التواب
التوبةُ هي الرجوع عن الذَّنب، و(التَّوَّاب) اسمٌ من أسماء الله...
الرجوع إلى أهل الرأي، والاختصاص في الأمور التي لا يوجد فيها نص شرعي واضح، وطلب مشورتهم؛ للوصول إلى الأصلح، والأنفع . مثاله قوله تَعَالَى : ﱫﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺﱪآل عمران :159. وقوله صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ: "مَنْ تقوَّلَ عليَّ ما لم أقل فليتبوَّأْ مقعدَهُ مِنَ النَّارِ، ومَنِ استشارَهُ أخوه المسلمُ، فأشارَ عليه بغيرِ رشدِهِ، فقد خانَهُ، ومَنْ أفتى بِفُتيا غيرِ ثبتٍ؛ فإنَّما إثمُهُ على من أَفتاهُ ". أحمد :8266. ومن شواهده مشاورة النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ - أصحابه في أسرى بدر، فعن ابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُما - قال : لَمَّا أَسَرُوا الْأُسَارَى، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ - لِأَبِي بَكْرٍ، وعُمَرَ : " مَا تَرَوْنَ فِي هَؤُلَاءِ الْأُسَارَى؟ " . فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : يَا نَبِيَّ اللهِ، هُمْ بَنُو الْعَمِّ، والْعَشِيرَةِ، أَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُمْ فِدْيَةً، فَتَكُونُ لَنَا قُوَّةً عَلَى الْكُفَّارِ، فَعَسَى اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُمْ لِلْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ : "مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ؟ " قُلْتُ : لَا، واللهِ، يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَرَى الَّذِي رَأَى أَبُو بَكْرٍ، ولَكِنِّي أَرَى أَنْ تُمَكِّنَّا، فَنَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ ." مسلم :1763. ومن شواهده قوله عَزَّ وجَلَّ
الشُّورَى: طَلَبُ الرَّأْيِ، يُقال: شاوَرَهُ في الأَمْرِ، مُشاوَرَةً، وشُورَى، أيْ: طَلَبَ رَأْيَهُ فيه. وتأتي بِمعنى الأَمْرِ الذي يُتَشاوَرُ فِيهِ. وأَصْلُ الكَلِمَة مِن الشَوْرِ، وهو: إِخْراجُ الشَيْءِ وإِظْهارُهُ، يُقال: شِرْتُ العَسَلَ، أَشُورُهُ، شَوْراً، أي: اسْتَخْرَجْتُهُ مِن مَكانِهِ. وأَشارَ عليه بالرَّأْيِ: إذا أَظْهَرَهُ لَهُ. ومِن مَعانِيها أيضاً: النَّصِيحَة، فيُقال: أَشارَ عليه بِكذا: إذا نَصَحَهُ.
يَرِد مُصطلح (شُورَى) في الفقه في عِدَّة مواطِن، منها: كتاب النِّكاح، باب: العِشرة بين الزَّوجَين، وباب: الخِلافَة وشُرُوطها، وغير ذلك. ويُطلَق في النِّظامِ السِّياسِيِّ المُعاصِرِ، ويُراد به: اسْتِطْلاعُ رَأْيِ الأُمَّةِ أو مَن يَنوبُ عنها في الأُمورِ العامَّةِ المُتَعَلِقَّةِ بِها. ويَرِد في عِلم العَقِيدَةِ، باب: الإمامَة والخِلافَة. ويُطْلَقُ على سُورَةٍ مِن سُوَرِ القُرْآنِ بِرَقْمِ (42) مِن تَرْتِيبِ المصْحَفِ، وعَدَدُ آياتِها (53) آيَةٍ.
شور
طَلَبُ آراءِ أَهْلِ العِلْمِ والرَّأْيِ في قَضِيَّةٍ مِن القَضايا؛ لِتَحْقِيقِ مَصْلَحَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِفَرْدٍ، أو مَجْمُوعَةٍ مِن الأَفْرادِ.
الشُّورَى مَبْدَأٌ شَرْعِيٌّ مِن مَبادِئِ الإِسْلامِ، وهي: أَخذُ آراءِ أَهْلِ المَعْرِفَةِ ووُجْهاتِ النَّظَرِ في قَضِيَّةٍ مِن القَضايا، أو مَوْضوعٍ مِن المَوْضوعاتِ، واخْتِبارُها مِن أَصْحابِ الرَّأْيِ والخِبْرَةِ؛ طَلَباً لِلْوُصولِ إلى الصَّوابِ وأَفْضَلِ الآراءِ، مِن أَجْلِ تَحْقِيقِ أَحسَن النَّتائِجِ. وأهْلُ الشُّورَى: هم أَصْحابُ الرَّأْيِ والنَّصِيحَةِ المَعروفِين بالعِلْمِ والأَمانَةِ والعَقْلِ الرّاجِحِ وغير ذلك. وتَنْقَسِمُ الشُّورَى إلى قِسْمَيْنِ: 1- الشُّورَى في الأُمورِ العامَّةِ بين الحاكِمِ والمَحْكومِينَ. 2- الشُّورَى في الأُمورِ الخاصَّةِ بين أَفْرادِ الأُسْرَةِ في المُجْتَمَعِ، كَالرَّجُلِ مع زَوْجَتِهِ، والصَّدِيقِ مع صَدِيقِهِ، والتَّاجِرِ مع شَرِيكِهِ.
