الخالق
كلمة (خالق) في اللغة هي اسمُ فاعلٍ من (الخَلْقِ)، وهو يَرجِع إلى...
أَنْ يَعْتِقَ بَعْضُ عَبْدٍ، وَيَبْقَى بَعْضُهُ الآْخَرُ فِي الرِّقِّ . فَيَعْمَل الْعَبْدُ، وَيَكْسِبَ، وَيَصْرِفَ ثَمَنَ كَسْبِهِ إِلَى مَوْلاَهُ؛ فَسُمِّيَ كَسْبُهُ لِهَذَا الْغَرَضِ سِعَايَةً . ومن أمثلته صيرورة العبد حراً بعتق بعضه حال بدئه في السعاية، ولو أعسر، ولم يجمع ثمنه .
أَنْ يُعْتَقَ بَعْضُ عَبْدٍ، وَيَبْقَى بَعْضُهُ الآْخَرُ فِي الرِّقِّ. فَيَعْمَل الْعَبْدُ، وَيَكْسِبَ، وَيَصْرِفَ ثَمَنَ كَسْبِهِ إِلَى مَوْلاَهُ؛ فَسُمِّيَ كَسْبُهُ لِهَذَا الْغَرَضِ سِعَايَةً.
التَّعْرِيفُ:
1 - السِّعَايَةُ فِي الأَْصْل مِنَ السَّعْيِ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي كُل عَمَلٍ، خَيْرًا كَانَ أَوْ شَرًّا، وَفِي التَّنْزِيل: {لِتُجْزَى كُل نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} (1) {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِْنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} (2) . فَيُقَال: سَعَى عَلَى الصَّدَقَةِ سَعْيًا وَسِعَايَةً: عَمِل فِي أَخْذِهَا، وَسَعَى الْعَبْدُ فِي فَكِّ رَقَبَتِهِ سِعَايَةً. وَسَعَى بِهِ سِعَايَةً إِلَى الْوَالِي: وَشَى (3) .
وَمَعْنَاهَا الاِصْطِلاَحِيُّ لاَ يَخْرُجُ عَنْ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ. الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الْعِتْقُ:
2 - الْعِتْقُ فِي الاِصْطِلاَحِ إِزَالَةُ الرِّقِّ عَنْ الآْدَمِيِّ لاَ إِلَى مَالِكٍ، بَل تَقَرُّبًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَوَجْهُ الصِّلَةِ أَنَّ السِّعَايَةَ مِنَ الْوَسَائِل الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى الْعِتْقِ.
الأَْحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسِّعَايَةِ:
السِّعَايَةُ إِلَى الْوَالِي:
3 - السِّعَايَةُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ بِحَقٍّ أَوْ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَالسِّعَايَةُ بِحَقٍّ كَمَنْ يَسْعَى إِلَى السُّلْطَانِ بِمَنْ يُؤْذِيهِ، وَالْحَال أَنَّهُ لاَ يُدْفَعُ بِلاَ رَفْعٍ إِلَى السُّلْطَانِ، أَوْ سَعَى بِمَنْ يُبَاشِرُ الْفِسْقَ وَلاَ يَمْتَنِعُ بِنَهْيِهِ، فَهَذَا لاَ شَيْءَ فِيهِ وَلَوْ غَرَّمَ السُّلْطَانُ الْمَسْعِيَّ بِهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَى السَّاعِي.
وَأَمَّا السِّعَايَةُ بِالنَّاسِ إِلَى الْوَالِي بِغَيْرِ حَقٍّ أَيِ الْوِشَايَةُ بِهِمْ فَهِيَ مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُفَسِّقَةِ الَّتِي تُرَدُّ بِهَا شَهَادَةُ صَاحِبِهَا، وَلاَ تُقْبَل عِنْدَ الْقَاضِي، وَيُعَزَّرُ السَّاعِي بِهَا زَجْرًا لَهُ وَدَفْعًا لِلْفَسَادِ، وَإِذَا غَرَّمَهُ السُّلْطَانُ شَيْئًا ضَمِنَ السَّاعِي (4) . وَيُنْظَرُ التَّفْصِيل فِي (ضَمَان) .
السِّعَايَةُ فِي أَخْذِ الصَّدَقَةِ:
4 - يَجِبُ عَلَى الإِْمَامِ بَعْثُ السُّعَاةِ لأَِخْذِ الزَّكَاةِ وَتَفْرِيقِهَا وَهُمُ الْعَامِلُونَ عَلَى الزَّكَاةِ اتِّبَاعًا لِلسُّنَّةِ؛ وَلِمَا فِي ذَلِكَ السَّعْيِ مِنْ إِيصَال الْحُقُوقِ إِلَى أَهْلِهَا؛ وَلأَِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لاَ يَعْرِفُونَ الْخُرُوجَ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فِي الزَّكَاةِ.
وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ السَّاعِي عَدْلاً فَقِيهًا بِأَبْوَابِ الزَّكَاةِ يَعْرِفُ مَا يَأْخُذُهُ وَمَنْ يَدْفَعُ إِلَيْهِ (5) . وَالتَّفْصِيل فِي مُصْطَلَحِ (زَكَاة) .
السِّعَايَةُ فِي الْعِتْقِ:
5 - وَهُوَ: أَنْ يَعْتِقَ بَعْضُ عَبْدٍ، وَيَبْقَى بَعْضُهُ الآْخَرُ فِي الرِّقِّ، فَيَعْمَل الْعَبْدُ وَيَكْسِبَ، وَيَصْرِفَ ثَمَنَ كَسْبِهِ إِلَى مَوْلاَهُ فَسُمِّيَ كَسْبُهُ لِهَذَا الْغَرَضِ سِعَايَةً. وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي مَشْرُوعِيَّةِ السِّعَايَةِ: فَقَال جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِذَا أَعْتَقَ بَعْضَ مَمْلُوكِهِ فَإِنْ كَانَ خَاصًّا بِهِ غَيْرَ مُشْتَرَكٍ عَتَقَ الْبَعْضُ الْمُعْتَقِ، ثُمَّ يَسْرِي إِلَى بَاقِيهِ وَلَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا بِقِيمَةِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ، عَتَقَ نَصِيبُهُ ثُمَّ سَرَى الْعِتْقُ إِلَى بَاقِيهِ، وَعَلَيْهِ لِشَرِيكِهِ قِيمَةُ مَا أَعْتَقَ مِنْ نَصِيبِهِ يَوْمَ الإِْعْتَاقِ. وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا بَقِيَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ فِي الرِّقِّ، وَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ سِعَايَةٌ، وَلاَ لِلشَّرِيكِ اسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ (6) .
وَاسْتَدَلُّوا بِخَبَرِ: مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ مَمْلُوكِهِ فَعَلَيْهِ خَلاَصُهُ فِي مَالِهِ (7) وَخَبَرِ: مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ (8) وَخَبَرِ: إِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَعْتَقَ أَحَدُهُمَا نَصِيبَهُ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ لاَ وَكْسَ وَلاَ شَطَطَ ثُمَّ يَعْتِقُ (9) .
وَقَال الشَّافِعِيُّ فِي الأُْمِّ: كُلٌّ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ يُبْطِل الاِسْتِسْعَاءَ فِي كُل حَالٍ، وَيَتَّفِقَانِ فِي ثَلاَثَةِ مَعَانٍ:
(9) إِبْطَال الاِسْتِسْعَاءِ.
(11) ثُبُوتُ الرِّقِّ فِي حَال عُسْرِ الْمُعْتِقِ.
(12) نَفَاذُ الْعِتْقُ إِنْ كَانَ مُوسِرًا (11) .
وَقَال الْحَنَفِيَّةُ: إِنَّ السِّعَايَةَ ثَابِتَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَاسْتَدَلُّوا لِثُبُوتِهَا بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: مَنْ أَعْتَقَ شَقِيصًا مِنْ مَمْلُوكِهِ فَعَلَيْهِ خَلاَصُهُ فِي مَالِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ الْمَمْلُوكُ قِيمَةَ عَدْلٍ، ثُمَّ اسْتُسْعِيَ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ (12) .
وَقَالُوا: فَقَدْ دَل هَذَا الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّ السِّعَايَةَ ثَابِتَةٌ فِي الْجُمْلَةِ، وَضَمَانُ السِّعَايَةِ لَيْسَ ضَمَانَ إِتْلاَفٍ، وَلاَ ضَمَانَ فِي تَمَلُّكٍ بَل ضَمَانُ احْتِبَاسٍ، وَضَمَانُ سَلاَمَةِ النَّفْسِ وَالرَّقَبَةِ حُصُول الْمَنْفَعَةِ.
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْحَنَفِيَّةُ فِيمَا بَيْنَهُمْ فِيمَنْ يَحِقُّ لَهُ خِيَارُ الاِسْتِسْعَاءِ، وَمَتَى؟ .
فَقَال أَبُو حَنِيفَةَ: يَثْبُتُ حَقُّ خِيَارِ الاِسْتِسْعَاءِ لِمَنْ أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ مَمْلُوكِهِ أَوْ شِقْصًا مِنْ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ.
فَإِنْ أَعْتَقَ بَعْضَ مَمْلُوكِهِ صَحَّ، وَيَسْعَى فِيمَا بَقِيَ وَإِنْ شَاءَ حَرَّرَهُ.
وَقَال الصَّاحِبَانِ: عَتَقَ كُلُّهُ.
