القدوس
كلمة (قُدُّوس) في اللغة صيغة مبالغة من القداسة، ومعناها في...
التضييق على العدو بمختلف الوسائل، ومنع خروجه، والدخول إليه حتى يستسلم . ومن أمثلته محاصرة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - يهودَ بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة . لقوله تَعَالَى : ﭽﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥﭼ التوبة : 5.
التضييق على العدو بمختلف الوسائل، ومنع خروجه، والدخول إليه حتى يستسلم.
التَّعْرِيفُ:
1 - الْحِصَارُ مَصْدَرُ حَاصَرَ، وَمِثْلُهُ الْمُحَاصَرَةُ، أَيِ التَّضْيِيقُ عَلَى الشَّخْصِ وَالإِِْحَاطَةُ بِهِ، وَالْحَصِيرُ فِي اللُّغَةِ الْمَحْبِسُ (1) . قَال تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} (2) أَيْ مَحْبِسًا.
وَفِي اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ التَّضْيِيقُ عَلَى الْعَدُوِّ، وَالإِِْحَاطَةُ بِهِ فِي بَلَدٍ، أَوْ قَلْعَةٍ، أَوْ حِصْنٍ، أَوْ غَيْرِهَا، وَمَنْعُ الْخُرُوجِ وَالدُّخُول حَتَّى يَسْتَسْلِمَ (3) .
الْحُكْمُ الشَّرْعِيُّ:
2 - لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلإِِْمَامِ أَوْ نَائِبِهِ مُحَاصَرَةُ الْكُفَّارِ فِي بِلاَدِهِمْ، وَالْحُصُونِ وَالْقِلاَعِ، وَتَشْدِيدُ الأَْمْرِ عَلَيْهِمْ بِالْمَنْعِ مِنَ الدُّخُول وَالْخُرُوجِ، وَالْمَنْعِ مِنَ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ حَتَّى يَسْتَسْلِمُوا وَإِِنْ كَانَ فِيهِمُ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ (4) . لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِِذَا انْسَلَخَ الأَْشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ} (5) وَقَدْ حَاصَرَ الرَّسُول ﷺ أَهْل الطَّائِفِ (6) . وَحَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ بَعْدَهُ الْقُدْسَ فِي خِلاَفَةِ عُمَرَ ﵁ وَأَرْضَاهُ.
وَعَلَى الإِِْمَامِ إِذَا حَاصَرَ حِصْنًا أَوْ مَدِينَةً أَنْ يَأْخُذَهُ بِوَاحِدَةٍ مِنْ خِصَالٍ خَمْسٍ:
أ - أَنْ يُسَلِّمُوا فَيَعْصِمُوا بِالإِِْسْلاَمِ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَأَوْلاَدَهُمُ الصِّغَارَ.
ب - أَنْ يَبْذُلُوا مَالاً عَلَى الْمُوَادَعَةِ فَيَجُوزُ لِلإِِْمَامِ قَبُولُهُ مِنْهُمْ، سَوَاءٌ جَعَلُوهُ خَرَاجًا مُسْتَمِرًّا يُؤْخَذُ مِنْهُمْ كُل عَامٍ، أَوْ دَفَعُوهُ جُمْلَةً، وَلَهُمْ أَنْ يَدْفَعُوا جِزْيَةً إِنْ كَانُوا مِمَّنْ تُقْبَل مِنْهُمُ الْجِزْيَةُ فَيَقْبَل مِنْهُمْ وُجُوبًا.
ج - أَنْ يَفْتَحَهُ.
د - أَنْ يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِي الاِنْصِرَافِ عَنْهُمْ، إِمَّا لِضَرَرٍ فِي الإِِْقَامَةِ، وَإِِمَّا لِلْيَأْسِ مِنْهُ، وَإِِمَّا لِمَصْلَحَةٍ تَفُوتُ بِإِِقَامَتِهِ هُنَاكَ فَيَنْصَرِفُ، لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَاصَرَ أَهْل الطَّائِفِ فَلَمْ يَنَل مِنْهُمْ شَيْئًا، فَقَال: إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ غَدًا، فَقَال الْمُسْلِمُونَ أَنَرْجِعُ عَنْهُ وَلَمْ تَفْتَحْهُ؟ فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: اغْدُوَا عَلَى الْقِتَال، فَغَدَوَا عَلَيْهِ فَأَصَابَهُمُ الْجِرَاحُ فَقَال لَهُمْ: إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا فَأَعْجَبَهُمْ فَقَفَل (7) .
هـ - أَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ حَاكِمٍ فَيَجُوزُ قَبُولُهُ. لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمَّا حَاصَرَ بَنِي قُرَيْظَةَ رَضُوا بِأَنْ يَنْزِلُوا عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَأَجَابَهُمْ إِِلَى ذَلِكَ (8) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (تَحْكِيمٌ) .
