البحث

عبارات مقترحة:

الأكرم

اسمُ (الأكرم) على وزن (أفعل)، مِن الكَرَم، وهو اسمٌ من أسماء الله...

القيوم

كلمةُ (القَيُّوم) في اللغة صيغةُ مبالغة من القِيام، على وزنِ...

دَيْنُ اللَّهِ


من معجم المصطلحات الشرعية

حقُّ الله -تَعَالَى - الذي في ذمة المكلف ولم يؤَد . كالعبادات الخالصة، والنذور، والكفارات . ومن شواهده قول ابن قدامة : "فأما دَيْنُ اللهِ تَعَالَى، كالكفارة والنذر، ففيه وجهان؛ أحدهما، يمنع الزكاة كدَيْن الآدميّ؛ لأنه دَيْنٌ يجب قضاؤه، فهو كدَيْن الآدمي . يدل عليه قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم : "دَيْنُ الله أحقُّ أن يُقضى ". والآخر : لا يمنع؛ لأن الزكاة آكدُ منه لتعلقها بالعين ".


انظر : بدائع الصنائع للكاساني، 2/212، بداية المجتهد لابن رشد، 2/85، المغني لابن قدامة، 3/70.

من موسوعة المصطلحات الإسلامية

التعريف

حقُّ الله -تَعَالَى- الذي في ذمة المكلف ولم يؤَد.

من الموسوعة الكويتية

التَّعْرِيفُ:
1 - فِي اللُّغَةِ: دَانَ يَدِينُ دَيْنًا، وَدَايَنَهُ مُدَايَنَةً وَدِيَانًا، عَامَلَهُ بِالدَّيْنِ فَأَعْطَاهُ دَيْنًا وَأَخَذَ بِدَيْنٍ، وَادَّانَ: اقْتَرَضَ فَصَارَ دَيْنًا. وَالدَّيْنُ: الْقَرْضُ وَثَمَنُ الْمَبِيعِ، وَكُل مَا لَيْسَ حَاضِرًا (1) .
وَالدَّيْنُ اصْطِلاَحًا: عُرِّفَ بِتَعْرِيفَاتٍ كَثِيرَةٍ وَأَوْلَى هَذِهِ التَّعْرِيفَاتِ هُوَ " لُزُومُ حَقٍّ فِي الذِّمَّةِ (2) ". وَهَذَا التَّعْرِيفُ يَشْمَل كُل مَا يَشْغَل ذِمَّةَ الإِْنْسَانِ سَوَاءٌ أَكَانَ حَقًّا لِلْعَبْدِ أَمْ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
وَدَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ حُقُوقُهُ الَّتِي ثَبَتَتْ فِي الذِّمَّةِ وَلاَ مُطَالِبَ لَهَا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ، كَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْحَجِّ، وَالصَّوْمِ الَّذِي لَمْ يُؤَدَّ، وَالصَّلاَةِ الَّتِي خَرَجَ وَقْتُهَا وَلَمْ تُؤَدَّ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ إِذْ أَنَّ الزَّكَاةَ مِنْ حَقِّ الإِْمَامِ الْمُطَالَبَةُ بِهَا وَكَذَا قَال بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بِالنِّسْبَةِ لِلْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ كَالْكَفَّارَةِ وَالْهَدْيِ (3) .

الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى:
2 - الْحَقُّ ضِدُّ الْبَاطِل، وَحَقَّ الأَْمْرُ: أَيْ ثَبَتَ وَوَجَبَ. وَحَقُّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ النَّفْعُ الْعَامُّ لِلْعَالَمِ فَلاَ يَخْتَصُّ بِهِ أَحَدٌ، وَيُنْسَبُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى تَعْظِيمًا.
قَال الْقَرَافِيُّ: حَقُّ اللَّهِ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ. وَفِي الْحَدِيثِ: حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلاَ يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا (4) .
وَقَدْ قَسَّمَ الْفُقَهَاءُ حُقُوقَ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى عِبَادَاتٍ وَعُقُوبَاتٍ وَكَفَّارَاتٍ (5) . . . إِلَخْ فَحَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَعَمُّ مِنْ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى لأَِنَّهُ يَشْمَل كُل مَا وَجَبَ لِلَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ أَكَانَ دَيْنًا تَرَتَّبَ فِي الذِّمَّةِ أَمْ لاَ.

الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
3 - دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي يَتَرَتَّبُ فِي ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِ سَوَاءٌ أَكَانَ هَذَا الدَّيْنُ عِبَادَاتٍ بَدَنِيَّةً أَمْ مَالِيَّةً أَمْ كَانَ كَفَّارَاتٍ أَمْ نُذُورًا يَجِبُ قَضَاؤُهُ، لِمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ جُهَيْنَةَ جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَتْ: إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا؟ قَال: نَعَمْ، حُجِّي عَنْهَا، أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ؟ اقْضُوا اللَّهَ، فَاللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ (6) . قَال ابْنُ حَجَرٍ: وَيُلْتَحَقُ بِالْحَجِّ كُل حَقٍّ ثَبَتَ فِي الذِّمَّةِ مِنْ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ زَكَاةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (7) .
وَرَوَى الْبُخَارِيُّ كَذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَال: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَال: نَعَمْ، فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى (8) . وَكَذَلِكَ قَال النَّبِيُّ ﷺ: مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَل إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ (9) .
وَقَدِ اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ذَلِكَ إِلاَّ مَا ذُكِرَ عَنِ ابْنِ بِنْتِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الصَّلاَةَ لِغَيْرِ عُذْرٍ لاَ يَقْضِي لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ ﵊: مَنْ نَسِيَ صَلاَةً أَوْ نَامَ عَنْهَا فَكَفَّارَتُهَا أَنْ يُصَلِّيَهَا إِذَا ذَكَرَهَا (10) . وَحِكْمَتُهُ التَّغْلِيظُ عَلَيْهِ، قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: وَهُوَ مَذْهَبُ جَمَاعَةٍ (11) .
هَذَا مَعَ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِيمَا يَجِبُ عَلَى الْفَوْرِ أَوِ التَّرَاخِي وَفِيمَا يُقْضَى عَنِ الْمَيِّتِ أَوْ لاَ يُقْضَى.

