القدوس
كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...
زيادة عمل في اللام إلى جهة الارتفاع، وإشباع الفتحة في اللام . وهو خاص بالفتح، ولم يجئ في المكسورة، ولا المضمومة، ولا الساكنة . ومن إطلاقاته التفخيم . ومن شواهده قوله عَزَّ وَجَلَّ : ﱫﰈ ﰉﱪالأحزاب :43، وقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﱫﮠ ﮡ ﮢﱪالكهف :90، وقوله : ﱫﭓ ﭔ ﭕﱪالقصص :51، وتغلظ في لام لفظ الجلالة غير المسبوقة بياء، أو كسرة
التَّغْلِيظُ: التَّشْدِيدُ والتَّقْوِيَةُ، يُقال: غَلَّظَ الشَّيْءَ، أيْ: جَعَلَهُ شَدِيداً قَوِيّاً. ويأْتي بِمعنى التَّكْبِيرِ والتَّعْظِيمِ، يُقال: غَلُظَ الشَّيْءُ، أيْ: عَظُمَ وكَبُرَ، والتَّغْلِيظُ: ضِدُّ التَّخْفيفِ والتَّرْقِيقِ. ويُطلَق على التَّوْكِيدِ، يُقال: غَلَّظْتُ اليَمِينَ تَغْلِيظاً، أيْ: قَوَّيْتُها وأَكَّدْتُها. والتَّغْلِيظُ أيضاً: التَّفْخِيمُ والتَّكْثِيرُ.
يُطْلَقُ مُصْطلَح (تَغْلِيظ) في الفقه بمعنى: "زِيادة الشَّيءِ عن حَدِّهِ" في مَواضِعَ كَثيرَةٍ، منها: كتاب الطَّهارَةِ، باب: النَّجاسات، وفي كتاب الصَّلاةِ، باب: تَرْك صَلاةِ الـجُمُعَةِ، وباب: العَوْرَة في الصَّلاةِ، وفي كتاب الصَّوْمِ، باب: الـجِماع في نَهارِ رَمَضانَ. ويُطلَق في كتاب النِّكاحِ، باب: اللِّعان، وفي كتاب الأَيْمانِ، باب: تَغْلِيظ اليَمِينِ، ويُراد به: تَشْدِيدُ اليَمِينِ؛ إمّا باللَّفظِ، أو بالمكانِ، أو بالزَّمانِ، أو بِالحالِ. ويُطلَق في كتاب الـحُدودِ، باب: التَّعْزِير، وفي كتاب القَضاءِ والشَّهاداتِ، وغَيْرها من الأبواب.
غلظ
تقوية الشيء بالتَّشْدِيدُ، والتَّوْكِيدُ عليه.
* مختار الصحاح : (ص 488)
* لسان العرب : (7/449)
* تاج العروس : (20/245)
* المطلع على ألفاظ المقنع : (ص 412)
* الـمغني لابن قدامة : (8/85، و 380)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 138)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (1/240)
* تفسير القرطبي : (8/267)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (21/52) -
التَّعْرِيفُ:
1 - التَّغْلِيظُ مِنْ غَلُظَ غِلَظًا خِلاَفُ دَقَّ. وَكَذَا اسْتَغْلَظَ، وَالتَّغْلِيظُ التَّوْكِيدُ وَالتَّشْدِيدُ وَهُوَ مَصْدَرُ غَلَّظَ: أَيْ أَكَّدَ الشَّيْءَ وَقَوَّاهُ. وَهُوَ ضِدُّ التَّخْفِيفِ. وَمِنْهُ غَلَّظْتُ عَلَيْهِ فِي الْيَمِينِ تَغْلِيظًا أَيْ شَدَّدْتُ عَلَيْهِ وَأَكَّدْتُ. وَغَلَّظْتُ الْيَمِينَ تَغْلِيظًا أَيْضًا قَوَّيْتُهَا وَأَكَّدْتُهَا (1)
الْمُغَلَّظُ مِنَ النَّجَاسَاتِ:
2 - يُقَسِّمُ الْفُقَهَاءُ النَّجَاسَاتِ إِلَى مُغَلَّظَةٍ وَمُخَفَّفَةٍ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي تَحْدِيدِ الْمُغَلَّظِ مِنَ النَّجَاسَاتِ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ هِيَ نَجَاسَةُ الْكَلْبِ وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا. (2)
