القيوم
كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...
تكميل الشيء؛ لتلافي ما وقع فيه من نقص . ومن أمثلته من ترك واجباً من واجبات الحج كرمي الجمرات، ولم يتمكن من الاتيان به، فيجب عليه جبره بذبح شاة .
التَّعْرِيفُ:
1 - الْجَبْرُ فِي اللُّغَةِ خِلاَفُ الْكَسْرِ. يُقَال: جَبَرَ عَظْمَهُ جَبْرًا أَيْ أَصْلَحَهُ بَعْدَ كَسْرٍ، وَيَأْتِي بِمَعْنَى الإِْحْسَانِ إِلَى الرَّجُل فَيُقَال: جَبَرَهُ جَبْرًا إِذَا أَحْسَن إِلَيْهِ، وَأَغْنَاهُ بَعْدَ فَقْرٍ. وَيَأْتِي بِمَعْنَى التَّكْمِيل فَيُقَال: مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ أَوْ أَتَى بِمَحْظُورٍ فِيهِ: جَبَرَهُ بِالدَّمِ.
كَمَا يُقَال: جَبَرَ الْمُزَكِّي مَا أَخْرَجَهُ إِذَا لَمْ يَجِدِ السِّنَّ الْوَاجِبَ فِي زَكَاةِ إِبِلِهِ فَأَخْرَجَ مَا دُونَهُ وَدَفَعَ الْفَضْل، وَيُسَمَّى دَفْعُ الْفَضْل جُبْرَانًا، وَيَأْتِي بِمَعْنَى الإِْكْرَاهِ عَلَى الشَّيْءِ، فَيُقَال: جَبَرَهُ عَلَى الأَْمْرِ جَبْرًا، وَحَكَى الأَْزْهَرِيُّ: جَبَرَهُ جُبُورًا وَأَجْبَرَهُ إِجْبَارًا: أَكْرَهَهُ عَلَيْهِ (1) .
وَالاِصْطِلاَحُ الشَّرْعِيُّ لاَ يَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 - يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْجَبْرِ بِاخْتِلاَفِ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ.
فَالْجَبْرُ بِمَعْنَى الإِْكْرَاهِ: قَدْ يَكُونُ مَشْرُوعًا. كَإِجْبَارِ الْقَاضِي الْمَدِينَ الْمُمْتَنِعِ عَنْ أَدَاءِ الدَّيْنِ الْحَال بِلاَ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ عَلَى أَدَاءِ الدَّيْنِ بِطَلَبِ صَاحِبِهِ.
وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ كَإِجْبَارِ الشَّخْصِ عَلَى بَيْعِ مَالِهِ، أَوْ طَلاَقِ زَوْجَةٍ بِغَيْرِ مُقْتَضًى شَرْعِيٍّ، فَيَحْرُمُ.
أَمَّا الْجَبْرُ بِمَعْنَى التَّكْمِيل فَيَكُونُ إِذَا تَرَكَ وَاجِبًا فِي الْحَجِّ أَوِ ارْتَكَبَ مَحْظُورًا فِيهِ. وَكَذَا إِذَا لَمْ يَجِدْ فِي زَكَاةِ الإِْبِل السِّنَّ الْوَاجِبَةَ فَأَرَادَ أَنْ يَنْزِل إِلَى مَا تَحْتَهَا فَيَجِبُ دَفْعُ الْجُبْرَانِ عَلَيْهِ.
وَالْجَبْرُ بِمَعْنَى إِصْلاَحِ الْعَظْمِ بَعْدَ كَسْرِهِ مَشْرُوعٌ إِذَا خِيفَ ضَرَرٌ بِفَوَاتِ الْعُضْوِ، أَوْ هَلاَكُ النَّفْسِ. وَتَفْصِيلُهُ فِي: (تَدَاوِي) .
أَمَّا الْجَبْرُ: بِمَعْنَى الإِْجْبَارِ فَيُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِجْبَارٌ - وَإِحَالاَتُهُ) .
الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ:
3 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْمَذَاهِبِ الأَْرْبَعَةِ فِي وُجُوبِ الْمَسْحِ عَلَى مَوْضُوعِ الْجَبْرِ إِذَا شُدَّتْ عَلَيْهِ جَبِيرَةٌ، وَهُوَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَتَعَذَّرَ الْغَسْل عَلَى الْعُضْوِ، أَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغَسْل كَالْجُنُبِ (2) .
