العلي
كلمة العليّ في اللغة هي صفة مشبهة من العلوّ، والصفة المشبهة تدل...
إخبار عن محاسن المحمود مع حبّه وإجلاله وتعظيمه . والفرق بين الحمد والشكر؛ أن الحمد يتضمن المدح، والثناء على المحمود بذكر محاسنه الذاتية والفعلية، والشكر يكون على إنعامه . والحمد يكون بالقلب واللسان، والشكر يكون بالقلب واللسان والجوارح . قال تعالى : ﭽﭖﭗﭘﭙﭼ الفاتحة : ٢
الحَمْدُ: المَدْحُ والثَّناءُ، تَقولُ: حَمِدْتُ الرَّجُلَ على شَجاعَتِهِ، أَحْمَدُهُ، حَمْداً ومَحْمَدَةً، أيْ: مَدَحْتُهُ وأَثْنَيْتُ عليه. والتَّحْمِيدُ: كَثْرَةُ الحَمْدِ وتَكْرارُهُ، وضِدُّه: الذَّمُّ. ويأْتي بِمعنى الشُّكْرِ، يُقال: فُلانٌ حامِدٌ لِرَبِّهِ، أيْ: شاكِرٌ لَهُ. والحَمْدُ أيضاً: الرِّضا، يُقَال: حَمِدْتُ فِعْلَهُ، أيْ: رَضِيتُهُ وقَبِلْتُ بِهِ. ومِنْ مَعَانِيه: الجَزاءُ، وقَضاءُ الحَقِّ.
يَرِد مُصْطلَح (حَمْد) في عَدَدٍ مِن كُتُبِ الفقه وأبوابِهِ، ومن ذلك: كتاب الصَّلاةِ، باب: صِفة الصَّلاةِ، عند الكلام على دُعاءِ الاسْتِفْتاحِ، وباب: واجِبات الصَّلاةِ ومَنْدُوباتها، وفي باب: صلاة الجُمُعَةِ، وباب: صلاة العيدين، وباب: صلاة الكسوف، عند الكلام على حُكْمِ الحَمْدِ في الخُطبَةِ. ويرِد أيضاً في كتاب الحَجِّ، وكتاب النِّكَاحِ، وكتاب الحَظْرِ والإباحَةِ، والجامع في الآداب، باب: الأذكار والأدعِيّة، وباب: آداب الأكل، واللِّباس، وغير ذلك. ويُطَلق أيضاً ويُراد به: قَوْلُ:" الحَمْدُ لِلهِ " مع اعِتِقادِ ذلك باطِناً بِالقَلْبِ.
حمد
إخبار عن محاسن المحمود مع حبّه وإجلاله وتعظيمه.
* تـهذيب الأسـماء واللغات : 3/70 - مختار الصحاح : ص 80 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير : 1/149 - القاموس المحيط : 1/278 - معجم اللغة العربية المعاصرة : 1/556 - الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار) : 1/7 - حاشية الدسوقي مع الشرح الكبير : 1/10 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج : 1/477-479 - الشرح الممتع على زاد المستقنع : 1/8 - الموسوعة الفقهية الكويتية : 18/125 - جامع الرسائل : (2/ 57)
* مجموع فتاوى ابن تيمية : (93/ 44)
* طريق الهجرتين وباب السعادتين : (ص: 193) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الْحَمْدُ لُغَةً: نَقِيضُ الذَّمِّ، وَمِنْهُ الْمَحْمَدَةُ خِلاَفُ الْمَذَمَّةِ (1) .
وَهُوَ الشُّكْرُ وَالرِّضَا وَالْجَزَاءُ وَقَضَاءُ الْحَقِّ، أَوِ: الثَّنَاءُ الْكَامِل، أَوِ: الثَّنَاءُ بِالْكَلاَمِ أَوْ بِاللِّسَانِ عَلَى جَمِيلٍ اخْتِيَارِيٍّ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ، كَانَ نِعْمَةً كَالْعَطَايَا أَوْ لاَ، كَالْعِبَادَاتِ، أَوْ هُوَ: الثَّنَاءُ عَلَى الْمَحْمُودِ بِجَمَال صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ (2) .
قَال الْجُرْجَانِيُّ: الْحَمْدُ هُوَ الثَّنَاءُ عَلَى الْجَمِيل مِنْ جِهَةِ التَّعْظِيمِ مِنْ نِعْمَةٍ وَغَيْرِهَا
وَقَسَّمَهُ - كَمَا فَعَل أَبُو الْبَقَاءِ وَغَيْرُهُ - خَمْسَةَ أَقْسَامٍ.
1 - الْحَمْدُ اللُّغَوِيُّ: وَهُوَ الْوَصْفُ بِالْجَمِيل عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ وَالتَّبْجِيل بِاللِّسَانِ وَحْدَهُ.
2 - الْحَمْدُ الْعُرْفِيُّ: وَهُوَ فِعْلٌ يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِ الْمُنْعِمِ بِسَبَبِ كَوْنِهِ مُنْعِمًا، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِعْل اللِّسَانِ أَوِ الأَْرْكَانِ أَوِ الْجَنَانِ.
3 - الْحَمْدُ الْقَوْلِيُّ: وَهُوَ حَمْدُ اللِّسَانِ وَثَنَاؤُهُ عَلَى الْحَقِّ بِمَا أَثْنَى بِهِ عَلَى نَفْسِهِ عَلَى لِسَانِ أَنْبِيَائِهِ.
4 - الْحَمْدُ الْفِعْلِيُّ: وَهُوَ الإِْتْيَانُ بِالأَْعْمَال الْبَدَنِيَّةِ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى.
5 - الْحَمْدُ الْحَالِيُّ: وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ بِحَسَبِ الرُّوحِ وَالْقَلْبِ، كَالاِتِّصَافِ بِالْكِمَالاَتِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ وَالتَّخَلُّقِ بِالأَْخْلاَقِ الإِْلَهِيَّةِ (3) .
2 - وَالْحَمْدُ عَلَى الإِْطْلاَقِ يَكُونُ لِلَّهِ تَعَالَى فَهُوَ سُبْحَانَهُ يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ بِأَجْمَعِهِ، إِذْ لَهُ الأَْسْمَاءُ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتُ الْعُلاَ، وَلاَ يَجُوزُ الْحَمْدُ عَلَى الإِْطْلاَقِ إِلاَّ لِلَّهِ تَعَالَى، لأَِنَّ كُل إِحْسَانٍ هُوَ مِنْهُ فِي الْفِعْل أَوِ التَّسَبُّبِ (4) .
وَحَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى عِبَارَةٌ عَنْ تَعْرِيفِهِ وَتَوْصِيفِهِ بِنُعُوتِ جَلاَلِهِ وَصِفَاتِ جَمَالِهِ وَسِمَاتِ كَمَالِهِ الْجَامِعِ لَهَا، سَوَاءٌ كَانَ بِالْحَال أَوْ بِالْمَقَال، وَهُوَ مَعْنًى يَعُمُّ الثَّنَاءَ بِأَسْمَائِهِ فَهِيَ جَلِيلَةٌ، وَالشُّكْرَ عَلَى نَعْمَائِهِ فَهِيَ جَزِيلَةٌ، وَالرِّضَا بِأَقْضِيَتِهِ فَهِيَ حَمِيدَةٌ، وَالْمَدْحَ بِأَفْعَالِهِ فَهِيَ جَمِيلَةٌ (5) . وَالتَّحْمِيدُ: حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، أَوْ كَمَا قَال الأَْزْهَرِيُّ: كَثْرَةُ حَمْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِالْمَحَامِدِ الْحَسَنَةِ، وَالتَّحْمِيدُ أَبْلَغُ مِنَ الْحَمْدِ (6) .
3 - وَالْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي وَرَدَ فِي حَدِيثِ: اللَّهُمَّ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا (7) " هُوَ الْمَقَامُ الَّذِي يَحْمَدُهُ فِيهِ جَمِيعُ الْخَلْقِ لِشَفَاعَتِهِ لِتَعْجِيل الْحِسَابِ وَالإِْرَاحَةِ مِنْ طُول الْوُقُوفِ.
وَلِوَاءُ الْحَمْدِ الَّذِي وَرَدَ فِي حَدِيثِ: إِنِّي لأََوَّل النَّاسِ تَنْشَقُّ الأَْرْضُ عَنْ جُمْجُمَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، وَأُعْطَى لِوَاءَ الْحَمْدِ وَلاَ فَخْرَ (8) الْمُرَادُ بِهِ انْفِرَادُهُ ﷺ بِالْحَمْدِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلْقِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَشُهْرَتُهُ بِهِ، وَالْعَرَبُ تَضَعُ اللِّوَاءَ فِي مَوْضِعِ الشُّهْرَةِ، وَقَال الطِّيبِيُّ: وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُونَ لِحَمْدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِوَاءٌ حَقِيقَةً يُسَمَّى لِوَاءَ الْحَمْدِ (9) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَوِ الْعُرْفِيِّ (10) . الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
الثَّنَاءُ:
4 - هُوَ مَا يُوصَفُ بِهِ الإِْنْسَانُ مِنْ مَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ، وَخَصَّ بَعْضُهُمْ بِهِ الْمَدْحَ، وَقَال الْفَيْرُوزَآبَادِي: هُوَ وَصْفٌ بِمَدْحٍ أَوْ ذَمٍّ، أَوْ خَاصٌّ بِالْمَدْحِ، وَقَال أَبُو الْبَقَاءِ: هُوَ الْكَلاَمُ الْجَمِيل، وَقِيل: هُوَ الذِّكْرُ بِالْخَيْرِ، وَقِيل. يُسْتَعْمَل فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ عَلَى سَبِيل الْحَقِيقَةِ، وَهُوَ فِي عُرْفِ الْجُمْهُورِ حَقِيقَةٌ فِي الْخَيْرِ وَمَجَازٌ فِي الشَّرِّ. وَقِيل: هُوَ الإِْتْيَانُ بِمَا يُشْعِرُ التَّعْظِيمَ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ كَانَ بِاللِّسَانِ أَوْ بِالْجَنَانِ أَوْ بِالأَْرْكَانِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ فِي مُقَابَلَةِ شَيْءٍ أَمْ لاَ فَيَشْمَل الْحَمْدَ وَالشُّكْرَ وَالْمَدْحَ وَهُوَ الْمَشْهُورُ بَيْنَ الْجُمْهُورِ (11) .
