الرحمن
هذا تعريف باسم الله (الرحمن)، وفيه معناه في اللغة والاصطلاح،...
تعليق الإنسان المراد قتله على خشبة تشبه الصليب . والصليب خشبتان متعارضتان توضع إحداهما على الأخرى . يَتقَرَّب به النصارى؛ لزعمهم أن عيسى عَلَيْهِ السَّلَامُ صُلب عليه . ومن شواهد ذلك قوله تعالى : ﱫﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾ ﴿ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔﱪ النساء : ١٥٧ .
تعليق الإنسان المراد قتله على خشبة تشبه الصليب. والصليب خشبتان متعارضتان توضع إحداهما على الأخرى.
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّصْلِيبُ فِي اللُّغَةِ: مَصْدَرُ صَلَّبَ، وَهُوَ يَأْتِي لِمَعَانٍ: مِنْهَا:
أ - الْقِتْلَةُ الْمَعْرُوفَةُ يُقَال: صُلِبَ فُلاَنٌ صَلْبًا، وَصُلِّبَ تَصْلِيبًا. فَفِي التَّنْزِيل الْعَزِيزِ: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} (1) وَفِيهِ حِكَايَةُ قَوْل فِرْعَوْنَ: {وَلأَِصْلُبَنكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْل} (2) وَأَصْلُهُ عَلَى مَا فِي لِسَانِ الْعَرَبِ " الصَّلِيبُ " وَهُوَ فِي اللُّغَةِ دُهْنُ الإِِْنْسَانِ أَوِ الْحَيَوَانِ، قَال: وَالصَّلْبُ هَذِهِ الْقِتْلَةُ الْمَعْرُوفَةُ، مُشْتَقٌّ مِنْ ذَلِكَ، لأَِنَّ وَدَكَ الْمَصْلُوبِ (أَيْ دُهْنَهُ) يَسِيل. (3)
وَمِنْهُ سُمِّيَ الصَّلِيبُ. وَهُوَ الْخَشَبَةُ الَّتِي يُصْلَبُ عَلَيْهَا مَنْ يُقْتَل كَذَلِكَ ثُمَّ اسْتُعْمِل لِمَا يَتَّخِذُهُ النَّصَارَى عَلَى ذَلِكَ الشَّكْل وَجَمْعُهُ الصُّلْبَانُ، وَالصُّلُبُ.
ب - وَالتَّصْلِيبُ أَيْضًا صِنَاعَةُ الصَّلِيبِ، أَوْ عَمَل نَقْشٍ فِي ثَوْبٍ أَوْ جِدَارٍ أَوْ قِرْطَاسٍ أَوْ غَيْرِهَا بِشَكْل الصَّلِيبِ، أَوِ التَّصْلِيبُ بِالإِِْشَارَةِ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَالصَّلِيبُ خَطَّانِ مُتَقَاطِعَانِ (4) . وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ﵂ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلاَّ نَقَضَهُ (5) أَيْ قَطَعَ مَوْضِعَ التَّصْلِيبِ فِيهِ، وَفِي رِوَايَةٍ نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الْمُصَلَّبِ. (6) وَهُوَ الَّذِي فِيهِ نَقْشٌ كَالصُّلْبَانِ (7) .
ج - وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ: نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنِ الصَّلْبِ فِي الصَّلاَةِ (8) وَهَيْئَةُ الصَّلْبِ فِي الصَّلاَةِ أَنْ يَضَعَ الْمُصَلِّي يَدَيْهِ عَلَى خَاصِرَتَيْهِ، وَيُجَافِيَ عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ فِي الْقِيَامِ. وَإِِنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِمُشَابَهَتِهِ شَكْل الْمَصْلُوبِ. وَتُنْظَرُ أَحْكَامُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ. الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - التَّمْثِيل:
2 - التَّمْثِيل: مَصْدَرُ مَثَّل مِنْ مَثَّلْتُ بِالْقَتِيل مَثْلاً: إِِذَا جَدَعْتَهُ وَظَهَرَتْ آثَارُ فِعْلِكَ عَلَيْهِ تَنْكِيلاً، وَالتَّشْدِيدُ فِي مَثَّل لِلْمُبَالَغَةِ (9) فَبَيْنَ التَّصْلِيبِ وَالتَّمْثِيل مُبَايَنَةٌ؛ لأَِنَّ التَّصْلِيبَ رَبْطٌ لِلْعُقُوبَةِ، أَمَّا التَّمْثِيل فَهُوَ مُجَرَّدُ الْجَدْعِ وَالتَّقْطِيعِ.
ب - الصَّبْرُ:
3 - الصَّبْرُ مِنْ مَعَانِيهِ فِي اللُّغَةِ: نَصْبُ الإِِْنْسَانِ لِلْقَتْل، أَوْ أَنْ يُمْسِكَ الطَّائِرُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ ذَوَاتِ الرُّوحِ يُصْبِرُ حَيًّا، ثُمَّ يُرْمَى بِشَيْءٍ حَتَّى يُقْتَل (10) .