وَلاَ يُعْتَبَرُ الْحِصَارُ ظَفَرًا بِهِمْ، فَإِِنْ أَسْلَمَ الْمَحْصُورُونَ أَثْنَاءَ الْحِصَارِ وَقَبْل الاِسْتِسْلاَمِ عَصَمُوا دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ، وَأَوْلاَدَهُمُ الصِّغَارَ، فَلاَ يُقْتَلُونَ وَلاَ يُسْتَوْلَى عَلَى أَمْوَالِهِمْ، وَإِِنْ كَانَ الْفَتْحُ قَرِيبًا. أَمَّا إِذَا أَسْلَمُوا بَعْدَ الْفَتْحِ فَإِِنَّهُمْ يَعْصِمُونَ دِمَاءَهُمْ دُونَ أَمْوَالِهِمْ (9) .
وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ: (جِهَادٌ) .
حِصَارُ الْبُغَاةِ:
3 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِِلَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِلإِِْمَامِ حِصَارُ الْبُغَاةِ بِمَنْعِ الطَّعَامِ، أَوِ الشَّرَابِ، لأَِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ قِتَالِهِمْ رَدُّهُمْ إِِلَى الطَّاعَةِ لاَ إِهْلاَكُهُمْ، وَهُوَ مُقْتَضَى كَلاَمِ الْحَنَابِلَةِ (10) .
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَجُوزُ قِتَالُهُمْ بِمَا يَجُوزُ قِتَال الْكُفَّارِ بِهِ، فَيَمْنَعُ عَنْهُمُ الْمِيرَةَ وَالْمَاءَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَعَهُمْ صِبْيَانٌ وَنِسَاءٌ (11) . وَالتَّفْصِيل فِي (بُغَاةٌ) .
فَكُّ حِصَارِ الْعَدُوِّ بِالْمَال:
4 - إِذَا حَاصَرَ الْعَدُوُّ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبُوا مَالاً لِفَكِّ الْحِصَارِ عَنْهُمْ لَمْ يُجِبْهُمُ الإِِْمَامُ، لِمَا فِيهِ مِنْ إِعْطَاءِ الدَّنِيَّةِ، وَإِِلْحَاقِ الْمَذَلَّةِ بِأَهْل الإِِْسْلاَمِ، إِلاَّ إِذَا خَافَ هَلاَكَ الْمُسْلِمِينَ فَيَجُوزُ (12) . لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَرْسَل إِِلَى عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ، وَالْحَارِثِ بْنِ عَوْفٍ وَهُمَا قَائِدَا غَطَفَانَ لَمَّا اشْتَدَّ الْبَلاَءُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي وَقْعَةِ الْخَنْدَقِ، وَطَلَبَ مِنْهُمَا أَنْ يَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمَا كُل سَنَةٍ ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ، فَاسْتَشَارَ النَّبِيُّ ﷺ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فَقَالاَ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنْ كَانَ وَحْيًا فَامْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ، وَإِِنْ كَانَ رَأْيًا رَأَيْتَهُ، لاَ نُعْطِيهِمْ إِلاَّ السَّيْفَ. فَقَال ﷺ: أَنْتُمْ وَذَاكَ. فَقَدْ مَال النَّبِيُّ ﷺ إِِلَى الصُّلْحِ بِالْمَال فِي الاِبْتِدَاءِ لَمَّا أَحَسَّ الضَّعْفَ بِالْمُسْلِمِينَ، فَلَمَّا رَأَى قُوَّةَ الْمُسْلِمِينَ بِمَا قَال السَّعْدَانُ امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ، وَدَفْعُ الْهَلاَكِ عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَاجِبٌ بِأَيِّ طَرِيقٍ مُمْكِنٍ (13) .
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير مادة: " حصر ".
(2) سورة الإسراء / 8.
(3) روضة الطالبين 10 / 244، وأسنى المطالب 4 / 190، وشرح الجمل 5 / 194.
(4) شرح الزرقاني 3 / 113، شرح الجمل 5 / 194، روضة الطالبين 10 / 244، المغني 8 / 479
(5) سورة التوبة / 5
(6) حديث: " حصار أهل الطائف. . . " أخرجه البخاري (الفتح 8 / 44 ط السلفية) من حديث عبد الله بن عمر.
(7) الحديث تقدم تخريجه في نفس الفقرة.
(8) المصادر السابقة، والمغني 8 / 479 - 480. وحديث: نزول بني قريظة على حكم سعد بن معاذ. أخرج حديثه البخاري (الفتح 7 / 411 ط السلفية) من حديث أبي سعيد الخدري.
(9) ) المصادر السابقة والمغني 8 / 479، وروضة الطالبين 10 / 252، وروض الطالب 4 / 194.
(10) الجمل على شرح المنهج 5 / 118، وروض الطالب 4 / 115.
(11) شرح الزرقاني 8 / 61، وابن عابدين 3 / 311.
(12) فتح القدير 4 / 296.
(13) قصة إرسال النبي ﷺ إلى عيينة بن حصن، والحارث بن عوف. أخرجها ابن إسحاق في سيرته كما في السيرة النبوية لابن كثير (3 / 201 - 202 نشر دار إحياء التراث العربي) .
الموسوعة الفقهية الكويتية: 294/ 17
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".