الشُّكْرُ:
5 - هُوَ فِي اللُّغَةِ: عِرْفَانُ الإِْحْسَانِ وَنَشْرُهُ، أَوْ هُوَ: الاِعْتِرَافُ بِالنِّعْمَةِ عَلَى جِهَةِ التَّعْظِيمِ لِلْمُنْعِمِ، أَوْ هُوَ: الثَّنَاءُ عَلَى الْمُحْسِنِ بِمَا قَدَّمَ مِنَ الْمَعْرُوفِ، أَوْ هُوَ: الاِعْتِرَافُ بِالنِّعْمَةِ وَفِعْل مَا يَجِبُ لَهَا، يُقَال: شَكَرْتُ لِلَّهِ أَيِ اعْتَرَفْتُ بِنِعْمَتِهِ وَفَعَلْتُ مَا يَجِبُ مِنَ الطَّاعَةِ وَتَرْكِ الْمَعْصِيَةِ، أَوْ هُوَ: مُقَابَلَةُ النِّعْمَةِ بِالْقَوْل وَالْفِعْل وَالنِّيَّةِ، فَيُثْنِي عَلَى الْمُنْعِمِ بِلِسَانِهِ، وَيُنِيبُ نَفْسَهُ فِي طَاعَتِهِ، وَيَعْتَقِدُ أَنَّهُ مُوَلِّيهَا (12) .
وَلاَ يَخْرُجُ الْمَعْنَى الاِصْطِلاَحِيُّ عَنْ ذَلِكَ (13) .
وَاخْتُلِفَ فِي الصِّلَةِ بَيْنَ الشُّكْرِ وَالْحَمْدِ، فَقِيل: إِنَّهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ، وَقِيل: إِنَّ الشُّكْرَ أَعَمُّ مِنَ الْحَمْدِ، لأَِنَّهُ بِاللِّسَانِ وَبِالْجَوَارِحِ وَبِالْقَلْبِ، وَالْحَمْدُ إِنَّمَا يَكُونُ بِاللِّسَانِ خَاصَّةً، وَقِيل: الْحَمْدُ أَعَمُّ. قَال الْقُرْطُبِيُّ: الصَّحِيحُ أَنَّ الْحَمْدَ ثَنَاءٌ عَلَى الْمَمْدُوحِ بِصِفَاتِهِ مِنْ غَيْرِ سَبْقِ إِحْسَانٍ، وَالشُّكْرُ ثَنَاءٌ عَلَى الْمَشْكُورِ بِمَا أَوْلَى مِنَ الإِْحْسَانِ، وَعَلَى هَذَا الْحَدِّ قَال عُلَمَاؤُنَا: الْحَمْدُ أَعَمُّ مِنَ الشُّكْرِ (14) .
الْمَدْحُ:
6 - هُوَ فِي اللُّغَةِ: الثَّنَاءُ الْحَسَنُ، أَوِ الثَّنَاءُ عَلَى الْمَمْدُوحِ بِمَا فِيهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ خِلْقِيَّةً كَانَتْ أَوِ اخْتِيَارِيَّةً (15) .
وَفِي الاِصْطِلاَحِ: هُوَ الثَّنَاءُ بِاللِّسَانِ عَلَى الْجَمِيل الاِخْتِيَارِيِّ قَصْدًا (16) .
قَال الرَّاغِبُ: " وَالْحَمْدُ أَخَصُّ مِنَ الْمَدْحِ وَأَعَمُّ مِنَ الشُّكْرِ، فَإِنَّ الْمَدْحَ يُقَال فِيمَا يَكُونُ مِنَ الإِْنْسَانِ بِاخْتِيَارِهِ، وَمِمَّا يُقَال مِنْهُ وَفِيهِ بِالتَّسْخِيرِ فَقَدْ يُمْدَحُ الإِْنْسَانُ بِطُول قَامَةٍ وَصَبَاحَةِ وَجْهِهِ كَمَا يُمْدَحُ بِبَذْل مَالِهِ وَسَخَائِهِ وَعِلْمِهِ. وَالْحَمْدُ يَكُونُ فِي الثَّانِي دُونَ الأَْوَّل، وَالشُّكْرُ لاَ يُقَال إِلاَّ فِي مُقَابَلَةِ نِعْمَةٍ. فَكُل شُكْرٍ حَمْدٌ، وَلَيْسَ كُل حَمْدٍ شُكْرًا، وَكُل حَمْدٍ مَدْحٌ وَلَيْسَ كُل مَدْحٍ حَمْدًا ". (17)
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
7 - الْحَمْدُ يَكُونُ لِلَّهِ ﷿، وَهُوَ كُلُّهُ وَبِإِطْلاَقٍ لَهُ سُبْحَانَهُ، لأَِنَّهُ تَعَالَى الْمُسْتَحِقُّ لِلْحَمْدِ ذَاتًا وَصِفَاتٍ وَلاَ شَيْءَ مِنْهُ لِغَيْرِهِ فِي الْحَقِيقَةِ.
وَقَدْ يَحْمَدُ الإِْنْسَانُ نَفْسَهُ فَيُثْنِي عَلَيْهَا وَيُزَكِّيهَا، وَقَدْ يَحْمَدُ غَيْرَهُ فَيُثْنِي عَلَيْهِ وَيَمْدَحُهُ.
حَمْدُ الإِْنْسَانِ نَفْسَهُ:
8 - نَهَى اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَحْمَدَ الإِْنْسَانُ نَفْسَهُ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (18) وَقَوْلِهِ ﷿: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَل اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} (19) وَقَال النَّبِيُّ ﷺ: لاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ، اللَّهُ أَعْلَمُ بِأَهْل الْبِرِّ مِنْكُمْ (20) . لَكِنْ إِنِ احْتَاجَ الإِْنْسَانُ إِلَى بَيَانِ فَضْلِهِ وَالتَّعْرِيفِ بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْقُدُرَاتِ فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ (21) . كَمَا قَال يُوسُفُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: {اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَْرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} (22) .
وَانْظُرْ مُصْطَلَحَ (مَدْحٌ - تَزْكِيَةٌ) .
حَمْدُ الإِْنْسَانِ غَيْرَهُ:
حَمْدُ الإِْنْسَانِ غَيْرَهُ وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ وَمَدْحُهُ إِيَّاهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ، وَبِخَاصَّةٍ إِذَا كَانَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، فَفِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ رَجُلاً ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَأَثْنَى عَلَيْهِ رَجُلٌ خَيْرًا، فَقَال النَّبِيُّ ﷺ: وَيْحَكَ قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ - يَقُولُهُ مِرَارًا - إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ مَادِحًا أَخَاهُ لاَ مَحَالَةَ فَلْيَقُل: أَحْسَبُ فُلاَنًا كَذَا وَكَذَا إِنْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ كَذَلِكَ، وَلاَ أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا. (23)
وَلِلتَّفْصِيل يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ (مَدْحٌ) . حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى:
9 - حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى مَطْلُوبٌ شَرَعَا، وَرَدَ بِذَلِكَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَمِنْهُ قَوْل اللَّهِ تَعَالَى: لِلنَّبِيِّ ﷺ: {قُل الْحَمْدُ لِلَّهِ} (24) وَقَوْلُهُ ﷺ: كُل أَمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ فَهُوَ أَقْطَعُ. (25)
وَقَدْ حَمِدَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ وَافْتَتَحَ كِتَابَهُ بِحَمْدِهِ فَقَال ﷿: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (26) .
