الواسع
كلمة (الواسع) في اللغة اسم فاعل من الفعل (وَسِعَ يَسَع) والمصدر...
اتفاق رجلين، أو أكثر على جعل ثالثاً حكماً بينهما فيما اختلفا فيه . ومن أمثلته تحكيم رجلين من أهل الزوج، والزوجة في خلافهما . ومن شواهده قوله تعالى : ﱫﭾ ﭿ ﴾ ﴿ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﱪ النساء : ٣٥ .
التَّحْكِيْمُ: مَصْدَرُ حَكَّمَهُ في الأَمْرِ والشَّيْءِ، أيْ: جَعَلَهُ حَكَماً، وفَوَّضَ الأمْرَ إليه لِيَحكُم ويَفْصِلَ فيه. والحُكْمُ: القَضاءُ في الشَّيْءِ، بأنَّه كذا أو ليس بِكذا، سواءٌ لَزِم ذلك غَيْرَه أم لا، يُقال: حَكَمَ عليه بالأَمْرِ: إذا قَضَى. وخَصَّصَه بَعضُهم فقَال: القَضاءُ بالعَدْل. وأصلُ الحُكُومَة: رَدُّ الرَّجُلِ عن الظُّلْمِ.
يَرِد مصطلح (تَحكيم) في الفقه في عِدَّة مواطِن، منها: كتاب الطَّلاق، والحُدود، والدَّيّات، والقِصاص، وغير ذلك. ويُطلَق في علم العقيدة، باب: الفرق والملل، عند الكلام عن التَّحكيم عند الحَرورِيَّة، ويُراد به: قولُهم لا حُكْمَ إلّا للهِ.
حكم
اتِّخاذُ الخَصْمَيْنِ حاكِماً بِرِضاهُما لِفَصْلِ الخُصومَةِ والنِّزاعِ بينَهما.
التَّحْكِيمُ: اِتِّفاقُ خَصْمَيْنِ فأَكْثَرَ على قَبُولِ حُكْمِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ في حَلِّ الخُصومَة والنِّزاعِ بَيْنَهُما، أو يُقال: هو تَوْلِيَةُ الخَصْمَيْنِ حاكِماً يرتَضيانه لِيَحْكُم بيْنَهُما.
التَّحْكِيْمُ: مَصْدَرُ حَكَّمَهُ في الأَمْرِ والشَّيْءِ، أيْ: جَعَلَهُ حَكَماً، وفَوَّضَ الأمْرَ إليه لِيَحكُم ويَفْصِلَ فيه. والحُكْمُ: القَضاءُ في الشَّيْءِ، وقيل: القَضاءُ بالعَدْل.
اتفاق رجلين، أو أكثر على جعل ثالثاً حكماً بينهما فيما اختلفا فيه.
* مقاييس اللغة : (2/91)
* البحر الرائق شرح كنز الدقائق : (7/24)
* الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) : (5/428)
* مجلة الأحكام العدلية : مادة 1790 - القاموس الفقهي : (ص 96)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (10/233)
* نيل المارب بشرح دليل الطالب : (2/448)
* العين : (3/67)
* تهذيب اللغة : (4/69)
* المحكم والمحيط الأعظم : (3/49)
* تاج العروس : (31/510)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 123)
* مفاتيح العلوم : (ص 44) -
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّحْكِيمُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ حَكَّمَهُ فِي الأَْمْرِ وَالشَّيْءِ، أَيْ: جَعَلَهُ حَكَمًا، وَفَوَّضَ الْحُكْمَ إِلَيْهِ.
وَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيزِ: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} (1) .
وَحَكَّمَهُ بَيْنَهُمْ: أَمَرَهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ. فَهُوَ حَكَمٌ، وَمُحَكَّمٌ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ: إِنَّ الْجَنَّةَ لِلْمُحَكَّمِينَ (2) فَالْمُرَادُ بِهِ الَّذِينَ يَقَعُونَ فِي يَدِ الْعَدُوِّ، فَيُخَيَّرُونَ بَيْنَ الشِّرْكِ وَالْقَتْل، فَيَخْتَارُونَ الْقَتْل ثَبَاتًا عَلَى الإِْسْلاَمِ.
وَفِي الْمَجَازِ: حَكَّمْتُ السَّفِيهَ تَحْكِيمًا: إِذَا أَخَذْتَ عَلَى يَدِهِ، أَوْ بَصَّرْتَهُ مَا هُوَ عَلَيْهِ. وَمِنْهُ قَوْل النَّخَعِيِّ ﵀ تَعَالَى: حَكِّمِ الْيَتِيمَ كَمَا تُحَكِّمُ وَلَدكَ. أَيِ: امْنَعْهُ مِنَ الْفَسَادِ كَمَا تَمْنَعُ وَلَدَكَ وَقِيل: أَرَادَ حُكْمَهُ فِي مَالِهِ إِذَا صَلَحَ كَمَا تُحَكِّمُ وَلَدَكَ. (3)
وَمِنْ مَعَانِي التَّحْكِيمِ فِي اللُّغَةِ: الْحَكَمُ.
يُقَال: قَضَى بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ، وَقَضَى لَهُ، وَقَضَى عَلَيْهِ. (4)
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: التَّحْكِيمُ: تَوْلِيَةُ الْخَصْمَيْنِ حَاكِمًا يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا (5) .
وَفِي مَجَلَّةِ الأَْحْكَامِ الْعَدْلِيَّةِ: التَّحْكِيمُ عِبَارَةٌ عَنِ اتِّخَاذِ الْخَصْمَيْنِ حَاكِمًا بِرِضَاهُمَا لِفَصْل خُصُومَتِهِمَا وَدَعْوَاهُمَا.
وَيُقَال لِذَلِكَ: حَكَمٌ بِفَتْحَتَيْنِ، وَمُحَكَّمٌ بِضَمِّ الْمِيمِ، وَفَتْحِ الْحَاءِ، وَتَشْدِيدِ الْكَافِ الْمَفْتُوحَةِ (6) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْقَضَاءُ:
2 - مِنْ مَعَانِيهِ فِي اللُّغَةِ: الْحُكْمُ، وَهُوَ فِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: تَبْيِينُ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَالإِْلْزَامُ بِهِ، وَفَصْل الْخُصُومَةِ. وَعَلَى هَذَا فَكُلٌّ مِنَ التَّحْكِيمِ وَالْقَضَاءِ وَسِيلَةٌ لِفَضِّ النِّزَاعِ بَيْنَ النَّاسِ وَتَحْدِيدِ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَلِهَذَا اشْتَرَطَ الْفُقَهَاءُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا صِفَاتٍ مُتَمَاثِلَةً. كَمَا سَنَرَى بَعْدَ قَلِيلٍ (7) .
إِلاَّ أَنَّ بَيْنَهَا فَوَارِقَ جَوْهَرِيَّةً تَتَجَلَّى فِي أَنَّ الْقَضَاءَ هُوَ الأَْصْل فِي هَذَا الْمَقَامِ، وَأَنَّ التَّحْكِيمَ فَرْعٌ، وَأَنَّ الْقَاضِيَ هُوَ صَاحِبُ وِلاَيَةٍ عَامَّةٍ، فَلاَ يَخْرُجُ عَنْ سُلْطَةِ الْقَضَاءِ أَحَدٌ، وَلاَ يُسْتَثْنَى مِنِ اخْتِصَاصِهِ مَوْضُوعٌ.
أَمَّا تَوْلِيَةُ الْحَكَمِ فَتَكُونُ مِنَ الْقَاضِي أَوْ مِنَ الْخَصْمَيْنِ وَفْقَ الشُّرُوطِ وَالْقُيُودِ الَّتِي تُوضَعُ لَهُ، مَعَ مُلاَحَظَةِ أَنَّ هُنَاكَ أُمُورًا لَيْسَتْ مَحَلًّا لِلتَّحْكِيمِ، كَمَا سَنَرَى.
ب - الإِْصْلاَحُ:
3 - الإِْصْلاَحُ فِي اللُّغَةِ: نَقِيضُ الإِْفْسَادِ. يُقَال: أَصْلَحَ: إِذَا أَتَى بِالْخَيْرِ وَالصَّوَابِ. وَأَصْلَحَ فِي عَمَلِهِ، أَوْ أَمْرِهِ: أَتَى بِمَا هُوَ صَالِحٌ نَافِعٌ.
وَأَصْلَحَ الشَّيْءَ: أَزَال فَسَادَهُ.
