الأحد
كلمة (الأحد) في اللغة لها معنيانِ؛ أحدهما: أولُ العَدَد،...
تجنب تحمُّل الأحاديث، أو روايتها عن شيخ معين . وشاهده قول الإمام ابن حبان : "بحر بن كَنِيْز السَّقاء ...كان ممن فَحُش خطؤه، وكَثُر وهمه، حتى استحق الترك ".
التَّرْكُ: الكَفُّ والإِعْراضُ، يُقالُ: ترَكْتُ الشَّيْءَ: إذا كَفَفْتُ وأَعْرَضْتُ عنه، والتَّرْكُ: التَّخَلِّي عن الشَّيْءِ، ويأْتي بِمعنى الإِسْقاطِ، يُقالُ: تَرَكَ حَقَّهُ، أيْ: أَسْقَطَهُ، وهو أيضاً: الجَعْلُ، تقول: تَرَكَهُ يَفْعَلُ كذا، أي: جَعَلَهُ يَفْعَلَهُ. ومِن مَعانيهِ: المُفارَقَةُ، والهَجْرُ، والإِهْمالُ، والرَّفْضُ.
يَرِد مُصْطلَح (تَرْك) في أُصولِ الفِقهِ في باب: أدِلَة الأَحْكَامِ، عند الكلام عن أفْعالِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وفي باب: الأَحْكام التَّكْليفِيَّةِ، عند بيان حدّ الواجِبِ، والحَرامِ، والـمَنْدوبِ، والـمَكْروهِ. ويَرِد في الفقه في مَواطِنَ كَثيرَةٍ، منها: كتاب الطَّهارَةِ، باب: الـمِياه، وباب: إِزالَة النَّجاسَةِ، وفي كتاب الصَّلاةِ، باب: حُكْم الصَّلاةِ، وفي كتاب الصِّيامِ، وغَيْر ذلك من الأبواب.
ترك
عَدَمُ فِعْلِ المَقْدورِ عَلَيْهِ، سَواءٌ كان ذلك بِقَصْدٍ، أو بِغَيْرِ قَصْدٍ.
التَّرْكُ: هو كَفُّ النَّفْسِ ومنْعُها مِن إِيقاعِ الفِعْلِ المَطْلوبِ، كَتَرْكِ المَأْموراتِ التي أَمَرَ بِها اللهُ تعالى مِن الواجِباتِ والمَسْنوناتِ، ومِن ذلك: تَرْكُ الصَّلاةِ، وهو عَدَمُ القِيامِ بِها.
التَّرْكُ: الكَفُّ والإِعْراضُ، يُقالُ: ترَكْتُ الشَّيْءَ: إذا كَفَفْتُ وأَعْرَضْتُ عَنْهُ، ومِنْ معانيهِ: التَّخَلِّي عن الشَّيْءِ.
التخلِّي عن الشيء، وعدم الإتيان به.
* العين : (5/336)
* المحكم والمحيط الأعظم : (6/766)
* لسان العرب : (10/405)
* التوقيف على مهمات التعاريف : (ص 172)
* المصباح المنير : (1/74)
* دستور العلماء : (1/195)
* الكليات : (ص 298)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (11/198)
* معجم مصطلحات أصول الفقه : (ص 130) -
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّرْكُ لُغَةً: وَدْعُكَ الشَّيْءَ، وَيُقَال: تَرَكْتُ الشَّيْءَ: إِذَا خَلَّيْتَهُ، وَتَرَكْتُ الْمَنْزِل: إِذَا رَحَلْتَ عَنْهُ، وَتَرَكْتُ الرَّجُل: إِذَا فَارَقْتَهُ. ثُمَّ اسْتُعِيرَ لِلإِْسْقَاطِ فِي الْمَعَانِي، فَقِيل: تَرَكَ حَقَّهُ: إِذَا أَسْقَطَهُ، وَتَرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاَةِ: إِذَا لَمْ يَأْتِ بِهَا، فَإِنَّهُ إِسْقَاطٌ لِمَا ثَبَتَ شَرْعًا (1)
وَالتَّرْكُ فِي اصْطِلاَحِ أَكْثَرِ الأُْصُولِيِّينَ وَالْفُقَهَاءِ: كَفُّ النَّفْسِ عَنِ الإِْيقَاعِ، فَهُوَ فِعْلٌ نَفْسِيٌّ، وَقِيل: إِنَّهُ لَيْسَ بِفِعْلٍ (2) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الإِْهْمَال:
2 - الإِْهْمَال: التَّرْكُ عَنْ عَمْدٍ أَوْ نِسْيَانٍ، وَيُقَال: أَهْمَلَهُ إِهْمَالاً إِذَا خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ، وَيَأْتِي عِنْدَ الْفُقَهَاءِ بِمَعْنَى التَّرْكِ (3) .
ب - التَّخْلِيَةُ:
3 - التَّخْلِيَةُ: التَّرْكُ وَيَسْتَعْمِلُهُ الْفُقَهَاءُ فِي: تَمْكِينِ الشَّخْصِ مِنَ التَّصَرُّفِ فِي الشَّيْءِ دُونَ حَائِلٍ (4) .
فَالتَّرْكُ أَعَمُّ مِنَ التَّخْلِيَةِ.
ج - الإِْسْقَاطُ وَالإِْبْرَاءُ:
4 - الإِْسْقَاطُ: إِزَالَةُ الْمِلْكِ أَوِ الْحَقِّ لاَ إِلَى مَالِكٍ أَوْ مُسْتَحِقٍّ.