أَسْبَابُ صَيْرُورَةِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ:
يَصِيرُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ لأَِسْبَابٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْهَا: أ - خُرُوجُ الْوَقْتِ قَبْل الأَْدَاءِ:
4 - الْعِبَادَةُ الْبَدَنِيَّةُ الَّتِي لَهَا وَقْتٌ مُحَدَّدٌ كَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ إِذَا فَاتَ الْوَقْتُ الْمُحَدَّدُ لَهَا قَبْل الأَْدَاءِ اسْتَقَرَّتْ دَيْنًا فِي ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ، يَقُول الْقَرَافِيُّ: الصَّلاَةُ لاَ يَنْتَقِل الأَْدَاءُ فِيهَا إِلَى الذِّمَّةِ إِلاَّ إِذَا خَرَجَ الْوَقْتُ؛ لأَِنَّهَا مُعَيَّنَةٌ بِوَقْتِهَا، وَالْقَضَاءُ لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ يَتَعَيَّنُ حَدُّهُ بِخُرُوجِهِ فَهُوَ فِي الذِّمَّةِ، فَالصَّلاَةُ إِنْ تَعَذَّرَ فِيهَا الأَْدَاءُ بِخُرُوجِ وَقْتَيْهَا (أَيِ الاِخْتِيَارِيِّ وَالضَّرُورِيِّ) لِعُذْرٍ لاَ يَجِبُ الْقَضَاءُ، وَإِنْ خَرَجَ لِغَيْرِ عُذْرٍ تَرَتَّبَتْ فِي الذِّمَّةِ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ. وَبِمِثْل ذَلِكَ قَال الْكَاسَانِيُّ (12) .
وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ مَا أَوْجَبَهُ الْعَبْدُ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ مِنْ عِبَادَاتٍ بَدَنِيَّةٍ مُقَيَّدَةٍ بِوَقْتٍ كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرِ رَجَبٍ مَثَلاً وَمَضَى شَهْرُ رَجَبٍ دُونَ أَنْ يَصُومَهُ فَإِنَّهُ يُصْبِحُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ.
وَلِذَلِكَ يُقَسِّمُ الْحَنَفِيَّةُ صَوْمَ الْفَرْضِ إِلَى قِسْمَيْنِ: عَيْنٍ وَدَيْنٍ. فَالْعَيْنُ مَا لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ إِمَّا بِتَعْيِينِ اللَّهِ تَعَالَى كَصَوْمِ رَمَضَانَ وَإِمَّا بِتَعْيِينِ الْعَبْدِ كَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ فِي وَقْتٍ بِعَيْنِهِ، وَأَمَّا صَوْمُ الدَّيْنِ فَمَا لَيْسَ لَهُ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ كَصَوْمِ قَضَاءِ رَمَضَانَ (13) . . . إِلَخْ يَقُول الْكَاسَانِيُّ: فَمَنْ قَال: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمُ رَجَبٍ فَأَفْطَرَ فِيهِ قَضَى فِي شَهْرٍ آخَرَ لأَِنَّهُ فَوَّتَ الْوَاجِبَ عَنْ وَقْتِهِ فَصَارَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَالدَّيْنُ مَقْضِيٌّ عَلَى لِسَانِ رَسُول اللَّهِ ﷺ (14) .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى أَنَّ كَوْنَ الصَّلاَةِ أَوِ الصِّيَامِ تُصْبِحُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ لاَ يُنَاقِضُ التَّعَلُّقَ بِالذِّمَّةِ فِي وَقْتِ الأَْدَاءِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى كَلاَمِ الأُْصُولِيِّينَ فِي التَّفْرِقَةِ بَيْنَ أَصْل الْوُجُوبِ وَوُجُوبِ الأَْدَاءِ، وَبَيْنَ الْوَاجِبِ بِالأَْمْرِ وَالْوَاجِبِ بِالسَّبَبِ وَيُنْظَرُ ذَلِكَ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.

ب - إِتْلاَفُ الْمُعَيَّنِ مِنَ الأَْمْوَال أَوْ تَلَفُهُ:
5 - مَعَ اخْتِلاَفِ الْفُقَهَاءِ فِي تَعَلُّقِ الزَّكَاةِ بِالْعَيْنِ أَوْ بِالذِّمَّةِ إِلاَّ أَنَّهُمْ جَمِيعًا يَتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اسْتِهْلاَكَ مَال الزَّكَاةِ أَوِ التَّصَرُّفَ فِيهَا بَعْدَ الْوُجُوبِ يَجْعَلُهَا دَيْنًا ثَابِتًا فِي الذِّمَّةِ. يَقُول الْقَرَافِيُّ: إِنَّ الزَّكَاةَ مَا دَامَتْ مُعَيَّنَةً بِوُجُودِ نِصَابِهَا لاَ تَكُونُ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا تَلِفَ النِّصَابُ بِعُذْرٍ لاَ يَضْمَنُ نَصِيبَ الْفُقَرَاءِ وَلاَ يَنْتَقِل الْوَاجِبُ إِلَى الذِّمَّةِ، وَيَقُول الْكَاسَانِيُّ: مَنْ أَتْلَفَ الثِّمَارَ أَوِ الزَّرْعَ أَوْ أَكَلَهَا بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا ضَمِنَهَا وَكَانَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَ مَال الزَّكَاةِ بَعْدَ حَوَلاَنِ الْحَوْل (15) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (زَكَاة) . وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ مَا كَانَ مُعَيَّنًا مِنْ نَذْرٍ أَوْ هَدْيٍ وَاجِبٍ. فَمَنْ عَيَّنَ هَدْيًا فَعَطِبَ أَوْ سُرِقَ أَوْ ضَل عَادَ الْوُجُوبُ إِلَى ذِمَّتِهِ (16) .

ج - الْعَجْزُ عَنِ الأَْدَاءِ حِينَ الْوُجُوبِ:
6 - قَال النَّوَوِيُّ وَالسُّيُوطِيُّ وَالزَّرْكَشِيُّ: الْحُقُوقُ الْمَالِيَّةُ الْوَاجِبَةُ لِلَّهِ تَعَالَى ثَلاَثَةُ أَضْرُبٍ:
1 - ضَرْبٌ يَجِبُ لاَ بِسَبَبِ مُبَاشَرَةٍ مِنَ الْعَبْدِ كَزَكَاةِ الْفِطْرِ فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ وَقْتَ الْوُجُوبِ لَمْ يَثْبُتْ فِي ذِمَّتِهِ فَلَوْ أَيْسَرَ بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ يَجِبْ.
2 - وَضَرْبٌ يَجِبُ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ عَلَى جِهَةِ الْبَدَل كَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْحَلْقِ وَالطِّيبِ وَاللِّبَاسِ فِي الْحَجِّ، فَإِذَا عَجَزَ عَنْهُ وَقْتَ وُجُوبِهِ ثَبَتَ فِي ذِمَّتِهِ تَغْلِيبًا لِمَعْنَى الْغَرَامَةِ لأَِنَّهُ إِتْلاَفٌ مَحْضٌ.
3 - وَضَرْبٌ يَجِبُ بِسَبَبِهِ لاَ عَلَى جِهَةِ الْبَدَل كَكَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْل، فَفِيهَا قَوْلاَنِ مَشْهُورَانِ أَصَحُّهُمَا أَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ عِنْدَ الْعَجْزِ لأَِنَّ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى وَجَبَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْعَجْزِ كَجَزَاءِ الصَّيْدِ (17) . وَتَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (صَوْم، وَكَفَّارَة، وَقَتْل، وَظِهَار) .

