الرحيم
كلمة (الرحيم) في اللغة صيغة مبالغة من الرحمة على وزن (فعيل) وهي...
الحِفْظُ المستمر . ومن أمثلته حراسة الجنود بعضهم بعضاً وقت صلاة الخوف . ومن شواهده قوله تَعَالَى : ﭽﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﴾ ﴿ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈﮉ ﮊ ﮋﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﭼالنساء :١٠٢ .
الحِفْظُ المستمر.
التَّعْرِيفُ:
1 - الْحِرَاسَةُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ حَرَسَ الشَّيْءَ يَحْرُسُهُ وَيَحْرُسُهُ حَرَسًا، حَفِظَهُ حِفْظًا مُسْتَمِرًّا، وَهُوَ أَنْ يَصْرِفَ الآْفَاتِ عَنِ الشَّيْءِ قَبْل أَنْ تُصِيبَهُ صَرْفًا مُسْتَمِرًّا، فَإِِذَا أَصَابَتْهُ فَصَرَفَهَا عَنْهُ سُمِّيَ تَخْلِيصًا، وَاشْتِقَاقُهُ مِنَ الْحَرْسِ وَهُوَ الدَّهْرُ.
وَحَرَسَ أَيْضًا إِذَا سَرَقَ فَالْفِعْل مِنَ الأَْضْدَادِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَيُطْلِقُونَ عَلَى الشَّاةِ يُدْرِكُهَا اللَّيْل قَبْل رُجُوعِهَا إِِلَى مَأْوَاهَا فَتُسْرَقُ، حَرِيسَةٌ (1) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ لاَ يَخْرُجُ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ وَهُوَ حِفْظُهُ الشَّيْءَ حِفْظًا مُسْتَمِرًّا
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الرِّبَاطُ:
2 - هُوَ الإِِْقَامَةُ بِالثَّغْرِ تَقْوِيَةً لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى الْكُفَّارِ، وَالثَّغْرُ كُل مَكَانٍ يُخِيفُ أَهْلُهُ الْعَدُوَّ وَيُخِيفُهُمْ، وَأَصْل الرِّبَاطِ مِنْ رِبَاطِ الْخَيْل لأَِنَّ هَؤُلاَءِ يَرْبِطُونَ خُيُولَهُمْ وَهَؤُلاَءِ يَرْبِطُونَ خُيُولَهُمْ كُلٌّ يُعِدُّ لِصَاحِبِهِ فَسُمِّيَ الْمُقَامُ بِالثَّغْرِ رِبَاطًا وَإِِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خَيْلٌ (2) .
وَقَدْ رُوِيَ فِي فَضْل الرِّبَاطِ أَحَادِيثُ مِنْهَا مَا رَوَى سَلْمَانُ ﵁ قَال: سَمِعْتُ رَسُول اللَّهِ ﷺ يَقُول: رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامِهِ، وَإِِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُهُ، وَأُجْرِيَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ (3) .
فَالرِّبَاطُ أَخَصُّ مِنَ الْحِرَاسَةِ لأَِنَّهُ حِرَاسَةٌ لِثَغْرٍ بِالإِِْقَامَةِ فِيهِ
ب - الْحِمَى:
3 - الْحِمَى يَكُونُ فِي بُقْعَةٍ مَوَاتٍ لِرَعْيِ نَعَمِ جِزْيَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ، وَيَكُونُ بِمَنْعِ الإِِْمَامِ النَّاسَ مِنْ رَعْيِهَا إِذَا لَمْ يَضُرَّ بِهِمْ (4) ، لأَِنَّهُ حَمَى النَّقِيعَ لِخَيْل الْمُسْلِمِينَ (5) . وَعَنْ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الزُّهْرِيَّ قَال: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَمَى النَّقِيعَ، وَأَنَّ عُمَرَ حَمَى الشَّرَفَ وَالرَّبَذَةَ (6) .
فَالْحِمَى حِرَاسَةُ بُقْعَةٍ مُعَيَّنَةٍ حَتَّى لاَ يَرْعَاهَا غَيْرُ نَعَمِ الْجِزْيَةِ أَوِ الصَّدَقَةِ.
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْحِرَاسَةِ بِاخْتِلاَفِ أَحْوَالِهَا وَتَعْتَرِيهَا الأَْحْكَامُ الْخَمْسَةُ:
فَتَكُونُ الْحِرَاسَةُ وَاجِبَةً كَحِرَاسَةِ طَائِفَةٍ مِنَ الْجَيْشِ لِلأُْخْرَى الَّتِي تُصَلِّي صَلاَةَ الْخَوْفِ عَمَلاً بِقَوْل رَبِّنَا جَل وَعَلاَ {وَإِِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (7) } .