وَالإِْبْرَاءُ: إِسْقَاطُ الشَّخْصِ حَقًّا لَهُ فِي ذِمَّةِ آخَرَ أَوْ قِبَلَهُ (5) .
وَكِلاَهُمَا يُسْتَعْمَل فِي مَوْطِنِ التَّرْكِ إِلاَّ أَنَّ التَّرْكَ أَعَمُّ فِي اسْتِعْمَالاَتِهِ.
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
أَوَّلاً - التَّرْكُ عِنْدَ الأُْصُولِيِّينَ:
أ - التَّرْكُ وَالْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ:
5 - اقْتِضَاءُ التَّرْكِ فِي خِطَابِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقِ بِفِعْل الْمُكَلَّفِ هُوَ أَحَدُ أَقْسَامِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ.
وَاقْتِضَاءُ التَّرْكِ لِشَيْءٍ إِنْ كَانَ جَازِمًا فَهُوَ لِلتَّحْرِيمِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ جَازِمٍ فَهُوَ لِلْكَرَاهَةِ، وَإِنْ كَانَ مُسَاوِيًا لاِقْتِضَاءِ الْفِعْل فِي الْخِطَابِ فَهُوَ لِلإِْبَاحَةِ (6) .
وَانْظُرِ الْمُلْحَقَ الأُْصُولِيَّ.
ب - التَّرْكُ فِعْلٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ التَّكْلِيفُ:
6 - يَتَعَلَّقُ التَّكْلِيفُ بِالتَّرْكِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ؛ إِذِ الْمُكَلَّفُ بِهِ فِي النَّهْيِ الْمُقْتَضِي لِلتَّرْكِ هُوَ الْكَفُّ، أَيْ كَفُّ النَّفْسِ عَنِ الْفِعْل إِذَا أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ فِعْلٌ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَتِ الْقَاعِدَةُ الأُْصُولِيَّةُ (لاَ تَكْلِيفَ إِلاَّ بِفِعْلٍ) وَذَلِكَ مُتَحَقِّقٌ فِي الأَْمْرِ، وَفِي النَّهْيِ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّ مُقْتَضَاهُ وَهُوَ التَّرْكُ فِعْلٌ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الأُْصُولِيِّينَ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ التَّرْكَ مِنْ مُقْتَضَى النَّهْيِ، وَالنَّهْيُ تَكْلِيفٌ، وَالتَّكْلِيفُ إِنَّمَا يَرِدُ بِمَا كَانَ مَقْدُورًا لِلْمُكَلَّفِ، وَالْعَدَمُ الأَْصْلِيُّ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ مَقْدُورًا؛ لأَِنَّ الْقُدْرَةَ لاَ بُدَّ لَهَا مِنْ أَثَرٍ وُجُودِيٍّ، وَالْعَدَمُ نَفْيٌ مَحْضٌ، فَيُمْتَنَعُ إِسْنَادُهُ إِلَيْهَا. وَلأَِنَّ الْعَدَمَ الأَْصْلِيَّ - أَيِ الْمُسْتَمِرَّ - حَاصِلٌ، وَالْحَاصِل لاَ يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ ثَانِيًا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ مُقْتَضَى النَّهْيِ لَيْسَ هُوَ الْعَدَمَ ثَبَتَ أَنَّهُ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ. كَذَلِكَ قَالُوا: إِنَّ مُمْتَثِل التَّكْلِيفِ مُطِيعٌ وَالطَّاعَةُ حَسَنَةٌ، وَالْحَسَنَةُ مُسْتَلْزِمَةٌ لِلثَّوَابِ، وَلاَ يُثَابُ إِلاَّ عَلَى شَيْءٍ (وَأَلاَّ يَفْعَل) عَدَمٌ مَحْضٌ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَإِذَا لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ شَيْءٌ فَكَيْفَ يُثَابُ عَلَى لاَ شَيْءَ؟ .
وَقَال قَوْمٌ، مِنْهُمْ أَبُو هَاشِمٍ: إِنَّ التَّرْكَ غَيْرُ فِعْلٍ، وَهُوَ انْتِفَاءُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَذَلِكَ مَقْدُورٌ لِلْمُكَلَّفِ بِأَنْ لاَ يَشَاءَ فِعْلَهُ الَّذِي يُوجَدُ بِمَشِيئَتِهِ (7) .
وَانْظُرِ: الْمُلْحَقَ الأُْصُولِيَّ.
هَذَا، وَالْخُرُوجُ عَنِ الْعُهْدَةِ لاَ يُشْتَرَطُ لَهُ قَصْدُ التَّرْكِ امْتِثَالاً، بَل يَكْفِي مُجَرَّدُ التَّرْكِ. إِنَّمَا يُشْتَرَطُ قَصْدُ التَّرْكِ امْتِثَالاً لِحُصُول الثَّوَابِ (8) .
لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: إِنَّمَا الأَْعْمَال بِالنِّيَّاتِ (9) .