د - النُّذُورُ الْمُطْلَقَةُ:
7 - وَهِيَ الَّتِي لَمْ تُعَلَّقْ عَلَى شَرْطٍ أَوْ تُقَيَّدْ بِوَقْتٍ بَل كَانَتْ مُضَافَةً إِلَى وَقْتٍ مُبْهَمٍ كَمَنْ قَال: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ شَهْرًا، فَهِيَ فِي الذِّمَّةِ إِلَى أَنْ تُؤَدَّى، وَجَمِيعُ الْعُمْرِ وَقْتٌ لَهَا عِنْدَ مَنْ يَقُول بِأَنَّ الأَْمْرَ الْمُطْلَقَ عَلَى التَّرَاخِي. وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ الْحَجُّ عِنْدَ مَنْ يَقُول بِأَنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي كَالْحَنَفِيَّةِ (18) .
وَيَقُول الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ: يُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ نَذْرِ الْقُرْبَةِ الْمَالِيَّةِ كَالصَّدَقَةِ وَالأُْضْحِيَّةِ الاِلْتِزَامُ لَهَا فِي الذِّمَّةِ أَوِ الإِْضَافَةِ إِلَى مُعَيَّنٍ يَمْلِكُهُ (19) .
وَيَقُول الْقَرَافِيُّ: جَمِيعُ الْعُمْرِ ظَرْفٌ لِوُقُوعِ التَّكْلِيفِ بِإِيقَاعِ النُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ لِوُجُودِ التَّكْلِيفِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ (20) .

النِّيَابَةُ عَنِ الْغَيْرِ فِي أَدَاءِ دَيْنِ اللَّهِ:
8 - دَيْنُ اللَّهِ الْمَالِيُّ الْمَحْضُ كَالزَّكَاةِ وَالصَّدَقَاتِ وَالْكَفَّارَاتِ تَجُوزُ فِيهِ النِّيَابَةُ عَنِ الْغَيْرِ سَوَاءٌ أَكَانَ مَنْ هُوَ فِي ذِمَّتِهِ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ بِنَفْسِهِ أَمْ لاَ؛ لأَِنَّ الْوَاجِبَ فِيهَا إِخْرَاجُ الْمَال وَهُوَ يَحْصُل بِفِعْل النَّائِبِ، وَسَوَاءٌ أَكَانَ الأَْدَاءُ عَنِ الْحَيِّ أَمْ عَنِ الْمَيِّتِ، إِلاَّ أَنَّ الأَْدَاءَ عَنِ الْحَيِّ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ بِاتِّفَاقٍ وَذَلِكَ لِلاِفْتِقَارِ فِي الأَْدَاءِ إِلَى النِّيَّةِ لأَِنَّهَا عِبَادَةٌ فَلاَ تَسْقُطُ عَنِ الْمُكَلَّفِ بِدُونِ إِذْنِهِ. أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لِلْمَيِّتِ فَلاَ يُشْتَرَطُ الإِْذْنُ إِذْ يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بِأَدَاءِ الدَّيْنِ عَنِ الْمَيِّتِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَأَمَّا الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ الْمَحْضَةُ كَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ فَلاَ تَجُوزُ النِّيَابَةُ فِيهَا حَال الْحَيَاةِ لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِْنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} (21) وَقَوْل عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ ﵄: لاَ يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلاَ يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ (22) .
قَال الْكَاسَانِيُّ: أَيْ فِي حَقِّ الْخُرُوجِ عَنِ الْعُهْدَةِ لاَ فِي حَقِّ الثَّوَابِ، وَهَذَا بِاتِّفَاقٍ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ بَعْدَ الْمَمَاتِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ.
وَهَذَا الْحُكْمُ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِقَضَاءِ الْعِبَادَةِ نَفْسِهَا عَنِ الْمَيِّتِ. أَمَّا فِدْيَةُ الصِّيَامِ وَكَفَّارَةُ الإِْفْطَارِ فَيَجُوزُ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَتَبَرَّعُوا بِهَا عَنِ الْمَيِّتِ إِذَا لَمْ يُوصِ. أَمَّا إِذَا أَوْصَى فَقَال الْحَنَفِيَّةُ فَتُؤَدَّى مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ (23) . وَلِغَيْرِهِمْ مِنَ الْفُقَهَاءِ تَفْصِيلٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (وَصِيَّة) .
أَمَّا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فَلاَ يَجُوزُ الْقَضَاءُ عَنِ الْمَيِّتِ عَمَّا تَرَتَّبَ فِي ذِمَّتِهِ مِنْ صَلاَةٍ فَاتَتْهُ وَمَاتَ دُونَ قَضَائِهَا. وَأَمَّا الصَّوْمُ فَمَا تَرَتَّبَ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ مِنْهُ فَفِي الْجَدِيدِ لاَ يَصِحُّ الصَّوْمُ عَنْهُ لأَِنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ لاَ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ فِي حَال الْحَيَاةِ فَكَذَلِكَ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَإِنَّمَا يُكَفَّرُ عَنْهُ بِإِخْرَاجِ مُدٍّ مِنْ طَعَامٍ عَنْ كُل يَوْمٍ فَاتَهُ، وَفِي الْقَدِيمِ يَجُوزُ أَنْ يَصُومَ وَلِيُّهُ عَنْهُ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ (24) ، وَهَذَا هُوَ الأَْظْهَرُ، قَال السُّبْكِيُّ وَيَتَعَيَّنُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْمُخْتَارَ وَالْمُفْتَى بِهِ، وَالْقَوْلاَنِ يَجْرِيَانِ فِي الصِّيَامِ الْمَنْذُورِ إِذَا لَمْ يُؤَدَّ.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَقَدْ فَصَلُوا بَيْنَ الْوَاجِبِ بِأَصْل الشَّرْعِ مِنْ صَلاَةٍ وَصِيَامٍ وَبَيْنَ مَا أَوْجَبَهُ الإِْنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ نَذْرِ صَلاَةٍ وَصِيَامٍ. فَقَالُوا: مَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ صَلاَةٌ مَفْرُوضَةٌ لَمْ تُؤَدَّ، أَوْ صِيَامُ رَمَضَانَ لَمْ يُؤَدَّ، فَلاَ تَجُوزُ النِّيَابَةُ عَنِ الْمَيِّتِ فِي ذَلِكَ؛ لأَِنَّ هَذِهِ الْعِبَادَاتِ لاَ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ حَال الْحَيَاةِ فَبَعْدَ الْمَوْتِ كَذَلِكَ. أَمَّا مَا أَوْجَبَهُ الإِْنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بِالنَّذْرِ مِنْ صَلاَةٍ وَصَوْمٍ وَتَمَكَّنَ مِنَ الأَْدَاءِ وَلَمْ يَفْعَل حَتَّى مَاتَ سُنَّ لِوَلِيِّهِ فِعْل النَّذْرِ عَنْهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُول اللَّهِ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا؟ قَال: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَال: فَصَوْمِي عَنْ أُمِّكِ. لأَِنَّ النَّذْرَ أَخَفُّ حُكْمًا مِنَ الْوَاجِبِ بِأَصْل الشَّرْعِ.
وَيَجُوزُ لِغَيْرِ الْوَلِيِّ فِعْل مَا عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ نَذْرٍ بِإِذْنِهِ وَبِدُونِ إِذْنِهِ (25) .
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ بِالنِّسْبَةِ لِلْحَجِّ لِمَا فِيهِ مِنْ جَانِبٍ مَالِيٍّ وَجَانِبٍ بَدَنِيٍّ، فَمَنْ كَانَ عَاجِزًا بِنَفْسِهِ عَنْ أَدَاءِ الْحَجِّ وَأَمْكَنَهُ الأَْدَاءُ بِمَالِهِ بِإِنَابَةِ غَيْرِهِ مَنَابَ نَفْسِهِ لَزِمَهُ الإِْنَابَةُ فِي الْحَجِّ عَنْهُ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَبَعْضِ فُقَهَاءِ الْمَالِكِيَّةِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ عَدَمُ جَوَازِ النِّيَابَةِ فِي الْحَجِّ. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْحَيِّ فِي الْجُمْلَةِ.
أَمَّا مَنْ مَاتَ وَكَانَ مُسْتَطِيعًا وَلَمْ يَحُجَّ فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ يَجِبُ الْقَضَاءُ مِنْ رَأْسِ مَال تَرِكَتِهِ؛ لِمَا رَوَى بُرَيْدَةُ قَال: أَتَتِ النَّبِيَّ ﷺ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَلَمْ تَحُجَّ، فَقَال لَهَا النَّبِيُّ ﷺ: حُجِّي عَنْ أُمِّكِ (26) . وَلأَِنَّهُ حَقٌّ تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ حَال الْحَيَاةِ فَلَمْ يَسْقُطْ بِالْمَوْتِ كَدَيْنِ الآْدَمِيِّ، وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ حَجُّ الْفَرِيضَةِ وَالنَّذْرِ، فَإِنْ حَجَّ عَنْهُ الْوَارِثُ بِنَفْسِهِ أَوْ بِاسْتِئْجَارٍ سَقَطَ الْحَجُّ عَنِ الْمَيِّتِ. وَأَضَافَ الشَّافِعِيَّةُ أَنَّهُ لَوْ حَجَّ عَنِ الْمَيِّتِ أَجْنَبِيٌّ جَازَ وَلَوْ بِلاَ إِذْنٍ كَمَا إِنَّ لَهُ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ بِلاَ إِذْنٍ.
وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ يَجُوزُ تَبَرُّعُ الْوَارِثِ بِالْحَجِّ بِنَفْسِهِ عَنِ الْمَيِّتِ أَوْ بِالإِْحْجَاجِ عَنْهُ رَجُلاً آخَرَ وَلَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ (27) .

