النصير
كلمة (النصير) في اللغة (فعيل) بمعنى (فاعل) أي الناصر، ومعناه العون...
وضع الجبهة، والأنف على الأرض مرتين في سجدتين آخر الصلاة، تؤديان لجبر خلل وقع فيها، سواء بترك مأمور به، أو فعل منهي عنه دون تعمد . ومن أمثلته ما ذكره الفقهاء عن حكم سجود السهو لجبر خلل وقع في الصلاة دون تعمد . ومن شواهده عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم - "سَهَا، فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ ." فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتْ، أَوْ نَسِيتَ؟ قَالَ : "مَا قَصُرَتْ، وَمَا نَسِيتُ ." قَالَ : إِذًا، فَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ . قَالَ : "أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ " قَالُوا : نَعَمْ . "فَتَقَدَّمَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ .". ابن ماجه :1213، وصححه الألباني .
سَجْدَتانِ يَسْجُدُهُما المُصَلِّي لِجَبْرِ الخَلَلِ الحاصِلِ في صَلاتِهِ بِسَبَبِ الشَّكِّ والنِّسْيانِ ونَحوِ ذلك.
سُجُودُ السَّهْوِ: عِبارَةٌ عن سَجْدَتَيْنِ كَسُجُودِ الصَّلاةِ في الهَيْئَةِ والذِّكْرِ، يَلْزَمُ المُنْفَرِدَ والإمامَ إذا وَقَعَ سَبَبٌ مِنْ أَسْبابِ السَّهْوِ، ومَوْضِعُهُ قبل السَّلامِ إن سَها بِنَقْصٍ، وبعد السَّلامِ إن سَها بِزِيادَةٍ. وأَسْبابُ سُجُودِ السَّهْوِ ثلاَثَةٌ، وهي: الزِّيادَةُ، والنُّقْصانُ، والشَّكُّ.
وضع الجبهة، والأنف على الأرض مرتين في سجدتين آخر الصلاة، تؤديان لجبر خلل وقع فيها، سواء بترك مأمور به، أو فعل منهي عنه دون تعمد.
* الفتاوى الهندية : (1/126)
* حاشية الدسوقي على الشرح الكبير : (1/288)
* نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج : (2/67)
* الـمغني لابن قدامة : (2/34)
* أحكام سجود السهو : (ص 24)
* سجود السهو : (ص 4)
* سجود السهو في ضوء السنة المطهرة : (ص 10)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 242)
* معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية : (2/247)
* الموسوعة الفقهية الكويتية : (24/234) -
.
التَّعْرِيفُ:
1 - السَّهْوُ لُغَةً: نِسْيَانُ الشَّيْءِ وَالْغَفْلَةُ عَنْهُ. (1) وَسُجُودُ السَّهْوِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ: هُوَ مَا يَكُونُ فِي آخِرِ الصَّلاَةِ أَوْ بَعْدَهَا لِجَبْرِ خَلَلٍ، بِتَرْكِ بَعْضِ مَأْمُورٍ بِهِ أَوْ فِعْل بَعْضِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ دُونَ تَعَمُّدٍ (2) .
الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
2 - ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ فِي الْمُعْتَمَدِ عِنْدَهُمْ إِلَى وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ.
قَال الْحَنَابِلَةُ: سُجُودُ السَّهْوِ لِمَا يُبْطِل عَمْدُهُ الصَّلاَةَ وَاجِبٌ، وَدَلِيلُهُمْ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَال: صَلَّى بِنَا رَسُول اللَّهِ ﷺ خَمْسًا، فَلَمَّا انْفَتَل تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ فَقَال: مَا شَأْنُكُمْ؟ قَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ هَل زِيدَ فِي الصَّلاَةِ؟ قَال: لاَ، قَالُوا: فَإِنَّك قَدْ صَلَّيْتَ خَمْسًا، فَانْفَتَل ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَال: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ: فَإِذَا زَادَ الرَّجُل أَوْ نَقَصَ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ (3) وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى، أَثَلاَثًا أَمْ أَرْبَعًا؟ فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ، ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْل أَنْ يُسَلِّمَ، فَإِنْ كَانَ صَلَّى خَمْسًا شَفَعْنَ لَهُ صَلاَتَهُ، وَإِنْ كَانَ صَلَّى إِتْمَامًا لأَِرْبَعٍ كَانَتَا تَرْغِيمًا لِلشَّيْطَانِ. (4)
وَجْهُ الدَّلاَلَةِ فِي الْحَدِيثَيْنِ أَنَّهُمَا اشْتَمَلاَ عَلَى الأَْمْرِ الْمُقْتَضِي لِلْوُجُوبِ.
وَمَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ سُنَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلِيًّا أَمْ بَعْدِيًّا وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنَ الْمَذْهَبِ، وَقِيل: بِوُجُوبِ الْقَبْلِيِّ، قَال صَاحِبُ الشَّامِل: وَهُوَ مُقْتَضَى الْمَذْهَبِ.
وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ (5) . لِقَوْلِهِ ﷺ: كَانَتِ الرَّكْعَةُ نَافِلَةً وَالسَّجْدَتَانِ (6) .
أَسْبَابُ سُجُودِ السَّهْوِ:
أ - الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ:
3 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَعَمَّدَ الْمُصَلِّي أَنْ يَزِيدَ فِي صَلاَتِهِ قِيَامًا أَوْ قُعُودًا أَوْ رُكُوعًا أَوْ سُجُودًا، أَوْ يَنْقُصَ مِنْ أَرْكَانِهَا شَيْئًا، بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. لأَِنَّ السُّجُودَ يُضَافُ إِلَى السَّهْوِ فَيَدُل عَلَى اخْتِصَاصِهِ بِهِ، وَالشَّرْعُ إِنَّمَا وَرَدَ بِهِ فِي السَّهْوِ قَال ﷺ: إِذَا نَسِيَ أَحَدُكُمْ فَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ. (7)
فَإِذَا زَادَ الْمُصَلِّي أَوْ نَقَصَ لِغَفْلَةٍ أَوْ نِسْيَانٍ فَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي كَيْفِيَّةِ قَضَائِهِ، وَتَفْصِيل ذَلِكَ يَأْتِي فِي ثَنَايَا الْبَحْثِ. (8) ب - الشَّكُّ:
4 - إِذَا شَكَّ الْمُصَلِّي فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثَلاَثًا أَمْ أَرْبَعًا، أَوْ شَكَّ فِي سَجْدَةٍ فَلَمْ يَدْرِ أَسَجَدَهَا أَمْ لاَ، فَإِنَّ الْجُمْهُورَ (الْمَالِكِيَّةَ وَالشَّافِعِيَّةَ وَرِوَايَةً لِلْحَنَابِلَةِ) ذَهَبُوا إِلَى أَنَّهُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ وَهُوَ الأَْقَل، وَيَأْتِي بِمَا شَكَّ فِيهِ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. وَدَلِيلُهُمْ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - ﵁ - قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَوْ ثِنْتَيْنِ فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أَوْ ثَلاَثًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثِنْتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثَلاَثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلاَثٍ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْل أَنْ يُسَلِّمَ (9) وَلِحَدِيثِ إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيُلْقِ الشَّكَّ، وَلْيَبْنِ عَلَى الْيَقِينِ، فَإِذَا اسْتَيْقَنَ التَّمَامَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، فَإِنْ كَانَتْ صَلاَتُهُ تَامَّةً كَانَتِ الرَّكْعَةُ نَافِلَةً وَالسَّجْدَتَانِ، وَإِنْ كَانَتْ نَاقِصَةً كَانَتِ الرَّكْعَةُ تَمَامًا لِصَلاَتِهِ، وَكَانَتِ السَّجْدَتَانِ مُرْغِمَتَيِ الشَّيْطَانِ.