وَفِي تَقْرِيرَاتِ الشِّرْبِينِيِّ عَلَى جَمْعِ الْجَوَامِعِ: فِي التَّكْلِيفِ بِالنَّهْيِ ثَلاَثَةُ أُمُورٍ:
الأَْوَّل: الْمُكَلَّفُ بِهِ، وَهُوَ مُطْلَقُ التَّرْكِ، وَلاَ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَصْدِ الاِمْتِثَال، بَل مَدَارُهُ عَلَى إِقْبَال النَّفْسِ عَلَى الْفِعْل، ثُمَّ كَفِّهَا عَنْهُ. الثَّانِي: الْمُكَلَّفُ بِهِ الْمُثَابُ عَلَيْهِ، وَهُوَ التَّرْكُ بِقَصْدِ الاِمْتِثَال.
الثَّالِثُ: عَدَمُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ، لَكِنَّهُ لَيْسَ مُكَلَّفًا بِهِ؛ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْمُكَلَّفِ عَلَيْهِ (10) . وَانْظُرِ الْمُلْحَقَ الأُْصُولِيَّ.
ج التَّرْكُ وَسِيلَةٌ لِبَيَانِ الأَْحْكَامِ:
7 - قَدْ يَكُونُ التَّرْكُ وَسِيلَةً لِبَيَانِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ، يَقُول الْقَرَافِيُّ: الْبَيَانُ إِمَّا بِالْقَوْل أَوْ بِالْفِعْل كَالْكِتَابَةِ وَالإِْشَارَةِ، أَوْ بِالدَّلِيل الْعَقْلِيِّ، أَوْ بِالتَّرْكِ.
وَالتَّرْكُ يُبَيَّنُ بِهِ حُكْمُ الْمُحَرَّمِ وَالْمَكْرُوهِ وَالْمَنْدُوبِ (11) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
ثَانِيًا - التَّرْكُ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ:
أ - تَرْكُ الْمُحَرَّمَاتِ:
8 - الْمُحَرَّمَاتُ الَّتِي نَهَى الشَّرْعُ عَنْهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مِنْ عَمَل الْجَوَارِحِ كَالزِّنَى وَالسَّرِقَةِ وَالْقَتْل وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ، أَمْ كَانَتْ مِنْ عَمَل الْقَلْبِ كَالْحِقْدِ وَالْحَسَدِ. هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتُ يَجِبُ تَرْكُهَا امْتِثَالاً لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ مِنَ الشَّرْعِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى} (12) ، وقَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ} (13) وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ، قِيل: وَمَا هُنَّ يَا رَسُول اللَّهِ؟ قَال: الشِّرْكُ بِاَللَّهِ، وَالسِّحْرُ، وَقَتْل النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ، وَأَكْل مَال الْيَتِيمِ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاَتِ الْمُؤْمِنَاتِ، وَأَكْل الرِّبَا، وَشَهَادَةُ الزُّورِ (14) .
يَقُول الْفُقَهَاءُ: يَجِبُ عَلَى الْمُكَلَّفِ كَفُّ الْجَوَارِحِ عَنِ الْحَرَامِ، وَكَفُّ الْقَلْبِ عَنِ الْفَوَاحِشِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى: {وَذَرُوا ظَاهِرَ الإِْثْمِ وَبَاطِنَهُ} (15) وَفِعْل الْمُحَرَّمَاتِ مَعْصِيَةٌ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْعُقُوبَةُ الْمُقَرَّرَةُ لِكُل مَعْصِيَةٍ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ حَدًّا كَمَا فِي الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ، أَمْ كَانَتْ قِصَاصًا كَمَا فِي الْجِنَايَاتِ، أَمْ كَانَتْ تَعْزِيرًا كَمَا فِي الْمَعَاصِي الَّتِي لاَ حَدَّ فِيهَا (16) . وَمِنَ الْمُقَرَّرِ أَنَّ بَعْضَ الْمُحَرَّمَاتِ تُبَاحُ عِنْدَ الاِضْطِرَارِ، وَقَدْ تَجِبُ، كَأَكْل الْمَيْتَةِ فِي الْمَخْمَصَةِ إِحْيَاءً لِلنَّفْسِ، وَكَشُرْبِ الْخَمْرِ لإِِزَالَةِ الْغُصَّةِ، وَذَلِكَ بِالشُّرُوطِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهَا فِي الْحَالَتَيْنِ (17) . وَهَكَذَا
وَيُنْظَرُ كُل مَا سَبَقَ فِي أَبْوَابِهِ.
ب - تَرْكُ الْحُقُوقِ:
الْحَقُّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ لِلْعِبَادِ.
9 - أَمَّا حَقُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَالْعِبَادَاتِ مَثَلاً، فَتَرْكُهَا حَرَامٌ بِالإِْجْمَاعِ، وَيَعْصِي تَارِكُهَا، وَيَكُونُ آثِمًا، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا الْكُفْرُ إِنْ كَانَ تَرَكَهَا جَحْدًا لَهَا مَعَ كَوْنِهَا فَرْضًا مَعْلُومًا مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ، أَوِ الإِْثْمُ وَالْعُقُوبَةُ إِنْ كَانَ تَرَكَهَا كَسَلاً (18) .
يَقُول الزَّرْكَشِيُّ: إِذَا امْتَنَعَ الْمُكَلَّفُ مِنَ الْوَاجِبِ، فَإِنْ لَمْ تَدْخُل النِّيَابَةُ نُظِرَ: فَإِنْ كَانَ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى نُظِرَ: إِنْ كَانَتْ صَلاَةً طُولِبَ بِهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَل قُتِل، وَإِنْ كَانَ صَوْمًا حُبِسَ وَمُنِعَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ. . . وَإِنْ دَخَلَتْهُ النِّيَابَةُ قَامَ الْقَاضِي مَقَامَهُ، كَمَا فِي عَضْل الْوَلِيِّ الْمُجْبَرِ فِي النِّكَاحِ، عَلَى تَفْصِيلٍ فِي ذَلِكَ وَفِيمَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ (19) .
وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمُجْمَعِ عَلَيْهِ. أَمَّا الْمُخْتَلَفُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ تَارِكُهُ مُعْتَقِدًا جَوَازَ ذَلِكَ فَلاَ شَيْءَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَقِدًا تَحْرِيمَهُ فَهُوَ آثِمٌ (20) .
وَكَذَلِكَ يَأْثَمُ الْمُسْلِمُ الْمُكَلَّفُ بِتَرْكِ السُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ الَّتِي تُعْتَبَرُ مِنْ شَعَائِرِ الإِْسْلاَمِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي وَجْهٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، كَالْجَمَاعَةِ وَالأَْذَانِ وَصَلاَةِ الْعِيدَيْنِ إِذْ فِي تَرْكِهَا تَهَاوُنٌ بِالشَّرْعِ، وَلِذَلِكَ لَوْ اتَّفَقَ أَهْل بَلْدَةٍ عَلَى تَرْكِهَا وَجَبَ قِتَالُهُمْ، بِخِلاَفِ سَائِرِ الْمَنْدُوبَاتِ؛ لأَِنَّهَا تُفْعَل فُرَادَى.
هَذَا وَيُبَاحُ تَرْكُ الْوَاجِبِ لِلضَّرُورَةِ؛ إِذِ الْمَعْهُودُ فِي الشَّرِيعَةِ دَفْعُ الضَّرَرِ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ إِذَا تَعَيَّنَ طَرِيقًا لِدَفْعِ الضَّرَرِ (21) . وَمِنْ ثَمَّ كَانَتِ الْمُسَامَحَةُ فِي تَرْكِ الْوَاجِبِ أَوْسَعَ مِنَ الْمُسَامَحَةِ فِي فِعْل الْمُحَرَّمِ، وَاعْتِنَاءُ الشَّرْعِ بِالْمَنْهِيَّاتِ فَوْقَ اعْتِنَائِهِ بِالْمَأْمُورَاتِ، وَلِهَذَا قَال النَّبِيُّ ﷺ: إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ (22) .
10 - وَالْحُدُودُ الَّتِي تَكُونُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، كَحَدِّ الزِّنَى وَالسَّرِقَةِ يَجِبُ إِقَامَتُهَا مَتَى بَلَغَتِ الإِْمَامَ.
قَال الْفُقَهَاءُ: الْحَدُّ لاَ يَقْبَل الإِْسْقَاطَ بَعْدَ ثُبُوتِ سَبَبِهِ عِنْدَ الْحَاكِمِ. وَعَلَيْهِ بُنِيَ عَدَمُ جَوَازِ الشَّفَاعَةِ فِيهِ، فَإِنَّهَا طَلَبُ تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَلِذَا أَنْكَرَ رَسُول اللَّهِ ﷺ عَلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ ﵄ حِينَ شَفَعَ فِي الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَال: أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟ . . . (23) وَلأَِنَّ الْحَدَّ بَعْدَ بُلُوغِ الإِْمَامِ يَصِيرُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، فَلاَ يَجُوزُ لِلإِْمَامِ تَرْكُهُ وَلاَ يَجُوزُ لأَِحَدٍ الشَّفَاعَةُ فِي إِسْقَاطِهِ.
11 - أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلتَّعْزِيرِ فَقَدْ ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى: أَنَّهُ إِنْ كَانَ الْحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَ إِقَامَتُهُ كَالْحُدُودِ، إِنْ رَأَى الإِْمَامُ أَنَّهُ لاَ يَنْزَجِرُ إِلاَّ بِهِ، أَوْ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي إِقَامَتِهِ. وَقَال الشَّافِعِيُّ: هُوَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَى الإِْمَامِ، إِنْ شَاءَ أَقَامَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ (24) . وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (حَدٌّ - تَعْزِيرٌ) .
12 - وَأَمَّا حَقُّ الْعَبْدِ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَهُ فَتَرْكُهُ جَائِزٌ، إِذِ الأَْصْل أَنَّ كُل جَائِزِ التَّصَرُّفِ لاَ يُمْنَعُ مِنْ تَرْكِ حَقِّهِ، مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ مِنْ ذَلِكَ كَتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ، بَل قَدْ يَكُونُ التَّرْكُ مَنْدُوبًا إِذَا كَانَ قُرْبَةً، كَإِبْرَاءِ الْمُعْسِرِ وَالْعَفْوِ عَنِ الْقِصَاصِ (25) .
هَذَا إِذَا كَانَ الْحَقُّ قِبَل الْغَيْرِ، أَمَّا إِذَا كَانَ قِبَل نَفْسِهِ فَقَدْ يَكُونُ التَّرْكُ حَرَامًا كَمَا إِذَا تَرَكَ الأَْكْل وَالشُّرْبَ حَتَّى هَلَكَ، وَكَمَا إِذَا أُلْقِيَ فِي مَاءٍ يُمْكِنُهُ الْخَلاَصُ مِنْهُ عَادَةً، فَمَكَثَ فِيهِ مُخْتَارًا حَتَّى هَلَكَ (26) .