وَفِي ذَلِكَ تَفْصِيلٌ وَاخْتِلاَفٌ يُرْجَعُ إِلَيْهِ فِي مُصْطَلَحِ: (جَبِيرَةٌ، مَسْحٌ، تَيَمُّمٌ) .
جَبْرُ وَاجِبِ الزَّكَاةِ:
4 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ فِي زَكَاةِ إِبِلِهِ سِنٌّ مُعَيَّنَةٌ فَلَمْ يَجِدْهَا يَجُوزُ لَهُ الْعُدُول إِلَى مَا تَحْتَهَا مَعَ الْجَبْرِ، وَيُسَمَّى فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ جُبْرَانًا، أَوْ يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ سِنًّا فَوْقَهَا وَيُعْطِي الْمُزَكِّيَ الْجُبْرَانَ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْجُبْرَانِ هَل هُوَ مُحَدَّدٌ شَرْعًا؟ فَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْجَبْرَ مُحَدَّدٌ شَرْعًا: وَهُوَ شَاتَانِ، أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَكَمَا يُشْرَعُ الْجُبْرَانُ بَيْنَ سِنٍّ وَسِنٍّ تَالِيَةٍ لَهَا، يُشْرَعُ بَيْنَ السِّنِّ وَالسِّنِّ الأَْعْلَى مِنَ الَّتِي تَلِيهَا إِنْ عَدِمَتِ التَّالِيَةُ فَيَدْفَعُ جُبْرَانَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، وَهَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
فَإِذَا كَانَ وَاجِبُهُ بِنْتَ مَخَاضٍ فَلَمْ يَجِدْهَا، فَلَهُ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى بِنْتِ لَبُونٍ فَيَأْخُذَ جُبْرَانًا، وَهُوَ شَاتَانِ، أَوْ عِشْرُونَ دِرْهَمًا، وَإِنْ كَانَ وَاجِبُهُ بِنْتَ لَبُونٍ فَلَمْ يَجِدْهَا، لَهُ أَنْ يَنْزِل إِلَى بِنْتِ مَخَاضٍ، فَيَدْفَعَ الْجُبْرَانَ، وَهَكَذَا.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْفَضْل بَيْنَ الْوَاجِبِ وَبَيْنَ مَا لَدَيْهِ، وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ قِيمَتَيْهِمَا (3) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجِبُ تَحْصِيل الْوَاجِبِ فَلاَ يَجُوزُ لِلسَّاعِي أَخْذُ مَا فَوْقَ الْوَاجِبِ وَدَفْعُ الْجُبْرَانِ. أَمَّا إِذَا نَزَل إِلَى مَا تَحْتَ الْوَاجِبِ، وَدَفَعَ إِلَيْهِ ثَمَنًا جَازَ (4) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (زَكَاةٌ) . الْجَبْرُ بِالدَّمِ:
5 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّ: مَنْ تَرَكَ وَاجِبًا مِنْ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ كَالإِْحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَرَمْيِ الْجِمَارِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا، وَلَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الإِْتْيَانِ بِهِ، يَجِبُ عَلَيْهِ الْجَبْرُ بِالدَّمِ، وَلاَ يُجْبَرُ بِالدَّمِ إِلاَّ مَا كَانَ وَاجِبًا.
أَمَّا أَرْكَانُ الْحَجِّ فَلاَ تُجْبَرُ إِذَا تُرِكَتْ، وَأَمَّا تَفْصِيل مَا يُعْتَبَرُ وَاجِبًا يُجْبَرُ بِالدَّمِ، وَاخْتِلاَفُ الْفُقَهَاءِ فِيهِ، وَنَوْعُ الْجَبْرِ، فَيُرْجَعُ إِلَى مُصْطَلَحِ: (حَجٌّ) .
__________
(1) لسان العرب، وتاج العروس، والمصباح المنير، مادة: (جبر) .
(2) ابن عابدين 1 / 186، وحاشية الجمل 1 / 209، والدسوقي 1 / 164، والإنصاف 1 / 188.
(3) حاشية الجمل 2 / 225 - 226، وكشاف القناع 2 / 189، وفتح القدير 2 / 142 - 143.
(4) حاشية الدسوقي 1 / 434.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 102/ 15
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".