وَحُكْمُ حَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ مَوَاطِنِهِ عَلَى النَّحْوِ التَّالِي:
أَوَّلاً: الاِبْتِدَاءُ بِالْحَمْدِ:
10 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ الاِبْتِدَاءَ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الأُْمُورِ الْمُهِمَّةِ مَنْدُوبٌ (27) اقْتِدَاءً بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَمَلاً بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: كُل أَمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَقْطَعُ فَيُسْتَحَبُّ الْبُدَاءَةُ بِالْحَمْدِ لِكُل مُصَنِّفٍ، وَدَارِسٍ، وَمُدَرِّسٍ، وَخَطِيبٍ، وَخَاطِبٍ، وَبَيْنَ يَدَيْ سَائِرِ الأُْمُورِ الْمُهِمَّةِ، قَال الشَّافِعِيُّ: أُحِبُّ أَنْ يُقَدِّمَ الْمَرْءُ بَيْنَ يَدَيْ خُطْبَتِهِ وَكُل أَمْرٍ طَلَبَهُ حَمْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءَ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالصَّلاَةَ عَلَى رَسُولِهِ ﷺ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: الْحَمْدَلَةُ تَجِبُ فِي الصَّلاَةِ، وَتُسَنُّ فِي الْخُطَبِ، وَقَبْل الدُّعَاءِ، وَبَعْدَ الأَْكْل، وَتُبَاحُ بِلاَ سَبَبٍ، وَتُكْرَهُ فِي الأَْمَاكِنِ الْمُسْتَقْذَرَةِ، وَتَحْرُمُ بَعْدَ أَكْل الْحَرَامِ.
وَفِي فَتْحِ الْبَارِي أَنَّ الْبَسْمَلَةَ لِلْكُتُبِ وَالْوَثَائِقِ وَالرَّسَائِل، كَمَا فِي كُتُبِ النَّبِيِّ ﷺ إِلَى الْمُلُوكِ وَمَا كَتَبَهُ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ، وَأَنَّ الْحَمْدَ لِلْخُطَبِ (28) .
ثَانِيًا: الْحَمْدُ فِي دُعَاءِ الاِسْتِفْتَاحِ:
11 - وَرَدَ الْحَمْدُ فِي دُعَاءِ الاِسْتِفْتَاحِ الَّذِي جَاءَتْ فِيهِ - كَمَا قَال النَّوَوِيُّ - أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ يَقْتَضِي مَجْمُوعُهَا أَنْ يَقُول الْمُصَلِّي فِي اسْتِفْتَاحِ الصَّلاَةِ: اللَّهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ كَثِيرًا، وَسُبْحَانَ اللَّهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. إِلَخْ " (29) وَكُل هَذَا ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحِ عَنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ.
وَقَال الْبَيْهَقِيُّ: أَصَحُّ مَا رُوِيَ فِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَنَّهُ كَبَّرَ ثُمَّ قَال: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ، تَبَارَكَ اسْمُكَ، وَتَعَالَى جَدُّكَ، وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا بِأَسَانِيدَ ضَعِيفَةٍ (30) .
وَتَفْصِيل الْمَأْثُورِ فِي دُعَاءِ الاِسْتِفْتَاحِ، وَحُكْمُهُ، وَمَوْضِعِهِ مِنَ الصَّلَوَاتِ يُنْظَرُ فِي " اسْتِفْتَاحٌ " (31) " وَتَحْمِيدٌ " (32)
ثَالِثًا: قِرَاءَةُ سُورَةِ الْحَمْدُ فِي الصَّلاَةِ:
12 - سُورَةُ الْحَمْدُ - كَمَا تَقَدَّمَ - هِيَ سُورَةُ الْفَاتِحَةِ، وَقَدْ ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ قِرَاءَتَهَا فِي الصَّلاَةِ فَرْضٌ، وَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: لاَ تَتَعَيَّنُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ بَل تُسْتَحَبُّ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ تَجِبُ وَلَوْ قَرَأَ غَيْرَهَا مِنَ الْقُرْآنِ أَجْزَأَهُ (33) . وَفِي الْمَسْأَلَةِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي " صَلاَةٌ " " وَفَاتِحَةٌ ".
رَابِعًا: الْحَمْدُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ:
13 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الأَْوْلَى أَنْ يَقُول الْمُصَلِّي فِي التَّسْبِيحِ الْمَنْدُوبِ فِي الرُّكُوعِ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، وَفِي السُّجُودِ، سُبْحَانَ رَبِّي الأَْعْلَى وَبِحَمْدِهِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُكْثِرُ أَنْ يَقُول فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي. (34)
وَالأَْفْضَل عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ الاِقْتِصَارُ عَلَى " سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ " فِي الرُّكُوعِ وَعَلَى " سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَْعْلَى " فِي السُّجُودِ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةِ وَبِحَمْدِهِ.
وَلَمْ يَتَعَرَّضِ الْحَنَفِيَّةُ لِزِيَادَةِ لَفْظِ (وَبِحَمْدِهِ) فِي أَيٍّ مِنَ الرُّكُوعِ أَوِ السُّجُودِ. (35)
وَفِي تَفْصِيل مَذَاهِبِ الْفُقَهَاءِ فِي حُكْمِ التَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ يُنْظَرُ مُصْطَلَحُ " تَسْبِيحٌ ".
خَامِسًا: الْحَمْدُ فِي الرَّفْعِ بَعْدَ الرُّكُوعِ:
14 - ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِلَى مَنْ كَانَ إِمَامًا يَقُول فِي الرَّفْعِ بَعْدَ الرُّكُوعِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَلاَ يَقُول رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ.
وَقَال أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يَجْمَعُ بَيْنَ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْل قَوْلِهِمَا.
احْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَال: إِنَّمَا جُعِل الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا، وَإِذَا قَال: وَلاَ الضَّالِّينَ فَقُولُوا: آمِينَ، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا قَال: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ (36) قَسَمَ التَّحْمِيدَ وَالتَّسْمِيعَ بَيْنَ الإِْمَامِ وَالْقَوْمِ فَجَعَل التَّحْمِيدَ لَهُمْ وَالتَّسْمِيعَ لَهُ، وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ إِبْطَال هَذِهِ الْقِسْمَةِ، وَلأَِنَّ إِتْيَانَ الإِْمَامِ بِالْحَمْدِ يُؤَدِّي إِلَى جَعْل التَّابِعِ مَتْبُوعًا تَابِعًا، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ، بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الذِّكْرَ يُقَارِنُ الاِنْتِقَال، فَإِذَا قَال الإِْمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، يَقُول الْمُقْتَدِي مُقَارِنًا لَهُ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، فَلَوْ قَالَهَا الإِْمَامُ بَعْدَ ذَلِكَ لَوَقَعَ قَوْلُهُ بَعْدَ قَوْل الْمُقْتَدِي، فَيَنْقَلِبُ الْمَتْبُوعُ تَابِعًا وَالتَّابِعُ مَتْبُوعًا، وَمُرَاعَاةُ التَّبَعِيَّةِ فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ الصَّلاَةِ وَاجِبَةٌ بِقَدْرِ الإِْمْكَانِ.
وَإِنْ كَانَ الْمُصَلِّي مُقْتَدِيًا يَأْتِي بِالْحَمْدِ لاَ غَيْرَ. وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا عَلَى الْمُعْتَمَدِ مِنْ أَقْوَالٍ ثَلاَثَةٍ مُصَحَّحَةٍ، أَحَدُهَا هَذَا، وَالثَّانِي أَنَّهُ كَالْمُؤْتَمِّ، وَالثَّالِثُ أَنَّهُ كَالإِْمَامِ.
15 - وَاخْتُلِفَ فِي الْمُخْتَارِ مِنْ أَلْفَاظِ الْحَمْدِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ: قَال الْحَصْكَفِيُّ: أَفْضَلُهُ: اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، ثُمَّ حَذْفُ الْوَاوِ، ثُمَّ حَذْفُ اللَّهُمَّ فَقَطْ، وَأَضَافَ ابْنُ عَابِدِينَ: وَبَقِيَ رَابِعَةٌ هِيَ: حَذْفُ اللَّهُمَّ وَالْوَاوِ، ثُمَّ قَال: الأَْرْبَعَةُ فِي الأَْفْضَلِيَّةِ عَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ كَمَا أَفَادَهُ بِالْعَطْفِ بِثُمَّ. (37) قَال الْكَاسَانِيُّ: وَالأَْشْهَرُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ.
16 - وَأَمَّا الْمُقْتَدِي فَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَقُول: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ بَعْدَ قَوْل الإِْمَامِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ. وَالْفَذُّ (الْمُنْفَرِدُ) يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، فَهُوَ مُخَاطَبٌ بِسُنَّةٍ وَمَنْدُوبٍ وَالتَّرْتِيبُ بَيْنَهُمَا مُسْتَحَبٌّ عَلَى الظَّاهِرِ، فَيُسَنُّ لَهُ أَنْ يَقُول: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيُنْدَبُ لَهُ أَنْ يَقُول بَعْدَ ذَلِكَ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. (38) وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا اسْتَوَى قَائِمًا مِنْ رُكُوعِهِ اسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَقُول: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَْرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْل الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَال الْعَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ، قَال الشَّافِعِيُّ وَالأَْصْحَابُ: يَسْتَوِي فِي اسْتِحْبَابِ هَذِهِ الأَْذْكَارِ كُلِّهَا الإِْمَامُ وَالْمَأْمُومُ وَالْمُنْفَرِدُ، يَجْمَعُ كُل وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَيْنَ قَوْلِهِ بِسَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ وَرَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ إِلَى آخِرِهِ. وَالْجَمْعُ بَيْنَ التَّسْمِيعِ وَالتَّحْمِيدِ لِلإِْمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ هُوَ قَوْلٌ لأَِبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، وَاحْتَجَّ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ بِمَا وَرَدَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَال: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ (39) وَغَالِبُ أَحْوَالِهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ هُوَ الإِْمَامُ، وَلأَِنَّ الإِْمَامَ مُنْفَرِدٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، وَالْمُنْفَرِدُ يَجْمَعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الذِّكْرَيْنِ فَكَذَا الإِْمَامُ، وَلأَِنَّ التَّسْمِيعَ تَحْرِيضٌ عَلَى الْحَمْدِ فَلاَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِالْبِرِّ وَيَنْسَى نَفْسَهُ كَيْ لاَ يَدْخُل تَحْتَ قَوْله تَعَالَى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ. .} (40) قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لَكِنَّ الْمُتُونَ عَلَى قَوْل الإِْمَامِ.