وَقِيل فِي التَّمَتُّعِ بِأَنْوَاعِ الطَّيِّبَاتِ: إِنَّ التَّرْكَ مِنَ الْبِدَعِ الْمَذْمُومَةِ. قَال تَعَالَى: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} (27) وَقِيل: إِنَّ التَّرْكَ أَفْضَل (28) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا} (29) . 13 - وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ لِلْغَيْرِ، وَتَرَتَّبَ فِي ذِمَّةِ شَخْصٍ، وَأَصْبَحَ مُلْتَزِمًا بِهِ حِفْظًا أَوْ أَدَاءً، فَإِنَّ تَرْكَ الْحِفْظِ أَوِ الأَْدَاءِ يُعْتَبَرُ مَعْصِيَةً تَسْتَوْجِبُ التَّعْزِيرَ حَتَّى يُؤَدِّيَ الْحَقَّ لأَِهْلِهِ، مَعَ الضَّمَانِ فِيمَا ضَاعَ أَوْ تَلِفَ.
وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ يَتَعَلَّقُ بِنَفْعِ الْغَيْرِ، لَكِنْ لَمْ يَلْتَزِمْ بِهِ شَخْصٌ، وَكَانَ فِي تَرْكِ الْقِيَامِ بِمَا يُحَقِّقُ النَّفْعَ ضَيَاعُ الْمَال أَوْ تَلَفُهُ، كَمَنْ تَرَكَ الْتِقَاطَ لُقَطَةٍ تَضِيعُ لَوْ تَرَكَهَا، أَوْ تَرَكَ قَبُول وَدِيعَةٍ تَضِيعُ لَوْ لَمْ يَقْبَلْهَا، فَتَلِفَ الْمَال أَوْ ضَاعَ، فَإِنَّهُ يَأْثَمُ بِالتَّرْكِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ لِحُرْمَةِ مَال الْغَيْرِ، خِلاَفًا لِلْحَنَابِلَةِ إِذِ الأَْخْذُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عِنْدَهُمْ، بَل هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. لَكِنَّ الْفُقَهَاءَ يَخْتَلِفُونَ فِي تَرَتُّبِ الضَّمَانِ بِنَاءً عَلَى اخْتِلاَفِهِمْ، هَل يُعَدُّ التَّرْكُ فِعْلاً يُكَلَّفُ الإِْنْسَانُ بِمُوجَبِهِ؛ إِذْ لاَ تَكْلِيفَ إِلاَّ بِفِعْلٍ، أَمْ لاَ يُعْتَبَرُ فِعْلاً؟ .
فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَجُمْهُورِ الْحَنَفِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: لاَ ضَمَانَ بِالتَّرْكِ عِنْدَ الضَّيَاعِ أَوِ التَّلَفِ؛ إِذْ التَّرْكُ فِي نَظَرِهِمْ لَيْسَ سَبَبًا وَلاَ تَضْيِيعًا، بَل هُوَ امْتِنَاعٌ مِنْ حِفْظٍ غَيْرِ مُلْزِمٍ؛ وَلأَِنَّ الْمَال إِنَّمَا يُضْمَنُ بِالْيَدِ أَوِ الإِْتْلاَفِ، وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا بِخِلاَفِ مَا إِذَا الْتَقَطَ أَوْ قَبِل الْوَدِيعَةَ وَتَرَكَ الْحِفْظَ حَتَّى ضَاعَ الْمَال أَوْ تَلِفَ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ حِينَئِذٍ لِتَرْكِهِ مَا الْتَزَمَ بِهِ.
وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَالْحَنَفِيَّةِ: تَرَتُّبُ الضَّمَانِ عَلَى التَّرْكِ فِي مِثْل ذَلِكَ. بِنَاءً عَلَى أَنَّ التَّرْكَ فِعْلٌ فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْمَذْهَبِ، بَل إِنَّ الْمَالِكِيَّةَ يُضَمِّنُونَ الصَّبِيَّ فِي تَرْكِ مَا يَجُوزُ لَهُ فِعْلُهُ، فَلَوْ مَرَّ صَبِيٌّ مُمَيِّزٌ عَلَى صَيْدٍ مَجْرُوحٍ لَمْ يَنْفُذْ مَقْتَلُهُ، وَأَمْكَنَتْهُ ذَكَاتُهُ، فَتَرَكَ تَذْكِيَتَهُ حَتَّى مَاتَ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ مَجْرُوحًا لِصَاحِبِهِ؛ لأَِنَّ الضَّمَانَ مِنْ خِطَابِ الْوَضْعِ؛ وَلأَِنَّ الشَّارِعَ جَعَل التَّرْكَ سَبَبًا فِي الضَّمَانِ، فَيَتَنَاوَل الْبَالِغَ وَغَيْرَهُ (30) .
14 - هَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَال، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِتَرْكِ إِنْقَاذِ نَفْسٍ مِنَ الْهَلاَكِ، فَالْمُتَتَبِّعُ لأَِقْوَال الْفُقَهَاءِ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ يَكُونُ فِي حَالَتَيْنِ:
إِحْدَاهُمَا: أَنْ يَقُومَ شَخْصٌ بِعَمَلٍ ضَارٍ نَحْوَ شَخْصٍ آخَرَ يُمْكِنُ أَنْ يُؤَدِّيَ إِلَى هَلاَكِهِ غَالِبًا، ثُمَّ يَتْرُكَ مَا يُمْكِنُ بِهِ إِنْقَاذُ هَذَا الشَّخْصِ فَيَهْلِكُ.
