الظاهر
هو اسمُ فاعل من (الظهور)، وهو اسمٌ ذاتي من أسماء الربِّ تبارك...
الـحِرَاسَةُ، يُقالُ: حَفِظَ البَيْتَ أَيْ حَرَسَهُ، وَيَأْتي الـحِفْظُ بِـمَعْنى: الرِّعَايَةُ وَالعِنَايَةُ، وَضِدُّهُ التَّضْيِيعُ وَالتَّفْرِيطُ، تَقولُ: حَفِظَ الـمَالَ حِفظًا: إِذَا رَعَاهُ ومَنعَهُ مِنَ الضَّيَاعِ، وَالـحِفْظُ أَيْضًا: التَّعَاهُدُ وقِلَّةُ الغَفْلَةِ، وَضِدُّهُ النِّسْيَانُ، يُقالُ: حَفِظَ الكَلاَمَ أَيْ تَعَاهَدَهُ وَلَمْ يَنْسَهُ، وِمِنْ مَعَانِي الـحِفْظِ: الصِّيَانَةُ والإِبْقَاءُ والاِسْتِمْرارُ والـمُوَاظَبَةُ والـمُرَاقَبَةُ والاِحْتِرازُ.
يُطْلَقُ مُصْطَلَحُ (حِفْظٍ) فِي مَواطِنَ كَثيرَةٍ مِنَ الفِقْهِ مِنْهَا: في كِتابِ الصَّلاَةِ في بابِ صِفَةِ الإِمَامَةِ، وبابِ وُجوبِ الصَّلاَةِ، وَبابِ أَوْقاتِ الصَّلَواتِ، وَفي كِتابِ الزَّكاةِ في بابِ أَهْلِ الزَّكاةِ، وفي كِتابِ البَيْعِ في بابِ الوَدِيعَةِ، وفي بَابِ الوَقْفِ وَالوَصِّيَةِ وَالهِبَةِ، وَفي كِتابِ النِّكاحِ في بابِ صِفَةِ الصَّدَاقِ، وَفي كِتابِ القّضَاءِ في بابِ صِفَةِ القَاضي، وبَابِ شُروطِ الشَّهَادَةِ، وَفي كِتابِ الحُدودِ في بابِ حَدِّ القَطْعِ في السَّرِقَةِ، وَغَيْرِهَا مِنَ الأَبْوابِ. وَيُطْلَقُ بِـمَعْنَى: (تَوْثِيقُ الشَّيْءِ وَتَسْجِيلُهُ)، فِي كِتابِ النِّكاحِ فِي بابِ عَقْدِ النِّكاحِ، وَكِتابِ القَضَاءِ فِي بابِ كِتابِ القَاضِي. وَيُطْلَقُ أَيْضًا في العَقِيدَةِ في بابِ أَسْماءِ اللهِ وصِفَاتِهِ عِنْدَ الكَلاَمِ عَنْ صِفَةِ الـحِفْظِ للهِ وَاسْمِهِ الـحَفيظِ.
حَفِظَ
القُدْرَةُ عَلَى تَـخْزِينِ الـمَعْلومَاتِ في الدِّماغِ وَتَأْدِيَتِهَا فِي أَيِّ وَقْتِ.
الـحِفْظُ: هُوَ الـهَيْئَةُ وَالقُوَّةُ التِّي فِي النَّفْسِ يَثْبُتُ بِهَا مَا يَصِلُ مِنْ صُوَرٍ وَإِدْراكَاتٍ وَمَعْلومَاتٍ وَتَأْدِيَتُهَا فِي أَيِّ وَقْتٍ، بِـحَيْثُ تَبْقَى حَاضِرَةً، مِثْلُ: حِفْظِ سورَةِ الفَاتِـحَةِ وَقِرَاءَتِهَا في الصَّلاَةِ، وَالـحِفْظُ يَكونُ لِلْأَلْفَاظِ وَيَكونُ لِلْمَعَانِي.