وَأَصْلَحَ بَيْنَهُمَا، أَوْ ذَاتَ بَيْنِهِمَا، أَوْ مَا بَيْنَهُمَا: أَزَال مَا بَيْنَهُمَا مِنْ عَدَاوَةٍ وَنِزَاعٍ بِرِضَا الطَّرَفَيْنِ.
، وَفِي، الْقُرْآنِ الْمَجِيدِ: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُْخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْل وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} . (8)
فَالإِْصْلاَحُ وَالتَّحْكِيمُ يُفَضُّ بِهِمَا النِّزَاعُ، غَيْرَ أَنَّ الْحُكْمَ لاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ تَوْلِيَةٍ مِنَ الْقَاضِي أَوِ الْخَصْمَيْنِ، وَالإِْصْلاَحُ يَكُونُ الاِخْتِيَارُ فِيهِ مِنَ الطَّرَفَيْنِ أَوْ مِنْ مُتَبَرِّعٍ بِهِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
التَّحْكِيمُ مَشْرُوعٌ.، وَقَدْ دَل عَلَى ذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالإِْجْمَاعُ (9) .
4 - أَمَّا الْكِتَابُ الْكَرِيمُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} . (10)
قَال الْقُرْطُبِيُّ: إِنَّ هَذِهِ الآْيَةَ دَلِيل إِثْبَاتِ التَّحْكِيمِ. (11)
5 - وَأَمَّا السُّنَّةُ الْمُطَهَّرَةُ، فَإِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ رَضِيَ بِتَحْكِيمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ ﵁ فِي أَمْرِ الْيَهُودِ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، حِينَ جَنَحُوا إِلَى ذَلِكَ وَرَضُوا بِالنُّزُول عَلَى حُكْمِهِ. (12)
وَإِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ رَضِيَ بِتَحْكِيمِ الأَْعْوَرِ بْنِ بَشَامَةَ فِي أَمْرِ بَنِي الْعَنْبَرِ، حِينَ انْتَهَبُوا أَمْوَال الزَّكَاةِ. (13)
وَفِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ أَنَّ أَبَا شُرَيْحٍ هَانِئَ بْنَ يَزِيدَ ﵁ لَمَّا وَفَدَ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ مَعَ قَوْمِهِ، سَمِعَهُمْ يُكَنُّونَهُ بِأَبِي الْحَكَمِ.، فَقَال لَهُ رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَكَمُ، وَإِلَيْهِ الْحُكْمُ، فَلِمَ تُكَنَّى أَبَا الْحَكَمِ؟ فَقَال: إِنَّ قَوْمِي إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَتَوْنِي، فَحَكَمْتُ بَيْنَهُمْ، فَرَضِيَ كِلاَ الْفَرِيقَيْنِ.، فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَا أَحْسَنَ هَذَا.، فَمَا لَكَ مِنَ الْوَلَدِ؟ قَال: لِي شُرَيْحٌ، وَمُسْلِمٌ، وَعَبْدُ اللَّهِ. قَال: فَمَا أَكْبَرُهُمْ؟ قُلْتُ: شُرَيْحٌ. قَال: أَنْتَ أَبُو شُرَيْحٍ. وَدَعَا لَهُ وَلِوَلَدِهِ. (14)
6 - أَمَّا الإِْجْمَاعُ، فَقَدْ كَانَ بَيْنَ عُمَرَ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ ﵄ مُنَازَعَةٌ فِي نَخْلٍ، فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ ﵁ (15) .
وَاخْتَلَفَ عُمَرُ مَعَ رَجُلٍ فِي أَمْرِ فَرَسٍ اشْتَرَاهَا عُمَرُ بِشَرْطِ السَّوْمِ، فَتَحَاكَمَا إِلَى شُرَيْحٍ (16) .
كَمَا تَحَاكَمَ عُثْمَانُ وَطَلْحَةُ إِلَى جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ ﵃ (17) ، وَلَمْ يَكُنْ زَيْدٌ وَلاَ شُرَيْحٌ وَلاَ جُبَيْرٌ مِنَ الْقُضَاةِ.
وَقَدْ وَقَعَ مِثْل ذَلِكَ لِجَمْعٍ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا. (18)
7 - وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِلَى جَوَازِ التَّحْكِيمِ. (19)
إِلاَّ أَنَّ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ مَنِ امْتَنَعَ عَنِ الْفَتْوَى بِذَلِكَ، وَحُجَّتُهُ: أَنَّ السَّلَفَ إِنَّمَا يَخْتَارُونَ لِلْحُكْمِ مَنْ كَانَ عَالِمًا صَالِحًا دَيِّنًا، فَيَحْكُمُ بِمَا يَعْلَمُهُ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، أَوْ بِمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُ الْمُجْتَهِدِينَ. فَلَوْ قِيل بِصِحَّةِ التَّحْكِيمِ الْيَوْمَ لَتَجَاسَرَ الْعَوَامُّ، وَمَنْ كَانَ فِي حُكْمِهِمْ إِلَى تَحْكِيمِ أَمْثَالِهِمْ، فَيَحْكُمُ الْحَكَمُ بِجَهْلِهِ بِغَيْرِ مَا شَرَعَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الأَْحْكَامِ، وَهَذَا مَفْسَدَةٌ عَظِيمَةٌ، وَلِذَلِكَ أَفْتَوْا بِمَنْعِهِ. (20)
وَقَال أَصْبَغُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ أُحِبُّ ذَلِكَ، فَإِنْ وَقَعَ مَضَى.
وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُجْزِهِ ابْتِدَاءً. (21) وَمِنَ الشَّافِعِيَّةِ مَنْ قَال بِعَدَمِ الْجَوَازِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِالْجَوَازِ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبَلَدِ قَاضٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِجَوَازِهِ فِي الْمَال فَقَطْ. (22)
وَمَهْمَا يَكُنْ فَإِنَّ جَوَازَ التَّحْكِيمِ هُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ وَالأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ، وَالأَْظْهَرُ عِنْدَ جُمْهُورِ الشَّافِعِيَّةِ. وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَظَاهِرُ كَلاَمِهِمْ نَفَاذُهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ. (23)
8 - وَطَرَفَا التَّحْكِيمِ هُمَا الْخَصْمَانِ اللَّذَانِ اتَّفَقَا عَلَى فَضِّ النِّزَاعِ بِهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يُسَمَّى الْمُحَكِّمَ بِتَشْدِيدِ الْكَافِ الْمَكْسُورَةِ. وَقَدْ يَكُونُ الْخَصْمَانِ اثْنَيْنِ، وَقَدْ يَكُونَانِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ. (24)
9 - وَالشَّرْطُ فِي طَرَفَيِ التَّحْكِيمِ الأَْهْلِيَّةُ الصَّحِيحَةُ لِلتَّعَاقُدِ الَّتِي قِوَامُهَا الْعَقْل، إِذْ بِدُونِهَا لاَ يَصِحُّ الْعَقْدُ. (25)
وَلاَ يَجُوزُ لِوَكِيل التَّحْكِيمِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ مُوَكِّلِهِ، وَكَذَلِكَ الصَّغِيرُ الْمَأْذُونُ لَهُ فِي التِّجَارَةِ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ، وَلاَ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ مِنْ عَامِل الْمُضَارَبَةِ إِلاَّ بِإِذْنِ الْمَالِكِ، وَلاَ مِنَ الْوَلِيِّ وَالْوَصِيِّ وَالْمَحْجُورِ عَلَيْهِ بِالإِْفْلاَسِ إِذَا كَانَ ذَلِكَ يَضُرُّ بِالْقَاصِرِ أَوْ بِالْغُرَمَاءِ (26) . .
شُرُوطُ الْمُحَكَّمِ:
10 - أ - أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، فَلَوْ حَكَّمَ الْخَصْمَانِ أَوَّل مَنْ دَخَل الْمَسْجِدَ مَثَلاً لَمْ يَجُزْ بِالإِْجْمَاعِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَهَالَةِ (27) ، إَلاَّ إَذَا رَضُوا بِهِ بَعْدَ الْعِلْمِ، فَيَكُونُ حِينَئِذٍ تَحْكِيمًا لِمَعْلُومٍ.