وَمِثَال ذَلِكَ: أَنْ يَحْبِسَ غَيْرَهُ فِي مَكَانٍ، وَيَمْنَعَهُ الطَّعَامَ أَوِ الشَّرَابَ، فَيَمُوتَ جُوعًا وَعَطَشًا لِزَمَنٍ يَمُوتُ فِيهِ غَالِبًا، وَكَانَ قَدْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الطَّلَبُ. فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: يَكُونُ فِيهِ الْقَوَدُ لِظُهُورِ قَصْدِ الإِْهْلاَكِ بِذَلِكَ. وَعِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ - أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ - يَكُونُ فِي ذَلِكَ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ. لأَِنَّ حَبْسَهُ هُوَ الَّذِي تَسَبَّبَ فِي هَلاَكِهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: لاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الْهَلاَكَ حَصَل بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ لاَ بِالْحَبْسِ، وَلاَ صُنْعَ لأَِحَدٍ فِي الْجُوعِ وَالْعَطَشِ.
فَإِنْ لَمْ يَمْنَعْهُ الطَّعَامَ أَوِ الشَّرَابَ، بِأَنْ كَانَ مَعَهُ فَلَمْ يَتَنَاوَل خَوْفًا أَوْ حُزْنًا، أَوْ كَانَ يُمْكِنُهُ الطَّلَبُ فَلَمْ يَفْعَل، فَمَاتَ، فَلاَ قِصَاصَ وَلاَ دِيَةَ، لأَِنَّهُ قَتَل نَفْسَهُ (31) .
الْحَال الثَّانِيَةُ: مَنْ أَمْكَنَهُ إِنْقَاذُ إِنْسَانِ مِنَ الْهَلاَكِ، فَلَمْ يَفْعَل حَتَّى مَاتَ.
وَمِثَال ذَلِكَ: مَنْ رَأَى إِنْسَانًا اشْتَدَّ جُوعُهُ. وَعَجَزَ عَنِ الطَّلَبِ، فَامْتَنَعَ مَنْ رَآهُ مِنْ إِعْطَائِهِ فَضْل طَعَامِهِ حَتَّى مَاتَ، أَوْ رَأَى إِنْسَانًا فِي مَهْلَكَةٍ فَلَمْ يُنْجِهِ مِنْهَا، مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ - فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ - عَدَا أَبِي الْخَطَّابِ لاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُمْتَنِعِ، لأَِنَّهُ لَمْ يُهْلِكْهُ وَلَمْ يُحْدِثْ فِيهِ فِعْلاً مُهْلِكًا، لَكِنَّهُ يَأْثَمُ. وَهَذَا الْحُكْمُ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِذَا كَانَ الْمُضْطَرُّ لَمْ يَطْلُبِ الطَّعَامَ، أَمَّا إِذَا طَلَبَهُ فَمَنَعَهُ رَبُّ الطَّعَامِ حَتَّى مَاتَ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لأَِنَّ مَنْعَهُ مِنْهُ كَانَ سَبَبًا فِي هَلاَكِهِ، فَضَمِنَهُ بِفِعْلِهِ الَّذِي تَعَدَّى بِهِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَأَبِي الْخَطَّابِ يَضْمَنُ، لأَِنَّهُ لَمْ يُنْجِهِ مِنَ الْهَلاَكِ مَعَ إِمْكَانِهِ.
هَذَا وَيُلاَحَظُ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْمُضْطَرِّ قِتَال مَنْ مَنَعَ مِنْهُ فَضْل طَعَامِهِ، فَإِنْ قُتِل رَبُّ الطَّعَامِ فَدَمُهُ هَدَرٌ، وَإِنْ قُتِل الْمُضْطَرُّ فَفِيهِ الْقِصَاصُ؛ لِقَضَاءِ عُمَرَ ﵁ بِذَلِكَ (32) .
عُقُوبَةُ تَرْكِ الْوَاجِبِ:
15 - يَقُول ابْنُ فَرْحُونَ: التَّعْزِيرُ يَكُونُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ، وَمِنْ ذَلِكَ تَرْكُ قَضَاءِ الدَّيْنِ وَأَدَاءِ الأَْمَانَاتِ: مِثْل الْوَدَائِعِ وَأَمْوَال الأَْيْتَامِ وَغَلاَّتِ الْوُقُوفِ وَمَا تَحْتَ أَيْدِي الْوُكَلاَءِ وَالْمُقَارِضِينَ، وَالاِمْتِنَاعِ مِنْ رَدِّ الْمَغْصُوبِ وَالْمَظَالِمِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الأَْدَاءِ، وَيُجْبَرُ عَلَى ذَلِكَ إِنْ أَبَاهُ وَلَوْ بِالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ (33) .
وَيَقُول الزَّرْكَشِيُّ: إِذَا امْتَنَعَ الْمُكَلَّفُ مِنَ الْوَاجِبِ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا لآِدَمِيٍّ لاَ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ حُبِسَ حَتَّى يَفْعَلَهُ. كَمَا إِذَا امْتَنَعَ الْمُشْتَرِي مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُخَيَّرُ بَيْنَ حَبْسِهِ وَبَيْنَ النِّيَابَةِ عَنْهُ فِي التَّسْلِيمِ، كَالْمُقِرِّ بِمُبْهَمٍ يُحْبَسُ حَتَّى يُبَيِّنَ. وَإِنْ كَانَتْ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ قَامَ الْقَاضِي مَقَامَهُ (34) .
