، والشرح الصغير 2 / 99 ط الحلبي، وشرح المحلي وحاشية قليوبي وعميرة 2 / 249ـ 250 وأسنى المطالب 2 / 129، والمهذب 1 / 306، ونهاية المحتاج 4 / 192، وشرح منتهى الإرادات 2 / 215، والمغني 4 / 308، 320.
(14) البدائع 2 / 203، وابن عابدين 2 / 216، والدسوقي 2 / 72، 84، والشرح الصغير 1 / 297 ط الحلبي، ومنح الجليل 1 / 543، ومغني المحتاج 1 / 525، وأسنى المطالب 1 / 514، وشرح منتهى الإرادات 2 / 26، 48، وكشاف القناع 2 / 436، والمغني 3 / 516.
(15) حديث: " لا يأخذن أحدكم. . . " أخرجه أبو داود (5 / 273 ـ ط عزت عبيد دعاس) والترمذي (4 / 462 ط الحلبي) وحسنه.
(16) البدائع 7 / 148، وحاشية الدسوقي 3 / 447، وأسنى المطالب 2 / 355، والمغني 5 / 265، وشرح منتهى الإرادات 2 / 407.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 266/ 8