11 - ب - أَنْ يَكُونَ أَهْلاً لِوِلاَيَةِ الْقَضَاءِ، وَعَلَى ذَلِكَ اتِّفَاقُ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ، عَلَى خِلاَفٍ فِيمَا بَيْنَهَا فِي تَحْدِيدِ عَنَاصِرِ تِلْكَ الأَْهْلِيَّةِ. (28) وَالْمُرَادُ بِأَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ هُنَا: الأَْهْلِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ لِلْقَضَاءِ، لاَ فِي خُصُوصِ الْوَاقِعَةِ مَوْضُوعِ النِّزَاعِ.
وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: إِنَّ هَذَا الشَّرْطَ يُمْكِنُ الاِسْتِغْنَاءُ عَنْهُ عِنْدَمَا لاَ يُوجَدُ الأَْهْل لِذَلِكَ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ مُطْلَقًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَيَّدَ جَوَازَ التَّحْكِيمِ بِعَدَمِ وُجُودِ قَاضٍ، وَقِيل: يَتَقَيَّدُ بِالْمَال دُونَ الْقِصَاصِ وَالنِّكَاحِ، أَيْ إِثْبَاتِ عَقْدِ النِّكَاحِ.
وَفِي قَوْلٍ لِلْحَنَابِلَةِ: إِنَّ الْمُحَكَّمَ لاَ تُشْتَرَطُ فِيهِ كُل صِفَاتِ الْقَاضِي.
وَثَمَّةَ أَحْكَامٌ تَفْصِيلِيَّةٌ لِهَذَا الشَّرْطِ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي مَبْحَثِ (دَعْوَى) (وَقَضَاءٌ) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ أَهْلِيَّةَ الْقَضَاءِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُتَحَقِّقَةً فِي الْمُحَكَّمِ مِنْ وَقْتِ التَّحْكِيمِ إِلَى وَقْتِ الْحُكْمِ (29) . وَمِنْ ذَلِكَ: أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُحَكَّمِ: الإِْسْلاَمُ، إِنْ كَانَ حَكَمًا بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ، وَكَانَ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا، أَمَّا إِذَا كَانَا غَيْرَ مُسْلِمَيْنِ يُشْتَرَطُ إِسْلاَمُ الْمُحَكَّمِ، وَعِلَّةُ ذَلِكَ أَنَّ غَيْرَ الْمُسْلِمِ أَهْلٌ لِلشَّهَادَةِ بَيْنَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَيَكُونُ تَرَاضِي الْخَصْمَيْنِ عَلَيْهِ كَتَوْلِيَةِ السُّلْطَانِ إِيَّاهُ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ وِلاَيَةَ غَيْرِ الْمُسْلِمِ الْحُكْمَ بَيْنَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ صَحِيحَةٌ.، وَكَذَلِكَ التَّحْكِيمُ.
وَلَوْ كَانَا غَيْرَ مُسْلِمَيْنِ، وَحَكَّمَا غَيْرَ مُسْلِمٍ جَازَ، فَإِنْ أَسْلَمَ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ قَبْل الْحُكْمِ لَمْ يُنَفَّذْ حُكْمُ الْحَكَمِ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَيُنَفَّذُ لَهُ.
وَقِيل: لاَ يُنَفَّذُ لَهُ أَيْضًا.
12 - أَمَّا الْمُرْتَدُّ فَتَحْكِيمُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵁ مَوْقُوفٌ، فَإِنْ عَادَ إِلَى الإِْسْلاَمِ صَحَّ، وَإِلاَّ بَطَل. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ جَائِزٌ فِي كُل حَالٍ.
وَعَلَى ذَلِكَ فَلَوْ حَكَّمَ مُسْلِمٌ وَمُرْتَدٌّ رَجُلاً، فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قُتِل الْمُرْتَدُّ، أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ عَلَيْهِمَا. (30)
13 - وَرَتَّبُوا عَلَى ذَلِكَ آثَارًا تَظْهَرُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ التَّفْرِيعِيَّةِ. . . مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْخَصْمَيْنِ لَوْ حَكَّمَا صَبِيًّا فَبَلَغَ، أَوْ غَيْرَ مُسْلِمٍ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ حَكَمَ، لَمْ يُنَفَّذْ حُكْمُهُ.
وَلَوْ حَكَّمَا مُسْلِمًا، ثُمَّ ارْتَدَّ لَمْ يُنَفَّذْ حُكْمُهُ أَيْضًا، وَكَانَ فِي رِدَّتِهِ عَزْلُهُ. فَإِذَا عَادَ إِلَى الإِْسْلاَمِ فَلاَ بُدَّ مِنْ تَحْكِيمٍ جَدِيدٍ.
وَلَوْ عَمِيَ الْمُحَكَّمُ، ثُمَّ ذَهَبَ الْعَمَى، وَحَكَمَ لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ.
أَمَّا إِنْ سَافَرَ أَوْ مَرِضَ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَدِمَ مِنْ سَفَرِهِ أَوْ بَرِئَ وَحَكَمَ جَازَ ْ؛ لأَِنَّ ذَلِكَ لاَ يَقْدَحُ بِأَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ.
وَلَوْ أَنَّ حَكَمًا غَيْرَ مُسْلِمٍ، حَكَّمَهُ غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَسْلَمَ قَبْل الْحُكْمِ، فَهُوَ عَلَى حُكُومَتِهِ؛ لأَِنَّ تَحْكِيمَ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ لِلْمُسْلِمِ جَائِزٌ وَنَافِذٌ.
وَلَوْ أَنَّ أَحَدَ الْخَصْمَيْنِ وَكَّل الْحَكَمَ بِالْخُصُومَةِ فَقَبِل، خَرَجَ عَنِ الْحُكُومَةِ عَلَى قَوْل أَبِي يُوسُفَ، وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا عَلَى قَوْل الإِْمَامِ وَمُحَمَّدٍ.
وَقَدْ قَال بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ يَخْرُجُ عَنْهَا فِي قَوْل الْكُل. (31)
14 - ج - أَنْ لاَ يَكُونَ بَيْنَ الْمُحَكَّمِ وَأَحَدِ الْخَصْمَيْنِ قَرَابَةٌ تَمْنَعُ مِنَ الشَّهَادَةِ. وَإِذَا اشْتَرَى الْمُحَكَّمُ الشَّيْءَ الَّذِي اخْتَصَمَا إِلَيْهِ فِيهِ، أَوِ اشْتَرَاهُ ابْنُهُ أَوْ أَحَدٌ مِمَّنْ لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ، فَقَدْ خَرَجَ مِنَ الْحُكُومَةِ.
وَإِنْ حَكَّمَ الْخَصْمُ خَصْمَهُ، فَحَكَمَ لِنَفْسِهِ، أَوْ عَلَيْهَا جَازَ تَحْكِيمُهُ ابْتِدَاءً، وَمَضَى حُكْمُهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ جَوْرًا بَيِّنًا، وَهُوَ مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَلَهُمْ فِي ذَلِكَ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ:
الْقَوْل الأَْوَّل: أَنَّهُ يَجُوزُ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ أَكَانَ الْخَصْمُ الْحَكَمُ قَاضِيًا أَمْ غَيْرَهُ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ مُطْلَقًا لِلتُّهْمَةِ. الثَّالِثُ: التَّفْرِقَةُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُحَكَّمُ قَاضِيًا أَوْ غَيْرَهُ، فَإِنْ كَانَ الْخَصْمُ الْمُحَكَّمُ قَاضِيًا لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَاضِيًا جَازَ.
وَالْقَوْل الأَْوَّل هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَبِهِ أَخَذَ الْحَنَابِلَةُ. (32)
مَحَل التَّحْكِيمِ:
اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَحَلًّا لِلتَّحْكِيمِ.
15 - فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِي الْحُدُودِ الْوَاجِبَةِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ.
وَحُجَّتُهُمْ: أَنَّ اسْتِيفَاءَ عُقُوبَتِهَا مِمَّا يَسْتَقِل بِهِ وَلِيُّ الأَْمْرِ، وَأَنَّ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فِي حَقِّ غَيْرِ الْخُصُومِ، فَكَانَ فِيهِ شُبْهَةٌ.، وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.
وَمَا اخْتَارَهُ السَّرَخْسِيُّ مِنْ جَوَازِ التَّحْكِيمِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَضَعِيفٌ. لأَِنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، فَالأَْصَحُّ فِي الْمَذْهَبِ عَدَمُ جَوَازِ التَّحْكِيمِ فِي الْحُدُودِ كُلِّهَا. (33)
16 - أَمَّا الْقِصَاصُ، فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيهِ.