أَثَرُ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ
8 م - مِنْ شُرُوطِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ أَلاَّ يَكُونَ هُنَاكَ دَيْنٌ لآِدَمِيٍّ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ عِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ لأَِنَّ لَهُ مُطَالِبًا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ، وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِدَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى كَالْكَفَّارَةِ وَالنَّذْرِ وَالْهَدْيِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَقَوْل خَلِيلٍ وَابْنِ رُشْدٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ لاَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ؛ لأَِنَّ أَثَرَ هَذَا الدَّيْنِ إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الآْخِرَةِ وَهُوَ الثَّوَابُ بِالأَْدَاءِ وَالإِْثْمُ بِالتَّرْكِ، وَلإِِطْلاَقِ الأَْدِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلزَّكَاةِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ وَعِنْدَ ابْنِ عَتَّابٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ هَذَا الدَّيْنَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ، وَذَلِكَ لِمَا رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي الأَْمْوَال عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَال: سَمِعْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ يَقُول: هَذَا شَهْرُ زَكَاتِكُمْ فَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلِيُؤَدِّهِ حَتَّى تُخْرِجُوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ. وَلِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى (28) .
وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ لِلشَّافِعِيَّةِ أَنَّ هَذَا الدَّيْنَ يَمْنَعُ زَكَاةَ الْمَال الْبَاطِنِ وَهُوَ النَّقْدُ وَالْعَرْضُ وَلاَ يَمْنَعُ زَكَاةَ الْمَال الظَّاهِرِ وَهُوَ الْمَاشِيَةُ وَالزُّرُوعُ وَالثِّمَارُ وَالْمَعَادِنُ.
وَهَذَا الْحُكْمُ عَامٌّ بِالنِّسْبَةِ لِدُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا فِي ذَلِكَ دَيْنُ الزَّكَاةِ، وَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ.
أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ دَيْنِ الزَّكَاةِ وَغَيْرِهِ مِنَ الدُّيُونِ. فَالْحُكْمُ السَّابِقُ عِنْدَهُمْ إِنَّمَا هُوَ بِالنِّسْبَةِ لِغَيْرِ دَيْنِ الزَّكَاةِ.
أَمَّا مَنْ كَانَ فِي ذِمَّتِهِ زَكَاةُ سَنَوَاتٍ مَضَتْ فَإِنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّكَاةِ الْحَاضِرَةِ.
فَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ دَيْنُ الزَّكَاةِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ الْحَاضِرَةِ، وَهُوَ قَوْل زُفَرَ فِي الأَْمْوَال الظَّاهِرَةِ. وَقَال أَبُو يُوسُفَ: دَيْنُ الزَّكَاةِ لاَ يَمْنَعُ وُجُوبَ الزَّكَاةِ الْحَاضِرَةِ، وَهُوَ قَوْل زُفَرَ فِي الأَْمْوَال الْبَاطِنَةِ.
وَحُجَّةُ الْقَائِلِينَ بِالْمَنْعِ أَنَّ دَيْنَ الزَّكَاةِ لَهُ مُطَالِبٌ مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ وَهُوَ الإِْمَامُ فَأَشْبَهَ دَيْنَ الآْدَمِيِّ وَهُوَ تَعْلِيل زُفَرَ فِي الأَْمْوَال الظَّاهِرَةِ بِخِلاَفِ الْبَاطِنَةِ. وَيُلاَحَظُ أَنَّ الأَْحْكَامَ السَّابِقَةَ جَمِيعُهَا إِنَّمَا هِيَ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِزَكَاةِ الْعَيْنِ (النَّقْدَيْنِ وَعُرُوضِ التِّجَارَةِ) فَهِيَ الَّتِي يُؤَثِّرُ فِيهَا الدَّيْنُ، أَمَّا زَكَاةُ الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ فَلاَ يُؤَثِّرُ الدَّيْنُ فِي وُجُوبِ إِخْرَاجِهَا (29) . وَلِتَفْصِيل ذَلِكَ يُنْظَرُ: (زَكَاة) .

