العزيز
كلمة (عزيز) في اللغة صيغة مبالغة على وزن (فعيل) وهو من العزّة،...
استحضار صورة الشيء في الذهن من غير حكم عليه بنفي، أو إثبات، أو استحضار حكمه . ويشمل التصور، والتصديق . ومن أمثلته إدراك معنى السماء، والأرض، هذا تصور، والحكم على السماء والأرض بأنهما مخلوقتان، تصديق
التَّعْرِيفُ:
1 - يُطْلَقُ الإِْدْرَاكُ فِي اللُّغَةِ وَيُرَادُ بِهِ اللُّحُوقُ وَالْبُلُوغُ فِي الْحَيَوَانِ، وَالثَّمَرِ، وَالرُّؤْيَةِ. وَاسْمُ الْمَصْدَرِ مِنْهُ الدَّرَكُ بِفَتْحِ الرَّاءِ. وَالْمُدْرَكُ بِضَمِّ الْمِيمِ يَكُونُ مَصْدَرًا وَاسْمَ زَمَانٍ وَمَكَانٍ، تَقُول: أَدْرَكْتُهُ مُدْرَكًا، أَيْ إِدْرَاكًا، وَهَذَا مُدْرَكُهُ، أَيْ مَوْضِعُ إِدْرَاكِهِ أَوْ زَمَانِهِ (1) . وَقَدِ اسْتَعْمَل الْفُقَهَاءُ الإِْدْرَاكَ فِي هَذِهِ الْمَعَانِي اللُّغَوِيَّةِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ: أَدْرَكَهُ الثَّمَنُ، أَيْ لَزِمَهُ، وَهُوَ لُحُوقٌ مَعْنَوِيٌّ، وَأَدْرَكَ الْغُلاَمُ: أَيْ بَلَغَ الْحُلُمَ، وَأَدْرَكَتِ الثِّمَارُ: أَيْ نَضِجَتْ. وَالدَّرَكُ بِفَتْحَتَيْنِ، وَسُكُونِ الرَّاءِ لُغَةٌ فِيهِ: اسْمٌ مِنْ أَدْرَكْتُ الشَّيْءَ، وَمِنْهُ ضَمَانُ الدَّرَكِ (2) .
وَيُطْلِقُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ الإِْدْرَاكَ وَيُرِيدُ بِهِ الْجُذَاذَ (3) .
وَقَدِ اسْتَعْمَل الأُْصُولِيُّونَ وَالْفُقَهَاءُ (مَدَارِكَ الشَّرْعِ) بِمَعْنَى مَوَاضِعَ طَلَبِ الأَْحْكَامِ، وَهِيَ حَيْثُ يُسْتَدَل بِالنُّصُوصِ، كَالاِجْتِهَادِ، فَإِنَّهُ مُدْرَكٌ مِنْ مَدَارِكِ الشَّرْعِ (4) .
الأَْلْفَاظُ ذَاتُ الصِّلَةِ:
اللاَّحِقُ وَالْمَسْبُوقُ:
2 - يُفَرِّقُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ بَيْنَ الْمُدْرِكِ لِلصَّلاَةِ مَثَلاً وَاللاَّحِقِ بِهَا وَالْمَسْبُوقِ، مَعَ أَنَّ الإِْدْرَاكَ وَاللِّحَاقَ فِي اللُّغَةِ مُتَرَادِفَانِ. فَالْمُدْرِكُ لِلصَّلاَةِ مَنْ صَلاَّهَا كَامِلَةً مَعَ الإِْمَامِ، أَيْ أَدْرَكَ جَمِيعَ رَكَعَاتِهَا مَعَهُ، سَوَاءٌ أَدْرَكَ التَّحْرِيمَةَ أَوْ أَدْرَكَهُ فِي جُزْءٍ مِنْ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الأُْولَى. وَاللاَّحِقُ مَنْ فَاتَتْهُ الرَّكَعَاتُ كُلُّهَا أَوْ بَعْضُهَا بِعُذْرٍ بَعْدَ اقْتِدَائِهِ. أَمَّا الْمَسْبُوقُ فَهُوَ مَنْ سَبَقَهُ الإِْمَامُ بِكُل الرَّكَعَاتِ أَوْ بَعْضِهَا (5) . الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
3 - يَخْتَلِفُ الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ لِلإِْدْرَاكِ تَبَعًا لِلاِسْتِعْمَالاَتِ الْفِقْهِيَّةِ أَوِ الأُْصُولِيَّةِ، فَاسْتِعْمَالُهُ الأُْصُولِيُّ سَبَقَتِ الإِْشَارَةُ إِلَيْهِ عِنْدَ الْكَلاَمِ عَنْ مَدَارِكِ الشَّرِيعَةِ، وَتَفْصِيلُهُ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
أَمَّا الاِسْتِعْمَال الْفِقْهِيُّ فَيَصْدُقُ عَلَى أُمُورٍ عِدَّةٍ. فَإِدْرَاكُ الْفَرِيضَةِ: اللُّحُوقُ بِهَا وَأَخْذُ أَجْرِهَا كَامِلاً عِنْدَ إِتْمَامِهَا عَلَى الْوَجْهِ الأَْكْمَل، مَعَ الْخِلاَفِ بِأَيِّ شَيْءٍ يَكُونُ الإِْدْرَاكُ. وَإِدْرَاكُ فَضِيلَةِ صَلاَةِ الْجَمَاعَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَكُونُ بِاشْتِرَاكِ الْمَأْمُومِ مَعَ الإِْمَامِ فِي جُزْءٍ مِنْ صَلاَتِهِ، وَلَوْ آخِرَ الْقَعْدَةِ الأَْخِيرَةِ قَبْل السَّلاَمِ، فَلَوْ كَبَّرَ قَبْل سَلاَمِ إِمَامِهِ فَقَدْ أَدْرَكَ فَضْل الْجَمَاعَةِ (6) . أَمَّا الْمَالِكِيَّةُ فَعِنْدَهُمْ تُدْرَكُ الصَّلاَةُ وَيَحْصُل فَضْلُهَا بِإِدْرَاكِ رَكْعَةٍ كَامِلَةٍ مَعَ الإِْمَامِ (7) .