وَاخْتَارَهُ الْخَصَّافُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنَ الْمَذْهَبِ، لأَِنَّ التَّحْكِيمَ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ.
وَالإِْنْسَانُ لاَ يَمْلِكُ دَمَهُ حَتَّى يَجْعَلَهُ مَوْضِعًا لِلصُّلْحِ.
وَمَا رُوِيَ مِنْ جَوَازِهِ فِي الْقِصَاصِ قِيَاسًا عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْحُقُوقِ فَضَعِيفٌ رِوَايَةً وَدِرَايَةً؛ لأَِنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ حَقًّا مَحْضًا لِلإِْنْسَانِ - وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِ حَقَّهُ - وَلَهُ شَبَهٌ بِالْحُدُودِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِل (34) .
17 - وَلاَ يَصِحُّ التَّحْكِيمُ فِي مَا يَجِبُ مِنَ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، لأَِنَّهُ لاَ وِلاَيَةَ لِلْحَكَمَيْنِ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَلاَ يُمْكِنُهُمَا الْحُكْمُ عَلَى الْقَاتِل وَحْدَهُ بِالدِّيَةِ، لِمُخَالَفَتِهِ حُكْمَ الشَّرْعِ الَّذِي لَمْ يُوجِبْ دِيَةً عَلَى الْقَاتِل وَحْدَهُ دُونَ الْعَاقِلَةِ، إِلاَّ فِي مَوَاضِعَ مُحَدَّدَةٍ - كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالْقَتْل خَطَأً - (35) وَلِلتَّفْصِيل اُنْظُرْ مُصْطَلَحَ (دِيَةٌ، عَاقِلَةٌ) .
أَمَّا فِي تِلْكَ الْمَوَاضِعِ الْمُحَدَّدَةِ، فَإِنَّ التَّحْكِيمَ جَائِزٌ وَنَافِذٌ. (36)
18 - وَلَيْسَ لِلْحَكَمِ أَنْ يَحْكُمَ فِي اللِّعَانِ كَمَا ذَكَرَ الْبُرْجَنْدِيُّ، وَإِنْ تَوَقَّفَ فِيهِ ابْنُ نُجَيْمٍ. وَعِلَّةُ ذَلِكَ أَنَّ اللِّعَانَ يَقُومُ مَقَامَ الْحَدِّ. (37)
وَأَمَّا فِيمَا عَدَا مَا ذُكِرَ آنِفًا، فَإِنَّ التَّحْكِيمَ جَائِزٌ وَنَافِذٌ. (38) وَلَيْسَ لِلْمُحَكَّمِ الْحَبْسُ، إِلاَّ مَا نُقِل عَنْ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مِنْ جَوَازِهِ. (39)
19 - وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ، فَإِنَّ التَّحْكِيمَ عِنْدَهُمْ جَائِزٌ إِلاَّ فِي ثَلاَثَةَ عَشَرَ مَوْضِعًا هِيَ: الرُّشْدُ، وَضِدُّهُ، وَالْوَصِيَّةُ، وَالْحَبْسُ (الْوَقْفُ) ، وَأَمْرُ الْغَائِبِ، وَالنَّسَبُ، وَالْوَلاَءُ، وَالْحَدُّ، وَالْقِصَاصُ، وَمَال الْيَتِيمِ، وَالطَّلاَقُ، وَالْعِتْقُ، وَاللِّعَانُ.؛ لأَِنَّ هَذِهِ مِمَّا يَخْتَصُّ بِهَا الْقَضَاءُ. (40)
وَسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الأُْمُورَ إِمَّا حُقُوقٌ يَتَعَلَّقُ بِهَا حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى، كَالْحَدِّ وَالْقَتْل وَالطَّلاَقِ، أَوْ حُقُوقٌ لِغَيْرِ الْمُتَحَاكِمَيْنِ، كَالنَّسَبِ، وَاللِّعَانِ.
وَقَدْ وَضَعَ ابْنُ عَرَفَةَ حَدًّا لِمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّحْكِيمُ، فَقَال: ظَاهِرُ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّحْكِيمُ فِيمَا يَصِحُّ لأَِحَدِهِمَا تَرْكُ حَقِّهِ فِيهِ. وَقَال اللَّخْمِيُّ وَغَيْرُهُ: إِنَّمَا يَصِحُّ فِي الأَْمْوَال، وَمَا فِي مَعْنَاهَا. (41)
20 - وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَإِنَّ التَّحْكِيمَ عِنْدَهُمْ لاَ يَجُوزُ فِي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، إِذْ لَيْسَ فِيهَا طَالِبٌ مُعَيَّنٌ، وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبُ.
وَلَوْ حَكَّمَ خَصْمَانِ رَجُلاً فِي غَيْرِ حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى جَازَ مُطْلَقًا بِشَرْطِ أَهْلِيَّةِ الْقَضَاءِ. وَفِي قَوْلٍ: لاَ يَجُوزُ.
وَقِيل: بِشَرْطِ عَدَمِ وُجُودِ قَاضٍ بِالْبَلَدِ.
وَقِيل: يَخْتَصُّ التَّحْكِيمُ بِالأَْمْوَال دُونَ الْقِصَاصِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهِمَا (42) .
21 - وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ: فَقَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّحْكِيمُ.
فَفِي ظَاهِرِ كَلاَمِ أَحْمَدَ أَنَّ التَّحْكِيمَ يَجُوزُ فِي كُل مَا يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَضَ عَلَى الْقَاضِي مِنْ خُصُومَاتٍ، كَمَا قَال أَبُو الْخَطَّابِ، يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمَال وَالْقِصَاصُ وَالْحَدُّ وَالنِّكَاحُ وَاللِّعَانُ وَغَيْرُهَا، حَتَّى مَعَ وُجُودِ قَاضٍ، لأَِنَّهُ كَالْقَاضِي وَلاَ فَرْقَ. وَقَال الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى بِجَوَازِ التَّحْكِيمِ فِي الأَْمْوَال خَاصَّةً، وَأَمَّا النِّكَاحُ وَالْقِصَاصُ وَالْحَدُّ فَلاَ يَجُوزُ فِيهَا التَّحْكِيمُ، لأَِنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الاِحْتِيَاطِ، فَلاَ بُدَّ مِنْ عَرْضِهَا عَلَى الْقَضَاءِ لِلْحُكْمِ. (43)
شُرُوطُ التَّحْكِيمِ:
يُشْتَرَطُ فِي التَّحْكِيمِ مَا يَأْتِي:
22 - أ - قِيَامُ نِزَاعٍ، وَخُصُومَةٍ حَوْل حَقٍّ مِنَ الْحُقُوقِ. (44)
وَهَذَا الشَّرْطُ يَسْتَدْعِي حُكْمًا قِيَامَ طَرَفَيْنِ مُتَشَاكِسَيْنِ، كُلٌّ يَدَّعِي حَقًّا لَهُ قِبَل الآْخَرِ.
23 - ب - تَرَاضِي طَرَفَيِ الْخُصُومَةِ عَلَى قَبُول حُكْمِهِ، أَمَّا الْمُعَيَّنُ مِنْ قِبَل الْقَاضِي فَلاَ يُشْتَرَطُ رِضَاهُمَا بِهِ، لأَِنَّهُ نَائِبٌ عَنِ الْقَاضِي.
وَلاَ يُشْتَرَطُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ تَقَدُّمُ رِضَى الْخَصْمَيْنِ عَنِ التَّحْكِيمِ، بَل لَوْ رَضِيَا بِحُكْمِهِ بَعْدَ صُدُورِهِ جَازَ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ التَّرَاضِي. (45)
24 - ج - اتِّفَاقُ الْمُتَخَاصِمَيْنِ وَالْحَكَمِ عَلَى قَبُول مُهِمَّةِ التَّحْكِيمِ. . . وَمُجْمَل هَذَيْنِ الاِتِّفَاقَيْنِ يُشَكِّل رُكْنَ التَّحْكِيمِ، الَّذِي هُوَ: لَفْظُهُ الدَّال عَلَيْهِ مَعَ قَبُول الآْخَرِ.
وَهَذَا الرُّكْنُ قَدْ يَظْهَرُ صَرَاحَةً.، كَمَا لَوْ قَال الْخَصْمَانِ: حَكَّمْنَاكَ بَيْنَنَا. أَوْ قَال لَهُمَا: أَحْكُمُ بَيْنَكُمَا، فَقَبِلاَ.