الشُّورَى: طَلَبُ الرَّأْيِ، يُقال: شاوَرَهُ في الأَمْرِ، مُشاوَرَةً، وشُورَى، أيْ: طَلَبَ رَأْيَهُ فيه. وتأتي بِمعنى الأَمْرِ الذي يُتَشاوَرُ فِيهِ. وأَصْلُ الكَلِمَة مِن الشَوْرِ، وهو: إِخْراجُ الشَيْءِ وإِظْهارُهُ.
الرجوع إلى أهل الرأي، والاختصاص في الأمور التي لا يوجد فيها نص شرعي واضح، وطلب مشورتهم؛ للوصول إلى الأصلح، والأنفع.
* الأحكام السلطانية للماوردي : (ص 10)
* درر السلوك في سياسة الملوك : (ص 73)
* الذريعة إلى مكارم الشريعة : (ص 294)
* فقه الشورى - دراسة نقدية تأصيلية نقدية - : (ص 29)
* معجم لغة الفقهاء : (ص 267)
* القاموس الفقهي : (ص 205)
* أدب الدنيا والدين : (ص 260)
* فتح الباري شرح صحيح البخاري : (13/354)
* مقاييس اللغة : (3/226)
* المحكم والمحيط الأعظم : (8/117)
* المفردات في غريب القرآن : (ص 470)
* مختار الصحاح : (ص 170)
* لسان العرب : (4/434)
* تاج العروس : (12/252) -
التَّعْرِيفُ:
1 - الشُّورَى لُغَةً: يُقَال: شَاوَرْتُهُ فِي الأَْمْرِ وَاسْتَشَرْتُهُ: رَاجَعْتُهُ لأََرَى رَأْيَهُ فِيهِ وَاسْتَشَارَهُ: طَلَبَ مِنْهُ الْمَشُورَةَ. وَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالرَّأْيِ. وَأَشَارَ يُشِيرُ إِذَا وَجَّهَ الرَّأْيَ، وَأَشَارَ إِلَيْهِ بِالْيَدِ: أَوْمَأَ (1) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
أ - الرَّأْيُ:
2 - الرَّأْيُ: الْعَقْل وَالتَّدْبِيرُ وَالاِعْتِقَادُ، وَرَجُلٌ ذُو رَأْيٍ أَيْ: بَصِيرَةٍ وَحِذْقٍ بِالأُْمُورِ (2)
ب - النَّصِيحَةُ:
3 - النَّصِيحَةُ: الإِْخْلاَصُ وَالصِّدْقُ وَالْمَشُورَةُ وَالْعَمَل.
نَصَحْتُ لِزَيْدٍ، أَنْصَحُ نُصْحًا وَنَصِيحَةً، هَذِهِ اللُّغَةُ الْفَصِيحَةُ (3) .
وَفِي الْحَدِيثِ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ قَالُوا: لِمَنْ؟ قَال: لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَِئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ (4) . الْحُكْمُ التَّكْلِيفِيُّ:
4 - لِلْعُلَمَاءِ فِي حُكْمِ الشُّورَى - مِنْ حَيْثُ هِيَ - رَأْيَانِ:
الأَْوَّل: الْوُجُوبُ: وَيُنْسَبُ هَذَا الْقَوْل لِلنَّوَوِيِّ، وَابْنِ عَطِيَّةَ، وَابْنِ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ، وَالرَّازِيِّ.
وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَْمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّل عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (5) وَظَاهِرُ الأَْمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ} يَقْتَضِي الْوُجُوبَ. وَالأَْمْرُ لِلنَّبِيِّ ﷺ بِالْمُشَاوَرَةِ، أَمْرٌ لأُِمَّتِهِ لِتَقْتَدِيَ بِهِ وَلاَ تَرَاهَا مَنْقَصَةً، كَمَا مَدَحَهُمْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي قَوْلِهِ: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} (6) .