وَقَال النَّوَوِيُّ: وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ عِنْدَنَا، لَكِنْ قَال الأَْصْحَابُ: إِنَّمَا يَأْتِي الإِْمَامُ بِهَذَا كُلِّهِ إِذَا رَضِيَ الْمَأْمُومُونَ بِالتَّطْوِيل وَكَانُوا مَحْصُورِينَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ.
قَال الشَّافِعِيُّ وَالأَْصْحَابُ: وَلَوْ قَال: وَلَكَ الْحَمْدُ رَبَّنَا أَجْزَأَهُ، لأَِنَّهُ أَتَى بِاللَّفْظِ وَالْمَعْنَى، وَلَكِنَّ الأَْفْضَل قَوْلُهُ: رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ عَلَى التَّرْتِيبِ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ.
وَقَال صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ: يُسْتَحَبُّ لِلإِْمَامِ أَنْ يَجْهَرَ بِقَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ لِيَسْمَعَ الْمَأْمُومُونَ وَيَعْلَمُوا انْتِقَالَهُ كَمَا يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ، وَيُسِرُّ بِقَوْلِهِ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ لأَِنَّهُ يَفْعَلُهُ فِي الاِعْتِدَال فَيُسِرُّ بِهِ كَالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَيُسِرُّ بِهِمَا كَمَا يُسِرُّ بِالتَّكْبِيرِ، فَإِنْ أَرَادَ تَبْلِيغَ غَيْرِهِ انْتِقَال الإِْمَامِ كَمَا يُبَلِّغُ التَّكْبِيرَ جَهَرَ بِقَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، لأَِنَّهُ الْمَشْرُوعُ فِي حَال الاِرْتِفَاعِ. وَلاَ يَجْهَرُ بِقَوْلِهِ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ، لأَِنَّهُ إِنَّمَا يُشْرَعُ فِي حَال الاِعْتِدَال. (41)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: إِذَا اسْتَتَمَّ الْمُصَلِّي قَائِمًا مِنْ رُكُوعِهِ قَال: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُول: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ الرُّكُوعِ ثُمَّ يَقُول وَهُوَ قَائِمٌ: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ (42) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمَا رَوَى عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ قَال: اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الأَْرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ. (43)
وَنُقِل عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِنْ شَاءَ زَادَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَهُ: أَهْل الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَال الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ (44) رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُولُهُ، أَوْ يَقُول الْمُصَلِّي غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا وَرَدَ.
وَالصَّحِيحُ - عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَقُول كَمَا يَقُول الإِْمَامُ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَال لِبُرَيْدَةَ: إِذَا رَفَعْتَ رَأْسَكَ فِي الرُّكُوعِ فَقُل: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَاءِ وَمِلْءَ الأَْرْضِ وَمِلْءَ مَا شِئْتَ بَعْدُ (45) وَهَذَا عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يَقُول ذَلِكَ وَلَمْ تُفَرِّقِ الرِّوَايَةُ بَيْنَ كَوْنِهِ إِمَامًا وَمُنْفَرِدًا، وَلأَِنَّ مَا شُرِعَ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَالذِّكْرِ فِي حَقِّ الإِْمَامِ شُرِعَ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ، كَسَائِرِ الأَْذْكَارِ.
وَالْمَأْمُومُ يَحْمَدُ - أَيْ يَقُول: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ - فَقَطْ فِي حَال رَفْعِهِ مِنَ الرُّكُوعِ، لِمَا رَوَى أَنَسٌ وَأَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: إِذَا قَال الإِْمَامُ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ. (46)
فَأَمَّا قَوْل مِلْءَ السَّمَاوَاتِ. وَمَا بَعْدَهُ فَلاَ يُسَنُّ لِلْمَأْمُومِ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ اقْتَصَرَ عَلَى أَمْرِهِمْ بِقَوْل: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَدَل عَلَى أَنَّهُ لاَ يُشْرَعُ لَهُمْ سِوَاهُ.
وَلِلْمُصَلِّي - إِمَامًا كَانَ أَوْ مَأْمُومًا أَوْ مُنْفَرِدًا - قَوْل " رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ " بِلاَ وَاوٍ لِوُرُودِ الْخَبَرِ بِذَلِكَ، وَبِالْوَاوِ أَفْضَل لِلاِتِّفَاقِ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ﵃، وَلِكَوْنِهِ أَكْثَرَ حُرُوفًا، وَيَتَضَمَّنُ الْحَمْدَ مُقَدَّرًا وَمُظْهَرًا، فَإِنَّ التَّقْدِيرَ رَبَّنَا حَمِدْنَاكَ وَلَكَ الْحَمْدُ، لأَِنَّ الْوَاوَ لِلْعَطْفِ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي الظَّاهِرِ مَا يُعْطَفُ عَلَيْهِ دَل عَلَى أَنَّ فِي الْكَلاَمِ مُقَدَّرًا.
وَإِنْ شَاءَ الْمُصَلِّي قَال: " اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ " بِلاَ وَاوٍ، وَهُوَ أَفْضَل مِنْهُ مَعَ الْوَاوِ وَإِنْ شَاءَ قَالَهُ بِوَاوٍ. وَذَلِكَ بِحَسَبِ الرِّوَايَاتِ صِحَّةً وَكَثْرَةً وَضِدِّهِمَا.
وَإِذَا رَفَعَ الْمُصَلِّي رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ فَعَطَسَ فَقَال: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، يَنْوِي بِذَلِكَ لِمَا عَطَسَ وَلِلرَّفْعِ، فَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ، لأَِنَّهُ لَمْ يُخْلِصْهُ لِلرَّفْعِ مِنَ الرُّكُوعِ. وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا يُجْزِئُهُ، لأَِنَّهُ ذِكْرٌ لاَ تُعْتَبَرُ لَهُ النِّيَّةُ وَقَدْ أَتَى بِهِ فَأَجْزَأَهُ، كَمَا لَوْ قَالَهُ ذَاهِلاً وَقَلْبُهُ غَيْرُ حَاضِرٍ، وَقَوْل أَحْمَدَ يُحْمَل عَلَى الاِسْتِحْبَابِ لاَ عَلَى نَفْيِ الإِْجْزَاءِ حَقِيقَةً.
وَيُسَنُّ جَهْرُ الإِْمَامِ بِالتَّسْمِيعِ لِيَحْمَدَ الْمَأْمُومُ عَقِبَهُ، وَلاَ يُسَنُّ جَهْرُ الإِْمَامِ بِالتَّحْمِيدِ، لأَِنَّهُ لاَ يَعْقُبُهُ مِنَ الْمَأْمُومِ شَيْءٌ فَلاَ فَائِدَةَ فِي الْجَهْرِ بِهِ. (47)
ر: مُصْطَلَحَ " تَحْمِيدٌ ". سَادِسًا: الْحَمْدُ بَعْدَ الصَّلاَةِ:
17 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ الْحَمْدِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، وَجَاءَتْ فِيهِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ مِنْهَا: مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ كَانَ إِذَا فَرَغَ مِنَ الصَّلاَةِ وَسَلَّمَ قَال: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ، اللَّهُمَّ لاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ (48) وَمَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ وَغَيْرُهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: أَنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ أَتَوْا رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَالُوا: ذَهَبَ أَصْحَابُ الدُّثُورِ (49) بِالدَّرَجَاتِ الْعُلَى وَالنَّعِيمِ الْمُقِيمِ، يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ، وَلَهُمْ فَضْلٌ مِنْ أَمْوَالٍ يَحُجُّونَ بِهَا وَيَعْتَمِرُونَ وَيُجَاهِدُونَ وَيَتَصَدَّقُونَ، قَال ﷺ: أَلاَ أُعَلِّمُكُمْ شَيْئًا تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ، وَلاَ يَكُونُ أَحَدٌ أَفْضَل مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مَا صَنَعْتُمْ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُول اللَّهِ، قَال: تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُل صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ. (50) وَتَفْصِيل هَذَا فِي مُصْطَلَحِ " تَحْمِيدٌ " (51)
سَابِعًا: الْحَمْدُ فِي الْخُطَبِ الْمَشْرُوعَةِ:
18 - الْحَمْدُ مَطْلُوبٌ فِي الْخُطَبِ الْمَشْرُوعَةِ، وَهِيَ عَشْرٌ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرُ، عَلَى تَفْصِيلٍ يُذْكَرُ فِي مَوْطِنِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ:
أ - الْحَمْدُ فِي خُطْبَتَيِ الْجُمُعَةِ:
19 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ لَفْظَ الْحَمْدِ لاَ يُشْتَرَطُ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ، فَلَوْ ذَكَرَ الْخَطِيبُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ بِقَوْلِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ جَازَ عِنْدَهُ فِي أَرْكَانِ الْخُطْبَةِ، أَمَّا إِذَا قَال ذَلِكَ لِعُطَاسٍ أَوْ تَعَجُّبٍ فَلاَ يَجُوزُ، وَاسْتَدَل بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (52) مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ، فَكَانَ الشَّرْطُ الذِّكْرَ الأَْعَمِّ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحَمْدَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ مَنْدُوبٌ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ: مِنْ أَرْكَانِ خُطْبَتَيِ الْجُمُعَةِ حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى لِلاِتِّبَاعِ، رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: كَانَتْ خُطْبَةُ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَحْمَدُ اللَّهَ وَيُثْنِي عَلَيْهِ. (53) الْحَدِيثَ، وَلَفْظُ الْحَمْدِ مُتَعَيِّنٌ لِلتَّعَبُّدِ بِهِ، فَلاَ يَكْفِي نَحْوُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَلاَ نَحْوُ: الشُّكْرُ لِلَّهِ، وَلاَ غَيْرُ لَفْظِ (اللَّهُ) كَالرَّحْمَنِ، وَيَكْفِي مَصْدَرُ الْحَمْدِ وَمَا اشْتُقَّ مِنْهُ وَإِنْ تَأَخَّرَ كَـ (لِلَّهِ الْحَمْدُ) . (54)
وَالتَّفْصِيل فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ.
