الحي
كلمة (الحَيِّ) في اللغة صفةٌ مشبَّهة للموصوف بالحياة، وهي ضد...
تقدم المعطوف عليه على المعطوف . وهو أحد معاني "الفاء "، و "ثم " العاطفتين . ومن ذلك قول الرسول -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لمن سأله من أحق الناس بحسن صحابتي "قال : أمك ". قال : ثم من . "قال : أمك ". وقال في الثالثة : "ثم أبوك ." البخاري :5971، ومسلم :2548، ويطلق بمعنى التعليق على ما يصلح علة . كقولهم : ترتيب الحكم على الوصف يشعر بكونه علة .
تنظيم الأمور بحيث يكون كل شيء في مرتبته، وموقعه الذي يستحقه.
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّرْتِيبُ فِي اللُّغَةِ: جَعْل كُل شَيْءٍ فِي مَرْتَبَتِهِ.
وَاصْطِلاَحًا: هُوَ جَعْل الأَْشْيَاءِ الْكَثِيرَةِ بِحَيْثُ يُطْلَقُ عَلَيْهَا اسْمُ الْوَاحِدِ، وَيَكُونُ لِبَعْضِ أَجْزَائِهِ نِسْبَةٌ إِلَى الْبَعْضِ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
التَّتَابُعُ وَالْمُوَالاَةُ:
2 - التَّتَابُعُ: مَصْدَرُ تَتَابَعَ، يُقَال: تَتَابَعَتِ الأَْشْيَاءُ وَالأَْمْطَارُ وَالأُْمُورُ، إِذَا جَاءَ وَاحِدٌ مِنْهَا خَلْفَ وَاحِدٍ عَلَى أَثَرِهِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْقَطْعِ وَفَسَّرَ الْفُقَهَاءُ التَّتَابُعَ فِي الصِّيَامِ: بِأَنْ لاَ يُفْطِرَ الْمَرْءُ فِي أَيَّامِ الصِّيَامِ (2) . وَعَلَى ذَلِكَ، فَالتَّتَابُعُ وَالْمُوَالاَةُ مُتَقَارِبَانِ فِي الْمَعْنَى، إِلاَّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ يَسْتَعْمِلُونَ التَّتَابُعَ غَالِبًا فِي الاِعْتِكَافِ وَكَفَّارَةِ الصِّيَامِ وَنَحْوِهِمَا، وَيَسْتَعْمِلُونَ الْمُوَالاَةَ غَالِبًا فِي الطَّهَارَةِ مِنَ الْوُضُوءِ وَالتَّيَمُّمِ وَالْغُسْل.
وَيَخْتَلِفُ التَّرْتِيبُ عَنِ التَّتَابُعِ وَالْمُوَالاَةِ فِي أَنَّ التَّرْتِيبَ يَكُونُ لِبَعْضِ الأَْجْزَاءِ نِسْبَةٌ إِلَى الْبَعْضِ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ، بِخِلاَفِ التَّتَابُعِ وَالْمُوَالاَةِ، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ التَّتَابُعَ وَالْمُوَالاَةَ يُشْتَرَطُ فِيهِمَا عَدَمُ الْقَطْعِ وَالتَّفْرِيقِ، فَيَضُرُّهُمَا التَّرَاخِي، بِخِلاَفِ التَّرْتِيبِ (3) .
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
3 - التَّرْتِيبُ إِنَّمَا يَكُونُ بَيْنَ أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةٍ كَالأَْعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ، وَالْجَمَرَاتِ الثَّلاَثِ، فَإِنِ اتَّحَدَ الْمَحَل وَلَمْ يَتَعَدَّدْ فَلاَ مَعْنَى لِلتَّرْتِيبِ كَمَا يَقُول الزَّرْكَشِيُّ، وَمِنْ ثَمَّ لَمْ يَجِبِ التَّرْتِيبُ فِي الْغُسْل؛ لأَِنَّهُ فَرْضٌ يَتَعَلَّقُ بِجَمِيعِ الْبَدَنِ، تَسْتَوِي فِيهِ الأَْعْضَاءُ كُلُّهَا. وَكَذَلِكَ الرُّكُوعُ الْوَاحِدُ وَالسُّجُودُ الْوَاحِدُ لاَ يَظْهَرُ فِيهِ أَثَرُ التَّرْتِيبِ، فَإِذَا اجْتَمَعَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ ظَهَرَ أَثَرُهُ. (4) هَذَا، وَقَدْ بَيَّنَ الْفُقَهَاءُ حُكْمَ وَأَهَمِّيَّةَ التَّرْتِيبِ فِي مَبَاحِثِ الْعِبَادَاتِ مِنَ: الطَّهَارَةِ، وَأَرْكَانِ الصَّلاَةِ، وَنُسُكِ الْحَجِّ، وَالْكَفَّارَاتِ فِي النُّذُورِ وَالأَْيْمَانِ وَنَحْوِهَا. وَاتَّفَقُوا عَلَى فَرْضِيَّةِ التَّرْتِيبِ فِي بَعْضِ الْعِبَادَاتِ، كَالتَّرْتِيبِ فِي أَرْكَانِ الصَّلاَةِ مِنَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَاخْتَلَفُوا فِي بَعْضِهَا، نَذْكُرُ مِنْهَا مَا يَلِي:
أ - التَّرْتِيبُ فِي الْوُضُوءِ:
4 - التَّرْتِيبُ فِي أَعْمَال الْوُضُوءِ فَرْضٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ؛ لأَِنَّهَا وَرَدَتْ فِي الآْيَةِ مُرَتَّبَةً، قَال اللَّهُ تَعَالَى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} (5) لأَِنَّ إِدْخَال الْمَمْسُوحِ (أَيِ الرَّأْسِ) بَيْنَ الْمَغْسُولاَتِ (أَيِ الأَْيْدِي وَالأَْرْجُل) قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهِ التَّرْتِيبُ، فَالْعَرَبُ لاَ تَقْطَعُ النَّظِيرَ عَنِ النَّظِيرِ إِلاَّ لِفَائِدَةٍ، وَالْفَائِدَةُ هَاهُنَا التَّرْتِيبُ. (6)
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ (7) إِلَى عَدَمِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ، بَل هُوَ سُنَّةٌ عِنْدَهُمْ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِغَسْل الأَْعْضَاءِ، وَعَطَفَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ بِوَاوِ الْجَمْعِ، وَهِيَ لاَ تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ.
وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ أَنَّهُ قَال: مَا أُبَالِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْتُ (8) .
وَالتَّرْتِيبُ إِنَّمَا يَكُونُ فِي عُضْوَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ، فَإِنْ كَانَا فِي حُكْمِ الْعُضْوِ الْوَاحِدِ لَمْ يَجِبْ، وَلِهَذَا لاَ يَجِبُ التَّرْتِيبُ بَيْنَ الْيُمْنَى وَالْيُسْرَى فِي الْوُضُوءِ اتِّفَاقًا (9) . وَلَكِنْ يُسَنُّ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ (10) .
ب - التَّرْتِيبُ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ:
5 - جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ قَالُوا بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الصَّلاَةِ الْوَقْتِيَّةِ إِذَا اتَّسَعَ الْوَقْتُ. فَمَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةٌ أَوْ صَلَوَاتٌ وَهُوَ فِي وَقْتِ أُخْرَى، فَعَلَيْهِ أَنْ يَبْدَأَ بِقَضَاءِ الْفَوَائِتِ مُرَتَّبَةً، ثُمَّ يُؤَدِّيَ الصَّلاَةَ الْوَقْتِيَّةَ، إِلاَّ إِذَا كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا لاَ يَتَّسِعُ لأَِكْثَرَ مِنَ الْحَاضِرَةِ فَيُقَدِّمُهَا، ثُمَّ يَقْضِي الْفَوَائِتَ عَلَى التَّرْتِيبِ. عَلَى أَنَّ الْمَالِكِيَّةَ يَقُولُونَ بِوُجُوبِ التَّرْتِيبِ فِي قَضَاءِ يَسِيرِ الْفَوَائِتِ مَعَ صَلاَةٍ حَاضِرَةٍ، وَإِنْ خَرَجَ وَقْتُهَا. (11)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: لاَ يَجِبُ ذَلِكَ، بَل يُسَنُّ تَرْتِيبُ الْفَوَائِتِ، كَأَنْ يَقْضِيَ الصُّبْحَ قَبْل الظُّهْرِ، وَالظُّهْرَ قَبْل الْعَصْرِ. وَكَذَلِكَ يُسَنُّ تَقْدِيمُ الْفَوَائِتِ عَلَى الْحَاضِرَةِ مُحَاكَاةً لِلأَْدَاءِ، فَإِنْ خَافَ فَوْتَ الْحَاضِرَةِ بَدَأَ بِهَا وُجُوبًا لِئَلاَّ تَصِيرَ فَائِتَةً. (12)
هَذَا، وَيَسْقُطُ التَّرْتِيبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بِالنِّسْيَانِ، وَخَوْفِ فَوْتِ الْوَقْتِيَّةِ، وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ مُسْقِطًا آخَرَ هُوَ زِيَادَةُ الْفَوَائِتِ عَلَى خَمْسٍ. (13) وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي (قَضَاءُ الْفَوَائِتِ) .
ج - التَّرْتِيبُ فِي صُفُوفِ الصَّلاَةِ:
6 - صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهُ: لَوْ اجْتَمَعَ الرِّجَال وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، فَأَرَادُوا أَنْ يَصْطَفُّوا لِصَلاَةِ الْجَمَاعَةِ، يَقُومُ الرِّجَال صَفًّا مِمَّا يَلِي الإِْمَامَ، ثُمَّ الصِّبْيَانُ بَعْدَهُمْ ثُمَّ الإِْنَاثُ (14) . وَإِذَا تَقَدَّمَتِ النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَال فَسَدَتْ صَلاَةُ مَنْ وَرَاءَهُنَّ مِنْ صُفُوفِ الرِّجَال عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، خِلاَفًا لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ حَيْثُ صَرَّحُوا بِكَرَاهَةِ الصَّلاَةِ حِينَئِذٍ دُونَ الْفَسَادِ، (15) كَمَا هُوَ مُفَصَّلٌ فِي مُصْطَلَحِ: (اقْتِدَاءٌ، صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ) .