فَالصَّبْرُ أَعَمُّ مِنَ التَّصْلِيبِ؛ لأَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ بِلاَ صَلْبٍ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
يَتَنَاوَل الْحُكْمُ أَمْرَيْنِ:
أ - الصَّلْبُ، وَهُوَ الْقِتْلَةُ الْمَعْرُوفَةُ.
ب - الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالصَّلِيبِ.
أَوَّلاً: حُكْمُ التَّصْلِيبِ (بِمَعْنَى الْقِتْلَةِ الْمَعْرُوفَةِ)
4 - الصَّلْبُ قِتْلَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَهِيَ أَنْ يُرْفَعَ الْمُرَادُ قَتْلُهُ عَلَى جِذْعٍ أَوْ شَجَرَةٍ أَوْ خَشَبَةٍ قَائِمَةٍ، وَتُمَدُّ يَدَاهُ عَلَى خَشَبَةٍ مُعْتَرِضَةٍ، وَتُرْبَطُ رِجْلاَهُ بِالْخَشَبَةِ الْقَائِمَةِ، وَيُتْرَكُ عَلَيْهَا هَكَذَا حَتَّى يَمُوتَ. وَقَدْ تَسَمَّرَ يَدَاهُ وَرِجْلاَهُ بِالْخَشَبِ. وَقَدْ يُقْتَل أَوَّلاً، وَيُصْلَبُ بَعْدَ زُهُوقِ رُوحِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ لِلتَّشْهِيرِ بِهِ.
وَكَانَتْ هَذِهِ الْقِتْلَةُ شَائِعَةً فِي الأُْمَمِ السَّابِقَةِ كَالْفُرْسِ وَالرُّومَانِ وَمَنْ قَبْلَهُمْ. وَنَصَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّهَا كَانَتْ مِنْ فِعْل فِرْعَوْنَ بِأَعْدَائِهِ. وَفِي قِصَّةِ يُوسُفَ {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الآْخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُل الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ} (11)
وَقَدْ حَرَّمَ الإِِْسْلاَمُ هَذِهِ الْقِتْلَةَ لِمَا فِيهَا مِنَ التَّعْذِيبِ الشَّدِيدِ وَالْمُثْلَةِ وَالتَّشْهِيرِ، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِِْحْسَانَ عَلَى كُل شَيْءٍ، فَإِِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ، وَإِِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ (12) وَنَهَى عَنِ الْمُثْلَةِ وَلَوْ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ (13) 5 - وَيُسْتَثْنَى مِنْ هَذَا الأَْصْل جَرَائِمُ مُحَدَّدَةٌ جُعِلَتْ عُقُوبَتُهَا الصَّلْبَ بَعْدَ الْقَتْل لِعَوَارِضَ خَاصَّةٍ اقْتَضَتْهَا. وَهَذِهِ الْجَرَائِمُ هِيَ مَا يَلِي:
أ - الإِِْفْسَادُ فِي الأَْرْضِ:
جُعِلَتْ عُقُوبَةُ الإِِْفْسَادِ فِي الأَْرْضِ بِالْمُحَارَبَةِ (قَطْعِ الطَّرِيقِ) الصَّلْبَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَْرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلاَفٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَْرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآْخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . (14)
وَإِِنَّمَا كَانَ الصَّلْبُ عُقُوبَةً فِي هَذِهِ الْجَرِيمَةِ؛ لأَِنَّ قُطَّاعَ الطُّرُقِ يَسْتَأْسِدُونَ عَلَى النَّاسِ، فَيُرَوِّعُونَ الآْمَنِينَ، وَيُظْهِرُونَ الْفَسَادَ، فَجُعِل الصَّلْبُ عُقُوبَةً لَهُمْ؛ لِيَرْتَدِعَ بِهِ مَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْمُفْسِدِينَ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي الصَّلْبِ:
فَقِيل: هُوَ حَدٌّ لاَ بُدَّ مِنْ إِقَامَتِهِ.
وَقِيل: الإِِْمَامُ مُخَيَّرٌ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ مِنَ الْعُقُوبَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي الآْيَةِ. (15) عَلَى تَرْتِيبٍ وَتَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (حِرَابَةٌ) .
كَيْفِيَّةُ تَنْفِيذِ عُقُوبَةِ الصَّلْبِ فِي قَاطِعِ الطَّرِيقِ:
6 - بِاسْتِقْرَاءِ كَلاَمِ الْفُقَهَاءِ يَتَبَيَّنُ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ بِصَلْبِ قَاطِعِ الطَّرِيقِ: أَنْ يُحْمَل عَلَى الْخَشَبَةِ حَيًّا، ثُمَّ يُتْرَكَ عَلَيْهَا حَتَّى يَمُوتَ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا: فَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَالأَْوْزَاعِيُّ: يُصْلَبُ حَيًّا، ثُمَّ يُقْتَل مَصْلُوبًا بِطَعْنِهِ بِحَرْبَةٍ؛ لأَِنَّ الصَّلْبَ عُقُوبَةٌ، وَإِِنَّمَا يُعَاقَبُ الْحَيُّ لاَ الْمَيِّتُ؛ وَلأَِنَّهُ جَزَاءٌ عَلَى الْمُحَارَبَةِ، فَيُشْرَعُ فِي الْحَيَاةِ كَسَائِرِ الْجَزَاءَاتِ (16) .