حُكْمُ الإِْيصَاءِ بِدَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى:
9 - دُيُونُ اللَّهِ تَعَالَى الْمَالِيَّةُ الَّتِي اسْتَقَرَّتْ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ مِنْ زَكَاةٍ أَوْ كَفَّارَةِ يَمِينٍ أَوْ إِفْطَارٍ فِي رَمَضَانَ أَوْ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ أَوْ فِدْيَةِ أَذًى فِي الْحَجِّ، أَوْ جَزَاءِ صَيْدٍ، أَوْ هَدْيٍ لِتَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ إِذَا أَدْرَكَتْهُ الْوَفَاةُ وَلَمْ يُؤَدِّهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الإِْيصَاءُ بِهَا. وَكَذَلِكَ مَنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى الْحَجِّ، أَوْ كَانَ عَاجِزًا بِنَفْسِهِ وَأَمْكَنَهُ الأَْدَاءُ بِمَالِهِ بِإِنَابَةِ غَيْرِهِ مَنَابَ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ بِالْحَجِّ عَنْهُ.
أَمَّا الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ الَّتِي تَرَتَّبَتْ فِي ذِمَّةِ الْمُكَلَّفِ كَالصِّيَامِ وَالصَّلاَةِ فَإِنَّ الصِّيَامَ الَّذِي فَرَّطَ الإِْنْسَانُ فِيهِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ أَوْ صِيَامِ كَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُوصِيَ عِنْدَ وَفَاتِهِ بِالْفِدْيَةِ، وَهِيَ إِطْعَامُ مِسْكِينٍ عَنْ كُل يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الصِّيَامِ الَّتِي فَاتَتْهُ.
وَالْحُكْمُ فِي جَمِيعِ مَا سَبَقَ هُوَ بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ. وَزَادَ الْحَنَفِيَّةُ وُجُوبَ الْوَصِيَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ فَاتَتْهُ صَلاَةٌ لَمْ يَقْضِهَا. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: مَنْ فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ وَكَانَ يَقْدِرُ عَلَى الصَّلاَةِ وَلَوْ بِالإِْيمَاءِ وَلَمْ يُصَل فَإِنَّهُ يَلْزَمُهُ الإِْيصَاءُ بِالْكَفَّارَةِ بِأَنْ يُعْطِيَ لِكُل صَلاَةٍ فَاتَتْهُ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ كَالْفِطْرَةِ قَال: وَكَذَا حُكْمُ الْوِتْرِ. وَنَقَل الْبُوَيْطِيُّ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ أَنْ يُطْعَمَ لِكُل صَلاَةٍ مُدٌّ (30) .

تَعَلُّقُ دَيْنِ اللَّهِ بِتَرِكَةِ الْمَيِّتِ:
10 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ دَيْنَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمُتَرَتِّبَ فِي ذِمَّةِ الْمَيِّتِ يَتَعَلَّقُ بِتَرِكَتِهِ، وَيَجِبُ أَدَاؤُهُ مِنْهَا سَوَاءٌ أَوْصَى الْمَيِّتُ بِذَلِكَ أَمْ لَمْ يُوصِ. وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الدَّيْنَ الَّذِي لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ لاَ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ إِلاَّ أَنْ يُوصِيَ بِهِ الْمَيِّتُ فَإِذَا أَوْصَى بِهِ أَخْرَجَهُ الْوَرَثَةُ مِنَ التَّرِكَةِ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ لاَ يَتَعَلَّقُ دَيْنُ اللَّهِ بِالتَّرِكَةِ إِلاَّ فِي أَحْوَالٍ خَاصَّةٍ هِيَ:
أ - أَنْ يُوصِيَ الْمَيِّتُ بِذَلِكَ فَتَخْرُجُ مِنَ التَّرِكَةِ.
ب - أَنْ يُشْهِدَ فِي صِحَّتِهِ بِأَنَّ هَذَا الدَّيْنَ فِي ذِمَّتِهِ لِلَّهِ تَعَالَى فَيَخْرُجُ مِنَ التَّرِكَةِ وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ.
ج - أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْوَاجِبُ إِخْرَاجُهَا قَائِمَةً كَزَكَاةِ الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ، وَهَذَا فِي الْجُمْلَةِ.
وَهَل يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَال أَوْ مِنَ الثُّلُثِ، وَمَا يُقَدَّمُ مِنْ ذَلِكَ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ (31) ؟ سَبَقَ تَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ: (تَرِكَة) .