الـحِرَاسَةُ والرِّعَايَةُ وَالعِنَايَةُ ، وَمِنْ مَعَانِي الـحِفْظِ: الإِبْقَاءُ والصِّيَانَةُ والتَّعَاهُدُ والـمُوَاظَبَةُ ،والـمُرَاقَبَةُ والاِحْتِرازُ، وَضِدُّ الـحِفْظِ: التَّضْيِيعُ وَالتَّفْرِيطُ وَالنِّسْيَانُ وَالغَفْلَةُ.
الصون مِنَ الضَّيَاعِ، وَالتَّلَفِ.
التَّعْرِيفُ:
1 - الْحِفْظُ لُغَةً: مِنْ حَفِظَ الشَّيْءَ حِفْظًا إِِذَا مَنَعَهُ مِنَ الضَّيَاعِ وَالتَّلَفِ.
وَيَأْتِي بِمَعْنَى التَّعَاهُدِ وَقِلَّةِ الْغَفْلَةِ، يُقَال حَفِظَ الْقُرْآنَ إِِذَا وَعَاهُ عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ (1) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْحِفْظِ:
2 - يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ بِالنِّسْبَةِ لِلْحِفْظِ تَبَعًا لاِخْتِلاَفِ مَا يُضَافُ إِِلَيْهِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
حِفْظُ مَا يُقْرَأُ فِي الصَّلاَةِ:
3 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاَةِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ عَلَى وُجُوبِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى كُل مُكَلَّفٍ يَسْتَطِيعُ ذَلِكَ، فَإِِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ قِرَاءَتَهَا فَيَلْزَمُهُ كَسْبُ الْقُدْرَةِ إِِمَّا بِالتَّعَلُّمِ أَوِ التَّوَسُّل إِِلَى مُصْحَفٍ يَقْرَؤُهَا مِنْهُ، سَوَاءٌ قَدَرَ عَلَيْهِ بِالشِّرَاءِ أَوِ الاِسْتِئْجَارِ أَوِ الاِسْتِعَارَةِ، فَإِِنْ كَانَ بِاللَّيْل أَوْ كَانَ فِي ظُلْمَةٍ فَعَلَيْهِ تَحْصِيل الإِِْضَاءَةِ، فَلَوِ امْتَنَعَ عَنْ ذَلِكَ مَعَ الإِِْمْكَانِ فَعَلَيْهِ إِِعَادَةُ كُل صَلاَةٍ صَلاَّهَا إِِلَى أَنْ يَقْدِرَ عَلَى قِرَاءَتِهَا مِنْ حِفْظِهِ، أَوْ مِنْ مُصْحَفٍ، أَوْ عَنْ طَرِيقِ التَّلْقِينِ.
وَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ أَنَّهُ تَتَعَيَّنُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ فِي كُل رَكْعَةٍ مِنَ الصَّلاَةِ إِِلاَّ رَكْعَةَ مَسْبُوقٍ، فَإِِنْ جَهِل الْمُصَلِّي الْفَاتِحَةَ وَضَاقَ الْوَقْتُ عَنْ تَعَلُّمِهَا فَسَبْعُ آيَاتٍ، فَإِِنْ عَجَزَ أَتَى بِذِكْرٍ، فَإِِنْ لَمْ يُحْسِنْ شَيْئًا وَقَفَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ (2) .
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ فِي الْمُخْتَارِ عِنْدَهُمْ إِِلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ تَسْقُطُ عَمَّنْ عَجَزَ عَنْهَا، وَاخْتَارَ ابْنُ سَحْنُونٍ أَنْ يُبَدَّل الذِّكْرُ بِذَلِكَ (3) .
وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِِلَى أَنَّهُ تُجْزِئُ قِرَاءَةُ آيَةٍ طَوِيلَةٍ أَوْ ثَلاَثِ آيَاتٍ قِصَارٍ مِنَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاَةِ مِنْ أَيِّ مَوْضِعٍ كَانَ، وَأَنَّ الْفَاتِحَةَ لاَ تَتَعَيَّنُ، وَأَنَّهُ يُفْرَضُ عَيْنًا عَلَى كُل وَاحِدٍ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ بِعَيْنِهِ حِفْظُ آيَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ لِتَكُونَ صَلاَتُهُ صَحِيحَةً، كَمَا ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِِلَى وُجُوبِ حِفْظِ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ أُخْرَى عَلَى كُل وَاحِدٍ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ، لأَِنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الصَّلاَةِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ وَاجِبَاتِهَا وَلَيْسَتْ مِنْ أَرْكَانِهَا، وَكَذَلِكَ السُّورَةُ وَإِِنْ كَانَتْ أَقْصَرَ سُوَرِ الْقُرْآنِ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ ثَلاَثِ آيَاتٍ قِصَارٍ (4) .
حُكْمُ تَقْدِيمِ الأَْحْفَظِ لِلْقُرْآنِ لإِِِمَامَةِ الصَّلاَةِ:
4 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَنْ يُقَدَّمُ لإِِِمَامَةِ الصَّلاَةِ: الأَْحْفَظُ أَمِ الأَْفْقَهُ؟
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَهُمُ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ إِِلَى أَنَّ الأَْفْقَهَ: أَيِ الأَْعْلَمَ بِالأَْحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ أَوْلَى بِالإِِْمَامَةِ فِي الصَّلاَةِ مِنَ الأَْقْرَأِ وَإِِنْ كَانَ حَافِظًا لِجَمِيعِ الْقُرْآنِ، وَذَلِكَ إِِذَا كَانَ الأَْفْقَهُ يَحْفَظُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلاَةُ مِنَ الْقُرْآنِ، لأَِنَّ الْحَاجَةَ إِِلَى الْفِقْهِ أَهَمُّ لِكَوْنِ الْوَاجِبِ مِنَ الْقُرْآنِ فِي الصَّلاَةِ مَحْصُورًا وَالْحَوَادِثُ فِيهَا لاَ تَنْحَصِرُ فَيَفْتَقِرُ إِِلَى الْعِلْمِ لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ تَدَارُكِ مَا عَسَى أَنْ يَعْرِضَ فِيهَا مِنَ الْعَوَارِضِ الْمُخْتَلِفَةِ.
وَلأَِنَّ " النَّبِيَّ ﷺ قَدَّمَ أَبَا بَكْرٍ ﵁ فِي إِِمَامَةِ الصَّلاَةِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ ﵃ (5) "، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ أَحْفَظَ مِنْهُ لِلْقُرْآنِ الْكَرِيمِ لِكَوْنِهِ أَفْقَهَهُمْ جَمِيعًا (6) .
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي مُقَابِل الأَْصَحِّ عِنْدَهُمْ إِِلَى أَنَّ الأَْقْرَأَ وَالأَْحْفَظَ أَوْلَى بِالإِِْمَامَةِ فِي الصَّلاَةِ مِنَ الأَْفْقَهِ لِقَوْلِهِ ﷺ: يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ، فَإِِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا (7) .
وَقَوْلُهُ ﷺ: إِِذَا كَانُوا ثَلاَثَةً فَلْيَؤُمَّهُمْ أَحَدُهُمْ وَأَحَقُّهُمْ بِالإِِْمَامَةِ أَقْرَؤُهُمْ (8) .
وَقَوْلُهُ ﷺ: لِيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا (9) .