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ هِيَ مَا وَرَدَ فِي نَجَاسَتِهَا نَصٌّ لَمْ يُعَارَضْ بِنَصٍّ آخَرَ، فَإِنْ عَارَضَهُ نَصٌّ فَمُخَفَّفَةٌ. وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مَا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ نَجِسٌ، فَالأَْرْوَاثُ كُلُّهَا نَجِسَةٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لأَِنَّهُ وَرَدَ فِيهَا نَصٌّ يَدُل عَلَى نَجَاسَتِهَا، وَهُوَ مَا رَوَاهُ ابْنُ مَسْعُودٍ ﵁، أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ طَلَبَ مِنْهُ لَيْلَةَ الْجِنِّ أَحْجَارًا لِلاِسْتِنْجَاءِ، فَأَتَى بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ، وَرَمَى الرَّوْثَةَ، وَقَال: إِنَّهَا رِكْسٌ (3) وَلَمْ يَرِدْ نَصٌّ يُعَارِضُهُ، فَكَانَتْ نَجَاسَتُهَا مُغَلَّظَةً.
أَمَّا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ فَمُخَفَّفَةٌ لاِخْتِلاَفِ الْعُلَمَاءِ فِي نَجَاسَتِهَا. وَبَوْل مَا لاَ يُؤْكَل لَحْمُهُ نَجِسٌ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً بِالاِتِّفَاقِ بَيْنَ الإِْمَامِ وَالصَّاحِبَيْنِ، لاِنْعِدَامِ النَّصِّ الْمُعَارِضِ عِنْدَ الإِْمَامِ وَاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ عَلَى نَجَاسَتِهِ عِنْدَهُمَا.
وَالنَّجَاسَةُ الْمُغَلَّظَةُ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ هِيَ مَا عَدَا فَضَلاَتِ مَا يُؤْكَل لَحْمُهُ مِنَ النَّجَاسَاتِ. وَيُفَرِّقُ الْحَنَابِلَةُ فِي النَّجَاسَاتِ بَيْنَ كُلٍّ مِنَ الْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ وَبَيْنَ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ، فَنَجَاسَةُ الْخِنْزِيرِ وَالْكَلْبِ أَشَدُّ، وَيَلِيهَا بَوْل الآْدَمِيِّ وَعَذِرَتِهِ، ثُمَّ سَائِرُ النَّجَاسَاتِ، ثُمَّ بَوْل الرَّضِيعِ. (4)
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي أَحْكَامِ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ، فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يُعْفَى عَنَ النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ قَدْرُ دِرْهَمٍ إِذَا أَصَابَتِ الثَّوْبَ أَوِ الْبَدَنَ فِي الصَّلاَةِ، أَمَّا الْمُخَفَّفَةُ فَيُعْفَى مَا لَيْسَ بِفَاحِشٍ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: تَطْهُرُ النَّجَاسَةُ الْمُخَفَّفَةُ بِالدَّلْكِ. أَمَّا الْمُغَلَّظَةُ فَلاَ تَطْهُرُ إِلاَّ بِالْغُسْل. وَالتَّفْصِيل فِي بَابِ النَّجَاسَةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: إِنَّ النَّجَاسَةَ الْمُغَلَّظَةَ لاَ تَطْهُرُ إِلاَّ بِسَبْعِ غَسَلاَتٍ إِحْدَاهُنَّ بِالتُّرَابِ، وَمَا عَدَاهَا فَتَطْهُرُ بِغَسْلَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَأَنَّهُ لاَ يُعْفَى عَنْ قَلِيل النَّجَاسَةِ الْمُغَلَّظَةِ وَإِنْ قَلَّتْ، أَوْ أَصَابَتِ الْبَدَنَ، أَوِ الثَّوْبَ. أَمَّا غَيْرُ الْمُغَلَّظَةِ فَيُعْفَى عَنْ قَلِيلِهَا (5) عَلَى تَفْصِيلٍ يُنْظَرُ فِي بَابِ (النَّجَاسَةُ) .