(10) وَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا شَكَّ فِي صَلاَتِهِ، فَلَمْ يَدْرِ أَثَلاَثًا صَلَّى أَمْ أَرْبَعًا وَذَلِكَ أَوَّل مَا عَرَضَ لَهُ اسْتَأْنَفَ، لِقَوْلِهِ ﷺ: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ أَنَّهُ كَمْ صَلَّى فَلْيَسْتَقْبِل الصَّلاَةَ. (11) وَإِنْ كَانَ يَعْرِضُ لَهُ كَثِيرًا بَنَى عَلَى أَكْبَرِ رَأْيِهِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ (12) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ رَأْيٌ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، لِقَوْلِهِ ﵊: إِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فَلَمْ يَدْرِ وَاحِدَةً صَلَّى أَوْ ثِنْتَيْنِ فَلْيَبْنِ عَلَى وَاحِدَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثِنْتَيْنِ صَلَّى أَوْ ثَلاَثًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثِنْتَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَدْرِ ثَلاَثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعًا فَلْيَبْنِ عَلَى ثَلاَثٍ، وَلْيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْل أَنْ يُسَلِّمَ. (13)
وَالاِسْتِقْبَال لاَ يَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنَ الصَّلاَةِ وَذَلِكَ بِالسَّلاَمِ أَوِ الْكَلاَمِ أَوْ عَمَلٍ آخَرَ مِمَّا يُنَافِي الصَّلاَةَ، وَالْخُرُوجُ بِالسَّلاَمِ قَاعِدًا أَوْلَى؛ لأَِنَّ السَّلاَمَ عُرِفَ مُحَلِّلاً دُونَ الْكَلاَمِ، وَلاَ يَصِحُّ الْخُرُوجُ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ بَل يَلْغُو، وَلاَ يَخْرُجُ بِذَلِكَ مِنَ الصَّلاَةِ، وَعِنْدَ الْبِنَاءِ عَلَى الأَْقَل يَقْعُدُ فِي كُل مَوْضِعٍ يُحْتَمَل أَنْ يَكُونَ آخِرَ الصَّلاَةِ تَحَرُّزًا عَنْ تَرْكِ فَرْضِ الْقَعْدَةِ الأَْخِيرَةِ وَهِيَ رُكْنٌ.
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ فِي رِوَايَةٍ إِلَى الْبِنَاءِ عَلَى غَالِبِ الظَّنِّ، وَيُتِمُّ صَلاَتَهُ، وَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلاَمِ، وَدَلِيلُهُمْ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ السَّابِقُ: إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، ثُمَّ لْيُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ (14) .
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: وَاخْتَارَ الْخِرَقِيُّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الإِْمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ. فَجَعَل الإِْمَامُ يَبْنِي عَلَى الظَّنِّ وَالْمُنْفَرِدُ يَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ. وَهُوَ الظَّاهِرُ فِي الْمَذْهَبِ نَقَلَهُ عَنْ أَحْمَدَ وَالأَْثْرَمِ وَغَيْرِهِ. وَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ: الْبِنَاءُ عَلَى الْيَقِينِ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ؛ لأَِنَّ الإِْمَامَ لَهُ مَنْ يُنَبِّهُهُ وَيُذَكِّرُهُ إِذَا أَخْطَأَ الصَّوَابَ، فَلْيَعْمَل بِالأَْظْهَرِ عِنْدَهُ، فَإِنْ أَصَابَ أَقَرَّهُ الْمَأْمُومُونَ، فَيَتَأَكَّدُ عِنْدَهُ صَوَابُ نَفْسِهِ، وَإِنْ أَخْطَأَ سَبَّحُوا بِهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهِمْ فَيَحْصُل لَهُ الصَّوَابُ عَلَى كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمُنْفَرِدُ، إِذْ لَيْسَ لَهُ مَنْ يُذَكِّرُهُ فَيَبْنِي عَلَى الْيَقِينِ، لِيَحْصُل لَهُ إِتْمَامُ صَلاَتِهِ وَلاَ يَكُونُ مَغْرُورًا بِهَا (15) . وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ ﷺ: لاَ غِرَارَ فِي الصَّلاَةِ. (16) فَإِنِ اسْتَوَى الأَْمْرَانِ عِنْدَ الإِْمَامِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ أَيْضًا.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِسُجُودِ السَّهْوِ:
5 - مَذْهَبُ الْحَنَفِيَّةِ: جَاءَ فِي الْفَتَاوَى الْهِنْدِيَّةِ نَقْلاً عَنِ التتارخانية الأَْصْل أَنَّ الْمَتْرُوكَ ثَلاَثَةُ أَنْوَاعٍ: فَرْضٌ، وَسُنَّةٌ، وَوَاجِبٌ، فَفِي الْفَرْضِ إِنْ أَمْكَنَهُ التَّدَارُكُ بِالْقَضَاءِ يَقْضِي وَإِلاَّ فَسَدَتْ صَلاَتُهُ، وَفِي السُّنَّةِ لاَ تَفْسُدُ، لأَِنَّ قِيَامَ الصَّلاَةِ بِأَرْكَانِهَا وَقَدْ وُجِدَتْ، وَلاَ يُجْبَرُ تَرْكُ السُّنَّةِ بِسَجْدَتَيِ السَّهْوِ، وَفِي الْوَاجِبِ إِنْ تَرَكَ سَاهِيًا يُجْبَرُ بِسَجْدَتَيِ السَّهْوِ، وَإِنْ تَرَكَ عَامِدًا لاَ. وَنُقِل عَنِ الْبَحْرِ الرَّائِقِ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ سَجْدَةً مِنْ رَكْعَةٍ فَتَذَكَّرَهَا فِي آخِرِ الصَّلاَةِ سَجَدَهَا وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ لِتَرْكِ التَّرْتِيبِ فِيهِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِعَادَةُ مَا قَبْلَهَا، وَلَوْ قَدَّمَ الرُّكُوعَ عَلَى الْقِرَاءَةِ لَزِمَهُ السُّجُودُ لَكِنْ لاَ يُعْتَدُّ بِالرُّكُوعِ فَيُفْرَضُ إِعَادَتُهُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّ تَرْكَ الرُّكْنِ إِنْ أَمْكَنَهُ تَدَارُكَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّدَارُكُ مَعَ سُجُودِ السَّهْوِ وَذَلِكَ إِذَا أَتَى بِهِ فِي الرَّكْعَةِ نَفْسِهَا إِلَى مَا قَبْل عَقْدِ رَكْعَةٍ أُخْرَى بِالرُّكُوعِ لَهَا، فَإِنْ كَانَ تَرَكَ الرُّكْنَ فِي الرَّكْعَةِ الأَْخِيرَةِ ثُمَّ سَلَّمَ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدَارُكُ بِأَدَاءِ الْمَتْرُوكِ بَل عَلَيْهِ الإِْتْيَانُ بِرَكْعَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يَطُل الْفَصْل أَوْ يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ فَعَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الصَّلاَةِ.