النِّيَّةُ فِي التَّرْكِ:
16 - تَرْكُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لاَ يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ لِلْخُرُوجِ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ. وَأَمَّا لِحُصُول الثَّوَابِ، بِأَنْ كَانَ التَّرْكُ كَفًّا - وَهُوَ: أَنْ تَدْعُوهُ النَّفْسُ إِلَيْهِ قَادِرًا عَلَى فِعْلِهِ، فَكَفَّ نَفْسَهُ عَنْهُ خَوْفًا مِنْ رَبِّهِ - فَهُوَ مُثَابٌ، وَإِلاَّ فَلاَ ثَوَابَ عَلَى تَرْكِهِ، فَلاَ يُثَابُ الْعِنِّينُ عَلَى تَرْكِ الزِّنَا، وَلاَ الأَْعْمَى عَلَى تَرْكِ النَّظَرِ.
آثَارُ التَّرْكِ:
17 - تَتَعَدَّدُ آثَارُ التَّرْكِ وَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ مُتَعَلِّقِهِ، وَبِاخْتِلاَفِ مَا إِذَا كَانَ التَّرْكُ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا أَوْ جَهْلاً وَهَكَذَا. وَفِيمَا يَأْتِي بَعْضُ آثَارِ التَّرْكِ.
أ - يَسْقُطُ الْحَقُّ فِي الشُّفْعَةِ بِتَرْكِ طَلَبِهَا بِلاَ عُذْرٍ. وَيَخْتَلِفُ الْفُقَهَاءُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي يَسْقُطُ بِهَا هَذَا الْحَقُّ (35) . (ر: شُفْعَةٌ) .
ب - لاَ تُؤْكَل الذَّبِيحَةُ إِذَا تَرَكَ الذَّابِحُ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ، وَأَمَّا إِنْ تَرَكَ نِسْيَانًا فَتُؤْكَل اتِّفَاقًا، وَفِي الْمَسْأَلَةِ خِلاَفٌ يُنْظَرُ (ذَبَائِحُ - أُضْحِيَّةٌ) .
وَالأَْجِيرُ إِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا ضَمِنَ قِيمَةَ الذَّبِيحَةِ (36) .
ج - تَرْكُ الْقِيَامِ بِالدَّعْوَى بِلاَ عُذْرٍ، وَبَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمُحَدَّدَةِ يَمْنَعُ سَمَاعَهَا، وَهَذَا عِنْدَ مُتَأَخِّرِي الْحَنَفِيَّةِ بِنَاءً عَلَى أَمْرٍ سُلْطَانِيٍّ، وَكَمَا لاَ تُسْمَعُ فِي حَيَاةِ الْمُدَّعِي لِلتَّرْكِ لاَ تُسْمَعُ مِنَ الْوَرَثَةِ.
وَإِذَا تَرَكَ الْمُوَرِّثُ الدَّعْوَى مُدَّةً وَتَرَكَهَا الْوَارِثُ مُدَّةً، وَبَلَغَ مَجْمُوعُ الْمُدَّتَيْنِ حَدَّ مُرُورِ الزَّمَانِ فَلاَ تُسْمَعُ (37) . (ر: دَعْوَى) .
د - يَلْزَمُ الْحِنْثُ وَالْكَفَّارَةُ فِي الْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ (38) . (ر: أَيْمَانٌ) .
هـ - تَرْكُ الْعِبَادَاتِ أَوْ بَعْضِ أَجْزَائِهَا يَسْتَلْزِمُ الْجُبْرَانَ. وَالْمَتْرُوكَاتُ مِنْهَا مَا يُجْبَرُ بِالْعَمَل الْبَدَنِيِّ كَسُجُودِ السَّهْوِ فِي الصَّلاَةِ، وَالْقَضَاءِ أَوِ الإِْعَادَةِ لِمَنْ تَرَكَ فَرْضًا.
وَمِنْهَا مَا يُجْبَرُ بِالْمَال كَجَبْرِ الصَّوْمِ بِالإِْطْعَامِ فِي حَقِّ الشَّيْخِ الْعَاجِزِ، وَالدَّمُ لِتَرْكِ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ (39) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مَوَاضِعِهِ.
هَذَا وَقَدْ وَرَدَ فِي ثَنَايَا الْبَحْثِ آثَارُ التَّرْكِ، كَتَرَتُّبِ الْحَدِّ أَوِ التَّعْزِيرِ فِي تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ عَدَمِ تَرْكِ مُحَرَّمٍ، وَكَالضَّمَانِ فِي التَّلَفِ بِالتَّرْكِ.
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير. مادة " ترك ".
(2) جمع الجوامع 1 / 213 وما بعدها، والأحكام للآمدي 1 / 147، وشرح مسلم الثبوت 1 / 132، والمستصفى 1 / 90، وأصول السرخسي 1 / 90، وشرح العضد 2 / 13، 14، وحاشية الدسوقي 2 / 110، 4 / 301، والمنثور للزركشي 1 / 284، والأشباه لابن نجيم ص 26، 29.
(3) المعجم الوسيط، والمصباح المنير، ونهاية المحتاج 7 / 445.