الْعَوْرَةُ الْمُغَلَّظَةُ:
3 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي حُرْمَةِ النَّظَرِ إِلَى الْعَوْرَةِ، وَوُجُوبِ سَتْرِهَا فِي الصَّلاَةِ وَخَارِجِهَا.
وَلَكِنَّ الْحَنَفِيَّةَ وَالْمَالِكِيَّةَ قَسَّمُوهَا فِي الصَّلاَةِ، وَالنَّظَرِ إِلَيْهَا إِلَى: مُغَلَّظَةٍ وَمُخَفَّفَةٍ. فَالْمُغَلَّظَةُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ هِيَ السَّوْأَتَانِ، وَهُمَا الْقُبُل، وَالدُّبُرُ، بِالنِّسْبَةِ لِلرَّجُل وَالْمَرْأَةِ عَلَى السَّوَاءِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِنَّ الْعَوْرَةَ الْمُغَلَّظَةَ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلاَفِ النَّوْعِ، فَعَوْرَةُ الرَّجُل الْمُغَلَّظَةِ هِيَ السَّوْأَتَانِ فِي الصَّلاَةِ، أَمَّا الْمَرْأَةُ فَهِيَ مَا عَدَا صَدْرَهَا وَأَطْرَافَهَا، وَهِيَ الذِّرَاعَانِ وَالرِّجْلاَنِ وَالْعُنُقُ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ إِذَا صَلَّى مَكْشُوفَ الْعَوْرَةِ الْمُغَلَّظَةِ فَإِنَّهُ يُعِيدُ الصَّلاَةَ فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَ الْوَقْتِ. (6)
وَلَمْ يَرِدْ فِي كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ هَذَا التَّقْسِيمُ لِلْعَوْرَةِ، وَكُل مَا جَاءَ فِيهَا أَنَّهُ إِذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَسْتُرُ بِهِ الْعَوْرَةَ كُلَّهَا يُقَدِّمُ السَّوْأَتَيْنِ.
وَالتَّفْصِيل فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلاَةِ.
تَغْلِيظُ الدِّيَةِ:
4 - اتَّفَقَ الأَْئِمَّةُ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ - عَلَى أَصْل تَغْلِيظِ الدِّيَةِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي أَسْبَابِ التَّغْلِيظِ، فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ أَسْبَابَ التَّغْلِيظِ هِيَ مَا يَأْتِي:
أ - أَنْ يَقَعَ الْقَتْل فِي حَرَمِ مَكَّةَ.
ب - أَنْ يَقْتُل فِي الأَْشْهُرِ الْحُرُمِ وَهِيَ ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ.
ج - أَنْ يَقْتُل قَرِيبًا لَهُ مَحْرَمًا. وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ، وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
د - أَنْ يَكُونَ الْقَتْل عَمْدًا أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ. (7)
هـ - أَنْ يَقْتُل فِي الإِْحْرَامِ، أَيْ أَنْ يَكُونَ الْمَقْتُول مُحْرِمًا وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يُغَلَّظُ فِي قَتْلٍ لَمْ يَجِبْ فِيهِ قِصَاصٌ، كَقَتْل الْوَالِدِ وَلَدَهُ، وَالْمُرَادُ الأَْبُ وَإِنْ عَلاَ، وَالأُْمُّ كَذَلِكَ. (8)
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ لاَ تَغْلِيظَ إِلاَّ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ إِنْ قَضَى الدِّيَةَ مِنَ الإِْبِل، وَإِنْ قَضَى مِنْ غَيْرِ الإِْبِل فَلاَ تُغَلَّظُ. (9)
أَمَّا صِفَةُ التَّغْلِيظِ وَبَاقِي التَّفَاصِيل فَيُرْجَعُ فِيهَا إِلَى مُصْطَلَحِ (دِيَةٌ) .