وَقَال الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يُقْتَل أَوَّلاً، ثُمَّ يُصْلَبُ بَعْدَ قَتْلِهِ؛ لأَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدَّمَ ذِكْرَ الْقَتْل عَلَى ذِكْرِ الصَّلْبِ، فَيُلْتَزَمُ هَذَا التَّرْتِيبُ حَيْثُ اجْتَمَعَا؛ وَلأَِنَّ الْقَتْل إِِذَا أُطْلِقَ فِي الشَّرْعِ كَانَ قَتْلاً بِالسَّيْفِ؛ وَلأَِنَّ فِي قَتْلِهِ بِالصَّلْبِ تَعْذِيبًا لَهُ وَمُثْلَةً، وَقَدْ نَهَى الشَّرْعُ عَنِ الْمُثْلَةِ.
أَمَّا الْمُدَّةُ الَّتِي يَبْقَى فِيهَا الْمَصْلُوبُ عَلَى الْخَشَبَةِ بَعْدَ قَتْلِهِ، فَقَال أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يُصْلَبُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. وَقَال الْحَنَابِلَةُ: يُصْلَبُ قَدْرَ مَا يَشْتَهِرُ أَمْرُهُ، دُونَ تَحْدِيدٍ بِمُدَّةٍ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ يُنْزَل إِِذَا خِيفَ تَغَيُّرُهُ. (17)
ب - مَنْ قَتَل غَيْرَهُ عَمْدًا بِالصَّلْبِ حَتَّى مَاتَ:
7 - مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّ لِوَلِيِّ الْمَقْتُول أَنْ يُطَالِبَ بِقَتْل الْجَانِي قِصَاصًا بِمِثْل مَا قَتَل بِهِ. قَالُوا: وَهَذَا مَعْنَى الْقِصَاصِ، وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ وَالْمُمَاثَلَةُ، وَلَهُ أَنْ يَقْتُلَهُ بِالسَّيْفِ. فَإِِنْ قُتِل بِالسَّيْفِ، وَكَانَ الْجَانِي قَدْ قَتَل بِأَشَدَّ مِنْهُ كَانَ الْوَلِيُّ قَدْ تَرَكَ الْمُمَاثَلَةَ، وَهِيَ شَيْءٌ مِنْ حَقِّهِ. وَمُقْتَضَى هَذَا الْقَوْل: أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَلِيِّ صَلْبُ الْقَاتِل حَتَّى الْمَوْتِ، إِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ بِالصَّلْبِ.
وَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: أَنَّهُ لاَ قَوَدَ إِلاَّ بِالسَّيْفِ، فَعَلَى هَذَا لاَ يَتَأَتَّى عُقُوبَةُ الصَّلْبِ قِصَاصًا. وَمَعَ ذَلِكَ صَرَّحَ الْحَنَفِيَّةُ بِأَنَّ الْوَلِيَّ إِِذَا اقْتَصَّ بِغَيْرِ السَّيْفِ عُزِّرَ، وَوَقَعَ الْقِصَاصُ مَوْقِعَهُ. (18)
ج - التَّصْلِيبُ فِي عُقُوبَةِ التَّعْزِيرِ:
8 - قَال الْمَاوَرْدِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: يَجُوزُ صَلْبُ الْمُعَزَّرِ حَيًّا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَقَطْ (أَيْ وَيُطْلَقُ بَعْدَهَا) فَقَدْ صَلَبَ رَسُول اللَّهِ ﷺ رَجُلاً عَلَى جَبَلٍ يُقَال لَهُ أَبُو نَابٍ (19) قَال: وَلاَ يُمْنَعُ مُدَّةَ صَلْبِهِ مِنْ طَعَامٍ وَلاَ شَرَابٍ وَلاَ وُضُوءٍ لِصَلاَةٍ. وَيُصَلِّي مُومِئًا، وَيُعِيدُ الصَّلاَةَ بَعْدَ أَنْ يُطْلَقَ سَرَاحُهُ. وَنَقَل ذَلِكَ مُتَأَخِّرُو الشَّافِعِيَّةِ وَأَقَرُّوهُ. وَقَال صَاحِبُ مُغْنِي الْمُحْتَاجِ: يَنْبَغِي أَنْ يُقَال بِتَمْكِينِ الْمَصْلُوبِ فِي هَذِهِ الْحَال مِنَ الصَّلاَةِ مُطْمَئِنًّا، يَعْنِي أَنْ يُصَلِّيَ مُرْسَلاً صَلاَةً تَامَّةً، ثُمَّ يُعَادُ صَلْبُهُ. وَنَقَل ابْنُ فَرْحُونَ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ فِي التَّبْصِرَةِ قَوْل الْمَاوَرْدِيُّ وَأَقَرَّهُ.