(4) المعجم الوسيط وتاج العروس ومتن اللغة، وابن عابدين 4 / 43، والفروق في اللغة ص 106، والبدائع 5 / 244، وحاشية الدسوقي 3 / 145، والقليوبي 2 / 215، والمغني 4 / 125 و 126.
(5) لسان العرب، والمصباح المنير، وابن عابدين 4 / 276، والموسوعة الفقهية (الكويت) 4 / 226.
(6) جمع الجوامع 1 / 80، والتلويح على التوضيح 1 / 13، والبدخشي والأسنوي 1 / 40.
(7) الأسنوي 2 / 55، والآمدي 1 / 147، وجمع الجوامع 1 / 213 وما بعدها، وشرح العضد 2 / 13، 14، والمستصفى 1 / 90، والتقرير والتحبير 2 / 81 و 82.
(8) جمع الجوامع 1 / 216، والذخيرة ص 62.
(9) حديث: " إنما الأعمال بالنيات. . . " أخرجه البخاري (الفتح 1 / 9 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1515 - ط الحلبي) واللفظ للبخاري.
(10) هامش جمع الجوامع 1 / 69.
(11) الذخيرة ص 100، وهامش الفروق 4 / 220، والمستصفى 2 / 223، والموافقات للشاطبي 3 / 319 - 321.
(12) سورة الإسراء / 32.
(13) سورة الأنعام / 151.
(14) حديث: " اجتنبوا السبع الموبقات. . . " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 393 - ط السلفية) ومسلم (1 / 92 - ط الحلبي) .
(15) سورة الأنعام / 120.
(16) الاختيار 4 / 79، والشرح الصغير 4 / 735، والفروق للقرافي 1 / 121، 122، والتبصرة بهامش فتح العلي 2 / 133، 134، 294، والأحكام السلطانية للماوردي / 221، والأذكار للنووي / 284، والمغني 7 / 635 و 8 / 156، 215، 240، والآداب الشرعية 1 / 58.
(17) نهاية المحتاج 8 / 150، والمغني 8 / 332، 569، والأشباه لابن نجيم / 34، ومنح الجليل 1 / 596، والأشباه للسيوطي 75 و 76، والآداب الشرعية 1 / 58.
(18) ابن عابدين 1 / 235، وجواهر الإكليل 1 / 35، والتبصرة لابن فرحون 2 / 188، 192، 294، والفواكه الدواني 2 / 276.
(19) المنثور في القواعد 3 / 110، 323.
(20) المغني 2 / 447، وجواهر الإكليل 1 / 35، والمنثور 2 / 140.
(21) الفروق للقرافي 3 / 122، 123.
(22) المنثور 3 / 272، 397، 398. وحديث: " إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه. . . " أخرجه البخاري (الفتح 13 / 251 - ط السلفية) ومسلم (4 / 1830 - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
(23) حديث: " أتشفع في حد من حدود الله. . . " أخرجه البخاري (الفتح 12 / 87 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1315 - ط الحلبي) .
(24) البدائع 7 / 55، 56، وفتح القدير 5 / 4، 113، والفروق للقرافي 4 / 179، والفواكه الدواني 2 / 295، والمهذب 2 / 283، 286، والمغني 8 / 282، 326.
(25) الأشباه لابن نجيم ص 257، والمنثور في القواعد 3 / 393، ومنتهى الإرادات 2 / 260، 439.
(26) الاختيار 4 / 172، والفتاوى الهندية 6 / 5، ونهاية المحتاج 7 / 243، ومنتهى الإرادات 3 / 269.
(27) سورة البقرة / 172.
(28) الاختيار 4 / 174، ومغني المحتاج 4 / 310، والاختيارات الفقهية ص 323.
(29) سورة الأحقاف / 10.
(30) البدائع 6 / 200، وابن عابدين 3 / 318، 319، وحاشية الدسوقي 2 / 110، 111، والحطاب 3 / 224، 225، والخرشي 3 / 20، 21، ونهاية المحتاج 5 / 424 و 6 / 110، والمهذب 1 / 436، ونيل المآرب 1 / 476، والمغني 5 / 694.
(31) البدائع 7 / 234، وابن عابدين 5 / 349، والدسوقي 4 / 242، والتاج والإكليل بهامش الحطاب 6 / 240، ومغني المحتاج 4 / 5، ونهاية المحتاج 7 / 239، وكشاف القناع 5 / 508، ومنتهى الإرادات 3 / 269، 270.
(32) الاختيار 4 / 175، ومغني المحتاج 4 / 309، والمغني 7 / 834، 835، ومنتهى الإرادات 3 / 304، 305، وحاشية الدسوقي 2 / 112 و 4 / 242.
(33) التبصرة بهامش فتح العلي 2 / 294، وانظر الاختيارات الفقهية ص 300، 301.
(34) المنثور في القواعد 3 / 109، 323.
(35) البدائع 5 / 17، وجواهر الإكليل 2 / 160.
(36) الاختيار 5 / 9، وابن عابدين 5 / 212، ومنح الجليل 1 / 580، وشرح منتهى الإرادات 3 / 408.
(37) تكملة حاشية ابن عابدين 1 / 347، ومجلة الأحكام العدلية المواد 1669، 1670، وفتح العلي المالك 2 / 315 - 321.
(38) نهاية المحتاج 8 / 170.
(39) المنثور 2 / 8، والفروق للقرافي 1 / 213، والوجيز 1 / 50.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 198/ 11