ب - الْحَمْدُ فِي خُطْبَتَيِ الْعِيدَيْنِ:
20 - خُطْبَتَا الْعِيدَيْنِ كَخُطْبَتَيِ الْجُمُعَةِ، لَكِنَّهُمَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فِي الْعِيدَيْنِ، وَيَبْدَأُ فِيهِمَا بِالتَّكْبِيرِ، وَحُكْمُ الْحَمْدِ فِيهِمَا كَحُكْمِهِ فِي خُطْبَتَيِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْخِلاَفِ وَالتَّفْصِيل السَّابِقَيْنِ. (55) وَتَفْصِيلُهُ فِي صَلاَةِ الْعِيدِ.
ج - الْحَمْدُ فِي خُطْبَتَيْ الاِسْتِسْقَاءِ:
21 - اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِي خُطْبَتَيْ الاِسْتِسْقَاءِ، فَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إِلَى أَنَّهُ لاَ خُطْبَةَ فِي الاِسْتِسْقَاءِ، وَذَهَبَ أَبُو يُوسُفَ إِلَى أَنَّ فِيهِ خُطْبَتَيْنِ، وَذَهَبَ مُحَمَّدٌ إِلَى أَنَّ فِيهِ خُطْبَةً وَاحِدَةً.
وَعِنْدَهُمَا أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالتَّحْمِيدِ فِي الْخُطْبَةِ. وَالْحَمْدُ فِي خُطْبَتَيْ الاِسْتِسْقَاءِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ كَالْحَمْدِ فِي خُطْبَتَيِ الْعِيدِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنَّ الْحَمْدَ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ خُطْبَتَيْ الاِسْتِسْقَاءِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الْخُطْبَةِ لِلاِسْتِسْقَاءِ وَفِي وَقْتِهَا، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ فِي صَلاَةِ الاِسْتِسْقَاءِ خُطْبَةً وَاحِدَةً بَعْدَ الصَّلاَةِ كَالْعِيدَيْنِ لِقَوْل ابْنِ عَبَّاسٍ فِي وَصْفِ صَلاَةِ الاِسْتِسْقَاءِ: صَلَّى رَسُول اللَّهِ ﷺ رَكْعَتَيْنِ كَمَا كَانَ يُصَلِّي فِي الْعِيدِ. (56)
وَعَلَى ذَلِكَ يَكُونُ الْحَمْدُ فِي خُطْبَةِ الاِسْتِسْقَاءِ عِنْدَهُمْ كَالْحَمْدِ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ. (57)
وَالتَّفْصِيل فِي اسْتِسْقَاءٌ.
د - الْحَمْدُ فِي خُطْبَتَيِ الْكُسُوفِ:
22 - خُطْبَةُ الْكُسُوفِ مُسْتَحَبَّةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَمْدُ فِيهَا رُكْنٌ عِنْدَهُمْ لِفِعْلِهِ ﷺ خِلاَفًا لِجُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: إِنَّهُ لاَ خُطْبَةَ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ، وَلاَ فِي خُسُوفِ الْقَمَرِ بَل صَلاَةٌ وَدُعَاءٌ وَتَكْبِيرٌ وَصَدَقَةٌ. كَمَا وَرَدَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا: إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، لاَ يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَادْعُوا اللَّهَ، وَكَبِّرُوا، وَصَلُّوا، وَتَصَدَّقُوا. (58)
هـ - الْحَمْدُ فِي خُطَبِ النِّكَاحِ:
23 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى نَدْبِ الْحَمْدِ فِي خُطَبِ النِّكَاحِ (عِنْدَ الْتِمَاسِ الْخُطْبَةِ، وَعِنْدَ الإِْجَابَةِ إِلَيْهَا، وَعِنْدَ الإِْيجَابِ فِي عَقْدِ النِّكَاحِ، وَعِنْدَ الْقَبُول فِيهِ) (59) لِحَدِيثِ: كُل أَمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُبْدَأُ فِيهِ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ أَقْطَعُ (60) وَخَصَّ بَعْضُهُمْ لِخُطْبَةِ النِّكَاحِ لَفْظَ خُطْبَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي فِيهِ: إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ. (61)
و الْحَمْدُ فِي خُطَبِ الْحَجِّ:
24 - اتَّفَقَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ عَلَى نَدْبِ الْحَمْدِ فِي خُطَبِ الْحَجِّ (وَهِيَ: يَوْمُ السَّابِعِ بِمَكَّةَ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ الْعِيدِ بِمِنًى، وَثَانِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِمِنًى) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْحَمْدَ فِي هَذِهِ الْخُطَبِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِهَا يَأْتِي بِهِ الْخَطِيبُ وُجُوبًا. (62)
ثَامِنًا: الْحَمْدُ فِي بَدْءِ الدُّعَاءِ وَخَتْمِهِ:
25 - قَال النَّوَوِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى اسْتِحْبَابِ ابْتِدَاءِ الدُّعَاءِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ الصَّلاَةِ عَلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ، وَكَذَلِكَ يَخْتِمُ الدُّعَاءَ بِهِمَا، وَالآْثَارُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ مَعْرُوفَةٌ، مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: سَمِعَ رَسُول اللَّهِ ﷺ رَجُلاً يَدْعُو فِي صَلاَتِهِ لَمْ يُمَجِّدِ اللَّهَ تَعَالَى وَلَمْ يُصَل عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: عَجَّل هَذَا ثُمَّ دَعَاهُ فَقَال لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ: إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبِّهِ ﷿ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ثُمَّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شَاءَ. (63) وَقَال الْقُرْطُبِيُّ: يُسْتَحَبُّ لِلدَّاعِي أَنْ يَقُول فِي آخِرِ دُعَائِهِ كَمَا قَال أَهْل الْجَنَّةِ: (64) {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . (65)
تَاسِعًا: الْحَمْدُ عِنْدَ حُصُول نِعْمَةٍ أَوِ انْدِفَاعِ مَكْرُوهٍ:
26 - قَال النَّوَوِيُّ: يُسْتَحَبُّ لِمَنْ تَجَدَّدَتْ لَهُ نِعْمَةٌ ظَاهِرَةٌ، أَوِ انْدَفَعَتْ عَنْهُ نِقْمَةٌ ظَاهِرَةٌ، أَنْ يَسْجُدَ شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى، وَأَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى أَوْ يُثْنِيَ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، وَالأَْحَادِيثُ وَالآْثَارُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ، مِنْهَا مَا رُوِيَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ فِي مَقْتَل عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ﵁ أَنَّ عُمَرَ أَرْسَل ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى عَائِشَةَ ﵄ يَسْتَأْذِنُهَا أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ، فَلَمَّا أَقْبَل عَبْدُ اللَّهِ قَال عُمَرُ: مَا لَدَيْكَ؟ قَال: الَّذِي تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَذِنَتْ، قَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَيْءٍ أَهَمَّ إِلَيَّ مِنْ ذَلِكَ. (66)
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: مَنْ رَأَى مُبْتَلًى فَقَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَافَانِي مِمَّا ابْتَلاَكَ بِهِ وَفَضَّلَنِي عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلاً، لَمْ يُصِبْهُ ذَلِكَ الْبَلاَءُ (67) قَال النَّوَوِيُّ: قَال الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ: يَنْبَغِي أَنْ يَقُول هَذَا الذِّكْرَ (سِرًّا) بِحَيْثُ يُسْمِعُ نَفْسَهُ وَلاَ يَسْمَعُهُ الْمُبْتَلَى لِئَلاَّ يَتَأَلَّمَ قَلْبُهُ بِذَلِكَ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ بَلِيَّتُهُ مَعْصِيَةً فَلاَ بَأْسَ أَنْ يُسْمِعَهُ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْ ذَلِكَ مَفْسَدَةً. (68)
عَاشِرًا: الْحَمْدُ بَعْدَ الْعُطَاسِ:
27 - قَال النَّوَوِيُّ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَاطِسِ أَنْ يَقُول عَقِبَ عُطَاسِهِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ قَال النَّوَوِيُّ: فَلَوْ قَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ كَانَ أَحْسَنَ، وَلَوْ قَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُل حَالٍ كَانَ أَفْضَل. لِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلاً عَطَسَ إِلَى جَنْبِهِ فَقَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَال ابْنُ عُمَرَ: وَأَنَا أَقُول: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالسَّلاَمُ عَلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ وَلَيْسَ هَكَذَا عَلَّمَنَا رَسُول اللَّهِ ﷺ (69) عَلَّمَنَا أَنْ نَقُول: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُل حَالٍ.
وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ سَمِعَهُ أَنْ يُشَمِّتَهُ. وَأَقَل الْحَمْدِ وَالتَّشْمِيتِ وَجَوَابِهِ أَنْ يَرْفَعَ صَوْتَهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ صَاحِبُهُ، وَإِذَا قَال الْعَاطِسُ لَفْظًا آخَرَ غَيْرَ الْحَمْدِ لِلَّهِ لَمْ يَسْتَحِقَّ التَّشْمِيتَ. (70) هَذَا فِي الْعَاطِسِ غَيْرِ الْمُصَلِّي، أَمَّا الْعَاطِسُ أَثْنَاءَ الصَّلاَةِ فَفِي حَمْدِهِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي " تَحْمِيدٌ " " وَتَشْمِيتٌ ".
حَادِي عَشَرَ: الْحَمْدُ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ
28 - الْحَمْدُ عِنْدَ الصَّبَاحِ وَعِنْدَ الْمَسَاءِ مَطْلُوبٌ وَمُرَغَّبٌ فِيهِ شَرْعًا، لِقَوْل اللَّهِ ﷿: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْل طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْل غُرُوبِهَا} (71) وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالإِْبْكَارِ} (72) وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: مَنْ قَال حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مُرَّةٍ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَل مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلاَّ أَحَدٌ قَال مِثْل مَا قَال أَوْ زَادَ عَلَيْهِ (73) رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَقَوْلُهُ ﷺ: مَنْ قَال حِينَ يُصْبِحُ: اللَّهُمَّ مَا أَصْبَحَ بِي مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْكَ وَحْدَكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الشُّكْرُ، فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ يَوْمِهِ، وَمَنْ قَال مِثْل ذَلِكَ حِينَ يُمْسِي فَقَدْ أَدَّى شُكْرَ لَيْلَتِهِ (74) وَقَوْلُهُ ﷺ: مَنْ قَال إِذَا أَصْبَحَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَانَ لَهُ عَدْل رَقَبَةٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيل، وَكُتِبَ لَهُ عَشْرُ حَسَنَاتٍ، وَحُطَّ عَنْهُ عَشْرُ سَيِّئَاتٍ، وَرُفِعَ لَهُ عَشْرُ دَرَجَاتٍ، وَكَانَ فِي حِرْزٍ مِنَ الشَّيْطَانِ حَتَّى يُمْسِيَ، وَإِنْ قَالَهَا إِذَا أَمْسَى كَانَ لَهُ مِثْل ذَلِكَ حَتَّى يُصْبِحَ. (75)
ثَانِي عَشَرَ: الْحَمْدُ عِنْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ
29 - الْحَمْدُ عِنْدَ فَقْدِ الْوَلَدِ مَطْلُوبٌ وَمُرَغَّبٌ فِيهِ شَرْعًا لِمَا وَرَدَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَْشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَال اللَّهُ تَعَالَى لِمَلاَئِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُول: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُول: مَاذَا قَال عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُول اللَّهُ تَعَالَى: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ. (76) ثَالِثَ عَشَرَ: الْحَمْدُ إِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ وَمَا يَكْرَهُ:
30 - إِذَا رَأَى الشَّخْصُ شَيْئًا يُحِبُّهُ أَوْ شَيْئًا يَكْرَهُهُ حَمِدَ (77) بِمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا قَالَتْ: كَانَ رَسُول اللَّهِ ﷺ إِذَا رَأَى مَا يُحِبُّ قَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ وَإِذَا رَأَى مَا يَكْرَهُ قَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى كُل حَالٍ. (78)
رَابِعَ عَشَرَ: الْحَمْدُ إِذَا دَخَل السُّوقَ:
31 - عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: مَنْ دَخَل السُّوقَ فَقَال: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ وَهُوَ عَلَى كُل شَيْءٍ قَدِيرٌ، كَتَبَ اللَّهُ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ حَسَنَةٍ، وَمَحَا عَنْهُ أَلْفَ أَلْفِ سَيِّئَةٍ، وَرَفَعَ لَهُ أَلْفَ أَلْفِ دَرَجَةٍ (79) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرَوَاهُ الْحَاكِمُ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ، وَزَادَ فِيهِ فِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ وَبَنَى لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَفِيهِ مِنَ الزِّيَادَةِ: قَال الرَّاوِي: فَقَدِمْتُ خُرَاسَانَ، فَأَتَيْتُ قُتَيْبَةَ بْنَ مُسْلِمٍ فَقُلْتُ لَهُ: أَتَيْتُكُ بِهَدِيَّةٍ فَحَدَّثْتُهُ بِالْحَدِيثِ فَكَانَ قُتَيْبَةُ يَرْكَبُ فِي مَوْكِبِهِ حَتَّى يَأْتِيَ السُّوقَ فَيَقُولُهَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ. (80)
خَامِسَ عَشَرَ: الْحَمْدُ إِذَا نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ:
32 - يُشْرَعُ لِمَنْ نَظَرَ فِي الْمِرْآةِ أَنْ يَحْمَدَ اللَّهَ تَعَالَى، فَعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا نَظَرَ وَجْهَهُ فِي الْمِرْآةِ قَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ، اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْتَ خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي (81) وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي سَوَّى خَلْقِي فَعَدَلَهُ، وَكَرَّمَ صُورَةَ وَجْهِي. فَحَسَّنَهَا، وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ. (82)
سَادِسَ عَشَرَ: الْحَمْدُ إِذَا رَكِبَ دَابَّتَهُ وَنَحْوَهَا:
33 - حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ رُكُوبِ الدَّابَّةِ وَنَحْوِهَا مَطْلُوبٌ شَرْعًا، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَل لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَْنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَال: شَهِدْتُ عَلِيًّا أُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا، فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَال: بِسْمِ اللَّهِ ثَلاَثًا، فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَال: " الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ قَال: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ} " ثُمَّ قَال: الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَال: اللَّهُ أَكْبَرُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَال: سُبْحَانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ. ثُمَّ ضَحِكَ، فَقِيل: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضَحِكْتَ؟ قَال: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ فَعَل كَمَا فَعَلْتُ ثُمَّ ضَحِكَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُول اللَّهِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ضُحِكْتَ؟ قَال: إِنَّ رَبَّكَ يَعْجَبُ مِنْ عَبْدِهِ إِذَا قَال اغْفِرْ لِي ذُنُوبِي يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ غَيْرِي. (83)
سَابِعَ عَشَرَ: الْحَمْدُ لِمَنْ أَكَل أَوْ شَرِبَ، أَوْ لَبِسَ جَدِيدًا، أَوْ قَامَ مِنَ الْمَجْلِسِ، أَوْ خَرَجَ مِنَ الْخَلاَءِ، أَوِ اسْتَيْقَظَ مِنْ نَوْمِهِ، أَوْ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ، أَوْ سُئِل عَنْ حَالِهِ أَوْ حَال غَيْرِهِ.
34 - الْحَمْدُ مَشْرُوعٌ لِكُل وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ. وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ فِي " تَحْمِيدٌ ".
ثَامِنَ عَشَرَ: فَضْل الْحَمْدِ وَأَفْضَل أَلْفَاظِهِ:
35 - حَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى مَشْرُوعٌ فِي الْمَوَاطِنِ الَّتِي سَبَقَ ذِكْرُهَا، وَمُسْتَحَبٌّ فِي كُل أَمْرٍ ذِي بَالٍ، وَالْحَمْدُ لاَ تَكَادُ تُحْصَى مَوَاطِنُهُ فَهُوَ مَطْلُوبٌ عَلَى كُل حَالٍ وَفِي كُل مَوْطِنٍ. إِلاَّ الْمَوَاطِنَ الَّتِي يُنَزَّهُ الذِّكْرُ عَنْهَا. (84)
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي فَضْل الْحَمْدِ مِنْهَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: إِذَا قَال الْعَبْدُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، قَال: صَدَقَ عَبْدِي، الْحَمْدُ لِي. (85)
وَمِنْهَا مَا رَوَى جَابِرٌ ﵁ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: مَنْ قَال سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ غُرِسَتْ لَهُ نَخْلَةٌ فِي الْجَنَّةِ. (86) وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لَقِيتُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي، فَقَال: يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلاَمَ، وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، (87) وَأَنَّ غَرْسَهَا: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ (88)
وَمِنْهَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: كَلِمَتَانِ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ ثَقِيلَتَانِ فِي الْمِيزَانِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ (89) وَمِنْهَا مَا رَوَى أَبُو مَالِكٍ الأَْشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: الطَّهُورُ شَطْرُ الإِْيمَانِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأَُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآَنِ - أَوْ تَمْلأَُ - مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَْرْضِ. (90)
وَمِنْهَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: لأََنْ أَقُول: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ. (91)
وَمِنْهَا مَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَال: إِنَّ أَحَبَّ الْكَلاَمِ إِلَى اللَّهِ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ. (92)
36 - وَأَحْسَنُ الْعِبَارَاتِ فِي الْحَمْدِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، إِذْ هِيَ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ، وَآخِرُ دَعْوَى أَهْل الْجَنَّةِ، وَهِيَ لِكَوْنِهَا جُمْلَةً اسْمِيَّةً دَالَّةً عَلَى ثُبُوتِ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى وَالدَّوَامِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَهَذَا أَبْلَغُ مِنَ الْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى التَّجَدُّدِ وَالْحُدُوثِ، وَهَذَا مِنْ حِكَمِ افْتِتَاحِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ بِذَلِكَ، أَيِ الإِْشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ الْمَحْمُودُ فِي الأَْزَل وَفِيمَا لاَ يَزَال، وَفِي قَوْلِهِ: رَبِّ الْعَالَمِينَ - أَيْ مُرَبِّيهِمْ بِنِعْمَةِ الإِْيجَادِ ثُمَّ بِنِعْمَةِ التَّنْمِيَةِ وَالإِْمْدَادِ - تَحْرِيضٌ وَحَثٌّ عَلَى الْقِيَامِ بِحَمْدِهِ وَشُكْرِهِ فِي كُل وَقْتٍ وَحِينٍ.