مَا يَجْرِي التَّغْلِيظُ فِيهِ مِنَ الدَّعَاوَى
5 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ التَّغْلِيظَ يَجْرِي فِي دَعْوَى الدَّمِ، وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلاَقِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالإِْيلاَءِ، وَاللِّعَانِ، وَالْعِدَّةِ، وَالْحِدَادِ، وَالْوَلاَءِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْوِصَايَةِ، وَكُل مَا لَيْسَ بِمَالٍ، وَلاَ يُقْصَدُ مِنْهُ الْمَال. أَمَّا الأَْمْوَال فَيَجْرِي التَّغْلِيظُ فِي كَثِيرِهَا، وَهُوَ نِصَابُ الزَّكَاةِ عِشْرُونَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَا دِرْهَمٍ.
أَمَّا قَلِيلُهَا - وَهُوَ مَا دُونَ ذَلِكَ - فَلاَ تَغْلِيظَ فِيهِ، إِلاَّ أَنْ يَرَى الْقَاضِي التَّغْلِيظَ لِجُرْأَةِ الْحَالِفِ.
أَمَّا الْيَمِينُ الَّتِي تُغَلَّظُ فَيَسْتَوِي فِيهِ يَمِينُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْيَمِينُ الْمَرْدُودَةُ، وَالْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ.
وَكَذَلِكَ قَال الْحَنَابِلَةُ: لاَ تُغَلَّظُ الْيَمِينُ إِلاَّ فِيمَا لَهُ خَطَرٌ، كَالْجِنَايَاتِ، وَالطَّلاَقِ، وَالْعِتَاقِ، وَمَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنَ الْمَال.
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: يُغَلَّظُ الْيَمِينُ فِي رُبُعِ دِينَارٍ فَأَكْثَرَ. (10)
صِفَةُ تَغْلِيظِ الأَْيْمَانِ:
6 - أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَغْلِيظِ الأَْيْمَانِ فِي الْخُصُومَاتِ بِزِيَادَةِ الأَْسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، عَلَى اخْتِلاَفٍ بَيْنَهُمْ فِي الْوُجُوبِ وَالاِسْتِحْبَابِ وَالْجَوَازِ. كَأَنْ يَقُول الْحَالِفُ مَثَلاً: بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنَ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنَ الْعَلاَنِيَةِ.
وَالأَْصْل فِي ذَلِكَ: حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁، أَنَّ رَجُلاً حَلَفَ بَيْنَ يَدَيِ الرَّسُول ﷺ بِذَلِكَ (11) ، وَلأَِنَّ فِي النَّاسِ مَنْ يَمْتَنِعُ مِنْ الْيَمِينِ إِذَا غُلِّظَ عَلَيْهِ، وَيَتَجَاسَرُ بِدُونِهَا. (12)
وَاخْتَلَفُوا فِي تَغْلِيظِهَا بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ
فَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى: أَنَّهَا تُغَلَّظُ بِالْمَكَانِ كَالْجَامِعِ، وَأَدَاءُ الْقَسَمِ بِالْقِيَامِ، وَعِنْدَ مِنْبَرِهِ ﷺ إِنْ وَقَعَ الْيَمِينُ فِي الْمَدِينَةِ، وَلاَ يُغَلَّظُ بِالزَّمَانِ عِنْدَهُمْ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يُغَلَّظُ بِالْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، فَيَجْرِي بَعْدَ صَلاَةِ عَصْرِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ مَثَلاً فِي الْجَامِعِ فِي غَيْرِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَفِيهِمَا عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ ﷺ وَعِنْدَ الرُّكْنِ الأَْسْوَدِ (13) .
وَهَل التَّغْلِيظُ بِالْمَكَانِ مُسْتَحَبٌّ أَمْ وَاجِبٌ لاَ يُعْتَدُّ بِالْقَسَمِ إِلاَّ بِهِ؟ فِيهِ قَوْلاَنِ لِلشَّافِعِيَّةِ، أَظْهَرُهُمَا: الأَْوَّل، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: وَاجِبٌ.