وَيَجُوزُ التَّعْزِيرُ بِالصَّلْبِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَيُرَاعَى مَا ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالُوا: يُصَلِّي الْمَصْلُوبُ حِينَئِذٍ بِالإِِْيمَاءِ إِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إِلاَّ ذَلِكَ، وَلاَ إِعَادَةَ عَلَيْهِ بَعْدَ إِطْلاَقِهِ. (20) ثَانِيًا: الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالصُّلْبَانِ
صِنَاعَةُ الصَّلِيبِ وَاتِّخَاذُهُ:
9 - لاَ يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَصْنَعَ صَلِيبًا، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْمُرَ بِصِنَاعَتِهِ، (21) وَالْمُرَادُ صِنَاعَةُ مَا يُرْمَزُ بِهِ إِِلَى التَّصْلِيبِ. وَلَيْسَ لَهُ اتِّخَاذُهُ، وَسَوَاءٌ عَلَّقَهُ أَوْ نَصَبَهُ أَوْ لَمْ يُعَلِّقْهُ وَلَمْ يَنْصِبْهُ. وَلاَ يَجُوزُ لَهُ إِظْهَارُ هَذَا الشِّعَارِ فِي طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَاكِنِهِمُ الْعَامَّةِ أَوِ الْخَاصَّةِ، وَلاَ جَعْلُهُ فِي ثِيَابِهِ، لِمَا رَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ ﵁ قَال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ وَفِي عُنُقِي صَلِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ. فَقَال: يَا عَدِيُّ، اطْرَحْ عَنْكَ هَذَا الْوَثَنَ (22) وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ ﵁ قَال: " قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ، وَأَمَرَنِي بِمَحْقِ الْمَزَامِيرِ وَالْمَعَازِفِ وَالأَْوْثَانِ وَالصُّلُبِ وَأَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ. (23)
10 - يُكْرَهُ الصَّلِيبُ فِي الثَّوْبِ وَنَحْوِهِ كَالْقَلَنْسُوَةِ وَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْخَوَاتِمِ. قَال ابْنُ حَمْدَانَ: وَيُحْتَمَل التَّحْرِيمُ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ صَالِحٌ عَنِ الإِِْمَامِ أَحْمَدَ، وَصَوَّبَهُ صَاحِبُ الإِِْنْصَافِ. (24)
وَدَلِيل ذَلِكَ حَدِيثُ عَائِشَةَ ﵂ الَّذِي يُفِيدُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقْطَعُ صُورَةَ الصَّلِيبِ مِنَ الثَّوْبِ، وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ عِنْدَ أَحْمَدَ عَنْ أُمِّ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ قَالَتْ: كُنَّا نَطُوفُ مَعَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ ﵂ فَرَأَتْ عَلَى امْرَأَةٍ بُرْدًا فِيهِ تَصْلِيبٌ، فَقَالَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ: اطْرَحِيهِ. اطْرَحِيهِ. فَإِِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ إِِذَا رَأَى نَحْوَ هَذَا فِي الثَّوْبِ قَضَبَهُ. (25) وَقَال إِبْرَاهِيمُ: أَصَابَ أَصْحَابُنَا خَمَائِصَ فِيهَا صُلُبٌ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهَا بِالسُّلُوكِ يَمْحُونَهَا بِذَلِكَ.
الْمُصَلِّي وَالصَّلِيبُ:
11 - يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَكُونَ فِي قِبْلَتِهِ صَلِيبٌ؛ لأَِنَّ فِيهِ تَشَبُّهًا بِالنَّصَارَى فِي عِبَادَتِهِمْ، وَالتَّشَبُّهُ بِهِمْ فِي الْمَذْمُومِ مَكْرُوهٌ، وَإِِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ.
وَلَمْ نَجِدْ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ نَصًّا فِي ذَلِكَ. (26) الْقَطْعُ فِي سَرِقَةِ الصَّلِيبِ:
12 - لاَ قَطْعَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ فِي سَرِقَةِ الصَّلِيبِ وَلَوْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَلَوْ جَاوَزَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا. وَذَلِكَ لأَِنَّهُ مُنْكَرٌ، فَتُتَأَوَّل الإِِْبَاحَةُ لِلسَّارِقِ بِتَأْوِيل نِيَّةِ الْكَسْرِ نَهْيًا عَنِ الْمُنْكَرِ. قَال فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: بِخِلاَفِ الدِّرْهَمِ الَّذِي عَلَيْهِ الصُّورَةُ، فَإِِنَّهُ مَا أُعِدَّ لِلْعِبَادَةِ، فَلاَ تَثْبُتُ شُبْهَةُ إِبَاحَةِ الْكَسْرِ.
وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقْطَعُ بِهِ إِنْ كَانَ فِي يَدِ رَجُلٍ فِي حِرْزٍ لاَ شُبْهَةَ فِيهِ؛ لِكَمَال الْمَالِيَّةِ وَلِوُجُودِ الْحِرْزِ. أَمَّا إِنْ كَانَ فِي مُصَلاَّهُمْ فَسَرَقَهُ، فَلاَ قَطْعَ لِعَدَمِ الْحِرْزِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: وَعَلَى الأَْوَّل لَوْ كَانَ السَّارِقُ ذِمِّيًّا وَسَرَقَ مِنْ حِرْزٍ فَيُقْطَعُ؛ لأَِنَّ الذِّمِّيَّ لاَ تَأْوِيل لَهُ. قَال: إِلاَّ أَنْ يُقَال تَأْوِيل غَيْرِهِ يَكْفِي فِي وُجُودِ الشُّبْهَةِ فَلاَ يُقْطَعُ (27) وَيَظْهَرُ أَنَّ مَذْهَبَ الْمَالِكِيَّةِ جَارٍ عَلَى مِثْل مَا قَال ابْنُ عَابِدِينَ فِي آخِرِ كَلاَمِهِ، فَإِِنَّهُ لاَ قَطْعَ عِنْدَهُمْ فِي سَرِقَةِ الْخَمْرِ، وَلَوْ سَرَقَهَا ذِمِّيٌّ مِنْ ذِمِّيٍّ، فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِي سَرِقَةِ الصَّلِيبِ كَذَلِكَ (28) .
وَفَرَّقَ الشَّافِعِيَّةُ فِي سَرِقَةِ الْمُحَرَّمِ مِنْ صَلِيبٍ وَغَيْرِهِ بَيْنَ حَالَتَيْنِ، فَقَالُوا: إِنْ سَرَقَهُ بِقَصْدِ الإِِْنْكَارِ فَلاَ قَطْعَ، وَإِِلاَّ فَالأَْصَحُّ - عَلَى مَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ - أَنَّهُ يُقْطَعُ بِهِ إِنْ بَلَغَ مَكْسُورُهُ نِصَابًا. (29)
إِتْلاَفُ الصَّلِيبِ:
13 - مَنْ كَسَرَ صَلِيبًا لِمُسْلِمٍ فَلاَ ضَمَانَ فِيهِ اتِّفَاقًا. وَإِِنْ كَانَ لأَِهْل الذِّمَّةِ، فَإِِنْ أَظْهَرُوهُ كَانَتْ إِزَالَتُهُ وَاجِبَةً، وَلاَ ضَمَانَ أَيْضًا.
وَإِِنْ كَانَ اقْتِنَاؤُهُمْ لَهُ عَلَى وَجْهٍ يُقَرُّونَ عَلَيْهِ، كَالَّذِي يَجْعَلُونَهُ فِي دَاخِل كَنَائِسِهِمْ أَوْ بُيُوتِهِمْ، يُسِرُّونَهُ عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَلاَ يُظْهِرُونَهُ، فَإِِنْ غَصَبَهُ غَاصِبٌ وَجَبَ رَدُّهُ اتِّفَاقًا. أَمَّا إِنْ أَتْلَفَهُ مُتْلِفٌ، فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ بِذَلِكَ: فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: فِيهِ الضَّمَانُ، بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِمْ فِي ضَمَانِ الْمُسْلِمِ خَمْرَ الذِّمِّيِّ؛ لأَِنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِمْ كَتَقَوُّمِ الْخَل فِي حَقِّنَا. وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَرْكِهِمْ وَمَا يَدِينُونَ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ: لاَ يَضْمَنُ الْمُسْلِمُ الْخَمْرَ وَالْخِنْزِيرَ لِمُسْلِمٍ وَلاَ لِذِمِّيٍّ، وَهَكَذَا إِِذَا أَتْلَفَهُمَا ذِمِّيٌّ عَلَى ذِمِّيٍّ؛ لأَِنَّهُ سَقَطَ تَقَوُّمُهُمَا فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ فَكَذَا فِي حَقِّ الذِّمِّيِّ؛ لأَِنَّهُمْ تَبَعٌ لَنَا فِي الأَْحْكَامِ، فَلاَ يَجِبُ بِإِِتْلاَفِهِمَا مَالٌ مُتَقَوِّمٌ، وَهُوَ الضَّمَانُ، فَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ فِي الصَّلِيبِ؛ وَلأَِنَّ الْكُفَّارَ مُخَاطَبُونَ بِفُرُوعِ الشَّرِيعَةِ، فَالتَّحْرِيمُ ثَابِتٌ فِي حَقِّهِمْ، لَكِنَّا أُمِرْنَا بِتَرْكِ التَّعَرُّضِ لَهُمْ فِيمَا لاَ يُظْهِرُونَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا لاَ يَقْتَضِي الضَّمَانَ نَظَرًا إِِلَى أَصْل التَّحْرِيمِ. وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ: إِنَّ الأَْصْنَامَ وَالصُّلْبَانَ لاَ يَجِبُ فِي إِبْطَالِهَا شَيْءٌ، لأَِنَّهَا مُحَرَّمَةُ الاِسْتِعْمَال، وَلاَ حُرْمَةَ لِصَنْعَتِهَا (أَيْ لَيْسَتْ مُحْتَرَمَةً) وَإِِنَّ الأَْصَحَّ أَنَّهَا لاَ تُكْسَرُ الْكَسْرَ الْفَاحِشَ، بَل تُفْصَل لِتَعُودَ كَمَا كَانَتْ قَبْل التَّأْلِيفِ، لِزَوَال الاِسْمِ بِذَلِكَ. وَالْقَوْل الثَّانِي: تُكْسَرُ وَتُرَضَّضُ حَتَّى تَنْتَهِيَ إِِلَى حَدٍّ لاَ يُمْكِنُ إِعَادَتُهُ صَنَمًا أَوْ صَلِيبًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ.