37 - وَمَجَامِعُ الْحَمْدِ: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، قَال النَّوَوِيُّ: قَال الْمُتَأَخِّرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا الْخُرَاسَانِيِّينَ: لَوْ حَلَفَ إِنْسَانٌ لَيَحْمَدَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِمَجَامِعِ الْحَمْدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَال بِأَجَل التَّحَامِيدِ، فَطَرِيقُهُ فِي بِرِّ يَمِينِهِ أَنْ يَقُول: الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ. " وَاحْتَجُّوا لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِحَدِيثٍ مُنْقَطِعٍ وَلِذَلِكَ قَال النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ: لَيْسَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ دَلِيلٌ مُعْتَمَدٌ "
وَفِي التُّحْفَةِ: لَوْ قِيل: يَبَرُّ بِقَوْلِهِ " رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ كَمَا يَنْبَغِي لِجَلاَل وَجْهِكَ وَعَظِيمِ سُلْطَانِكَ " لَكَانَ أَقْرَبَ بَل يَنْبَغِي أَنْ يَتَعَيَّنَ لأَِنَّهُ أَبْلَغُ مَعْنًى وَصَحَّ بِهِ الْخَبَرُ ". (1)
قَالُوا: وَلَوْ حَلَفَ لَيُثْنِيَنَّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَحْسَن الثَّنَاءِ فَطَرِيقُ الْبِرِّ أَنْ يَقُول: لاَ أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْكَ أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ، وَزَادَ بَعْضُهُمْ فِي آخِرِهِ: فَلَكَ الْحَمْدُ حَتَّى تَرْضَى، وَصَوَّرَ أَبُو سَعْدٍ الْمُتَوَلِّي الْمَسْأَلَةَ فِيمَنْ حَلَفَ لَيُثْنِيَنَّ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَجَل الثَّنَاءِ وَأَعْظَمِهِ. (2)
__________
(1) لسان العرب مادة " حمد "، تهذيب الأسماء واللغات 3 / 70، تفسير القرطبي 1 / 133.
(2) القاموس المحيط: 1 / 229، والكليات 2 / 194، وتفسير القرطبي 1 / 133، وابن عابدين 1 / 5، والشرح الكبير والدسوقي عليه 1 / 10، والغررالبهية 1 / 4، ونهاية المحتاج 1 / 21، وكشاف القناع 1 / 11.
(3) التعريفات ص 125، رد المحتار 1 / 5، الكليات 2 / 198 - 199، نهاية المحتاج 1 / 22.
(4) تفسير القرطبي 1 / 33، الفروق في اللغة ص 40.
(5) الكليات 2 / 199.
(6) القاموس المحيط 1 / 299، لسان العرب 1 / 713.
(7) حديث: " اللهم آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 94 - ط السلفية) من حديث جابر بن عبد الله.
(8) حديث: " إني لأول الناس تنشق الأرض عن جمجمتي يوم القيامة ولا فخر، وأعطى لواء الحمد ولا فخر ". أخرجه أحمد (3 / 144 - ط الميمنية) من حديث أنس بن مالك، وإسناده صحيح.
(9) لسان العرب 1 / 713، وتحفة الأحوذي 8 / 585، وتفسير القرطبي 1 / 111.
(10) رد المحتار 1 / 5، الشرح الكبير 1 / 10، الغرر البهية 1 / 5، وكشاف القناع 1 / 11.
(11) لسان العرب 1 / 381، والقاموس المحيط 4 / 311، والكليات 2 / 124.
(12) القاموس المحيط 2 / 64، لسان العرب 2 / 344 - 345، الفروق في اللغة ص 39، المصباح المنير 1 / 319، التعريفات ص 168 - 169.
(13) تفسير القرطبي 1 / 134، تهذيب الأسماء واللغات 3 / 70.
(14) تفسير القرطبي 1 / 133 - 134، لسان العرب 1 / 713، المفردات في غريب القرآن الكريم 265.
(15) مختار الصحاح ص 618، المصباح المنير 2 / 566.
(16) التعريفات ص 265.
(17) المفردات للراغب ص 130.
(18) سورة النجم / 32.
(19) سورة النساء / 49.
(20) حديث: " لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم ". أخرجه مسلم (3 / 1668 ط الحلبي) من حديث زينب بنت أبي سلمة.
(21) تفسير القرطبي 5 / 246، 17 / 110.
(22) سورة يوسف / 55.
(23) حديث: " ويحك قطعت عنق صاحبك " أخرجه مسلم (4 / 2296 - ط الحلبي) . وانظر القرطبي 5 / 247.
(24) سورة النمل / 59.
(25) حديث: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد فهو أقطع " أخرجه ابن ماجه (1 / 610 ط الحلبي) والدارقطني (1 / 229 - ط دار المحاسن) من حديث أبي هريرة وصوب الدارقطني إرساله. وقوله " ذي بال " أي له حال يهتم به، وقوله أقطع: ناقص قليل البركة.
(26) سورة الفاتحة / 1.
(27) رد المحتار 1 / 7 حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1 / 6 وحاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 4.
(28) رد المحتار 1 / 7، حاشية الدسوقي 1 / 6، المجموع 1 / 74، نهاية المحتاج 1 / 10 كشاف القناع 1 / 12، الأذكار 103، تفسير القرطبي 13 / 220 وفتح الباري 1 / 8.
(29) حديث: " الله أكبر كبيرا، والحمد لله كثيرا، وسبحان الله بكرة وأصيلا " أخرجه مسلم (1 / 420 - ط الحلبي) من حديث عبد الله بن عمر أنه قال: بينما نحن نصلي مع رسول الله ﷺ إذ قال رجل من القوم. . . فذكره. فقال رسول الله ﷺ
(30) الأذكار ص 42 - 43.
(31) الموسوعة الفقهية 4 / 46 وما بعدها.
(32) الموسوعة الفقهية 10 / 267.
(33) رد المحتار 1 / 330 - 360 - 362، جواهر الإكليل 1 / 47، المجموع 3 / 327، كشاف القناع 1 / 336.
(34) حديث: عن عائشة قالت: " كان النبي ﷺ يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 299 - ط السلفية) ومسلم (1 / 350 - ط الحلبي) .
(35) المبسوط 1 / 21، جواهر الإكليل 1 / 51، نهاية المحتاج 1 / 479، كشاف القناع 1 / 347، الفتوحات الربانية 2 / 265، تفسير القرطبي 10 / 341.
(36) حديث: " إنما جعل الإمام ليؤتم به. . . " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 173 - ط السلفية) ومسلم (1 / 309 - 310 ط الحلبي) واللفظ لمسلم.
(37) بدائع الصنائع 1 / 209 - 210، رد المحتار 1 / 334.
(38) حاشية الدسوقي 1 / 248، شرح الزرقاني 1 / 211، الأذكار / 52.
(39) حديث: " كان رسول الله ﷺ إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد ". ورد من حديث أبي هريرة، وسيأتي تخريجه.
(40) سورة البقرة / 44.
(41) المجموع 3 / 417 - 418.
(42) حديث أبي هريرة: أن النبي ﷺ كان يقول: " سمع الله لمن حمد " حين يرفع صلبه من الركوع. أخرجه البخاري (الفتح 2 / 272 - ط السلفية) ومسلم (1 / 294 - ط الحلبي) .
(43) حديث علي: " كان النبي ﷺ إذا رفع رأسه من الركوع قال: سمع الله لمن حمده " أخرجه مسلم (1 / 535 - ط الحلبي) .
(44) حديث أبي سعيد الخدري: أخرجه مسلم (1 / 347 - ط الحلبي) .
(45) حديث: " إذا رفعت رأسك من الركوع فقل: سمع الله لمن حمده ". أخرجه الدارقطني (1 / 339 - ط دار المحاسن) وفي إسناده " عمرو بن شمر الجعفي " وهو ضعيف جدا كما في ميزان الاعتدال للذهبي (3 / 268 - ط الحلبي) .