وَفِي تَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (صَلاَةُ الْخَوْفِ) .
وَتَكُونُ مُسْتَحَبَّةً كَالْحِرَاسَةِ وَالْمُرَابَطَةِ فِي الثُّغُورِ تَطَوُّعًا وَفِي غَيْرِ تَهْدِيدِ الْعَدُوِّ لَنَا، لِحَدِيثِ سَلْمَانَ ﵁ السَّابِقِ (8) .
وَمِنْهَا الْحِرَاسَةُ فِي الْغَزْوِ تَطَوُّعًا جَاءَ فِي فَضْلِهَا قَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ حَرَسَ مِنْ وَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ مُتَطَوِّعًا لاَ يَأْخُذُهُ سُلْطَانٌ لَمْ يَرَ النَّارَ بِعَيْنَيْهِ إِلاَّ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ (9) وَقَوْلُهُ ﷺ: عَيْنَانِ لاَ تَمَسُّهُمَا النَّارُ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيل اللَّهِ (10) .
وَتَكُونُ مُبَاحَةً كَمَنْ يُؤَجِّرُ نَفْسَهُ لِحِرَاسَةِ مُبَاحٍ كَحَارِسِ الثِّمَارِ وَالأَْسْوَاقِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ (11) .
وَتَكُونُ مُحَرَّمَةً كَحِرَاسَةِ مَا يُؤَدِّي إِِلَى فَسَادِ الدِّينِ. . . وَمِنْ ذَلِكَ حِرَاسَةُ أَمَاكِنِ اللَّهْوِ الْمُحَرَّمِ وَالْخَمْرِ وَالْفُجُورِ وَنَحْوِهَا (12) . حُكْمُ اسْتِخْدَامِ الْكَلْبِ وَمَا شَابَهَ لِلْحِرَاسَةِ:
5 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى جَوَازِ اسْتِخْدَامِ الْكَلْبِ لِلْحِرَاسَةِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا مَنِ اتَّخَذَ كَلْبًا إِلاَّ كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ صَيْدٍ أَوْ زَرْعٍ انْتَقَصَ مِنْ أَجْرِهِ كُل يَوْمٍ قِيرَاطٌ (13)
أَمَّا فِي حُكْمِ ضَمَانِ الْحَارِسِ فَخِلاَفٌ وَتَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (ضَمَانٌ) وَ (وَدِيعَةٌ) . (14)
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير مادة (حرس) ، والفروق لابن هلال ص 199.
(2) المغني 8 / 353، 354.
(3) حديث: " رباط ليلة في سبيل الله خير. . . " أخرجه مسلم (3 / 1520 - ط الحلبي) .
(4) قليوبي وعميرة 3 / 92.
(5) حديث: " حمى النقيع لخيل المسلمين " ذكره البخاري (الفتح 5 / 44 - ط السلفية) من قول الزهري بلاغا. وكذلك أخرجه بلاغا أبو داود في سننه (3 / 460 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، وضعف ابن حجر إسناده في الفتح (5 / 45 - ط السلفية) .
(6) فتح الباري 5 / 44.
(7) سورة النساء / 102.
(8) حديث سلمان ﵁ سبق تخريجه ف / 2.
(9) حديث: " من حرس من وراء المسلمين متطوعا لا يأخذه. . . " أخرجه أحمد (3 / 437 - ط الميمنية) من حديث معاذ بن أنس وأورده الهيثمي في المجمع (5 / 287 - ط القدسي) وقال: " رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، وفي إسنادي أحمد ابن لهيعة، وهو أحسن حالا من رشدين ".
(10) حديث: " عينان لا تمسهما النار عين بكيت من. . . . " أخرجه الترمذي (4 / 175 - ط الحلبي) من حديث عبد الله ابن عباس، وحسنه.
(11) الدسوقي على الشرح الكبير 4 / 23، 25.
(12) الشرح الكبير 4 / 19، جواهر الإكليل 1 / 32 / 188، والفتاوى الهندية 4 / 449، 450، والشرقاوي 6 / 131، ومطالب أولي النهى 3 / 604.
(13) حديث: " من اتخذ كلبا إلا كلب ماشية أو صيد أو زرع. . . " أخرجه البخاري (الفتح 5 / 5 - ط السلفية) ومسلم (3 / 1203 - ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
(14) بدائع الصنائع 5 / 142، وحاشية الدسوقي 3 / 11، وقليوبي وعميرة 2 / 157، والشرقاوي 6 / 131، وكشاف القناع عن متن الإقناع 3 / 154.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 165/ 17