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
يَرِدُ ذِكْرُ التَّرْتِيبِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ - إِضَافَةً إِلَى مَا سَبَقَ - فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ مِنْهَا:
أ - التَّرْتِيبُ فِي الْجَنَائِزِ:
7 - إِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ، فَإِذَا اجْتَمَعَتْ جَنَائِزُ الرِّجَال وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ حِينَ الصَّلاَةِ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ يَصُفُّ الرِّجَال مِمَّا يَلِي الإِْمَامَ، ثُمَّ صَفَّ الصِّبْيَانِ، ثُمَّ صَفَّ النِّسَاءِ، وَكَذَلِكَ التَّرْتِيبُ فِي وَضْعِ الأَْمْوَاتِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ، وَيُفَصِّل الْفُقَهَاءُ هَذِهِ الْمَسَائِل فِي أَبْوَابِ الْجَنَائِزِ.
ب - التَّرْتِيبُ فِي الْحَجِّ:
8 - التَّرْتِيبُ فِي أَعْمَال الْحَجِّ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى الإِْخْلاَل بِهِ، فَصَّلَهُ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ. (ر: إِحْرَامٌ) . ج - الدُّيُونُ:
9 - التَّرْتِيبُ فِي قَضَاءِ الدُّيُونِ، وَمَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ مِنْهَا عَلَى غَيْرِهِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِحُقُوقِ الْعِبَادِ، فَصَّلَهُ الْفُقَهَاءُ فِي بَابِ الرَّهْنِ وَالنَّفَقَةِ وَالْكَفَّارَةِ وَغَيْرِهَا (ر: دَيْنٌ) .
د - أَدِلَّةُ الإِْثْبَاتِ:
10 - التَّرْتِيبُ فِي أَدِلَّةِ الإِْثْبَاتِ مِنَ الإِْقْرَارِ وَالشَّهَادَةِ وَالْقَرَائِنِ وَنَحْوِهَا يَذْكُرُهُ الْفُقَهَاءُ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى.
هـ - النِّكَاحُ:
11 - تَرْتِيبُ الأَْوْلِيَاءِ فِي النِّكَاحِ وَحَقِّ الْقِصَاصِ وَسَائِرِ الْحُقُوقِ كَالإِْرْثِ وَالْحَضَانَةِ وَغَيْرِهِمَا مَذْكُورٌ فِي أَبْوَابِهَا مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
و الْكَفَّارَاتُ:
12 - التَّرْتِيبُ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْكَفَّارَاتِ فِي الأَْيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَغَيْرِهَا أَوْرَدَهُ الْفُقَهَاءُ فِي بَابِ الْكَفَّارَةِ.
وَتَفْصِيل هَذِهِ الْمَسَائِل يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحَاتِهَا.
__________
(1) متن اللغة، والتعريفات للجرجاني، مادة: " رتب "، وكشاف اصطلاحات الفنون 2 / 527، 528، ودستور العلماء 1 / 285.
(2) متن اللغة، وتاج العروس مادة: " تبع "، وتفسير الطبري 9 / 56، وروح المعاني 5 / 115، والمنثور للزركشي 1 / 241، والقليوبي 2 / 94، والمغني 7 / 365.
(3) المراجع السابقة، ابن عابدين 2 / 83، وجواهر الإكليل 1 / 15، والمغني 1 / 139.
(4) المنثور في القواعد للزركشي 1 / 277.
(5) سورة المائدة / 6.
(6) القليوبي 1 / 50، والمغني لابن قدامة 1 / 137.
(7) ابن عابدين 1 / 83، وجواهر الإكليل 1 / 16.
(8) ابن عابدين 1 / 83، والدسوقي 1 / 99.
(9) المنثور للزركشي 1 / 277، 279، والمراجع السابقة.
(10) حديث: " كان النبي ﷺ يحب التيامن ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 269 - ط السلفية) ومسلم (1 / 226 - ط الحلبي) .
(11) الاختيار 1 / 63، 64، وابن عابدين 1 / 487، وجواهر الإكليل 1 / 58، والمغني 1 / 607، 610.
(12) حاشية القليوبي على المنهاج 1 / 118.
(13) الاختيار للموصلي 1 / 64، وجواهر الإكليل 1 / 58، 59، والمغني 1 / 608، 612.
(14) البدائع 1 / 159، وجواهر الإكليل 1 / 83، والمهذب 1 / 107، وكشاف القناع 1 / 488.
(15) تبيين الحقائق للزيلعي 1 / 138، 139، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 1 / 332، ومغني المحتاج 1 / 245، وكشاف القناع 1 / 488.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 163/ 11