وَإِنْ أَعْتَقَ شَرِيكٌ نَصِيبَهُ، فَلِشَرِيكِهِ خِيَارَاتٌ ثَلاَثَةٌ:
أَنْ يُحَرِّرَ نَصِيبَهُ أَيْضًا، أَوْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ الأَْوَّل وَيَرْجِعَ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ، أَوْ أَنْ يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ، وَالاِسْتِسْعَاءُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ حَتَّى يَأْخُذَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ، وَلاَ فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لأَِنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ إِتْلاَفًا لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ، بَل بَقِيَ مُحْتَبِسًا عِنْدَ الْعَبْدِ بِحَقِّهِ بِحَيْثُ لاَ يُمْكِنُ اسْتِخْلاَصُهُ مِنْهُ، وَهُوَ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَهَذَا لاَ يَقْتَضِي الْفَصْل بَيْنَ الْيَسَارِ وَالإِْعْسَارِ فَيَثْبُتُ خِيَارُ السِّعَايَةِ فِي الْحَالَتَيْنِ.وَقَال صَاحِبَاهُ: لاَ يَثْبُتُ الاِسْتِسْعَاءُ إِلاَّ فِي حَالَةِ إِعْسَارِ الشَّرِيكِ الْمُعْتِقِ نَصِيبَهُ.
أَمَّا إِنْ أَعْتَقَ جُزْءًا مِنْ مَمْلُوكِهِ غَيْرِ الْمُشْتَرَكِ أَوْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ فِي مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ فَلاَ سِعَايَةَ؛ لأَِنَّ الإِْعْتَاقَ لاَ يَتَجَزَّأُ فَكَانَ الْمُعْتِقُ مُتْلِفًا نَصِيبَ شَرِيكِهِ، فَوَجَبَ الضَّمَانُ، وَوُجُوبُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُتْلِفِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ، وَكَانَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَلاَّ تَجِبَ السِّعَايَةُ حَال الإِْعْسَارِ أَيْضًا، وَأَلاَّ يَكُونَ الْوَاجِبُ إِلاَّ الضَّمَانَ فِي الْحَالَيْنِ؛ لأَِنَّ ضَمَانَ الْمُتْلَفَاتِ لاَ يَخْتَلِفُ بِالإِْعْسَارِ وَالْيَسَارِ، وَلَكِنْ عُدِل عَنْهَا لِلنَّصِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي حَال الإِْعْسَارِ. قَالُوا: وَلاَ يَجُوزُ فِي الْعَبْدِ الْمُسْتَسْعَى التَّصَرُّفَاتُ النَّاقِلَةُ لِلْمِلْكِ، كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ، وَلاَ يُورَثُ، وَهُوَ أَحَقُّ بِمَكَاسِبِهِ، وَيَخْرُجُ إِلَى الْحُرِّيَّةِ بِالسِّعَايَةِ أَوْ الإِْعْتَاقِ، وَلاَ يَعُودُ إِلَى الْعُبُودِيَّةِ مُطْلَقًا وَإِنْ عَجَزَ (15) .
__________
(1) سورة طه آية / 15.
(2) سورة النجم / 39.
(3) لسان العرب، والمصباح المنير، والقاموس ومختار الصحاح، والمعجم الوسيط.
(4) بدائع الصنائع 4 / 123، ابن عابدين 5 / 135، وروضة الطالبين 11 / 223، والقليوبي 4 / 319.
(5) شرح روض الطالب 1 / 360، وحاشية القليوبي 3 / 309.
(6) روضة الطالبين 12 / 110، والمغني 9 / 336، والحطاب 6 / 336، وبدائع الصنائع 4 / 86، وفتح القدير 4 / 255.
(7) حديث: (من أعتق شقيصا. .) . أخرجه البخاري (الفتح 5 / 133 - ط السلفية) ومسلم (2 / 1140 - ط الحلبي) من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري.
(8) حديث: (من أعتق شركا له في عبد. .) . أخرجه البخاري (الفتح 5 / 151 - ط السلفية) ومسلم (2 / 1139 - ط الحلبي) من حديث ابن عمر.
(9) حديث: (إذا كان العبد بين اثنين. . .) . أخرجه أبو داود (4 / 258 - 259 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث ابن عمر، وهو في مسلم (3 / 1281 - ط الحلبي) بلفظ: " من أعتق عبدا بينه وبين آخر. . ".
(10) حديث: (إذا كان العبد بين اثنين. . .) . أخرجه أبو داود (4 / 258 - 259 - تحقيق عزت عبيد دعاس) من حديث ابن عمر، وهو في مسلم (3 / 1281 - ط الحلبي) بلفظ: " من أعتق عبدا بينه وبين آخر. . ".
(11) كتاب الأم 8 / 5.
(12) حديث: (من أعتق شقيصا من مملوكه. . .) . أخرجه البخاري (الفتح 5 / 2492 - ط السلفية) .
(13) كتاب الأم 8 / 5.
(14) حديث: (من أعتق شقيصا من مملوكه. . .) . أخرجه البخاري (الفتح 5 / 2492 - ط السلفية) .
(15) ابن عابدين 3 / 15، 16 (وبدائع الصنائع) 4 / 86 - 88.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 5/ 25