الْوَقْفُ وَالْوَصِيَّةُ عَلَى حُفَّاظِ الْقُرْآنِ:
5 - يَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْقُرَّاءِ، أَوْ أَهْل الْقُرْآنِ أَوِ الْوَصِيَّةَ لَهُمْ تُصْرَفُ لِحُفَّاظِ كُل الْقُرْآنِ عَنْ ظَهْرِ الْغَيْبِ، وَلاَ يَدْخُل فِيهِمُ الْقُرَّاءُ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ مِنَ الْمُصْحَفِ. وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ كَذَلِكَ إِِلَى أَنَّ الْوَقْفَ عَلَى الْقُرَّاءِ أَوْ أَهْل الْقُرْآنِ الآْنَ أَوَالْوَصِيَّةَ لَهُمْ يُصْرَفُ لِحُفَّاظِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ.
أَمَّا فِي الصَّدْرِ الأَْوَّل فَكَانَ الْوَقْفُ عَلَى الْقُرَّاءِ أَوْ أَهْل الْقُرْآنِ أَوِ الْوَصِيَّةُ لَهُمْ يُصْرَفُ لِلْفُقَهَاءِ لأَِنَّ الأَْقْرَأَ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ كَانَ فَقِيهًا لِتَلَقِّيهمُ الْقُرْآنَ بِمَعَانِيهِ وَأَحْكَامِهِ (10) .
حُكْمُ جَعْل تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ صَدَاقًا:
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي جَوَازِ جَعْل تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ صَدَاقًا لِلْمَرْأَةِ:
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فِي الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إِِلَى عَدَمِ جَوَازِ جَعْل تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ صَدَاقًا لِلْمَرْأَةِ، لأَِنَّ الْفُرُوجَ لاَ تُسْتَبَاحُ إِِلاَّ بِالأَْمْوَال لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُحِل لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ} (11) وَلأَِنَّ تَحْفِيظَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ إِِلاَّ قُرْبَةً لِفَاعِلِهِ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَهُوَ خِلاَفُ الْمَشْهُورِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ إِِلَى جَوَازِ جَعْل تَحْفِيظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ صَدَاقًا لِلْمَرْأَةِ " لأَِنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ زَوَّجَ رَجُلاً امْرَأَةً بِمَا مَعَهُ مِنَ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ ﷺ: أَمْلَكْنَاكَهَا بِمَا مَعَك مِنَ الْقُرْآنِ (12) .
ثُمَّ إِِنَّ الذَّاهِبِينَ إِِلَى جَوَازِ ذَلِكَ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ تَعْيِينِ مَا يُحَفِّظُهَا إِِيَّاهُ مِنَ السُّوَرِ وَالآْيَاتِ، لأَِنَّ السُّوَرَ وَالآْيَاتِ تَخْتَلِفُ، كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ تَحْفِيظِهَا لِلْقَدْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنَ السُّوَرِ وَالآْيَاتِ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا هَل يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ الْقِرَاءَةِ الَّتِي يُعَلِّمُهَا وَفْقًا لَهَا أَمْ لاَ؟
فَذَهَبَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِِلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ لأَِنَّ كُل قِرَاءَةٍ تَنُوبُ مَنَابَ الْقِرَاءَةِ الأُْخْرَى، " وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ لَمْ يُعَيِّنْ لِلْمَرْأَةِ قِرَاءَةً مُعَيَّنَةً " وَقَدْ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِي الْقِرَاءَةِ أَشَدَّ مِنِ اخْتِلاَفِ الْقُرَّاءِ الْيَوْمَ. فَيُعَلِّمُهَا مَا شَاءَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ الْمُتَوَاتِرَةِ.