وَقَدْ يَظْهَرُ دَلاَلَةً. . . فَلَوِ اصْطَلَحَ الْخَصْمَانِ عَلَى رَجُلٍ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ يُعْلِمَاهُ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُمَا اخْتَصَمَا إِلَيْهِ، فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا، جَازَ.
وَإِنْ لَمْ يَقْبَل الْحُكْمَ، لَمْ يَجُزْ حُكْمُهُ إِلاَّ بِتَجْدِيدِ التَّحْكِيمِ. (46)
وَلِلْخَصْمَيْنِ أَنْ يُقَيِّدَا التَّحْكِيمَ بِشَرْطٍ. . . فَلَوْ حَكَّمَاهُ عَلَى أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا فِي يَوْمِهِ، أَوْ فِي مَجْلِسِهِ وَجَبَ ذَلِكَ.، وَلَوْ حَكَّمَاهُ عَلَى أَنْ يَسْتَفْتِيَ فُلاَنًا، ثُمَّ يَقْضِيَ بَيْنَهُمَا بِمَا قَال جَازَ.
وَلَوْ حَكَّمَا رَجُلَيْنِ، فَحَكَمَ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَجُزْ، وَلاَ بُدَّ مِنِ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْمَحْكُومِ بِهِ، فَلَوِ اخْتَلَفَا لَمْ يَجُزْ. (47)
وَكَذَلِكَ لَوِ اتَّفَقَا عَلَى تَحْكِيمِ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ.
فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُفَوِّضَ غَيْرَهُ بِالتَّحْكِيمِ. لأَِنَّ الْخَصْمَيْنِ لَمْ يَرْضَيَا بِتَحْكِيمِ غَيْرِهِ.
وَلَوْ فَوَّضَ، وَحَكَمَ الثَّانِي بِغَيْرِ رِضَاهُمَا، فَأَجَازَ الأَْوَّل حُكْمَهُ، لَمْ يَجُزْ لأَِنَّ الإِْذْنَ مِنْهُ فِي الاِبْتِدَاءِ لاَ يَصِحُّ، فَكَذَا فِي الاِنْتِهَاءِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ إِجَازَةِ الْخَصْمَيْنِ بَعْدَ الْحُكْمِ. وَقِيل: يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ، كَالْوَكِيل الأَْوَّل إِذَا أَجَازَ بَيْعَ الْوَكِيل الثَّانِي.
إِلاَّ أَنَّ تَعْلِيقَ التَّحْكِيمِ عَلَى شَرْطٍ، كَمَا لَوْ قَالاَ لِعَبْدٍ: إِذَا أُعْتِقْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا، وَإِضَافَتَهُ إِلَى وَقْتٍ، كَمَا لَوْ قَالاَ لِرَجُلٍ: جَعَلْنَاكَ حَكَمًا غَدًا، أَوْ قَالاَ: رَأْسَ الشَّهْرِ. . . كُل ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ فِي قَوْل أَبِي يُوسُفَ خِلاَفًا لِمُحَمَّدٍ. وَالْفَتْوَى عَلَى الْقَوْل الأَْوَّل. (48)
25 - وَلَيْسَ لِلْخَصْمَيْنِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى مُحَكَّمٍ لَيْسَ أَهْلاً لِلتَّحْكِيمِ.
وَلَوْ حَكَمَ غَيْرُ الْمُسْلِمِ بَيْنَ مُسْلِمَيْنِ، فَأَجَازَا حُكْمَهُ، لَمْ يَجُزْ، كَمَا لَوْ حَكَّمَاهُ فِي الاِبْتِدَاءِ. (49)
26 - وَلاَ يَحْتَاجُ الاِتِّفَاقُ عَلَى التَّحْكِيمِ لِشُهُودٍ تَشْهَدُ عَلَى الْخَصْمَيْنِ بِأَنَّهُمَا قَدْ حَكَّمَا الْحَكَمَ.
إِلاَّ أَنَّهُ يَنْبَغِي الإِْشْهَادُ خَوْفَ الْجُحُودِ. وَلِهَذَا ثَمَرَةٌ عَمَلِيَّةٌ: إِذْ لَوْ أَنَّ الْخَصْمَيْنِ حَكَّمَا الْحَكَمَ، فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا، فَأَنْكَرَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ مِنْهُمَا أَنَّهُ حَكَّمَهُ، لَمْ يُقْبَل قَوْل الْحَكَمِ أَنَّ الْجَاحِدَ حَكَّمَهُ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ. (50)
27 - وَيَجِبُ أَنْ يَسْتَمِرَّ الاِتِّفَاقُ عَلَى التَّحْكِيمِ حَتَّى صُدُورِ الْحُكْمِ، إِذْ إِنَّ رُجُوعَ أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ عَنِ التَّحْكِيمِ قَبْل صُدُورِ الْحُكْمِ يُلْغِي التَّحْكِيمَ، كَمَا سَنَرَى.
فَلَوْ قَال الْحَكَمُ لأَِحَدِهِمَا: أَقْرَرْتَ عِنْدِي، أَوْ قَامَتْ عِنْدِي بَيِّنَةٌ عَلَيْكَ بِكَذَا، وَقَدْ أَلْزَمْتُكَ، وَحَكَمْتُ بِهَذَا، فَأَنْكَرَ الْمَقْضِيُّ عَلَيْهِ الإِْقْرَارَ أَوِ الْبَيِّنَةَ لَمْ يُلْتَفَتْ لِقَوْلِهِ، وَمَضَى الْقَضَاءُ. لأَِنَّ وِلاَيَةَ الْمُحَكَّمِ قَائِمَةٌ. وَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ كَالْقَاضِي.
أَمَّا إِنْ قَال ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ عَزَلَهُ الْخَصْمُ، فَإِنَّ قَوْلَهُ وَحُكْمَهُ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ، كَالْحُكْمِ الَّذِي يُصْدِرُهُ الْقَاضِي بَعْدَ عَزْلِهِ. (51)
28 - د - الإِْشْهَادُ عَلَى الْحُكْمِ، وَلَيْسَ هَذَا شَرْطًا لِصِحَّةِ التَّحْكِيمِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِقَبُول قَوْل الْحَكَمِ عِنْدَ الإِْنْكَارِ، وَلاَ بُدَّ مِنَ الإِْشْهَادِ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ. (52) طَرِيقُ الْحُكْمِ:
29 - طَرِيقُ كُل شَيْءٍ مَا يُوصَل إِلَيْهِ، حُكْمًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ. (53)
وَعَلَيْهِ فَإِنَّ طَرِيقَ الْحُكْمِ: مَا يَثْبُتُ بِهِ الْحَقُّ مَوْضُوعُ النِّزَاعِ وَالْخُصُومَةِ.
وَهَذَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالْبَيِّنَةِ، أَوِ الإِْقْرَارِ، أَوِ النُّكُول عَنْ حَلِفِ الْيَمِينِ.
يَسْتَوِي فِي هَذَا حُكْمُ الْحَكَمِ، وَحُكْمُ الْقَاضِي.
فَإِنْ قَامَ الْحُكْمُ عَلَى ذَلِكَ كَانَ حُجَّةً مُوَافِقَةً لِلشَّرْعِ. وَإِلاَّ كَانَ بَاطِلاً.
وَيَبْدُو أَنَّ الْحَكَمَ لاَ يَقْضِي بِعِلْمِهِ.
وَأَمَّا كِتَابُ الْمُحَكَّمِ إِلَى الْقَاضِي، وَكِتَابُ الْقَاضِي إِلَيْهِ فَغَيْرُ جَائِزٍ، إِلاَّ بِرِضَى الْخَصْمَيْنِ، خِلاَفًا لِلْحَنَابِلَةِ الَّذِينَ ذَهَبُوا إِلَى جَوَازِهِ وَنَفَاذِهِ. (54)
الرُّجُوعُ عَنِ التَّحْكِيمِ:
30 - حَقُّ الرُّجُوعِ عَنِ التَّحْكِيمِ فَرْعٌ مِنْ صِفَةِ التَّحْكِيمِ الْجَوَازِيَّةِ. . . وَلَكِنَّ هَذَا الْحَقَّ لَيْسَ مُطْلَقًا.
31 - فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ، وَسَحْنُونٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ لِكُل خَصْمٍ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ التَّحْكِيمِ قَبْل صُدُورِ الْحُكْمِ، وَلاَ حَاجَةَ لاِتِّفَاقِ الْخَصْمَيْنِ عَلَى ذَلِكَ.