قَال ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: وَاجِبٌ عَلَى الْوُلاَةِ مُشَاوَرَةُ الْعُلَمَاءِ فِيمَا لاَ يَعْلَمُونَ، وَمَا أَشْكَل عَلَيْهِمْ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ، وَوُجُوهِ الْجَيْشِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْحَرْبِ، وَوُجُوهِ النَّاسِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَصَالِحِ، وَوُجُوهِ الْكُتَّابِ وَالْوُزَرَاءِ وَالْعُمَّال، فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِ الْبِلاَدِ وَعِمَارَتِهَا.
قَال ابْنُ عَطِيَّةَ: " وَالشُّورَى مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، وَعَزَائِمِ الأَْحْكَامِ، وَمَنْ لاَ يَسْتَشِيرُ أَهْل الْعِلْمِ وَالدِّينِ فَعَزْلُهُ وَاجِبٌ وَهَذَا مِمَّا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ (7) ".
وَلاَ يَصِحُّ اعْتِبَارُ الأَْمْرِ بِالشُّورَى لِمُجَرَّدِ تَطْيِيبِ نُفُوسِ الصَّحَابَةِ، وَلِرَفْعِ أَقْدَارِهِمْ؛ لأَِنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُمْ أَنَّ مَشُورَتَهُمْ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ وَغَيْرُ مَعْمُولٍ عَلَيْهَا مَعَ اسْتِفْرَاغِهِمْ لِلْجَهْدِ فِي اسْتِنْبَاطِ مَا شُوِرُوا فِيهِ، لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ تَطْيِيبٌ لِنُفُوسِهِمْ وَلاَ رَفْعٌ لأَِقْدَارِهِمْ، بَل فِيهِ إِيحَاشُهُمْ وَإِعْلاَمُهُمْ بِعَدَمِ قَبُول مَشُورَتِهِمْ (8) .
الثَّانِي: النَّدْبُ. وَيُنْسَبُ هَذَا الْقَوْل لِقَتَادَةَ، وَابْنِ إِسْحَاقَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَالرَّبِيعِ.
وَاسْتَدَلُّوا بِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ أُمِرَ النَّبِيُّ ﷺ أَنْ يُشَاوِرَ أَصْحَابَهُ فِي مَكَائِدِ الْحُرُوبِ، وَعِنْدَ لِقَاءِ الْعَدُوِّ، هُوَ تَطْيِيبٌ لِنُفُوسِهِمْ، وَرَفْعٌ لأَِقْدَارِهِمْ، وَتَأَلُّفُهُمْ عَلَى دِينِهِمْ - وَإِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ أَغْنَاهُ عَنْ رَأْيِهِمْ بِوَحْيِهِ.
وَلَقَدْ كَانَتْ سَادَاتُ الْعَرَبِ إِذَا لَمْ يُشَاوَرُوا فِي الأَْمْرِ شَقَّ عَلَيْهِمْ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ ﷺ أَنْ يُشَاوِرَهُمْ لِيَعْرِفُوا إِكْرَامَهُ لَهُمْ فَتَذْهَبَ أَضْغَانُهُمْ. فَالأَْمْرُ فِي الآْيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ كَمَا فِي قَوْلِهِ ﷺ: الْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ (9) وَلَوْ أَجْبَرَهَا الأَْبُ عَلَى النِّكَاحِ جَازَ. لَكِنَّ الأَْوْلَى أَنْ يَسْتَأْمِرَهَا، وَيَسْتَشِيرَهَا تَطْيِيبًا لِنَفْسِهَا؛ فَكَذَا هَاهُنَا (10) .
حُكْمُ الشُّورَى فِي حَقِّ النَّبِيِّ ﷺ:
5 - ذَكَرَ الْفُقَهَاءُ فِي سِيَاقِ عَدِّهِمْ لِخَصَائِصِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّ مِنَ الْخَصَائِصِ الْوَاجِبَةِ فِي حَقِّهِ الْمُشَاوَرَةَ فِي الأَْمْرِ مَعَ أَهْلِهِ وَأَصْحَابِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَْمْرِ} (11) وَوَجْهُ اخْتِصَاصِهِ ﷺ بِوُجُوبِ الْمُشَاوَرَةِ - مَعَ كَوْنِهَا وَاجِبَةً عَلَى غَيْرِهِ مِنْ أُولِي الأَْمْرِ - أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ مَعَ كَمَال عِلْمِهِ وَمَعْرِفَتِهِ.