وَنَقَل صَاحِبُ كَشَّافِ الْقِنَاعِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ عَنِ الْقَاضِي ابْنِ عَقِيلٍ أَنَّ الصَّلِيبَ إِنْ كَانَ مِنَ الذَّهَبِ أَوِ الْفِضَّةِ فَلاَ يُضْمَنُ إِِذَا كُسِرَ، أَمَّا إِِذَا أُتْلِفَ فَيُضْمَنُ مَكْسُورًا.
وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلِيبِ مِنَ الْخَشَبِ بِأَنَّ الصَّنْعَةَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ تَابِعَةٌ؛ لأَِنَّهَا أَقَل قِيمَةً، وَفِي الْخَشَبِ أَوِ الْحَجَرِ هِيَ الأَْصْل فَلاَ يُضْمَنُ. فَعَلَيْهِ يُضْمَنُ الصَّلِيبُ الْمَسْتُورُ لِلذِّمِّيِّ إِنْ كَانَ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ إِِذَا أَتْلَفَ بِمِثْلِهِ ذَهَبًا بِالْوَزْنِ، وَتُلْغَى صَنْعَتُهُ. قَال الْحَارِثِيُّ: وَلاَخِلاَفَ (30) فِيهِ.
أَهْل الذِّمَّةِ وَالصُّلْبَانِ:
14 - يَجُوزُ إِقْرَارُ أَهْل الذِّمَّةِ وَالصُّلْحُ مَعَهُمْ عَلَى إِبْقَاءِ صُلْبَانِهِمْ، وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يُظْهِرُوهَا، بَل تَكُونُ فِي كَنَائِسِهِمْ وَمَنَازِلِهِمُ الْخَاصَّةِ. وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: إِنَّ الْمُرَادَ بِكَنَائِسِهِمْ كَنَائِسُهُمُ الْقَدِيمَةُ الَّتِي أُقِرُّوا عَلَيْهَا. وَفِي عَهْدِ عُمَرَ ﵁ الَّذِي أَخَذَهُ عَلَى نَصَارَى الشَّامِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. هَذَا كِتَابٌ لِعُمَرَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ نَصَارَى الشَّامِ: لمَّا قَدِمْتُمْ عَلَيْنَا سَأَلْنَاكُمُ الأَْمَانَ. إِِلَى أَنْ قَالُوا: وَشَرَطْنَا لَكُمْ عَلَى أَنْفُسِنَا أَنْ لاَ نُظْهِرَ صَلِيبًا وَلاَ كِتَابًا (أَيْ مِنْ كُتُبِ دِينِهِمْ) فِي شَيْءٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ وَلاَ أَسْوَاقِهِمْ، وَلاَ نُظْهِرُ الصَّلِيبَ فِي كَنَائِسِنَا إِلَخْ " وَقَوْلُهُمْ: " فِي كَنَائِسِنَا " الْمُرَادُ بِهِ خَارِجَهَا مِمَّا يَرَاهُ الْمُسْلِمُ. قَال ابْنُ الْقَيِّمِ: لاَ يُمَكَّنُونَ مِنَ التَّصْلِيبِ عَلَى أَبْوَابِ كَنَائِسِهِمْ وَظَوَاهِرِ حِيطَانِهَا، وَلاَ يُتَعَرَّضُ لَهُمْ إِِذَا نَقَشُوا دَاخِلَهَا.
وَعَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَتَبَ: أَنْ يُمْنَعَ نَصَارَى الشَّامِ أَنْ يَضْرِبُوا نَاقُوسًا، وَلاَ يَرْفَعُوا صَلِيبَهُمْ فَوْقَ كَنَائِسِهِمْ، فَإِِنْ قُدِرَ عَلَى مَنْ فَعَل ذَلِكَ مِنْهُمْ فَإِِنَّ سَلَبَهُ لِمَنْ وَجَدَهُ. (31)
وَكَذَا لَوْ جَعَلُوا ذَلِكَ فِي مَنَازِلِهِمْ وَأَمَاكِنِهِمُ الْخَاصَّةِ لاَ يُمْنَعُونَ مِنْهُ. (32)
وَيُمْنَعُونَ مِنْ لُبْسِ الصَّلِيبِ وَتَعْلِيقِهِ فِي رِقَابِهِمْ أَوْ أَيْدِيهِمْ، وَلاَ يُنْتَقَضُ عَهْدُهُمْ بِذَلِكَ الإِِْظْهَارِ، وَلَكِنْ يُؤَدَّبُ مَنْ فَعَلَهُ مِنْهُمْ. (33)
وَيُلاَحَظُونَ فِي مَوَاسِمِ أَعْيَادِهِمْ بِالذَّاتِ، إِذْ قَدْ يُحَاوِلُونَ إِظْهَارَ الصَّلِيبِ فَيُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ، لِمَا فِي عَهْدِ عُمَرَ عَلَيْهِمْ عَدَمَ إِظْهَارِهِ فِي أَسْوَاقِ الْمُسْلِمِينَ.