سُقُوطُ دَيْنِ اللَّهِ
11 - الأَْصْل أَنَّ دَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يَسْقُطُ وَلاَ تَبْرَأُ مِنْهُ الذِّمَّةُ إِلاَّ بِالْقَضَاءِ، لَكِنْ هُنَاكَ بَعْضُ الأَْسْبَابِ الَّتِي يَسْقُطُ بِهَا الْقَضَاءُ وَمِنْ ذَلِكَ: 1 - الْحَرَجُ:
12 - أ - فَالْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ لاَ يَسْقُطُ عَنْهُمَا قَضَاءُ الصَّوْمِ وَيَسْقُطُ عَنْهُمَا قَضَاءُ الصَّلاَةِ لِلْحَرَجِ يَقُول الْكَاسَانِيُّ: يَجِبُ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ قَضَاءُ الصَّوْمِ لِفَوَاتِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَيْهِمَا وَلِقُدْرَتِهِمَا عَلَى الْقَضَاءِ فِي عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مِنْ غَيْرِ حَرَجٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِمَا قَضَاءُ الصَّلَوَاتِ لِمَا فِيهِ مِنَ الْحَرَجِ لأَِنَّ وُجُوبَهَا يَتَكَرَّرُ فِي كُل يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ (32) .
ب - الْمُغْمَى عَلَيْهِ، إِنْ أُغْمِيَ عَلَى شَخْصٍ يَوْمًا وَلَيْلَةً أَوْ أَقَل يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ الصَّلاَةِ لاِنْعِدَامِ الْحَرَجِ، وَإِنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ يُحْرَجُ فِي الْقَضَاءِ لِدُخُول الْعِبَادَةِ فِي حَدِّ التَّكْرَارِ. وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ إِلاَّ أَنْ يُفِيقَ فِي جُزْءٍ مِنْ وَقْتِهَا. وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَقْضِي الصَّلَوَاتِ الَّتِي فَاتَتْهُ حَال إِغْمَائِهِ. وَقَدْ سَبَقَ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي مُصْطَلَحِ: (إِغْمَاء) .
ج - يَقُول الْحَنَفِيَّةُ: الْمَرِيضُ الْعَاجِزُ عَنِ الإِْيمَاءِ فِي الصَّلاَةِ إِذَا فَاتَتْهُ صَلَوَاتٌ ثُمَّ بَرِئَ، فَإِنْ كَانَ مَا فَاتَهُ يَوْمًا أَوْ أَقَل قَضَاهُ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَرَجِ، وَذَلِكَ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَبِمِثْل ذَلِكَ رُوِيَ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ وَهُوَ أَيْضًا مِنِ اخْتِيَارَاتِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ (33) .

2 - الْعَجْزُ عَنِ الْقَضَاءِ:
13 - أ - مَنْ أَخَّرَ قَضَاءَ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ مِنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ ثُمَّ مَاتَ سَقَطَ عَنْهُ الْقَضَاءُ وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَ بِالشَّرْعِ، وَقَدْ مَاتَ قَبْل إِمْكَانِ فِعْلِهِ فَسَقَطَ إِلَى غَيْرِ بَدَلٍ كَالْحَجِّ (34) .
ب - مَنْ عَجَزَ عَنْ كَفَّارَةِ الإِْفْطَارِ فِي رَمَضَانَ الَّتِي وَجَبَتْ بِجِمَاعٍ أَوْ بِغَيْرِهِ عَلَى تَفْصِيلٍ فِي الْمَذَاهِبِ سَقَطَتْ عَنْهُ؛ لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَمَرَ الأَْعْرَابِيَّ أَنْ يُطْعِمَ أَهْلَهُ (35) وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِكَفَّارَةٍ أُخْرَى وَلاَ بَيَّنَ لَهُ بَقَاءَهَا فِي ذِمَّتِهِ.
وَهَذَا مَذْهَبُ الْحَنَابِلَةِ. وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ. وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ فِي الأَْظْهَرِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنِ الإِْمَامِ أَحْمَدَ: تَبْقَى فِي ذِمَّتِهِ (36) .

3 - هَلاَكُ مَال الزَّكَاةِ:
14 - هَلاَكُ نِصَابِ الزَّكَاةِ بَعْدَ وُجُوبِهَا بِحَوَلاَنِ الْحَوْل يُسْقِطُ الزَّكَاةَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ سَوَاءٌ أَكَانَ الْهَلاَكُ قَبْل التَّمَكُّنِ مِنَ الأَْدَاءِ أَمْ بَعْدَهُ؛ لأَِنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ يَسْتَدْعِي تَفْوِيتَ مِلْكٍ أَوْ يَدٍ، وَتَأْخِيرَ الزَّكَاةِ عَنْ أَوَّل أَوْقَاتِ الإِْمْكَانِ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى الْفَقِيرِ مِلْكًا وَلاَ يَدًا فَلاَ يَضْمَنُ.
وَيَقُول ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ زَكَاةٌ فَعَزَلَهَا وَأَخْرَجَهَا فَتَلِفَتْ مِنْهُ بِغَيْرِ تَفْرِيطٍ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ لاَ تَسْقُطُ الزَّكَاةُ إِلاَّ إِنْ تَلِفَ الْمَال قَبْل التَّمَكُّنِ مِنَ الأَْدَاءِ بِلاَ تَقْصِيرٍ، أَمَّا بَعْدَ التَّمَكُّنِ فَتَلَفُ الْمَال يُوجِبُ الضَّمَانَ (37) .
وَقَال ابْنُ قُدَامَةَ: الزَّكَاةُ لاَ تَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَال فَرَّطَ أَوْ لَمْ يُفَرِّطْ، هَذَا الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ، وَحَكَى عَنْهُ الْمَيْمُونِيُّ أَنَّهُ إِذَا تَلِفَ النِّصَابُ قَبْل التَّمَكُّنِ مِنَ الأَْدَاءِ سَقَطَتِ الزَّكَاةُ عَنْهُ، وَإِنْ تَلِفَ بَعْدَهُ لَمْ تَسْقُطْ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ مَذْهَبًا لأَِحْمَدَ، ثُمَّ قَال ابْنُ قُدَامَةَ بَعْدَ ذَلِكَ: وَالصَّحِيحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّ الزَّكَاةَ تَسْقُطُ بِتَلَفِ الْمَال إِذَا لَمْ يُفَرِّطْ فِي الأَْدَاءِ لأَِنَّهَا تَجِبُ عَلَى سَبِيل الْمُوَاسَاةِ فَلاَ تَجِبُ عَلَى وَجْهٍ يَجِبُ أَدَاؤُهَا مَعَ عَدَمِ الْمَال وَفَقْرِ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ (38) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (زَكَاة) . 4 - الرِّدَّةُ
15 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ الرِّدَّةَ تُسْقِطُ دَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، سَوَاءٌ أَكَانَ بَدَنِيًّا أَمْ مَالِيًّا لِقَوْل اللَّهِ تَعَالَى: {قُل لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} (39) وَقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الإِْسْلاَمُ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ (40) . وَعَلَى هَذَا فَمَنْ كَانَ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ - وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ - ثُمَّ أَسْلَمَ فَمَا كَانَ مِنْ دُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذِمَّتِهِ فَقَدْ بَطَل تَعَلُّقُهُ بِهَا وَسَقَطَ عَنْهُ الْقَضَاءُ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى أَنَّ الرِّدَّةَ لاَ تُسْقِطُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى مَالِيًّا أَوْ بَدَنِيًّا (41) .
وَقَدْ فَصَّل ابْنُ قُدَامَةَ الْقَوْل بِالنِّسْبَةِ لِمَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ فَقَال فِي الزَّكَاةِ: مَنِ ارْتَدَّ قَبْل مُضِيِّ الْحَوْل وَحَال الْحَوْل وَهُوَ مُرْتَدٌّ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لأَِنَّ الإِْسْلاَمَ شَرْطٌ لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فَعَدَمُهُ فِي بَعْضِ الْحَوْل يُسْقِطُ الزَّكَاةَ كَالْمِلْكِ وَالنِّصَابِ، وَإِنْ رَجَعَ إِلَى الإِْسْلاَمِ قَبْل مُضِيِّ الْحَوْل اسْتَأْنَفَ حَوْلاً، أَمَّا إِنِ ارْتَدَّ بَعْدَ الْحَوْل لَمْ تَسْقُطِ الزَّكَاةُ عَنْهُ. وَأَمَّا الصَّلاَةُ فَلاَ تَسْقُطُ أَيْضًا لَكِنْ لاَ يُطَالَبُ بِفِعْلِهَا لأَِنَّهَا لاَ تَصِحُّ مِنْهُ وَلاَ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ، فَإِذَا عَادَ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاؤُهَا، وَالزَّكَاةُ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ وَلاَ تَسْقُطُ بِالرِّدَّةِ كَالدَّيْنِ (42) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (رِدَّة، زَكَاة) .