وَالْحِكْمَةُ فِي مَشُورَتِهِ ﷺ لأَِصْحَابِهِ: أَنْ يَسْتَنَّ بِهَا الْحُكَّامُ بَعْدَهُ، لاَ لِيَسْتَفِيدَ مِنْهُمْ عِلْمًا أَوْ حُكْمًا. فَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ غَنِيًّا عَنْ مَشُورَتِهِمْ بِالْوَحْيِ، كَمَا أَنَّ فِي اسْتِشَارَتِهِمْ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ، وَرَفْعًا لأَِقْدَارِهِمْ، وَتَأَلُّفًا لَهُمْ عَلَى دِينِهِمْ. قَال أَبُو هُرَيْرَةَ - ﵁ -: مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّاسِ أَحَدًا أَكْثَرَ مَشُورَةً لأَِصْحَابِهِ مِنْ رَسُول اللَّهِ ﷺ (12) . 6 - وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ مَحَل مُشَاوَرَتِهِ ﷺ لاَ تَكُونُ فِيمَا وَرَدَ فِيهِ نَصٌّ؛ إِذِ التَّشَاوُرُ نَوْعٌ مِنَ الاِجْتِهَادِ وَلاَ اجْتِهَادَ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ.
أَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ: فَإِنَّ مَحَل مُشَاوَرَتِهِ ﷺ إِنَّمَا هُوَ فِي أَخْذِ الرَّأْيِ فِي الْحُرُوبِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْمُهِمَّاتِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ بَيْنَ النَّاسِ، وَأَمَّا مَا فِيهِ حُكْمٌ بَيْنَ النَّاسِ فَلاَ يُشَاوِرُ فِيهِ؛ لأَِنَّهُ إِنَّمَا يُلْتَمَسُ الْعِلْمُ مِنْهُ، وَلاَ يَنْبَغِي لأَِحَدٍ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ مِنْهُ، بِمَا أُنْزِل عَلَيْهِ لأَِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُول: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّل إِلَيْهِمْ} (13) .
أَمَّا فِي غَيْرِ الأَْحْكَامِ فَرُبَّمَا بَلَغَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ مِمَّا شَاهَدُوهُ أَوْ سَمِعُوهُ مَا لَمْ يَبْلُغِ النَّبِيَّ ﷺ.
وَقَدْ صَحَّ فِي حَوَادِثَ كَثِيرَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فِي مُهِمَّاتِ الأُْمُورِ مِمَّا لَيْسَ فِيهِ حُكْمٌ. وَأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ شَاوَرَ أَصْحَابَهُ فِي أَمْرِ الأَْذَانِ وَهُوَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَعَنِ ابْنِ عُمَرَ - ﵁ - قَال: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاَةَ لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَال بَعْضُهُمُ اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْل نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَال بَعْضُهُمْ: بَل بُوقًا مِثْل قَرْنِ الْيَهُودِ، فَقَال عُمَرُ: أَوَلاَ تَبْعَثُونَ رَجُلاً يُنَادِي بِالصَّلاَةِ؟ فَقَال رَسُول اللَّهِ ﷺ: يَا بِلاَل قُمْ فَنَادِ بِالصَّلاَةِ (14)
وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ أَرَادَ مُصَالَحَةَ عُيَيْنَةَ بْنَ حِصْنٍ الْفَزَارِيَّ وَالْحَارِثَ بْنَ عَوْفٍ الْمُرِّيَّ، حِينَ حَصَرَهُ الأَْحْزَابُ فِي الْخَنْدَقِ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ ثُلُثَ ثِمَارِ الْمَدِينَةِ، وَيَرْجِعَا بِمَنْ مَعَهُمَا مِنْ غَطَفَانَ عَنْهُ، فَاسْتَشَارَ سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقَالاَ لَهُ: يَا رَسُول اللَّهِ أَمْرًا تُحِبُّهُ فَنَصْنَعُهُ أَمْ شَيْئًا أَمَرَكَ اللَّهُ بِهِ لاَ بُدَّ لَنَا مِنَ الْعَمَل بِهِ أَمْ شَيْئًا تَصْنَعُهُ لَنَا؟ قَال: بَل شَيْءٌ أَصْنَعُهُ لَكُمْ، فَأَشَارَا عَلَيْهِ أَلاَّ يُعْطِيَهُمَا فَلَمْ يُعْطِهِمَا شَيْئًا (15) .