وَيَرَى بَعْضُهُمْ أَنَّهُ يَجِبُ تَعْيِينُ قِرَاءَةٍ بِعَيْنِهَا لأَِنَّ الأَْغْرَاضَ تَخْتَلِفُ، وَالْقِرَاءَاتِ كَذَلِكَ تَخْتَلِفُ، فَمِنْهَا صَعْبٌ وَمِنْهَا سَهْلٌ، وَنُقِل عَنِ الْبَصْرِيِّينَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ يُعَلِّمُهَا مَا غَلَبَ عَلَى قِرَاءَةِ أَهْل الْبَلَدِ، وَإِِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَغْلَبُ عَلَّمَهَا مَا شَاءَ مِنَ الْقِرَاءَاتِ، وَهَذَا إِِذَا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَى قِرَاءَةٍ مُعَيَّنَةٍ، أَمَّا إِِذَا اتَّفَقُوا عَلَى قِرَاءَةٍ مُعَيَّنَةٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحَفِّظَهَا هَذِهِ الْقِرَاءَةَ، فَإِِنْ خَالَفَ وَعَلَّمَهَا قِرَاءَةً أُخْرَى غَيْرَهَا فَمُتَطَوِّعٌ وَيَلْزَمُهُ تَعْلِيمُهَا الْقِرَاءَةَ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهَا عَمَلاً بِالشَّرْطِ.
7 - وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِجَوَازِ جَعْل تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ صَدَاقًا فِيمَا لَوْ أَصْدَقَ زَوْجَتَهُ الْكِتَابِيَّةَ تَعْلِيمَ سُورَةٍ مِنَ الْقُرْآنِ.
فَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِِلَى جَوَازِ ذَلِكَ إِِذَا كَانَ يَتَوَقَّعُ إِِسْلاَمَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ} (13)
أَمَّا إِِذَا لَمْ يَتَوَقَّعْ إِِسْلاَمَهَا فَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِِلَى عَدَمِ جَوَازِ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ ﷺ: لاَ تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إِِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ (14) وَذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ تَنَالَهُ أَيْدِيهِمْ فَالتَّحْفِيظُ أَوْلَى أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ وَلَهَا مَهْرُ الْمِثْل (15) .
حُكْمُ حِفْظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ:
8 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِِلَى أَنَّ حِفْظَ مَا عَدَا الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً مَعَهَا مِنَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فَرْضٌ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ، يَجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً أَنْ يُوجَدَ بَيْنَهُمْ عَدَدٌ كَافٍ يَسْقُطُ بِهِمُ الْفَرْضُ فَإِِذَا لَمْ يُوجَدْ بَيْنَهُمْ هَذَا الْعَدَدُ أَثِمَ الْجَمِيعُ (16) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَاتِ: (صَلاَةٌ، وَقِرَاءَةٌ، وَقُرْآنٌ.) .
حِفْظُ الْوَدِيعَةِ:
9 - ذَهَبَ الْفُقَهَاءُ إِِلَى أَنَّ الْوَدِيعَةَ - وَهِيَ عَقْدُ اسْتِنَابَةِ حِفْظِ الْمَال - تُوجِبُ عَلَى الْمُودِعِ أَنْ يَحْفَظَ الْمَال فِي حِرْزِ مِثْلِهِ، وَأَنْ لاَ يُخَالِفَ فِي كَيْفِيَّةِ الْحِفْظِ عَنْ أَمْرِ صَاحِبِ الْمَال، وَأَنْ لاَ يَضَعَ الْمَال فِي يَدٍ ثَالِثَةٍ بِدُونِ إِِذْنِ صَاحِبِهِ إِِلاَّ لِلضَّرُورَةِ.
وَأَنْ لاَ يَنْقُلَهُ مِنْ مَكَانِ الْحِفْظِ مِنْ غَيْرِ إِِذْنِ صَاحِبِهِ إِِلاَّ لِلضَّرُورَةِ كَذَلِكَ.
وَأَنَّ الْوَدِيعَةَ أَمَانَةٌ، فَإِِذَا تَلِفَتْ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ أَوْ تَعَدٍّ مِنَ الْمُودَعِ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ضَمَانٌ، لِقَوْلِهِ ﷺ: لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ ضَمَانٌ (17) .