5 - الْمَوْتُ:
16 - ذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ دُيُونَ اللَّهِ لاَ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ بَل تَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ فَيَخْرُجُ مِنْهَا مَا عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ دُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى كَدُيُونِ الآْدَمِيِّ. وَهَذَا بِالنِّسْبَةِ لِلْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ كَالزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ وَيَدْخُل فِي ذَلِكَ الْحَجُّ فَيُحَجُّ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ. أَمَّا الْعِبَادَاتُ الْبَدَنِيَّةُ الْمَحْضَةُ فَإِنَّ الصَّلاَةَ تَسْقُطُ عَنْهُ عِنْدَهُمَا فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا إِلاَّ مَا قَالَهُ الْبُوَيْطِيُّ الشَّافِعِيُّ مِنَ الإِْطْعَامِ عَنْهُ لِكُل صَلاَةٍ مُدٌّ، وَمِثْل ذَلِكَ قِيل فِي الاِعْتِكَافِ الْوَاجِبِ فِي الذِّمَّةِ. وَأَمَّا الصِّيَامُ فَيُفْدَى عَنْهُ، وَفِي الْقَدِيمِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يُصَامُ عَنْهُ، قَال الشِّرْبِينِيُّ الْخَطِيبُ وَالْقَدِيمُ أَظْهَرُ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ نَذْرُ الْعِبَادَةِ يُفْعَل عَنِ الْمَيِّتِ مِنْ تَرِكَتِهِ، أَمَّا صَوْمُ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَةُ فَيُطْعَمُ عَنْهُ.
وَقَدِ اسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ لِعَدَمِ سُقُوطِ دَيْنِ اللَّهِ بِالْمَوْتِ بِمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَال: قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَال: أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُؤَدِّي ذَلِكَ عَنْهَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ. قَال: فَصَوْمِي عَنْ أُمِّكِ (43) .
وَمَا رَوَى النَّسَائِيُّ أَنَّ رَجُلاً قَال: يَا رَسُول اللَّهِ إِنَّ أَبِي مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَال: أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ عَلَى أَبِيكَ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ؟ قَال: نَعَمْ، قَال: فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ (44) ، كَمَا اسْتَدَل الشَّافِعِيَّةُ بِصِيَامِ الْوَلِيِّ بِقَوْل النَّبِيِّ: مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ (45) .
وَيَرَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ الْمَوْتَ مِنْ أَسْبَابِ سُقُوطِ دَيْنِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا لَمْ يُوصِ بِهِ، فَمَنْ مَاتَ وَفِي ذِمَّتِهِ صَلاَةٌ أَوْ صَوْمٌ أَوْ زَكَاةٌ أَوْ حَجٌّ أَوْ كَفَّارَةٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى سَقَطَتْ عَنْهُ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا، وَلِذَلِكَ لاَ تُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ وَلاَ يُؤْمَرُ الْوَصِيُّ أَوِ الْوَارِثُ بِالأَْدَاءِ مِنَ التَّرِكَةِ؛ لأَِنَّ دَيْنَ اللَّهِ عِبَادَةٌ وَمَعْنَى الْعِبَادَةِ لاَ يَتَحَقَّقُ إِلاَّ بِنِيَّةِ الْمُكَلَّفِ وَفِعْلِهِ، فَإِذَا لَمْ يُوصِ فَقَدْ فَاتَ الشَّرْطُ بِمَوْتِهِ فَلاَ يُتَصَوَّرُ بَقَاءُ الْوَاجِبِ فَيَسْقُطُ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا لِلتَّعَذُّرِ.
لَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِي الْعُشْرِ إِذَا كَانَ قَائِمًا، فَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ الْعُشْرُ، فَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ قَائِمًا فَلاَ يَسْقُطُ بِالْمَوْتِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَسْقُطُ، أَمَّا لَوْ كَانَ الْخَارِجُ مُسْتَهْلَكًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ.
وَالأَْصْل عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّ الْمَوْتَ يُسْقِطُ مَا عَلَى الْمُكَلَّفِ مِنْ دُيُونِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ فِي أَحْوَالٍ ثَلاَثَةٍ وَهِيَ:
أ - إِذَا أَوْصَى بِهَا.
ب - إِذَا أَشْهَدَ فِي صِحَّتِهِ أَنَّهَا بِذِمَّتِهِ وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِهَا.
ج - إِذَا تَعَلَّقَ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ كَزَكَاةِ الْحَرْثِ وَالْمَاشِيَةِ (46) .
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (حَجّ، وَصَوْم) .
__________
(1) لسان العرب، ومعجم مقاييس اللغة والمعجم الوسيط والمصباح المنير، والعناية على الهداية وفتح القدير 6 / 346، 632 ط إحياء التراث وابن عابدين 4 / 169.
(2) فتح الغفار شرح المنار 3 / 20.
(3) الزيلعي 6 / 230، والبدائع 1 / 95، 2 / 7 - 8، 76، ومنح الجليل 1 / 363، والفروق 2 / 134، والحطاب 6 / 409، ومغني المحتاج 1 / 411، 3 / 3، والمغني 3 / 45، وفتح الباري 4 / 65 - 66، وفتح القدير 2 / 117 - 119 نشر دار المعرفة.
(4) حديث: " حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا " أخرجه البخاري (الفتح 10 / 397 - 398 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 58 - ط الحلبي) من حديث أنس بن مالك.