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى: أَنَّهُ لاَ تُغَلَّظُ الْيَمِينُ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، لاَ بِالزَّمَانِ وَلاَ بِالْمَكَانِ؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ تَعْظِيمُ الْمُقْسَمِ بِهِ، وَهُوَ حَاصِلٌ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ كَمَا يَحْصُل فِي الْمَسْجِدِ، وَلَكِنَّ الْحَنَابِلَةَ جَوَّزُوا التَّغْلِيظَ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ إِنْ رَأَى الْحَاكِمُ فِي ذَلِكَ مَصْلَحَةً، وَتُغَلَّظُ الْيَمِينُ عِنْدَ الْمَذْهَبَيْنِ فِي حَقِّ أَهْل الذِّمَّةِ. (14)
7 - وَهَل يَتَوَقَّفُ تَغْلِيظُ الْيَمِينِ عَلَى طَلَبِ الْخَصْمِ، أَمْ يُغَلِّظُ الْقَاضِي وَإِنْ لَمْ يَطْلُبِ الْخَصْمُ؟
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ التَّغْلِيظَ إِلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَلاَ دَخْل لِلْخَصْمِ فِي التَّغْلِيظِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ التَّغْلِيظَ فِي الْيَمِينِ هُوَ حَقٌّ لِلْخَصْمِ، فَإِنْ طَلَبَ الْخَصْمُ غُلِّظَتْ وُجُوبًا، فَإِنْ أَبَى مَنْ تَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ الْيَمِينُ مِمَّا طَلَبَهُ الْمُحَلِّفُ مِنَ التَّغْلِيظِ عُدَّ نَاكِلاً (15) .
وَانْظُرْ لِمَزِيدٍ مِنَ التَّفْصِيل مُصْطَلَحَ (أَيْمَانٌ) .
التَّغْلِيظُ فِي اللِّعَانِ:
8 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي تَغْلِيظِ اللِّعَانِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى مَشْرُوعِيَّةِ تَغْلِيظِهِ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، فَيَجْرِي اللِّعَانُ عِنْدَهُمْ فِي أَشْرَفِ مَوَاضِعِ الْبَلَدِ، فَإِنْ كَانَ فِي مَكَّةَ فَبَيْنَ الرُّكْنِ الأَْسْوَدِ وَالْمَقَامِ، وَفِي الْمَدِينَةِ عِنْدَ مِنْبَرِ رَسُول اللَّهِ ﷺ وَفِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ عِنْدَ الصَّخْرَةِ، وَفِي سَائِرِ الْبُلْدَانِ فِي الْجَامِعِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ. وَيُلاَعِنُ غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُعَظِّمُونَهُ كَالْكَنَائِسِ عِنْدَ النَّصَارَى، وَبَيْتِ النَّارِ لِلْمَجُوسِ. وَقَال الْقَفَّال مِنَ الشَّافِعِيَّةِ: لاَ بَل يُلاَعَنُ بَيْنَهُمَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْ مَجْلِسِ الْحُكْمِ.
قَال النَّوَوِيُّ: وَلاَ يُؤْتَى بَيْتَ الأَْصْنَامِ فِي لِعَانِ الْوَثَنِيِّينَ؛ لأَِنَّهُ لاَ أَصْل لَهُ فِي الْحُرْمَةِ، وَاعْتِقَادُهُمْ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ.
وَيُغَلَّظُ بِالزَّمَانِ بَعْدَ صَلاَةِ الْعَصْرِ.
وَيُغَلَّظُ بِحُضُورِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَعْيَانِ الْبَلَدِ وَصُلَحَائِهِ.
ثُمَّ التَّغْلِيظُ بِهَذِهِ الأُْمُورِ وَاجِبٌ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، إِلاَّ وُقُوعُهُ بَعْدَ صَلاَةٍ، فَهُوَ مَنْدُوبٌ عِنْدَهُمْ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِيهِ أَقْوَالٌ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَهُمُ الاِسْتِحْبَابُ فِي الْجَمِيعِ. وَلاَ يُغَلَّظُ اللِّعَانُ بِالزَّمَانِ وَلاَ بِالْمَكَانِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى مِنَ الْحَنَابِلَةِ، لأَِنَّ اللَّهَ أَطْلَقَ الأَْمْرَ بِذَلِكَ، وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِزَمَنٍ وَلاَ مَكَانٍ فَلاَ يَجُوزُ تَقْيِيدُهُ إِلاَّ بِدَلِيلٍ، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ هِلاَلاً بِإِحْضَارِ امْرَأَتِهِ، وَلَمْ يَخُصَّهُ بِزَمَنٍ وَلاَ مَكَانٍ، وَلَوْ خَصَّهُ بِذَلِكَ لَنُقِل وَلَمْ يُهْمَل.