وَلأَِنَّ الْمُسْتَوْدَعَ إِِنَّمَا يَحْفَظُهَا لِصَاحِبِهَا مُتَبَرِّعًا مِنْ غَيْرِ نَفْعٍ يَرْجِعُ عَلَيْهِ، فَلَوْ لَزِمَهُ الضَّمَانُ لاَمْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ قَبُول الْوَدَائِعِ، وَذَلِكَ مُضِرٌّ لِحَاجَةِ النَّاسِ إِِلَيْهَا، فَإِِنَّهُ يَتَعَذَّرُ عَلَى جَمِيعِهِمْ حِفْظُ أَمْوَالِهِمْ بِأَنْفُسِهِمْ، فَأَمَّا إِِذَا تَلِفَتِ الْوَدِيعَةُ بِتَفْرِيطٍ أَوْ تَعَدٍّ مِنَ الْمُودَعِ فَعَلَيْهِ الضَّمَانُ (18) .
وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحَيْ: (وَدِيعَةٌ وَضَمَانٌ) .
__________
(1) لسان العرب والمصباح المنير مادة " حفظ ".
(2) القوانين الفقهية ص 64، المجموع للإمام النووي 3 / 330، 4 / 95، مغني المحتاج 1 / 156، بداية المجتهد 1 / 110، الفروع 1 / 418، الإنصاف 2 / 54، الشرح الصغير 1 / 309، تحفة المحتاج 2 / 43، وروضة الطالبين 1 / 244.
(3) الدسوقي 1 / 337.
(4) البدائع 1 / 110، حاشية ابن عابدين 1 / 360، المغني لابن قدامة 1 / 476.
(5) حديث: تقديم النبي ﷺ لأبي بكر. أخرجه البخاري (الفتح 2 / 173 ط السلفية) من حديث عائشة.
(6) البدائع 1 / 157، الطحطاوي على مراقي الفلاح 163، الاختيار 1 / 57، القوانين الفقهية ص 73، مغني المحتاج 1 / 242، المهذب 1 / 105، المغني لابن قدامة 2 / 181، المجموع للإمام النووي 4 / 279.
(7) حديث: " يؤم القوم أقرؤهم ". أخرجه مسلم (1 / 465 ط الحلبي) من حديث أبي مسعود البدري.
(8) حديث: " إذا كانوا ثلاثة فليؤمهم أحدهم ". أخرجه مسلم (1 / 464 ط الحلبي) من حديث أبي سعيد الخدري.
(9) حديث: " ليؤمكم أكثركم قرآنا ". . أخرجه البخاري (الفتح 8 / 22 ط السلفية) من حديث عمرو بن سلمة.
(10) مغني المحتاج 3 / 61، تحفة المحتاج 7 / 54، الفروع 4 / 617، الإنصاف 7 / 94.
(11) سورة النساء / 24.
(12) حديث: " أملكناكها بما معك من القرآن ". أخرجه البخاري (الفتح 9 / 175 ط السلفية) ومسلم (3 / 1041 ط الحلبي) من حديث سهل بن سعد.
(13) سورة التوبة / 6.
(14) حديث: " لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو ". أخرجه البخاري (الفتح 8 / 133 ط السلفية) ومسلم (3 / 1490، 1491 ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر، واللفظ لمسلم.
(15) القوانين الفقهية ص 206، مغني المحتاج 3 / 238، تحفة المحتاج 7 / 410، المغني لابن قدامة 6 / 686.
(16) حاشية ابن عابدين 1 / 361، والأم للإمام الشافعي 1 / 130، الفروع للإمام ابن مفلح 1 / 37، كشاف القناع 3 / 34، مغني المحتاج 1 / 38، 3 / 344.
(17) حديث: " ليس على المستودع ضمان ". أخرجه الدارقطني (3 / 41 ط دار المحاسن) من حديث عبد الله بن عمرو، وقال ابن حجر في التلخيص (3 / 97 ط شركة الطباعة الفنية) : " في إسناده ضعيفان ".
(18) حاشية ابن عابدين 4 / 493، القوانين الفقهية ص 379، مغني المحتاج 3 / 79، المغني لابن قدامة 6 / 383.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 322/ 17