كَمَا اسْتَشَارَ فِي أَسَارَى بَدْرٍ، فَأَشَارَ أَبُو بَكْرٍ: بِالْفِدَاءِ، وَأَشَارَ عُمَرُ بِالْقَتْل، فَعَمِل النَّبِيُّ ﷺ بِرَأْيِ أَبِي بَكْرٍ - ﵁ (16) وَكَانَ هَذَا قَبْل نُزُول آيَةِ الأَْنْفَال: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَْرْضِ} . (17)
وَلَمَّا نَزَل النَّبِيُّ ﷺ مَنْزِلَهُ بِبَدْرٍ قَال لَهُ الْحُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: يَا رَسُول اللَّهِ أَرَأَيْتَ هَذَا الْمَنْزِل؟ أَمَنْزِلٌ أَنْزَلَكَهُ اللَّهُ لَيْسَ لَنَا أَنْ نَتَقَدَّمَهُ وَلاَ نَتَأَخَّرَ عَنْهُ؟ أَمْ هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ؟ فَقَال: بَل هُوَ الرَّأْيُ وَالْحَرْبُ وَالْمَكِيدَةُ، قَال: إِنَّ هَذَا لَيْسَ لَنَا بِمَنْزِلٍ، فَانْهَضْ بِالنَّاسِ، حَتَّى نَأْتِيَ أَدْنَى مَنْزِلٍ مِنَ الْقَوْمِ فَنَنْزِلَهُ ثُمَّ نَغُورَ مَا وَرَاءَهُ مِنَ الْقُلُبِ، وَنَبْنِيَ لَكَ حَوْضًا فَنَمْلأََهُ مَاءً، ثُمَّ نُقَاتِل النَّاسَ، فَنَشْرَبَ وَلاَ يَشْرَبُونَ. فَقَال ﷺ: لَقَدْ أَشَرْتَ بِالرَّأْيِ (18) .
كَمَا شَاوَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَلِيًّا وَأُسَامَةَ - ﵄ - فِي قِصَّةِ الإِْفْكِ. وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَال: - وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ - مَا تُشِيرُونَ عَلَيَّ فِي قَوْمٍ يَسُبُّونَ أَهْلِي؟ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِمْ إِلاَّ خَيْرًا (19) وَكَانَ هَذَا قَبْل نُزُول بَرَاءَةِ عَائِشَةَ - ﵂ - فِي سُورَةِ النُّورِ (20) . الشُّورَى فِي الْقَضَاءِ:
7 - ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: إِلَى أَنَّهُ يُنْدَبُ لِلْقَاضِي أَنْ يَسْتَشِيرَ فِيمَا يَعْرِضُ عَلَيْهِ مِنَ الْوَقَائِعِ الَّتِي يُشْكِل عَلَيْهِ أَمْرُهَا إِذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ فِيهَا الْحُكْمُ.
وَمَحَل الشُّورَى فِي الْقَضَاءِ هُوَ فِيمَا اخْتَلَفَتْ فِيهِ أَقْوَال الْفُقَهَاءِ، وَتَعَارَضَتْ فِيهِ آرَاؤُهُمْ فِي الْمَسَائِل الدَّاخِلَةِ فِي الاِجْتِهَادِ.
أَمَّا الْحُكْمُ الْمَعْلُومُ بِنَصٍّ، أَوْ إِجْمَاعٍ، أَوْ قِيَاسٍ جَلِيٍّ، فَلاَ مَدْخَل لِلْمُشَاوَرَةِ فِيهِ.
وَفِي قَوْلٍ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ: أَنَّ الْقَاضِيَ يُؤْمَرُ بِأَلاَّ يَقْضِيَ فِيمَا سَبِيلُهُ الاِجْتِهَادُ إِلاَّ بَعْدَ مَشُورَةِ مَنْ يَسُوغُ لَهُ الاِجْتِهَادُ؛ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْقَاضِي مِنْ أَهْل الاِجْتِهَادِ.
وَعَلَى الْقَوْل بِالنَّدْبِ، فَإِنَّ الْقَاضِيَ لاَ يُلْزَمُ بِمَشُورَةِ مُسْتَشَارِيهِ فَإِذَا حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ فَلَيْسَ لأَِحَدٍ أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَيْهِ لأَِنَّ فِي ذَلِكَ افْتِيَاتًا عَلَيْهِ وَإِنْ خَالَفَ اجْتِهَادَهُ، إِلاَّ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا يُخَالِفُ نَصًّا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ، أَوْ إِجْمَاعًا، وَذَلِكَ لِوُجُوبِ نَقْضِ حُكْمِهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. وَيُشَاوِرُ الْقَاضِي الْمُوَافِقِينَ وَالْمُخَالِفِينَ مِنَالْفُقَهَاءِ، وَيَسْأَلُهُمْ عَنْ حُجَجِهِمْ لِيَقِفَ عَلَى أَدِلَّةِ كُل فَرِيقٍ فَيَكُونَ اجْتِهَادُهُ أَقْرَبَ إِلَى الصَّوَابِ (21) .
فَإِذَا لَمْ يَقَعِ اجْتِهَادُ الْقَاضِي عَلَى شَيْءٍ، وَبَقِيَتِ الْحَادِثَةُ مُخْتَلِفَةً وَمُشْكِلَةً: كَتَبَ إِلَى: فُقَهَاءِ غَيْرِ مِصْرِهِ، فَالْمُشَاوَرَةُ بِالْكِتَابِ سُنَّةٌ قَدِيمَةٌ فِي الْحَوَادِثِ الشَّرْعِيَّةِ (22)
مَا يَلْزَمُ الْمُسْتَشَارَ فِي مَشُورَتِهِ:
8 - عَلَى مَنِ اسْتُشِيرَ أَنْ يَصْدُقَ فِي مَشُورَتِهِ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ: الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ (23) وَلِقَوْلِهِ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ (24) .