(5) المصباح المنير، وابن عابدين 4 / 188، وكشف الأسرار 4 / 134 - 135، والمنثور في القواعد 2 / 58، والفروق للقرافي 1 / 140 - 142.
(6) حديث ابن عباس: " أرأيت لو كان على أمك. . . " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 64 - ط السلفية) .
(7) فتح الباري (4 / 6 - 66) .
(8) حديث ابن عباس: " دين الله أحق أن يقضى " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 192 - ط السلفية) .
(9) حديث: " من نسي صلاة فليصل إذا ذكرها. . . . . " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 70 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 477 - ط الحلبي) من حديث أنس بن مالك.
(10) حديث: " من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها. . . " أخرجه مسلم (1 / 477 - ط الحلبي) من حديث أنس بن مالك.
(11) ابن عابدين 1 / 493، وبدائع الصنائع 1 / 245 - 247، 2 / 103، وفتح القدير 2 / 114، ومنح الجليل 1 / 170، 392، 522، والمنثور 1 / 101 و 3 / 316 - 317، وأشباه السيوطي ص 361 ط الحلبي، ومغني المحتاج 1 / 127 - 128، 329، 440، 445، وأسنى المطالب 1 / 356، وشرح منتهى الإرادات 1 / 139، 453، 456.
(12) الفروق للقرافي 2 / 134، والبدائع 1 / 95.
(13) البدائع 2 / 75 - 76.
(14) البدائع 5 / 95، والمغني 9 / 28 - 30.
(15) الفروق 2 / 134، والبدائع 2 / 7، 63، والمغني 2 / 679، ومغني المحتاج 1 / 419.
(16) المغني 3 / 534، وابن عابدين 2 / 12.
(17) المجموع شرح المهذب 6 / 309، وأشباه السيوطي ص 361 ط عيسى الحلبي، والمنثور 2 / 59 - 60، ومغني المحتاج 3 / 367 و 1 / 440، 445.
(18) البدائع 5 / 94.
(19) مغني المحتاج 4 / 358.
(20) الفروق 1 / 221 - 222.
(21) سورة النجم / 39.
(22) الأثر عن ابن عباس: " لا يصلي أحد عن أحد، ولا يصوم. . . " أخرجه النسائي في الكبرى 2 / 314 - ط المكتبة القيمة، وصححه ابن حجر في التلخيص (2 / 209 - ط شركة الطباعة الفنية) .
(23) البدائع 2 / 41، 53، 103، 118، 212، 5 / 96، وابن عابدين 1 / 491 - 493، والزيلعي 6 / 230، ومنح الجليل 1 / 375، 383، 404، والحطاب 2 / 543 - 544، والفروق 2 / 205 و 3 / 188.
(24) حديث: " من مات وعليه صيام صام عنه وليه " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 192 - ط السلفية) ، ومسلم (2 / 803 - ط الحلبي) من حديث عائشة.
(25) نهاية المحتاج 3 / 184 - 187، والمجموع شرح المهذب 6 / 77، 337، 343 تحقيق المطيعي، ومغني المحتاج 1 / 439 و 3 / 68 - 69، شرح منتهى الإرادات 1 / 121، 453، 457 - 458، والمغني 3 / 143 و 9 / 30 - 31.
(26) حديث بريدة: " حجي عن أمك " أخرجه مسلم 2 / 805 - ط الحلبي.
(27) البدائع 2 / 212 - 213، 221، وابن عابدين 1 / 514 - 515 و 2 / 245، والشرح الكبير 2 / 10، ومغني المحتاج 1 / 468، والمجموع شرح المهذب 7 / 82 - 87، والمغني 3 / 241 - 245.
(28) حديث: " دين الله أحق أن يقضى " سبق تخريجه ف / 3.
(29) البدائع 2 / 7 - 8، وابن عابدين 2 / 5، والدسوقي 1 / 483، ومنح الجليل 1 / 362 - 363، ومغني المحتاج 1 / 411، ونهاية المحتاج 3 / 130، وشرح منتهى الإرادات 1 / 368 - 369.
(30) البدائع 2 / 103، 104، 118، 221، 7 / 330، وابن عابدين 1 / 491 - 492، وفتح القدير 2 / 273 ط دار إحياء التراث، والكافي لابن عبد البر 1 / 338 - 339، 2 / 1036، ومنح الجليل 4 / 643، والشرح الصغير 2 / 465 ط الحلبي، ومغني المحتاج 1 / 439، 3 / 39، وقليوبي 3 / 177، وشرح منتهى الإرادات 2 / 540 - 547.
(31) شرح السراجية للجرجاني بحاشية الفناري ص 30، والدسوقي 4 / 441 - 457، ومغني المحتاج 3 / 68 - 69، ونهاية المحتاج 6 - 7، 76، وشرح منتهى الإرادات 1 / 121، 373، 417، 457، 458 و 2 / 547، والمغني 2 / 683 - 684، 3 / 81، 143 - 145.
(32) البدائع 2 / 89، والمغني 3 / 142، والفروق 2 / 62.
(33) البدائع 1 / 246، والاختيارات ص72، والمغني 1 / 400.
(34) البدائع 2 / 103، والاختيار 1 / 134، ومنح الجليل 1 / 413، ومغني المحتاج 1 / 438، والمهذب 1 / 194، وشرح منتهى الإرادات 1 / 457.
(35) حديث: " أمر الأعرابي أن يطعم أهله " أخرجه البخاري (الفتح 4 / 163 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.
(36) شرح منتهى الإرادات 1 / 453، والمغني 3 / 132، ومغني المحتاج 1 / 445، والحطاب 2 / 432، والبدائع 5 / 112.
(37) البدائع 2 / 22، 53، والأشباه لابن نجيم ص 359، والكافي لابن عبد البر 1 / 302، ومغني المحتاج 1 / 418.
(38) المغني 2 / 682 - 683.
(39) سورة الأنفال / 38.
(40) حديث: " الإسلام يهدم ما كان قبله " أخرجه مسلم (1 / 112 - ط الحلبي) من حديث عمرو بن العاص.
(41) البدائع 2 / 4، 53، 117، 7 / 136، ومنح الجليل 4 / 472، ومغني المحتاج 1 / 130، 408.
(42) المغني 3 / 55.
(43) حديث ابن عباس: " قالت امرأة: يا رسول الله، إن أمي ماتت وعليها. . . " أخرجه مسلم (2 / 804 - ط الحلبي) .
(44) حديث: " أرأيت لو كان على أبيك دين ". أخرجه النسائي (5 / 118 - ط المكتبة التجارية) من حديث عبد الله بن عباس.
(45) حديث: " من مات وعليه صيام. . . " سبق تخريجه ف / 7.
(46) ابن عابدين 1 / 492، 5 / 484، والزيلعي 6 / 230، والبدائع 2 / 53، وشرح السراجية بحاشية الفناري ص 30، وأشباه ابن نجيم ص 360، والدسوقي 4 / 441 - 422، 444، 457، ومنح الجليل 4 / 670 - 671.

الموسوعة الفقهية الكويتية: 142/ 21