4 - وَفِي الْمُعَامَلاَتِ نَجِدُ فِي الْجُمْلَةِ الْقَاعِدَةَ التَّالِيَةَ: وَهِيَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ آخَرَ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ كُل أَحَدٍ، إِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مِلْكُهُ بِالْبَيِّنَةِ، أَوْ صَدَّقَهُ مَنْ فِي يَدِهِ الْعَيْنُ (8) .
وَيَنْدَرِجُ تَحْتَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مَسْأَلَةُ (ضَمَانُ الدَّرَكِ) وَهُوَ الرُّجُوعُ بِالثَّمَنِ عِنْدَ اسْتِحْقَاقِ الْمَبِيعِ (9) . فَعِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ يَصِحُّ ضَمَانُ الدَّرَكِ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ ﷺ مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ عِنْدَ رَجُلٍ فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ، وَيَتْبَعُ الْبَيْعَ مَنْ بَاعَهُ (10) وَلِكَوْنِ الْحَاجَةِ تَدْعُو إِلَيْهِ (11) .
مَوَاطِنُ الْبَحْثِ:
5 - يَبْحَثُ الْفُقَهَاءُ مُصْطَلَحَ (إِدْرَاكٍ) فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَوَاطِنِ. فَمَسْأَلَةُ إِدْرَاكِ الصَّلاَةِ بُحِثَتْ فِي الصَّلاَةِ عِنْدَ الْحَدِيثِ عَنْ إِدْرَاكِ رَكْعَةٍ فِي آخِرِ الْوَقْتِ: (إِدْرَاكُ الْفَرِيضَةِ، صَلاَةُ الْجُمُعَةِ، صَلاَةُ الْجَمَاعَةِ، صَلاَةُ الْخَوْفِ) ، وَمَسْأَلَةُ إِدْرَاكِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ فِي الْحَجِّ عِنْدَ الْحَدِيثِ عَنِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ، وَمَسْأَلَةُ زَكَاةِ الثَّمَرَةِ إِذَا أَدْرَكَتْ فِي الزَّكَاةِ عِنْدَ الْحَدِيثِ عَنْ زَكَاةِ الثِّمَارِ، وَضَمَانُ الدَّرَكِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الضَّمَانِ، وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ فِي الْبَيْعِ، وَعِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ فِي الْكَفَالَةِ، أَمَّا الْحَنَابِلَةُ وَيُسَمُّونَهُ عُهْدَةَ الْمَبِيعِ - فَبَحَثُوهُ فِي السَّلَمِ، عِنْدَ الْحَدِيثِ عَنْ أَخْذِ الضَّمَانِ عَلَى عُهْدَةِ الْمَبِيعِ، وَمَسْأَلَةُ إِدْرَاكِ الْغُلاَمِ وَالْجَارِيَةِ فِي الْحَجْرِ، عِنْدَ الْحَدِيثِ عَنْ بُلُوغِ الْغُلاَمِ، وَمَسْأَلَةُ بَيْعِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ قَبْل الإِْدْرَاكِ وَبَعْدَهُ فِي الْمُسَاقَاةِ، عِنْدَ الْحَدِيثِ عَنْ إِدْرَاكِ الثَّمَرِ، وَمَسْأَلَةُ إِدْرَاكِ الصَّيْدِ حَيًّا فِي الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ.
__________
(1) لسان العرب، وأساس البلاغة، والمصباح المنير.
(2) النظم المستعذب 1 / 349 ط الحلبي، والمصباح المنير مادة (درك) ، وطلبة الطلبة.
(3) القليوبي 3 / 64 ط مصطفى الحلبي.
(4) المصباح المنير، مادة (درك) .
(5) حاشية ابن عابدين - 1 / 399، 400 ط بولاق.
(6) مجمع الأنهر 1 / 143 المطبعة العثمانية، والإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع 2 / 6 ط محمد علي صبيح، والمقنع 1 / 192 ط السلفية.
(7) مواهب الجليل 2 / 82 - 83 ط ليبيا.
(8) نيل الأوطار 5 / 240 المطبعة العثمانية المصرية.
(9) ابن عابدين 4 / 264
(10) حديث " من وجد عين ما له. . . " رواه أحمد 5 / 13، وأبو داود 2 / 259، والنسائي 7 / 314 عن الحسن عن سمرة. وفي سماع الحسن عنه خلاف، وبقية رجاله ثقات (نيل الأوطار 5 / 360) وروى أحمد أوله أيضا ببعض اختلاف في اللفظ بسند صحيح (مسند أحمد بتحقيق أحمد شاكر 12 / 91)
(11) ابن عابدين 4 / 264، وحاشية الدسوقي 3 / 11 ط عيسى الحلبي، والمهذب 1 / 349 ط مصطفى الحلبي، والمغني 4 / 351 ط المنار.
الموسوعة الفقهية الكويتية: 353/ 2