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ تَرَكَ رُكْنًا سَهْوًا لَمْ يُعْتَدَّ بِمَا فَعَلَهُ بَعْدَ الْمَتْرُوكِ حَتَّى يَأْتِيَ بِمَا تَرَكَهُ، فَإِنْ تَذَكَّرَ السَّهْوَ قَبْل فِعْل مِثْل الْمَتْرُوكِ اشْتَغَل عِنْدَ الذِّكْرِ بِالْمَتْرُوكِ، وَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ فِعْل مِثْلِهِ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى تَمَّتِ الرَّكْعَةُ السَّابِقَةُ بِهِ وَلَغَا مَا بَيْنَهُمَا. فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ عَيْنَ الْمَتْرُوكِ أَخَذَ بِأَدْنَى الْمُمْكِنِ وَأَتَى بِالْبَاقِي. وَفِي الأَْحْوَال كُلِّهَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ مَنْ نَسِيَ رُكْنًا غَيْرَ التَّحْرِيمَةِ فَذَكَرَهُ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا بَطَلَتِ الرَّكْعَةُ الَّتِي تَرَكَهُ مِنْهَا فَقَطْ؛ لأَِنَّهُ تَرَكَ رُكْنًا وَلَمْ يُمْكِنِ اسْتِدْرَاكُهُ فَصَارَتِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا عِوَضًا عَنْهَا، وَإِنْ ذَكَرَ الرُّكْنَ الْمَنْسِيَّ قَبْل شُرُوعِهِ فِي قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ الَّتِي بَعْدَهَا عَادَ لُزُومًا فَأَتَى بِهِ وَبِمَا بَعْدَهُ. (17) الْوَاجِبَاتُ وَالسُّنَنُ الَّتِي يَجِبُ بِتَرْكِهَا سُجُودُ السَّهْوِ:
6 - اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي: فِيمَا يُطْلَبُ لَهُ سُجُودُ السَّهْوِ.
فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ مِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلاَةِ سَهْوًا، وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ إِذَا لَمْ يَسْجُدْ لِلسَّهْوِ. قَال ابْنُ عَابِدِينَ: لاَ تَفْسُدُ بِتَرْكِهَا وَتُعَادُ وُجُوبًا فِي الْعَمْدِ وَالسَّهْوِ إِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يُعِدْهَا يَكُونُ فَاسِقًا آثِمًا.
وَمِنْ وَاجِبَاتِ الصَّلاَةِ عِنْدَهُمُ: الْقَعْدَةُ الأُْولَى مِنَ الصَّلاَةِ الرُّبَاعِيَّةِ، وَدُعَاءُ الْقُنُوتِ فِي الْوِتْرِ، وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدَيْنِ وَغَيْرِهَا. أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فَقَدْ قَسَّمُوا الصَّلاَةَ إِلَى فَرَائِضَ وَسُنَنٍ. فَالْمَالِكِيَّةُ يُسْجَدُ عِنْدَهُمْ لِسُجُودِ السَّهْوِ لِثَمَانِيَةٍ مِنَ السُّنَنِ وَهِيَ: السُّورَةُ، وَالْجَهْرُ، وَالإِْسْرَارُ، وَالتَّكْبِيرُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَالتَّشَهُّدَانِ، وَالْجُلُوسُ لَهُمَا.
أَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَالسُّنَّةُ عِنْدَهُمْ نَوْعَانِ: أَبْعَاضٌ وَهَيْئَاتٌ، وَالأَْبْعَاضُ هِيَ الَّتِي يُجْبَرُ تَرْكُهَا بِسُجُودِ السَّهْوِ، فَمِنْهَا التَّشَهُّدُ الأَْوَّل وَالْقُعُودُ لَهُ، وَالصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي التَّشَهُّدِ الأَْوَّل، وَالصَّلاَةُ عَلَى الآْل فِي التَّشَهُّدِ الأَْخِيرِ، وَالْقُنُوتُ الرَّاتِبُ فِي الصُّبْحِ، وَوِتْرُ النِّصْفِ الأَْخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ، وَقِيَامُهُ، وَالصَّلاَةُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ فِي الْقُنُوتِ.وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ مَا لَيْسَ بِرُكْنٍ نَوْعَانِ: وَاجِبَاتٌ وَسُنَنٌ، فَالْوَاجِبَاتُ تَبْطُل الصَّلاَةُ بِتَرْكِهَا عَمْدًا، وَتَسْقُطُ سَهْوًا أَوْ جَهْلاً، وَيُجْبَرُ تَرْكُهَا سَهْوًا بِسُجُودِ السَّهْوِ كَالتَّكْبِيرِ، لأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ يُكَبِّرُ كَذَلِكَ، وَقَال ﷺ: صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي. (18) وَالتَّسْمِيعُ لِلإِْمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ دُونَ الْمَأْمُومِ، وَالتَّحْمِيدُ وَغَيْرُهَا. (19)
مَوْضِعُ سُجُودِ السَّهْوِ:
7 - لَمْ يَتَّفِقِ الْفُقَهَاءُ عَلَى مَوْضِعِ سُجُودِ السَّهْوِ: فَقَدْ رَأَى الْحَنَفِيَّةُ أَنَّ مَوْضِعَ سُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ التَّسْلِيمِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ فِي الزِّيَادَةِ أَوِ النُّقْصَانِ، أَيْ أَنَّهُ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً عَلَى الأَْصَحِّ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ ثُمَّ يُسَلِّمُ كَذَلِكَ، فَإِنْ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ سَقَطَ السُّجُودُ لِحَدِيثِ ثَوْبَانَ ﵁ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: لِكُل سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ. (20) وَيُرْوَى نَحْوُ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ وَسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَنَسٍ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَهُوَ مُقَابِل الأَْظْهَرِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ: إِلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فَإِنْ وَقَعَ السَّهْوُ بِالنَّقْصِ فِي الصَّلاَةِ فَالسُّجُودُ يَكُونُ قَبْل السَّلاَمِ. وَدَلِيلُهُمْ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكِ بْنِ بُحَيْنَةَ أَنَّ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ، وَلَمْ يَجْلِسْ بَيْنَهُمَا، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ. (21) وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَيَسْجُدُ بَعْدَ السَّلاَمِ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ ﵁ قَال: صَلَّى بِنَا رَسُول اللَّهِ ﷺ خَمْسًا فَقُلْنَا: يَا رَسُول اللَّهِ، أَزِيدَ فِي الصَّلاَةِ؟ قَال: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا! " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَذْكُرُ كَمَا تَذْكُرُونَ، وَأَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ "، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ (22) وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَال: كُل شَيْءٍ شَكَكْتَ فِيهِ مِنْ صَلاَتِكَ مِنْ نُقْصَانٍ مِنْ رُكُوعٍ أَوْ سُجُودٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَاسْتَقْبِل أَكْثَرَ ظَنِّكَ، وَاجْعَل سَجْدَتَيِ السَّهْوِ مِنْ هَذَا النَّحْوِ قَبْل التَّسْلِيمِ، فَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ السَّهْوِ فَاجْعَلْهُ بَعْدَ التَّسْلِيمِ. وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ زِيَادَةٍ وَنَقْصٍ فَيَسْجُدُ قَبْل السَّلاَمِ تَرْجِيحًا لِجَانِبِ النَّقْصِ.
وَالْجَدِيدُ وَهُوَ الأَْظْهَرُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَبْل السَّلاَمِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَمَكْحُولٍ وَالزُّهْرِيِّ وَيَحْيَى الأَْنْصَارِيِّ. وَدَلِيلُهُمْ حَدِيثُ ابْنِ بُحَيْنَةَ وَأُبَيٍّ - ﵁ - أَنَّهُ ﵊ سَجَدَ قَبْل السَّلاَمِ. كَمَا سَبَقَ؛ وَلأَِنَّهُ يُفْعَل لإِِصْلاَحِ الصَّلاَةِ، فَكَانَ قَبْل السَّلاَمِ كَمَا لَوْ نَسِيَ سَجْدَةً مِنَ الصَّلاَةِ.
وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَذَهَبُوا فِي الْمُعْتَمَدِ إِلَى أَنَّ السُّجُودَ كُلَّهُ قَبْل السَّلاَمِ، إِلاَّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ اللَّذَيْنِ وَرَدَ النَّصُّ بِسُجُودِهِمَا بَعْدَ السَّلاَمِ. وَهُمَا إِذَا سَلَّمَ مِنْ نَقْصِ رَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ، كَمَا فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ أَنَّهُ ﷺ سَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ فَسَجَدَ بَعْدَ السَّلاَمِ. (23) وَحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ ثَلاَثٍ فَسَجَدَ بَعْدَ السَّلاَمِ. (24)
وَالثَّانِي إِذَا تَحَرَّى الإِْمَامُ فَبَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ كَمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَمَا تَحَرَّى فَسَجَدَ بَعْدَ السَّلاَمِ. وَفِي قَوْلٍ ثَالِثٍ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: يَتَخَيَّرُ إِنْ شَاءَ قَبْل السَّلاَمِ وَإِنْ شَاءَ بَعْدَهُ. (25)
تَكْرَارُ السَّهْوِ فِي نَفْسِ الصَّلاَةِ:
8 - إِذَا تَكَرَّرَ السَّهْوُ لِلْمُصَلِّي فِي الصَّلاَةِ، لاَ يَلْزَمُهُ إِلاَّ سَجْدَتَانِ؛ لأَِنَّ تَكْرَارَهُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَلأَِنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَامَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، وَكَلَّمَ ذَا الْيَدَيْنِ. (26)
وَلأَِنَّهُ لَوْ لَمْ تَتَدَاخَل لَسَجَدَ عَقِبَ السَّهْوِ فَلَمَّا أَخَّرَ إِلَى آخِرِ صَلاَتِهِ دَل عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا أَخَّرَ لِيَجْمَعَ كُل سَهْوٍ فِي الصَّلاَةِ. وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ. (27)
نِسْيَانُ سُجُودِ السَّهْوِ:
9 - إِذَا سَهَا الْمُصَلِّي عَنْ سُجُودِ السَّهْوِ فَانْصَرَفَ مِنَ الصَّلاَةِ دُونَ سُجُودٍ فَإِنَّهُ يَعُودُ إِلَيْهِ وَيُؤَدِّيهِ عَلَى التَّفْصِيل التَّالِي: فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ يَسْجُدُ إِنْ سَلَّمَ بِنِيَّةِ الْقَطْعِ مَعَ التَّحَوُّل عَنِ الْقِبْلَةِ أَوِ الْكَلاَمِ أَوِ الْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ، لَكِنْ إِنْ سَلَّمَ نَاسِيًا السَّهْوَ سَجَدَ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ؛ لأَِنَّ الْمَسْجِدَ فِي حُكْمِ مَكَانٍ وَاحِدٍ، وَلِذَا صَحَّ الاِقْتِدَاءُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ، وَأَمَّا إِذَا كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ فَإِنْ تَذَكَّرَ قَبْل أَنْ يُجَاوِزَ الصُّفُوفَ مِنْ خَلْفِهِ أَوْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ أَوْ يَتَقَدَّمَ عَلَى مَوْضِعِ سُتْرَتِهِ أَوْ سُجُودِهِ سَجَدَ لِلسَّهْوِ. (28)
وَأَمَّا الْمَالِكِيَّةُ: فَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ السُّجُودِ الْقَبْلِيِّ وَالْبَعْدِيِّ، فَإِنْ تَرَكَ السُّجُودَ الْبَعْدِيَّ يَقْضِيهِ مَتَى ذَكَرَهُ، وَلَوْ بَعْدَ سِنِينَ، وَلاَ يَسْقُطُ بِطُول الزَّمَانِ سَوَاءٌ تَرَكَهُ عَمْدًا أَوْ نِسْيَانًا؛ لأَِنَّ الْمَقْصُودَ (تَرْغِيمُ الشَّيْطَانِ) كَمَا فِي الْحَدِيثِ. وَأَمَّا السُّجُودُ الْقَبْلِيُّ فَإِنَّهُمْ قَيَّدُوهُ بِعَدَمِ خُرُوجِهِ مِنَ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يَطُل الزَّمَانُ، وَهُوَ فِي مَكَانِهِ أَوْ قُرْبِهِ. (29)
وَقَال الشَّافِعِيَّةُ: إِنْ سَلَّمَ سَهْوًا أَوْ طَال الْفَصْل بِحَسَبِ الْعُرْفِ فَإِنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يَسْقُطُ عَلَى الْمَذْهَبِ الْجَدِيدِ لِفَوَاتِ الْمَحَل بِالسَّلاَمِ وَتَعَذُّرِ الْبِنَاءِ بِالطُّول. (30)
وَذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ نَسِيَ سُجُودَ السَّهْوِ الَّذِي قَبْل السَّلاَمِ أَوْ بَعْدَهُ أَتَى بِهِ وَلَوْ تَكَلَّمَ، إِلاَّ بِطُول الْفَصْل (وَيُرْجَعُ فِيهِ إِلَى الْعَادَةِ وَالْعُرْفِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِمُدَّةٍ) أَوْ بِانْتِقَاضِ الْوُضُوءِ، أَوْ بِالْخُرُوجِ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ حَصَل شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ اسْتَأْنَفَ الصَّلاَةَ، لأَِنَّهَا صَلاَةٌ وَاحِدَةٌ لَمْ يَجُزْ بِنَاءُ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ مَعَ طُول الْفَصْل، كَمَا لَوِ انْتَقَضَ وُضُوءَهُ (31)
وَإِنْ سَجَدَ لِلسَّهْوِ ثُمَّ شَكَّ هَل سَجَدَ أَمْ لاَ؟ فَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ يَتَحَرَّى، وَلَكِنْ لاَ يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: إِذَا شَكَّ هَل سَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ بَنَى عَلَى الْيَقِينِ وَأَتَى بِالثَّانِيَةِ وَلاَ سُجُودَ عَلَيْهِ ثَانِيًا لِهَذَا الشَّكِّ. وَكَذَلِكَ لَوْ شَكَّ هَل سَجَدَ السَّجْدَتَيْنِ أَوْ لاَ، فَيَسْجُدُهُمَا وَلاَ سَهْوَ عَلَيْهِ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي وَجْهٍ، وَالْوَجْهُ الثَّانِي وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لاَ يُعِيدُهُ. (32)
سَهْوُ الإِْمَامِ وَالْمَأْمُومِ:
10 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ تَنْبِيهِ الْمَأْمُومِ لِلإِْمَامِ إِذَا سَهَا فِي صَلاَتِهِ، لِقَوْلِهِ ﷺ: مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَقُل: سُبْحَانَ اللَّهِ. (33)
وَفَرَّقَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ بَيْنَ تَنْبِيهِ الرِّجَال وَتَنْبِيهِ النِّسَاءِ. فَالرِّجَال يُسَبِّحُونَ لِسَهْوِ إِمَامِهِمْ، وَالنِّسَاءُ يُصَفِّقْنَ بِضَرْبِ بَطْنِ كَفٍّ عَلَى ظَهْرِ الأُْخْرَى. لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ﵁ قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: التَّسْبِيحُ لِلرِّجَال وَالتَّصْفِيقُ لِلنِّسَاءِ (34) وَلِقَوْلِهِ ﵊: إِذَا نَابَكُمْ أَمْرٌ فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَال وَلْيَصْفَحِ (يَعْنِي لِيُصَفِّقِ) النِّسَاءُ. (35)
وَلَمْ يُفَرِّقِ الْمَالِكِيَّةُ بَيْنَ تَنْبِيهِ الرِّجَال وَالنِّسَاءِ فَالْجَمِيعُ يُسَبِّحُ (36) لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ: مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلاَتِهِ فَلْيَقُل: سُبْحَانَ اللَّهِ.
وَيُكْرَهُ عِنْدَهُمْ تَصْفِيقُ النِّسَاءِ فِي الصَّلاَةِ. اسْتِجَابَةُ الإِْمَامِ لِتَنْبِيهِ الْمَأْمُومِينَ وَمُتَابَعَتِهِمْ:
11 - يَرَى جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ أَنَّ الإِْمَامَ إِذَا زَادَ فِي صَلاَتِهِ وَكَانَ الإِْمَامُ عَلَى يَقِينٍ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مُصِيبٌ، حَيْثُ إِنَّهُ يَرَى أَنَّهُ فِي الرَّابِعَةِ، وَالْمَأْمُومُونَ يَرَوْنَ أَنَّهُ فِي الْخَامِسَةِ لَمْ يَسْتَجِبْ لَهُمْ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا كَثُرَ عَدَدُهُمْ بِحَيْثُ يُفِيدُ عَدَدُهُمُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ فَيَتْرُكُ يَقِينَهُ وَيَرْجِعُ لَهُمْ فِيمَا أَخْبَرُوهُ بِهِ مِنْ نَقْصٍ أَوْ كَمَالٍ، وَإِلاَّ لَمْ يَعُدْ. (37)
وَهَذَا إِذَا كَانَ الإِْمَامُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ نَفْسِهِ، أَمَّا إِذَا شَكَّ وَلَمْ يَغْلِبْ ظَنُّهُ عَلَى أَمْرٍ عَادَ لِقَوْل الْمَأْمُومِينَ إِذَا كَانُوا ثِقَاتٍ أَوْ كَثُرَ عَدَدُهُمْ. لِحَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ عِنْدَمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ فَسَأَل الرَّسُول ﷺ النَّاسَ فَأَجَابُوهُ (38) . وَهَذَا قَوْل جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ إِلاَّ الشَّافِعِيَّةَ، فَإِنَّهُمْ ذَهَبُوا إِلَى أَنَّ الإِْمَامَ إِذَا شَكَّ أَصَلَّى ثَلاَثًا أَمْ أَرْبَعًا أَتَى بِرَكْعَةٍ، لأَِنَّ الأَْصْل عَدَمُ إِتْيَانِهِ بِهَا وَلاَ يَرْجِعُ لِظَنِّهِ وَلاَ لِقَوْل غَيْرِهِ أَوْ فِعْلِهِ وَإِنْ كَانَ جَمْعًا كَثِيرًا، إِلاَّ أَنْ يَبْلُغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ بِقَرِينَةٍ. وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى تَذَكُّرِهِ بَعْدَ مُرَاجَعَتِهِ، أَوْ أَنَّهُمْ بَلَغُوا حَدَّ التَّوَاتُرِ. (39)
سُجُودُ الإِْمَامِ لِلسَّهْوِ:
12 - إِذَا سَهَا الإِْمَامُ فِي صَلاَتِهِ ثُمَّ سَجَدَ لِلسَّهْوِ فَعَلَى الْمَأْمُومِ مُتَابَعَتُهُ فِي السُّجُودِ سَوَاءٌ سَهَا مَعَهُ أَوِ انْفَرَدَ الإِْمَامُ بِالسَّهْوِ. قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ كُل مَنْ نَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْل الْعِلْمِ عَلَى ذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَ قَبْل السَّلاَمِ أَوْ بَعْدَ السَّلاَمِ. لِقَوْل الرَّسُول ﷺ: إِنَّمَا جُعِل الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ. . . وَإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا (40) وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ - ﵄ - لَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَ الإِْمَامِ سَهْوٌ، فَإِنْ سَهَا الإِْمَامُ فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ السَّهْوُ (41)
وَلأَِنَّ الْمَأْمُومَ تَابِعٌ لِلإِْمَامِ وَحُكْمُهُ حُكْمُهُ إِذَا سَهَا، وَكَذَلِكَ إِذَا لَمْ يَسْهُ (42) . أَمَّا إِذَا لَمْ يَسْجُدِ الإِْمَامُ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَهُوَ قَوْلٌ مُخَرَّجٌ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ: إِلَى أَنَّهُ لاَ يَسْجُدُ الْمَأْمُومُ لأَِنَّهُ يَصِيرُ مُخَالِفًا، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فَإِنْ سَهَا الإِْمَامُ فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ السَّهْوُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ عَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَالنَّخَعِيُّ.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ عِنْدَهُمْ وَهُوَ رِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْمَأْمُومَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إِذَا لَمْ يَسْجُدِ الإِْمَامُ، لأَِنَّهُ لَمَّا سَهَا دَخَل النَّقْصُ عَلَى صَلاَتِهِ بِالسَّهْوِ فَإِذَا لَمْ يَجْبُرِ الإِْمَامُ صَلاَتَهُ جَبَرَ الْمَأْمُومُ صَلاَتَهُ. وَبِهِ قَال الأَْوْزَاعِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَبُو ثَوْرٍ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ (43) .
سُجُودُ الْمَسْبُوقِ لِلسَّهْوِ:
13 - اتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى وُجُوبِ مُتَابَعَةِ الْمَسْبُوقِ لإِِمَامِهِ فِي سُجُودِ السَّهْوِ إِذَا سَبَقَهُ فِي بَعْضِ الصَّلاَةِ، وَلَكِنَّ الْخِلاَفَ وَقَعَ فِي مِقْدَارِ الإِْدْرَاكِ مِنَ الصَّلاَةِ.
فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ إِلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا أَدْرَكَ مَعَ إِمَامِهِ أَيَّ رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلاَةِ قَبْل سُجُودِ السَّهْوِ وَجَبَ عَلَيْهِ مُتَابَعَةُ إِمَامِهِ فِي سُجُودِهِ لِلسَّهْوِ، وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا السَّهْوُ قَبْل الاِقْتِدَاءِ أَوْ بَعْدَهُ. لِعُمُومِ قَوْلِهِ ﷺ: إِنَّمَا جُعِل الإِْمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ (44) وَلِقَوْلِهِ ﵊: فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا (45) وَإِنِ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ السَّهْوِ فَلاَ سُجُودَ عَلَيْهِ.
وَلَكِنَّهُمُ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَوِ اقْتَدَى الْمَسْبُوقُ بِالإِْمَامِ بَعْدَ السَّجْدَةِ الأُْولَى هَل يَقْضِيهَا أَمْ لاَ؟ فَذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ لاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ بَل تَكْفِيهِ السَّجْدَةُ الثَّانِيَةُ.
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ نَصًّا إِلَى أَنَّهُ يَقْضِي الأُْولَى بَعْدَ أَنْ يُسَلِّمَ الإِْمَامُ، يَسْجُدُهَا ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَهُ (46) . لِقَوْلِهِ ﷺ: وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا.
وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ إِلَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُدْرِكِ الْمَسْبُوقُ مَعَ الإِْمَامِ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاَةِ فَلاَ سُجُودَ عَلَيْهِ، سَوَاءٌ أَكَانَ السُّجُودُ بَعْدِيًّا أَوْ قَبْلِيًّا. وَإِذَا سَجَدَ مَعَ إِمَامِهِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ عَامِدًا أَوْ جَاهِلاً؛ لأَِنَّهُ غَيْرُ مَأْمُومٍ حَقِيقَةً، لِذَا لاَ يَسْجُدُ بَعْدَ تَمَامِ صَلاَتِهِ، وَأَمَّا الْبَعْدِيُّ فَتَبْطُل بِسُجُودِهِ وَلَوْ لَحِقَ رَكْعَةً. قَال الْخَرَشِيُّ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: وَهُوَ الصَّوَابُ. (47)
سَهْوُ الْمَأْمُومِ خَلْفَ الإِْمَامِ:
14 - قَال ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ لَيْسَ عَلَى مَنْ سَهَا خَلَفَ الإِْمَامِ سُجُودٌ. (48)
وَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: لَيْسَ عَلَى مَنْ خَلْفَ الإِْمَامِ سَهْوٌ، فَإِنْ سَهَا الإِْمَامُ فَعَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ خَلْفَهُ السَّهْوُ (49) وَلأَِنَّ الْمَأْمُومَ تَابِعٌ لإِِمَامِهِ، فَلَزِمَهُ مُتَابَعَتُهُ فِي السُّجُودِ وَتَرْكُهُ. (50)
سَهْوُ الإِْمَامِ أَوِ الْمُنْفَرِدِ عَنِ التَّشَهُّدِ الأَْوَّل:
15 - مَنْ سَهَا عَنِ التَّشَهُّدِ الأَْوَّل، فَسَبَّحَ لَهُ الْمَأْمُومُونَ أَوْ تَذَكَّرَ قَبْل انْتِصَابِهِ قَائِمًا لَزِمَهُ الرُّجُوعُ، وَإِنِ اسْتَتَمَّ قَائِمًا لاَ يَعُودُ لِلتَّشَهُّدِ لأَِنَّهُ تَلَبَّسَ بِرُكْنٍ وَيَسْجُدُ لِلسَّهْوِ. لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ - ﵁ - قَال: قَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: إِذَا قَامَ الإِْمَامُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَإِنْ ذَكَرَ قَبْل أَنْ يَسْتَوِيَ قَائِمًا فَلْيَجْلِسْ، فَإِنِ اسْتَوَى قَائِمًا فَلاَ يَجْلِسْ، وَيَسْجُدُ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ. (51) وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُحَيْنَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ صَلَّى فَقَامَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فَسَبَّحُوا، فَمَضَى، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ صَلاَتِهِ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ (52)
وَهَذَا قَوْل جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ (53) .