وَيُؤَدَّبُ مَنْ فَعَلَهُ مِنْهُمْ، وَيُكْسَرُ الصَّلِيبُ الَّذِي يُظْهِرُونَهُ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى مَنْ كَسَرَهُ (34) . الصَّلِيبُ فِي الْمُعَامَلاَتِ الْمَالِيَّةِ:
15 - لاَ يَصِحُّ لِمُسْلِمٍ بَيْعُ الصَّلِيبِ شَرْعًا، وَلاَ الإِِْجَارَةُ عَلَى عَمَلِهِ. وَلَوِ اسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ فَلاَ يَسْتَحِقُّ صَانِعُهُ أُجْرَةً، وَذَلِكَ بِمُوجِبِ الْقَاعِدَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْعَامَّةِ فِي حَظْرِ بَيْعِ الْمُحَرَّمَاتِ، إِجَارَتُهَا، وَالاِسْتِئْجَارُ عَلَى عَمَلِهَا. (35)
وَقَال الْقَلْيُوبِيُّ: لاَ يَصِحُّ بَيْعُ الصُّوَرِ وَالصُّلْبَانِ وَلَوْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَلْوَى. (36)
وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْخَشَبَةِ لِمَنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ يَتَّخِذُهَا صَلِيبًا. (37)
وَسُئِل ابْنُ تَيْمِيَّةَ عَنْ خَيَّاطٍ خَاطَ لِلنَّصَارَى سَيْرَ حَرِيرٍ فِيهِ صَلِيبٌ ذَهَبٌ فَهَل عَلَيْهِ إِثْمٌ فِي خِيَاطَتِهِ؟ وَهَل تَكُونُ أُجْرَتُهُ حَلاَلاً أَمْ لاَ؟ فَقَال: إِِذَا أَعَانَ الرَّجُل عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ كَانَ آثِمًا. . . ثُمَّ قَال: وَالصَّلِيبُ لاَ يَجُوزُ عَمَلُهُ بِأُجْرَةٍ وَلاَ غَيْرِ أُجْرَةٍ، كَمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الأَْصْنَامِ وَلاَ عَمَلُهَا. كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالأَْصْنَامِ (38) ". وَثَبَتَ أَنَّهُ لَعَنَ الْمُصَوِّرِينَ (39) . وَصَانِعُ الصَّلِيبِ مَلْعُونٌ لَعَنَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ. وَمَنْ أَخَذَ عِوَضًا عَنْ عَيْنٍ مُحَرَّمَةٍ مِثْل أُجْرَةِ حَامِل الْخَمْرِ وَأُجْرَةِ صَانِعِ الصَّلِيبِ وَأُجْرَةِ الْبَغِيِّ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ، وَلْيَتُبْ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَل الْمُحَرَّمِ، وَتَكُونُ صَدَقَتُهُ بِالْعِوَضِ كَفَّارَةً لِمَا فَعَلَهُ، فَإِِنَّ هَذَا الْعِوَضَ لاَ يَجُوزُ الاِنْتِفَاعُ بِهِ؛ لأَِنَّهُ عِوَضٌ خَبِيثٌ. نَصَّ عَلَيْهِ الإِِْمَامُ أَحْمَدُ فِي مِثْل حَامِل الْخَمْرِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ وَغَيْرُهُمْ. (40)
__________
(1) سورة النساء / 157.
(2) سورة طه / 71.
(3) لسان العرب مادة: " صلب ".
(4) حاشية ابن عابدين 3 / 199.
(5) حديث: " إن النبي ﷺ لم يكن يترك في بيته شيئا فيه. . . " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 385 ط السلفية) وأخرجه أبو داود (4 / 383 ط عزت عبيد الدعاس) . وأحمد (6 / 52 ط المكتب الإسلامي) بنحوه.
(6) حديث: " نهى عن الصلاة في الثوب المصلب " أورده صاحب لسان العرب (2 / 461) ولم نجده فيما بين أيدينا من كتب السنة.
(7) لسان العرب.
(8) حديث: " نهى عن الصلب في الصلاة " أخرجه أحمد (2 / 30 ط المكتب الإسلامي) . وأبو داود (1 / 556 ط عزت عبيد الدعاس) . بمعناه. وقال الحافظ العراقي: إسناده صحيح (تخريج إحياء علوم الدين 1 / 162 ط مصطفى الحلبي) .
(9) لسان العرب مادة: " مثل ".
(10) لسان العرب.
(11) سورة يوسف / 41.
(12) حديث: " إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم. . . " أخرجه مسلم (3 / 1548 ط عيسى الحلبي) . وأحمد (4 / 124 ط المكتب الإسلامي) . واللفظ له.
(13) حديث: " نهى عن المثلة، ولو بالكلب العقور " قال الهيثمي: رواه الطبراني وإسناده منقطع. (مجمع الزوائد 6 / 249 ط دار الكتاب العربي) . ولكنه ثبت بلفظ أنه " نهى عن النهبة والمثلة " دون الزيادة، أخرجه البخاري (الفتح 9 / 643 ط السلفية) .