وَسَوَاءٌ اسْتُشِيرَ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ أَمْ فِي أَمْرِ غَيْرِهِ، فَيَذْكُرُ الْمَحَاسِنَ وَالْمَسَاوِئَ كَمَا يَذْكُرُ الْعُيُوبَ الشَّرْعِيَّةَ وَالْعُيُوبَ الْعُرْفِيَّةَ.
وَلاَ يَكُونُ ذِكْرُ الْمَسَاوِئِ مِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ إِنْ قَصَدَ بِذِكْرِهَا النَّصِيحَةَ.
وَهَذَا الْحُكْمُ شَامِلٌ فِي كُل مَا أُرِيدَ الاِجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، كَالنِّكَاحِ، وَالسَّفَرِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْمُجَاوَرَةِ، وَإِيدَاعِ الأَْمَانَةِ، وَالرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَالْقِرَاءَةِ عَلَيْهِ (25) .
وَلِفُقَهَاءِ الْمَذَاهِبِ تَفْصِيلٌ فِي حُكْمِ ذِكْرِ الْمَسَاوِئِ، وَفِيمَا يَلِي بَيَانُهُ: ذَهَبَ الْمَالِكِيَّةُ إِلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لِمَنِ اسْتَشَارَهُ الزَّوْجُ فِي التَّزَوُّجِ بِفُلاَنَةَ أَنْ يَذْكُرَ لَهُ مَا يَعْلَمُهُ فِيهَا مِنَ الْعُيُوبِ لِيُحَذِّرَهُ مِنْهَا، وَيَجُوزُ لِمَنِ اسْتَشَارَتْهُ الْمَرْأَةُ فِي التَّزَوُّجِ بِفُلاَنٍ أَنْ يَذْكُرَ لَهَا مَا يَعْلَمُهُ فِيهِ مِنَ الْعُيُوبِ لِتَحْذَرَ مِنْهُ.
وَمَحَل جَوَازِ ذِكْرِ الْمَسَاوِئِ لِلْمُسْتَشَارِ إِذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَعْرِفُ حَال الْمَسْئُول عَنْهُ غَيْرَ ذَلِكَ الْمُسْتَشَارِ، وَإِلاَّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْبَيَانُ؛ لأَِنَّهُ مِنْ بَابِ النَّصِيحَةِ لأَِخِيهِ الْمُسْلِمِ، وَفِي قَوْلٍ آخَرَ: يَجِبُ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْمَسَاوِئِ مُطْلَقًا، كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَعْرِفُ تِلْكَ الْمَسَاوِئَ غَيْرَهُ، أَمْ لاَ (26) .
وَذَهَبَ الشَّافِعِيَّةُ إِلَى وُجُوبِ ذِكْرِ الْمَسَاوِئِ سَوَاءٌ اسْتُشِيرَ أَوْ لَمْ يُسْتَشَرْ فِي النِّكَاحِ وَالْمَبِيعِ وَغَيْرِهِمَا لَكِنْ بِشَرْطِ سَلاَمَةِ الْعَاقِبَةِ، بِأَنْ يَأْمَنَ الذَّاكِرُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَعِرْضِهِ.
وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيَّةِ: أَنَّ مَنِ اسْتُشِيرَ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ وَجَبَ ذِكْرُ الْعَيْبِ إِنْ كَانَ مِمَّا يَثْبُتُ بِهِ الْخِيَارُ كَالْعُنَّةِ وَإِلاَّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْصِيَةً كَبُخْلٍ فَيُسَنُّ ذِكْرُهُ، وَإِلاَّ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ مِنْهُ، وَسَتْرُ نَفْسِهِ (27) .
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: عَلَى مَنِ اسْتُشِيرَ فِي خَاطِبٍ أَوْ مَخْطُوبَةٍ أَنْ يَذْكُرَ مَا فِيهِ مِنْ مَسَاوِئَ أَيْ عُيُوبٍ وَغَيْرِهَا، وَلاَ يَكُونُ ذِكْرُ الْمَسَاوِئِ غِيبَةً مُحَرَّمَةً مَعَ قَصْدِهِ بِذِكْرِ ذَلِكَ النَّصِيحَةَ لِحَدِيثِ: الْمُسْتَشَارُ مُؤْتَمَنٌ وَحَدِيثِ: الدِّينُ النَّصِيحَةُ وَإِنِ اسْتُشِيرَ فِي أَمْرِ نَفْسِهِ بَيَّنَهُ وُجُوبًا كَقَوْلِهِ: عِنْدِي شُحٌّ وَخُلُقِي شَدِيدٌ وَنَحْوِهِمَا (28) .