فَإِنْ رَجَعَ كَانَ فِي ذَلِكَ عَزْلٌ لِلْمُحَكَّمِ.
أَمَّا بَعْدَ صُدُورِ الْحُكْمِ، فَلَيْسَ لأَِحَدٍ حَقُّ الرُّجُوعِ عَنِ التَّحْكِيمِ، وَلاَ عَزْل الْمُحَكَّمِ، فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يَبْطُل الْحُكْمُ، لأَِنَّهُ صَدَرَ عَنْ وِلاَيَةٍ شَرْعِيَّةٍ لِلْمُحَكَّمِ، كَالْقَاضِي الَّذِي يُصْدِرُ حُكْمَهُ، ثُمَّ يَعْزِلُهُ السُّلْطَانُ.
وَعَلَى هَذَا: فَإِنِ اتَّفَقَ رَجُلاَنِ عَلَى حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَهُمَا فِي عَدَدٍ مِنَ الدَّعَاوَى، فَقَضَى عَلَى أَحَدِهِمَا فِي بَعْضِهِمَا، ثُمَّ رَجَعَ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ عَنْ تَحْكِيمِ هَذَا الْحَكَمِ، فَإِنَّ الْقَضَاءَ الأَْوَّل نَافِذٌ، لَيْسَ لِلْحَكَمِ أَنْ يَحْكُمَ فِيمَا بَقِيَ، فَإِنْ حَكَمَ لاَ يَنْفُذُ.
وَإِنْ قَال الْحَكَمُ لأَِحَدِ الْخَصْمَيْنِ: قَامَتْ عِنْدِي الْحُجَّةُ بِصِحَّةِ مَا ادَّعَى عَلَيْكَ مِنَ الْحَقِّ، فَعَزَلَهُ هَذَا الْخَصْمُ، ثُمَّ حَكَمَ عَلَيْهِ الْحَكَمُ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَنْفُذُ حُكْمُهُ عَلَيْهِ. (55)
32 - وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ يُشْتَرَطُ دَوَامُ رِضَا الْخَصْمَيْنِ إِلَى حِينِ صُدُورِ الْحُكْمِ. بَل لَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عِنْدَ الْحُكْمِ، ثُمَّ بَدَا لأَِحَدِهِمَا أَنْ يَرْجِعَ عَنِ التَّحْكِيمِ قَبْل الْحُكْمِ. تَعَيَّنَ عَلَى الْحَكَمِ أَنْ يَقْضِيَ، وَجَازَ حُكْمُهُ.
وَقَال أَصْبَغُ: لِكُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا الرُّجُوعُ مَا لَمْ تَبْدَأِ الْخُصُومَةُ أَمَامَ الْحَكَمِ، فَإِنْ بَدَأَتْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِمَا الْمُضِيُّ فِيهَا حَتَّى النِّهَايَةِ.
وَقَال ابْنُ الْمَاجِشُونِ: لَيْسَ لأَِحَدِهِمَا الرُّجُوعُ وَلَوْ قَبْل بَدْءِ الْخُصُومَةِ. (56)
33 - وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَجُوزُ الرُّجُوعُ قَبْل صُدُورِ الْحُكْمِ، وَلَوْ بَعْدَ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ. وَعَلَيْهِ الْمَذْهَبُ.
وَقِيل بِعَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ. أَمَّا بَعْدَ الْحُكْمِ فَلاَ يُشْتَرَطُ رِضَا الْخَصْمِ بِهِ كَحُكْمِ الْقَاضِي.
وَقِيل: يُشْتَرَطُ؛ لأَِنَّ رِضَاهُمَا مُعْتَبَرٌ فِي أَصْل التَّحْكِيمِ، فَكَذَا فِي لُزُومِ الْحُكْمِ. وَالأَْظْهَرُ الأَْوَّل. (57)
34 - وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: لِكُلٍّ مِنَ الْخَصْمَيْنِ أَنْ يَرْجِعَ عَنِ التَّحْكِيمِ قَبْل الشُّرُوعِ فِي الْحُكْمِ.
أَمَّا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، وَقُبَيْل تَمَامِهِ، فَفِي الرُّجُوعِ قَوْلاَنِ:
أَحَدُهُمَا: لَهُ الرُّجُوعُ لأَِنَّ الْحُكْمَ لَمْ يَتِمَّ، أَشْبَهَ قَبْل الشُّرُوعِ.
وَالثَّانِي: لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ، لأَِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى أَنَّ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا رَأَى مِنَ الْحَكَمِ مَا لاَ يُوَافِقُهُ رَجَعَ فَبَطَل مَقْصُودُهُ. فَإِنْ صَدَرَ الْحُكْمُ نَفَذَ (58) . .
أَثَرُ التَّحْكِيمِ:
35 - يُرَادُ بِأَثَرِ التَّحْكِيمِ: مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ نَتَائِجَ.
وَهَذَا الأَْثَرُ يَتَمَثَّل فِي لُزُومِ الْحُكْمِ وَنَفَاذِهِ، كَمَا يَتَمَثَّل فِي إِمْكَانِ نَقْضِهِ مِنْ قِبَل الْقَضَاءِ.
أَوَّلاً: لُزُومُ الْحُكْمِ وَنَفَاذُهُ:
36 - مَتَى أَصْدَرَ الْحَكَمُ حُكْمَهُ، أَصْبَحَ هَذَا الْحُكْمُ مُلْزِمًا لِلْخَصْمَيْنِ الْمُتَنَازِعَيْنِ، وَتَعَيَّنَ إِنْفَاذُهُ دُونَ أَنْ يَتَوَقَّفَ ذَلِكَ عَلَى رِضَا الْخَصْمَيْنِ، وَعَلَى ذَلِكَ الْفُقَهَاءُ. وَحُكْمُهُ فِي ذَلِكَ كَحُكْمِ الْقَاضِي.
وَلَيْسَ لِلْحَكَمِ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ حُكْمِهِ، فَلَوْ رَجَعَ عَنْ حُكْمِهِ، وَقَضَى لِلآْخَرِ لَمْ يَصِحَّ قَضَاؤُهُ؛ لأَِنَّ الْحُكُومَةَ قَدْ تَمَّتْ بِالْقَضَاءِ الأَْوَّل، فَكَانَ الْقَضَاءُ الثَّانِي بَاطِلاً. (59)
37 - وَلَكِنَّ هَذَا الإِْلْزَامَ الَّذِي يَتَّصِفُ بِهِ حُكْمُ الْحَكَمِ يَنْحَصِرُ فِي الْخَصْمَيْنِ فَقَطْ، وَلاَ يَتَعَدَّى إِلَى غَيْرِهِمَا، ذَلِكَ لأَِنَّهُ صَدَرَ بِحَقِّهِمَا عَنْ وِلاَيَةٍ شَرْعِيَّةٍ نَشَأَتْ مِنَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى اخْتِيَارِ الْحَكَمِ لِلْحُكْمِ فِيمَا بَيْنَهُمَا مِنْ نِزَاعٍ وَخُصُومَةٍ. وَلاَ وِلاَيَةَ لأَِيٍّ مِنْهُمَا عَلَى غَيْرِهِ، فَلاَ يَسْرِي أَثَرُ حُكْمِ الْحَكَمِ عَلَى غَيْرِهِمَا. (60)
38 - وَتَطْبِيقًا لِهَذَا الْمَبْدَأِ، فَلَوْ حَكَّمَ الْخَصْمَانِ رَجُلاً فِي عَيْبِ الْبَيْعِ فَقَضَى الْحَكَمُ بِرَدِّهِ، لَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ حَقٌّ بِرَدِّهِ عَلَى بَائِعِهِ، إِلاَّ أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ الأَْوَّل وَالثَّانِي وَالْمُشْتَرِي بِتَحْكِيمِهِ، فَحِينَئِذٍ يَرُدُّهُ عَلَى الْبَائِعِ الأَْوَّل.
وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ رَجُلاً ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَنَازَعَهُ فِي ذَلِكَ، فَادَّعَى أَنَّ فُلاَنًا الْغَائِبَ قَدْ ضَمِنَهَا لَهُ عَنْ هَذَا الرَّجُل، فَحَكَّمَا بَيْنَهُمَا رَجُلاً، وَالْكَفِيل غَائِبٌ. فَأَقَامَ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً عَلَى الْمَال، وَعَلَى الْكَفَالَةِ، فَحَكَمَ الْحَكَمُ بِالْمَال وَبِالْكَفَالَةِ، صَحَّ الْحُكْمُ فِي حَقِّ الدَّائِنِ وَالْمَدِينِ وَلَمْ يَصِحَّ بِالْكَفَالَةِ، وَلاَ عَلَى الْكَفِيل.