وَلَكِنَّ الْخِلاَفَ وَقَعَ فِيمَا لَوْ عَادَ بَعْدَ أَنِ اسْتَتَمَّ قَائِمًا، هَل تَبْطُل صَلاَتُهُ أَمْ لاَ؟
ذَهَبَ الْحَنَفِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ عَلَى الصَّحِيحِ عِنْدَهُمْ وَسَحْنُونٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ إِلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ لَوْ عَادَ إِلَى التَّشَهُّدِ الأَْوَّل بَطَلَتْ صَلاَتُهُ. لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ الَّذِي فِيهِ النَّهْيُ عَنْ أَنْ يَعُودَ وَهُوَ قَوْلُهُ: وَإِذَا اسْتَوَى قَائِمًا فَلاَ يَجْلِسْ. وَلأَِنَّهُ تَلَبَّسَ بِفَرْضٍ فَلاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ لِوَاجِبٍ أَوْ مَسْنُونٍ. وَذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَشْهُورِ فِي الْمَذْهَبِ، وَالْحَنَابِلَةُ عَلَى أَنَّ الأَْوْلَى أَنْ لاَ يَعُودَ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَإِذَا اسْتَوَى فَلاَ يَجْلِسْ وَلاَ تَبْطُل صَلاَتُهُ إِنْ عَادَ وَلَكِنَّهُ أَسَاءَ، وَكُرِهَ خُرُوجًا مِنْ خِلاَفِ مَنْ أَوْجَبَ الْمُضِيَّ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ.
وَاسْتَثْنَى الْحَنَابِلَةُ مَا لَوْ شَرَعَ الإِْمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ فَإِنَّ صَلاَتَهُ تَبْطُل إِنْ عَادَ؛ لأَِنَّهُ شَرَعَ فِي رُكْنٍ مَقْصُودٍ، كَمَا لَوْ شَرَعَ فِي الرُّكُوعِ.
وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا عَادَ لِلتَّشَهُّدِ بَعْدَ أَنِ اسْتَتَمَّ قَائِمًا نَاسِيًا أَوْ جَاهِلاً مِنْ غَيْرِ عَمْدٍ فَإِنَّ صَلاَتَهُ لاَ تَبْطُل. (54) لِلْحَدِيثِ: إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ. (55)
__________
(1) لسان العرب مادة: (سها) .
(2) الإقناع للشربيني الخطيب 2 / 89.
(3) حديث: " إنما أنا بشر مثلكم ". أخرجه مسلم (1 / 402 - 403 - ط الحلبي) .
(4) حديث: " إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ". أخرجه مسلم (1 / 402 - ط الحلبي) .
(5) الفتاوى الهندية 1 / 125، حاشية الدسوقي 1 / 273، نهاية المحتاج 2 / 62، المغني 2 / 36، وكشاف القناع 1 / 408.
(6) حديث: " كانت الركعة نافلة والسجدتان " جزء من حديث طويل أخرجه أبو داود (1 / 621 - 622 - تحقيق عزت عبيد دعاس) بلفظ " إذا شك أحدكم في صلاته فليلق الشك وليبن على اليقين، فإذا استيقن التمام سجد سجدتين، فإن كانت صلاته تامة كانت الركعة نافلة والسجدتان، وإن ك وأصله في مسلم كما تقدم.
(7) حديث: " إذا نسي أحدكم فليسجد سجدتين ". أخرجه مسلم (1 / 402 - ط الحلبي) من حديث ابن مسعود.
(8) الفتاوى الهندية 1 / 126، نهاية المحتاج 2 / 67، المغني لابن قدامة 2 / 34، حاشية الدسوقي 1 / 288 - 289.
(9) حديث: " إذا سها أحدكم في صلاته ". أخرجه الترمذي (2 / 245 - ط الحلبي) من حديث عبد الرحمن بن عوف، وقال: حديث حسن صحيح.
(10) حديث: " إذا شك أحدكم في صلاته ". تقدم تخريجه ف / 2.
(11) حديث: " إذا شك أحدكم في صلاته أنه كم صلى فليستقبل الصلاة " قال الزيلعي في نصب الراية (2 / 173 - ط المجلس العلمي) : حديث غريب، يعني أنه لا أصل له كما نص في مقدمة كتابه، ثم قال: وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عمر قال في الذي لا يدري كم صلى أثلاثًا أو أربعًا؟ قال: يعيد حتى يحفظ.
(12) حديث: " إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 504 - ط السلفية) ومسلم (1 / 401 - ط الحلبي) من حديث ابن مسعود.
(13) الحديث تقدم تخريجه في نفس الفقرة.
(14) حديث: " إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب ". أخرجه البخاري (الفتح 1 / 504 - ط السلفية) ومسلم (1 / 401 - ط الحلبي) من حديث ابن مسعود، واللفظ للبخاري.
(15) الفتاوى الهندية 1 / 130، البناية 3 / 680، وشرح الزرقاني 1 / 236 - 237، الشرح الصغير 1 / 380، الجمل على شرح المنهج 1 / 454، المجموع للنووي 4 / 106، كشاف القناع 1 / 406، الكافي 1 / 167 - 168.
(16) حديث: " لا غرار في الصلاة ". أخرجه أحمد (2 / 461 - ط الميمنية) والحاكم (1 / 264 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث أبي هريرة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، واللفظ لأحمد.
(17) الفتاوى الهندية 1 / 126، بدائع الصنائع 1 / 449، المبسوط 1 / 189، الدسوقي 1 / 293، الشرح الصغير 1 / 160، الروضة 1 / 300، المجموع للنووي 4 / 116، كشاف القناع 1 / 402، المغني لابن قدامة 2 / 6.
(18) حديث: " صلوا كما رأيتموني أصلي ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 111 - ط السلفية) من حديث مالك بن الحويرث.
(19) الفتاوى الهندية (1 / 71 - 72) حاشية ابن عابدين 1 / 306، الشرح الصغير (1 / 303 - 322 ط. دار المعارف) ، القوانين الفقهية ص 55 - 58، كشاف القناع 1 / 408 - 410، مغني المحتاج 1 / 148 وما بعدها.