الشُّورَى فِي عَقْدِ الإِْمَامَةِ الْكُبْرَى:
9 - يَجُوزُ لِلإِْمَامِ أَنْ يَجْعَل الْخِلاَفَةَ مِنْ بَعْدِهِ شُورَى بَيْنَ عَدَدٍ مَحْصُورٍ يُعَيِّنُهُمْ فَيَرْتَضُونَ بَعْدَ مَوْتِهِ - أَوْ فِي حَيَاتِهِ بِإِذْنِهِ - أَحَدَهُمْ كَمَا جَعَل عُمَرُ - ﵁ - الأَْمْرَ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهُمْ: عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَعُثْمَانُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَطَلْحَةُ - ﵃ - وَارْتَضَوْا بِالتَّشَاوُرِ بَيْنَهُمْ عَلَى أَنْ تَكُونَ الْخِلاَفَةُ لِعُثْمَانِ مِنْ بَيْنِهِمْ.
وَعَقْدُ الإِْمَامَةِ بِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ دَاخِلٌ فِي الاِسْتِخْلاَفِ إِلاَّ أَنَّهُ يَكُونُ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ، وَهُنَا يَكُونُ فِي عَدَدٍ مَحْصُورٍ يُعَيَّنُ الْخَلِيفَةُ مِنْ بَيْنِهِمْ بِالتَّشَاوُرِ.
وَالشُّورَى لَيْسَتْ شَرْطًا فِي عَقْدِ الإِْمَامَةِ. وَيَجُوزُ لِلإِْمَامِ أَنْ يَنْفَرِدَ بِعَقْدِ الْبَيْعَةِ لِمَنْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إِلَى صَلاَحِيَّتِهِ مَا لَمْ يَكُنْ وَالِدًا وَلاَ وَلَدًا.
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي اشْتِرَاطِ رِضَا أَهْل الاِخْتِيَارِ بِهِ:
فَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ رِضَا أَهْل الاِخْتِيَارِ شَرْطٌ فِي لُزُومِ بَيْعَتِهِ لأَِنَّهَا حَقٌّ يَتَعَلَّقُ بِالأُْمَّةِ فَلَمْ تَلْزَمْهُمْ بَيْعَتُهُ إِلاَّ بِرِضَا أَهْل الاِخْتِيَارِ مِنْهُمْ.
وَمِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى عَدَمِ اعْتِبَارِ رِضَا أَهْل الاِخْتِيَارِ، لأَِنَّ بَيْعَةَ عُمَرَ - ﵁ - لَمْ تَتَوَقَّفْ عَلَى رِضَا الصَّحَابَةِ؛ وَلأَِنَّ الإِْمَامَ أَحَقُّ بِهَا؛ فَكَانَ اخْتِيَارُهُ فِيهَا أَمْضَى.
أَمَّا إِذَا كَانَ وَلَدًا أَوْ وَالِدًا فَلِلْعُلَمَاءِ فِي انْفِرَادِ الإِْمَامِ بِعَقْدِ الْبَيْعَةِ لَهُ دُونَ اسْتِشَارَةٍ ثَلاَثَةُ مَذَاهِبَ:
الْمَذْهَبُ الأَْوَّل:
لاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِعَقْدِ الْبَيْعَةِ لأَِحَدِهِمَا حَتَّى يُشَاوِرَ فِيهِ أَهْل الاِخْتِيَارِ، فَإِذَا رَأَوْهُ أَهْلاً صَحَّ مِنْهُ حِينَئِذٍ عَقْدُ الْبَيْعَةِ لَهُ؛ لأَِنَّ عَقْدَ الْبَيْعَةِ تَزْكِيَةٌ تَجْرِي مَجْرَى الشَّهَادَةِ، وَتَقْلِيدُهُ عَلَى الأُْمَّةِ يَجْرِي مَجْرَى الْحُكْمِ؛ وَهُوَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ لِوَالِدٍ وَلاَ لِوَلَدٍ، وَلاَ يَحْكُمَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَالِلتُّهْمَةِ الْعَائِدَةِ إِلَيْهِ بِمَا جُبِل مِنَ الْمَيْل إِلَيْهِ.
الْمَذْهَبُ الثَّانِي:
يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِذَلِكَ؛ لأَِنَّ أَمْرَهُ نَافِذٌ لِلأُْمَّةِ فَيَغْلِبُ حُكْمُ الْمَنْصِبِ عَلَى حُكْمِ النَّسَبِ، وَلاَ تَجِدُ التُّهْمَةُ طَرِيقًا لِلطَّعْنِ فِي أَمَانَتِهِ، فَصَارَ كَأَنَّهُ عَهِدَ بِالإِْمَامَةِ إِلَى غَيْرِ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ.
الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ:
يَجُوزُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِعَقْدِ الْبَيْعَةِ لِوَالِدِهِ وَلاَ يَجُوزُ لِوَلَدِهِ لأَِنَّ الْمَيْل إِلَى الْوَلَدِ أَكْثَرُ وَأَقْوَى مِنَ الْمِيل إِلَى الْوَالِدِ (29) .
__________
(1) لسان العرب، والمصباح المنير - مادة (شور) .
(2) لسان العرب مادة (رأى) والمصباح المنير مادة (روى) .
(3) لسان العرب والمصباح المنير مادة (نصح) .
(4) حديث: " الدين النصيحة. . " أخرجه مسلم (1 / 74 - ط الحلبي) من حديث تميم الداري.
(5) سورة آل عمران / 159.
(6) سورة الشورى / 38.
(7) تفسير القرطبي 4 / 249، أحكام القرآن للجصاص 2 / 48، تفسير الفخر الرازي 9 / 67، مواهب الجليل 3 / 395 - 396، بدائع السلك في طبائع الملك 1 / 295.
(8) أحكام القرآن للجصاص 2 / 49.
(9) حديث: " البكر تستأمر " أخرجه مسلم (2 / 1037 - ط الحلبي) من حديث ابن عباس.
(10) تفسير الفخر الرازي 9 / 67، وتفسير القرطبي 4 / 250، وأحكام القرآن للجصاص 2 / 48.
(11) سورة آل عمران / 159.
(12) حديث أبي هريرة: ما رأيت من الناس أحدًا أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله ﷺ. أخرجه ابن أبي حاتم كما في الدر المنثور للسيوطي (2 / 359 - ط. دار الفكر) .
(13) سورة النحل / 44.
(14) حديث ابن عمر: " كان المسلمون حين قدموا المدينة. . . " أخرجه البخاري (الفتح 2 / 77 - ط السلفية) .
(15) حديث: " أنه أراد مصالحة عيينة بن حصن الفزاري والحارث ابن عوف المري. . . ". أخرجه ابن إسحاق في السيرة من حديث الزهري مرسلا، كذا في البداية والنهاية لابن كثير (4 / 104 - 105 ط مطبعة السعادة) .
(16) حديث: " استشار في أسارى بدر. . . ". أخرجه مسلم (1385 - ط الحلبي) من حديث عمر بن الخطاب.
(17) سورة الأنفال / 67.
(18) حديث: " نزول منزله ببدر واستشارته الحباب. . . ". أورده ابن هشام في السيرة (2 / 620 - ط الحلبي) نقلا عن ابن إسحاق بإسناد فيه انقطاع.
(19) حديث: " ما تشيرون علي في قوم يسبون أهلي. . . ". أخرجه البخاري (الفتح 13 / 340 - ط السلفية) .
(20) مطالب أولي النهى 5 / 31، الخصائص للسيوطي 3 / 256، حاشية الدسوقي 2 / 212، أحكام القرآن للجصاص 2 / 49 - 50، تهذيب الرياسة وترتيب السياسة للقلعي 178 - 181، نهاية المحتاج 6 / 175 روضة الطالبين 7 / 3، الحطاب 3 / 395، الخرشي 3 / 158.
(21) حاشية الجمل 5 / 347، الشرقاوي على التحرير 2 / 494، حاشية القليوبي 4 / 302، مواهب الجليل 6 / 93، كشاف القناع 6 / 315، مطالب أولي النهى 6 / 478، حاشية ابن عابدين 4 / 303.
(22) حاشية ابن عابدين 4 / 303.
(23) حديث: " المستشار مؤتمن " أخرجه الترمذي (4 / 585 - ط الحلبي) والحاكم (4 / 131 - ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث أبي هريرة، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.
(24) تقدم تخريجه ف 3.
(25) حاشية الدسوقي 2 / 220، حاشية ابن عابدين 5 / 262، مطالب أولي النهى 5 / 11، القليوبي وعميرة 3 / 214، حواشي تحفة المحتاج 7 / 213.
(26) الشرح الصغير 2 / 348 ط. 7 / 213 (دار المعارف بمصر) .
(27) حواشي تحفة المحتاج 7 / 213، القليوبي وعميرة 3 / 214
(28) مطالب أولي النهى 5 / 11.
(29) حاشية الجمل 5 / 120، كشاف القناع 6 / 159، الغياثي للجويني ص 55، الأحكام السلطانية للماوردي 7، 10، حاشية ابن عابدين 3 / 310.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 279/ 26