وَإِنْ حَضَرَ الْكَفِيل، وَالْمَكْفُول غَائِبٌ، فَتَرَاضَى الطَّالِبُ وَالْكَفِيل، فَحَكَمَ الْمُحَكَّمُ بِذَلِكَ كَانَ الْحُكْمُ جَائِزًا، وَنَافِذًا بِحَقِّ الْكَفِيل دُونَ الْمَكْفُول. (61) وَلَمْ يَشِذَّ عَنْ هَذَا الْمَبْدَأِ غَيْرُ مَسْأَلَةٍ وَاحِدَةٍ نَصَّ عَلَيْهَا الْحَنَفِيَّةُ، هِيَ: مَا لَوْ حَكَّمَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ وَغَرِيمُهُ رَجُلاً فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا، وَأَلْزَمَ الشَّرِيكَ شَيْئًا مِنَ الْمَال الْمُشْتَرَكِ نَفَذَ هَذَا الْحُكْمُ، وَتَعَدَّى إِلَى الشَّرِيكِ الْغَائِبِ؛ لأَِنَّ حُكْمَهُ بِمَنْزِلَةِ الصُّلْحِ فِي حَقِّ الشَّرِيكِ الْغَائِبِ. وَالصُّلْحُ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ. فَكَانَ كُل وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيكَيْنِ رَاضِيًا بِالصُّلْحِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ. . . (62)
وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ الْعُرْفَ بَيْنَ التُّجَّارِ قَدْ جَعَل التَّحْكِيمَ مِنْ أَحَدِ الشُّرَكَاءِ كَأَنَّهُ تَحْكِيمٌ مِنْ سَائِرِ الشُّرَكَاءِ. وَلِهَذَا لَزِمَ الْحُكْمُ، وَنَفَذَ فِي حَقِّهِمْ جَمِيعًا.
ثَانِيًا: نَقْضُ الْحُكْمِ:
39 - قَدْ يَرْضَى الْخَصْمَانِ بِالْحُكْمِ، فَيَعْمَلاَنِ عَلَى تَنْفِيذِهِ. . وَقَدْ يَرَى أَحَدُهُمَا رَفْعَهُ إِلَى الْقَضَاءِ لِمَصْلَحَةٍ يَرَاهَا.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ، وَالْحَنَابِلَةُ، فَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْقَاضِيَ إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ لَمْ يَنْقُضْهُ إِلاَّ بِمَا يَنْقُضُ بِهِ قَضَاءَ غَيْرِهِ مِنَ الْقُضَاةِ. (63)
أَمَّا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فَإِذَا رُفِعَ حُكْمُ الْمُحَكَّمِ إِلَى الْقَاضِي نَظَرَ فِيهِ، فَإِنْ وَجَدَهُ مُوَافِقًا مَذْهَبَهُ أَخَذَ بِهِ وَأَمْضَاهُ، لأَِنَّهُ لاَ جَدْوَى مِنْ نَقْضِهِ، ثُمَّ إِبْرَامِهِ.
وَفَائِدَةُ هَذَا الإِْمْضَاءِ: أَنْ لاَ يَكُونَ لِقَاضٍ آخَرَ يَرَى خِلاَفَهُ نَقْضُهُ إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ، لأَِنَّ إِمْضَاءَهُ بِمَنْزِلَةِ قَضَائِهِ ابْتِدَاءً.
أَمَّا إِنْ وَجَدَهُ خِلاَفَ مَذْهَبِهِ أَبْطَلَهُ، وَأَوْجَبَ عَدَمَ الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ فِيهِ الْفُقَهَاءُ.
وَهَذَا الإِْبْطَال لَيْسَ عَلَى سَبِيل اللُّزُومِ، بَل هُوَ عَلَى سَبِيل الْجَوَازِ، إِنْ شَاءَ الْقَاضِي أَبْطَلَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهُ وَأَنْفَذَهُ. (64)
40 - وَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الإِْجَازَةُ مِنَ الْقَاضِي بَعْدَ حُكْمِ الْمُحَكَّمِ.
وَعَلَيْهِ فَلَوْ حَكَّمَا رَجُلاً، فَأَجَازَ الْقَاضِي حُكُومَتَهُ قَبْل أَنْ يَحْكُمَ، ثُمَّ حَكَمَ بِخِلاَفِ رَأْيِ الْقَاضِي لَمْ يَجُزْ؛ لأَِنَّ الْقَاضِيَ أَجَازَ الْمَعْدُومَ.
وَإِجَازَةُ الشَّيْءِ قَبْل وُجُودِهِ بَاطِلَةٌ، فَصَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَجُزْ.
وَلَكِنَّ السَّرَخْسِيَّ قَال: هَذَا الْجَوَابُ صَحِيحٌ فِيمَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْقَاضِي مَأْذُونًا فِي اسْتِخْلاَفِ غَيْرِهِ. وَأَمَّا إِذَا كَانَ مَأْذُونًا فِي الاِسْتِخْلاَفِ فَيَجِبُ أَنْ تَجُوزَ إِجَازَتُهُ.
وَتُجْعَل إِجَازَةُ الْقَاضِي بِمَنْزِلَةِ اسْتِخْلاَفِهِ إِيَّاهُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا، فَلاَ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُبْطِل حُكْمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَإِنْ حَكَّمَا رَجُلاً، فَحَكَمَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ حَكَّمَا آخَرَ، فَقَضَى بِحُكْمٍ آخَرَ، ثُمَّ رُفِعَ الْحُكْمَانِ إِلَى الْقَاضِي، فَإِنَّهُ يَنْفُذُ حُكْمُ الْمُوَافِقِ لِرَأْيِهِ.
هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ.
أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَعِنْدَهُمْ أَنَّ الْقَاضِيَ لاَ يَنْقُضُ حُكْمَ الْمُحَكَّمِ إِلاَّ إِذَا كَانَ جَوْرًا بَيِّنًا. سَوَاءٌ أَكَانَ مُوَافِقًا لِرَأْيِ الْقَاضِي، أَمْ مُخَالِفًا لَهُ.
وَقَالُوا بِأَنَّ هَذَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهِ أَهْل الْعِلْمِ، وَبِهِ قَال ابْنُ أَبِي لَيْلَى (65) .
انْعِزَال الْحَكَمِ:
41 - يَنْعَزِل الْحَكَمُ بِكُل سَبَبٍ مِنَ الأَْسْبَابِ الأَْتِيَّةِ:
أ - الْعَزْل: لِكُلٍّ مِنَ الطَّرَفَيْنِ عَزْل الْمُحَكَّمِ قَبْل الْحُكْمِ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْمُحَكَّمُ قَدْ وَافَقَ عَلَيْهِ الْقَاضِي، فَلَيْسَ لَهُمَا عَزْلُهُ؛ لأَِنَّ الْقَاضِيَ اسْتَخْلَفَهُ.
ب - انْتِهَاءُ الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ لِلتَّحْكِيمِ قَبْل صُدُورَ الْحُكْمِ.
ج - خُرُوجُهُ عَنْ أَهْلِيَّةِ التَّحْكِيمِ.
د - صُدُورُ الْحُكْمِ.
__________
(1) سورة النساء / 65.
(2) حديث: " إن الجنة للمحكمين " أورده ابن الأثير في النهاية (1 / 419 - ط الحلبي) ولم يعزه لأحد.
(3) القاموس المحيط، وتاج العروس، ولسان العرب، ومعجم مقاييس اللغة، والمغرب، وأساس البلاغة، والنهاية في غريب الحديث، ومفردات الراغب، والمعجم الوسيط.
(4) لسان العرب والقاموس المحيط.
(5) الدر المختار للحصكفي 5 / 428، مع حاشية ابن عابدين ط البابي الحلبي، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم 7 / 24 ط - دار المعرفة بيروت.
(6) مجلة الأحكام العدلية م 1790.
(7) مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى 6 / 453 - المكتب الإسلامي بدمشق، وبدائع الصنائع 7 / 2 ط الجمالية، ومغني المحتاج 4 / 372.
(8) سورة الحجرات / 9.
(9) مجمع الأنهر 2 / 173، وشرح العناية 5 / 498.
(10) سورة النساء / 35.