(20) حديث: " لكل سهو سجدتان بعدما يسلم ". أخرجه أبو داود (1 / 630 - تحقيق عزت عبيد دعاس) ، والبيهقي (2 / 337 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث ثوبان، وأعله البيهقي.
(21) حديث عبد الله بن مالك بن بحينة: " أن رسول الله ﷺ قام من اثنتين من الظهر ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 92 - ط السلفية) ، ومسلم (1 / 399 - ط الحلبي) والسياق للبخاري.
(22) حديث عبد الله بن مسعود: " صلى بنا رسول الله ﷺ خمسًا ". أخرجه مسلم (1 / 402 - ط الحلبي) .
(23) حديث ذي اليدين: " أنه سلم من ركعتين فسجد بعد السلام ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 98 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.
(24) حديث عمران بن حصين: " أنه سلم من ثلاث فسجد بعد السلام ". أخرجه مسلم (1 / 405 - ط الحلبي) .
(25) رد المحتار على الدر المختار 1 / 495 - 496، البناية للعيني 2 / 645 - 647، الشرح الصغير 1 / 378 - 379، الروضة للنووي 1 / 315 - 316، المغني لابن قدامة 2 / 22 - 23، الكافي لابن قدامة 1 / 168 - 169، مغني المحتاج 1 / 209.
(26) حديث: " أن النبي ﷺ قام من اثنتين وكلم ذا اليدين ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 99 - ط السلفية) من حديث أبي هريرة.
(27) رد المحتار 1 / 497، مواهب الجليل 2 / 15، شرح المنهاج 1 / 204، المغني لابن قدامة 2 / 39 - 40.
(28) رد المحتار على الدر المختار 1 / 505.
(29) مواهب الجليل 2 / 20، الشرح الصغير 1 / 387 - 389، شرح المنهاج 1 / 202، المجموع 4 / 153.
(30) مغني المحتاج 1 / 213، القليوبي 1 / 205، المجموع 4 / 157.
(31) المغني لابن قدامة 2 / 14، 15.
(32) الفتاوى الهندية 1 / 130، الشرح الكبير 1 / 278 - 279، المجموع للنووي 4 / 140 - 141، كشاف القناع 1 / 407.
(33) حديث: " من نابه شيء في صلاته فليقل: سبحان الله ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 107 - ط السلفية) من حديث سهل بن سعد.
(34) حديث: " التسبيح للرجال والتصفيق للنساء ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 77 - ط السلفية) ومسلم (1 / 318 - ط الحلبي) .
(35) حديث: " إذا نابكم أمر فليسبح الرجال ". أخرجه البخاري (الفتح 13 / 182 - ط السلفية) من حديث سهل بن سعد. وأخرجه الدارمي (1 / 317 - ط دار السنة النبوية) بلفظ: " إذا نابكم شيء في صلاتكم، فليسبح الرجال ولتصفق النساء ".
(36) فتح القدير 1 / 356، البناية 2 / 423، مواهب الجليل 2 / 29، الشرح الصغير 1 / 342، نهاية المحتاج 2 / 44 - 45، المغني 2 / 19.
(37) رد المحتار 1 / 507، حاشية الطحطاوي (ص 259) نهاية المحتاج 2 / 75، روضة الطالبين 1 / 308، الخرشي على مختصر خليل 1 / 322، المغني لابن قدامة 2 / 18 - 20.
(38) حديث " ذي اليدين ". أخرجه البخاري (الفتح 3 / 98 - ط السلفية) .
(39) رد المحتار 1 / 507، نهاية المحتاج 2 / 75، الخرشي على مختصر خليل 1 / 322، المغني لابن قدامة 2 / 20.
(40) حديث: " إنما جعل الإمام ليؤتم به. . . وإذا سجد فاسجدوا ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 216 - ط السلفية) ومسلم (1 / 308 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.
(41) حديث: " ليس على من خلف الإمام سهو ". أخرجه الدارقطني (1 / 377 - ط دار المحاسن) وعلقه البيهقي (2 / 352 - ط دائرة المعارف العثمانية) وضعفه.
(42) رد المحتار 1 / 499، الخرشي على مختصر خليل 1 / 331 - 332، روضة الطالبين 1 / 312، المغني لابن قدامة 1 / 41 - 42.
(43) رد المحتار 1 / 499، البناية للعيني 2 / 661 - 662، الخرشي على مختصر خليل 1 / 331 - 332، روضة الطالبين 1 / 162، المجموع للنووي 4 / 143 - 147، المغني لابن قدامة 1 / 41 - 42، الكافي للحنابلة 1 / 170.
(44) حديث: " إنما جعل الإمام ليؤتم به ". تقدم تخريجه ف / 12.
(45) حديث: " فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ". أخرجه البخاري (الفتح 2 / 116 - ط السلفية) من حديث أبي قتادة.
(46) حاشية ابن عابدين 1 / 499، روضة الطالبين 1 / 314، المجموع للنووي 4 / 147، المغني لابن قدامة 1 / 41 - 42، كشاف القناع 1 / 408.
(47) الخرشي على مختصر خليل (1 / 331 - 332) .
(48) الإجماع لابن المنذر (ص 40) .
(49) حديث: " ليس على من خلف الإمام سهو. . . " تقدم تخريجه ف / 12.
(50) رد المحتار على الدر المختار (1 / 500) ، البناية (2 / 664) ، الخرشي على مختصر خليل 1 / 332، روضة الطالبين 1 / 311، المغني لابن قدامة 2 / 40 - 41.
(51) حديث: " إذا قام الإمام في الركعتين ". أخرجه أبو داود (1 / 629 - تحقيق عزت عبيد دعاس) وقال: " ليس في كتابي عن جابر الجعفي إلا هذا الحديث ". وقال ابن حجر في التلخيص (2 / 4 - ط شركة الطباعة الفنية) : وهو ضعيف جدًا. ولكن له متابعان يتقوى بهما، أخرجهما الطحاوي في شرح معاني الآثار (1 / 440 - ط مطبعة الأنوار المحمدية) .
(52) حديث عبد الله بن بحينة تقدم تخريجه ف / 7.
(53) فتح القدير 1 / 443 - 444، مواهب الجليل 2 / 46 - 67، روضة الطالبين 1 / 303 - 304، كشاف القناع 1 / 404 - 405.
(54) رد المحتار 1 / 499 - 501، مواهب الجليل 2 / 46 - 47، روضة الطالبين 1 / 303 - 304، المغني لابن قدامة 2 / 24 - 26، كشاف القناع 1 / 404 - 405.
(55) حديث: " إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان ". أخرجه ابن ماجه (1 / 659 - ط الحلبي) والحاكم (2 / 198 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث ابن عباس، واللفظ لابن ماجه، وصحح الحاكم إسناده ووافقه الذهبي.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 234/ 24