(46) حديث أنس: أخرجه البخاري (الفتح 2 / 173 - ط السلفية) ومسلم (1 / 308 - ط الحلبي) . وحديث أبي هريرة: أخرجه البخاري (الفتح 3 / 283 - ط السلفية) ومسلم (1 / 311 - ط الحلبي) .
(47) المغني 1 / 508 - 513، كشاف القناع 1 / 331، 348، 349.
(48) حديث المغيرة بن شعبة: " أن رسول الله ﷺ كان إذا فرغ من الصلاة. . . " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 325 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 415 - ط الحلبي) .
(49) الدثور: جمع دثر وهو المال الكثير.
(50) حديث أبي هريرة: " ألا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم. . . " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 325 - ط السلفية) ومسلم (1 / 417 - ط الحلبي) .
(51) الموسوعة الفقهية الكويتية 10 / 268.
(52) سورة الجمعة / 9.
(53) حديث جابر: " كانت خطبة. . . " أخرجه مسلم (2 / 592 - 593 - ط الحلبي) .
(54) جواهر الإكليل 1 / 95، والقليوبي 1 / 277، والمغني 2 / 304، وكشاف القناع 2 / 32.
(55) المراجع السابقة.
(56) حديث ابن عباس: " صلى رسول الله ﷺ في الاستسقاء كما كان يصلي في العيد " أخرجه الترمذي (2 / 445 - ط الحلبي) وقال: " حديث حسن صحيح ".
(57) رد المحتار على الدر المختار 1 / 561، 567، وجواهر الإكليل 1 / 106، والشرح الصغير 1 / 539، والمحلي على المنهاج 1 / 316، والمغني 2 / 433.
(58) جواهر الإكليل 1 / 104، القليوبي 1 / 312 وحديث عائشة أخرجه البخاري (الفتح 2 / 529 - ط السلفية) .
(59) جواهر الإكليل 1 / 275، القليوبي 3 / 215، المغني 6 / 536.
(60) حديث: " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد فهو أقطع ". تقدم تخريجه (ف / 9) .
(61) خطبة ابن مسعود: " إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ". أخرجه أحمد (1 / 393 - ط الميمنية) والترمذي (3 / 404 - الحلبي) وحسنه.
(62) رد المحتار 2 / 173، وجواهر الإكليل 1 / 180، القليوبي 2 / 112.
(63) حديث فضالة بن عبيد: " إذا صلى أحدكم فليبدأ " أخرجه أبو داود (2 / 162 - تحقيق عزت عبيد دعاس) والترمذي (5 / 517 - ط الحلبي) والنسائي (3 / 44 - ط المكتبة التجارية بمصر) ، واللفظ لأبي داود، وفي رواية الترمذي " بتحميد الله " وقال الترمذي: " حسن صحيح ".
(64) الأذكار 108، تفسير القرطبي 8 / 314.
(65) سورة يونس / 10.
(66) " أثر عمرو بن ميمون في مقتل عمر بن الخطاب ﵁ " أخرجه البخاري (الفتح 7 / 61 - ط السلفية) .
(67) حديث: " من رأى مبتلى فقال: الحمد الله الذي عافاني. . . " أخرجه الترمذي (5 / 494 - ط الحلبي) وحسنه.
(68) الأذكار ص 264، 269.
(69) حديث نافع: أن رجلا عطس إلى جنبه " أخرجه الترمذي (5 / 81 - ط الحلبي) والحاكم (4 / 265 - 266 - ط دائرة المعارف العثمانية) وصححه ووافقه الذهبي.
(70) الأذكار ص 240، 241.
(71) سورة طه / 130.
(72) سورة غافر / 55.
(73) حديث: من قال " حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده " أخرجه مسلم (4 / 2071 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(74) حديث: " من قال حين يصبح: اللهم ما أصبح بي من نعمة. . . " أخرجه أبو داود (5 / 315 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وفي إسناده راو مجهول.
(75) الأذكار ص: 72، 74، 75 وحديث: " من قال إذا اصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له. . . " أخرجه أبو داود (5 / 317 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، وصححه ابن حجر كما في الفتوحات الربانية (3 / 113 - ط المنيرية) .
(76) حديث أبي موسى الأشعري: " إذا مات ولد العبد ". أخرجه الترمذي (3 / 322 - ط الحلبي) وحسنه.
(77) الأذكار 284.
(78) حديث عائشة: " كان رسول الله ﷺ إذا رأى ما يحب قال: الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ". أخرجه ابن ماجه (2 / 1250 - ط الحلبي) وقال البوصيري: " إسناده صحيح، رجاله ثقات ".
(79) حديث: " من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له. . . " أخرجه الترمذي (5 / 491، 492 - ط الحلبي) والحاكم (1 / 539 - ط دائرة المعارف العثمانية) وهو حديث حسن لطرقه.
(80) الأذكار 269.
(81) حديث علي: " كان إذا نظر وجهه في المرآة قال: الحمد لله اللهم كما أحسنت خلقي فحسن خلقي " أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (ص 46 - ط دائرة المعارف العثمانية) وفي إسناده عبد الرحمن بن إسحاق الواسطي وهو ضعيف كما في الميزان للذهبي (3 / 548 - ط الحلبي) .
(82) وفي حديث أنس: " الحمد لله الذي سوى خلقي فعدله، وكرم صورة وجهي فحسنها، وجعلني من المسلمين ". أخرجه ابن السني (ص 46 - ط دائرة المعارف العثمانية) والطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد للهيثمي (10 / 139 - ط القدسي) وقال الهيثمي: فيه هاشم بن عيسى البزي ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
(83) رياض الصالحين 413 وحديث علي بن أبي طالب في ذكر ركوب الدابة. أخرجه أبو داود (3 / 77 - تحقيق عزت عبيد دعاس) والترمذي (5 / 501 ط الحلبي) وقال " حسن صحيح ".
(84) تفسيرالقرطبي 1 / 131.
(85) حديث: " إذا قال العبد لا إله إلا الله الحمد. . . " أخرجه الترمذي (5 / 492 - ط الحلبي) وابن حبان (الموارد - ص 578 - ط السلفية) واللفظ لابن حبان، وحسنه الترمذي.
(86) حديث: " من قال سبحان الله وبحمده غرست له نخلة في الجنة " أخرجه الترمذي (5 / 511 - ط الحلبي) وقال " حسن صحيح ".
(87) قيعان: جمع قاع، وهو المكان الواسع المستوي من الأرض.
(88) حديث ابن مسعود: " لقيت إبراهيم ليلة أسري به " أخرجه الترمذي (5 / 510 - ط الحلبي) وفي إسناده ضعيف، كما في ميزان الاعتدال (3 / 548 - ط الحلبي) .
(89) حديث: " كلمتان حبيبتان إلى الرحمن. . . " أخرجه البخاري (الفتح 13 / 537 - ط السلفية) ومسلم (4 / 2072 - ط الحلبي) .
(90) حديث أبي مالك الأشعري: " الطهور شطر الإيمان " أخرجه مسلم (1 / 203 - ط الحلبي) .
(91) حديث أبي هريرة: " لأن أقول: سبحان الله والحمد لله " أخرجه مسلم (4 / 2072 - ط الحلبي) .
(92) حديث أبي ذر: " إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده " أخرجه مسلم (4 / 2094 - ط الحلبي) .
الموسوعة الفقهية الكويتية: 125/ 18
رمضانُ شهرُ الانتصاراتِ الإسلاميةِ العظيمةِ، والفتوحاتِ الخالدةِ في قديمِ التاريخِ وحديثِهِ.
ومنْ أعظمِ تلكَ الفتوحاتِ: فتحُ مكةَ، وكان في العشرينَ من شهرِ رمضانَ في العامِ الثامنِ منَ الهجرةِ المُشَرّفةِ.
فِي هذهِ الغزوةِ دخلَ رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وسلمَ مكةَ في جيشٍ قِوامُه عشرةُ آلافِ مقاتلٍ، على إثْرِ نقضِ قريشٍ للعهدِ الذي أُبرمَ بينها وبينَهُ في صُلحِ الحُدَيْبِيَةِ، وبعدَ دخولِهِ مكةَ أخذَ صلىَ اللهُ عليهِ وسلمَ يطوفُ بالكعبةِ المُشرفةِ، ويَطعنُ الأصنامَ التي كانتْ حولَها بقَوسٍ في يدِهِ، وهوَ يُرددُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا» (81)الإسراء، وأمرَ بتلكَ الأصنامِ فكُسِرَتْ، ولما رأى الرسولُ صناديدَ قريشٍ وقدْ طأطأوا رؤوسَهمْ ذُلاً وانكساراً سألهُم " ما تظنونَ أني فاعلٌ بكُم؟" قالوا: "خيراً، أخٌ كريمٌ وابنُ أخٍ كريمٍ"، فأعلنَ جوهرَ الرسالةِ المحمديةِ، رسالةِ الرأفةِ والرحمةِ، والعفوِ عندَ المَقدُرَةِ، بقولِه:" اليومَ أقولُ لكمْ ما قالَ أخِي يوسفُ من قبلُ: "لا تثريبَ عليكمْ اليومَ يغفرُ اللهُ لكمْ، وهو أرحمُ الراحمينْ، اذهبوا فأنتمُ الطُلَقَاءُ".