(14) سورة المائدة / 32، 33.
(15) المغني لابن قدامة 8 / 290، ط 3. القاهرة مكتبة المنار 1367 هـ، والدر وحاشية ابن عابدين 3 / 213، وشرح المنهاج بحاشية القليوبي وعميرة 4 / 199، 200.
(16) لم يذكروا التسمير، والظاهر أنه لا ينبغي استعماله، لما تقدم من النهي من المثلة، بل يكتفى بالربط.
(17) الدر بحاشية ابن عابدين 3 / 213، والشرح الكبير بهامش الدسوقي 4 / 349، وقليوبي 4 / 200، والمغني 8 / 90، 291.
(18) الدر بحاشية ابن عابدين 5 / 346، والمغني 7 / 688.
(19) حديث: " صلب رسول الله ﷺ رجلا على. . . . ". لم نعثر عليه في المصادر التي بين أيدينا من كتب الحديث، وإنما أورده الماوردي في الأحكام السلطانية (ص 237 ط مصطفى الحلبي) . وأصل فعل التصليب ورد في شأن الرعاة العرنيين فيما أخرجه النسائي (7 / 95 ط التجارية) . وأصله في البخاري.
(20) الأحكام السلطانية للماوردي ص 239 القاهرة ط مصطفى الحلبي 1327 هـ، ومغني المحتاج 4 / 192، والتبصرة لابن فرحون بهامش فتح العلي المالك 2 / 304 القاهرة ط مصطفى الحلبي 1378 هـ، وكشاف القناع عن متن الإقناع 6 / 125 الرياض، مكتبة النصر.
(21) الآداب الشرعية 3 / 513.
(22) حديث: " أتيت النبي ﷺ وفي عنقي صليب. . . " أخرجه الترمذي (5 / 278 ط مصطفى الحلبي) . وقال: هذا حديث غريب.
(23) حديث: " إن الله بعثني رحمة وهدى للعالمين وأمرني بمحق. . . " أخرجه أحمد (5 / 268 ط المكتب الإسلامي) . والطبراني في المعجم الكبير (8 / 232 ط الوطن العربي) . وقال الهيثمي وفيه علي بن يزيد وهو ضعيف (مجمع الزوائد 5 / 69) ط الكتاب العربي.
(24) الآداب الشرعية 3 / 512، 513، وكشاف القناع 1 / 280، والإنصاف 1 / 474، والمغني 1 / 590.
(25) حديث: " كان إذا رأى نحو هذا في الثوب قضبه " أخرجه أحمد (6 / 140 ط المكتب الإسلامي) . قال الساعاتي: لم أقف عليه لغير الإمام أحمد وسنده جيد. (الفتح الرباني 17 / 285 ط دار الشهاب) .
(26) ابن عابدين 1 / 435. واللجنة ترى أن هذه المسألة لا ينبغي أن يكون في حظرها خلاف.
(27) ابن عابدين 3 / 198، 199، وفتح القدير / 133، وكشاف القناع 6 / 131.
(28) الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 336.
(29) شرح المنهاج وحاشية القليوبي 4 / 187.
(30) ابن عابدين 5 / 133، وتكملة فتح القدير لقاضي زاده 8 / 284 - 286، وشرح العناية بهامشه 8 / 287، والمغني 5 / 276، وشرح المنهاج بحاشية القليوبي 3 / 33، وكشاف القناع 4 / 78، 116، 132، 133.
(31) في الأصل: فإن سكنه. وما ذكرناه هو الصواب.
(32) الطحطاوي على الدر المختار 4 / 196، وفتح القدير 5 / 300، وأحكام أهل الذمة لابن القيم ص 719 - 721.
(33) كشاف القناع 3 / 129، 133، 144.
(34) جواهر الإكليل 1 / 268، ومواهب الجليل ومعه التاج والإكليل 3 / 385، والدسوقي على الشرح الكبير 3 / 204. ترى اللجنة أنه ينبغي أن يرجع إلى عهد سيدنا عمر، وأن تنفذ العهود التي قطعت لهم عند استسلامهم له، تطبيقا لقوله تعإلى: (يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود) (سورة المائدة / 1) وقوله: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم)
(35) الطحطاوي على الدر المختار 4 / 196، وفتح القدير وحواشيه 6 / 41 - 44، وكشاف القناع 3 / 156، وزاد المعاد 4 / 245 ط مصطفى الحلبي.
(36) شرح المنهاج وحاشية القليوبي 2 / 158، والفتاوى الهندية 4 / 450.
(37) منح الجليل 2 / 469، وشرح منتهى الإدارات 2 / 155 ط دار أنصار السنة بمصر، والحطاب 4 / 254.
(38) حديث: " إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام " أخرجه البخاري (فتح الباري 4 / 424 ط السلفية) . ومسلم (3 / 1207 ط عيسى الحلبي) .
(39) حديث: " لعن المصورين " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 314 ط السلفية) .
(40) مجموع الفتاوى الكبرى لابن تيمية 22 / 141.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 84/ 12