وَقَال أَبُو الْخَطَّابِ مِنَ الْحَنَابِلَةِ: يُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَلاَعَنَا فِي الأَْزْمَانِ وَالأَْمَاكِنِ الَّتِي تُعَظَّمُ. (16) تَغْلِيظُ عُقُوبَةِ التَّعْزِيرِ:
9 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ تَغْلِيظَ عُقُوبَةِ التَّعْزِيرِ - وَهِيَ كُل عُقُوبَةٍ شُرِعَتْ فِي مَعْصِيَةٍ لاَ حَدَّ فِيهَا وَلاَ كَفَّارَةَ - يَكُونُ بِاجْتِهَادِ الْحَاكِمِ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الزَّجْرُ وَأَحْوَال النَّاسِ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ. (1)
__________
(1) مختار الصحاح مادة: " غلظ ".
(2) مغني المحتاج 1 / 83، والمغني لابن قدامة 1 / 56
(3) حديث: " ابن مسعود أن النبي ﷺ طلب منه ليلة الجن أحجارا للاستنجاء. . . " أخرجه البخاري (فتح الباري 1 / 256 ط الدار السلفية) .
(4) ابن عابدين 1 / 211، وبدائع الصنائع 1 / 80، والمدونة الكبرى 1 / 19، 20، 21، والإنصاف 1 / 310
(5) الجمل على شرح المنهج 1 / 168ـ 183ـ 425، وقليوبي 1 / 69 ـ 185، وبدائع الصنائع 1 / 80، والمدونة 1 / 19
(6) الاختيار 1 / 146، وابن عابدين 1 / 274، وحاشية الدسوقي 1 / 214.
(7) روضة الطالبين 9 / 255، وأسنى المطالب 4 / 47، والمغني لابن قدامة 7 / 764، 765، 766، 772
(8) حاشية الدسوقي 4 / 267، والمدونة 6 / 306، 307، وكشاف القناع 6 / 31.
(9) ابن عابدين 5 / 368
(10) حاشية الدسوقي 4 / 228، وروضة الطالبين 12 / 32ـ 33، والإنصاف 1 / 132
(11) حديث أبي هريرة ﵁: " أن رجلا حلف بين يدي الرسول ﷺ بذلك " لم نعثر عليه بهذا السياق الطويل في كتب الحديث التي بين يدينا وهو في المبسوط (16 / 86 ط دار المعرفة) مطولا، والحديث بمعناه جاء عن ابن عباس ﵄ أن النبي صلى وحسنه التهانوي في إعلاء السنن (5 / 406 ط دار القرآن) وعبد القادر الأرناؤوط (جامع الأصول 11 / 680 ط مكتبة الحلواني) .
(12) المبسوط 16 / 118، وحاشية الدسوقي 4 / 228، وروضة الطالبين 12 / 31، والإنصاف 1 / 120 - 121
(13) حاشية الدسوقي 4 / 228، وروضة الطالبين 12 / 31 ـ 32.
(14) المبسوط 16 / 118 - 119، وروضة الطالبين 12 / 21 - 32، والدسوقي 4 / 227 - 228، والإنصاف 1 / 120 - 121
(15) المبسوط 16 / 118، والإنصاف 12 / 120، وروضة الطالبين 12 / 32، وقليوبي 4 / 340، وحاشية الدسوقي 4 / 228
(16) المبسوط 7 / 39، وروضة الطالبين 8 / 334، 354، وشرح روض الطالب 3 / 384ـ 385، وشرح الزرقاني 4 / 194ـ 195، والمغني لابن قدامة 7 / 435
الموسوعة الفقهية الكويتية: 65/ 13