(11) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 5 / 179 ط دار الكتب المصرية.
(12) تحكيم سعد بن معاذ في أمر اليهود. أخرجه البخاري (الفتح 6 / 165 - ط السلفية) .
(13) حديث: " أن رسول الله ﷺ رضي بتحكيم الأعور بن بشامة " أخرجه ابن شاهين في الصحابة، وفي إسناده جهالة. (الإصابة لابن حجر 1 / 55 - نشر الرسالة) .
(14) حديث: " إن الله هو الحكم " أخرجه أبو داود (5 / 240 - ط عزت عبيد دعاس) والنسائي (8 / 226 - ط المكتبة التجارية) وجامع الأصول (1 / 373) وإسناده حسن.
(15) المبسوط 21 / 62 وفتح القدير 5 / 498، والمغني 10 / 190، وكشاف القناع 6 / 303.
(16) المغني 10 / 190، وطلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية ص 146.
(17) المغني 10 / 190، وكشاف القناع 6 / 303، وأسنى المطالب 4 / 67.
(18) المبسوط 21 / 62، وشرح العناية 5 / 498، ومغني المحتاج 4 / 378، ونهاية المحتاج 8 / 230.
(19) فتح القدير 5 / 498، وبدائع الصنائع 7 / 3، ومواهب الجليل 6 / 112، وتبصرة الحاكم 1 / 43، والشرح الكبير 4 / 135، ونهاية المحتاج 8 / 230، والمغني 10 / 190، ومطالب أولي النهى 6 / 471.
(20) حاشية ابن عابدين 5 / 430.
(21) التاج والإكليل 6 / 112، ومواهب الجليل 6 / 112، وحاشية الدسوقي 4 / 135.
(22) روضة الطالبين 11 / 121، ونهاية المحتاج 8 / 230 - 231، ومغني المحتاج 4 / 379.
(23) حاشية ابن عابدين 5 / 430، والعقود الدرية 1 / 319، والروضة 11 / 121، وكشاف القناع 6 / 308، ومواهب الجليل 6 / 112، وحاشية الدسوقي 4 / 135.
(24) حاشية ابن عابدين 5 / 428، وفتح الوهاب 2 / 208.
(25) البحر الرائق 7 / 24، وتنوير الأبصار 5 / 428.
(26) ابن عابدين 5 / 430، والفتاوى الهندية 3 / 271، ومغني المحتاج 4 / 379، ونهاية المحتاج 8 / 230.
(27) البحر الرائق 7 / 26، والفتاوى الهندية 3 / 269.
(28) البحر الرائق 7 / 24، وبدائع الصنائع 7 / 3، ومواهب الجليل 6 / 112، وتبصرة الحكام 1 / 43، ومغني المحتاج 4 / 378، والكافي 3 / 436، والمغني 10 / 190.
(29) مغني المحتاج 4 / 378 - 379، ونهاية المحتاج 8 / 230، وفتح الوهاب 2 / 208، وحاشية الباجوري 2 / 396، وكشاف القناع 6 / 306، والبحر الرائق 7 / 24، وفتح القدير 5 / 499.
(30) حاشية ابن عابدين 5 / 438، والبحر الرائق 7 / 24، والفتاوى الهندية 3 / 268 - 269، وفتح القدير 5 / 502.
(31) البحر الرائق 7 / 24 - 25، وابن عابدين 5 / 431، وفتح القدير 5 / 99، والفتاوى الهندية 3 / 268، 269.
(32) البحر الرائق 7 / 28، وفتح القدير 5 / 502، والفتاوى الهندية 4 / 379، ومغني المحتاج 4 / 379، والتاج والإكليل لمختصر خليل بهامش مواهب الجليل 6 / 112، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 135، ومطالب أولي النهى 6 / 472، وكشاف القناع 6 / 303.
(33) البحر الرائق 7 / 26، وبدائع الصنائع 7 / 3.
(34) البحر الرائق 7 / 26، وبدائع الصنائع 7 / 3، والفتاوى الهندية 3 / 268.
(35) البحر الرائق 7 / 26، وبدائع الصنائع 7 / 3.
(36) البحر الرائق 7 / 26.
(37) حاشية الدرر 2 / 336، وحاشية الطحطاوي 3 / 208.
(38) الدر المختار 5 / 430، والفتاوى الهندية 3 / 268.
(39) البحر الرائق 6 / 308، 7 / 28، والدر المختار 5 / 432، وصدر الشريعة 2 / 70.
(40) حاشية الدسوقي 4 / 136، وتبصرة الحكام 1 / 43 - 44.
(41) تبصرة الحكام 1 / 42، والشرح الكبير 4 / 136.
(42) روضة الطالبين 11 / 121، ونهاية المحتاج 8 / 230، ومغني المحتاج 4 / 378، 379.
(43) الكافي لابن قدامة 3 / 436، والمغني 10 / 191، ومطالب أولي النهى 6 / 471.
(44) مجلة الأحكام العدلية م 1876 وحاشية الدرر 2 / 336.
(45) البحر الرائق 7 / 25، وفتح القدير 5 / 502، ومجلة الأحكام العدلية م 1851.
(46) حاشة الطحطاوي 3 / 207، وحاشية ابن عابدين 5 / 428.
(47) البحر الرائق 7 / 26، والهداية وشروحها 5 / 502، والفتاوى الهندية 3 / 568، وحاشية ابن عابدين 5 / 431، وحاشية الطحطاوي 3 / 308، ومغني المحتاج 4 / 379، وفتح الوهاب 2 / 208.
(48) البحر الرائق 7 / 24، 29، وفتح القدير 5 / 502، والفتاوى الهندية 3 / 217، 570، وجامع الرموز 2 / 231، وحاشية الطحطاوي 3 / 203، 208، وحاشية ابن عابدين 5 / 431.
(49) الفتاوى الهندية 3 / 268، وفتح القدير 5 / 502، والبحر الرائق 7 / 24، وحاشية ابن عابدين 5 / 428.
(50) المبسوط 21 / 63، والدسوقي 3 / 135، ومطالب أولي النهى 6 / 472، وكشاف القناع 6 / 303.
(51) فتح القدير 5 / 501، 502، والفتاوى الهندية 3 / 269، وجامع الرموز 2 / 232، والمبسوط 21 / 63، والكفاية 3 / 167.
(52) شرح العناية 5 / 502.
(53) كشاف القناع 6 / 324.
(54) البحر الرائق 7 / 25 - 27، والفتاوى الهندية 3 / 270، وفتح القدير 5 / 502، وحاشية ابن عابدين 5 / 431، والمغني 10 / 191.
(55) البحر الرائق 7 / 26، وفتح القدير 5 / 500، والفتاوى الهندية 3 / 268، وتبصرة الحكام 1 / 43.
(56) تبصرة الحكام 1 / 43.
(57) روضة الطالبين 11 / 122، ومغني المحتاج 4 / 379، ونهاية المحتاج 8 / 231.
(58) الكافي 3 / 436، والمغني 10 / 190، 191، ومطالب أولي النهى 6 / 472، وكشاف القناع 6 / 303.
(59) البحر الرائق 7 / 27، والفتاوى الهندية 3 / 271.
(60) البحر الرائق 7 / 26، والمنهاج 4 / 379، والسراج الوهاج ص 589، ونهاية المحتاج 8 / 231، والكافي لابن قدامة 3 / 436، وكشاف القناع 6 / 303.
(61) فتح القدير 5 / 499، وحاشية ابن عابدين 5 / 431، والبحر الرائق 7 / 28.
(62) البحر الرائق 7 / 28، والدر المختار 5 / 429.
(63) روضة الطالبين 11 / 123، ومغني المحتاج 4 / 379، والمغني 10 / 190، ومطالب أولي النهى 6 / 471، وكشاف القناع 6 / 303.
(64) البحر الرائق 7 / 27، وحاشية الدرر 2 / 336، وحاشية ابن عابدين 5 / 431، وهذا ما تفيده عبارة الكاساني: إذا حكم في فصل مجتهد فيه، ثم رفعه إلى القاضي، ورأيه يخالف رأي الحاكم المحكم، له أن يفسخ حكمه. (بدائع الصنائع 2 / 3) .
(65) البحر الرائق 7 / 27، وحاشية ابن عابدين 5 / 431، والمدونة 4 / 77، والكافي لابن عبد البر 2 / 959، ومواهب الجليل 6 / 112، والتاج والإكليل 6 / 113، وتبصرة الحكام 1 / 44.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 233/ 10